د. عسالي صباح

السنة الثانية ليسانس.2020/2021

سلام عليكم ابنائي الطلبة الاعزاء.. هذه محاضراتي موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس .السداسي الثالث .المجموعة الاولى في مادة القانون المدني (مصادر الالتزام)

المحاضرة الثالثة عشرة الارادة المنفردة كمصدر للالتزام

يقصد بالإرادة المنفردة إرادة شخص واحد، وهي تختلف في هذا عن العقد الذي يقوم (على تطابق إرادتين لشخصين مختلفين)

فالإرادة المنفردة هي تصرف قانوني من جانب واحد، وهي قادرة على إحداث آثار قانونية متعددة، كإنشاء الأشخاص الاعتبارية، أو الوقف، أو المؤسسات الخاصة . كما أنها قادرة على أن تنشئ حقا عينيا كما في النزول عن حق ارتفاق أو رهن ، وهي قادرة على تصحيح عقد قابل للإبطال، كما في الإجازة، وأن تجعل العقد يسري حق الغير، كما في الإقرار، وهي تؤدي إلى إلغاء عقد معين، كما في الوكالة و العارية و الوديعة  وغيرها.

كما أن الإرادة المنفردة قد تؤدي إلى إسقاط حق شخصي أو إنهاء الالتزام ، كالإبراء الذي يؤدي إلى انقضاء الدين (المادة 305 من القانون المدني الجزائري) و تستطيع كذلك أن تنشئ حقا شخصيا أو التزاما في ذمة صاحبها كما في الإيجاب الملزم و الوعد بجائزة الموجهة إلى الجمهور (المادة 63 و 123 ق.م) و غيرها من الحالات المعينة التي نص عليها القانون

ولكن يمكننا التساؤل عما إذا كانت  الإرادة المنفردة قادرة على إنشاء التزام في ذمة صاحبها ؟ سيما وإنها لا تنشئ التزام في ذمة شخص آخر.

الإرادة المنفردة مصدر عام للالتزام

يأخذ المشرع الجزائري بالإرادة المنفردة مصدرا للالتزام في حالات محددة وليس باعتبارها مصدرا عاما للالتزام، و إنما جعلها مصدرا استثنائيا في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك.

*فالإرادة المنفردة في القانون الجزائري لا تستطيع أن تنشئ التزاما إلا حيث أجيز لها بنصوص خاصة وهي لا تلزم صاحبها إلا في أحوال خاصة، فالعقد هو المصدر الإرادي للالتزام، و يحتفظ إلى جانبه بالإرادة المنفردة باعتبارها مصدرا استثنائيا أو ثانويا ، وذلك في الحالات المنصوص عليها في القانون من الإرادة المنفردة تنشئ التزاما.

* والحقيقة أنه ليس هناك ما يحول قانونا أو قضاء  دون أن تكون الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام في الحالات المستدعية لذلك قانونا، و يسري عليها ما يسري على العقد من أحكام إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء التزام، ومن هنا فإن أحكام الأهلية و عيوب الرضا و المحل و السبب تسري على الإرادة المنفردة كمصدر استثنائي للالتزام، ذلك أن القواعد التي وردت في القانون المدني المتعلقة بتنظيم العقد، تعتبر في الحقيقة المبادئ العامة لنظرية التصرف القانوني، وتطبق تبعا لهذا التصرف الذي يصدر عن الإرادة المنفردة في الحالات التي يكون فيها وفقا لنصوص القانون مصدرا للالتزام، عدا ما تعلق من تلك القواعد بوجود إرادتين متطابقتين الذي لا علاقة له بداهة إلا بالعقد.

*كما أن المشرع الجزائري أخذ بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام في أمثلة عديدة ، ومنها إبراء الدائن المدين بإرادة منفردة ( م 305 ق.م ) وهو حكم مستمد من الفقه الإسلامي، في حين أن القانون الفرنسي لا يجعل الإبراء تاما إلا بإرادتي الدائن و المدين ، لأنه لم يعترف بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام

*هذا و بما أن الوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور هو التطبيق النموذجي للالتزام الذي مصدره الإرادة المنفردة ، و الذي يسلم به الجميع تقريبا فإننا سنقف عنده بشكل عام ونخصص له دراسة مستقلة

الوعد بجائزة

الوعد بجائزة هو تصرف بإرادة منفردة، أو هو تعبير عن الإرادة يوجه إلى الجمهور، فيلتزم صاحبه بمقتضاه أن يقدم أداء معينا لأي شخص يقوم بعمل معين ، ولقد نصت المادة 123 ق .م على انه : "1- من وعد الجمهور بجائزة يعطيها عن عمل معين يلزم بإعطائها لمن قام بالعمل ، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها . 2- و إذا لم يعين الواعد أجلا لإنجاز العمل ، جاز له الرجوع في وعده بإعلان الجمهور على ألا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد . 3- و تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور. "

ومن هذا النص يتضح لنا بأن الوعد بجائزة هو عمل قانوني من جانب واحد، ينتج اثره متى قامت أركانه، و توافرت شروطه دون الحاجة إلى القبول الصريح أو الضمني، ويختل من ثم عن الإيجاب ولو كان ملزما

شروط الوعد بجائزة

يتبين من نص المادة 123 مكرر ق.م أنه يجب لقيام الوعد أن تتوافر الشروط الآتية :

أن توجد إرادة جدية و باتة تتجه إلى الالتزام*

* أن يوجد الوعد إلى الجمهور

* أن يتضمن الوعد إعطاء جائزة معينة

--------------------------------------------

*أن توجد إرادة جدية و باتة تتجه إلى الالتزام : لقيام الوعد بجائزة يجب أن تصدر عن الواعد إرادة جدية و باتة فيها معنى الالتزام النهائي و ليس فقط مجرد الدعوى إلى التفاوض لأن مصدر الالتزام هنا هو الإرادة المنفردة الباتة هي الإرادة التي ينشأ عنها الالتزام ،و يجب أن ترد هذه الإرادة على محل مستوف شروطه من حيث المكان و التعيين و المشروعية، وأن يتوافر لها سبب مشروع، وأن تتوافر الأهلية اللازمة لدى الواعد، و أن تكون إرادة سليمة من العيوب التي تفسدها، كغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال

*يقصد بالسبب هنا العمل الذي خصصت الجائزة من أجله أي قيام مستحق الجائزة بعمل معين فإذا انعدم السبب بطل التزام الواعد بإرادة منفردة و هذا الحكم ظاهر بنص المادة 123 مكرر 1 ق.م التي تقر أن " من وجه للجمهور وعدا بجائزة يعطيها عن عمل معين. "

*فيجب على الفائز القيام بالعمل المطلوب الذي أعلن عنه الواعد، وهذا هو في الحقيقة سبب التزامه فإذا كان هناك عمل ولم يقم أحد من الناس، أو قام به و لكن ليس بالشروط التي اشترطها الواعد فإنه لا يلتزم قانونا بتقديم الجائزة، ومن أمثلة العمل العثور على شيء ضائع ، أو النجاح في امتحان أو الفوز في مسابقة معينة، أو اكتشاف اختراع، أو وضع أفضل كتاب في فرع من العلوم أو الفنون، و نلاحظ بأن نص المادة 123مكرر 1 ق.م .ج  المتعلقة بالوعد بجائزة توضح لنا أننا لسنا بصدد التزام قانوني إذ أن عديم الأهلية لا يمكن أن يتحمل مثل هذه الالتزام، كما أن النص المذكور لا يتضمن الإيضاح الكافي لهذا الالتزام إذ يقتصر على تقرير أن الواعد يلتزم بإعطاء الجائزة، وعليه فإن التزام الواعد بجائزة مصدره الوحيد هو الإرادة المنفردة، أي أن هذا الالتزام يتوقف إنشاؤه عليه على مشيئة الواعد إذ النص يقول صراحة " من وجه للجمهور وعدا ..." و يتفق حكم القانون الجزائري في هذه المسألة مع حكم القانون المدني الألماني الذي يجعل سبب الالتزام الواعد بجائزة هو قيام شخص بعمل معين، حيث تنص المادة 657 ق.م الألماني على أن " كل من يعد بجائزة بطريقة الإعلان العام للقيام بعمل أو على الخصوص للحصول على نتيجة، يلتزم بإعطاء تلك الجائزة لمن قام بالعمل

-------------------------------------------------

*أن يوجه الوعد إلى الجمهور: أي أن تتوجه إرادة منفردة إلى أشخاص غير معنيين، لأنها إذا وجهت إلى شخص معين فلا تكون وعدا بالمفهوم القانوني المقصود في هذا المقام و إنما تصبح إيجابا لا بد أن يقترن به قبول، وفي هذه الحالة نخرج من مجال التصرف بالإرادة المنفردة إلى مجال العقد.

*وعليه فإنه يجب أن يتم التعبير عن الإرادة بطريق علني، و يقصد بالجمهور ذلك العدد غير المحدد من الناس، و اللذين لا يعرفهم الواعد بذواتهم و إن عرفهم بصفاتهم، والتوجه بالخطاب إلى هذا الجمهور يقتضي أن يتم بوسيلة من شأنها أن تعلم الناس بالوعد و بمضمونه، كأن يلجأ الواعد إلى إحدى دور النشر كالصحف و الراديو و التلفزيون و الملصقات و غيرها.

------------------------------------------------

*‌أن يتضمن الوعد إعطاء جائزة معينة : سواء في ذلك أن تكون الجائزة مادية كمبلغ من النقود أو شيئا آخر له قيمة مادية كأسهم أو سيارة أو نفقات رحلة أو أن تكون ذات قيمة معنوية أو أدبية ككأس أو وسام أو غير ذلك من علامات التقدير، و يلتزم الواعد ب‘طاء الجائزة ( التي هي محل الوعد ) لمن يفوز بها أيا كان محل هذه الجائزة ومن ثم ينبغي لأي محل للالتزام أن تكون معينة أو قابلة للتعيين

وانطلاقا من المادة 123 مكرر 1 ق.م .ج فإن الواعد يلتزم بإعطاء الجائزة لمن يقوم بالعمل المعين، ذلك أن سبب الوعد هو القيام بعمل معين وليس فقط التواجد في مركز معين، ومن هنا فإن الوعد بجائزة لمن تتوافر فيه صفة معينة لا يخضع لحكم هذه المادة.

أحكام الوعد بجائزة *

إذا توافرت الشروط السابقة قام التزام الواعد، و ترتبت عليه آثار قانونية وهي تختلف بحسب ما إذا كان الواعد قد حدد لوعده مدة معينة أم لم يحدد له مدة معينة ،وهذه

تفرقة منطقية و معقولة، على أن يراعى أن المدة تتحدد للقيام بالعمل المطلوب.

تقييد الوعد بمدة زمنية*

إذا حددت للوعد مدة معينة كأن يشترط الواعد مدة معينة يتم العمل خلالها، فإن الواعد يلتزم نهائيا بإرادة منفردة، بحيث لا يجوز له الرجوع في وعده قبل فوات هذه المدة كما أن الواعد يلتزم قبل مستحق الجائزة إذا أتم هذا الأخير العمل المطلوب قبل انقضاء هذه المدة . أما إذا انقضت المدة دون أن يقوم أحد بالعمل المطلوب انقضى التزام الواعد و إذا قام شخص بعد ذلك بهذا العمل فلا يلتزم الواعد إلا على أساس (الإثراء بلا سبب)

و يلاحظ أنه إذا تحقق القيام بالعمل المطلوب، قبل فوات المدة إستحق من قام به الجائزة الموعود بها، ويستوي في هذا العمل بقصد الحصول على الجائزة أو لم يكن لديه هذا القصد ، ويستوي أن يعلم بالجائزة وقت قيامه بالعمل أو لا يعلم بها ، كما يستوي أن يتم العمل بعد الإعلان عن الجائزة أو قبل الإعلان عنها لأن مصدر التزام الواعد إرادته المنفردة.

*هذا و إذا قام بالعمل أكثر من شخص على إنفراد، فإن الجائزة تكون للأسبق أما إذا قاموا بالعمل في وقت واحد كانت الجائزة سوية بينهم أي قسمت على عدد الرؤوس.

و إذا تعاون عدة أشخاص في القيام بالعمل تقسم الجائزة عليهم على أساس تقدير عادل قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في إتمام العمل المذكور.

-------------------------------------------------

*عدم تقييد الوعد بمدة زمنية

و إذا تحدد للوعد مدة معينة ، فإن الواعد يلتزم كذلك بالوعد الصادر منه ، فإنه يلتزم بإعطاء الجائزة لمن قام بالعمل المطلوب و يجوز للواعد ما دام لم يحدد مدة معينة لوعده أن يرجع فيه ، على أن يكون رجوعه بذات العلانية التي توفرت في الوعد حتى يصل نبأ العدول إلى الجمهور.

وعلى ذلك نصت المادة 123 مكرر 1 ق.م.ج. في فقرتها الثانية بنصها: ( اذا لم يعين الواعد اجلا لانجاز العمل ، جاز له الرجوع في وعده بعلان الجمهور ، على الا يؤثر ذلك في حق من اتم العمل قبل الرجزع في الوعد).

. ومن هنا ، فإنه إذا لم يحدد الواعد لوعده مدة معينة لا يلتزم يه إلى غير نهاية مادام لم يرجع عنه ، بل خلال المدة المعقولة التي يرجع في تقديرها إلى قاضي الموضوع ، على أنه يجب الحفاظ على مصالح الغير و المقصود بالغير هنا هو الجمهور الذي وجه الوعد إليه.

هذا و يتعين على من قام بالعمل أن يطالب الواعد بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع للجمهور المادة 123  مكرر 1 ق.م .ج وقد أراد المشرع الجزائري قطع السبيل على كل منهم  لآي محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بجائزة بعد إعلان العدول ، ومدة ستة أثهر هي مدة سقوط وليست مدة تقادم ، ولذلك قلا يراد عليهما الوقف أو الانقطاع.

وفي غير حالة العدول عن الوعد فإن حق من قام بالعمل لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة فهو حق ناشئ عن التزام إرادي ، ولم تحدد مدة خاصة لتقادم فتسري عليه القاعدة العامة في التقادم الواردة في المادة 308 في القانون المدني.