د. عسالي صباح

السنة الثانية ليسانس.2020/2021

سلام عليكم ابنائي الطلبة الاعزاء.. هذه محاضراتي موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس .السداسي الثالث .المجموعة الاولى في مادة القانون المدني (مصادر الالتزام)

المحاضرة التاسعة. اركان المسؤلية التقصيريةفي ضوء المادة 124 ق.م.ج

نص المشرع الجزائري على القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، وهي المسؤولية عن العمل الشخصي في المادة 124 من القانون المدني الجزائري، والتي تنص بأن :( كل عمل أيا كان، يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض) ويتبين من هذا النص أن المسؤولية عن العمل الشخصي هي تلك التي تترتب على عمل يصدر من المسؤول نفسه وأن المسؤولية التقصيرية كالمسؤولية العقدية أركانها ثلاثة وهي الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما، كما يتضح بأن أساس هذه المسؤولية هو الخطأ، الواجب الاثبات، وعلى المضرور إثباته، فإذا ثبت الخطأ وترتب عليه ضرر للغير فإن مرتكبه يلتزم بتعويض الغير عن هذا الضرر، وللقاضي الحق في تقدير قيام الخطأ، كما له حق تقدير إنتفائه، غير أنه يخضع لرقابة المحكمة العليا في عملية تكييفه القانوني.

*اركان المسؤولية التقصيرية

1/الخطـــــأ

لقد اختلفت وتعددت الآراء في تحديد الخطأ الذي يوجب المسؤولية، والمستقر عليه فقها وقضاء ، الا أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال فهو بمعنى الانحراف في السلوك المألوف للشخص العادي، ويتمثل هذا الالتزام في وجوب أن يتحرى الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب وكان مدركا لهذا الانحراف فيعتبر هذا خطأ يستوجب مسؤوليته التقصيرية، واستقر أغلب الفقهاء على ان الخطأ هو الإخلال بالتزام قانوني مع الإدراك بأنه يضر بالغير، وبالرجوع إلى المشرع الجزائري يتضح لنا بأنه يجعل الخطأ الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية بصفة عامة وهذا دون أن يعرف ماهية الخطأ، لما فيه من الدقة والصعوبة واقتصر على نص المادة 124 ق م ج
ومن هنا يتضح أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية يقوم على ركنين أولهما مادي وهو التعدي أو الانحراف عن السلوك المعتاد، والثاني معنوي نفسي وهو الإدراك والتمييز.

الركن المادي (التعدي)*

 التعدي هو الإخلال بالالتزام القانوني العام بعدم الإضرار بالغير. أي هو كل انحراف عن السلوك المألوف للرجل العادي فهو تجاوز للحدود التي يجب على الشخص التزامها في سلوكه ، وهنا تساؤل : ما هو المعيار الذي يحدد اعمال الشخص هل هي اخلال بالتزام قانوني ام لا ؟

 *فهذا المعيار إما أن يكون ذاتيا أو موضوعيا فإذا أخذنا بالمعيار الشخصي الذاتي فإننا ننظر الى الشخص الذي وقع منه السلوك فيجب لاعتبار هذا السلوك أو العمل تعديا مع الاخذ بعدة اعتبارات منها السن والجنس والحالة الاجتماعية وظروف الزمان والمكان المحيطة بارتكابه التعدي أي عند محاسبة الشخص عن تصرفاته.  

*أما إذا أخدنا بالمعيار الموضوعي فيفترض استبعاد الاعتبارات السابقة بل ننظر إلى سلوك هذا الشخص مقارنة بسلوك الأشخاص الذين يتعامل معهم ويعايشهم، ويلاحظ ان المعيار الموضوعي او معيار الرجل العادي هو المعيار الأقرب للمنطق.

 *أما الأخذ بالمعيار الشخصي المبني على اعتبارات ذاتية خفية يصعب كشفها كما أنها تختلف من شخص لآخر، وبالتالي فالمعيار الموضوعي هو الأساس لقياس التعدي وهو المعيار الذي أخذ به المشرع الجزائري في الكثير من أحكامه فيقاس به الخطأ العقدي في الإلتزام ببذل عناية (م 172/2 ق م ).

*وذلك بإثبات أن المعتدي انحرف عن سلوك الرجل العادي بكافة طرق الاثبات بما فيها البينة والقرائن..

الركن المعنوي (الإدراك) *

وهو الركن الثاني لأركان الخطأ وهو الإدراك ويجب أن يكون هذا الشخص مدركا لأعمال التعدي التي قام بها سواء بقصد أو وقعت منه بغير قصد. والإدراك مرتبط بقدرة الانسان على التمييز، وسن التمييز في القانون الجزائري هو 16 سنة، فمن بلغ سن السادسة عشرة من عمره يكون مسئولا مسؤولية كاملة على كل أفعاله الضارة، غير أنه اذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من من هو مسئول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول ، جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم، فهذه المسؤولية لا تقوم على أساس الخطأ لأن عدم التمييز يكون مفقدا للإدراك،  وانما تقوم على أساس تحمل التبعة أو التضامن الاجتماعي أو مقتضيات العدالة، ولهذا كانت مسؤولية استثنائية.:

 *حالات انتفاء الخطأ:

إذا كان الأصل في التعدي أن يعتبر عملا غير مشروع ( المادة 124 من ق م ) فإن هناك تنتفي فيهاهذه الصفة ومن ثم لا تقوم المسؤولية رغم ما فيها من أضرار بالغير، وعليه فقد تضمن القانون الجزائري نصوصا تناول فيها حالة الدفاع الشرعي، وحالة الضرورة، وحالة تنفيذ أمر الرئيس، إلا أن هذه الحالات ليست واردة على سبيل الحصر. ويكون من الممكن انتفاء الخطأ في حالات أخرى .

*واليكم ابنائي الطلبة تفصيل ذلك:
: **حالة الدفاع الشرعي

 تنص المادة 128 من القانون المدني الجزائري، على انه " من أحدث ضرر وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن ماله، أو عن نفس الغير أو عن ماله كان غير مسئول على ألا يتجاوز في دفاعه القدر الضروري، وعند الاقتضاء يُلزم بتعويض (يُحدده القاضي) إن حالة الدفاع الشرعي تنفي عن التعدي وصف الانحراف  ، فالرجل العادي المعتاد كان سيـأتي نفس الفعل لو تهدده خطر جسيم على ألا يتجاوز في دفاعه القدر الضروري لدفع الاعتداء ولقيام حالة الدفاع الشرعي وفقا للمادة 128 ق م، يدب أن تتوفر فيها الشروط المعروفة في القانون الجزائي، وهي:

*أن يوجد خطر حال أو وشيك الحلول

* أن يكون سبب هذا الخطر عملا غير مشروع أما إذا كان من الأعمال المشروعة. مثل اللص الذي يطارده رجال الأمن فلا يحق له أن يقاوم بحجة الدفاع الشرعي.

* ألا يكون في استطاعة هذا الشخص دفع الاعتداء بأي وسيلة أخرى مشروعة كالاستعانة برجال الأمن وغيرهم.

* أن يكون دفع الاعتداء بالقدر اللازم والضروري دون مجاوزة أو إفراط.

 

حالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس**

نصت المادة 129 قانون مدني جزائري على أنه " لا يكون الموظفون والعمال العامون مسئولين شخصيا عن أعمالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت اليهم من رئيس متى كانت طاعة هذه الأوامر واجبة عليهم
فتنفيذ أوامر صادرة من رئيس يجعل التعدي عملا مشروعا وذلك إذا توافرت الشروط الآتية

1/ أن يكون مرتكب الفعل موظفا عموميا

2/ أن يكون هذا الموظف قد قام بالفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وأن تكون طاعة هذا الأمر واجبة، وهي لا تكون كذلك إلا إذا كان العمل مشروعا

3/ أن يثبت الموظف العام أنه راعى في عمله جانب من الحيطة والحذر.

 

 

 

حالة الضرورة**

تنص المادة 130 من القانون المدني الجزائري على أنه " من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره فينبغي ألا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا: وتعرضت المادة الى الحالة الثالثة التي إذا استطاع الشخص المسؤول بالتعويض أن يقيم الدليل على انه وثت ارتكاب التعدي كان في حالة الضرورة أن يتخلص من جزء من مسؤوليته وذلك وفق الشروط التالية:

1/ أن يكون هناك خطر حال يهدد مرتكب الفعل أو الغير في النفس أو المال
2/ أن يكون مصدر هذا الخطر أجنبيا ر يرجع الى الشخص المتضرر و لا لمحدث الضرر
3/ أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الضرر الذي وقع

*************************************************

/ركــن الضـــرر2

الضرر وأنواعه:

لا يكفي لقيام المسؤولية التقصرية ان يقع خطأ بل يجب أن يترتب عنه ضرر ، ونُعرفه بصفة عامة " هو الأذى الذي يصيب الشخص نتيجة المساس بمصلحة مشروعة له أو حق من حقوقه ".

والضرر قد يكون مادياً أو معنوياً ويضيف إليه الفقه والقضاء الضرر المرتد.

أ/الضرر المادي:

 هو ما يصيب الشخص في جسده أو في ماله فيتمثل في الخسارة المالية التي تترتب على المساس بحق أو مصلحة سواء كان الحق ماليا ( كالحقوق العينية أو الشخصية أو الملكية الفكرية أو الصناعية ) ويكون ضررا مادياً إذا نجم عن هذا المساس انتقاص للمزايا المالية التي يخولها واحد من تلك الحقوق.

 او غير مالي كالمساس بحق من الحقوق المتصلة بشخص الانسان كالحرية الشخصية وحرية العمل وحرية الرأي كحبس شخص دون وجه حق أو منعه من السفر.

ب/الضرر المعنوي أو الأدبي :

 هو الضرر الي يلحق الشخص في حقوقه او مصالحه غير المالية ، فهو ما يصيب الشخص في كرامته أوفي شعوره أو في شرفه أو في معتقداته الدينية أو في عاطفته وهو أيضا ما يصيب العواطف من ألام نتيجة الفقدان شخص عزيز ، وقد توسع القضاء في مفهوم المصلحة الأدبية فأعتبر ضررا أدبياً ما يصيب الشخص من جراء السب أو القذف من ايذاء للسمعة أو عن آلام النفس إلى نطاق من المحافظة على إسم الشخص وحرمة عائلته وشرفها.
وفيما يخص التعويض على الأدبي فلم يأت القانون المدني الجزائري بنص صريح يقضي بمبدأ التعويض عن الضرر الأدبي ، غير أن صياغة نص المادة 124 ق.م.ج جاءت مطلقة لا تميز بين الضرر المادي والضرر الأدبي ،غير أن الفقه الجزائري متفق على تعويض مختلف أنواع الضرر الأدبي كما أن الفضاء الجزائري حكم في تطبيقاته بدفع التعويض الأدبي.

ج/الضرر المرتد :

 يعرفه الفقه القانوني انه:  لا يقتصر أحيانا على المضرور وحده ،بل قد يرتد أو ينعكس على أشخاص آخرين يصيبهم شخصيا بوقوعه أضراراً أخرى ، ويسمى هذا بالضرر المرتد مثال ذاك الضرر الذي يصيب الأسرة التي يموت عائلهم في حادثة مادي ومعنوي على أن القانون الجزائري قد حدد من لهم حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي نتيجة موت شخص آخر وهم الأزواج والأقارب إلي الدرجة الثانية، غير أن الأخوة والأخوات لا يستحقون التعويض إلا إذا أثبتو بوثيقة رسمية أن الضحية كانت تعولهم.


**شروط الضرر الموجب التعويض:

أ/ الإخلال بحق مالي او مصلحة مالية :

 يجب لوقوع الضرر أن يكون هناك اخلال بحق المضرور أو بمصلحة مالية له كما إذا أخرق شخص منزلا لأخر أو أتلف زرعه .
ب/ أن يكون الضرر محققا :

 لكي يتوفر الضرر لابد يكون وقع فعلاً أو أنه مؤكد الوقوع في المستقبل.
ج/ ان يكون الضرر شخصيا:
وهذا الشرط ينصرف القصد فيه إلى أنه إذا كان طالب التعويض هو المضرور أصلا فيجب عليه أن يثبت ما أصابه شخصيا من ضرر.
د/ أن لا يكون قد سبق تعويضه:
إذا أنه لا يجوز أن يحصل المضرور على أكثر من تعويض لإصلاح ضرر بعينه، فإذا قام مُحدث الضرر بما يجب عليه من تعويضه اختيارا فقد أوفى بالتزامه، ولا محل بعد ذلك لمطالبته بالتعويض.
غير أنه إذا كان المضرور مؤمنا على نفسه ضد ما قد يصيبه من حوادث فإنه يمكنه بعد الحصول على تعويض شركة التأمين أن يطالب بعد ذلك محدث الضرر بالتعويض بما لم يشمله مبلغ التأمين.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر الأدبي كالضرر المادي يجب أن يكون محقق وشخصيا ولم يسبق التعويض عنه حتى يمكن للقاضي التعويض عنه والأمر فيه يخضع تقديره لمحكمة الموضوع.

**عبء إثبات الضرر

ويقع عبء الإثبات على من يدعيه وذلك وفقا لما تقضي به القاعدة العامة من أن المدعي هو المكلف بإثبات ما يدعيه " البينة على من ادعى " واثبات الضرر أو نفيه من الأمور الواقعية التي تقدرها محكمة الموضوع ولا رقابة فيها للمحكمة العليا، أما تحديد الضرر وبيان عناصره وموجباته وتكييف عنه كلها تخضع لرقابة المحكمة العليا لأنها كلها من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع للرقابة.
ولا يكتفي من المدعي باثبات الضرر الذي أصابه خطأ المدعي عليه بل عليه ان يثبت ان الضرر الذي يدعيه إنما هو ناشئ عن خطأ المدعي عليه مباشرة .

/ ركـن العلاقة السببيـــة:3

وهو الركن الثالث في المسؤولية التقصيرية وتعني وجوب وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه الشخص المسئول وبين الضرر الذي وقع بالشخص وقد عبر المشرع الجزائري عن ركن السببية في المادة 124 ق م في عبارة " ويسبب ضررا" لذا حتى يستحق التضرر التعويض يجب أن يثبت وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وعلى المسئول إذا ما أراد أن ينفي علاقة السببية ان يثبت السبب الأجنبي أي السبب الذي لا يد فيه.
**تعدد الأضرار:
تسلسل الأضرار وتعاقبها ويحدث عندما يؤدي الفعل الخاطئ إلى ضرر الشخص ثم يؤدي هذا الضرر إلى ضرر ثان بنفس الشخص وهذا الأخير يؤدي إلى ضرر ثالث وهكذا والتساؤل مطروح عما إذا كان الفعل الخاطئ يعتبر مصدرا لجميع هذه الأضرار أم لبعضها فقط.

فالقاعدة التقليدية أننا نقف عن الضرر المباشر فنعوض عنه ونغفل الضرر الغير فالضرر المباشر هو ما كانت نتيجة طبيعية للضرر
*نفــي العلاقــة السببيــة
حيث تنص المادة 127 من القانون المدني الجزائري " إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث مفاجئ، أو قوة قاهرة أو خطأ صدر من المضرور، أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك". فإذا تدخل السبب الأجنبي وكان السبب الوحيد في إحداث الضرر فان المدعي عليه لا يكون مسئولا بالتعويض، ويتمثل السبب الأجنبي اجمالا  في القوة القاهرة او الحادث المفاجئ او خطأ المضرور، وخطأ الغير.