محاضرات العقود الخاصة 1

موجهة لطلبة السنة الثالثة ليسانس

 تخصص قانون خاص

 

 

الموسم الجامعي 2021 / 2022

 

 

 

 

مقدمة

الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويدافع نقمه ويكافئ مزيده، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين  سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد

أتقدم بهذه المحاضرات في العقود الخاصة رقم 1 لطلبة السنة الثالثة ليسانس تخصص قانون خاص وفقا للبرنامج المقرر والذي يتناول المحاور التالية لمقياس العقود الخاصة

  1. مقدمة في نعريف العقود الخاصة ( العقود المسماة )
  2. تعريف عقد البيع  وخصائصه وتمييزه عن غيره من العقود
  3. أركان عقد البيع
  4. الشكلية في بيع العقار
  5. التزامات البائع
  6. التزامات المشتري
  7. تعريف عقد الإيجار  وخصائصه وتمييزه عن غيره من العقود
  8. أركان عقد الإيجار
  9. التزامات المؤجر
  10. التزامات المستأجر

وقد حاولت أن ألتزم بالبساطة والاختصار قدر الإمكان في هذه المحاضرات التي ألقيتها على الطلبة نظرا لضيق المدة الزمنية المخصصة للمقياس بالمقارنة مع كم المعلومات والأحكام الدقيقة والمفصلة في عقد البيع وليسهل استيعابها من طرف الطلبة، كما حاولت في كتابة هذه المحاضرات أن أشير في بعض الأحيان إلى المقارنة مع القانون المصري أو أحكام الفقه الإسلامي في بعض المسائل حسب الحاجة إلى ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول : مفهوم العقود الخاصة

 

 

 

 

 

المبحث الأول : المقصود بالعقود الخاصة

المطلب الأول : تعريف العقود الخاصة

 يقصد بالعقود الخاصة أو العقود المسماة في القانون المدني أو العقود الخاصة مجموعة من العقود كثيرة التداول في الحياة العملية، مثل البيع والهبة والشركة والإيجار والمقاولة والوكالة ، وقد نظمها المشرع الجزائري تنظيما مفصلا نظرا لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية وكثرة التعامل بهذه العقود في الحياة اليومية، وبالمقابل فإن العقود غير المسماة هي التي لم يتعرض لها المشرع بالتقنين تاركا المجال للمتعاقدين أن يعقدوا عقودا حسب حاجاتهم، لتبقى الحرية متاحة للمتعاملين فينشئوا ما شاؤوا من التزامات ولتبقى قاعدة " العقد شريعة المتعاقدين " سارية المفعول في إطار النظام العام والآداب العامة .

المطلب الثاني : التفرقة بين العقود الخاصة وغيرها من العقود

والتفرقة بين العقود المسماة وغير المسماة بسيطة، وقد تكون مسألة دقيقة جدا  في بعض الحالات ، فتكييف العقد واعتباره عقدا من العقود المسماة أو اعتباره عقدا غير مسمى لا تخضع لمجرد اللفظ الذي يستعمله المتعاقدان أو التسمية التي يتفق عليها المنشئون للعقد فقد تكون خاطئة، خاصة إذا تبين أنهما اتفقا على عقد غير العقد الذي سمياه فلا عبرة بالألفاظ والمباني وإنما العبرة بالمقاصد والمعاني[1] ، فقد يكون المتعاقدان مخطئين في التكييف القانوني للعقد الذي يبرمانه، وقد يتعمد المتعاقدان إخفاء العقد الحقيقي تحت اسم العقد الظاهر كالهبة في صورة بيع أو وصية في صورة بيع وهذا يحدث كثيرا لأسباب مختلفة.

وقد يكون العقد بسيطاً يحمل عقدا واحدا كالبيع والإيجار، وقد  يشتمل على أكثر من عقد في عقد واحد فيسمى عقد مختلط أو مركب ، كما في العقد بين صاحب الفندق والزبون فهو يجمع بين عقد الإيجار والبيع والخدمة.

المبحث الثاني : أهداف تشريع العقود المسماة:

لقد قصد المشرع من تنظيم العقود المسماة تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها :

المطلب الأول : التيسير على الأفراد في تنظيم عقودهم :

نظرا لأن العقود المسماة من أكثر العقود شيوعاً في التعامل وأنها مستقرة القواعد والأحكام ، فإن المشرع أراد بتنظيم العقد الرسمي أن يعبد الطريق للمتعاملين ، فلا يجدون مشقة في تنظيم علاقاتهم التعاقدية ، إذ تنبه المشرع لأكثر ما يعرض لهذه العلاقات فتناولها بالتنظيم والتحديد، ووضع عقودا نموذجية وأحكاماً واضحة ودقيقة تشمل مختلف جوانب العقد ، ولأن المتعاقدان لن يستطيعا الإلمام بكل تفاصيل العقد فتولى المشرع ذلك.

ومع ذلك فالمشرع في تنظيمه للعقود المسماة لم يصادر مبدأ سلطان الإرادة ولا حرية المتعاقدين في تنظيم تعاملهما على الوجه الذي يريانه، فترك المجال واسعا لهما بحيث يستطيعان تنظيم كثير من المسائل المتعلقة بالعقد ومخالفة الأحكام التي وضعها المشرع  والتي ليست من النظام العام[2] .

المطلب الثاني : تفصيل القواعد العامة الواردة في نظرية الالتزام:

 أراد المشرع تفصيل بعض القواعد العامة الواردة في نظرية الالتزام على العقود المسماة،  فالتطبيقات العملية قد تخفى وتدق كثيراً وتختلف فيها الأنظار ويسري إليها الاختلاف، فجاء المشرع بحلول حاسمة ونصوص لا تترك مجالا للاختلاف والاضطراب مثال ذلك ما ورد في ضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية وتحمل تبعة الهلاك في عقد البيع[3] .

المطلب الثالث: تسهيل عمل القاضي  أثناء النظر في المنازعات المتعلقة بالعقود

إن المشرع لا يقتصر عمله على مجرد تطبيق القواعد العامة في العقود الخاصة ( العقود المسماة ) بل يتعدى ذلك ليخرج – أحيانا - على القواعد العامة ويخالفها لمبررات وأسباب خاصة ترجع إلى العقد المسمى،  فيكون إيراد هذه النصوص على هذا النحو أمراً ضرورياً لتعلقه بالنظام العام ، وتكون الأحكام الواجبة التطبيق مختلفة اختلافاً كبيرا عن القواعد العامة .

مثال ذلك: ما حاد فيه المشرع عن تطبيق القواعد العامة في الحقوق المتنازع فيها ، وفي بيع المريض مرض الموت ، وفي بيع ملك الغير ، وفي كثير من نصوص عقد العمل ، وفي الرجوع في الهبة ، وفي الغلط في الصلح ، وفي التزام المرافق العامة ، وفي تعديل الأجرة في عقد الوكالة ، وفي التأمين بما يشتمل عليه من قواعد خاصة ، وغير ذلك كثير نرى أن المشرع يبتعد عن القواعد العامة في نظرية العقد ويفرض قواعد وأحكام خاصة تتعلق بالعقود المسماة .

المطلب الرابع: مواكبة التطورات الحاصلة في الاجتهادات

وقد يعمد المشرع في تنظيم العقد المسمى إلى توجيه هذا العقد وتطويره بحيث يتماشى مع الاتجاهات الحديثة في الفقه والاجتهاد القضائي ويتفق وأهداف السياسة التشريعية للبلاد، ومن الأمثلة على ذلك : تحريم الرهن الذي يستتر تحت اسم بيع الوفاء ، وفي تحريم بيع الوفاء ذاته ، وفي تنظيم أحكام الأجهزة الحديثة في العين المؤجرة ، وفي تنظيم ما ألفته الناس من خلط عقد الإيجار بعقد البيع .

المبحث الثالث :تقسيم العقود الخاصة في التقنين المدني :

نظم المشرع الجزائري العقود الخاصة على النحو التالي :

المطلب الأول :العقود المتعلقة بالملكية: 

نص على العقود المتعلقة بالملكية في الباب السابع  المواد من 351 إلى 466 من القانون المدني الجزائري حيث جاءت كالتالي  :

الفصل الأول : البيع في المواد من   351  إلى 412

الفصل الثاني : المقايضة  في المواد من   413 إلى 415

 الفصل الثالث : الشركة  في المواد من   416 إلى 449

الفصل الرابع : القرض الاستهلاكي  في المواد من 450  إلى 458

الفصل الخامس: الصلح  في المواد من   459 إلى 466 .

المطلب الثاني العقود المتعلقة بالانتفاع بالشيء نص على العقود المتعلقة بالانتفاع بالشيء في الباب الثامن، المواد من 467 إلى 548 من القانون المدني الجزائري وجاءت بالتفصيل التالي:

الإيجار  في المواد من  467 إلى 537

 العارية  في المواد من  538 إلى 548

المطلب الثالث : العقود الواردة على العمل نظم المشرع الجزائري العقود الواردة على العمل في الباب التاسع  المواد من549 إلى 611 من القانون المدني الجزائري

،وهي المقاولة في المواد من  549 إلى 570

– عقد التسيير الفصل الأول مكرر  في المواد من  01 إلى 10

-  الوكالة  في المواد من  571 إلى 589

- الوديعة في المواد من  590 إلى 601

- الحراسة في المواد من  602 إلى 611

المطلب الرابع :عقود الغرر: نظم المشرع الجزائري عقود الغرر في الباب العاشر، المواد من 612 إلى 643 من القانون المدني الجزائري

 وهي: -  القمار والرهان في المواد 612 

-  المرتب مدى الحياة في المواد من  613 إلى 618

- التأمين في المواد من   619 إلى 643  

المطلب الخامس: عقد الكفالة نظم المشرع الجزائري عقد الكفالة في الباب الحادي عشر، المواد من 644 إلى 673 من القانون المدني الجزائري

وينتهي التقنين بعقد الكفالة إذ هو عقد ضمان شخصي فلا يدخل في العقود المتقدمة ، ويجب في الوقت ذاته أن ينفصل عن عقدي الضمان العيني وهما عقد الرهن الرسمي وعقد رهن الحيازة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل  الثاني

تعريف عقد البيع وتمييزه عن غيره من العقود

 

 

 

 

 

 

يعتبر عقد البيع من أقدم العقود التي تعامل بها الإنسان ونظمتها القوانين من أقدم العصور، وقد تفرع عن المقايضة عندما ظهرت النقود لسهولة التعامل بالنقود، عرفت القوانين القديمة البيع ونظمته فجاء تنظيم البيع في قوانين حمورابي في المواد 112 إلى 126، وعرف القانون الروماني البيع وكان يتم بالتسليم وانتقال الحيازة كما أن الشريعة الإسلامية اهتمت بالبيع وأعطته عناية خاصة في نصوص القرآن والسنة وتناوله الفقهاء بالشرح والتفصيل.

نتناول في هذه المحاضرة تعريف البيع في القانون المدني وخصائص عقد البيع ثم التمييز بين عقد البيع وغيره من العقود التي يلتبس بها.

المبحث الأول : تعريف عقد البيع :

التعريف القانوني :عرفت المادة 351 من القانون المدني الجزائري عقد البيع ب: " البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكيةَ شيء أو حقا مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي "[4]

شرح التعريف : البيع عقد بين طرفين يلتزم أحدهما بنقل ملكية شيء أو حق مالي آخر ويلتزم الطرف الآخر بدفع الثمن مقابل نقل ملكية الشيء أو الحق المالي، ومن خلال التعريف نستنتج الخصائص التي تميز عقد البيع.

التعريف الفقهي عرفه الفقيه السنهوري بقوله (أن البيع عقد ملزم للجانبين ، إذ هو يلزم البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر ويلزم المشتري أن يدفع للبائع مقابلا لذلك ثمناً نقدياً )[5]

عقد يقصد به طرفاه أن يلتزم أحدهما وهو البائع بأن ينقل ملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل التزام الطرف الآخر وهو المشتري بأن يدفع الثمن [6]

 تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي

عند الحنفية: عرفه فقهاء الحنفية بأنه : "مبادلة مال بمال على وجه مخصوص أو هو مبادلة شيء مرغوب فيه بمثله على وجه مفيد مخصوص أي بإيجاب أو تعاطٍ"[7]  فيخرج بقيد: (مفيد) ما لا يفيد كبيع درهم بدرهم فلا يعتبر بيعا لعدم الفائدة، ويخرج بقيد "غير المرغوب ": مثل الميتة والدم والتراب فلا رغبة في شرائها وبيعها لعدم شرعيتها.

عند المالكية : نقل الملك بعوض[8] ، أو هو: عقد معارضٍة على غير منافع ولا متعة لذة[9]

عند الشافعية : قال النووي في المجموع: البيع: مقابلة مال بمال تمليكا[10]

عند الحنابلة : عرفه ابن قدامة في المغني: مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً[11].

 

 

 

 

 

المبحث الثاني :

 خصائص عقد البيع

يتميز عقد البيع بمجموعة من الخصائص تميزه عن غيره من العقود المشابهة له وسنتناول في هذا المبحث هذه الخصائص بشيء من الشرح والتفصيل

المطلب الأول : عقد البيع ناقل للملكية :

 فعقد البيع هو عقد ينصب على نقل الملكية، وقد كان البيع في القانون الروماني غير ناقل للملكية، بل يرتب نقل الحيازة فقط، إلا إذا اشترط المشتري على البائع أن ينقل له الملكية ، وكذلك كان الحكم في القانون الفرنسي القديم، فكانت الملكية لا تنتقل فيه إلا بالقبض، واستمر ذلك إلى سنة 1804 حيث نص التقنين المدني الفرنسي لسنة 1804 ، فجعل البيع ذاته ناقلا للملكية إذ رتب في ذمة البائع التزاماً بنقل الملكية إلى المشتري، وانتقل هذا ال ناقلا الحكم للقوانين الحديثة.

بينما نجد أن الشريعة الإسلامية سبقت القوانين الحديثة فجعلت البيع ناقلا للملكية بمجرد انعقاد العقد، فقد جاء في تعريف البيع في الفقه المالكي بأنه " نقل الملك بعوض " [12] وفي المذهب الشافعي يُعرف ب : " مقابلة مال بمال تمليكا "[13]، ففقهاء الشريعة الإسلامية ركزوا في تعريفهم للبيع على نقل الملكية الذي هو من أهم خصائص البيع ومن أهم أهداف العقد التي يتوخاها المتعاقدان.

المطلب الثاني : عقد البيع ملزم لجانبين: حيث يلتزم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع وفي المقابل يلتزم المشتري بدفع الثمن، وبذلك يختلف عقد البيع عن الهبة التي هي عقد ناقل للملكية مثل البيع لكنه يحتلف لكونه ملزم لجانب واحد.

وقد يصعب التمييز بين البيع والهبة إذا كانت الهبة بمقابل وخاصة إذا كان العوض عبارة عن مبلغ من النقود ، فإذا كان العوض مبلغا زهيدا فلا إشكال في كونها هبة ، لكن المشكلة تُطرح إذا كان المبلغ كبيراً إلى حد يقرب من قيمة الشيء الموهوب ، وعند ذلك يصح التساؤل هل العقد هبة بعوض أو هو بيع سمي الثمن فيه عوضاً؟

والعبرة في التمييز بين العقود هو " نية التبرع " ، فإذا كانت موجودة في جانب العاقد الذي أعطى الشيء كان العقد هبة مهما بلغ مقدار العوض ، وإلا فالعقد بيع، ووجود نية التبرع مسألة واقع ، يقدرها قاضي الموضوع وحده دون رقابة عليه من المحكمة العليا[14] ، ومما يرجح وجود هذه النية أن يكون العوض  لمصلحة شخص ثالث غير الواهب، بل قد يكون الموهوب له الحقيقي هو هذا الشخص الثالث وقد وسط الواهب المتعاقد الآخر بينهما.

المطلب الثالث : عقد البيع عقد معاوضة حيث أن البائع يحصل على الثمن ويحصل المشتري على المبيع، وهو بذلك يختلف عن عقود التبرع كالهبة والوصية التي يكون الملتزم طرفا واحدا.

المطلب الرابع : عقد البيع عقد رضائي فالبيع يتم بمجرد التراضي وتبادل الإيجاب والقبول، ولم يشترط المشرع شكلا معينا لانعقاد البيع إلا في بيع العقار، فقد أوجب المشرع أن يحرر بيع العقار في عقد رسمي ( المادة 324 مكرر1 من ق م ج )  وعقد بيع السفينة ( المادة 49 من القانون البحري )[15] وعقد بيع المحل التجاري (  المادة 324 مكرر1 من ق م ج) فقد اشترط المشرع الكتابة الرسمية لانعقاد هذه التصرفات.

المطلب الخامس : عقد البيع يرد على الملكية وعلى الحقوق المالية الأخرى فالبيع لا يرد على حق الملكية فقط وإنما يرد على سائر الحقوق المالية والعينية والشخصية والذهنية، فيمكن أن يكون محله حقا شخصيا كما في حوالة الحق، وقد يكون حقا من حقوق الملكية الفكرية.

المطلب السادس : عقد البيع يشترط فيه الثمن النقدي عرف القانون الجزائري المقايضة بأنها عقد يلتزم فيه كل من المتعاقدين أن ينقل للآخر على سبيل التبادل ملكية مال غير النقود[16] ففي عقد البيع يجب أن يكون المقابل نقديا وإلا كان عقد مقايضة، أي اتجاه إرادة الطرفين إلى أن يكون نقل الحق في مقابل ثمن نقدي يلتزم به المشتري، ويجب أن يكون هذا المقابل مبلغا من النقود ويسمى الثمن وبذلك يختلف عن المقايضة ،كذلك يجب أن يكون الثمن جديا لا صوريا ولا تافها ولا بخسا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

تمييز  عقد البيع عن غيره من العقود

نتناول في هذا المبحث مقارنة بين عقد البيع ومجموعة من العقود التي تشابهه في بعض الخصائص أو بعض الجوانب لكنها تختلف عن البيع في جوانب أخرى وذلك بهدف الفهم الشامل والدقيق لعقد البيع.

المطلب الأول : البيع والمقاولة:

تعرف المقاولة بأنها: " عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بصنع شيء أو تأدية عمل لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر "[17] ، فعقد المقاولة ينصب على عمل يقوم به الصانع مقابل أجر يقدمه صاحب المشروع كالبناء مثلا أو الخياطة أو صناعة الأحذية وغيرها.

 ولكن قد يختلط الأمر بين البيع والمقاولة لوجود تشابه بينهما فيصعب التفرقة بينهما، وللتمييز بين العقدين ننظر  فإذا كان الصانع هو الذي ورد المواد الأولية التي يستخدمها وكانت قيمتها أكبر من قيمة عمله ، فالعقد بيع، لأننا نرجح الأعلى ثمنا وهو المواد الأولية.

أما إذا كانت المواد الأولية أقل قيمة من عمل  المقاول ، كالرسام يورد القماش أو الورق الذي يرسم عليه والألوان التي يرسم بها ، فهذه المواد أقل بكثير من قيمة عمل الفنان ، ويكون العقد عقد مقاولة لا عقد بيع، وكذلك الخياط إذا ورد القماش وكانت قيمته أقل من قيمة العمل فالعقد مقاولة ، وإذا كانت قيمته أكبر فالعقد بيع[18]  وقد تتقارب قيمة القماش وقيمة العمل ، فالعقد يكون في هذه الحالة مزيجاً من بيع ومقاولة[19] ، وفي حالة المقاول الذي يتعهد بإقامة مبني ، فإن كانت الأرض التي يقام عليها المبني ملكاً لرب العمل كما هو الغالب فالعقد مقاولة ، وإن كانت الأرض ملكاً للمقاول فالعقد بيع[20] .

ومنه فان ما يقدمه المقاول من أشياء ثانوية كمواد وأدوات البناء على غرار أصل الشيء (العقار) فنكون هنا بصدد عقد إيجار، أما إن كان جوهر الشيء مع الأشياء الثانوية تابعة للمقاول فنكون هنا أمام عقد بيع .

ويسمى عقد المقاولة في الفقه الإسلامي بعقد الاستصناع ويعرفه الفقهاء بقولهم هو عقد على مبيع في الذمة، شرط فيه العمل،فالعقد يقصد به اتفاق الإرادتان بخلاف الوعد ، وقوله ( على بيع ) أي أنه يعتبر من أنواع البيع في الفقه الإسلامي، أما قوله ( في الذمة ) فمعناه أنه غير موجود في الحال.

المطلب الثاني : البيع والإيجار: " الإيجار هو عقد يمكن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم "[21]، فعقد الإيجار ينعقد على المنفعة وهو يختلف عن البيع في كونه ينعقد على العين بحد ذاتها، ولكن قد يختلط الأمر كما في البيع الايجاري الذي هو العقد الذي يريد فيه المتعاقدان الإيجار والبيع معا ، فهو إيجار إلى أن يتم الوفاء بالثمن كاملا وبيع حين يتم الوفاء ، يثور التساؤل عند البيع بالإيجار هل هو بيع أم إيجار؟

ولكن من غير المنطقي أن يوصف عقد واحد في نفس الوقت بأنه بيع وإيجار معا لأن طبيعة كل من هذين العقدين تختلف عن الأخرى، وإذا اعتبرناه بيعا بالتقسيط معلقا على شرط واقف هو الوفاء بكافة الأقساط، فأين هي الأجرة في عقد الإيجار ؟ وإذا اعتبرناه إيجارا معلقا على شرط فاسخ هو الوفاء بالأجرة فأين هو الثمن في عقد البيع ؟

إذن لا بد من تكييفه بأحد الوصفين فإما يكون بيعا وإما إيجار، لذلك نص المشرع الجزائري على اعتبار العقد في هذه الحالة شرط واقف معلقا على شرط واقف وجعل انتقال الملكية معلقا على دفع الأقساط فنجد المادة 363 مدني جزائري بعد أن بينت في فقراتها الثلاثة الأولى حكم البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية :

( إذا كان من البيع مؤجلا جاز للبائع أن يشترط أن يكون نقل الملكية إلى المشتري موقوفا على دفع الثمن كله ولو تم تسليم الشيء المبيع.

فإذا كان التمن يُدفع أقساطا جاز للمتعاقدين أن يتفقا على أن يستبقي البائع جزءا منه على سبيل التعويض في حالة ما إذا وقع فسخ البيع بسبب عدم استيفاء جميع الأقساط. ومع ذلك يجوز للقاضي تبعا للظروف أن يخفض التعويض المتفق عليه وفقا للفقرة الثانية من المادة 184.

وإذا وفي المشتري جميع الأقساط يعتبر انه تملك الشيء المييع من يوم البيع.....

نصت في فقرتها الرابعة (  تسري أحكام الفقرات الثلاثة السابقة حتى ولو أعطى المتعاقدان للبيع صفة الإيجار)

فالبيع الايجاري إذن بيع فحسب ،ويلاحظ الفرق بين البيع الايجاري الذي هو عقد والذي اعتبره المشرع بيعا فحسب ،وبين الإيجار المقترن بالوعد بالبيع الذي يتضمن عقدين كل منهما مستقل عن الآخر عقد إيجار والوعد بالبيع.

المطلب الثالث : البيع والمقايضة : نصت المادة 413 مدني جزائري على أن " المقايضة عقد يلتزم به كل من المتعاقدين أن ينقل إلى الآخر على سبيل التبادل ملكية مال غير النقود "

 والفرق الجوهري بين البيع والمقايضة ينحصر في طبيعة المقابل فهو في البيع ثمن نقدي وفي المقايضة مال ليس من النقود، وقد يختلط الأمر وإذا كان أحد العوضين مختلطا أي بعضه نقود وبعضه مال آخر غير النقود، فيعتبر بيعا إذا كان الغالب نقودا ويعتبر مقايضة إذا غلب النوع الآخر من المال.

المطلب الرابع : البيع والهبة : تعرف الهبة بأنها تمليك المال في الحال مجانا وركنا الهبة الإيجاب من الواهب والقبول من الموهوب له ووقد تكون الهبة بعوض وهي الحالة التي يفرض فيها الواهب على الموهوب له القيام بالتزام معين، فإذا كان العوض مساويا في القيمة للمال الموهوب فهذا عقد بيع لانتفاء نية التبرع، وإذا كان العوض أقل من المال الموهوب في القيمة فهذا عقد هبة بعوض وهنا أيضا تنتفي نية التبرع، وفي حالة الثمن البخس فالعقد هبة لا بيع.

وقد يتخذ البيع ستاراً للهبة ، فيذكر فيه عوض على أنه الثمن ، ثم يهب البائع الثمن للمشتري، مثل هذا العقد لا شك في طبيعته فهو هبة، وتسري عليه أحكام الهبة[22] ،

الهبة المستورة في صورة بيع : قد ترد الهبة مستورة في صورة بيع ، وفي هذه الحالة يكون العقد الظاهر هو البيع وهو ما لم يقصده الطرفان، أما العقد المستتر وهو المقصود من الطرفين فهو الهبة، وتسرى على هذا التصرف أحكام الصورية سواء بالنسبة للعاقدين أو بالنسبة للغير، ولكي تصح الهبة المستورة يلزم أن تتوافر شروط الهبة ذاتها من حيث الوجود والصحة ما عدا شرط الشكل ، فلا يشترط أن تتم الهبة في الشكل الذي يستلزمه القانون، كما يلزم فضلا عن ذلك أن تتوافر شروط العقد الساتر لها وهو البيع ما عدا السبب إذ العبرة في الهبة المستورة بسبب الهبة ذاتها كما يجب أن يكون للعقد الظاهر مظهر البيع فعلا بحيث لا يكشف عن العقد المستتر ولهذا يجب ذكر الثمن. فإذا ذكر الثمن ثم ذكر بعده مباشرة أن البائع قد وهب.

المطلب الخامس : البيع والوكالة: الوكالة أو الإنابة هي " عقد يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل وباسمه "[23]، وهذه هي الوكالة النيابية، وقد يتعهد الوكيل بان يقوم بالعمل القانوني باسمه هو لحساب الموكل على أن يقوم بعد ذلك بنقل ما اكتسب من حقوق إلى الموكل الذي ابرم العمل القانوني لحسابه وهذه هي الوكالة غير النيابية ، إذ أن من شروط النيابة أن يعقد النائب العقد باسم الأصيل[24] .

ولكن يثور التساؤل إذا لم يكن قصد العاقدين واضحا، كأن يسلم تاجر الجملة البضاعة إلى تاجر التجزئة ليبيعها إلى عملائه ويحاسب تاجر الجملة بعد ذلك في مقابل عمولة معينة فنكون إزاء وكالة بالعمولة، و قد يتفق الطرفان على بيع السلعة ونقل ملكيتها إلى تاجر التجزئة الذي يكون له الحق في أن يتصرف فيها هو لحسابه وبأي ثمن فنكون إزاء عقد بيع.

البيع والرهن: يعرف عقد الرهن بأنه : ( الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه او على غيره ان يسلم الى الدائن او الى أجنبي يعينه المتعاقدان ، شيئا يرقب علية الدائن حقا عينيا يخوله حق حبس الشيء الى ان يستوفي دينه وان يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في ان يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون )[25]

وتنص المادة 882 (  الرهن الرسمي عقد يكتسب به الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان )

ولا يختلط الرهن بالبيع العادي ، غير انه قد يتفق في البيع أن يكون للبائع في خلال مدة معينة حق الاسترداد العين المباعة في مقابل رد الثمن الذي دفعه المشتري مضافا إليه المصروفات، ويسمى هذا العقد بيع الوفاء،

 أما الرهن ففيه يحتفظ الراهن بملكية الشيء المرهون، ويقع باطلا كل اتفاق يجعل للدائن حق تملك الشيء المرهون عند عدم استيفاء حقه وقت حلول اجل الاستحقاق وأن يبيعه دون إتباع الإجراءات التي فرضها القانون المادتان 903 و 960 مدني جزائري.

حيث تنص المادة 903 على ما يلي: يكون باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أيا كان، أو في أن يبيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن.

غير أنه يجوز بعد حلول الدين أو قسط منه على أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه.

وتنص المادة 960 على : " تسري على رهن الحيازة أحكام المادة 901 المتعلقة بمسؤولية الراهن غير المدين وأحكام المادة 903 المتعلقة بشرط التملك عند عدم الوفاء وشرط البيع دون إجراءات "

المطلب السادس : البيع والصلح : نصت المادة 459 مدني جزائري على أن " الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بان يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه " .

 وقد يتشابه الصلح والبيع إذا تنازل أحد الطرفين عن حقه أو عن بعض حقه للآخر بمبلغ نقدي معين خارج عن موضوع النزاع،  ويسمى هذا ببدل الصلح، ويجوز أن يكون بدل الصلح شيئا آخر غير النقود، فقد يكون العقد مقايضة، وقد يتنازل احد الطرفين بدون مقابل فيكون العقد هبة في صورة صلح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث
أركان عقد البيع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعدما تم تعريف عقد البيع وتمييزه عن غيره من العقود ننتقل إلى بيان أركان عقد البيع وهي ثلاثة: الرضا و المحل والسبب وقد يكون الركن الرابع هو الشكلية كما في بعض البيوع

وبالرجوع للقواعد العامة للعقد فإن للعقد ثلاثة أركان هي:  الرضا والمحل والسبب،  فإذا انعدم ركن لم ينعقد أصلا ويكون باطلا بطلانا مطلقا، وقد يفرض القانون أركانا أخرى خاصة بكل عقد على حدة ،كأن يشترط الشكلية كركن كما في بيع العقار وبيع السفينة وبيع المحل التجاري، أو أن يشترط التسليم في العقود العينية[26] كالوديعة، العارية، وعقد الهبة[27] في بعض القوانين العربية والغربية[28] وبعض المذاهب الفقهية الإسلامية[29].

ويشترط لكل ركن من هذه الأركان ( الرضا والمحل والسبب ) شروطا إذا تخلف شرط منها اختل الركن ولم ينعقد العقد بسبب انعدام الشرط.

المبحث الأول

الركن الأول:  التراضي في عقد البيع

المطلب الأول : تعريف التراضي في عقد البيع

يُعرَّف التراضي بأنه: " تطابق إرادتين على إحداث أثر قانوني"[30] وقد عرفها المشرع في المادة 59 من "ق م ج  بالنص على : " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين ،دون الإخلال بالنصوص القانونية "  ونلاحظ أن  المشرع الجزائري لم يكتف بالنص على أن العقد يتم بمجرد توافق الإرادتين بل بين طرق التعبير في  المادة 60  التي تنص على "التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا، كما يكون باتخاد موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا "[31]

ولقد عرفنا في القواعد العامة للعقد فيما يتعلق بطرق التعبير عن الإرادة ووقتها والقوة الملزمة للإيجاب وسقوطه ومكان وزمان التعاقد وغيره من الأحكام، فلا ينعقد البيع إلا بتطابق الإرادتين إرادة البائع وإرادة المشتري على نقل ملكية الشيء المبيع من البائع إلى المشتري مقابل ثمن نقدي، غير أن في البيع نوعين من المسائل التي تكون محلا لتطابق الإرادتين: مسائل جوهرية ومسائل تفصيلية، حيث يختلف أحكام المسائل الجوهرية والمسائل التفصيلية كما يلي:

المطلب الثاني : المسائل الجوهرية والمسائل التفصيلية

يتم الاتفاق بين المتعاقدين على جملة مسائل قد تكون مهمة في العقد وقد تكون غير مهمة والأهمية هنا تعني التأثير على العقد، فقد تكون مؤثرة في العقد وقد تكون غير مؤثرة ولذلك فرق المشرع بين المسائل الجوهرية في العقد وهي المسائل المهمة وبين المسائل التفصيلية التي ليس لها كبير أثر على صحة العقد حيث تنص المادة 65 ق.م ج على أنه " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترط أن لا أثر للعقد عند عدم الاتفاق عليه اعتبر العقد منبرما، وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة "[32].

الفرع الأول : المسائل الجوهرية هي تمثل الحد الأدنى من مسائل البيع التي يجب أن يتم حولها تطابق إرادتي البائع والمشتري وبدون الاتفاق عليهما لا ينعقد البيع؛ لأن الاختلاف فيها يبطل العقد لأهميتها بالنسبة للمتعاقد، وهذه المسائل ثلاثة وهي: الاتفاق على طبيعة العقد والاتفاق على المبيع في حد ذاته والاتفاق على الثمن.

أولا : الاتفاق على طبيعة العقد: أي أن يقصد كل من المتعاقدين عقد البيع، فيجب أن تتجه إرادة المتعاقدين إلى إبرام عقد بيع أي نقل الملكية في مقابل ثمن نقدي فلو قصد المتعاقد الأول البيع وقصد الثاني الإيجار فلا ينعقد أي من العقدين لاختلاف الإرادتين وعدم تطابقهما، أو قصد أحد المتعاقدين الهبة وقصد الآخر البيع فلا ينعقد لاختلاف قصدهما .

ثانيا: الاتفاق على المبيع: كما يجب أن تتفق إرادة المتعاقدين على ذات الشيء المبيع، فإذا اتجهت إرادة البائع إلى نقل ملكية سيارة من نوع معين، وكان قصد المشتري تملك سيارة أخرى غير التي قصدها البائع ففي هذه الحال لا ينعقد البيع أصلا، أو قصد البائع سكنا معينا وكان المشتري يقصد سكنا آخر فلا يتعقد البيع لعدم تطابق الإرادتين، وهكذا.

ثالثا : الاتفاق على الثمن: كما يجب كذلك أن تتفق الإرادتان على ثمن نقدي محدد ومعلوم، فلا ينعقد البيع إذا عرض احد الطرفين البيع بثمن معين فقبل الطرف الآخر الشراء بثمن أقل منه، فمثلا إذا عرض البائع سيارته بمبلغ معين وقبل المشتري الشراء بثمن أقل لا ينعقد البيع لاختلاف الإرادتين؛ أي ما دامت الإرادتان غير متفقتين على ثمن واحد، وإذا عرض المشتري ثمنا أكبر من الثمن الذي عرضه البائع، فإن عقد البيع ينعقد بأقل الثمنين، لأن الثمن الأقل متضمن في الثمن الأعلى ، فالمشتري الذي يقبل الشراء بالثمن الأكبر يعتبر راضيا بالثمن الأقل.

  ويمكن أن يتفق العاقدان على أسس تحديد الثمن، دون أن يحددا الثمن بقدر معلوم، ومن الأمثلة على أسس تحديد الثمن: كأن يتفق الطرفان على أن يكون سعر السوق هو الثمن فيكون صحيحا، فإذا اختلفا في الثمن أو اختلفا في الأساس المحدد للثمن لم ينعقد البيع، وقد يتفق المتعاقدان على أن يكون شخص ثالث هو الذي يحدد الثمن وغالبا ما يكون الشخص الثالث المختار خبيرا بالبيع وبالأسعار وخاصة في المجال التجاري للسلع،  كبائع السيارات أو سمسارا في البيوع العقارية ، أو قد يكون خبيرا معتمدا لدى الدولة في مجال التعمير والبناء .

 الفرع الثاني : المسائل التفصيلية:

تنص المادة 65 ق.م ج على أنه " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترط أن لا أثر للعقد عند عدم الاتفاق عليه اعتبر العقد منبرما، وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة "

من خلال هذا النص يفهم أن مجرد الاتفاق على المسائل الجوهرية كافية لانعقاد البيع حتى ولو لم يتفق الطرفان على المسائل التفصيلية وهي كثيرة جدا وغير محدودة ، فيمكن عدم الاتفاق على نفقات عقد البيع مثلا، أو عدم الاتفاق على زمان ومكان تسليم المبيع ،  أوعدم الاتفاق على مصاريف التسليم إلخ، وقد ترك المشرع المسائل التفصيلية لاتفاق الطرفين لأنها ليست بالأهمية الكبرى بالمقارنة مع المسائل الجوهرية التي تؤثر في إرادة المتعاقدين، ولسهولة تجاوزها إذا وقع الخلاف باتباع قواعد القانون والأعراف فالاختلاف مثلا في زمان التسليم ومكانه مثلا يحل بالاتفاق أو العرف .

المطلب الثالث : شروط وجود الرضا:

وهي الشروط التي يجب أن تتوفر لنتحقق من وجود التراضي وهي أهلية المتعاقدين وانتفاء عوارض الأهلية المنصوص عليها قانونا .

 الفرع الأول :  توافر التمييز لدى المتعاقدين رأينا في النظرية العامة للأهلية أن هناك ثلاثة أدور يمر بها الإنسان من وقت أن يولد إلى أن يموت، فالمرحلة الأولى هي مرحلة عدم التمييز، والصبي غير المميز وهو من كان دون ثلاثة عشر سنة ففي هذه المرحلة لا يستطيع  مباشرة أي تصرف والمرحلة الثانية هي مرحلة  التمييز وتبدأ من سن ثلاثة عشر سنة وهي سن التمييز إلى سن التاسعة عشر وهي سن الرشد .

فيكفي  لوجود الرضا أن يكون المتعاقد مميزا ، والتمييز يتوافر في سن 13 سنة، فمن بلغ سن 13 سنة يعتبر مميزا حيث تنص المادة 42 من القانون المدني الجزائري على:  (  لا يكون اهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التميز لصغر في السن أو عته أو جنون .

يعتبر غير مميز من لم يبلع الثالثة عشر سنة ) وتكتمل الأهلية عند استكمال العاقد لأهلية الأداء 19 سنة كاملة وأهلية التبرع .

الفرع الثاني : تطابق الإيجاب و القبول فيجب أن يتفق المتعاقدان على طبيعة العقد الذي يقصدان إبرامه، وهو البيع ويجب أن يتفقا على الشيء المبيع وكذلك على الثمن كما مر، وإذا لم يتم الاتفاق على هذه المسائل الجوهرية فلا ينعقد البيع.

المطلب الرابع : شروط صحة التراضي:

وهي الشروط التي يجب أن تتوفر لتكون إرادة المتعاقد صحيحة وهي استكمال أهلية الأداء والخلو من عيوب الإرادة .

الفرع الأول:  استكمال سن الرشد  تنص المادة 40 من القانون المدني الجزائري على : ( كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية. وسن الرشد  19 سنة كاملة )

فمن بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة – أي بلغ سن الرشد – غير محجور عليه ، فقد توافرت فيه أهلية التصرف كاملة ، وكانت له أهلية البيع والشراء دون قيد ، فلا يحتاج إلى إذن ولي ولا إلى إذن من المحكمة .

الفرع الثاني : خلو إرادة المتعاقدين من عيوب الرضا : وهو شرط خلو إرادة كل من المتعاقدين من عيوب الرضا التي تؤثر في صحة العقد وهي : الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال، ونكتفي بالإشارة إلى هذه العيوب لأنها مفصلة في النظرية العامة للعقد.

 إن وجود هذه العيوب يجعل العقد باطلا بطلانا نسبيا أي يعتبر قابلا للإبطال بالنسبة للعاقد ناقص الأهلية أو الذي شاب رضاءَه عيبٌ من العيوب السالف ذكرها دون الآخر ، فإذا طلب العاقد الذي تقرر البطلان النسبي لمصلحته إبطال العقد حكم له القاضي بذلك وله أن يتنازل هو أو وليه عن البطلان بإجازة العقد وعندئذ يستقر العقد وينتج آثاره ، كما مر معنا في النظرية العامة للعقد.

المطلب الخامس: صور خاصة للتراضي في عقد البيع

سنتناول بعض الصور الخاصة للتراضي فنعالج الوعد بالبيع والشراء؛ وبعض البيوع الموصوفة الأخرى كالبيع بالعربون، والبيع بشرط التجربة، والبيع بالعينة ، والبيع بشرط المذاق.

الفرع الأول:  الوعد بالبيع

لم يخصص الوعد بالبيع بنص خاص وإنما نرجع إلى الأحكام العامة المتعلقة بالوعد بالعقد التي تنطبق على الوعد بالبيع وبالرجوع إلى المادة 71 و 72 ق م ج يتبين لنا أن الوعد بالبيع ليس مجرد إيجاب بل هو عقد تام يتم بتطابق الإيجاب والقبول،إلا أن الوعد بالبيع ليس هو عقد البيع المقصود النهائي ذاته وإنما هو تمهيد له ( فهو عقد ابتدائي) ، ويتضمن الوعد بالبيع التزاما من الواعد عن طريق وعده ببيع شيء معين بثمن محدد إذا ما أبدى الطرف الآخر الموعود له رغبة في الشراء خلال مدة معينة، فلا بد لانعقاده من تحديد المسائل الجوهرية للبيع المراد إبرامه لاحقا بالإضافة إلى المدة.

أولا : صور الوعد بالبيع : له ثلاث صور

1- الوعد بالبيع:

والملتزم فيه ( المدين ) هو البائع إذا أظهر الطرف الآخر رغبته في الشراء، أما الموعود له ( المشتري ) فلا التزام عليه ، ، بل هو حر إن شاء أظهر رغبته في الشراء فيتم البيع النهائي ، وإن شاء امتنع عن إظهار هذه الرغبة فلا يتم البيع ، بل ويسقط الوعد بالبيع[33].

2‌- الوعد بالشراء: وهذه عكس الصورة الأولى: فالواعد الملتزم هو المشتري ولا التزام على البائع، وفي هذه الصورة يَعد المتعاقدُ الآخرُ صاحبَ الشيء أن يشتري منه هذا الشيء إذا رغب الأول في بيعه في مدة معينة، ويكون المتعاقد الآخر هو الملتزم وحده بالشراء إذا رغب صاحبُ الشيء في بيعه ، أما صاحب الشيء فلا يكون ملزماً بالبيع ، بل هو حر إن شاء أظهر رغبته في البيع فيتم البيع النهائي ، وإن شاء امتنع عن إظهار هذه الرغبة فلا يتم البيع بل ويسقط الوعد بالشراء[34]

3 - الوعد بالبيع والشراء معا: أي الوعد التبادلي فنكون بصدد عقدين كل منهما ملزم لجانب واحد فقط هو الواعد، فالأول ملتزم بالوعد بالبيع والثاني ملتزم بالوعد بالشراء خلال المدة المتفق عليها، وقد تختلف مدتا الوعدين ويكون كل من الطرفين واعد وموعود له في آن واحد، وينعقد البيع النهائي بمجرد إبداء الموعود له رغبته في البيع أو الشراء خلال المدة المحددة وإلا سقط الواعدان وتحلل الطرفان من التزامهما.

ثانيا : شروط الوعد بالبيع:

1 - تحديد المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه كما في عقد البيع ، وهي: طبيعة العقد وهو البيع والاتفاق على المبيع، والاتفاق على الثمن أو على أساس تحديد الثمن كما في عقد البيع.

 2 - تحديد المدة: التي يجب على الموعود له إبداء رغبته خلالها وعدم الاتفاق على المدة يبطل الوعد بالبيع إذ لا يعقل أن يبقى الواعد ملتزما بوعده أبدا، ويعتبر إبداء الرغبة فاصلا بين مرحلتين مختلفتين ففي الفترة السابقة لإبداء الرغبة بالبيع يرتب الوعد التزامات في ذمة الواعد وحقوق شخصية للموعود له.

 وتبعا لذلك يلتزم الواعد بالامتناع عن أي تصرف في الشيء الموعود ببيعه يضر بالموعود له،فإذا تصرف في ( الشيء ) الموعود به بالبيع مثلا لطرف ثالث أو أي تصرف اعتبر مخلا بالتزامه، لكن لا تبطل تصرفاته لأنه تصرف في ملكيته إذ يبقى تصرفه قائما وصحيحا بين الواعد والمتصرف إليه ( طرف ثالث ) وبالتالي لا يمكن للموعود له الاحتجاج بوعده اتجاه المتصرف إليه بل له المطالبة بالتعويض من قبل الواعد على أساس المسؤولية العقدية.

ويبقى الموعود له في حل من أمره غير ملتزم بأي شيء تجاه الواعد، فليس عليه أي التزام طيلة فترة الوعد، وله أن يبدي رغبته في البيع أو رفضه، وإذا انتهت المدة وسكت الموعود له تحلل الواعد من التزامه .

وأما بعد إبداء الموعود له رغبته فإن البيع ينعقد بمجرد إبدائها من طرفه دون الحاجة إلى قبول جديد من الواعد، ووفقا للمادة 71 من ق م ج فإن الموعود له حق اللجوء إل القضاء وطلب تنفيذ الوعد إذا نكل الواعد بوعده ويقوم الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به مقام العقد.

وليس لإبداء الرغبة أثر رجعي ويجب أن تصل إلى علم الواعد أثناء المدة المحددة فلو أدى الموعود له رغبته أثناء المدة ولم تصل إلى الواعد إلا بعد انتهائها فإنها تعتبر عدما ولو بسبب قوة قاهرة.

الفرع الثاني :  البيع بالعربون:

أولا : صورة البيع بالعربون الطريقة العملية التي غالبا ما يتفق عليها الطرفان في العربون هي: أن يبرم المتعاقدان بيعاً ابتدائياً ، ويحددان ميعاداً لإبرام البيع النهائي ، ويتفقان في البيع الابتدائي على عربون يدفعه المشتري للبائع ، فإذا امتنع المشتري عن إبرام البيع النهائي في الميعاد المحدد ، خسر العربون الذي دفعه للبائع ، وسقط البيع الابتدائي . وإذا كان الذي امتنع عن إبرام البيع النهائي هو البائع، ترتب على امتناعه نفس الجزاء المتقدم، فيسقط البيع الابتدائي، ويخسر البائع قيمة العربون بأن يرد للمشتري العربون الذي أخذه منه ومعه مثله .

ثانيا: استحداث نص خاص ببيع العربون ( المادة 72 مكرر ) استحدث القانون المدني الجزائري نصا خاصا بالتعاقد بالعربون في تعديل 2005[35] فنصت المادة 72 مكرر من القانون المدني الجزائري على :

 ( يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها إلا إذا قضى الاتفاق على خلاف ذلك.

فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل من قبضه رده ومثله ولو لم يترتب على العدول أي ضرر ).

ثالثا : العربون في الاجتهاد القضائي الجزائري وقد عالج القضاء الجزائري البيع بالعربون قبل هذا النص بقرار أصدرته المحكمة العليا ( الغرفة المدنية ) يتعلق بالبيع بالعربون بتاريخ 31/01/1981 تحت رقم 447/14 جاء فيه ( إذا عدل البائع عن البيع وجب عليه رد ضعف العربون وينقضي كل قرار يقضي بخلاف هذا المبدأ القضائي الثابت ) والعربون مبلغ نقدي يدفعه المشتري للبائع عادة عند إبرام العقد .

ويمكن تكييف العربون أي المبلغ النقدي الذي يدفعه المشتري باعتبار قصد المتعاقدين تكييفين :

1 -  على أنه شروع في تنفيذ العقد، إذا استمر المشتري في العقد، لأنه يعتبر جزءا من الثمن.

2 -  أنه احتفاظ بحق العدول عن التعاقد (التزام بدين عن الالتزام الأصلي )

والتكييف الثاني هو الذي يقرره النص والعرف (أي أنه استبقاء لحق العدول عن العقد ابتداء وليس بدءا في التنفيذ، فالمشتري يقدم العربون بدلا عن الثمن والبائع يقدمه بدلا عن نقل الملكية ولسنا هنا بصدد قاعدة آمرة بل مكملة،  فيجوز أن يتفق المتعاقدان على اعتبار العربون بدءا في تنفيذ العقد ولا يمكن بالتالي العدول عنه[36].

الفرع الثالث :  البيع بشرط التجربة

يقصد بالتجربة إعطاء المشتري إمكانية تجربة المبيع قبل الشراء النهائي، ويمكن أن يكون صريحا أو ضمنيا حسب طبيعة المبيع ،كشراء الملابس، أو شراء آلات معقدة لا تُعرف صلاحيتها إلا بالتجربة[37]، كالسيارات والآليات الميكانيكية، والإلكترونية وغيرها،  وفي أغلب هذه البيوع يعتبر شرطا ضمنيا، ويمكن تكييف هذا النوع من البيع تكييفين مختلفين :

أولا: التكييف الأول : أنه عقد بيع معلق على شرط واقف، وهو ما ارتآه المشرع ابتداء فنصت المادة 355/2  من القانون المدني الجزائري على أنه :

(يعتبر البيع على شرط التجربة بيعا موقوفا على شرط القبول إلا إذا تبين من الاتفاق أو الظروف أن البيع معلق على شرط فاسخ )

والشرط الوقف في هذا البيع هو قبول المشتري بالمبيع بعد تجربته ، فإذا جربه ولم يرتضه لم يتحقق الشرط الواقف، وإذا تحقق هذا الشرط الواقف (القبول) فإن البيع يعتبر مبرما من وقت الاتفاق على الشرط ، أي أن تنتقل الملكية للمشتري بأثر رجعي وتزول ملكية البائع بأثر رجعي كذلك، والشرط الواقف بالنسبة للمشتري هو في الوقت نفسه شرط فاسخ بالنسبة للبائع ولذلك فبتحققه تثبت حقوق الغير التي رتبها المشتري أثناء مدة التجربة بأثر رجعي وتزول الحقوق التي رتبها البائع بأثر رجعي.

ووفق هذا التكييف (المعلق على شرط واقف) فإن ملكية المبيع قبل تحقق الشرط تبقى للبائع، وإذا هلك المبيع أثناء مدة التجربة تحت يد المشتري تحمل البائع تبعة الهلاك.

كما يمكن لدائني البائع الحجز على مبيع تحت يد المشتري (دعوى غير مباشرة من دعاوى التنفيذ الجبري  حجز ما للمدين لدى الغير) : وذلك إذا اتفق المتعاقدان صراحة على هذا التكييف أو يتبين من ظروف العقد أن البيع معلق على شرط فاسخ (الشرط الفاسخ هنا هو رفض المشتري للمبيع بعد تجربته) ووفقا لهذا التكييف فإن عقد البيع مبرم تترتب عليه جميع آثاره بما في ذلك نقل الملكية، فيصبح المشتري مالكا للمبيع أثناء مدة التجربة، فإذا تحقق الشرط الفاسخ فإن العقد يزول بأثر رجعي،أي زالت ملكية المشتري بأثر رجعي وكذا الحقوق التي يكون المشتري قد رتبها للغير قبل رفضه للمبيع[38].

 

ثانيا : التكييف الثاني التجربة شرط فاسخ

على أنه يجوز للمتبايعين أن يتفقا على أن تكون التجربة شرطاً فاسخاً، ويكون الاتفاق على ذلك صريحاً أو ضمنياً يستخلص من الظروف وملابسات التعاقد، فعند ذلك ينفذ البيع منذ البداية ، ويصبح المشتري مالكاً للمبيع ملكية معلقة على شرط فاسخ ، بينما يصبح البائع مالكاً له ملكية معلقة على شرط واقف، والشرط هنا هو عدم قبول المشتري للمبيع وإعلان البائع رفض البيع ، فهذا هو الشرط الفاسخ بالنسبة إلى المشتري، فإذا تحقق الشرط ، بأن أعلن المشتري رفضه للبيع، انفسخ البيع بأثر رجعي، واعتبر المشتري كأنه لم يملك المبيع والبائع كأنه هو المالك منذ البداية، وتزول الحقوق التي ترتبت من جهة المشتري على المبيع وتبقى تلك التي ترتبت من جهة البائع، أما إذا تخلف الشرط  أو صار في حكم المتخلف بأن سكت المشتري عن القبول أو الرفض  فإن البيع يصبح باتا ويعتبر المشتري مالكاً للمبيع ملكية باتة منذ البداية، وتزول ملكية البائع بأثر رجعي، وتبقى الحقوق التي ترتبت من جهة المشتري على المبيع، بينما تزول الحقوق التي ترتبت من جهة البائع[39].

والشرط الفاسخ بالنسبة للمشتري هو نفسه شرط واقف بالنسبة للبائع فيتحقق الشرط الفاسخ    ( رفض المشتري للمبيع ) تثبت ملكية البائع بأثر رجعي وكذا الحقوق التي يكون قد رتبها قبل تحقق الشرط الفاسخ ووفقا لهذا التكييف أيضا فإن هلك المبيع أثناء فترة التجربة تحمل تبعته المشتري لكونه مالكا، وبالنسبة لمدة التجربة فإنها تحدد في العقد،فإذا أغفلت حدد البائع مدة معقولة للتجربة.

وقد ألزم المشرع الجزائري البائع بتمكين المشتري من تجربة المبيع خلال المدة المحددة  طبقا للمادة 355 مدني، فإذا رفض البائع ذلك جاز للمشتري إجباره قضاء، ومقابل هذا الالتزام من البائع فإن على المشتري كذلك التزاما يتمثل في وجوب القيام بالتجربة بنفسه أو من ينوبه، فإذا تسلم المشتري المبيع بالتجربة والتزم السكوت حتى انتهاء المدة أعتبر سكوته قبولا.

كما أن كيفية تجربة المبيع متروكة للمشتري فقد يقوم بها بنفسه وقد يكلف غيره وقد تكون بحضور البائع أو في غيابه، لكن يعتبر المشتري مخلا إذا جرب السلعة بطريقة غير عادية كأن يخالف تعليمات الاستعمال ويبقى اتفاق المتعاقدين ساريا.

الفرع الرابع : البيع بالمذاق

نصت المادة 355 من القانون المدني الجزائري على أنه ( يتعين على المشتري في البيع بشرط المذاق أن يقبل المبيع كيفما شاء غير أنه يجب عليه أن يعلن بقبوله بالأجل المحدد بعقد الاتفاق أو العرف ولا ينعقد البيع إلا من يوم هذا الإعلان(

ويقصد به إعطاء المشتري إمكانية تذوق بعضا من الشيء  المبيع، ويتوقف انعقاد البيع على رغبة المشتري بعد التذوق، وعادة ما يكون في المبيعات التي لا تُعرف إلا بالمذاق ، كزيت الزيتون والعسل والسمن البلدي ...

 وواضح من نص المادة أن المعيار في هذه الحالة شخصي حيث يمكن للمشتري رفض السلعة تبعا لذوقه، وربما تكون السلعة جيدة ، ولا ينعقد هذا العقد أصلا إلا من وقت إعلان المشتري للقبول، أي لا وجود لعقد بيع في لفترة السابقة، إذ توجد إرادة البائع وحدها دون إرادة المشتري وعليه يكيف هذا العقد قبل إعلان المشتري قبوله بأنه "وعد بالبيع "[40] يلتزم فيه الواعد الذي هو البائع بالبيع إذا قبل المشتري المبيع بعد تذوقه ولا سلطة للمشتري على المبيع قبل ذلك.

وبما أنه وعد بالبيع فإن البائع الواعد يلتزم بتمكين المشتري من التذوق كما يلتزم بإبرام البيع إذا قبل المشتري، ويجب أن يتم التذوق في الزمان والمكان المتفق عليهما في العقد أو في مكان التسليم أو وفق ما يقضي به العرف،وخلال المدة المحددة.

 

الفرع الخامس : البيع بالعينة

نصت المادة 353 من القانون المدني الجزائري على ما يلي: ( إذا انعقد البيع بالعينة يجب أن يكون المبيع مطابقا لها، وإذا تلفت العينة أو هلكت في يد أحد المتعاقدين ولو دون خطإ كان على المتعاقد بائعا أو مشتريا أن يثبت أن الشيء مطابق أو غير مطابق للعينة )

فبيع العينة هو أن يقوم البائع بعرض عينة على المشتري ، وقد يكون العكس أي أن المشتري يقدم العينة ويطلب السلعة المطابقة لها من البائع، كقطعة قماش أو حفنة من قمح، أو نوع من الثمار... ، ويعتبر تعيين العينة تعيينا للشيء المبيع من حيث الجنس والنوع ودرجة الجودة ورؤية العينة تغني عن رؤية المبيع[41]، ويمكن تكييف هذا العقد تكييفين لهما نفس الأثر:

فيمكن تكييفه بأنه بيع تام وبات من وقت الاتفاق على العينة، فإذا نكل البائع عن الالتزام بتقديم بضاعة مطابقة للعينة كان للمشتري إلزامه بتقديمها عن طريق القضاء، وللقاضي أن يلزم البائع بشرائها من السوق وله أن يأذن للمشتري بشرائها على حساب البائع وعلى البائع دفع الفرق إذا زاد سعر السوق عن السعر المتفق عليه في العقد، بشرط أن تكون زيادة عادية أي زيادة غير مرهقة، وإذا قدم البائع بضاعة مطابقة تماما للعينة فليس للمشتري رفض المبيع لعدم مطابقته لرغبته الشخصية وإلا اعتبر متعسفا وأمكن للبائع إلزامه بقبول السلعة،أما إذا كانت البضاعة غير مطابقة للعينة سواء كانت أكثر جودة أو أقل جودة فلا يلزم المشتري بتنفيذ التزامه بل له عندئذ طلب الفسخ مع التعويض أو بدونه كما له إلزام البائع بالوفاء العيني[42].

 

 


 المبحث الثاني

المحل في عقد البيع وهو المبيع و الثمن

المطلب الأول :المبيع كمحل لعقد البيع

لا توجد نصوص خاصة بالمحل في عقد البيع ولذلك نرجع إلى القواعد العامة لمحل الالتزام ؛ أي المواد من 90 إلى 96 من القانون المدني الجزائري، وبناء عليه فإن المبيع يشترط فيه أن يكون موجودا ومعينا ومشروعا ومملوكا للبائع.

الفرع الأول : أن يكون المبيع موجودا أو قابلا للوجود

ومعنى ذلك أن يكون الشيء المبيع موجودا فعليا وقت إبرام عقد البيع ، أو يكون قابلا للوجود مستقبلا، أي يمكن إيجاده أي صناعته كخياطة ثوب أو صناعة خزانة أو طاولة أو آلات يمكن صناعتها، أو محاصيل زراعية، وإلا بطل العقد بطلان مطلقا ، أي إذا كان المبيع ممكن الوجود وفق ما نصت عليه المادة  ( 92 فقرة1 ) بشرط أن يكون وجوده محققا.

فإذا كان الشيء المبيع  محتمل الوجود مستقبلا كما في بيع محصول زراعي  مستقبل أو سلعة يراد صنعها، فإنه لا يكون صالحا لأن يرد عليه حق الملكية لا للبائع و لا للمشتري، فبيع المحصول المسقبلي لا يجعل المشتري مالكا هذا المحصول، بل يجعله فقط دائنا به للبائع، فإذا ما تحقق وجود المحصول في وقت ما بعد البيع صار المشتري مالكا له ابتداء من هذا الوقت فقط، لزوال المانع من نشوء حق الملكية و هو وجود الشيئ .

وقد استثنى القانون المدني الجزائري التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة رغم وجود هذه المال حقيقة : (  يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو محققا

غير أن التعامل في تركة انسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه، إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون  ([43]

ويلاحظ أن شرط الوجود يلازم الأشياء المعينة بذاتها،  أما إذا كان المبيع معينا بنوعه فلا يُطرح الإشكال وجود المبيع إذا حدد مقداره وهو ما نصت عليها المادة 94 من القانون المدني الجزائري :

( إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته وجب أن يكون معينا بنوعه ومقداره و إلا كان العقد باطلا

ويكفي أن يكون المحل معينا بنوعه ومقداره وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم يمكن تبين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر ، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط )

الفرع الثاني : أن يكون المبيع معينا أو قابلا للتعين

أي يجب أن يكون المبيع معينا حقيقة أو قابلا للتعين، ويختلف ذلك بحسب ما إذا كان معينا بذاته أو بنوعه،  فإذا كان المبيع قيميا معينا بالذات كالعقارات والسيارات المستعملة وبعض الحيوانات كالفرس والأبقار والأغنام، فإنه يجب تعيينه في العقد بذكر أوصافه الخاصة، فالعقارا مثلا يعين بذكر أوصافه وحدوده ومساحته وموقعه وعدد طوابقه وكل ما يعرفه من أوصاف، وكذا السيارات المستعملة والحيوانات فيجب ذكر أوصافها ، أما الأشياء المثلية المعينة بنوعها كالحبوب والذهب وأنواع البضائع المختلفة فتعين بذكر جنسها ونوعها ومقدارها وزنا أو عدا أو كيلا.

وإذا لم تحدد درجة جودة المبيع في العقد فإن ذلك يستخلص من ظروف البيع أو من العرف السائد ، وإلا كان على البائع أن يقوم بتسليم مبيع من صنف متوسط، وهو ما نصت عليه  المادة 94 فقرة 2 .

( إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته وجب أن يكون معينا بنوعه ومقداره و إلا كان العقد باطلا

ويكفي أن يكون المحل معينا بنوعه ومقداره وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم يمكن تبين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر ، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط )

الفرع الثالث :  أن يكون المبيع مشروعا:

نصت المادة 93 من القانون المدني الجزائري على :

( إذا كان محل الالتزام مستحيلا بذاته أو مخالفا للنظام العام أو الآداب كان باطلا مطلقا ) وبطبيعة الحال أن كل الأشياء المشروعة تصلح أن تكون محلا للبيع كقاعدة عامة ، غير أن المشرع استثنى أشياء لا يمكن أن تكون محلا للبيع إما لأنها غير صالحةللتعامل بها بحكم طبيعتها ، أو بحكم القانون وهي :

أولا : الأشياء غير الصالحة للتعامل فيها بحكم طبيعتها: وهي التي لا يمكن أن يستأثر أحد بحيازتها كالهواء وأشعة الشمس ومياه الأمطار وغيرها من الأشياء غير المحازة، لكن لو حيزت وأمكن الاستئثار بها جاز التعامل بها، لأنها تمتلك بحيازتها، فإذا أمكن تعبئة الهواء ( الأكسجين ) أو حيازة المياه وملئها في قارورات وأوان أمكن بيعها.

 ثانيا : الأشياء غير الصالحة للتعامل فيها بحكم القانون: كالتعامل في التركة المستقبلية في حياة مالكها ولو برضاه[44]، أو التعامل في الأموال العامة أو المخصصة للمنفعة العامة فلا يجوز حجزها ولا تملكها بالتقادم كما لا يمكن  التعامل أو التصرف في أموال الوقف[45] ، لأنه لا يمكن تملكها .

الفرع الرابع : أن يكون المبيع مملوكا للبائع وقت العقد :

وهذا  شرط طبيعي ، فملكية الشيء لا تنتقل إلا عن مالك ، وإذا لم يكن البائع مالكاً لم يستطع أن ينقل ملكية المبيع ، فيشترط أن يكون المبيع مملوكا للبائع فلا يمكن لشخص أن يبيع شيئا لا يملكه، ومعنى بيع ملك الغير المقصود هنا هو بيع الشيء المعين بالذات غير المملوك للبائع[46].

  (  إذا باع شخص شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه ، فللمشتري أن يطلب إبطال البيع . ويكون الأمر كذلك ولو وقع البيع على عقار ، أعلن أو لم يعلن ببيعه

وفي كل حال لا يكون هذا البيع ناجزا في حق مالك الشيء المبيع ولو أجازه )

 فيخرج من بيع ملك الغير البيوع التالية :

أولا - بيع الشيء غير المعين بالذات وبيع الشيء المستقبل : فإذا باع شخص مائة قنطار من  القمح ، أو باع شخص شيئاً لم يوجد بعد ولكنه سيوجد في المستقبل ، لم يكن هذا بيعاً لملك الغير ، لأن البائع وقت أن باع لم يكن مالكاً للمبيع  ذلك أن المبيع شيء معين بذاته ، فلا يمكن أن يقال إن البائع مالك له أو غير مالك ، ولا يقال للبائع أنه مالك له حتى يتعين بالذات، أما في هذه المرحلة ، والمبيع لم يتعين بالذات ، فإن البائع يقتصر على الالتزام بنقل ملكية المبيع وهو قابل للتعيين ،  وعلى البائع تعيينه إذا كان موجوداً ، أو إيجاده إذا لم  يكن موجودا ، ثم ينقل ملكيته للمشتري .

 

ثانيا : تعهد الشخص عن مالك الشيء بأن المالك يبيع الشيء لشخص آخر : فهذا ليس بيع ملك الغير لأن المتعاقد لا يبيع ملك غيره ، وإنما هو تعهد عن المالك في أن يبيع ، فيكون تعهداً عن الغير.

ثالثاً – بيع الشيء المعين بالذات غير المملوك للبائع إذا علق البائع البيع على شرط أن يملك المبيع: فالبائع هنا لم يلتزم بنقل ملكية المبيع التزاماً باتاً ، بل علق التزامه على شرط واقف هو ملكية المبيع . وليس هذا بيع ملك الغير ، فالبائع والمشتري متفقان على أن البيع ليس ببات ، بل هو معلق على شرط . فإذا تحقق هذا الشرط ، وأصبح البائع مالكاً للمبيع ، انتقلت الملكية إلى المشتري وإذا لم يتحقق الشرط سقط البيع

رابعاً – بيع الشيء المعين بالذات المملوك للبائع تحت شرط : ففي هذه الحالة  البائع لم يبع ملك غيره ، بل باع ملك نفسه وإن كان هذا الملك غير بات ، فهو إما ملك معلق على شرط واقف فيتوقف وجوده على تحقق الشرط ، وإما ملك معلق على شرط فاسخ فيزول إذا تحقق الشرط ، وفي كلتا الحالتين ينتقل الملك بوصفه إلى المشتري ، فيكون هذا مالكاً للمبيع تحت شرط واقف أو تحت شرط فاسخ ،  فإذا تحقق الشرط الواقف أو لم يتحقق الشرط الفاسخ أصبحت ملكية المشتري باتة.

وتختلف هذه الصورة عن الصورة السابقة في أن البيع هنا بات وملكية المبيع هي المعلقة على شرط ، أما في الصورة السابقة فالبيع هو المعلق على شرط وملكية المبيع باتة .

خامساً – بيع الشيء الشائع : ففي هذه الحالة  يبيع الشخص شيئاً يملكه على الشيوع مع شركاء آخرين ، فلا يظهر في البداية أنه يبيع ملك غيره ، ولكن يتوقف الأمر على نتيجة القسمة ، فإن وقع هذا الشيء كله في حصة البائع اعتبر أنه قد باع ملكه ، وإن لم يقع في حصته اعتبر بائعاً لملك الغير .

سادساً – بيع الوارث الظاهر ، وهذا إذا كان في حقيقته بيعاً لملك الغير لأن الوارث الظاهر لا يملك المبيع ، إلا أن هناك اعتبارات ترجع إلى الاستقرار الواجب للتعامل تجعل بيع الوارث الظاهر صحيحاً نافذاً في حق الوارث الحقيقي ،  ومن ثم يتملك المشتري المبيع ، فلا يعود في حاجة إلى الحماية التي أولاها القانون للمشتري في بيع ملك الغير

 

فيبقى بعد كل ذلك ، في منطقة بيع ملك الغير ، بيع الشخص لعين معينة بالذات غير مملوكة له إذا قصد بالبيع نقل الملكية في الحال، ويستوي أن يكون البائع عالماً بأنه لا يملك المبيع أو يعتقد أنه يملكه ، كما يستوي أن يكون البيع مساومة أو بيعاً قضائياً ، ويستوي في البيع القضائي أن يكون بيعاً جبرياً أو بيعاً اختيارياً.

وبيع ملك الغير ، على هذا التحديد ، يقع كثيراً في الجانب العملي في حياتنا لكثير من الأسباب ، فالأب قد يبيع ملك ولده ، لا باعتباره نائباً عنه ، بل باعتباره أصيلاً عن نفسه ، والزوج قد يبيع ملك زوجته،  والوارث قد يبيع عيناً ليست في التركة ، أو في التركة ولكنها لم تقع في حصته ، والشريك في الشيوع قد يبيع كل العين الشائعة وهو لا يملك إلا حصته فيها ،  وواضع اليد على ملك غيره قد يبيع هذا الملك ،  وكثيراً ما يبيع الناس أموال الغائبين أو أموال الدولة الخاصة ، فهذه كلها تعتبر بيوعاً لملك الغير.

بطلان بيع ملك الغير : وبيع ملك الغير عقد قابل للإبطال ، غير أن هناك خلاف في الفقه

فالمادة 1599 من التقنين المدني الفرنسي تقضي بأن بيع ملك الغير باطل ، وبأن للمشتري الحق في التعويض إذا كان يجهل أن المبيع ليس مملوكاً للبائع ،  وقد تضاربت الآراء في الفقه الفرنسي في تأصيل بطلان بيع ملك الغير ، إذ أن النص الفرنسي المتقدم لا يخلو من الغموض .

فهناك رأي يذهب إلى أن هذا البيع إنما هو قابل للفسخ وليس باطلاً ، وترجع قابليته للفسخ إلى أن البائع لم يقم بالتزامه من نقل ملكية المبيع إلى المشتري ، فللمشتري أن يطلب فسخ البيع،  وخطأ هذا الرأي واضح ، إذا هو يتعارض تعارضاً صريحاً مع نص التقنين الفرنسي ومع نص التقنين المصري أيضاً ، فالنص في التقنينين على البطلان والبطلان شيء غير الفسخ ، هذا إلى أنه لو كان بيع ملك الغير جزاؤه الفسخ فحسب ، لكان للقاضي سلطة تقديرية في إجابة المشتري إليه ، ولما استطاع أن يقضي به لو تمكن البائع من نقل الملكية إلى المشتري بعد رفع الدعوى.

وهناك رأي ثان يذهب إلى أن البيع باطل بطلاناً مطلقاً ، إما لانعدام السبب إذ التزام المشتري لا يقابل شيء ما دام البائع لا يستطيع أن ينقل إليه الملكية ، وإما لاستحالة المحل استحالة مطلقة فالبائع وهو غير مالك لا يستطيع أن ينقل الملك  إلى المشتري 

هذا الرأي خطأ لأنه يتعارض هو أيضاً معارضة صريحة مع الآثار الكثيرة والتي ينتجها بيع ملك الغير ، ولو كان هذا البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً لما أنتج أثراً . هذا إلى أن البائع يستطيع أن يلتزم بنقل ملكية شيء غير مملوك له ثم يحصل على ملكيته فينفذ التزامه ، فالسبب إذن معدوم ، والمحل غير مستحيل استحالة مطلقة ، وإذا لم يقم البائع بتنفيذ التزامه ولم ينقل ملكية المبيع إلى المشتري فالجزاء إنما هو الفسخ لا البطلان المطلق.

وهناك رأي ثالث يذهب إلى أن بيع ملك الغير باطل بطلاناً نسبياً ، إما لغلط في شخص البائع فقد توهم المشتري أنه مالك للمبيع ، وإما لغلط في المبيع فقد توهم المشتري أنه مملوك للبائع، وخطأ  هذا الرأي واضح ، فهو يقتضي ألا يكون بيع ملك الغير قابلاً للإبطال إلا إذا كان المشتري حسن النية فيكون قد وقع في غلط في البائع أو في المبيع .

 وهذا يتعارض مع عموم النص في التقنين الفرنسي ، ومع صريح النص والقانون الجزائري المادة 399 والقانون المصري فإن المادة 468 من هذا التقنين تصرح بوجوب التعويض للمشتري إذا كان حسن النية فإذا كان سيء النية بقى البيع قابلاً للإبطال وإن كان المشتري لا يستحق التعويض.

 

الفقه الحديث : على أن الفقه الفرنسي الحديث أخذ يعدل عن هذه النظريات التقليدية ، ويذهب إلى أن دعوى بطلان بيع ملك الغير ليست إلا دعوى ضمان الاستحقاق يسبق المشتري إلى رفعها قبل أن ترفع عليه هو دعوى الاستحقاق من المالك الحقيق ، فالمشتري في دعوى ضمان الاستحقاق العادية يجب أن يتربص حتى يتعرض له المستحق ، وعند ذلك يرفع على البائع دعوى ضمان التعرض والاستحقاق .

 أما في بيع ملك الغير فقد أجاز المشرع للمشتري ألا ينتظر حتى يتعرض له المالك الحقيقي ، بل يبادر إلى رفع دعوى بطلان البيع ضد البائع ، فدعوى البطلان هذه ليست إلا دعوى ضمان استحقاق تعجل المشتري رفعها،

 

رأي يستند إلى نظرية تحول العقد الباطل : والتقنين المدني المصري الجديد وكذلك القانون المدني الجزائري نصوصهما صريحة في أنه يجوز للمشتري إبطال بيع ملك الغير ( م 466  /  1 ) من القانون المدني المصري والمادة 398 من القانون المدني الجزائري ، وفي أنه إذا أقر المالك البيع سرى العقد في حقه وانقلب صحيحاً في حق المشتري ( م 467  /  1 ) والمادة 398 من القانون المدني الجزائري ، وفي أن البيع ينقلب صحيحاً في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد ( م 467  /  2 ) . فهذه كلها نصوص صريحة قاطعة في أن بيع ملك الغير قابل للإبطال ، وقد قنن المشرع المصري بهذه النصوص الرأي الذي ساد فعلاً في كل من الفقه المصري والفقه الفرنسي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث

الثمن كمحل لالتزام المشتري

الثمن هو المبلغ النقدي الذي يقدمه المشتري في مقابل الشيء المبيع ويجب أن يكون الثمن نقدا وحقيقيا ومعينا أو قابلا للتعيين

المطلب  الأول: أن يكون الثمن نقديا

ويجب أن يكون الثمن نقديا وهو ما نصت عليه المادة351 من القانون المدني الجزائري التي تنص على :

( البيع عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي )

والنقدية في الثمن هو ما يميز البيع عن المقايضة حيث يتميز البيع عن المقايضة بأن أحد المحلين المتبادلين في البيع يجب أن يكون نقوداً وهو الثمن ، فإذا كان الثمن غير نقود فالعقد مقايضة .

ولذلك فلو اتفق المتعاقدان على مقابل من غير النقود فلا يعتبر العقد بيعا، ولكن يمكن اعتبار العقد بيعا إذا كان الثمن نقديا واتفق المتعاقدان على أن الوفاء يتم بما يقابله، وبالعكس لا يمكن أن نعتبر العقدَ بيعا حتى لو اتفق المتعاقدان على الوفاء بما يقابله من نقود إذا كان المقابل مثليا أو معينا غير نقدي أثناء العقد، إذ لا تأثير لكيفية دفع الثمن في تحديد طبيعة العقد، فقد يُدفع الثمن جملة واحدة أو تقسيطا معجلا أو مؤجلا، وقد يدفع إلى البائع أو إلى غيره من طرف المشتري نفسه أومن طرف غيره ما دام ذلك كل باتفاق الطرفين.

وإذا كان الثمن بعضه نقودا وبعضه غير نقود ، نظرنا إلى العنصر الغالب فيه، فإن كان الغالب هو النقود ، كان العقد بيعاً،  وإن كان الغالب هو البدل غير النقود ، كان العقد مقايضة، ويجوز أن يكون الثمن على شكل إيراد مرتب مدى الحياة ما دام نقديا

ويلاحظ أيضا أن البيع إذا ورد على عقار وكان الثمن يدفع أقساطا فإن الشكلية ركن تفرض أن يكون دفع الثمن شكليا أيضا أي أما الموثق الذي أبرم العقد كما سيأتي .

المطلب الثاني : أن يكون الثمن جديا حقيقيا

ومعنى أن يكون الثمن جديا  أي أن لا يكون صوريا ولا تافها، وإلا كان البيع باطلا أو لم يكن العقد عقد بيع بل هبة مستترة في صورة بيع.

الفرع الأول : الثمن الصوري  يكون الثمن صورياً إذا كان البائع لا يقصد أن يتقضااه من المشتري ، بل يذكر في العقد مبلغاً من النقود ليكون ثمناً صحيحا ظاهريا حتى يسلم عقد البيع في مظهره الخارجي،  ومتى يثبت أن الثمن صوري فإن العقد لا يكون بيعاً، ولكنه قد يكون هبة مستترة في صورة بيع فيصح كهبة دون حاجة إلى ورقة رسمية.

الفرع الثاني : الثمن التافه : والثمن التافه  كالثمن الصوري في الحكم، فكما لا يتم البيع بالثمن الصوري لا يتم بالثمن التافه،  والثمن التافه هو مبلغ من النقود يصل من التفاهة في عدم تناسبه مع قيمة المبيع إلى حد يبعث على الاعتقاد بأن البائع لم يتعاقد للحصول على مثل هذا المقدار التافه ، وإن كان قد حصل عليه فعلاً، فالثمن التافه هو الثمن الذي لا يتناسب إطلاقا مع قيمة المبيع حيث يقل عنها كثيرا بصورة تجعله كالمعدوم فإذا تم البيع هكذا عدا باطلا مطلقا لتخلف ركن المحل وهو الثمن .

وهو ثمن لا يقصد البائع طلبه ولا المشتري الوفاء به وهو المذكور في العقد فهو ثمن وهمي يذكر في العقد ليظهر العقد بمظهر البيع ثم يعفى المشتري منه أو من الوفاء به كما قد يتضمن العقد شرط يعفي المشتري من الثمن أو يوهب له.

ويعتبر العقد في هذه الحالات تبرعا مكشوفا والعبرة في جدية الثمن وقت إبرام العقد فلا يعتبر الإجراء من الثمن قرينة قطعية على الصورية،فقد يكون الإجراء لاحقا للعقد منفصلا عنه ونكون بصدد تعديل للعقد.

ويمكن أن تتحقق صورية الثمن إذا كان المذكور في العقد ثمن غير وهمي لكنه يخفي ثمنا آخر متفق عليه بين المتعاقدين .

وقد يكون الثمن المذكور أكبر بكثير من الثمن المتفق على دفعه وعادة ما يحدث ذلك إذا قصد البائع أن يحرم الشفيع من استغلال حقه في الشفعة ببيع العقار لكون الثمن المذكور مرهقا للشفيع.

وقد يلجأ المتعاقدان إلى إخفاء جزء من الثمن تهربا من رسوم التسجيل ، ولذلك نصت المادة 113 من قانون التسجيل[47] على أنه ( يكون باطلا وعديم الأثر كل اتفاق يهدف إلى إخفاء جزء من ثمن بيع العقارات أو تنازل عن محل تجاري،ويمكن إثبات إخفاء الثمن بشتى وسائل الإثبات المقبولة في مادة التسجيل ) 

كما نصت المادة 118 من نفس الأمر على أن إدارة التسجيل تستطيع أن تستعمل لصالح الخزينة حق الشفعة على العقارات أو الحقوق العقارية ...إلخ الذي ترى فيه أن ثمن البيع غير كاف مع دفع هذا الثمن مزاد فيه العشر لذوي الحقوق.

والخلاصة أن الثمن الجدي هو ما لم يكن صوريا أو تافها ويقع البيع صحيحا إذا قل الثمن عن قيمة المبيع ما لم يصل إلى درجة التفاهة إذ لا يشترط تساوي الثمن وقيمة المبيع.

المطلب الثالث : أن يكون معينا أو قابلا للتعين

الأصل أن الثمن يحدده المتعاقدان أثناء العقد، والأغلب أن يتم تحديده صراحة وقد يحدد ضمنا كأن يحدده أحد الطرفين ويسكت الثاني دون اعتراض فيعتبر محددا بإرادته، أما إذا استقل أو انفرد احدهما بتحديده دون علم الثاني فلا ينعقد العقد لانعدام ركن الرضا، وقد رأينا أن ينبغي أن يتم الاتفاق على طبيعة العقد وعلى المبيع وعلى مقدار الثمن.

 وقد يتفق المتعاقدان على أسس معينة لتحديده فنصت المادة 356/1 من القانون المدني الجزائري على أنه: ( يجوز أن يقتصر على تقدير ثمن المبيع على بيان الأسس التي يحدد بمقتضاها فيما بعد ) ، ويجب أن تكون هذه الأسس واضحة لا تحدث النزاع وباتفاق الطرفين وقد نص المشرع على أساسين لتحديد الثمن على سبيل المثال لا الحصر.

الفرع الأول: تحديده بسعر السوق:

فنصت المادة 365 فقرة 2 من القانون المدني الجزائري على أنه

 ( إذا وقع الاتفاق على الثمن هو سعر السوق وجب عند الشك الرجوع إلى سعر السوق الذي يضع فيه تسليم المبيع للمشتري في الزمان والمكان، فإذا لم يكن في مكان التسليم سوق وجب الرجوع إلى سعر السوق في المكان الذي يقضي العرف أن تكون أسعاره هي السارية)

الفرع الثاني: هو تحديد السعر على أساس السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى التعامل به بين البائع والمشتري فنصت المادة 357 من القانون المدني الجزائري على أنه :

( إذا لم يحدد المتعاقدان ثمن المبيع فلا يترتب على ذلك بطلان البيع متى تبين أن المتعاقدين قد نويا الاعتماد على السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما )

ويستخلص هذا الاتفاق أو النية من ظروف البيع.

ويمكن إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة أن يوكل المتعاقدان أمر تحديد السعر إلى طرف ثالث يعين في العقد أو يتفقان عليه لاحقا، فإذا عين في العقد انبرم البيع وإذا اتفق على تعيينه لاحقا كنا بصدد حالتين:

الحالة الأولى : إذا كان عدم تعيينه لأي سبب من الأسباب،  فإن البيع يعتبر عدما كأن لم يكن لتخلف محل التزام المشتري وهو الثمن.

الحالة الثانية :  إذا عين الشخص الثالث باتفاق لاحق فينعقد البيع معلقا على شرط واقف هو تحديد فعليا للثمن.
أما إذا لم يحدده لم يتحقق الشرط وزال البيع بأثر رجعي أي كأن لم يكن،فإذا حدده تحقق الشرط فالعقد يعتبر منبرما من وقت تعيين الشخص لا من مجرد تحديد الثمن.

وقد يتفق المتعاقدان على أن الثمن هو نفسه الذي اشترى به البائع بدون زيادة أو بزيادة متفق عليها أو بنقصان فإذا ثار خلاف فعلى البائع إثبات الثمن الذي اشترى به.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الرابع

السبب كركن من أركان البيع

ويشترط في السبب أن يكون مشروعا غير مخالف للنظام العام وسنتناول شرحه في الأسطر التالية ، وركن السبب في عقد البيع بمييزات خاصة عن السبب في القواعد العامة

 لذلك نكتفي بالتذكير بالسبب كركن في العقد في القواعد العامة، ثم نقوم ببيان السبب وشروطه في عقد البيع ، حيث تنص المادة 97 من القانون المدني الجزائري على :

 ( إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروعأو لسبب مخالف للنظام العام والآداب كان العقد باطلا) كما تنص المادة 98 من على القانون المدني الجزائري :

( كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا مالم يقم الدليل على ما يخالف ذلك، ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه )

المطلب الأول : تعريف السبب :

 الفرع الأول : تعريف السبب هو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه .

 والفرق بينه وبين المحل هو أننا نسأل عن  المحل: بماذا التزم المدين ؟ ، ونسأل عن  السبب: لماذا التزم المدين ؟.

والسبب بهذا المعنى لا يكون عنصرا في كل التزام ، بل يقتصر على الالتزام العقدي إذا الالتزام غير العقدي لم يقم على إرادة الملتزم حتى يصح السؤال عن الغرض المباشر الذي قصد إليه الملتزم من وراء التزامه .

ويمكن إذن أن نستخلص مما تقدم أن السبب ركن في العقد غير ركن الإرادة . ولكن الركنين متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالسبب والإرادة معنيان متلازمان وتاريخ نظرية السبب يقوم على الحقيقة الآتية : كلما زاد حظ الإرادة في تكوين العقد ، وضعف حظ الشكل ، زادت أهمية السبب ، ذلك لأن الإرادة ، من حيث إنها تحدث آثاراً قانونية ، إذا انطلقت من قيود الشكل ، وجب أن تتقيد بالسبب ، وعند ما كان الشكل وحده هو الذي يكوِّن العقد ، لم يكن للسبب أثر . وبدا السبب في الظهور عندما بدأت الإرادة تتحرر متدرجة من قيود الشكل، وكلما زاد تحررها من هذه القيود زاد ربطها بقيود السبب ، إلى أن تم تحريرها ، فوجدت نظرية السبب كاملة تحل محل الشكل[48] .

ونرى مما تقدم أنه حيث يتغلب الشكل يقل شأن السبب ، وحيث يضعف الشكل يقوى أمر السبب . هكذا كانت الحال في القانون الروماني : فقد بدأ هذا القانون شكلياً ، ولما أخذ الشكل يتقلص وتظهر العقود الرضائية ، بدا السبب يظهر بظهور الإرادة ليكون قيداً لها بدلا من الشكل ، وهكذا كانت الحال في القانون الفرنسي القديم : فإن السبب لم يكد يعرف فيه إلا عندما وصل رجال الكنيسة إلى تقرير الرضائية في العقود ، فظهر السبب بعد أن كانت الشكلية تستره ، وبرز قوياً ليحوط الإرادة بقيود تحل محل قيود الشكل ، وهكذا هي الحال في القانون الحديث حيث الشكلية تكاد تنعدم ، فأينعت نظرية السبب وتطورت ، بل لعلها رجعت إلى أصلها قوية كما كانت في القانون الكنسي ، لولا أن العقد المجرد حل محل العقد الشكلي في الانتقاص من سلطان السبب[49].

الفرع الثاني : علاقة السبب بالمشروعية وبعيوب الإرادة : منذ تحررت الإرادة من الشكل ، حاطها السبب بقيود من أجل حماية المجتمع عن طريق المشروعية وفي صورة السبب المشروع ، فالإرادة حتى تنتج أثرها يجب أن تتجه إلى غرض مشروع لا يتعارض مع النظام العام ولا مع الآداب ، وذلك حماية للمجتمع ، ثم اتخذت نظرية السبب لها هدفاً آخر إلى جانب هذا الهدف الأول ، فصارت تحمى المتعاقد نفسه من هزله ونسيانه ومما قد يقع فيه من غلط أو تدليس أو إكراه ، وهكذا بعد أن تحررت الإرادة من الشكلية أخذت تتحرر من العيوب عن طريق نظرية السبب ، وبعد أن قامت نظرية السبب لحماية المجتمع ، أخذت تقوم لحماية المجتمع والمتعاقدين جميعاً .

ولعل أول صورة تمثلت لعيوب الإرادة انطبعت في نظرية السبب . ثم أخذت عيوب الإرادة تستقل عن السبب شيئاً فشيئاً ، وتكسب لها كياناً ذاتياً خارجاً عن منطقة السبب . فانفصل الإكراه ، ثم انفصل التدليس . وأصبح السبب الآن لا يختلط إلا بالغلط في منطقة مشتركة ، هي منطقة السبب المغلوط أو الغلط في السبب . وقد أتم القانون المدني الجديد هذا التطور ، ففصل بين الغلط والسبب فصلا تاماً . وأصبح السبب في هذه القانون مقصوراً على السبب المشروع .

المطلب الثاني : الشروط الواجب توافرها في السبب:

يجب أن تتوفر في السبب شروط ثلاثة : ( 1 ) أن يكون موجوداً . ( 2 ) وأن يكون صحيحاً . ( 3 ) وأن يكون مشروعاً 

الفرع الأول : وجود السبب : تقول النظرية التقليدية إن كل التزام يجب أن يكون له سبب . ووجود السبب ليس في الواقع شرطاً يجب توافره في شيء ، بل هو الشيء ذاته . وإنما يثار وجود السبب حتى يتقرر أن كل التزام لا يكون له سبب يكون التزاماً غير قائم .

ويغلب في السبب غير الموجود أن يكون سبباً موهوماً وقع غلط في وجوده ، فظن المتعاقدان أن موجود وهو غير موجود ، ويصح التساؤل إذن كيف يقدم المتعاقدان على التعاقد لسبب غير موجود وهما عالمان بذلك ؟  تجيب النظرية التقليدية أن هذا يمكن أن يتحقق عند التعاقد وبعد التعاقد ، فهو يتحقق عند التعاقد في فرضين :

أولا : الفرض الأول :  قد يُكرِه أحدُ المتعاقدين على إمضاء إقرار بمديونيته وهو غير مدين ، أي لسبب لا وجود له ، كقرض لم يتم ، فيكون كل من المتعاقدين على بينة من أن سبب المديونية غير موجود ، وفي هذه الحالة يكون العقد الذي يقر فيه المتعاقد المكره بمديونيته باطلا لانعدام السبب ، ثم يثبت المقر أنه لم يتسلم القرض أصلاً ، فيكون الإقرار في هذه الحالة باطلا لانعدام السبب .

ثانيا : الفرض الثاني : يكون السبب غير موجود ، دون أن يكون هناك وهم أو إكراه ، فيما يسمى بسند المجاملة ، وهي أن يلتزم شخص نحو آخر التزاماً صورياً ، فيمضي سنداً لمصلحته ، ويقصد من ذلك أن يعطي الدائن الصوري سنداً يحصل على قيمته من طريق تحويله ، حتى إذا حل ميعاد دفع السند قام الدائن الصوري بتوريد قيمته إلى المدين ، فيدفعها هذا لحامل السند . وبذلك يستطيع الدائن الصوري أن يحصل على ما هو في حاجة إليه من النقود إلى أجل معلوم ، لا من مدينه بالذات ، بل بفضل إمضاء هذا المدين على سند المجاملة [50].

 ولا يحتج بانعدام السبب على حامل السند إذا كان حسن النية ، ولكن في العلاقة ما بين المدين ودائنه الصوري يستطيع الأول أن يتمسك ببطلان السند لانعدام السبب .

الفرع الثاني : صحة السبب  ويجب أيضاً أن يكون السبب صحيحاً ، فإن كان غير صحيح بطل العقد،  فالسبب غير الصحيح لا يصلح أن يقوم عليه التزام ، ويرجع عدم صحة السبب إلى أحد أمرين :

 أولا :  إما لأن السبب الظاهر هو سبب موهوم أو مغلوط والأمثلة على ذلك كثيرة منها :

 وارث يتخارج مع شخص يعتقد أنه وارث معه وهو ليس بوارث ، فيعطيه مبلغاً من النقود حتى يتخلى عن نصيبه في الميراث ، فهذا التخارج باطل لأن سببه موهوم .

وارث يمضي إقرارا بدين على التركة ويتبين أن الدائن كان قد استوفى الدين من المورث ، فهذا الإقرار باطل لأن سببه موهوم .

وارث يتعهد لموصى له بعين في التركة أن يعطيه مبلغاً من المال في نظير نزوله عن الوصية ، ويتبين بعد ذلك أن الوصية باطلة أو أن الموصى قد عدل عنها ، فتعهد الوارث باطل لأن سببه موهوم . مدين يتفق مع دائنه على تجديد الدين ، فيتبين أن الدين القديم باطل أو أن الدائن قد استوفاه ، فالتجديد باطل لأن سببه موهوم .

ثانيا :  وإما لأن السبب الظاهر هو سبب صوري فقط،  غير أن العقد الذي يقوم على سبب صوري لا يكون باطلا لصورية السبب ، فإن الصورية في ذاتها ليست سبباً في البطلان ،  ولكن إذا اثبت المدين صورية السبب ، فعلى الدائن أن يثبت السبب الحقيقي ، ويكون الالتزام قائماً أو غير قائم تبعاً لهذا السبب الحقيقي ، فإن كان هذا السبب موهوماً سقط الالتزام لأن السبب الحقيقي موهوم لا لأن السبب الظاهر صوري ، وإن كان السبب الحقيقي غير مشروع ، وقد أخفى تحت ستار سبب مشروع كما هو الغالب ، سقط الالتزام أيضاً ، لا لصورية السبب الظاهر ، بل لعدم مشروعية السبب الحقيقي ، أما إذا كان السبب الحقيقي مشروعاً غير موهوم ، فإن الالتزام يقوم بالرغم من صورية السبب الظاهر.

الفرع الثالث : مشروعية السبب : ويجب أن يكون السبب مشروعاً ، والسبب المشروع هو الذي لا يحرمه القانون ولا يكون مخالفاً للنظام العام ولا للآداب، ونبين هنا أن مشروعية السبب ، عند أصحاب النظرية التقليدية ، شرط متميز عن مشروعية المحل ، فقد يكون المحل مشروعاً والسبب غير مشروع ، ويتحقق ذلك في فروض مختلفة ، نذكر منها لفروض الثلاثة الآتية :

أولا : الفرض الأول : كما إذا تعهد شخص لآخر بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود يأخذه منه ، فإن التزام الشخص الآخر بدفع النقود محله مشروع ، ولكن سببه  وهو الالتزام بارتكاب الجريمة  غير مشروع ، فلا يقوم هذا الالتزام ، لا لعدم مشروعية المحل ، بل لعدم مشروعية السبب .

ثانيا : الفرض الثاني : وهو كما  إذا تعهد شخص لآخر بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود ، فإن التزام كل من المتعاقدين محله مشروع ، فقد تعهد الأول بعدم ارتكاب الجريمة ، وتعهد الثاني بدفع مبلغ من النقود ، وكلا المحلين مشروع ، ولكن سبب التزام الأول بالامتناع عن ارتكاب الجريمة هو التزام الثاني بدفع النقود ، وهذا سبب غير مشروع ، وسبب التزام الثاني بدفع النقود هو التزام الأول بالامتناع هو ارتكاب الجريمة ، وهذا أيضاً سبب غير مشروع .

 ومن ذلك نرى أن كلا من الالتزامين لا يقوم لعدم مشروعية السبب ، مع  أن محل كل منهما مشروع ، وكذلك الأمر في كل عقد يلتزم فيه شخص بإجازة آخر ليحمله على الالتزام بما يجب عليه دون إجازة ، كالمودع يجيز المودع عنده حتى يرد الوديعة ، وكالمسروق منه يجيز السارق حتى يرد المسروق ، وكالمخطوف وله يجيز الخاطف حتى يرد الولد ، وكمن يخشى أذى دون حق من شخص يجيز هذا الشخص حتى يكف عنه أذاه [51]

ثالثا : الفرض الثالث:  عقد الوساطة في الزواج  هو أيضاً عقد سببه غير مشروع ، فإذا التزم شخص أن يدفع أجراً لوسيط يبحث له عن زوج يرضاه ، فإن كثيراً من الفقهاء يقولون إن العقد غير مشروع لأنه يجعل الزواج ضرباً من التجارة .

ولكن محكمة النقض الفرنسية ميزت بين حالتين : فإذا اشترط الوسيط الأجر تم الزواج أو لم يتم ، كان هذا أجراً على العمل لا جائزة على النجاح ، فيكون العقد مشروعاً ،  أما إذا اشترط الأجر على ألا يأخذه إلا إذا تم الزواج ، فهذا هو الاتفاق الباطل ، لأن الوسيط في هذه الحالة قد يحمل على ركوب طرق من الغش والخديعة حتى يتم الزواج ،  وقد لا يكون فيه مصلحة الزوجين اللهم إلا مصلحة الوسيط حيث  يحصل على أجره الموعود .

وعلى هذا الرأي الذي أخذ به الاجتهاد الفرنسي فإن الاتفاق مع الوسيط على إعطائه أجراً إذا نجحت وساطته اتفاقاً غير مشروع ،  وعدم المشروعية هنا يرجع إلى السبب لا إلى المحل ، فإن التزام كل من الفريقين محله مشروع ، أحدهما يلتزم بإعطاء الأجر والثاني يلتزم بالعثور على زوج صالح ، ولكن سبب كل من الالتزامين غير مشروع ، لأنه مما يخالف الآداب والنظام العام أن يلتزم الوسيط بتزويج الطرف الآخر في مقابل اجر ، وأن يلتزم الطرف الآخر بإعطاء الوسيط أجراً في مقابل هذا الزواج .

المطلب الثالث : السبب في عقد البيع :

الفرع الأول : وجود السبب : وفي عقد البيع ينصرف هذا الشرط الى السبب القصدي وهو الغاية التي يقصد الملتزم الحصول عليها،  وفي العقود الملزمة للجانبين يكون سبب التزام كل من المتعاقدين هو ارتقاب تنفيذ التزام المتعاقد الآخر ، ففي عقد البيع يكون سبب التزام البائع بنقل الملكية هو ارتقاب الحصول على الثمن من المشتري وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو ارتقاب الحصول على ملكية المبيع من البائع ، ولذلك فالتزام كل من البائع والمشتري مرتبط بالتزام المتعاقد الآخر بحيث اذا تخلف التزام أحدهما عند الاتفاق فلا ينشأ التزام الآخر،  وبالتالي لا يوجد عقد بيع،  واذا تخلف أحد الطرفين عن تنفيذ التزامه بعد انعقاد العقد کان للآخر أن يمتنع عن تنفيذ التزامه ، وهذا هو الدفع بعدم التفيذ كما أن له أن يطلب الفسخ ليتخلص من تنفيذ العقد ، وإذا أصبح تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلا فإن الالتزام ينتهي وينتهي التزام الطرف الثاني ويفسخ العقد .

الفرع الثاني : مشروعية السبب :

ينصرف هذا الشرط الى السبب الدافع أی الباعث الذي دفع الملتزم الى أن يرتب الالتزام في ذمته فإن كان الباعث للمتعاقدين معا باعثا غير مشروع كان العقد باطلا بطلانا مطلقا ،  أما ان كان الباعث لأحد المتعاقدين غير مشروع فنفرق بين ما إذا كان الطرف الآخر يعلم بعدم مشروعية هذا الباعث او لا يعلم به . فاذا كان الطرف الآخر يعلم بعدم مشروعية الباعث لدى المتعاقد الآخر فان العقد يكون باطلا بطلانا مطلقا ،  وبالعكس اذا كان الطرف الآخر لا يعلم بعدم مشروعية الباعث لدى المتعاقد معه فلا يكون العقد باطلا .

ويبرر هذا الحكم الحرص على استقرار المعاملات، فلا يبطل عقد البيع اذا كان المشتري يشتری دارا لتخصيصها للدعارة وكان البائع لا يعلم بهذا الباعث ، وهو تطبيق للقواعد العامة في السبب على عقد البيع .

الفرع الثالث : صحة السبب : ويجب أيضاً أن يكون السبب صحيحاً  أي أن يكون السبب غير موهوم ، ومثاله أن يبيع شخص حصته من الميراث ثم يتبين أنه ليس بوارث، وغيره كثير من الأمثلة .

 

 

المبحث الخامس

الشكلية كركن في عقد بيع العقار

 

الأصل في العقود أنها رضائية فيتم العقد بمجرد تبادل الإيجاب و القبول، حيث نصت المادة  59 من القانون المدني الجزائري  على ( يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإ خلال بالنصوص القانونية  )، وبذلك استثنى المشرع الجزائري بعضا من العقود التي اعتبر الشكلية فيها ركنا أساسيا يبطل العقد بتخلف هذا الركن، ومنها بيع العقار، حيث نصت المادة 793 من القانون المدني الجزائري  : ( لا تنقل الملكية والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار )

المطلب الأول مفهوم الشكلية :

الفرع الأول : تعريف الشكلية :هي إفراغ العقد في شكل معين يفرضه القانون بالإضافة إلى ركن الرضا، فهي ركن في التصرف القانوني وبتخلفها يكون العقد باطلا.

قد يشترط المشرع لقيام العقد أن يكون مكتوبا، فهي كتابة مطلوبة لقيام الإلتزام بمقتضى القانون وقد يشترط القانون الكتابة من أجل الإثبات أمام القضاء وفي هذه الحالة لا تجعل العقد شكليا وإنما تشترط الكتابة للإثبات فقط فهي ليست ركنا في العقد.

الفرع الثاني : الكتابة الرسمية

وهي تحرير العقد في سند من قبل موظف عام أو محافظ عمومي أو موثق يختص في تحريرها من حيث المضمون والمكان وفق الأوضاع القانونية .

وقد عرفت المادة 324 العقد الرسمي على أنه :( العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ، ما تم لديه أوما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه )

المطلب الثاني: شروط العقد الرسمي : للعقد الرسمي ثلاثة شروط : يتعلق الشرط الأول بمحرر العقد، والشرط الثاني بلإختصاص، والشرط الثالث بالأشكال القانونية الواجب إتباعها.

الفرع الأول : محرر العقد: يشترط في العقد الرسمي أن يكون محررا من قبل الموظف العمومي الذي له الصلاحية في تحرير العقود الرسمية.

أولا : الموظف العمومي : وقد ورد تعريفه في المادة 4 في فقرتها  من الأمر 06 / 03  ( يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة، ورسم في رتبة في السلم الإداري )

فيتضح مما سبق أن الموظف هو العون المرسم الذي يشغل منصبا دائما في مصلحة عمومية ، و تكون وضعيته بالنسبة للمؤسسة أو الإدارة قانونية.

ثانيا : الضابط العمومي : وهو الشخص الذي يخول له القانون سلطة إصدار وإعطاء الصبغة الرسمية للعقود أو الوثائق كرئيس البلدية،  والموثق وكاتب الضبط لدى المحاكم…إلخ.

ثالثا: الشخص المكلف بخدمة عامة : وهم الخواص الذين يساهمون في تسيير بعض المرافق العمومية كالمحامين والموثقين …إلخ وتتولى السلطة العمومية تعيين هؤلاء إلا أنهم يتقاضون أتعابهم من المستفيدين من خدماتهم،  ولما كان الأمر يتعلق بتسيير مرافق عمومية تولى القانون تنظيم هذه المهن

الفرع الثاني : الإختصاص

يشترط في  الموظف أو الضابط العمومي أو الشخص المكلف بخدمة عامة أن يكون مختصا إقليميا ونوعيا.فإذا كانت صلاحياته لا تسمح له بمباشرة تحرير العقود الرسمية فلا يمكنه القيام بذلك، كما يجب أن يتقيد الضابط العمومي كذلك بحدود إختصاصه من حيث الموضوع والإقليم.

الفرع الثالث : الأشكال القانونية

إن الأشكال التي يفرضها القانون مثل ما تنص عليه المادة 18 من القانون 88- 27 المتضمن التوثيق بقولها: ( … وفي كل الحالات تحرر العقود باللغة العربية في نص واحد واضح تسهل قراءته بدون إختصار أو بياض أو نقص أو كتابة بين الأسطر، وتكتب المبالغ والسنة والشهر، ويوم التوقيع على العقد بالحروف، وتكتب التواريخ الأخرى بالأرقام، ويصادق على الإحالات في الهامش أو إلى أسفل الصفحات، وعلى عدد الكلمات المشطوبة في العقد، بالتوقيع بالأحرف من قبل كل من الأطراف والشهود والموثق … وما لم ينص التشريع المعمول به على خلاف ذلك يبين هذه العقود ما يلي :

 1- إسم ولقب الموثق الذي يحررها ومكان ومقر إقامته, …

 2- إسم ولقب وصفة ومسكن وتاريخ ومحل ولادة الأطراف …

 3- إسم ولقب وصفة الشهود … …إلخ )

وجاء في المادة 19 ( لا يقبل ضمن العقد أي تحرير أو كتابة بين الأسطر أو إضافة كلمات …  تعتبر الكلمات المحررة أو المكتوبة بين السطور باطلة )

ومن بين التصرفات القانونية الواجب إفراغها في شكلية رسمية تحت طائلة البطلان تذكر المادة 324 من القانون المدني مكرر1 :(  … العقود التي تتضمن نقل ملكية عقارية أو حقوق عقارية, أو محلات تجارية أو صناعية أو كل عنصر من عناصرها، أو تنازل عن أسهم في شركة أو حصص فيها، أو عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي, ويجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد )

إن الإغفال الكلي لهذه الشكلية التي تعد ركنا في العقد تمنع قيامه، ويعتبر العقد منعدما. بينما إغفال بعض الأشكال والشروط يفقد العقد صيغته الرسمية طبقا للمادة 326 مكرر2 من القانون المدني التي تنص: ( يعتبر العقد غير رسمي بسبب عدم كفاءة أو أهلية الضابط العمومي أو إنعدام الشكل كمحرر عرفي إذا كان موقعا من قبل الأطراف )

المطلب الثالث : الكتابة العرفية

وهو العقد الذي يتولى المتعاقدان كتابته وتوقيعه، فهي المحررات التي يقوم بإعدادها أطراف العقد بأنفسهم أو بواسطة وكيل، ويوقع عليها المتعاقدان ويتمثل ركن الشكلية في هذا النوع من العقود في الكتابة العرفية لا غير، ولقد نصت المادة 327 من القانون المدني: ( يعتبر العقد العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خطأ وإمضاء )

 ويتطلب العقد العرفي توفر شرطين: أن يكون مكتوبا بخط المتعاقد الذي ينسب إليه،  وأن يكون موقعا.

الفرع الأول : الكتابة والمقصود بالكتابة هو بيان مضمون الواقعة كأن تكون بيعا فيذكر عقد البيع و المبيع والثمن.

الفرع الثاني : التوقيع :وهو الإمضاء، وهو علامة مميزة لصاحبها يعرف بها –عادة– وتتمثل في كتابته بخط اليد إسمه ولقبه في آخر الورقة، ويفيد التوقيع قبول المتعاقد الموقع ما ورد في هذه الورقة .

المطلب الخامس : أهداف الشكلية  قصد المشرع بفرض الشكلية في العقود إلى تحقيق المصلحة العامة وكذا المصالح الخاصة

أولا : تحقيق المصالح العامة: تتمثل في تحقيق الرقابة على التصرفات القانونية وتحقيق إيرادات للخزينة العمومية وتسهيل عمل القاضي،

ثانيا: تحقيق المصالح الخاصة وتتمثل في حماية المتعاقدين من التسرع وحفظ حقوقهم وحماية الغير .

المطلب السادس : ركن الشكلية في عقد البيع

يتمثل ركن الشكلية في عقد البيع في المحرر الذي يحرره الموظف العمومي المختص بصفته ضابطا عموميا وفق الأشكال التي يفرضها القانون.

ركن الشكلية في عقد البيع هو وجوب إفراغ عقد البيع الوارد على عقار في الشكل الرسمي أي العقد التوثيقي والذي يحرره الموثق بصفته ضابطا عموميا في حدود اختصاصه المحلي والنوعي ووفق الأشكال التي نص عليها القانون.

حيث يجب على الأشخاص الراغبين في إبرام عقد بيع عقار أن يتقدموا إلى موثق مختص إقليميا لا يربطه بأحدهما رابطة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة ، حيث يتلقى الموثق التصريحات وفق الأصول المعمول بها والمنصوص عليها في القانون المدني والقوانين والتنظيمات المتعلقة بمهنة التوثيق، لا بد لكل طرف من أطراف العقد أن يقدم شهادة ميلاده وبطاقة التعريف الوطنية ،ويضيف لها البائع سند الملكية وشهادة المطابقة وشهادة التأمين ضد خطر الكوارث الطبيعية بالنسبة للعقار المبني ، وتقويم العقار وكذا عند الضرورة مخططا هندسيا وصفيا حال بيع جزء من عقار مبني، مع ضرورة إيداع خمس الثمن المذكور في العقد قانون المالية لسنة 2020

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع : آثار عقد البيع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ونعالج في هذا الفصل التزامات البائع في المبحث الأول، وهي نقل الملكية والتسليم والضمان فنتناول الأعمال التي يجب أن يقوم بها البائع لتنفيذ هذا الالتزام ، وكيف تنتقل الملكية في الشيء المبيع  وفي الالتزام بتسليم المبيع نذكر على أي شيء يقع التسليم ، ونتكلم عن طريقة التسليم ، ونعرض لحالة هلاك المبيع قبل التسليم ونبين على من تقع تبعة هذا الهلاك . وفي الالتزام بالضمان نعالج ضمان التعرض وضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية ، ونبين في كل منها متى يوجد الضمان وماذا يترتب عليه.

ونستعرض في المبحث الثاني التزامات المشتري ، وهي دفع الثمن والمصروفات والالتزام بتسلم المبيع فنبين الزمان والمكان اللذين يتم فيهما التسليم ومن الذي يتحمل نفقته وما الذي يدفعه المشتري ، ونبين مكان الوفاء وزمانه ، ثم نذكر ما يترتب من جزاء على عدم الوفاء بالثمن .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول : التزامات البائع

المطلب الأول : الالتزامات المعاصرة للبيع

الفرع الأول : الالتزام بنقل ملكية المبيع

قد يكون المبيع حق ملكية وهو الغالب ، وقد يكون حقاً عينياً آخر كحق الانتفاع وحق الرقبة وحق الارتفاق، ، و قد يكون المبيع حقاً معنوياً كحقوق المؤلف والملكية الفنية والملكية الصناعية .

وفي جميع هذه الحالات فإن الحق ينتقل بالبيع من البائع إلى المشتري طبقاً للقواعد والإجراءات التي يقررها القانون ، فمثلا بيع العقار يترتب عليه نقل ملكيته إلى المشتري ، وبيع الحق الشخصي يترتب عليه نقل ملكية الحق الشخصي ، وبيع حق المؤلف يترتب عليه نقل ملكية هذا الحق ، وهذا هو الذي نعنيه بنقل ملكية المبيع[52] 

 فنقل ملكية المبيع هو أول التزام ينصب على عاتق البائع بمجرد إبرام العقد، نصت المادة 361 من القانون المدني الجزائري على ما يلي :

( يلتزم البائع بكل ما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري، وأن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلا أو عسيرا ) .

لقد أخذ القانون الجزائري ، بالمبدإ المتمثل في انتقال ملكية المبيع بمجرد إبرام العقد ، إذا كنا بصدد منقول معين بذاته، في حين يقع على البائع التزام بنقل الملكية في حالة المنقول المعين بنوعه، وكذا في حالة العقار وتبعا لذلك سوف نتناول تلك المسائل أدناه .

أولا: انتقال الملكية في بيع المنقولات

1 -  المنقول المعين بالذات : بالنسبة للمبيع المعين بذاته، تنتقل الملكية بقوة القانون فورا للمشتري، بواقعة واحدة وهي تكوين العقد، سواء بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير، ولا يهم أن يكون المبيع لم يتم تسليمه أولم يتم دفع  الثمن[53].

وهذا ما أوضحته صراحة المادة 165 من القانون المدني الجزائري ، والتي وضعت خصيصا لغرض البيع بقولها: (  الالتزامات بنقل الملكية أو أي حق عينيآ خر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني، إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم، وذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهارالعقاري ) وهكذا يكون المشتري مالكا على الفور، في أي مكان يتواجد فيه المبيع، سواء كان بين يدي البائع، أو يدي الغير، وهذا ما يفسر التزامه باستلام المبيع .

وابتداء من تلك اللحظة نفسها يدخل المبيع في ذمته المالية، ويصبح رهنا لدائنيه الذين بإمكانهم حجزه، أو من مخلفات تركته إن توفي ، وتكون له وحده الصفة لإبرام تصرفات بخصوص ذلك الشيء، وفي الوقت نفسه يخرج الشيء من الذمة المالية للبائع، ولا يكون باستطاعة دائنية الحجز عليه، والتصرفات التي يبرمها بشأنه مثل البيع الجديد أو الإيجار تكون صادرة عن غير مالك .

ونفس الحال بالنسبة لانتقال الملكية في البيع الجزاف  ، لصراحة نص المادة 362 من القانون المدني الجزائري :

(  تنتقل الملكية في البيع الجزاف إلى المشتري بنفس الطريقة التي تنتقل بها ملكية الشيء المعين،
ويعتبر البيع جزافا ولو كان تعيين الثمن متوقفا على تحديد مقدار الشيء المبيع )

و بذلك تنتقل الملكية في البيع الجزاف بمجرد إبرام العقد ، فيصبح المشتري مالكا للمبيع متى أبرم العقد ولا يحتاج لأي إجراء آخر.

2 -  شروط انتقال الملكية بمجرد العقد :

 أ ـ أن يكون المبيع معنيا بذاته : وهذا الشرط بديهي، لأن الملكية باعتبارها حقا عينيا لا ترد إلا على الأشياء المعينة بالذات،

ب ـ أن يكون المبيع مملوكا للبائع وقت البيع : فالبائع لايستطيع أن ينقل للغير شيئا لا يملكه، و على هذا إذا كان البائع غير مالك للبيع، فلايستطيع أن ينقل ملكيته إلى المشتري،

 ج ـ أن يكون المبيع موجودا وقت العقد : لأنه إذا كان محتمل الوجود مستقبلا كما في بيع محصول مستقبل أو سلعة يراد صنعها، فإنه لا يكون صالحا لأن يرد عليه حق ملكية لا للبائع ولا للمشتري، فلا يتصور أن تنطبق عليه القاعدة، فبيع المحصول المسقبل لا يجعل المشتري مالكا لهذاالمحصول، بل يجعله فقط دائنا به للبائع، فإذا ما تحقق وجود المحصول في وقت ما بعد البيع صار المشتري مالكا إياه ابتداء من هذا الوقت فقط.

 د ـ أن يكون التزام البائع بنقل الملكية باتا : أي غير معلق على شرط ولا مضاف إلى أجل، وإلا فإنه يكون مما يخالف قصد العاقدين من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري من وقت العقد، لأن قاعدة انتقال الملكية في المنقول المعين بذاته بمجرد العقد ليست من النظام العام فقد أجاز المشرع للبائع أن يشترط في العقد أن يكون نقل الملكية موقوفا على دفع الثمن كله في حالة كون ثمن المبيع مؤجلا وحتى لو كان قد بادربتسليم المبيع للمشتري، و هذا حسب المادة 363 مدني .

3 - المنقول المعين بنوعه

أما في المنقولات المعينة بنوعها فهي من المثليات التي تختلط ببعضها ويقوم بعضها مقام بعض، وقد عرفت المادة 686 من القانون المدني الجزائري المثليات بقولها :

 ( الأشياء المثلية هي التي يمكن تعويضها ببعضها البعض عند الوفاء، والتي من المعتاد أن تحدد في التعامل بين الناس بالعدد، أو المقياس أو الحجم أو الوزن )

وتبعا لذلك لا تنتقل الملكية فيها إذا كانت محلا للبيع إلا بالفرز، وذلك بعزل المبيع عن غيره وتفريده بحيث يصبح معينا بالذات، وهذا الالتزام يقع على البائع، الذي يقوم إما بعد المبيع وتحديد عدده أو قياسه كما في القماش أو تحديد حجمه أووزنه وتبعا لذلك نصت المادة 166 من القانون المدني الجزائري على أنه:

( إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه، فلا ينتقل لحق إلا بإفراز هذاالشيء، فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غيرإخلال بحقه في التعويض )

أ ـ عملية إفراز المبيع  :يقع هذاالالتزام الذي يكون الهدف منه هو نقل ملكية المبيع على عاتق البائع، فلو باع القماش خمسة أمتار من قماش معين، فإن الملكية لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد فرزه بواسطة القياس للكمية المطلوبة و ذلك بقياسها وقطعها من بقية القماش، كما إذا باع شخص قنطارين من العلف موجود في مخزن، فإن الملكية لا تنتقل إلا بالفرز بواسطة الوزن وعلى البائع القيام بذلك الالتزام.

ب ـ جزاء تملص البائع عن تنفيذ التزامه بنقل الملكية: إذا أحجم البائع عن تنفيذ التزامه بنقل ملكية المبيع المعين بنوعه للمشتري، و هذا بعدم إفرازه بحيث يصبح معينا بذاته،فإن للمشتري خياران :

 الخيار الأول: و يتمثل في حصول المشتري على شيئ من النوع ذاته على نفقة البائع، و ذلك بأن يشتريه من السوق أو من تاجر آخر، وهذا بعد استئذانه للقاضي، فالقاضي هو الذي يرخص له بذلك ، أما في حالة الإستعجال ، فإنه يمكن الحصول على المبيع من السوق أو من شخص غير البائع دون استئذان القاضي .

الخيار الثاني : باستطاعة المشتري أن يطالب بقيمة المبيع دون الإخلال بحقه في التعويض، و ينصب التعويض عن ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، خاصة إذا ارتفعت أسعار المبيع في السوق بعد امتناع البائع عن عملية الإفراز[54].

الفرع الثالث : نقل الملكية في بيع العقارات

 لا تنتقل الملكية في العقار أو الحقوق العينية العقارية، سواء فيما بين المتعاقدين أوبالنسبة للغير، إلا بإشهار العقد في مصلحة الشهر العقاري ، وعلى ذلك يقع التزام على البائع بإشهار البيع .

ويجب أن يكون عقد البيع رسميا طبقا للمادة 324 مكرر 1 من القانون المدني بقولها :

 ( بجب تحت طائلة البطلان، تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية … في شكل رسمي و يجب دفع الثمن لدى الضابطالعمومي الذي حرر العقد )

وهذا البطلان من النظام العام، فالرسمية هنا ركن في عقد البيع، أما الإشهار العقاري، فإنه مشترط قصد انتقال الملكية فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير، غير أنه يجب الإشارة إلى أن نقل ملكية العقار يجعل البائع ملتزما بما يلي :

1 - التوجه رفقة المشتري إلى الموثق قصد إبرام العقد، وأن يرفق معه كل الوثائق الضرورية لذلك مثل أصل الملكية .

2 - إفراز المبيع أي القطعة العقارية موضوع البيع حيث تصبح واضحة المعالم من جهة و كذا الحدود والمساحة .

3 - إشهار عقد البيع، خاصة إذا كان عقد البيع إداريا، أي عقدا رسميا صادرا عن الإدارة، كأن تبيع البلدية أو الولاية مثلا قطعة أرض لمواطن، فهنا يقع التزام على البائع بنقل الملكية و هذا بواسطة إشهار العقد. و لقد نصت المادة 793 منالقانون المدني على أنه:

(  لا تنتقل ملكية العقار والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار  )

الفرع الرابع : الالتزام بتسليم المبيع

ولقد نصت عن ذلك المادة 367 من القانون المدني الجزائري بقولها :

( يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والتمتع به دون عائق و لو لم يتسلمه تسلما ماديا )

الفرع الخامس: طرق التسليم يأخذ التسليم أشكالا مختلفة تبعا لطبيعة المبيع، و تتمثل الفكرة العامة في أنه يجب أن يكون باستطاعة المشتري أن يضع يده على المبيع (أي يحوزه) و تبعا لذلك نصت المادة 367 من القانون المدني  الجزائري بقولها : ( يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق و لو لم يتسلمه تسلما ماديا، ما دام البائع قد أخبره بأنه مستعد لتسليمه بذلك، و يحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعةالشيء المبيع.

أولا : الحالة الأولى التسليم الحكمي

 أن يكون المبيع قبل البيع متواجدا تحت يد المشتري ، و هذا لسبب آخر غير البيع، مثل الإيجار أو الرهن العقاري، أو الوديعة و يستبقى المشتري المبيع الموجود تحت يده بعد البيع بناءا على شرائه ، و في هذه الحالة لم يحصل انتقال فعلي للمبيع من يد لأخرى ولكن تغيرت نية واضع اليد، فالمشتري الذي كان يضع يده على المبيع على أساس أنه مستأجر أو مستعير له مثلا، يصبح واضعا يده على أساس أنه مشتري .

ثانيا : الحالة الثانية أن يستبقي البائع المبيع في حيازته: أن يستبقي البائع المبيع في حيازته بعد البيع ليس بموجب عقد البيع، بل لسبب آخر لا علاقة له بالبيع، قد يكون على سبيل عقد آخر بينهما كالوديعة أو العارية أو الإيجار فتتحول بذلك صفة حيازة البائع و يقوم ذلك مقام التسليم القانوني،

 ثالثا : مكان وزمان التسليم:

1 -   مكان  التسليم مبدئيا يكون مكان التسليم هو مكان تواجد المبيع أثناء البيع، لأن المشتري يصبح مالكا عند تلك اللحظة، مما يفسر بأن على المشتري سحب المبيع و دفع مصاريف النقل في البيوع عن بعد " إذاكان محل التزام شيئا معنيا بالذات، وجب تسليمه في المكان الذي يوجد فيه وقت نشوء الالتزام ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك.

2 -  زمان التسليم يترتب الالتزام بالتسليم فورا بعد البيع مباشرة، لكن يقبل القضاء وجود ميعاد معقول حسب طبيعة المبيع، و تبعا لذلك نصت المادة 281 من القانون المدني على أنه:

 (  يجب أن يتم الوفاء فور ترتيب الالتزام نهائيا في ذمة المدين، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك وإذاحدد ميعاد وجب احترامه )

رابعا : محل التسليم

محل التزام البائع هو الشيء المتفق عليه أي الشيء المبيع و كذا توابعه، مادية كانت أو إدارية أو قانونية، كما يجب التطرق إلى حالة النقص و الزيادة في المبيع

1 -  الشيء المتفق عليه هو محل التنفيذ في عقد البيع، ويجب أن ينصب التسليم بوضوح على المبيع، كما هو معرف في العقد، إذ يجب على البائع تسليم ذلك الشيء طبقا لذلك التعريف، و لا يمكن أن يقوم بتعويضه بشيء آخر حتى و لولم يبد ذلك ضارا، و مثال ذلك، أنه باستطاعة مشتر لكتاب مرقم أن يطلب بالرقم المتفق عليه دون سواه، كما يستطيع مشتري الأثاث أو السيارة المطالبة باللون المتفق عليه

2 -  توابع الشيء المبيع: على خلاف القانون الفرنسي، لم ينص القانون الجزائري على توابع الشيء، والتي يجب أن يسلمها البائع مع المبيع ويعني ذلك أن البائع في القانون الجزائري ليس ملزما بتسليمها للمشتري، بل أنه ملزم بذلك تبعا لطبيعة المبيع ولأحكام العرف، ويسميها البعض ملحقات المبيع،

نصت المادة 364 من القانون المدني الجزائري على أنه :

( يلتزم البائع بتسليم الشيء المبيع للمشتري في الحالة التي كان عليها وقت البيع )

و تبعا لذلك، و لكي ينفذ البائع التزامه بتسليم المبيع على الحالة التي وجد عليها أثناء التعاقد، يجب عليه من باب أولي المحافظة على المبيع لحين تسليمه،وتبعا لذلك نصت المادة 167 من القانون المدني على أن:

 ( الالتزامات بنقل حق عيني يتضمن الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى التسليم )

وإذا عين في العقد مقدار المبيع، وجب على البائع أن يسلم المقدار المتفق عليه، لكن ما حكم النقص والزيادة في مقدار المبيع ؟

1  -  حالة النقص في مقدار المبيع :

عالجت هذه الحالةالفقرة من المادة 365 من القانون المدني بقولها : ( إذا عين في عقد البيع مقدارالمبيع كان البائع مسؤولا عما نقص منه بحسب ما يقضي بع العرف، غير أنه لا يجوزللمشتري أن يطلب فسخ العقد لنقص في البيع إلا إذا أثبت أن النقص يبلغ من الأهمية درجة لو كان يعلمها المشتري لما أتم البيع )

2  -  حالة الزيادة في مقدار المبيع : عالجتها الفقرة 2 من المادة 365  من القانون المدني الجزائري بقولها (  وبالعكس إذا تبين أن قدر الشيء المبيع يزيد على ما ذكر بالعقد، و كان الثمن مقدارا بحسب الوحدة وجب على المشتري إذا كان المبيع غير قابل للتقسيم أن يدفع ثمنا زائدا، إلا إذا كانت الزيادة فاحشة ففي هذه الحالة يجوز له أن يطلب فسخ العقد، كل هذا ما لم يوجد اتفاق يخالفه )

 

الفرع السادس : إثبات التسليم

أولا : عبء الإثبات : يتعلق الأمر في الواقع بتنفيذ البائع لالتزامه الأساسي، يشكل التسليم من الناحية القانونية وفاء ، و من ثم يجب على البائع باعتباره مدينا بذلك الالتزام أن يقيم الإثبات على ذلك الوفاء حسب القاعدة العامة المذكورة في المادة 323 من القانون المدني الجزائري بقولها : ( على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه )

وهكذا ليس باستطاعة البائع المطالبة بالثمن دون إقامة الإثبات مسبقا على تسليمه للمبيع، ويتعرض لفسخ البيع إذا لم يثبت بأنه سلم المبيع في الميعاد المتفق عليه، غير أنه يمكن أن يشكل دفع المشتري للثمن كاملا قرينة على حصول تسليم الشيء، و بالمقابل عندما يثبت التسليم يقع على المشتري عبء إثبات نقص في المطابقة.

ثانيا طريقة الإثبات :  يكشف القبض أي تسلم المشتري للمبيع عن نية المشتري في قبول الشيء كما قدم له بأنه مطابق للبيع، فالمشتري الذي يتسلم الشيء دون تقديمه لأية تحفظات يعني أنه يتقبل الشيء المسلم له على أنه مطابق للعقد (كما و نوعا) وهذا ما يمنعه من رفع احتجاجات بعد ذلك حول ماكان في مقدوره مراقبته.

الفرع السابع : جزاء الإخلال بالتسليم

أولا : إحجام البائع عن التسليم أو تأخره في ذلك : في حالة عدم تنفيذ البائع لالتزامه بالتسليم بعدم وضع المبيع تحت تصرف المشتري أو عدم إخطاره بأن المبيع يوجد تحت تصرفه، أو إذا لم يقم بالتسليم في الميعاد المتفق عليه أو سلمه في غير الحالة التي كان عليها أثناء إبرام العقد، فإذا حصل شيء من ذلك، كان الحق للمشتري أن يقوم بأحد الإجراءات التالية:

1 -  يطلب التسليم بواسطة التنفيذ الجبري ، و هذا باللجوء إلى السلطة العامة بشرط أن يكون التسليم ممكنا وهذا بعد إعذاره للبائع بتسليم المبيع، ويتم الإعذار بواسطة إنذار البائع إما برسالة مضمنة مع الإشعار بالوصول، أو بواسطة المحضر القضائي، غير أنه لا حاجة للإعذار إذا صرح البائع كتابة للمشتري بأنه لا ينوي تسليم البيع،

2 - أن يطلب فسخ العقد : وللمشتري أن يختار طلب فسخ العقد،

3 - أو يطلب التعويض إذا أثبت تعرضه للضرر و للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ من عدمه،

ثانيا:  هلاك المبيع أو نقص قيمته نتيجة للتلف: قد يتعذر على البائع الوفاء بالتزامه بالتسليم كلية إذا كان المبيع معينا بذاته وهلك في يده، و قد يكون تسليم المبيع على الحالة التي كان عليها وقت التعاقد مستحيلا بسبب نقص في قيمته بفعل التلف، وفي كلتا الحالتين يكون البائع مخلا بالتزامه بالتسليم.

هلاك المبيع: تناولته المادة 369 من القانون المدني التي نصت على: ( إذا هلك المبيع قبل تسليمه بسبب لا يد للبائع فيه سقط البيع واسترد المشتري الثمن إلا إذا وقع الهلاك بعد إعذار المشتري بتسليم المبيع ) ، فالقاعدة العامة هي أن مخاطر الهلاك تقع على البائع قبل تسليم المبيع، لأنه قبل التسليم يقع عليه واجب المحافظة على المبيع لغاية التسليم، بأن يبذل في ذلك كما سلف القول عناية رب الأسرة الحريص، فبالرغم من كون الملكية تنتقل بالعقد في المنقولات المعينة بذاتها والفرز في الأشياء المعينة بنوعها وبالإشهار في العقارات والحقوق العينية العقارية، فإن ذلك لا يجعل مخاطر هلاك المبيع على المالك أي المشتري، بل هي على البائع قبل التسليم، لكون المشتري قبل التسليم لا يستطيع السيطرة على المبيع سيطرة مادية، فلا يمكن أن يتحمل مخاطر هلاك المبيع ما دام أنه ليس في حيازته، وبما أن البائع أخل التزامه بالمحافظة على المبيع لغاية تسليمه، وكذا بتسليم المبيع على الحالة التي كان عليها يوم التعاقد، فإنه هو الذي يتحمل مخاطر الهلاك.

المطلب الثاني : الالتزامات اللاحقة للبيع

ولما كان المشتري يهدف من البيع إلى الحصول على المبيع للتمتع بكافة السلطات التي يخولها له القانون تمتعا كاملا. فلا يكفي لذلك أن ينقل البائع إلى المشتري الحق المبيع وأن يقوم بالتسليم بل يلزم فضلا عن ذلك أن يضمن البائع الحق المبيع و الانتفاع به انتفاعا هادئا أي يضمن عدم منازعته فيه، ويشمل هذا الضمان شقين هما: ضمان التعرض وضمان الاستحقاق.

الفرع الأول : ضمان التعرض

ينص القانون المدني الجزائري في المادة  371 : ( يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير، يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري)

كما ينص القانون المدني المصري في المادة 439 : ( يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعلـه أو من فعل أجنبي يكون له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتري ويكون البائع ملزما بالضمان ولو كان الأجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليـه من البائع نفسه )

يتضح من خلال هذه النصوص أن البائع مطالب بأن يضمن للمشترى حيازة المبيع الهادئة، وهذا الضمان من طبيعة البيع، فلا يلزم لوجوده اشتراط خاص في العقد، فللمشترى هذا الضمان بمقتضى نصوص القانون التي جاءت تفسيرا  لإرادة المتعاقدين والتي تبين مدى الالتزامات التي يضعها العقد على عاتق البائع و النصوص المذكورة ليست من النظام العام، فللمتعاقدين حق تعديلها بالتشديد أو التخفيف، أو النزول عنها بالاتفاق على عدم الضمان و ينبني على ذلك أنه لا ضمان إذا ظهر أن العينالمبيعة مؤجرة بعقد ثابت التاريخ قبل البيع، لأن ضمان البائع لا يشمل إلا الحقوق العينية.

ثانيا : أنواع التعرض

استنادا لنص المادة 371 من القانون المدني الجزائري يفهم بأن هناك نوعين من التعرض، التعرض الشخصي والتعرض من الغير ونص المادة كالآتي:

( يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواءكان التعرض من فعله أو من فعل الغير، يكون لهوقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حقذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه )

1 - : ضمان التعرض الشخصي: من القواعد القانونية أن من يجب عليه الضمان يحرم عليه التعرض فيجب على البائع أن يمتنع عن كل عمل ينشأ منه تعرض مادي أو قانوني لانتفاع المشترى بالمبيع كله أو بعضه، أي أن البائع يلتزم بعدم منازعة المشتري في ملكية المبيع، وبعبارة أخرى لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع سواء كان تعرضه قانونيا أو ماديا.

أ ـ أما التعرض القانوني: فهو أن يستعمل البائع حقا ادعاه على المبيع وكان ذلك يؤدي إلى نزع المبيع من يد المشتري،

ب ـ أماالتعرض المادي: يكون بأي فعل مادي يعكر به البائع حيازة المشتري، دون أن يستند في القيام به إلى أي حق يدعيه على المبيع، و التزام البائع بضمان أفعاله الشخصية التزام دائم، فليس للبائع، حتى بعد انقضاء 15 سنة أن يدعى تخلصه منه

2 ـ شروط التعرض الشخصي: يجب لقيام التعرض الشخصي أن يصدر من البائع عمل من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بملكيةالمبيع، فيجب إذن توافر شرطين:

أ - أن يكون من فعل البائع نفسه إخلال بانتفاع المشتري بالمبيع

ب - أن يكون التعرض الذي وقع فعلا من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دونانتفاع المشتري بالمبيع، ويضاف عادة إلى ذلك أن يكون العمل مما يتعارض مع التزامات البائع فمجرد احتمال وقوعه لا يكفي لقيام الضمان فالتهديد لا يعتبر تعرضا مالم ينتقل إلى تنفيذه

وإذا ما حصل تعرض من البائع كان للمشترى أن يطلب وقف التعرض والمطالبة بتعويض الضرر الحاصل فالضمان إما أن يكون تعويضا، أو بالامتناع من تجديد بعض الأعمال المادية مع تهديده بغرامة مالية، أوعدم الاحتجاج على المشترى ببعض الأعمال القانونية التي باشرها البائع

وضمان الفعل الشخصي لا يلتزم به البائع فحسب، بل يكون أيضا على الخلف العام للبائع وكل من التزموا معه فورثة البائع ملزمون مثله بالضمان، ولا يجوز لهم إقامة دعوى الاستحقاق على المشتري إذا كان البائع قد باع من غير حق شيئا مملوكا لهم، كذلك يقع الضمان على كفيل البائع و ورثته و إذا تعدد الملتزمون بالضمان فالرأي أن التزام البائع يعتبر غير قابل للانقسام فيما يختص بالضمان عن الفعل الشخصي، فمحل الالتزام هو ضمان الحيازة الهادئة للمشتري، و الحيازة الهادئة لا تقبل الانقسام حتى لو كان الشيء قابلا للتجزئة.

الفرع الثاني :  خصائص الالتزام بضمان التعرض الشخصي

1- الالتزام بضمان التعرض أبدي:

2- عدم قابلية الالتزام بضمان التعرض للانقسام:

الفرع الثالث : مدى انتقال الالتزام بضمان التعرض إلى الخلف العام و الخلف الخاص: المدين في هذا الالتزام هو البائع وهو الذي يقع منه التعرض الموجب للضمان، ولا ينتقل هذا الالتزام إلى الخلف العام لأن الالتزام في القانون المصري والجزائري لا يتنقل من المورث إلى الوارث بل يبقى في التركة.

الفرع الثالث : ما يترتب على قيام ضمان التعرض الصادر من البائع 

التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزام أبدي، دائم إذ يجب على البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري في أي وقت ولو كان قدانقضى على البيع أكثر مـن 15 سنة وهي مدة التقادم، أما إذا أخل البائع بالتزامه بأن تعرض فعلا للمشتري، تولد عن هذا الالتزام الأصلي بعدم التعرض التزام جزائي بالتعويض، وهـذا الالتزام هو الذي يسقط، فإذا لم يطالب به المشتري خلال 15 سنة من وقوع التعرض فعلا، سقط بالتقادم و لا يستطيع المشتري بعد ذلك أن يطالب البائع بالتعويض(الالتزام الجزائي) .

وطريقة تنفيذ هذا الالتزام الجزائي تختلف باختلاف الأحوال التي يقوم فيهـا ضمان التعرض، فإذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على أعمال مادية محضة، كمنافسة المشتري في المتجر المبيع وجب على البائع تعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب هذه المنافسة، أو أن يبيع المالك بئرا لآخر فيقوم المالك بحفر بئر أخرى بالقرب منها، فهذا يؤدي إلى نقص ماء البئر المبيعة، فهنـا يجب على البائع أيضا تعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب حفر البئر الأخرى.

ففي هاتين الحالتين وجب على البائع أن يقفل المتجر الذي أنشأه أو البئر التي حفرها، ويجوز أن يحكم عليه بتهديد مالي عن كل يوم أو أسبوع أو شهر يتأخر فيه عن إقفال المتجر أوإلغاء البئر.

أما إذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على تصرف قانوني صادر منه،كمن باع مثلا العقار مرة أخرى لمشتر ثان وسبق هذا الأخير إلى تسجيل البيع قبل الأول، فهنا يرجع هذا الأخير أي المشتري الأول على البائع في هذه الحالة إما بموجب استحقاق الغير للمبيع، وإما بموجب ضمان البائع التعرض الصادر منه، لأن الغير استمد حقه من البائع نفسه وإذا كان تعرض البائع قائما على إدعاء لنفسه حقا على المبيع، كمن باع عينا غير مملوكة له ثم تملكها بعد ذلك فالجزاء هنا يتخذ صورة خاصة وهي أن ترد دعوى البائع باسترداد المبيع من المشتري فلا يستطيع أن يسترد العين لأن من وجب عليه الضمان لا يستطيع الاسترداد.

إذن ننتهي إلى القول في هذا الصدد إن جزاء إخلاء البائع بالتزامه بضمان التعرض الشخصي للمشتري يخضع للقواعد العامة، بحيث يكون للمشتري طلب التنفيذ العيني،  فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبه المشتري حكم بالتنفيذ بالمقابل أي بالتعويض، كما يجوز للمشتري أن يطلب فسخ البيع لإخلال البائع بالتزامه بالضمان مع التعويض إن كان له محل.

الفرع الرابع : الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض الشخصي

نصت المادة 378 ق.م.ج: ( يبقى البائع مسؤولا عن كل نزع يد ينشأ عن فعله، ولو وقع الاتفاق على عدم الضمان ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك ) ويقابلها في القانون المدني المصري المادة 446 : ( إذا اتفق على عدم الضمان بقي البائع مع ذلك مسؤولا عن استحقاق ينشأ عنفعله ويقع باطلا كل اتفاق يقضى بغير ذلك)

         يعرض النصان السابقان حالة واحدة من أحوال ثلاث في الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض، وهي حالة الاتفاق على إسقاط الضمان وتوجد إلى جانب هذه الحالة حالتان أخريان وهما حالة الاتفاق على زيادةالضمان، وحالة الاتفاق على إنقاص الضمان،

وبمفهوم المخالفة يفهم من النصين السابقين بأن الاتفاق على زيادة الضمان جائز وكذلك الاتفاق على إنقاص الضمان جائز. فمثلا بالنسبة للاتفاق على زيادة الضمان أن يتفق المشتري مع البائع بأن لا يقوم هذا الأخير بأعمال معينة تتعارض مع الانتفاع الخاص الذي أراده المشتري، فإذا كان المبيع متجرا مثلا لسلعة معينة ويريد المشتري أن يضيف إلى هذه السلعة سلعة أخرى لم يكن البائع يتاجر فيها، جاز أن يتفق مع البائع على عدم إنشاء متجر إلى جانبه تباع فيه السلعة الأصلية أو السلعة الأخرى، ويكون المشتري هنا قد اتفق مع البائع على زيادةالضمان، أما بالنسبة لحالة الاتفاق على إنقاص الضمان كأن يشترط بائع المتجر على المشتري عدم منعه من إنشاء متجر يبيع فيه بعض السلع التي يتعامل فيها المتجرالمبيع، ففي هذا الاتفاق إنقاص من ضمان البائع للتعرض، ولكن الاتفاق على إسقاط الضمان إسقاطا تاما غير جائز ويكون الاتفاق إذا وقع باطلا.

الفرع السابع : ضمان التعرض الصادر من الغير

 فتعرض الغير هنا هو التزام البائع بدفع تعرض الغير الذي يدعي حقا على المبيع الذي هو في يد المشتري، إما أن يكون الحق الذي يدعيه هذا الغير ثابتا وقت البيع أو آل إليه بعد البيع بفعل البائع نفسه ويكون التزامه هنا إيجابيا، ويفرض الالتزام بالضمان على البائع أن يتدخل في الدعوى المقامة على المشتري ليساعده في الخصومة المقامة عليه من الغير.

والتعرض الحاصل من الغير الذي يسأل عنه البائع هو التعرض القانوني، فلا يضمن التعرض المادي ولوترتب عليه خروج المبيع من يد المشتري، فبالنسبة إلى التعرض المادي الحاصل من أشخاص لا يدعون أي حق على المبيع يكون للمشتري أن يدافع عن نفسه، وفي القوانين الحمايةالكافية له.

والقضاء مستقر أن مجرد التعكير المادي الحاصل من الغير للمشتري في العين المبيعة لا يدخل بأي حال في ضمان البائع حتى لو كان منصوصا عليه في العقد، لأن ما يضمنه البائع بصفته هذه هو التعرض أو الاستحقاق المستند إلى سبب أو نزاع قانوني، فلإلزام البائع بالضمان يجب أن يدعي الغير الذي صدر منه التعرض بأن له حق على الشيء المبيع سابقا على البيع (حق ملكية، حق ارتفاق، رهن)،

ومحل الالتزام في ضمان تعرض الغير هو دفع التعرض عن المشتري فهو التزام بعمل، والتزام البائع بضمان تعرض الغير هو التزام بتحقيق غاية لا بوسيلة، إذ لا يكفي أن يبذل جهده في دفع التعرض من الغير بل عليه أن يمنع هذا التعرض، فإذا نجح في دفع تعرض الغير كان هذا تنفيذا عينيا لالتزامه، أما إذا لم يفلح في ذلك و استحق المبيع كليا أو جزئيا من يدالمشتري، كان على البائع أن يعوض المشتري عما أصابه من ضرر حسب هذا الاستحقاق وهذاما يسمى بضمان الاستحقاق.

الفرع الثامن : شروط تعرض الغير الذي يضمنه البائع

أولا :أن يكون التعرض قانونيا

لقد رأينا أن البائع لا يضمن التعرض المادي الصادر من الغير، فعلى المشتري أن يدفع ويواجه الغير في ذلك، كما يستطيع أن يرفع شكواه إلى الجهات الإدارية وغيرها من الجهات المسئولة عن اغتصاب ملكه.

أما التعرض القانوني الذي يستند فيه الغير إلى حق يدعيه على المبيع فيضمنه البائع، و لا يلزم أن يكون الحق الذي يدعيه الغير ثابتا، بل يكفي مجرد الإدعاء حتى ولو كان هذا الإدعاء ظاهر البطلان. و يستوي أن يكون الحق الذي يدعيه الغير متعرضا للمشتري عينيا أو شخصيا

ثانيا : أن يكون التعرض حالا أو وقع فعلا

يجب أن يكون التعرض حالا، لا احتماليا، فليس للمشتري أن يلجأ إلى ضمان   البائع مادام الغير لم يتعرض له، فحق الضمان المقرر للمشتري لا ينشأ إلا من وقت منازعة الغير له، أي أن البائع لا يلتزم بضمان تعرض الغير إلا إذا كان هذا التعرض حالا ومخلا بحقوق المشتري في انتفاعه بالمبيع وحيازته حيازة هادئة، أما مجرد خشية المشتري وقوع التعرض أو اكتشافه وجود حق للغير (كحق رهن) يحتمل أن يكون سببا للتعرض، لا يبيح له قانونا رفع دعوى الضمان في الحال لاحتمال عدم وقوع التعرض من الدائن المرتهن.

ثالثا : أن يكون الحق الذي يدعيه الغير على المبيع موجودا وقت البيع

أي أن يكون الحق قد آل إلى الغير بعد البيع من البائع نفسه، فإذا كان حق التعرض موجودا وقت البيع، فالبائع يسأل عنه أيا كان سبب الحق، سواء كان راجعا لفعل البائع، كما لو كان قد قرر حق ارتفاق على العقار قبل البيع، أو كان لا دخل للبائع في إنشائه، كما لو كان الغير واضعا يده عليه واكتملت مدة التقادم المكسب قبل انعقاد البيع.

و لا يشترط لضمان البائع للتعرض الصادر من الغير أن يكون المشتري وقت البيع غير عالم بالحق الذي يدعيه الغير أو أن يكون البائع عالما بهذا الحق، فحتى لو كان المشتري عالما بالحق الذي يدعيه الغير، وحتى لو كان البائع لا يعلم به فإن البائع يكون مع ذلك مسؤولا عن الضمان، إلا إذااشترط عدم مسؤوليته باتفاق خاص.

الفرع السادس : جزاء الإخلال بالالتزام بضمان تعرض الغير

أولا :  التنفيذ العيني إن التنفيذ العيني هو التزام ينشأ مباشرة عن عقد البيع وهو أن يمتنع البائع عن التعرض للمشتري سواء كان تعرضا ماديا أو قانونيا وأن يدفع كل تعرض قانوني صادر من الغير،فمتى قام ضمان البائع للتعرض الصادر من الغير فإن البائع قد تحقق التزامه،

ثانيا :  التنفيذ بمقابل : أماالتزام البائع بالضمان الجزائي " التعويض" فإنه ينشأ عن الإخلال بالتزام أصلي وهوعدم منع التعرض وعن هذا يترتب تفويت الانتفاع بالمبيع على المشتري بعض الوقت أو باستحقاق المبيع كله أو بعضه للغير، فالتزام البائع بدفع تعرض الغير التزام بغاية وحتى إذا فشل في رد هذا التعرض، اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض و استوجب الجزاء، ووجب عليه تنفيذ التزامه بالتعويض، بشرط أن يقوم المشتري بإخطار البائع في الوقت الملائم، ودعوته ليتدخل في الدعوى حتى ينفذ التزامه بالضمان تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير يكف عن إدعائه أو بأن يحصل على حكم قضائي يرفض دعواه، وهذا ما تنص عليه المادة 372 ق.م.ج المقابلة لنص المادة 440 ق.ممصري،

المطلب الثالث : ضمان الاستحقاق

الفرع الأول : مفهوم الاستحقاق

فالاستحقاق هو نزع ملكية المبيع كله أو بعضه من تحت يد المشترى بحكم قضائي، وفي حالة الاستحقاق الكلي نصت المادة 375 ق.م جزائري المقابلة لنص المادة 443 مدني مصري، ومن خلال هذا النص يستخلص أن المبيع استحق كليا أي أن المبيع كان مملوكا لغيرالبائع فانتزعه المالك الحقيقي من يد المشترى فرجع هذا الأخير على البائع بضمان الاستحقاق الكلي، ويرجع المشترى على البائع بضمان الاستحقاق في إحدى الحالات التالية:

1  - إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق، فتدخل البائع في الدعوى ولم يفلح في دفع دعوى المتعرض.

2 -  إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق فلم يتدخل البائع في الدعوى و حكم للمتعرض، ولم يستطيع البائع إثبات تدليس المشترى أوخطئه الجسيم

3 -  إذا أخطر المشترى البائع ولم يتدخل البائع وأقر المشترى بحق المتعرض أو تصالح معه ولم يستطع البائع أن يثبت أن المتعرض لم يكن على حق فيدعواه

4 -  إذا لم يخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق و حكم للمتعرض و لم يثبتالبائع أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفضها.

5 - إذا سلم المشترى للمتعرض بحقهدون دعوى و لم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.

 

الفرع الثاني : تعديل أحكام ضمان الاستحقاق بموجب الاتفاق

الأصل في التزام الضمان كما في غيره من الالتزامات العقدية أن تخضع لإرادة المتعاقدين، فمثلا يجوز للمشترى الاتفاق على أن يعوضه البائع في حالة حصول تعرض له في انتفاعه بالمبيع، كما يحق للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليه في العقد، لقد نصت المادة 377/1 ق.م.ج على ذلك والتي تقابلها المادة 445الفقرة الأولى، ( يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في ضمان نزع اليد أو ينقصا منه أو يسقطاه ).

أما الاتفاق على إسقاط الضمان أي الاتفاق على عدم الضمان فإنه يعفى البائع من التزامه بالتعويضات التي يستحقها المشترى من جراء التعرض القانوني الصادر من الغير، ولكن لا يعفيه من دفع قيمة المبيع وقت الاستحقاق إلا إذا أثبت ( البائع ) أن المشترى كان يعلم وقت البيع سبب الاستحقاق، و معنى ذلك أن الاتفاق على إسقاط ضمان البائع يؤدي إلى الإعفاء حتى من رد قيمة المبيع، و ذلك في حالتين:

أ ـ إذا كان المشترى يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق، إذا العلم بسبب الاستحقاق و قبول شرط عدم الضمان يستفاد منه أن المشترى قد قبل إعفاء البائع مع كل مسؤولية و أنه أقدم على البيع على أساس المخاطرة، ويقع على البائع عبئ إثباتأن المشترى كان يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق.

ب ـ أن يكون المشترى قد عقدالعقد وأخذ على نفسه ما يمكن وقوعه من المضار و المخاطر، أي اشترى على مسؤوليته،إذا يصرح بالتنازل عن كل حق له في الرجوع على البائع فإذا ما استحق المبيع للغير لايكون للمشترى الرجوع على البائع بشيء و لا حتى قيمة المبيع

المطلب الرابع : ضمان العيوب الخفية

الفرع الأول : المقصود بضمان العيوب الخفية

العيب الخفي هو الآفة أو العلّة الموجودة بشكل خفي في الشيء المبيع، والتي تكون من الأهمية والخطورة بحيث يصبح الشيء غير صالح للاستعمال بالشكل الذي كان يريده المشتري، ومن الأمثلة على العيوب الخفيّة في المبيع، شراء بناء فيه ضعف من جرّاء قلّة المواد المستخدمة في الأعمدة، شراء برّاد منزلي لا يصنع ثلجاً، شراء حصان فيه مرض غير ظاهر، أو فرس للسباق يتبيّن أنها بطيئة أوغير مؤهّلة للمشاركة في السباقات.

والعلة في إلزام البائع بضمان العيوب الخفيّة والنقائص في الصفات هي أنه ملزم بنقل ملكية مفيدة ونافعة إلى المشتري،وفقاً لما يفرضه حُسن النيّة في التعامل، تحت طائلة التعويض عليه عند تعذّر ذلك،ويشمل الضمان مبدئياً جميع أنواع المبيعات، منقولة كانت أو غير منقولة، مادية أوغير مادية، جديدة أم مستعملة، إلا أن القانون استثنى البيوع التي تجريها السلطةالقضائية وهي البيوع الجارية بالمزاد العلني من أحكام ضمان العيوب الخفيّة، وبالتالي فهي غير مشمولة بها،

و إذا وجد مثل هذا العيب كان البائع مسؤولا عنه وهذا هو ضمان العيوب الخفية و هذه العيوب قد تؤثر في الشيء المبيع إما بنقص قيمته أوبنقص منفعته،

الفرع الثاني : موقف التشريع الجزائري من ضمان العيوب الخفية 

رغم عدم ورود تعريف خاص للعيب الخفي في القانون المدني الجزائري إلا أنه لم يهمل النص عليه في المادة 379 من القانون المدني الجزائري:

( يكون البائع ملزما بالضمان إذا لم يشمل المبيع على الصفات التي تعهد بوجودها وقت التسلم إلى المشترى، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته، أو من الانتفاع بحسب الغاية المقصودة منه حسبما هو مذكور بعقد البيع، أو حسبما يظهر منطبيعته أو استعماله، فيكون ضامنا لهذه العيوب و لو لم يكن عالما بوجودها ).

الفرع الثالث : شروط ضمان العيب الخفيحرصا من المشرع على استقرارالمعاملات، فقد اشترط لقيام ضمان البائع لعيوب المبيع توافر شروط معينة في العيب و هي أن يكون مؤثرا، خفيا، قديما، و هذه الشروط تنصرف إلى العيب، بمعنى الآفة الطارئة.

 أولا:  أن يكون العيب مؤثرا : هو العيب الجسيم الذي يُنقص من قيمة المبيع نقصاً محسوساً أو يجعله غير صالح للاستعمال في ما أُعدّ له بحسب ماهيّته أوبمقتضى عقد البيع؛ فينشأ عنه موجب الضمان، أما إذا لم يكن العيب محسوساً بل كان خفيفاً أو طفيفا بحيث لا يترتب عليه سوى نقص في بعض الأمور الثانوية الكمالية بالنسبة للمشتري، فلايكون موجباً للضمان.

والعيب المتسامح به عُرفاً لا يكون موجباً للضمان كاحتواء القمح كمية مألوفة من الأتربة، وإذا كان المبيع من الأشياء التي لا تُعرَف حقيقة حالها إلاّ بإحداث تغيير فيها، كالثمار ذات الغلاف اليابس    ( مثلاً البطيخ واللوز والجوز والبندق... ، فالبائع لا يضمن العيوب الخفيّة فيه إلا إذا تعهد صراحة بذلك أو إذا كان العرف المحلّي يوجب عليه هذا الضمان.

وعلى كلّ، فإنّ تقدير ما إذا كان العيب مؤثراً أملا، أمر يعود للقاضي الذي يعتمد في هذا المجال المعيار الموضوعي بصرف النظر عمّايكون قد قصده المشتري بصورة خاصة وغير متوقعة، إلاّ إذا عُيّن هذا القصد الخاص في متن العقد.

2- أن يكون العيب قديما: قِدَم العيب هو من الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق موجب الضمان على البائع والمقصود بالعيب القديم، العيب السابق للبيع أو على وجه أصحّ، العيب الموجود قبل انتقال الملكية إلى المشتري أو عند انتقالها كحدّ أقصى، أما إذا كان العيب ممّا لا يظهر إلاّ بعد انعقاد البيع وانتقال الملكية، فيكون الضمان واجباً على البائع، مثال ذلك أن يشتري أحدهم حيواناً فيه جرثومة لمرضٍ ما، ويتمكّن من إثبات وجودها في الحيوان قبل استلامه.

3-  أن يكون العيب خفيا: يشترط في العيب أيضا أن يكون خفيا وغير معلوم للمشترى، و العيب الخفي هو العيب الذي يكون موجودا وقت المبيع و لكن ليس بوسع المشترى تبينه أو اكتشافه ولو فحص المبيع بعناية الرجل العادي، كما تنص عليه المادة 379 ق.م.ج و مفاد ذلك أن الشخص المتوسط الفطنة لا يستطيع أن يكتشفه إلا إذا فحص المبيع خبير ، أو محلل فني أو كيميائي أو الطبيب.

4- ألا يكون العيب معلوما للمشترى: فلو كان المشترى عالما بالعيب سقط الضمان ولو كان خفيا، لأن علمه بالعيب هذا يدل على رضائه بالمبيع، و العبرة بتاريخ العلم بالعيب في المبيع ـ العلم الحقيقي ـ و هو وقت التسليم أو وقت الفرز لأنه الوقت الذي يتاح فيه عمليا للمشترى الإطلاع على العيب.

و بالتالي يقع على البائع عبء إثبات علم المشترى بالعيب أي أن المشترى كان يعلم بوجود العيب وقت تسلم المبيع، و الإثبات واقعة مادية، يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات، أما إذا لم يثبت ذلك، افترض أن المشترى غير عالم بالعيب، و بالتالي وجب على البائع الضمان.

الفرع الرابع : الاتفاق على تعديل أحكام الضمان: تنص المادة 384 ق.م.ج : ( يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه، و أن يسقطا هذا الضمان، غير أن كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه يقع باطلا إذا تعمد البائع إخفاء العيب في المبيع غشا منه ).

 إذن إن أحكام ضمان العيب الخفي مثل أحكام ضمان التعرض و الاستحقاق، ليست من النظام العام، إذا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على تعديلها سواء بالزيادة أو بالتخفيف منها أو إعفاءالبائع منها.

الفرع الخامس: الإجراءات الواجب اتخاذها للحصول على الضمان

أولا : فحص المبيع و إخطار البائع يتضح من خلال المادة 380 ق.م.ج /1 أن المشترى عليه المبادرة بإخطار البائع بالعيب فور كشفه،لأن السياسة التشريعية في ضمان العيب تقتضي عدم التراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإثبات العيب و المبادرة إلى رفع دعوى الضمان، وبالتالي حتى يتمكن المشترى من رجوعه على البائع بضمان العيب، عليه أن يخطر البائع بهذا العيب من وقت كشفه له حتى يتمكن هذا الأخير إما تغيير المبيع أو إصلاح العيب

ثانيا : ماهية الإخطار و شكله ومدته

الإخطار هو عمل إجرائي ينقل به البائع تذمر المشترى، من كون المبيع يحتوى على عيب معين يجعله غير مطابق للمنفعة المرجوة منه، و غالبا ما يكون مقدمة لدعوى قضائية، وبالنسبة لشكل الإخطار فالقانون الجزائري لم يشترط فيه شكلا معينا، بل يكون بأي شكل، و بالنسبة لمدة الإخطار فالمشرع لم يحدد مهلة معينة بل جاء بالصيغة التالية في المادة 381 أي يكون الإخبار بالعيب في المبيع في الوقت الملائم أو في أجل مقبول حسب المادة 380/1

ثالثا : رفع دعوى ضمان العيوب الخفية

بعد فحص المبيع وإخطار البائع بالعيب في فترة معقولة ولم يجد الإخطار، كان للمشترى الحق في رفع دعوى الضمان خلال سنة من وقت تسلم المبيع تسلما فعليا لا حكميا، لأن في التسلم الفعلي تنتقل حيازة المبيع إلى المشترى حيث يتمكن من فحص المبيع والإطلاع عليه.

 ولعل تحديد هذه المدة سنة واحدة من وقت التسليم، تبررها اعتبارات معينة تقوم على أساس تأمين الاستقرار في التعامل و بعث الثقة فيما بين المتعاقدين، وحتى لا يبقى البائع أيضا مهددا بموجب الضمان لمدة طويلة، مما يؤثر على استقرار المعاملات و تجيز المادة 383/1 مدني جزائري الاتفاق على مدة أطول من السنة حيث نصت :  (...ما لم يلتزم البائع بالضمانلمدة أطول )

أما إذا تعمد البائع إخفاء العيب غشا منه، فلا تسقط دعوى الضمانهاته إلا بمرور 15 سنة من وقت البيع، أي طبقا للقواعد العامة.

رابعا : آثار دعوى ضمان العيوب الخفية

كما سبق القول، فإن المشترى بعد إخطاره للبائع، يجب عليه أن يرفع دعوى الضمان وهذه الدعوى تتمثل إما في حق الفسخ في كل المبيع أو في جزء منه، أو في المطالبة بالتنفيذ العيني أي استبدال الجزء المعيب بآخر سليم، و لكن هذا التنفيذ العيني لا يخل بحق المشترى في طلب تعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب وجود العيب.

وبالرجوع للمادة 381/1 من القانون المدني الجزائري :  ( إذا أخبر المشترى البائع بالعيب الموجود في المبيع في الوقت الملائم، كان له الحق في المطالبة بالضمان وفقا للمادة 376 ) و يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع يقرب بين ضمان العيب الخفي وضمان الاستحقاق، فوجود العيب ينقص من الانتفاع بالمبيع ويكون المبيع بالتالي قد استحق جزئيا من حيث استعماله إلا أنهمع ذلك يجب التفرقة بين ضمان العيب الخفي و ضمان الاستحقاق.

إن الإنقاص في حالة الاستحقاق الجزئي يرجع إلى سبب خارج عن المبيع و هو الحق الذي يدعيه الغير على المبيع، أما الإنقاص في حالة العيب الخفي يرجع إلى الشيء ذاته فاستنادا إلى المادة 381 من القانون المدني الجزائري التي تحيلنا إلى المادة 376حيث نجد الفقرة الأولى منها تعرض حالة الاستحقاق الجزئي الجسيم قياسا على العيب الخفي الجسيم، و الفقرة الثانية من المادة 376 تعرض لحالة ( الاستحقاق الجزئي غير الجسيم قياسا على العيب الخفي غيرالجسيم)

الحالة الأولى : حالة العيب الجسيم معيار العيب الجسيم هوالعيب الذي لو علمه المشترى وقت البيع لما أقدم على الشراء، ومتى كان الأمر كذلك رد المشترى المبيع و ما أفاد منه من ثمار إلى البائع و في مقابل ذلك يطلب تعويضا شاملا لكافة العناصر التي استعرضتها المادة 375 ق.م.ج

الحالةالثانية: حالة العيب غير الجسيم معيار العيب غير الجسيم هو متى لم يبلغ حدا من الجسامة بحيث لو علمه المشترى لأقدم على الشراء، لكن بثمن أقل فالمشترى في هذه الحالة ليس له رد المبيع، و إنما له أن يطالب البائع بتعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب، أي يطالبه بالفرق بين قيمة المبيع سليما وقيمته معيبا، وبمصروفات دعوى الضمان، أي بوجه عام عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، فإن أمكن إصلاح العيب، طالب المشترى البائع بإصلاحه بدلا من التعويض، المادة 376 ق.م.ج 

الفرع الخامس : سقوط حق المشترى في الرجوع بالضمان : يسقط حق المشترى في الضمان في إحدى الحالات التالية:

أ- التقادم أي بمرور سنة من يوم تسلم المبيع تسلما فعليا،

ب – إهمال المشترى فحص المبيع في الوقت المناسب أو عدم المبادرة إلى إخطار البائع لدى كشفه العيب، لأن إهمال المشترى في فحص المبيع أو تقصيره في إخطار البائع يعتبر راضيا بالمبيع، المادة 380/1 من القانون المدني الجزائري .

ج ـ البيوع القضائية والإدارية: هناك بعض البيوع يسقط فيها حق الضمان و هي البيوع القضائية والإدارية التي تتم بالمزاد و هذه النقطة ذكرناها في البداية

الفرع السادس: التصرف في المبيع بعد كشف العيب

زوال العيب ( تسقط دعوى الرد (الضمان) إذا زال العيب قبل إقامة دعوى الفسخ أو دعوى تخفيض الثمن أو في أثنائهما، و كان العيب بطبيعته مؤقتا و غير قابل للظهور ثانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

التزامات المشتري

مقدمة:


المطلب الأول : التزام المشتري بدفع الثمن

الفرع الأول :تعريف الثمن

هو المبلغ من النقود يتفق عليه المتعاقدان في العقد أو وفقا لأسس تحديد الثمن المتفق عليها، والثمن يجب أن يكون مبلغا من النقود وأن يكون مقدرا أو قابلا للتحديد وأن يكون جديا لاصوريا ولا تافها، كما مر معنا في أركان البيع.

الفرع الثاني : زمان الوفاء بالثمن

تنص المادة 388 ق .م . ج على أن ( يكون ثمن البيع مستحقا في الوقت الذي يقع فيه تسليم المبيع مالم يوجد إتفاق أو عرف يقضى بخلاف ذلك ) يتبين لنا من نص المادة 388 أن المشرع الجزائري ربط زمن دفع الثمن بوقت تسليم المبيع للمشتري، وذلك رغبة في تنفيذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد .

فزمان دفع الثمن يكون في الموعد المتفق عليه ، فإذا لم يوجد اتفاق نظرنا في العرف الجاري العمل به في تحديد زمن دفع الثمن ، فإن لم يكن عرف جاري في المعاملات المماثلة فإن وقت دفع الثمن هو عند تسليم المبيع.

الفرع الثالث : مكان الوفاء بالثمن

 تنص المادة 387 من ق.م.ج ( يدفع ثمن المبيع من مكان تسليم المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضى بغير ذلك، فإذا لم يكن ثمن البيع مستحقا في وقت تسليم المبيع وجب الوفاء به في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري وقت استحقاقه الثمن  )

الفرع الثالث : تملك المشتري لثمار المبيع ونمائه وتحمله نفقاته

حسب المادة 389 من القانون المدني الجزائري أن المشتري نتيجة لتملكه المبيع فإنه يتملك ثماره ونماءه على أن يتحمل تكاليف ذلك من وقت انتقال ملكية المبيع له وبالتالي في الأشياء المعنية بذاتها إذا كان منقولا فإن المشتري يمتلك ثماره ونمائه من وقت إبرام العقد أما إذا كان عقارا فيمتلك الثمار و النماء من وقت انتقال الملكية.

وتشمل الثمار المحصولات الطبيعية للمبيع كالثمار من خضر وفواكه وغيرها، وأجرة الشيء المبيع ويدخل ضمن الثمار كذلك المنتجات التي لا تتجدد كالمناجم والمحاجز ونماء المبيع ككبر الحيوان وسمنه ونتاج .

الفرع الرابع : حق المشتري بحبس الثمن

نصت المادة 388 / 2 ( فإذا تعرض أحد للمشتري مستندا إلى حق سابق أو آل إليه من البائع، أو إذا خيف على البيع أن ينزع من يد المشتري، جاز له أن لم يمنعه شرط في العقد أن يمسك الثمن إلى أن ينقطع التعرض أو يزول الخطر وله أن يمسك الثمن أيضا إذا ظهر له عيب في الشيء المبيع )

الفرع الخامس : سقوط حق المشتري بالحبس

يسقط حق المشتري بالحبس في الحالات التالية :

1 - إذا زال سبب هذا الحق ، كأن يزول الخطر أو التعرض الذي كان المشتري يخشى من وقوعها نزع يده عن المبيع .

2 - إذا نزل المشتري عن حقه في الحبس سواء بطريقة صريحة أو ضمنية ولكن يجب أن لا يعتبر علم المشتري بسبب الحبس وقت الشراء و إقباله على التعاقد دليلا على نزوله ضمنا عن حقه في حبس الثمن

3 - إذا أقدم البائع للمشتري كفالة شخصية أو عينية تضمن له ما عسى أن يترتب على ضمان التعرض والاستحقاق، أو على ضمان العيب من تعويض ذلك وفقا للفقرة الأولى من المادة 200 من القانون المدني الجزائري.

الفرع السادس : جزاء الاخلال بالالتزام بدفع الثمن

إذا لم يقم المشتري بدفع الثمن، وفقا للاتفاق يكون مخلا بتنفيذ التزامه ومن ثم كان للبائع وفقا للقواعد العامة أن يطالبه بالتنفيذ العيني أو فسخ للعقد مع المطالبة بالتعويض إن كان له سبب أو أن يحبس المبيع حتى يقوم المشتري بدفع الثمن .

أولا : التنفيذ العيني

يكون للبائع عند عدم قيام المشتري بدفع الثمن الحجز على أموال المشتري وفي مقدمتها المبيع، والتنفيذ عليها جبرا، وذلك وفقا لإجراءات قانون الإجراءات المدنية واستيفاء الثمن من الذي يرسو به المزاد له الحق الامتياز على سائر المدنين في المبيع ذاته عقار كان أو منقولا

ثانيا : فسخ عقد البيع بإرادة البائع المنفردة وحده

ويكون للبائع إضافة إلى حقه في طلب التنفيذ العيني الحق في طلب فسخ العقد وذلك نتيجة لإخلال المشتري بدفع الثمن وفقا للقواعد العامة في العقود الملزمة للجانبين ولكن نميز بين العقار والمنقول .

بالنسبة للعقار

الفسخ يقع بحكم قضائي، أي يخضع للسلطة التقديرية للقاضي الذي لا يجيب طلب البائع إلا إذا بلغ الإخلال حدا من الجسامة كأن لا يكون المشتري دفع شيئا من الثمن أو أن البائع مهدد بضياع المبيع والثمن معا ،أما بالنسبة للمنقولات فالقضاء والمشرع منح وسيلة لفسخ العقود فيها دون إتباع الإجراءات التي اقتضتها القواعد العامة أي دون الرجوع إلى حكم قضائيأ و  إعذارالمشتري والحكمة في ذلك ما تقتضيه طبيعة المنقولات من كثرة التقلب في أسعارها أوسرعة التلف وما تقتضيه التجارة فيها من سرعة التعامل ، غير أن ذلك ليس على سبيل لإطلاق وإنما شروط هي :

1 - أن يكون المبيع منقولا

2 -  أن يكون هناك أجل لدفع الثمن وتسليم المبيع

3 - أن يتأخرالمشتري في دفع الثمن في الميعاد

الفرع السابع : حق حبس المبيع

نصت المادة 390 من ق م ج على: ( يتبين لنا من نص المادة أن المشرع أعطى البائع الحق في أن يحبس المبيع عن المشتري وذلك ضمانة له في اقتضاء الثمن إذا تخلف المشتري عن دفعه حتى ولو قدم المشتري رهنا أو كفالة لأن البائع يطلب حقا واجب الوفاء في الحال فيرجع الخيار له )

يسقط حق البائع بحبس المبيع بأحد الأسباب التالية:

  1. زوال سبب الحبس بتنفيذ الالتزام ودفع الثمن ولا يتجزأ حق الحبس
  2. إذا نزل البائع عن حقه بالحبس مد الأجل (الإستمرار
  3. إذا خرج المبيع من حيازة البائع بإرادته بأن يسلم البائع الشيء المبيع إلى المشتري بإرادته

الفرع الثامن : نفقات المبيع وتكاليفه

تنص المادة 393 ق.م.ج ( أن نفقات التسجيل والطابع ورسوم الاعلان العقاري والتوثيق وغيرها تكون على المشتري ما لم تكن هناك نصوص قانونية تقضي بغير ذلك )

أولا : نفقات البيع

وتشمل نفقات البيع مصاريف تحرير العقد في حالة كتابته عند محامي على سبيل المثال ومصاريف استخراج الشهادات العقارية التي طلبها المشتري من مصلحة الشهر العقاري لتحديد المركز القانوني للعقار وكذلك المصاريف التي أنفقها المشتري إلى مكان التوقيع على العقد وخاصة إذا كان يحتاج إلى الانتقال من مكان لأخر كذلك تشمل نفقات رسوم التصديق على التوقيعات، ورسوم الدمغة (الطابع) ورسوم تسجيل العقار إذا كان المبيع عقارا.

ثانيا : تكاليف المبيع

تنص المادة 389 ق.م.ج ( يستحق المشتري انتفاع وإيراد الشيء المبيع كما يتحمل تكاليفه من يوم إنعقاد البيع هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضيان بخلاف ذلك )

يتبين من هذا النص أن المشتري مقابل أن يمتلك الثمار ومنفعة المبيع من يوم انعقاد البيع أن يتحمل تكاليف المبيع التي تنفق عليه، وتشمل هذه التكاليف الضرائب ومصروفات حفظ المبيع وصيانته ومصروفات استغلاله وبالتالي يكون للبائع أن يرجع بهذه التكاليف على المشتري ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك

رابعا : تسلم المبيع

1 - مفهوم التزام المشتري بتسلم المبيع

ونعني بالتزام المشتري بتسلم المبيع، بالاستلاء الفعلي على المبيع من قبل المشتري ( وهذا الإستلاء يختلف باختلاف طبيعة المبيع.

تنص المادة 394 من قانون المدني الجزائري أنه ( إذا لم يعين الاتفاق أو العرف مكانا أو زمان التسليم المبيع وجب على المشتري أن يتسلمه في المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت البيع وان يستلمه دون تأخر باستثناء الوقت الذي تتطلبه عملية التسليم )

 يتبين لنا من نص المادة 394 ق.م.ج على أن المشتري يتحمل عبء تسلم المبيع من البائع وهي عملية مكملة لإلتزام البائع بتسليم المبيع وذلك بوضعه تحت تصرف المشتري بحيث يمكن الانتفاع به على الوجه الذي أراده .

2 - زمان ومكان تسلم المشتري للمبيع

يحددهما الاتفاق أو العرف فإن لم يكن فهو مكان وزمان تسلم المبيع من البائع وغالبا يكون من البائع

3 - نفقات تسلم المشتري للمبيع

تقع على المشتري باعتباره المدين بالتزام تسلم المبيع مثل النقل، الإرسال ، التفريغ ، الرسوم الجمركية

4 -  جزاء الإخلال بالتزام تسلم المبيع

إذا لم يقم المشتري بتسلم المبيع في الزمان والمكان المتفق عليهما فيكون للبائع أن يطلب من القضاء

  1. إجبارالمشتري بتنفيذ الالتزام عينا
  2. أن يطالب بالحكم على المشتري بالغرامة التهديدية
  3. أن يلجأ إلى البيع بالمزاد العلني بعد استئذان القاضي
  4. أن يطالب بفسخ العقد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني

عقد الايجار

 

 

 

 

 

مقدمة:

يعتبر عقد الإيجار من العقود المهمة و الأكثر تداولا بين أشخاص القانون الخاص ولذلك أولته التشريعات أهمية خاصة لأنه يتعلق بكثير من تعاملات الأشخاص سواء كانوا تجارا أو حرفيين أو أشخاصا عاديين، ولكونه يساهم ف إلى في تطور وازدهار الأنشطة التجارية والحرفية، و وهذه النشاطات تلعب جورا كبيرا في الاقتصاد الوطني وتساهم في الحد من البطالة ، وهو ما يعطي أهمية للنصوص القانونية المتعلقة بالايجار حيث تكثر المنازعات الايجارية أمام المحاكم .

و قد نظم المشرع الجزائري أحكام عقد الإيجار في المواد من 467 إلى  537 من القانون المدني في الباب الثامن المتعلق بالعقود الواردة على المنفعة وسنعالج في هذا الباب تعريف عقد الإيجار وأركانه والتزامات المؤجر والمستأجر.

المبحث الأول: مفهوم عقد الإيجار

المطلب الأول: تعريف عقد الإيجار

المطلب الثاني: خصائص عقد الإيجار

المطلب الثالث: تمييز عقد الإيجار عن العقود الأخرى

المبحث الثاني: أركان عقد الإيجار المدني

المطلب الأول: التراضي في عقد الإيجار

المطلب الثاني: المحل في عقد الإيجار

المطلب الثالث: السبب في عقد الإيجار

المبحث الثالث : آثار عقد الإيجار

المطلب الأول: التزامات المؤجر

المطلب الثاني : التزامات المستأجر

المطلـب الرابع: الشكلية في عقد الإيجار

خاتمة 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول : مفهوم عقد الإيجار

 

 

 

 

 

المبحث الأول: تعريف عقد الإيجار

سنعالج عقد الإيجار في هذا المبحث من حيث تعريه وخصائصه وتمييزه عن غيره من العقود المشابهة

المطلب الأول: تعريف عقد الإيجار في القانون

عرف المشرع الجزائري عقد الإيجار في المادة 467 من القانون المدني الجزائري المعدلة بقانون 07-05 بتاريخ 13/05/2007 على أنه: ( عقد يمكّن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم )

و يلاحظ أن هذا التعريف جاء به المشرع في القانون 07-05 بحيث تم تعديل المادة القديمة التي كانت تنص على أنه:  ( ينعقد الإيجار بمقتضى عقد بين المؤجر والمستأجر ).

 و الأصل  أن يكون البدل  مالا، إلا أنه يجوز أن يكون هذا البدل تقديم عمل أو غير ذلك، ويستفاد من هذا التعريف أن عناصر الإيجار هي التمكين من الانتفاع بالعين المؤجرة والأجرة والمدة، حيث كانت هذه المادة تنص على انعقاد عقد الإيجار إضافة إلى أنها جمعت بين التعريف وحق البقاء للزوجة المطلقة الحاضنة. ويلاحظ أيضا أن هذه المادة المعدلة ما كان ينصب موضوعها على السكنات أو الأماكن المعدة للسكن، بحيث أن عقد الإيجار ينصب على عدة مواضيع أو محلات مثلا السكنات والأراضي الفلاحية والمحلات المخصصة للمهن. ونجد أن المادة الجديدة جعلت من الالتزام بالتمكين من الانتفاع شرطا أساسيا بحيث يعتبر التزام ايجابي. فيجب على المؤجر تسليم العين المؤجرة لتمكين المستأجر من الانتفاع بها.

المبحث الثاني: خصائص عقد الإيجار

نستخلص من خلال تعريف عقد الإيجار المدني أن لهذا العقد مجموعة من الخصائص تتمثل في:

1-عقد الإيجار عقد مسمى: أي أن المشرع الجزائري نظم أحكام هذا العقد عن طريق التشريع.

2-عقد الإيجار عقد رضائي: أي لا يشترط شكل معين لانعقاده بل يكفي شرط التراضي بين المتعاقدين فضلا عن المحل والسبب إلا أننا قد نجد بعض الاستثناءات التي تلزم إبرام عقد الإيجار كتابة. مثلا المادة : 507 مكرر 1 من قانون 07-05 التي تخضع الإيجارات ذات الاستعمال السكني المبرمة من قبل المؤسسات العمومية المختصة إلى الأحكام الخاصة بها،  مما نستنتج أن قوانينها الأساسية تشترط كتابة عقد الإيجار كعقود الإيجار الصادرة عن ديوان شركة التسيير العقاري، وكذلك بالنسبة لإيجارات الأراضي الفلاحية الخاص بالمستثمرة الفلاحية، فهي تخضع إلى مبدأ الكتابة.

ولا ننسى في هذا الصدد المرسوم التشريعي رقم 93-03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري المعدل والمتمم بقانون 07-05 حيث أن المادة 21 منه تشترط وجوبا العلاقة ما بين المستأجر والمؤجر في عقد الإيجار طبقا للنموذج الكتابي الذي حدده المرسوم التنفيذي رقم 74-69 بتاريخ 19/04/1974 المتضمن المصادقة على نموذج عقد الإيجار المتعلق بالنشاط العقاري . كذلك يجب الإشارة إلى أن نظرية عقد الإيجار في القانون المدني لا تنطبق على الإيجارات التجارية كأصل عام، باعتبار أن الإيجارات التجارية يجب أن تكون مكتوبة تحت طائلة البطلان ابتدءا من سنة 2005.

3-عقد الإيجار عقد ملزم للجانبين: أي انه ينشا التزامات وحقوق لكلا طرفي العقد فالمؤجر يلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة أما المستأجر فيلتزم بدفع مبلغ الإيجار.

4-عقد الإيجار عقد معاوضة: يقصد بعقد المعاوضة حصول كل من المتعاقدين على مقابل نتيجة للالتزامات التي يقضي بها العقد ففي عقد الإيجار يلتزم المؤجر بتمكين المؤجر من الانتفاع بشيء في المقابل يلتزم المستأجر بدفع ثمن الانتفاع بذلك الشيء لمدة معينة.

5- عقد الإيجار عقد مؤقت: تعتبر هذه الخاصية عنصر جوهري تميز عقد الإيجار ومفادها بان عقد الإيجار عقد محدد المدة باتفاق بين أطرافه.

6-عقد الإيجار من العقود المحددة: أي أن الالتزامات والحقوق الناتجة عن العقد تحدد عند إبرام العقد باتفاق بين أطرافه عكس العقود الغير محددة أو العقود الاحتمالية.

7-عقد الإيجار لا يرتب للمستأجر حقا عينيا في الشيء في المؤجر: أي انه ينشا التزامات شخصية فقط لكلا الطرفين وعليه فانه من أهم عقود الإدارة ويخرج تماما من دائرة العقود الناقلة للملكية.

المبحث الثالث: تمييز عقد الإيجار عن العقود الأخرى

1- عقد الإيجار وعقد البيع: إن عقد البيع يقع على ملكية الشيء فهو عقد ناقل للملكية خلافا لعقد الإيجار الذي يقع على منفعة الشيء فقط, ولكن قد يقع التباس بين العقدين إذا وقع على ثمرات أو منتجات الشيء لا على الشيء ذاته.

فالأصل في العقد إذا وقع على ثمرات الأرض يكون إيجارا إذ انه يقع على منفعة الأرض المتجددة أما إذا وقع على منتجات الشيء يكون بيعا وفي العموم فان العبرة بنية المتعاقدين هل أرادا بيعا أم إيجارا فقد يبيع صاحب الأرض المحصول وهو لا يزال في الأرض فيكون العقد بيعا لهذا المحصول و قد يؤجر صاحب منجم منجمه ليستغله المستأجر مقابل أجرة دورية فيكون العقد إيجارا لا بيعا.

2- عقد الإيجار وعقد العارية: من المعلوم أن عقد العارية من عقود التبرع حيث أن المستعير لا يدفع أجرا للمعير خلافا لعقد الإيجار الذي يكون لقاء أجر معلوم ولكن قد يقع التباس بين العقدين وذلك في السكن الوظيفي إذ أنه في بعض الوظائف تمنح مساكن للموظفين دون دفع ثمن إيجارها ولكن في المقابل يتم خصم مبلغ معين من الراتب الشهري للموظفين المستفيدين من السكن فالعقد في هذه الحالة عقد إيجار.

3- عقد الإيجار وعقد عقد العمل: عقد العمل يرد على القيام بعمل معين خلافا لعقد الإيجار الذي يرد على منفعة شيء

4- عقد الوكالة وعقد الإيجار:عقد الوكالة يجيز للموكل له التصرف في الشيء خلافا لعقد الإيجار الذي يرد فقط على الانتفاع بالشيء دون التصرف.

5-عقد الوديعة وعقد الإيجار :يختلف الإيجار عن الوديعة في أن المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة له والمودع عنده لا يتمتع بحق الانتفاع بالإضافة إلى ذلك فهذا الأخير لا يدفع أجرة للمودع ويلتزم برد الشيء المودع عنده بمجرد طلب المودع خلافا للمستأجر الذي لا يرد العين المؤجرة إلا بعد انقضاء مدة الإيجار.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني: أركان عقد الإيجار المدني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: التراضي في عقد الإيجار

المطلب الأول: شروط الانعقاد

الفرع الأول:  وجود الإرادة : تخضع للقواعد العامة المنشئة للعقد ولا تخضع لشكل معين بل يكفي اتخاذ موقف من أطرفه لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه ويجوز أن يكون التعبير على الإرادة ضمنيا وذلك في حالة تجديد عقد الإيجار كالبقاء في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإيجار.

الفرع الثاني : تطابق الإيجاب والقبول : يخضع كذلك للقواعد العامة لانعقاد العقد إذ يشترط لانعقاد عقد الإيجار أن يصدر إيجاب من احدهما وقابول مطابق من الأخر للإيجاب ويجدر بالإشارة إلى أن الإيجاب والقابول في عقد الإيجار يقع على أربع عناصر هي:

-ماهية العقد : أي الاتفاق على العقد إيجار وليس شيء آخر

-الشيء المؤجر : الاتفاق على العين المؤجرة

-مدة الإيجار: تحديد المدة

- بدل الإيجار : وتحديد البدل

الفرع الثالث :  طرفا عقد الإيجار: من المعلوم أن طرفا عقد الإيجار هما المؤجر والمستأجر و سنبين الآن من له حق الإيجار ومن له حق الاستئجار

أ- من له حق الإيجار: يملك حق الإيجار من له الصفات الآتية :

-  المالك للعين المؤجرة : من له حق ملكية الشيء

- من له حق الانتفاع: يمكن لمن له هذا الحق أن يبرم عقد الإيجار إلا أن هذا الحق مؤقت وليس دائم كحق الملكية وعليه فان مدة الإيجار يجب أن لا تتجاوز مدة الانتفاع وهذا ما أكدته المادة 469 من ق.م.ج. التي نصت على أن الإيجار الصادر ممن له حق المنفعة ينقضي بانقضاء هذا الحق على أن تراعى المواعيد المقررة للتنبيه والإخلاء والمواعيد اللازمة لنقل محصول السنة.

- من له حق إدارة الشيء: يمكن لمن له هذا الحق أن يبرم عقد إيجار لمدة لا تفوق ثلاث سنوات ويمكن أن تتمدد هذه المدة بترخيص من القاضي وهذا حسب المادة 468 من ق.م.ج.

- من له صفة الولي على القاصر المالك للشيء : تنص المادة 88 من قانون الأسرة الجزائري على أن الولي يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص وعليه أن يستأذن القاضي قبل القيام بأي تصرف ومن بين هذه التصرفات إيجار عقارات القاصر لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

- من له حق شخصي يتمتع به بموجب عقد إيجار: تنص المادة 505 من ق.م.ج على انه يمكن للمستأجر أن يؤجر بدوره العين المؤجرة إيجارا فرعيا وهذا الإيجار يعتبر بدوره مظهرا من مظاهر حق الانتفاع ويشترط في ممارسة هذا الحق الموافقة الصريحة للمؤجر الأصلي.

- بالإضافة إلى هذا يمكن أن يؤجر الشيء من طرف أشخاص لا يتمتعون بحق شخصي أو عيني مثل المسير، الوكيل ، الحارس القضائي، و اللذين يتمتعون بمقتضى الاتفاق أو القانون بصلاحية إبرام عقد الإيجار .

ب-من له حق الاستئجار: لم يفرق المشرع الجزائري بين الأشخاص الطبيعيين و المعنويين في قدرتهم على الاستفادة من حق الإيجار فضلا عن هذا فان كل شخص طبيعيا كان أم معنوي يستطيع أن يدفع ثمن الإيجار فيحق له حق الاستئجار متى توافرت الأهلية الوجبة لذلك.

 

 

المطلب الثاني: شروط الصحة

الفرع الأول: توافر الأهلية: يخضع الإيجار للقواعد العامة في الأهلية إذ يشترط في انعقاده واكتماله أهلية طرفي العقد وذلك بإتمام 19 سنة كاملة، فإذا كان أحد الطرفين عديم التمييز أي أقل من 13 سنة أو من في حكمه كالمعتوه والمجنون كان العقد باطلا بطلانا مطلقا. وأما إذا كان أحد الطرفين مميزا وهو من أكمل 13 سنة كاملة أو من كان في حكمه كالسفيه وذا الغفلة فان العقد يكون قابلا للإبطال أي موقوفا على إجازة الولي أو الوصي في الحدود التي يجوز فيها لهما التصرف أو إجازة القاصر بعد اكتمال أهليته فالإيجار هو من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، ولكن هل يجوز للولي أو الوصي إيجار شيء مملوك لعديم الأهلية أو ناقصها أو للمحجور عليه؟

يجب أن نشير إلى أنه إذا كانت أعماله من أعمال الإدارة، فيجوز له ذلك بشرط أن لا تتجاوز مدة الإيجار 3 سنوات حسب المــادة (م.468 ق.م.) إلا أن هذه القاعدة يمكن أن لا تطبق وبالتالي يجوز تجاوز المدة إذا كان النص القانوني ينص على خلاف ذلك.

2- عيوب الرضا : يكون التراضي في عقد الإيجار معيبا إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال وليس في ذلك إلا تطبيق القواعد العامة ولكن الغلط والاستغلال والغبن في عقد الإيجار له تطبيقات عملية لا تخلو من الأهمية و التي سيأتي على ذكرها:

الغلط في شخص المستأجر : إذا كان الغلط واقعا على شخص المستأجر فليس له بوجه عام تأثير على صحة العقد لان الإيجار من عقود المعاوضة ويستوي لدى المؤجر أن يكون قد أجر لشخص أو لأخر مادام يريد بهذا الإيجار أن يدير العين المؤجرة دون مراعاة لشخصية المستأجر ولكن مع ذلك يكون الغلط سببا في إبطال عقد الإيجار إذا كان شخص المستأجر محل اعتبار لدى المؤجر والأصل أن شخص المستأجر ليس محل اعتبار في العقد إلا إذا ثبت العكس.

- الغلط في العين المؤجرة: إذا وقع الغلط في العين المؤجرة فان الإيجار يكون باطلا طبقا للقواعد العامة أما إذا كان الغلط واقعا في وصف من أوصاف العين فان كان محل اعتبار فيكون العقد قابلا للإبطال كأن يعتقد الشخص أنه يستأجر أرض صالحة للزراعة فإذا هي عكس ذلك والأمثلة متعددة

- الغبن والاستغلال في عقد الإيجار: الغبن في عقد الإيجار لا تأثير له في صحة العقد فإذا أجر المؤجر بأجرة مرتفعة بحيث يصيب المستأجر من وراء ذلك غبن فاحش أو أجر باجرة منخفضة بحث يصيبه هو غبن فاحش فان الإيجار يكون مع ذلك صحيحا ما لم تكن الأجرة تافهة أو صورية. فيكون العقد قابلا للإبطال، أما الاستغلال في عقد الإيجار فيؤثر في صحة هذا العقد شأنه شأن سائر العقود وتطبق القواعد العامة .

 

المبحث الثاني: المحل في عقد الإيجار

يتمثل المحل في عقد الإيجار في العين المؤجرة وبدل الإيجار

المطلب الأول: الشيء المؤجر

تطبق عليه القواعد العامة أي أن يكون موجودا أو قابلا للوجود معيينا أو قابلا للتعيين و غير قابل للاستهلاك وغير مخالف للنظام العام و قابلا للتعامل فيه ويجدر بالإشارة إلى أن قواعد القانون المدني لا تطبق إلا على المحلات الموجهة للسكن أو ممارسة مهنة ويقصي مفهوم المحل المنقولات والأرض الجرداء ذلك أنه يستوجب وجود عقار مبني مهما كانت حالته سواء كان كوخا أو بيتا قصديريا مع مراعاة أحكام النصوص المتعلقة بالمحلات الممنوع فيها السكن أما إذا تعلق الأمر بمحل مهني فشروط القابلية للسكن غير مطلوبة و يكفي أن تمارس مهنة في المحل كما تطبق قواعد القانون المدني على ملحقات السكن كالقبو والسطح إذا أجريت تبعا للمحل الرئيسي أو إذا أجريت أساسا للسكن أو ممارسة مهنة.

المطلب الثاني: بدل الإيجار

الأجرة أو بدل الإيجار هو المبلغ المالي الذي يلتزم المستأجر بدفعه في مقابل حصوله على المنفعة. وتقضي م.467/1 ق.م. أن بدل الإيجار قد يكون نقدا أو بتقديم أي عمل آخر، كأن يؤجر شخص أرض مقابل بدل الإيجار في نسبة معينة من المحصول ويجب أن تكون الأجرة حقيقية وجدية بحيث لا تكون مقدارا تافها يقترب من العدم. ويشترط أن تكون الأجرة معلومة وهذا ما قضت به م.467/2 وبمعنى أن تكون الأجرة متفق عليها بين الطرفين ومعلومة في العقد، فإذا كانت من النقود يكفي في تعيينها ذكر المقدار وإذا كان بدل الإيجار تقديم عمل يجب تقويمه وتقديره في العقد.

المطلب الثالث: مدة الإيجار

تعد المدة من العناصر الجوهرية في عقد الإيجار لأنه من العقود الزمنية التي تتخذ فيه التزامات وحقوق الطرفين تبعا لمدة العقد، ولهذا فقد نصت المادة 467 من القانون المدني الجزائري المعدلة أنه يجب أن تحدد مدة الإيجار أي يجب أن تكون مدة معلومة وبالتالي استبعد المشرع العقود غير المحددة والعقود الأبدية إذ على أساس هذه المدة يتعين مقدار المنفعة التي يستحقها المستأجر ومقدار الأجرة التي يستحقها المؤجر و لم يحددها المشرع الجزائري في التعديل الجديد الحد الأقصى للمدة إلا أنه يستفاد من نص المادة أنه لا يجوز أن يبرم عقد الإيجار لمدة حياة المستأجر وإذا كان الشيء المأجور ملك لقاصر، فلا يجوز أن تزيد مدة الإيجار على 3 سنوات إذا قام بالإيجار وليه أو وصيه.

أما بخصوص بدء مدة الإيجار فإنها تسري من التاريخ المتفق عليه في العقد، فإذا لم يحدد فمن تاريخ إبرام العقد، وكذلك يجوز اشتراط بدء الإيجار مستقبلا، وللعلم أن القانون الجديد قد ألغى نظام التجديد الضمني لعقد الإيجار الذي كان جائزا عند انتهاء المدة ولم يقم المؤجر بإجراء التنبيه بالإخلاء ضمن المدة القانونية، فان العقد يتجدد ضمنيا ولمدة غير محدودة وأقر المشرع الجزائري حكما جديدا سهلا من الناحية القانونية حيث بمجرد انتهاء مدة الإيجار ينتهي عقد الإيجار دون الحاجة إلى إجراء التنبيه بالإخلاء. (م.469/1 مكرر 1 ق.م.).

غير أنه يجوز للمستأجر إنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء المدة لأسباب جدية ومؤكدة كارتفاع تكاليف الإيجار أو لظروف تتعلق بانتقاله إلى مكان آخر، ففي هذه الحالة يجب على المستأجر أن يخطر المؤجر بإنهاء عقد الإيجار مدة شهرين قبل انتهاء عقد الإيجار.

وقد يحدث أن يتوفى المستأجر قبل انتهاء مدة الإيجار، ففي هذه الحالة لا ينتهي عقد الإيجار بل يستمر العقد إلى حين انتهاء المدة المتفق عليها، ومع ذلك يجوز للخلف العام الذين كانوا يعيشون مع سلفهم مدة 6 أشهر إنهاء هذا العقد إذا أصبح مثقلا عليهم من حيث التكاليف.

غير أن هذا الحكم ليس من النظام العام حيث يجوز للمؤجر أن يتفق مع المستأجر أثناء انعقاد العقد أنه في حالة وفاته ينتهي العقد ولو قبل انتهاء المدة المادة:  469/2 مكرر من القانون المدني الجزائري ويجب ممارسة حق انتهاء الإيجار خلال 6 أشهر من يوم وفاة المستأجر. (الفقرة الأخيرة من م.469 مكرر من القانون المدني الجزائري.

المبحث الثالث: السبب في عقد الإيجار

يُعرَّف السبب في العقود بأنه العنصر المعنوي الذي يمكن السؤال عنه ب ( لماذا ؟ ) فالإرادة تنشئ الالتزام لغاية ما ، فالسبب هو الهدف الذي من أجله يؤدي المتعاقد التزامه ويمكن تعريفه بالاعتبارات الاقتصادية التي يتوخاها العاقدان، فالسبب في عقد الإيجار بالنسبة للمستأجر هو استغلال الشيء المؤجر أما بالنسبة للمؤجر فهو الاستفادة من سعر الإيجار.

المبحث الرابع: الكتابة في عقد الإيجار

إذا كان عقد الإيجار في القانون القديم لم تشترط الكتابة لإبرامه حيث جعلها أمر نسبي فقد تكون مشروطة ببعض القوانين الخاصة بالإيجارات السكنية مثلا ديوان الترقية والتسيير العقاري وكذلك إيجار الأراضي الفلاحية وكذلك الإيجارات المتعلقة بالنشاط العقاري، ولكن هذا لا يمنع أن يكون عقد الإيجار كتابة من أجل إثباته.

وبالرجوع إلى نص م.467 مكرر في ظل تعديل 2007 فانه يشترط الكتابة في عقد الإيجار تحت طائلة البطلان، وعليه فان كتابة عقد الإيجار تعتبر شرط لانعقاده صحيحا، إضافة إلى الشروط التي ذكرناها سابقا.

غير أن المشرع لم يبين طبيعة الكتابة إذا كانت رسمية أو غيرها، وعليه يجب الرجوع للقواعد العامة التي تبين أحكام الكتابة لإثبات الالتزام وليس لانعقاده، ويستخلص أن الكتابة تكون رسمية كقاعدة عامة، ومفادها أن العقد يحرر من طرف موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بالخدمة العامة في حدود سلطاته (م.324 ق.م.) ويجب أن توقع العقود الرسمية من قبل الأطراف والشهود عند الانقضاء ويؤشر الضابط العمومي (الموثق) على ذلك في آخر العقد (م.324/2 مكرر ق.م.). ويعتبر العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الفصل الثاني  :

أحكام عقد الإيجار

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يقصد بأحكام عقد الإيجار مجموعة الآثار المترتبة على العقد، وهي جميع الحقوق والالتزامات التي تنشأ على العقد، و سنعالج التزامات المؤجر،  ثم التزامات المستأجر، 

المبحث الأول : إلتزامات المؤجر.

يلتزم المؤجر بعدة التزامات هي : الالتزام بتسليم العين المؤجرة والالتزام بصيانة العين المؤجرة والالتزام بضمان عدم التعرض للمستأجر، والالتزام بضمان العيوب الخفية، وكل هذه الالتزامات تؤدي إلى تمكين المستأجر من الانتفاع من العين المؤجرة.

المطلب الأول: الالتزام بتسليم العين المؤجرة

يلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة التي تم الاتفاق على إيجارها بذاتها،  ولا يجوز له تسليم عين أخرى حتى وان كانت أفضل إلا إذا وافق المستأجر عليها، و يلتزم كذلك المؤجر بتسليم ملحقات العين المؤجرة بمعنى مستلزماتها، وهي كل مايتصل بالعين المؤجرة بصفة دائمة لاستعمالها طبقا لما تقضي به طبيعة الأشياء وحسب قصد المتعاقدين،

 ويتم تحديد هذه الملحقات في الاتفاق بين المتعاقدين مثلا إذا كانت أرض زراعية موضوع عقد الإيجار فإن من ملحقاتها مصارف المياه وحقوق الارتفاق، أما إذا كان موضوع الإيجار سكن في عمارة فيجب على المؤجر أن يسلم الملحقات وهي الأجزاء المعدة للاستعمال السكني من باب رئيسي والسطح والسلم.

وقد ألزمت المادة 476 من القانون المدني الجزائري  المؤجر بأن يسلم العين المؤجرة للمستأجر في حالة تصلح للاستعمال المعدة لها تبعا لاتفاق الطرفين. واشترط المشرع أن معاينة الأماكن تخضع لإجراء وجاهيا بمعنى حضور الطرفين المؤجر والمستأجر يفرغ في محضر أو بيان وصفي يفترض أن يمضي عليه الطرفين بحيث يلحق هذا المحضر بعقد الإيجار.

وإذا تسلم العين المؤجرة دون هذا الإجراء فان الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة سلفا تفترض أن المؤجر سيسلم العين المؤجرة في حالة حسنة. إلا أن هذه القرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها. وتقضي م.477 ق.م. أنه في حالة تسليم العين المؤجرة من قبل المؤجر في حالة لا تكون فيها صالحة للاستعمال ومختلفة عن الغرض المقصود من الشيء المؤجر حسب اتفاق أطراف العقد أو يختلف عن طبيعة الشيء فانه يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ عقد الإيجار أو إنقاص بدل الإيجار (وذلك حسب السلطة التقديرية للقاضي). وبقدر ما نقص من الاستعمال مع التعويض عن الضرر في الحالتين إذا اقتضى الأمر، فهي مسألة موضوعية للقاضي الناظر في النزاع المطروح أمامه حول عدم التزام المؤجر تسليم العين المؤجرة صالحة للاستعمال.

كيفية التسليم وزمانه ومكانه ونفقاته

لقد أحال المشرع الالتزام بالتسليم بعقد الإيجار إلى أحكام الالتزام بتسليم المبيع، حسب نص المادة.478 من القانون المدني الجزائري

التسليم الحقيقي : وعليه فان التسليم إما أن يكون حقيقيا وذلك بوضع العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر بحيث يستطيع حيازتها دون عائق مثل تسليم مفاتيح المنزل المستأجر أو إخلاؤه للمستأجر السابق ومنقولاته.

التسليم الحكمي: وقد يكون التسليم حكميا إذ يكتفي أن يكون بتصرف قانوني كأن يبقى المستأجر حائزا للعين المؤجرة ولكن بصفة أخرى كالمستأجر من الباطن أو المستأجر الفرعي.

ويفهم من المادة 476 من القانون المدني الجزائري في فقرتها الأخيرة أن التسليم يتم بحصول المستأجر على محضر جرد أو بيان وصفي، ويعتبر التسليم قد تم بتوقيع المستأجر على محضر الاستلام. وفي حالة امتناع أحد الأطراف عن هذا الإجراء يلجأ طرف آخر إلى القاضي ليصدر أمرا بتعيين خبير يتم محضر الجرد أو الوصفي أمامه وأما عن نفقات عمل المحضر فانه يكون على عاتق المؤجر لأن التسليم هو التزام في ذمته أو على عاتقه.

زمان التسليم : يكون زمن التسليم طبقا للقواعد العامة حسب ما اتفق عليه المتعاقدان، فإذا لم يحدث  الاتفاق فيرجع إلى العرف،  وقد جرى العرف أن وقت التسليم في العقارات المعدة للسكن يكون في أول الشهر التالي لتوقيع العقد.

 أما بالنسبة لتسليم الأراضي الزراعية فيكون في أول السنة الزراعية التي تبدأ عادة في بداية سبتمبر من كل سنة، فإذا تخلف الاتفاق أو العرف فان التسليم يكون واجبا بعد انعقاد العقد مباشرة، وإذا تأخر تسليم العين المؤجرة لا يلتزم المستأجر بدفعه بدل الإيجار عن مدة التأخير، لأن بدل الإيجار تقابل المنفعة.

ويجوز للمؤجر الامتناع عن التسليم إذا كانت الأجرة واجبة الدفع مقدما أو معجلا ولم يقم المستأجر بدفعها، ويعتبر امتناع المؤجر عن التسليم تطبيقا للقواعد العامة في حبس الشيء لعدم تنفيذ الالتزام من قبل المستأجر،وكذلك الدفع بعدم التنفيذ.

مكان التسليم : يكون مكان التسليم في المكان المتفق عليه بين المتعاقدين، وإذا تخلف الاتفاق فان كان الشيء معينا بالذات فإن تسليمه يكون في مكان إبرام العقد، فمثلا إذا كانت العين المؤجرة عقارا فيخضع التسليم إلى مكان وجوده، وأما إذا كان منقولا يفترض وجوده في موطن مالكه وهو المؤجر، أو في موطنه الخاص وهو مكان وجود مركز أعماله إذا تعلق الإيجار بهذه الأعمال.

نفقات التسليم : و أما عن نفقات التسليم، تكون على المدين ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بخلاف ذلك والمدين في عقد الإيجار هو المؤجر وهو المدين بالتسليم، و من هذه النفقات إرسال مفاتيح السكن أو نفقات إزالة العوائق بالعين المؤجرة، ومنع التعرض كرفع دعوى إخلاء المستأجر السابق للعين المؤجرة، و لكن نفقات التسلم وهي غير نفقات التسليم لا يتحملها المؤجر بل المستأجر مثل نفقات انتقال المستأجر إلى مكان التسليم لأن التسلم واجب على المستأجر

 المطلب الثاني :إلتزام المؤجر بالصيانة

تقضي المادة 479/1 من القانون المدني الجزائري على أن المؤجر ملزم بصيانة العين المؤجرة لتبقى على الحالة التي سلمت بها وأن يقوم بجميع الترميمات الضرورية دون الترميمات الخاصة بالمستأجر والترميمات الضرورية إما أن تكون ضرورية لحفظ العين المؤجرة أو ضرورية للانتفاع بها على الوجه المقصود من العقد ويلحق بها التكاليف المقررة على العين المؤجرة، مثل الرسوم والضرائب التي لا يلتزم المؤجر بالترميمات التأجيرية التي هي خاصة بالمستأجر .

ويقصد بالترميمات البسيطة هي التي لا تلازم الانتفاع فيكون من العدل أن يتحملها المستأجر مثل إصلاح النوافذ والأبواب والأقفال... الخ. وفي حالة وقوع نزاع بين طرفين حول الترميمات فان قاضي الموضوع هو الذي يحدد ما إذا كان الإصلاح غير بسيط فيدخل في الترميمات الضرورية التي يتحملها المؤجر أو إصلاح بسيط فيدخل في الترميمات التأجيرية التي يتحملها المستأجر.

ولا يجوز للمستأجر أن يمنع المؤجر من مباشرة الترميمات الضرورية كتصدع الجدران وتنظيف الآبار أو تفريغ قنوات صرف المياه... كذلك تحمل المؤجر الرسوم والضرائب وغيرها من التكاليف المثقلة بالعين المؤجرة (الفقرة الأخيرة من م.479 من القانون المدني الجزائري ، إذ هذه ليست من الترميمات وإنما مصاريف متعلقة بالعين المؤجرة لأن المشرع أدخل هذا الحكم في المادة التي تتطرق إلى إلتزام المؤجر بالترميمات الضرورية المادة 479 من القانون المدني الجزائري، غير أنه في حالة الضرورة والاستعجال يجوز للمستأجر أن يقوم بالترميمات الضرورية على حساب المؤجر. (الفقرة الأخيرة من المادة 480 من القانون المدني الجزائري

 الجزاء المقرر للإخلال بالالتزام بالصيانة

بالرجوع إلى نص المادة 480 من القانون المدني الجزائري فان الجزاء المقرر للإخلال بالتزام المؤجر بالصيانة هو التنفيذ العيني طبقا للقواعد العامة، بحيث يجبر المؤجر على القيام بالترميم للعين المؤجرة،  وأما عن كيفية الوصول إلى التنفيذ العيني فالحكم في الإيجار لا يختلف عن الحكم المقرر في القواعد العامة بشأن الالتزام بالعمل.

فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن (المستأجر) أن يطلب ترخيصا من القضاء بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين (المؤجر) إذا كان هذا التنفيذ ممكنا، و أما في حالة الاستعجال فيجوز للمستأجر أن ينفذ الالتزام على نفقة المدين دون ترخيص من القضاء.

وأما إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن أو كان ممكنا ولم يطلبه المستأجر، فان من حق المستأجر طلب الحكم له بالتعويض بسبب الضرر الذي يصيبه من نقص الانتفاع في العين المؤجر، والصورة المثالية للتعويض هي إنقاص بدل الإيجار بقدر ما طرأ من نقص في المنفعة. ولكن يجوز إضافة إلى إنقاص بدل الإيجار الحكم بتعويضات أخرى عمّا أصاب المستأجر من ضرر إذا كان المؤجر هو المتسبب بهذا الضرر.

وتشترط المادة 480 من القانون المدني الجزائري أنه يجب على المستأجر قبل رفع الأمر بإنقاص بدل الإيجار أو طلب الفسخ أن يقوم بإعذار المؤجر بمحرر غير قضائي كما ينذره بضرورة إجراء الترميمات التي طرأت على العين المؤجرة.

المطلب الثالث : إلتزام المؤجر بضمان التعرض.

التعرض نوعان: تعرض شخصي وتعرض صادر عن الغير.

أولا: التعرض الشخصي.

1 - التعرض المادي تلزم المادة 483 من القانون المدني الجزائري المؤجر أن يمتنع عن كل تعرض يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعا ماديا، كأن يقوم المؤجر بهدم العين المؤجرة أو هدم جزء منها، أو أن يمنع المستأجر من الدخول إلى العين المؤجرة أو أن يدخل هو العين بدون سبب جدي، أو أن يقوم مؤجر أرض فلاحية بجني ثمارها...

 أ - التعرض المادي من قبل المؤجر

وقد يكون التعرض المادي قائم على تصرف قانوني، وهو ما تعبر عنه المادة 483 من القانون المدني الجزائري في فقرتها الأخيرة، حيث تلزم المؤجر بضمان الأفعال التي تصدر عن المستأجر الآخر أو أي شخص تلقى الحق عن المؤجر لأن التصرف القانوني صادر من المؤجر إلى الغير يعتبر تصرفا قانونيا للعلاقة بين الطرفين.

ونظرا إلى أن المستأجر غير طرف في هذا التصرف بل هو أجنبي عنه فهو يعتبر عملا ماديا بالنسبة له، لذا اعتبره المشرع تعرض مادي ومن أمثلة هذه التصرفات كأن يقوم المؤجر بتأجير العين لمستأجر آخر، أو أن يقوم المؤجر برهن العين المؤجرة رهنا حيازياً، لأنه يفترض في هذا التصرف انتقال حيازتها للدائن المرتهن.

ومن الأمثلة عن التعرض القائم على تصرف قانوني كأن يقوم المؤجر بمنح الغير حق الارتفاق على العين المؤجرة، مما ينقص من الانتفاع بهذه العين.

و تجدر الإشارة إلى أن التعرض لا يتحقق إلا إذا قام الغير بمباشرة الحق الذي آلَ إليه المؤجر فعلياً كأن يقوم المستأجر الآخر بإخراج المستأجر من العين المؤجرة. و بمفهوم المخالفة أن التصرف القانوني في ذاته دون التعرض الحقيقي لا يعد تعرضا من المؤجر الملتزم بالضمان. ولكن إذا حدث التعرض من الغير بهذا الوصف فإننا نكون بصدد نوعين من التعرض في آنٍ واحد، وهما:

التعرض المادي الصادر عن المؤجر نفسه، والمتمثل في التصرف القانوني الصادر عن الغير

 التعرض الصادر من الغير، والقائم على سبب قانوني صادر من المؤجر، فعمليا، لا تمييز بينهما باعتبار أن الفقه يرى أننا بصدد تعرض من نوع واحد، وهو التعرض الصادر من الغير لأن هذا الأخير يجب التعرض الشخصي.

2 - التعرض القانوني.

قد يتعرض المؤجر للمستأجر تعرضا شخصيا قائما بسبب قانوني، مثلا كأن يكون المؤجر غير مالك للعين المؤجرة، ثم تؤول إليه ملكيتها بالشراء أو الميراث أو الوصية، فيحاول أن يخرج المستأجر من العين على أساس حقه في الملكية، وعليه لا يجوز له الاسترداد لمن وجب عليهم الضمان، لأن الضمان والاسترداد لا يجتمعان.

وأخيرا، فإن شروط التعرض الشخصي أو القانوني، حتى محل للضمان:

-  أن يكون التعرض فعليا

-  أن يقع التعرض أثناء مدّة الإيجار

-  أن يؤدي التعرض إلى الإخلال بانتفاع المستأجر

-  أن يكون مشروعاً

3 – الجزاء المترتب على التعرض الشخصي

لم يتطرق المشرع الجزائري إلى جزاء خاص عن الإخلال بالتزام المؤجر بعدم التعرض الشخصي للمستأجر، ولذلك نستند إلى القواعد العامة، سواء التي تقضي بالتنفيذ العيني، أو الفسخ، فإذا كان التنفيذ العيني غير ممكن أو ممكن ولم يطلبه المستأجر فله أن يطلب فسخ العقد، ، ويجوز للمستأجر أن يطلب إنقاص بدل الإيجار إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن، أو ممكن ولم يطلبه المستأجر أو طلبه وفيه إرهاق شديد للمؤجر.

والحكم بإنقاص بدل الإيجار هو نتيجة لعدم حكم القاضي بالفسخ باعتبار أن طلب الفسخ غير مبرر، وللمستأجر أيضا أن يمتنع عن دفع الأجر حتى يوقف المؤجر أعمال التعرض وذلك تطبيقا للدفع بعدم التنفيذ بشرط أن يكون التعرض جديا.

ثانيا: التعرض الصادر من الغير.

1 -  التعرض القانوني الصادر من الغير

الأصل أن المؤجر لا يضمن التعرض الصادر من الغير إلا إذا كان مبنيا على سبب قانوني، فهو لا يضمن التعرض المادي من الغير بخلاف التعرض الشخصي الصادر منه. واستنادا إلى نص م.484 ق.م. فانه يتعين على المستأجر إخطار المؤجر بالدعوى المرفوعة من الغير الذي يدعي حقا على العين المؤجرة.

2 - شروط التعرض الصادر من الغير

- يشترط صدور التعرض من الغير وليس من المؤجر وأتباعه وإلا اعتبر تعرضا شخصيا.

- يجب أن يكون التعرض مبنيا على سبب قانوني، أي قائما على ادعاء المتعرض بوجود حق له على العين المؤجرة

- وأن يتعارض مع حق المستأجر.

- يجب أن يقع التعرض بالفعل، كأن يكون التعرض بالاستيلاء على العين المؤجرة ويخرج المستأجر منها أو يشرع في إقامة بناء على العين المؤجرة أو يرفع دعوى استرداد على المؤجر مدعي أنه المالك الحقيقي للعين.

- يجب أن يقع التعرض أثناء مدة الإيجار.

وعليه إذا تحققت هذه الشروط فان المؤجر يكون ضامنا للتعرض باعتباره التزام أصلي وليس ثانوي، وذلك بقوة القانون.

4 - ضمان التعرض الصادر من الغير

في حالة وقوع تعرض من الغير كان على المستأجر وفقا للمادة 484 ق.م. أن يبادر إلى إخطار المؤجر بوقوعه، فإذا حدث التعرض في صورة دعوى مرفوعة على المستأجر يجب على المؤجر أن يتدخل في هذه الدعوى وللمستأجر أن  يبقى في جانب المؤجر في هذه الدعوى لمراقبته ومساعدته وكذلك يستطيع الخروج من الخصومة .

 إذا نجح المؤجر في دفع التعرض، فلا يكون مسئولا عن تعويض الأضرار التي أصابت المستأجر لأنه حقق نتيجة التزامه وما على المستأجر إلا الرجوع بالتعويض على المتعرض نفسه، وإذا لم ينجح المؤجر في دفع التعرض فانه يكون ملتزم بضمان الاستحقاق، حيث يجوز للمستأجر طلب فسخ العقد إذا كان نقص المنفعة بسبب التعرض يبرر الفسخ، وله أن يطلب إنقاص بدل الإيجار فيحكم له القاضي بذلك في حدود ما نقص من منفعة العين، وللمستأجر أن يطلب تعويضا من المؤجر عن الضرر الذي أصابه من نقص في المنفعة.

صور التعرض الصادر من الغير.

1 - التزاحم : قد يحدث تزاحم عدة مستأجرين لعين واحدة أي يترتب عن هذا التزاحم وجوب تفضيل أحد المستأجرين مما يوجب ضمان استحقاق للباقين. وتقضي المادة 485 من القانون المدني الجزائري على أنه في حالة تعدد المستأجرين لعين واحدة تكون الأفضلية لمن كان له عقد سابق في ثبوت التاريخ على العقود الأخرى لأن الإيجار ثابت التاريخ يحتج به على المستأجر اللاحق. ولكن إذا كان للعقود نفس التاريخ تكون الأولوية لمن حاز الأماكن. فأساس التفضيل هو الأسبقية في استيفاء الحق ووضع اليد.

2-  صورة التعرض الصادر من الحكومة

قد يحدث أن تقوم السلطات الإدارية بمقتضى القانون بأفعال تعتبر تعرض للمستأجر حيث ينقص الانتفاع من العين المؤجرة كأن تقوم بنزع الملكية أو بالهدم أو الاستيلاء المؤقت مما يستدعي إخراج المستأجر والإنقاص من الانتفاع. والتعرض الصادر من الحكومة يكون في حدود القانون إذ لا تقوم بتعسف في مباشرة سلطاتها. ولا يمنح للمستأجر أن يرجع بالتعويض على المؤجر إلا إذا صدر بسبب يكون المؤجر مسؤولا عنه.

 مثال: يكون المؤجر قد أهمل في صيانة العين حتى آلت إلى السقوط مما اضطرت الإدارة إلى هدمها

إلا أن المادة 486 من القانون المدني الجزائري ليست متعلقة بالنظام العام بحيث يجوز الاتفاق على تحقيق مسؤولية المؤجر أثناء التعاقد وذلك باشتراط المؤجر بعدم تحمل تبعة تعرض الحكومة. وإذا وقع التعرض فعلاً، فلا يرجع عليه المستأجر بإنقاص بدل الإيجار أو الفسخ أو التعويض على أساس الشروط التعاقدية.

ثالثا : التعرض المادي الصادر من الغير

تقرر المادة 487 من القانون المدني الجزائري مبدأ عدم ضمان المؤجر للتعرض المادي الصادر من الغير، ويشترط لإنطباق هذا الحكم أن يكون التعرض من الغير، فلا يكون هو المؤجر أو أحد أتباعه. ويشترط أن يقع التعرض بعد تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر. وأخيرا يشترط أن يكون التعرض مادياً لا يقوم على سبب يدّعيه الغير.

وبمقتضى نص المادة المذكورة سابقاً، فإن المستأجر يعتبر حائزاً يجوز له أن يحمي حيازته بكل دعاوي الحيازة، فيجوز له أن يرجع على المتعرض بدعوى استرداد الحيازة إذا حاز الغير العين المؤجرة أو بدعوى منع التعرض أو بدعوى وقف الأعمال الجديدة التي يقوم بها الغير ويجوز للمستأجر فوق ذلك أن يرجع على المتعرض بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء التعرض. إذاً، فالتعرض المادي الصادر من الغير لا دخل للمؤجر بهذه الأحوال.

المطلب الرابع : التزام المؤجر بضمان العيوب الخفية وتخلف ضمان العيب

تقضي المادة 488 من القانون المدني الجزائري على أن المؤجر ملزم بضمان العيوب الخفية في العين المؤجرة باستثناء العيوب التي جرى العرف التسامح فيها، ومن شروط تطبيق هذه القاعدة:

1 - يجب أن يكون العيب مؤثرا لأن المؤجر لا يضمن كل عيب يجعل الانتفاع بالعين أقل ملائمة للغرض المقصود منه، وعليه يجب أن تكون العين صالحة لأداء الغرض المتفق عليه، وكذلك فان المؤجر يتعهد بوجود صفة معينة في العين، فإذا لم يوجد اشتراط من المستأجر بخصوص نوع الانتفاع المطلوب فان العيب يتحقق إذا كانت حالة العيب تتنافى مع الفطرة السليمة وهي مسألة موضوعية

2 -  يجب أن يكون العيب خفيا

3- يجب أن يكون العيب قديما

 

 

 



[1]-  قاعدة ( العبرة في العقود في المقاصد والمعاني لا الألفاظ و المباني ) هي قاعدة فقهية يراد منها  أنَّ عقود البيع والشراء وغيرها وإن كانت تتم بالألفاظ والمباني، فإنَّ المعتبر في هذه العقود هو قصد ونية المتعاقدين، لا مجرد الألفاظ التي يتلفان بها،  فإذا أبرم امرؤ عقداً مع آخر فصحته أو آثاره المترتبة على العقد تكون بالقصود أو بالمقاصد، وبالبواطن لا بالظواهر، وبما يريده المتعاقدان لا بمجرد الألفاظ.( علي حيدر تعريب فهمي الحسيني، درر الحكام شرح مجلة الأحكام ، دار الجيل ، بيروت، ط 1 ، 1991 ، ج 1 ، ص 21 )

[2] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 8 .

[3] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 9 .

[4]  ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 386 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 407 – وفي التقنين المدني العراقي المادتين 506 – 507 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 372

[5] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 19 .

[6] نقلا عن محمد حسنين ، عقد البيع في القانون المدني الجزائري ، ص 09 .

[7] الكاساني ، بدائع الصنائع ، ج  5 ، ص 133 .

[8] محمد سكحال المجاجي، أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي، دار ابن حزم ، بيروت ، ط 1 ، 2001 ، ص 14 .

[9] ابن عرفة ، المختصر الفقهي ، ج 5 ، ص 79 .

[10] الشربيي ، مغني المحتاج ، ج 2 ، ص 2 .

[11] ابن قدامة ، المغني ، ج 3 ، ص 559 .

[12] محمد سكحال المجاجي، أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي، دار ابن حزم ، بيروت ، ط 1 ، 2001 ، ص 14 .

[13] الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1994 ، ج 2 ، ص 2 .

[14] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 23 -24 .

[15] تنص المادة على : ( إن العقود المنشئة أو الناقلة أو المسقطة لحق الملكية أو الحقوق العينية الأخرى المترتبة على  السفن أو حصصها يجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند رسمي صادر عن الموثق، يتضمن نوع السفن وسعتها ومداخلها ومخارجها وأسماء مالكيها السابقين وبقدر الإمكان طابع وتاريخ عمليات نقل الملكية المتعاقبة ، ويكون قيدها إلزاميا في سجل السفينة )  أمر رقم 76 / 80 في 23 أكتوبر 1976 المتضمن القانون البحري جريدة رسمية رقم 29 في 09 أفريل 1979 .

[16] المادة  413 من القانون المدني الجزائري.

[17] المادة 549 من القانون المدني الجزائري.

[18] تنص المادة 658 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني على ما يأتي : ((  يجوز في الاستصناع أن يقتصر الصانع على تقديم عمله فقط ، فيقدم صاحب الأمر المواد عند الاقتضاء ، كما يجوز له أيضا أن يقدم المواد مع عمله، على أنه إذا كانت المواد التي يقدمها الصانع هي الموضوع الأصلي في العقد ولم يكن العمل إلى فرعا ، كان هناك بيع لا استصناع ))

[19] السنهوري ، ج 4 ، ص 28 .

 [20]  السنهوري ، ج 4 ، ص 28 .

[21] المادة 467  من القانون المدني الجزائري.

[22] السنهوري، الوسيط ، ج 4 ، ص 23 ( الهامش رقم 2 )

[23] المادة 571 من القانون المدني الجزائري.

[24] المادتان 73 و 74 من القانون المدني الجزائري.

[25] المادة 948 من القانون المدني الجزائري

[26] العقود العينية هي العقود التي لا يكفي لانعقادها تبادل الإيجاب والقبول بل يجب أن يتم تسليم العين  لينعقد العقد ( عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط ، نظرية الالتزام ) ج 1 ، ص 153

[27] المادة 202 من قانون الأسرة الجزائري: " الهبة تمليك بلا عوض " و تنص المادة 206 من نفس القانون على ما يلي : " تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم بالحيازة .

[28] القانون السويسري في الرهن الحيازي و القانون الألماني في القرض ورهن الحيازة.

[29] يرى الفقه الشافعي أن الهبة لا تنعقد إلا بالتسليم .

[30] السنهوري، الوسيط ، ج 1 ، ص 138 .

[31] المادة 60 من القانون المدني الجزائري .

[32] المادة  65  من القانون المدني الجزائري

[33] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 50 .

[34] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 51 .

[35] قانون رقم 05/10 مؤرخ في 20 يونيو 2005م المعدل للقانون المدني الجزائري.

[36] السنهوري، الوسيط ، ج 4 ، ص 80.

[37] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 118 .

[38] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 123 .

[39] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 124 .

[40] السنهوري، الوسيط ، ج 4 ، ص 125 .

[41] السنهوري، الوسيط ، ج 4 ، ص 210 .

[42] محمد حسنين ، عقد البيع في القانون الجزائري ص 43 .

[43] المادة  92 فقرة 2 من القانون المدني الجزائري.

[44] المادة 92 فقرة من القانون المدني الجزائري .

[45] المادة 23 من قانون 91/10 المتعلق بالوقف

[46] المادة 397  من القانون المدني الجزائري

[47] الأمر 76/105 مؤرخ في 09 ديسمبر 1976 المتضمن قانون التسجيل .

[48] السنهوري ، الوسيط ، ج 1 ، ص 347 .

[49] السنهوري ج 1 ، ص  348 .

[50] السنهوري ، الوسيط ، ج 1 ، ص  368 .

[51] السنهوري ، الوسيط ، ج 1 ، ص 369 – 370 .

[52] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 353 .

[53] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 370 .

[54] السنهوري ، الوسيط ، ج 4 ، ص 372 – 373 .