د. عسالي صباح

السنة الثانية ليسانس.2020/2021

سلام عليكم ابنائي الطلبة الاعزاء.. هذه محاضراتي موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس .السداسي الثالث .المجموعة الاولى في مادة القانون المدني (مصادر الالتزام)      

المحاضرة الرابعة : المحل والسبب


درسنا فيما سبق أن أركان العقد هي: الرضا ، المحل و السبب ، والشكلية في العقود الشكلية، و لابد من توافرها حتى يقوم العقد ، وركن الرضا سبق دراسته ، ونتناول فيما يلي الركن الثاني من العقد و هو المحل .
تعريف المحل :
القانون المدني الجزائري لم يتضمن تعريفا محدد لمحل الالتزام ، حيث أن محل الالتزام هو الذي ينشئه محل العقد الذي هو العملية القانونية التي اتفق الطرفان على تحقيقها ( كالبيع ، الإيجار) .

 أما محل الالتزام فهو ما يتعهد به المدين في مواجهة الدائن و هذا الأداء قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن ، و قد يكون قيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين لصالح الدائن.

 * مثال للالتزام بعمل : قيام مهندس معماري بعمل تصميمات هندسية لمبنى معين ، مثال الالتزام بامتناع عن العمل:  و التزام تاجر بعدم منافسة تاجر آخر في نفس منطقته ونشاطه.

 

شروط المحل :
طبقا لما نص عليه المشرع الجزائري في المواد رقم 92 ، 93 ،94، 95 من القانون المدني الجزائري فان شروط المحل هي :
أن يكون محل الالتزام ممكنا غير مستحيل .
أن يكون معينا أو قابلا للتعيين .
أن يكون الحل مشروعا ، أي غير مخالف للنظام للنظام العام و الآداب.

/1 أن يكون محل الالتزام ممكنا غير مستحيل :

أي لابد ان يكون محل الالتزام موجودا وقت إبرام العقد ، يترتب على  غياب ذلك بطلان العقد بطلانا  مطلقا ، بالتالي إذا كانت الاستحالة  في وجود المحل ليست راجعة لعمل المدين هو إنما لقوة قاهرة ، فإن العقد ينفسخ من تلقاء نفسه ، أما إذا كانت راجعة إلى فعل المدين ، فإن الالتزام لا ينقضي و يلتزم بالتالي المدين بالتعويض .
و يدخل ضمن هذا الشرط إمكان وجود الالتزام :

 أي لا يكون محل الالتزام مستحيلا م 93 ق.م.ج و الاستحالة قد تكون مطلقة حيث يعجز كل الناس على القيام بمحل الالتزام كأن يتعهد محام برفع استئناف عن حكم ثم اتضح أن ميعاد الاستئناف قد انقضى ، و قد تكون الاستحالة نسبية ، أي بالنظر إلى شخص المدين ، كأن يتعهد أحد الأشخاص برسم لوحة فنية وهو يجهل الرسم .
*كما يجوز أن يكون محل الالتزام مستقبلا و هذا ما جاء في نص م 92 ق.م.ج بانه يجوز أن يكون محل الالتزام مستقبلا و محققا مثل امكانية بيع المحصولات المستقبلية قبل أن تنضج ، سواء بثمن جزافي أو بسعر الوحدة ، حيث يشترط القانون في جواز التعامل بالأشياء المستقبلية أن تكون محققة الوجود ، و إلا اعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا .
*و على الرغم من هذا إلا أن القانون المدني الجزائري ، استثنى من قاعدة جواز التعامل بالأموال المستقبلية التعامل في تركة إنسان حي حتى و لو برضاه إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون ، وهذا ما يتضح في نص المادة 92/02 " غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل و لو كان برضاه إلا في الاحوال المنصوص عليها في القانون " لأن ذلك يعتبر مخالف للأداب العامة .
2/ أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين :

اذا لم يكن محل الالتزام كعينا بذاته وجي ان يكون معينا بنوعه ومقداره والا كان العقد باطلا ، ويكفي تعيين المحل بنوعه فقط اذا تضمن العقد ما يمكننا من تعيين مقداره ، اما اذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشئ من حيث جودته ولم يكن بيان ذلك من العرف او من اى ظرف اخر التزم المدين بتسليم شئ من صنف متوسط ، وهذا ما ورد ذكره في نص المادة 94 .ق.م.ج.
 *إذا كان الشيء محل الالتزام نقودا يجب تعيين مقداره ، يلتزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو انخفاضها وقت الوفاء أي أثر وفقا لنص المادة 95 ق.م.ج .
أما إذا كان محل الالتزام عملا أو امتناعا عن عمل فيجب أن يكون هذا العمل الامتناع معينا ، أو قابلا للتعيين ، فإذا تعهد مقاول ببناء منزل ، فلابد تحديد أوصافه على الأقل ، أو أن يكون قابلا للتعيين من ملابسات على الأقل ، أو أن يكون قابلا للتعيين من ملابسات التعاقد .

السبب
تعريف السبب :

السبب هو الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه حين تحمل التزامه مثل الالتزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري و بتسليمه إياه يهدف الحصول على الثمن .

 

النظرية التقليدية في السبب :
ترجع فكرة السبب إلى القوانين الرومانية ، الذي يقصد به الغرض القريب المباشر ، دون النظر إلى غيره من الأسباب البعيدة ، حيث تصور فقهاء الرومان أن السبب في العقود الملتزمة لجانبين كالبيع ، التزام كل متعاقد بالنسبة إلى المتعاقد الآخر ، فسبب التزام البائع بتسليم المبيع هو التزام المشتري بدفع الثمن ، و سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع و انتقلت فكرة السبب من الرومان إلى فقهاء القانون الكنسي ، حيث عمموها على كل العقود ، وتعمقوا فيها ، فجعلوا السبب يتعدى الغرض المباشر الذي يسعى المتعاقد إلى تحقيقه الى الباعث الذي دفع المتعاقد الى التعاقد.
مضمون النظرية:
السبب في هذه النظرية هو الغرض المباشر المجرد الذي يريد المدين تحقيقه بالتزامه ولقد وضح الفقيه الفرنسي الكبير domat أسس النظرية التقليدية في السبب في القرن 17 م فاعتمد السبب القصدي و الغرض المباشر ، و أغفل الدافع ، فالعقد قد يكون له دوافع متعددة ، أما الالتزام فليس له إلا سبب واحد.
*على هذا الأساس تفرق النظرية التقليدية بين السبب المنشأ للالتزام و السبب القصدي لا الباعث على التعاقد ، وأن السبب القصدي عنصر موضوعي داخل في العقد  .
ويذهب أنصار النظرية التقليدية في السبب إلى أن السبب وفقا لهذه النظرية يجب أن تتوافر في شروط ثلاثة و هي : أن يكون موجودا – صحيحا و أن يكون مشروعا .


نقد النظرية :

يرى جانب من الفقه ان هذه النظرية لا فائدة منها ، و غير منطقية ويمكن الاستغناء عنها و الاكتفاء بالمحل و الرضا ، اذ تظهرعدم صحتها من استعراض السبب في الطوائف المختلفة للعقود ، أما أنها نظرية لا فائدة منها ، ذلك بأنه يمكن الوصول إلى نفس نتنائجها بطرق أخرى ، طالما أن فكرة السبب يراد بها إبطال العقد إذا لم يكن للالتزام سبب اصلا أو كان ذلك السبب غير مشروع.
النظرية الحديثة في السبب :
مؤدى النظرية التقليدية في السبب ، هو الاخذ بالغرض المباشر الأول الذي دفع المتعاقد إلى الرضا بتحمل التزامه كاملا، بينما النظرية الحديثة في السبب تقوم على الاخذ بفكرة الدافع الباعث الى التعاقد المباشر.
فليس كل باعث يدخل عنصرا في السبب دائما بل يلزم أن يكون هذا الباعث هو الدفع إلى التعاقد ، ومعنى ذلك أن يكون من الأمور الجوهرية التي أدت بالمتعاقد الى تحمل الالتزام.
موقف المشرع الجزائري:
الاصل ان يكون السبب مشروعا  إلى أن يقام الدليل على عكس ذلك ، ومعنى أن القرينة التي وضعتها المادة 98 من ق.م.ج  و التي تقرر بأن " كل التزام يفترض أن له سببا مشروعا ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " تعتبر قرينة ضعيفة يجوز إثبات عكسها ، وعبء الإثبات يقع على عاتق من يدعي عدم مشروعية السبب ، وفي حالة ذكر السبب في العقد ، يعتبر هو السبب الحقيقي للاتفاق ، إلا إذا قام الدليل على عكس ذلك ، و بهذا تنص الفقرة الثانية من المادة 98 من ق.م.ج "

ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي للاتفاق  حني يقوم  الدليل على ما يخالف ذلك.

 *وهذا ما قررته الفقرة 2 من المادة 98 في الجزء الثاني منها على انه " إذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعيها أن يثبت ما يدعيه.
ملاحظة للطلبة
من خلال ما سبق يتضح لنا أن المحل و السبب ركنان من أركان العقد مثلهما مثل الرضا و يترتب على غيابهما بطلان العقد بطلانا مطلقا .