جامعة زيان عاشور بالجلفة

كلية الحقوق والعلوم السياسية

قسم العلوم السياسية

 

 

 

 

النظم الانتخابية والحزبية

محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس جذع مشترك علوم سياسية

 

 

 

إعداد الأستاذ:

الدكتور قيرع سليم

 

 

 

 

تقديم:

السياسة هي حقل دراسي في العلوم السياسية يختص في دراسة ومعرفة وتفسير الظاهرة السياسية التي تتخذ مكانا لها في إطار النظم السياسية للدول، تمييزا لها عن حقل العلاقات الدولية الذي يدرس الظاهرة السياسية بين الدول.

في سياق ذلك، فالسياسة المقارنة يعرفها ماهلر بأنها "دراسة مقارنة للسياسات، تبحث عن التشابهات والاختلافات بين الظواهر السياسية، ويتضمن ذلك (المؤسسات المجالس التشريعية، الأحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة...)، والسلوك السياسي (الانتخابات، المظاهرات...)، والأفكار السياسية (الليبرالية، الماركسية...)".

ويعرف فريمان السياسة بأنها "تحليل مقارن للأشكال المختلفة للحكومات". ونفس التعريف نجده عند كورتيس حيث يعرفها بأنها "تهتم بالانتظام ذات المدلولات من حيث دراسة التشابهات والاختلافات في كيفية اشتغال المؤسسات السياسية والسلوك السياسي"، وقد يكون ذلك أيضا مبلور في إطار فكر سياسي معين.

لكن، نرى بأن أشمل تعريف هو الذي قدمه شارما مانوج بأن السياسة المقارنة هي دراسة آليات التسوية المؤسسية والتحليل للعوامل غير المؤسسية والسياسية في تحديد السلوك السياسي، الأبنية والوظائف في النظام السياسي" والذي يعني بدوره حسب موريس دوفرجي "المجتمعات الكلية، أي النظم الاجتماعية التي تندمج فيها، وتخضع لها سائر التنظيمات والمجموعات الاجتماعية الفرعية الموجودة على إقليم معين مع العلم بان هذه النظم الاجتماعية الكلية أو هذه النظم السياسية قد تطورت عبر التاريخ من القبيلة إلى الدول المدينة، إلى الأشكال الإمبراطورية للدول، مرورا بالنظم الإقطاعية إلى نمط الدولة الأمة. ولذا فالكلام عن النظام الاجتماعي يشمل النظام السياسي بمعنى النسق السياسي الذي يختص في توزيع القيم داخل المجتمع، أو يمارس وظيفة السلطة والإكراه على بقية الأنساق الأخرى حسب دافيد استون.

وفي النظم السياسية الحديثة تعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابي من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام يسعى إلى تحقيق الديمقراطية، ففي غالب الأحيان يترتب على انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية، ذلك أن النظم الانتخابية المنتقاة تتميز غالبا بالديمومة. وعلى الرغم من أن انتقاء النظم الانتخابية داخل النظام السياسي يتم من خلال عملية مدروسة تتلاءم مع الأهداف المرجو تحقيقها منها، إلا أن ذلك لم يتحقق لدى جميع الدول، ففي كثير من الأحيان تتم عملية الانتقاء تبعا لتزامن مجموعة من الظروف غير الاعتيادية، أو استجابة لميول شائع، أو بسبب تحول تاريخي مفاجئ، دون أن ننسى مسائل الإرث الاستعماري وتأثير المحيط.

لقد عرف النظام الانتخابي تطورا ملحوظا، فظهرت أشكاله الحالية كعصارة لمجهود فكري، وانعكاس لممارسات سياسية عديدة، وما يميزه أنه الآلية الحاسمة حول تولي وانتقال السلطة، حيث أن المحكومين هم من يقومون بعملية الاختيار بين مجموعة من المترشحين تتيح لهم في الغالب خيارات متعددة، هذا ما جعل النظام الانتخابي يبرز كآلية تقبل بها كل الفئات لإسناد السلطة إلى الفائز في الانتخابات الرئاسية، أو البرلمانية أو المجالس البلدية.

إن انتقاء نظام انتخابي معين هو ما يحتاج إليه النظام الديمقراطي الناشئ، فقد يتم اختيار نظام انتخابي ما، أو تغيير النظام الانتخابي المتبّع نتيجة تأثر النظام السياسي القائم بأزمات سياسية حاصلة فيه، وحتى في غياب تلك الأزمات فقد يعمل مؤيدو الإصلاح السياسي على وضع مسألة تغيير النظام الانتخابي على الأجندة السياسية في بلد ما، وعادة ما تتأثر القرارات المتخذة لتغيير النظام الانتخابي المعتمد، أو الإبقاء عليه، بعاملين اثنين هما:

- افتقاد القوى السياسية الموجودة داخل النظام للدراية الكافية حول النظم الانتخابية وما يترتب عنها، مما ينتج عنه غياب وعي كامل حول مختلف الخيارات المتوفرة، والنتائج المترتبة على كل خيار.

- استغلال القوى السياسية لدرايتها بتفاصيل النظم الانتخابية للدفع باتجاه اعتماد نظم يعتقدون بأنها تتلاءم بشكل أفضل مع مصالحهم الحزبية.

ويمكن أن تنتج عن عملية انتقاء النظام الانتخابي تبعات لم تكن في الحسبان لحظة الاختيار، لذلك قد لا تكون الخيارات المتخذة هي الأفضل لصحة الحياة السياسية على المدى الطويل، وقد ينتج عنها أحيانا تبعات قد تكون كارثية بالنسبة للعملية الديمقراطية.

ضمن هذا السياق، فإن النظام الانتخابي يعكس في الأصل التطور الديمقراطي للدول، باعتباره آلية كفيلة باستيعاب مختلف القوى السياسية وتنظيم مشاركتها في الحياة السياسية، ما جعل هذا النظام يحتل مكانة بارزة في الديمقراطيات الحديثة. وقد اهتم بهذا فقهاء السياسة والقانون الدسـتوري وصدرت تشريعات منظمة لأحكامه، حتى أصبح مجاله يمثل نظاما مستقلا بذاته. ليس هذا وحسب، بل نجد أغلب الدول على اختلاف أنظمتها السياسية تجعله في المقام الأول لإسناد السلطة على مختلف مستوياتها إلى الأشخاص الذين تم اختيارهم من طرف المواطنين.

I. تأصيل نظري لفكرة الانتخاب

يعد التأصيل النظري للدراسة في مجال العلوم السياسية المنطلق الفكري الذي يتم من خلاله التعرف على الظواهر السياسية على اختلاف أنواعها، وحيث أن موضوع الانتخابات أضحى من الموضوعات التي اهتم بها المفكرون، على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم، فقد تفرعت عنه اتجاهات متباينة في معالجته.

1. ماهية النظام الانتخابي

1.1. التعريف بالنظام الانتخابي والمبادئ التي يقوم عليها

أ. تعريف النظام الانتخابي:

اعتمدت أغلب الدراسات التي اهتمت بموضوع النظم الانتخابية على مقاربتين اثنتين، الأولى تحليلية تعتبر النظم الانتخابية مرتبطة بشدة بالسياق السياسي، الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وما ينعكس من تلك السياقات على الممارسات السياسية والمتعلقة أساسا بعمليات اختيار الحكام وانتقال السلطة. والثانية لها ميزة تطبيقية، حيث تهتم بالأبعاد الإستراتيجية للنظم الانتخابية في مختلف الصراعات السياسية.([1])

ولقد تعددت التعريفات بخصوص النظام الانتخابي، حيث عرفه أندريو رينولدز Andrew Reynolds بأنه: "ذلك النظام الذي يعمل على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد من المقاعد التي يفوز بها المرشحون المشاركون فيها"، وربطه بالمتغيرات التالية:

- الصيغة الانتخابية (أغلبية، نسبي، مختلط)

- المعادلة الرياضية المستعملة (طريقة حساب توزيع المقاعد)

- هيكلة الاقتراع (التصويت على الحزب أم على المرشح، عدد الخيارات، عدد الدوائر الانتخابية...).

وفي نفس السياق عرفت بيبا نوريس Pipa Norris النظام الانتخابي بأنه: "أداة تحدد كيفية حساب الأصوات وتحويلها إلى مقاعد".([2])

وفي تقرير اللجنة الأوربية من أجل الديمقراطية اعتمد الباحث الفرنسي كريستوف بروكي Christof Brocki في دراسته للنظم الانتخابية على التعريف التالي: "النظام الانتخابي هو مجموعة القواعد التي تنظم عملية الإدلاء بالأصوات أثناء الانتخابات وتحويل تلك الأصوات إلى مقاعد"([3]).

وربط النظام الانتخابي بما يلي:

- العناصر الضرورية لتنظيم وسير العملية الانتخابية

- قواعد المرتبطة بحساب الأصوات وتوزيع المقاعد.

وهناك اتجاه آخر يبرز في مجموعة من الباحثين الذين اهتموا بدراسة النظم الانتخابية، وهم ينتقدون الأبحاث والتحاليل التي تركز على الصيغة الانتخابية وتأثيراتها، بل يجب -في نظرهم- دراسة القواعد الانتخابية بتركيباتها. وانتقد هؤلاء الباحثون التعريف الذي يعتبر أن القاعدة الانتخابية هي الوسيلة التي تمكن القوى السياسية من المساهمة في عملية التشريع والتنفيذ، وتسيير مواردها المتمثلة في الناخبين ومصالحهم، إذ يرون أن هذا التعريف فضل القواعد المرتبطة مباشرة بالصيغة الانتخابية، في حين أهمل بعض القواعد المهمة مثل الحق في الانتخاب، شروط الترشح والتسجيلات الانتخابية... وغيرها.

ب. مبادئ النظام الانتخابي:

من أهمها ما يلي:

- التمثيل: تتمثل المهمة الرئيسية للنظام الانتخابي في ترجمة أصوات الناخبين إلى مقاعد تمثيلية، أي ترجمة الرغبات التي يعبر عنها الناخبون إلى أفراد يمثلون تلك الرغبات.

- الشفافية: من الضروري أن تتمتع إجراءات وتفاصيل النظام الانتخابي بأعلى مقدار من الشفافية، بحيث تكون واضحة كل الوضوح لكل من الناخبين، والأحزاب السياسية، والمرشحين، منذ البداية، وذلك للحيلولة دون وقوع أي ارتباك أو انعدام للثقة في النتائج الناجمة عن النظام الانتخابي.

- الشمولية: يسهم النظام الانتخابي في إتاحة فرص أكبر للمشاركة، استنادا على اعتباره نظاما عادلا وشرعيا كلما تم النظر إليه على أنه يعمل بطريقة شاملة بحيث لا يستثني أحد.

2.1. تصميم وهندسة النظام الانتخابي

يستخدم مفهوم الهندسة من طرف الباحثين في العلوم السياسية ليدل على الإبداع والابتكار في الحقل السياسي([4])، ومع ظهور مفهوم الهندسة تطورت بعض النظم الأخرى كمفهوم إعادة الهندسة، الذي تم تطبيقه على مستوى المنظمات الإدارية بصيغة إعادة هندسة العمليات الإدارية، والتي تعني إعادة التصميم السريع والجذري للعمليات الإدارية والإستراتيجية بهدف تعظيم تدفقات العمل، وزيادة الإنتاجية بشكل أكبر. هذا المفهوم تم تعميقه في مجالات الإدارة وطبقته المنظمات المعاصرة كمنهج جذري إبداعي يهدف إلى التحقيق الأمثل للأداء وللأهداف، ومن ثم انتقل إلى العلوم الأخرى ومنها العلوم السياسية.

وعموما، فإن مفهوم إعادة الهندسة مرتبط بالتغيير السياسي، ولعل استجابة المفهوم لحاجات التغيير السريع للعمليات السياسية، وحركية الفاعلين فيها، هو الذي جعل من المفهوم محل اهتمام، بهدف الحصول على نتائج سريعة ومحددة لاستراتيجيات تعمل على إعادة تكييف العملية السياسية، بإيجاد آليات متجددة تتوافق ومتطلبات الحياة السياسية. ويستطيع مفهوم الهندسة الانتخابية، أن يقدم لنا المرتكزات الأولية لمناقشة موضوع التجديد أو الابتكار الانتخابي، فالهدف من الهندسة الانتخابية هو الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجتمع وكل عملية ديمقراطية، لتقديم الحلول العميقة لتجاوز الثغرات أثناء الممارسة الانتخابية.

أ. معايير تصميم النظم الانتخابية:

من أجل العمل على تصميم النظام الانتخابي، يفضل الانطلاق من وضع قائمة من المعايير لتلخيص ما يراد تحقيقه، وما يراد تفاديه، والشكل الذي يراد لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تكونا عليه. وتغطي قائمة المعايير المدرجة هنا كثيراً من القضايا، إلا أنها ليست شاملة حيث يمكن إضافة معايير أخرى قد لا تقل أهمية عما ورد هنا. فمعرفة الغاية من النظام الانتخابي هي المتحكم الأساسي في عملية صياغته، حيث توضع المعايير التي تستجيب لتحقيق الهدف المطلوب إنجازه، ويزداد الأمر تعقيدا عندما تتعدد الغايات المطلوب تحقيقها، فاختيار أو تغيير النظام الانتخابي من أجل الاستجابة لتحقيق الأهداف المطلوبة، يكون وفقا للأسس التقنية الدقيقة التي تؤمن هذه الغايات بدقة([5]).

وقد نجد أن بعض المعايير تتقاطع مع بعضها البعض، وقد تبدو متناقضة فيما بينها، حيث أن المقايضة بين مجموعة من الرغبات والأهداف المتضاربة عادة ما تدخل في صلب أية عملية من هذا القبيل، ونركز هنا على معايير النظم الانتخابية بحد ذاتها والتي تتمثل أساسا في:

- تحقيق مستويات التمثيل: يمكن للتمثيل أن يأخذ الأشكال التالية:

الأول، جغرافي ويعني حصول كل منطقة، سواء كانت بلدة أو مدينة، أو محافظة أو دائرة انتخابية، على ممثلين لها في الهيئة التشريعية، يتم انتخابهم من قبل تلك المنطقة.

الثاني، إيديولوجي متصل بمجتمع ما والذي قد يبرز في الهيئة التشريعية، من خلال ممثلين عن الأحزاب السياسية أو مستقلين أو خليط منهما.

والثالث، ويتمثل في انعكاس الواقع الحزبي-السياسي القائم في بلد ما داخل تركيبة هيئته التشريعية.

وقد اعتبر بيار مارتان Pierre Martin أن عدالة التمثيل للنظام الانتخابي يمكن أن تتجسد في المؤشرات الثلاثة التالية([6]):

  • التمثيلية: أي ما مدى استطاعة النظام الانتخابي أن يجعل النواب ممثلين للناخبين.
  • التراتبية: تتمثل تراتبية النظام الانتخابي في مدى قدرته على المحافظة على ترتيب المرشحين من حيث المقاعد المحصل عليها بنفس الترتيب من حيث الأصوات.
  • التناسبية: ويقصد بها، هل نسبة المقاعد المخصصة لحزب ما تتناسب مع نسبة الأصوات التي تحصل عليها.

- جعل الانتخابات في متناول الجميع وذات معنى: الانتخابات وإن كانت جيدة وإيجابية، إلا أنها قد تعني القليل للناخبين إذا تعذرت عليهم المشاركة، أو إذا ما شعروا بأن لا قيمة لأصواتهم في التأثير في طريقة إدارة الشأن العام في بلدهم.[7]

- تمكين الحكومات من التمتع بالاستقرار والكفاءة: لا يمكن القول بأن النظام الانتخابي وحده يضمن استقرار الحكومات وعملها بكفاءة، إلا أن نتائجه تسهم، بما لا يدع مجالا للشك، في تحقيق الاستقرار، وذلك إذا تحققت التساؤلات التالية حوله:

  • هل يعتبره الناخبون نظاما عادلا يضمن لهم التمثيل الحقيقي؟
  • هل يفيد النظام لتفادي التمييز ضد أحزاب أو مجموعات محددة؟
  • هل تستطيع الحكومة تنفيذ القانون وإدارة الحكم بكفاءة، ووفقا لبرامج المنتخبين التي ظهرت أثناء الحملات الانتخابية؟

إنه يتعين على النظام الانتخابي أن يعمل بشكل حيادي وبعيد عن التفضيل أو الانحياز إلى أبعد حد ممكن، حيث لا يجب أن يقع النظام في فخ التمييز ضد أية مجموعة سياسية، فالانطباع الذي قد ينتج عن ذلك يكمن في أن السياسات الانتخابية في البلد ليست متزنة، وهذا ما يعتبر مؤشراً على ضعف النظام السياسي ككل، وقد يعني بأن عدم الاستقرار قد أصبح قاب قوسين أو أدنى.

- إخضاع الحكومات والممثلين المنتخبين للمساءلة: تقوم الأنظمة السياسية الديمقراطية على قاعدة مسؤولية الحكومة أمام الناخبين بأكبر قدر ممكن، إذ يجب أن يتمكن الناخبون من التأثير في شكل الحكومة ومضمونها، وذلك إما من خلال تغيير الائتلافات الحزبية الحاكمة، أو من خلال حجب تأييدهم عن الحزب الحاكم عندما يفشل في إدارة الحكم بشكل سليم، ويمكن للنظم الانتخابية المصممة بالشكل الملائم أن تسهم في تحقيق ذلك.

- تحفيز قيام الأحزاب السياسية: يتفق معظم الخبراء على ضرورة أن يقوم النظام الانتخابي على أساس تحفيز وتقوية الأحزاب السياسية القائمة على قيم وإيديولوجيات سياسية رحبة، بالإضافة إلى برامج سياسية محددة، بدلاً من الأحزاب القائمة على طروحات عرقية، أو قبلية.([8])

- ديمومة العملية الانتخابية: لا بد أن يستند اختيار النظام الانتخابي في أي بلد، على قدرات ذلك البلد الإدارية والمالية. وعلى الرغم من اعتياد الدول على تقديم الدعم المالي للانتخابات الأولى، وحتى الثانية، في بلد يمر بمرحلة التحول الديمقراطي، إلا أن ذلك الدعم قد لا يكون متوفراً على المدى الطويل. وعليه، فإن الترتيبات المتعلقة بالنظام السياسي المستدام والمستقر يجب أن تأخذ في الحسبان قدرات البلد المعني من موارد مادية وبشرية.

أما بيبا نوريس  Pipa Norris فقد ركزت على المعايير التالية، والتي يجب أخذها في الحسبان عند الإعداد لنظام انتخابي:

• ضمان حكومة فعالة

• حكومة متجاوبة ومسئولة

• إنصاف الأحزاب الصغيرة

• ضمان التمثيل الاجتماعي.

إن الحديث عن أفضل النظم الانتخابية ومدى ملاءمتها للنظام السياسي الناتجة عنه لفترة زمنية ما، يجرنا إلى الحديث عن مسألة أخرى مرتبطة بتغيير النظم الانتخابية المعتمدة وفقا للأوضاع والمتطلبات. فأحيانا يتم تبني نظام انتخابي معين لفترة زمنية معينة، ثم يتم تغييره أو تعديله.

ب. من يقوم بتصميم النظام الانتخابي:

يتم اعتماد النظم الانتخابية من طرف عدة مجموعات، وبعدة طرق تختلف باختلاف التصورات حوله وباختلاف طبيعة النظم السياسية، نذكر منها:

أولا: قد تتم وراثة النظم الانتخابية دون تعديلات هامة تذكر عن القوة المستعمرة أو المحتلة، مثل مالاوي، ومالي،...

ثانيا: قد تنتج النظم الانتخابية عن مباحثات سلام بين مجموعات محلية تتوافق على إنهـاء حالة صراع أو انقسام في البلد المعني، مثل ما حدث في جنوب إفريقيا، ولبنان، وفي هذه الحالة قد لا تخضع عملية اختيار النظام الانتخابي للجدل والبحث العام، بل تنحصر ضمن دائرة المفاوضات السلمية بين أطراف الصراع.

ثالثا: قد يُفرض النظام الانتخابي من قبل المجموعات القائمة على إعادة بناء النظام السياسي في المرحلة التي تلي انتهاء صراع، كقوات التحالف في العراق سنة 2003، أو المجلس الوطني الانتقالي في أفغانستان.

رابعا: قد تلعب بعض الجهات التابعة للنظام الديكتاتوري المنتهي دورا في تصميم النظام الانتخابي الجديد أثناء المراحل الأخيرة من وجوده أي قبل سقوطه بالكامل، مثلما حدث في التشيلي في عهد "بيونيشة".

خامسا: قد يأتي النظام الجديد نتيجة لأعمال لجنة فنية يتم تشكيلها، إما لغرض الانتخابات بالتحديد كما هو الحال في بريطانيا، أو للعمل على مسائل الإصلاح الدستوري بشكل عام. وقد تؤدي هذه العملية إلى مجموعة من الاقتراحات يتم إخضاعها للاستفتاء العام كما حدث في نيوزيلندا، أو عرضها أمام السلطة التشريعية لاتخاذ القرارات الملائمة بشأنها.

سادسا:  قد يتم تصميم النظام الانتخابي بواسطة مشاركة أوسع لجمهور المواطنين في العملية، وذلك من خلال تشكيل لجان شعبية للبحث فيه.

ج. أهمية تغيير النظام الانتخابي:

استنتج بيار مارتان Pierre Martin عن طريق دراسته للعديد من التجارب المتعلقة بتغيير النظم الانتخابية، أربع ملاحظات ترقى إلى حد القواعد الأساسية نظرا لتكرارها عبر كافة التجارب، وهي([9]):

- النظم الانتخابية هي نتاج لمتغيرات النظام السياسي وليس العكس، رغم التأثيرات الكبيرة للنظام الانتخابي على مكونات النظام السياسي.

- تأييد الأحزاب السياسية لنظم انتخابية معينة أو معارضتها، يكون وفقا لمصالحها الانتخابية.

- اختيار نظام انتخابي معين يكون نتيجة نقاشات واسعة بين القوى السياسية.

- تغيير النظم الانتخابية يكون في الغالب نتيجة أزمات سياسية تعصف بالتصور القائم حول العملية الانتخابية.

إن تغيير نظام انتخابي معين لتبني نظام آخر هي حاجة ملحة، تمليها في غالب الأحيان النقاشات السياسية الناجمة عن أزمات سياسية حادة، تمس بالنظام السياسي في حالات من أبرزها صعود قوى سياسية جديدة معارضة تمتلك قاعدة شعبية قوية، أو سقوط أنظمة سياسية قائمة وحدوث فراغ سياسي يؤسس لمرحلة جديدة من التطور السياسي للدولة، والكلام نفسه يمكن أن ينطبق على الدول التي شهدت أو تشهد تحولا ديمقراطيا، حيث تهتم الأنظمة السياسية القائمة بمسألة تغيير النظام الانتخابي بما يتماشى والمتغيرات الجديدة للحياة السياسية من جهة، ومصالحها الانتخابية من جهة أخرى.([10])

وفي هذا السياق، يقول بيار مارتان أن التحول الديمقراطي الذي تشهده بعض الأنظمة السياسية حاليا، يختلف تماما عن التحول الديمقراطي الذي عرفته فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في القرنين 18 و19. إن التحول الديمقراطي الحالي يفرض على الأنظمة السياسية اختيار نظام انتخابي يأخذ في الحسبان النقاط التالية:

- يجب على النظام الانتخابي الجديد أن لا يجعل أحد أطراف القوى السياسية مقصى لا في التمثيل ولا في اتخاذ القرار.

- يجب على النظام الانتخابي الجديد أن يساهم في تشكيل قوى سياسية منظمة وواضحة للناخبين، مما يساهم في تقوية الشرعية.

- ينبغي أن ينمّي النظام الانتخابي الجديد القوى السياسية الحية والإيجابية في الدولة، وذلك لقيادة التحول الديمقراطي بروح المسؤولية.

- ينبغي على النظام الانتخابي الجديد أن يمكّن الناخبين من التأثير الفعلي على مصير النواب والقوى السياسية في المواعيد الانتخابية.

3.1. صور الانتخاب

حق الانتخاب أو حق التصويت هو الأساس الذي نبني عليه فكرة توضيح صور الانتخاب، رغم أنه ليس دائمًا يكون التصويت حقا، حيث يرى بعض الفقهاء أنه واجب أو وظيفة، وهم الذين يتبنون نظرية سيادة الأمة، وبالتالي، يكون الانتخاب أو التصويت إجباريا، وذلك على عكس ما ذهب إليه أصحاب نظرية سيادة الشعب في أن الانتخاب حق لكل مواطن، وبالتالي، يكون التصويت اختياريا. بناء على ذلك، فإن التصويت يمكن أن يكون عاما أو مقيدا، وهو في شكله العام أو المقيد يمكن أن ينظم بطرق متعددة تظهر في شكلها المباشر أوغير المباشر، والانتخاب الفردي أو الجماعي. وسوف أتناول صور الاقتراع على النحو التالي: ([11])

أ. الانتخاب العام والانتخاب المقيد:

أولا، الانتخاب العام: يقصد به عدم تقيد الانتخاب بشرط النصاب المالي أو بشرط الكفاءة أو بشروط أخرى، وذلك بقصد أن تؤدي إلى المساواة بين المواطنين في معترك الحياة السياسية، ولكي يكون الاقتراع عاما لابد من أن يتوافر فيه ركنان أساسيان هما:

الركن الأول يتعلق بعمومية الانتخاب، حيث يكون الانتخاب عاما عندما يكون غير مقيد بشرط النصاب المالي أو الكفاءة.

الركن الثاني يتعلق بالمساواة في الانتخاب، ويقصد بذلك أن يكون لكل ناخب صوت واحد في دائرة انتخابية واحدة.

ثانيا، الانتخاب المقيد: يكون الانتخاب مقيدا عندما لا يعترف الدستور أو القانون بحق الانتخاب إلا لمن استوفى شرطًا خاصًا إما يتعلق بالثروة (النصاب المالي) أو بالكفاءة. ومنه، فالاقتراع المقيد عادة يكون بإحدى صورتين:

  • الصورة الأولى، تتمثل في الانتخاب المقيد بشرط توفر نصاب مالي: حيث لا يعتبر ناخبًا إلا المواطن الذي يدفع ضرائب مباشرة لا تقل عن مبلغ محدد. ومبرر ذلك: "إن المعدمين لا يهتمون عادة بأمور السياسة، وأن الثروة هي التي تربط بين أصحابها وبين المراكز السياسية، وأن الأغنياء هم الذين يتحملون النفقات العامة".
  • الصورة الثانية، تتمثل في الانتخاب المقيد بشرط الكفاءة: وهو تمتع الأشخاص الذين بلغوا درجة معينة من التعليم بحق التصويت حتى ولو لم تكن لديهم ثروة، وذلك مثل أن يشترط فيهم الحصول على درجات علمية معينة.

ب. الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر:

أولا، الانتخاب المباشر: إذا قام الناخبون بأنفسهم باختيار ممثليهم مباشرة ودون أية وساطة([12]).

ثانيا، الانتخاب غير المباشر: يختار الناخبون أشخاصا يسمون ناخبي الدرجة الثانية، وهؤلاء هم الذين يختارون النواب، بمعنى أن ناخبي الدرجة الأولى لا يختارون الحكام مباشرة وإنما يمنحون توكيلا لعدد منهم للقيام بهذه المهمة([13]).

ج. الانتخاب السري والانتخاب العلني:

أولا، الانتخاب السري: هو أن يقوم الناخب بالإدلاء بصوته دون أن يعرف أحد من اختار، كما أن الناخب ليس مجبر على التصريح بمن سينتخبه، هذه السرية تجعل الفرد أكثر تحررا في عملية الاختيار.

ثانيا، الانتخاب العلني: يكون بطريقة علنية تجعل من الناخب يدلي بصوته علانية أمام أقرانه، وهذا النظام قد يهدم حرية الناخب في اختيار من يمثله في البرلمان، فقد يتعرض الناخب إلى ضغوط في الاختيار.

4.1. الانتخابات التمهيدية

أ. تعريفها:

الانتخابات التمهيدية (تسمى كذلك بالانتخابات الأولية) هي إجراء تمهيدي لاختيار المرشحين لانتخابهم في المناصب العامة، وفيها يقوم الحزب بإجراء انتخابات من بين أعضائه لاختيار الأشخاص الذين سيمثلون حزبهم في الانتخابات العامة القادمة، ويمكن أن يرشح أي عدد من أعضاء الحزب أنفسهم في الانتخاب التمهيدي، ولكن الفائزين فيه فقط هم الذين سيمثلون الحزب في الانتخاب العام.([14])

وعليه، فإن الانتخابات التمهيدية هي الانتخابات التي يضيق فيها المجال للمرشحين لبلوغ الترشح للانتخابات النهائية لتقلد المناصب العامة، خاصة الرئاسية منها، وهي إحدى الوسائل التي تمكّن حزب سياسي ما أو تحالف سياسي من ترشيح أشخاص للانتخابات العامة المقبلة، إما باختيارهم مباشرة عن طريق ما يسمى "التسمية أو التعيين Nomination"، أو عن طريق انتخابهم من طرف القاعدة الحزبية.([15])

تختار الأحزاب مرشحيها في الانتخابات، وتقدمهم للناخبين على أنهم مرشحوا الحزب. والحقيقة تكمن في أن الأحزاب لا تحتكر عملية الترشيح للانتخابات، إذ يوجد بعض المترشحين الذين يتقدمون بأنفسهم إلى الانتخابات كمستقلين، وقد يحرز البعض منهم نجاحا دون تعضيد أي حزب، ولكن في الغالب المرشحين الذين يفوزون في الانتخابات يكونون مرشحين من قبل أحزاب قوية، ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة لعل أهمها أن عملية الدعاية الانتخابية مكلفة جدا، مما يضطر أغلب المترشحين إلى الاعتماد على تمويل الحزب لعملية الدعاية.

وتوجد عدة وسائل لاختيار المرشحين، وهي تختلف باختلاف تركيبة الحزب ونوعه، فأحزاب القلة المختارة والتي تسمى أحزاب "الأطر" تعهد بعملية اختيار المرشحين إلى لجان من الشخصيات البارزة في الحزب ويسمى هذا النظام في الدول الانجلوسكسونية([16]) "Caucus"، وهو يعني أن عملية اختيار المرشحين تقوم بها طبقة أولجارشية ضيقة ومغلقة لتقديمهم للانتخاب التمهيدي داخل الحزب.

أما الأحزاب الجماهيرية فتقوم باختيار ممثليها بوسيلة أخرى تتمثل في عقد مؤتمرات قومية ومحلية، يساهم فيها جميع أعضاء الحزب ويتم في تلك المؤتمرات اختيار مرشحي الحزب عن طريق الانتخاب التمهيدي، مما يؤدي إلى تحقيق الديمقراطية داخل الحزب. ويعتبر هذا النظام جيدا ومجديا إذا كان عدد أعضاء الحزب كبيرا، ولكنه يكون معيبا إذا كان عدد أعضاء الحزب قليل بالنسبة لعدد الناخبين.([17])

ب. أنواع الانتخابات التمهيدية:

- الانتخابات التمهيدية المباشرة وغير المباشرة: الانتخابات الأولية المباشرة يقوم عدد من الأشخاص الراغبين في ترشيح أنفسهم بتقديم التماس لتسجيل أسمائهم للاقتراع. وهنا يقوم الناخبون بالاقتراع مباشرة لاختيار مرشحهم. أما في الانتخاب غير المباشر فيقوم أعضاء الحزب بالاقتراع على المندوبين الذين يحضرون مؤتمر الحزب، حيث يقومون بعملية اختيار المرشحين.

- الانتخابات التمهيدية المفتوحة والمغلقة: يُعتبر الانتخاب مغلقًا حينما يتعين على الناخب أن يختار من حزب ما، إما عند تسجيله للاقتراع أو خلال الاقتراع نفسه، ويقوم أعضاء الحزب بالاقتراع على مرشحين من حزبهم فقط، أما الانتخاب من النوع المفتوح، فيه يختار الناخب مرشحين من أحزاب مختلفة.

2. تصنيف النظم الانتخابية

استعان العديد من الباحثين في تصنيفهم للنظم الانتخابية بمقاربتين أساسيتين، تتمثل الأولى في المقاربة "القانونية – الدستورية" التي اعتمدت في تصنيفها على اعتبار النظام الانتخابي آلية فقط لتحويل الأصوات إلى مقاعد، أما الثانية فتتمثل في المقاربة "التحليلية" التي اعتمدت على عامل تأثيرات النظام الانتخابي على المجال السياسي والاجتماعي، غير أن هذا الاختلاف لم ينعكس بقوة على التمييز بين النظم الانتخابية.

وعليه، فإن المعايير الأساسية في تصنيف النظم الانتخابية، يمكن تحديدها في النقاط الأربعة التالية:

- حجم الدائرة الانتخابية.

- طرق التصويت (قوائم حرة مغلقة أم مفتوحة).

- حدود أو نسبة الحسم (النسبة من الأصوات التي تمكن الحزب السياسي من حيازة مقعد).

- الصيغة الانتخابية (صيغة حساب الأصوات).

ويقول أندري بول فرونيي Frognier André-Paul: "إنه لا يمكننا اختزال النظام الانتخابي في الصيغة الانتخابية لحساب الأصوات، لأنه في الحقيقة أوسع من ذلك، يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار كل المكونات الأخرى للنظام الانتخابي من جهة، وتأثيراتها السياسية من جهة أخرى".

وفي عالم اليوم، نجد العديد من الدول اعتمدت أنماطا مختلفة للنظم الانتخابية وهناك العديد من التصنيفات أيضا، ويعتبر أبرز تصنيف ذلك الذي قسمها إلى ثلاث عائلات كبرى، تحتوي كل واحدة منها على أنواع من النظم الانتخابية، وهذه العائلات تتمثل في نظام الأغلبية، نظام التمثيل النسبي، والنظام المختلط.

1.2. نظام الأغلبية

أ. تعريف نظام الأغلبية:

يعرف كوتيري جين ماري Cotteret Jean marie نظام الأغلبية بأنه: "أسلوب اقتراع يفوز بموجبه المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات"([18])،

ب. فروع نظام الأغلبية:

يتفرع نظام الأغلبية إلى خمسة فروع، نفصل فيها كالآتي:([19])

- نظام الفائز الأول: يعتبر نظاماً بسيطا ويؤدي إلى إفراز ممثلين يدينون بالفضل للمناطق المحددة جغرافيا، ومن أكثر مميزاته نجد أنه:

- يسهل عملية الاختيار وهذا ما أسماه فيليب برو وضوح الرهانات.([20])

- ينتج عن هذا النظام حكومة الحزب الواحد الفائز، مما يجعلها أكثر قوة واستقرارا.

- يؤدي إلى ظهور معارضة برلمانية متماسكة، وذلك لعدم تواجدها في الحكومة.

- يستبعد الأحزاب المتطرفة من التمثيل البرلماني، فإذا لم يكن الدعم الانتخابي لحزب أقلية متطرفة متمركزا جغرافيا، فإنه من غير المحتمل أن يفوز بأي مقعد نيابي في ظل نظام الفائز الأول، وهذا عكس ما يحدث في نظام التمثيل النسبي، حيث يمكن للمتطرفين أن يتجمعوا على الصعيد الوطني، ويضمنوا التمثيل في البرلمان وهو ما يسمى بالتحالف.

- يعزز وجود صلة بين الناخبين وممثليهم.

- يسمح هذا النظام للناخب في أن يختار بين أشخاص المرشحين بدلا من المفاضلة فقط بين اللوائح أو الأحزاب المتنافسة، مما يقلل من التأثير الكبير للأحزاب السياسية في تحديد المرشحين.

- يتيح هذا النظام فرصة انتخاب مرشح مستقل.

- أخيرا، وضوحه وسهولة تطبيقه، حيث أن الصوت الصحيح لا يتطلب سوى وضع علامة واحدة بجانب إسم مرشح واحد، وحتى إذا كان عدد المرشحين في ورقة الاقتراع كبيرا، فإنه من السهل عد الأصوات من طرف المكلفين بذلك.

- نظام تصويت الكتلة: إن تصويت الكتلة بكل بساطة يعني استخدام تصويت الفائز الأول في دوائر متعددة العضوية، يمتلك كل ناخب عددا من الأصوات يماثل عدد المقاعد الشاغرة، وعادة ما يتمكن الناخبون من حرية التصويت للمرشحين بصورة فردية، بغض النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه. وهذا النوع من التصويت شائع في البلدان التي تمتلك أحزابا ضعيفة. في سنة 2004 استخدم هذا النظام في كل من جزر كايمان، الكويت، لاوس، لبنان، المالديف، فلسطين، سوريا، الأردن، تايلاند، والفلبين...، ولكن تم الاستغناء عنه حاليا في كل هذه البلدان نتيجة القلق إزاء النتائج التي أسفر عنها.­

يسمح هذا النظام للناخبين بالتفضيل ما بين الناخبين من المترشحين الفرديين، وفي الوقت نفسه، يعمل على زيادة دور الأحزاب مقارنة بنظام الفائز الأول، كما أنه يرفع من قدرتها التنظيمية وتماسكها.

- نظام تصويت الكتلة الحزبية: خلافا لنظام الفائز الأول، هناك دوائر متعددة العضوية تحت نظام كتلة التصويت الحزبية، ويختار الناخبون بين قوائم مرشحي الأحزاب بدلا من الأفراد، والحزب الذي يفوز بأكبر عدد من الأصوات يأخذ كل المقاعد في الدائرة الانتخابية.

- نظام التصويت البديل: تجري الانتخابات بنظام التصويت البديل في دوائر منفردة العضوية، على الشكل الذي تكون عليه في ظل نظام الفائز الأول، إلا أن نظام التصويت البديل يعطي خيارات أكبر عند ملء ورقة الاقتراع، ولا بد من إشارة الناخب إلى المرشح المفضل، حيث يقوم الناخب في نظام التصويت البديل بترتيب المرشحين طبقا لاختياراته عن طريق كتابة رقم (1) لأفضل مرشح، ورقم (2) لاختياره الثاني، ورقم (3) على الاختيار الثالث، وبذلك يمكن للناخبين التعبير عن اختيارهم المفضل من بين المرشحين، ولا يكتفوا بذكر الاختيار الأول فقط، ويعرف هذا النظام في البلدان التي تستخدمه باسم التصويت التفضيلي.

- نظام الجولتين: إن أغلب أشكال نظام الجولتين تستخدم نظام الفائز الأول، ولكن من الممكن أيضا استخدام نظام الجولتين في المناطق متعددة العضوية باستعمال نظام كتلة التصويت، فالمرشح أو الحزب الذي يحصل على نسبة معينة من الأصوات ينتخب مباشرة دون الحاجة إلى إجراء اقتراع ثاني، أما إذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية مطلقة تجرى جولة ثانية من التصويت، ويتم إعلان الفائز في الجولة الثانية باعتباره منتخبا.

وتختلف تفاصيل إدارة الجولة الثانية عند التطبيق من دولة إلى أخرى، والطريقة الأكثر شيوعا هي التي تُجرى مباشرة بين الفائزين اللذين حصدا أعلى الأصوات في الجولة الأولى، ويسفر نظام الانتخاب هذا عن نتيجة تتسم بالأغلبية، ويحصل فيها أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات ويتم الإعلان عنه باعتباره الفائز، غير أن نظام الجولتين يحمل العديد من المساوئ تبرز في أنه ينتج ضغطا كبيرا على إدارة الانتخابات خاصة وأن قاعدة إلزامية الحصول على الأغلبية المطلقة (نصف الأصوات زائد صوت) في الجولة الأولى يتم التخلي عليها في الجولة الثانية، هذا ما يزيد من التكاليف المادية لإجراء الانتخابات، ناهيك عن الوقت الكبير بين البدء في الانتخابات لغاية إعلان النتائج.

2.2. النظام النسبي

أ. تعريف النظام النسبي:

يعرف التمثيل النسبي بأنه نظام انتخابي يقوم على أساس التنافس الحر بين لوائح أو تكتلات سياسية في دوائر انتخابية كبرى، بحيث تفوز كل لائحة بعدد من المقاعد النيابية مساوي للنسبة المئوية التي تنالها من مجموع أصوات عدد المقترعين.([21])

يعتمد هذا النظام على الاقتراع بالقائمة في دوائر واسعة وكبيرة، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي، وتقوم جميع أنظمة التمثيل النسبي للحزب على مجموع الأصوات الوطنية وحصته من المقاعد. وعليه، فإن الحزب الرئيسي الذي يحصد 40 في المائة مثلا من الأصوات يجب أن ينال نسبة مساوية لها تقريبا من المقاعد، وغالبا ما يعد استخدام القوائم الحزبية كأفضل وسيلة لبلوغ النسبية، وفي إمكان كل حزب أن يقدم إلى الناخبين قائمة من المرشحين على المستوى الوطني أو الإقليمي. يعمل هذا المبدأ على تعزيز ثقة مختلف الأحزاب بالنظام الانتخابي وبالتالي تأييدهم له([22]).

ب. فروع النظام النسبي:

- نظام التمثيل النسبي على أساس القائمة: أغلب الدول التي تعتمد التمثيل النسبي، نجدها تتبع النظام النسبي على أساس اللائحة أو القائمة، وهذا الأسلوب هو أسهل أساليب التمثيل النسبي إعمالا، بحيث يتقدم كل حزب بقائمة مرشحين، ويصوت الناخبون لصالح الحزب أو القائمة، ويكون لكل طرف عدد من المقاعد يساوي نسبة الأصوات التي حصل عليها، ويؤخذ المرشحون الفائزون في كل لائحة وفقا لترتيبهم فيها، أو وفقا لأي أسلوب مفاضلة تعتمده الدولة.

- الصوت الواحد المتحول: يستعمل هذا النظام في دوائر متعددة المقاعد، حيث يصنف الناخبون أسماء المرشحين وفقا لتفضيلهم على ورقة التصويت بنفس طريقة الصوت البديل. ولكن الاختلاف يكمن في أن التفضيل بين المرشحين هو اختياري، ولا يطلب من الناخبين أن يفضلوا بين كل المرشحين، بل يمكن أن يفضلوا مرشحا واحدا فقط.

ويقوم هذا النظام على مبدأ أن يعلن فائزا كل مرشح تتجاوز أصواته الحاصل الانتخابي بقسمة عدد الأصوات المقترعة على عدد النواب الذين يجب انتخابهم زائد واحد (هذا الحاصل الانتخابي المخفض يسهل عملية إسناد المقاعد).

كآلية لاختيار الممثلين، فإن نظام الصوت القابل للتحويل ربما يكون من أهم الأنظمة الانتخابية، إذ يسمح للناخب أن يختار من بين اللوائح، ومن بين المرشحين ضمن اللائحة الواحدة حد سواء، بل أكثر من ذلك، فباستطاعة الناخبين أن يؤثروا في تركيب هذه اللوائح، وتكوين التحالفات، كما أنه يمنح المرشحين المستقلين فرصة للفوز بسبب قدرة الناخب على القيام بعملية المفاضلة بين المرشحين وعدم الاكتفاء باختيار اللوائح.

عن طريق الاقتراع النسبي يتم توزيع المقاعد حسب النسبة المئوية لعدد الأصوات المحصل عليها، عبر مرحلتين:

في المرحلة الأولى يتم التوزيع الأولي للمقاعد وذلك بتحديد القاسم الانتخابي بقسمة عدد الأصوات على عدد المقاعد سواء على المستوى الوطني، أو على مستوى الدائرة الانتخابية.

في المرحلة الثانية يتم توزيع المقاعد المتبقية، والذي يتم بعدة طرق:

- توزيع المقاعد المتبقية على المستوى الوطني: يسمى بنمط الاقتراع النسبي المطلق، ووفق هذا النمط يتم جمع الأصوات المتبقية على المستوى الوطني، وعن طريق قسمتها على عدد المقاعد المتبقية يتم تحديد المعامل الانتخابي الذي عن طريقه توزع المقاعد المتبقية.([23])

- توزيع المقاعد المتبقية على المستوى المحلي: يسمى بنمط الاقتراع النسبي التقليلي، وعن طريق قسمة عدد الأصوات المتبقية في الدائرة على عدد المقاعد المتبقية في الدائرة يتم تحديد المعامل الانتخابي لتوزيع المقاعد المتبقية على المستوى المحلي.

والمثال التالي يوضح كيفية توزيع المقاعد:

إذا افترضنا أن مجموع الأصوات المعبر عنها هو 400,000 صوت، ويجب شغل 8 مقاعد، يتم تحديد القاسم الانتخابي بقسمة 400,000/8 = 50,000 (قاسم انتخابي)، ونجد 5 أحزاب تتنافس على هذه المقاعد حيث حصلت كل قائمة على الأصوات التالية:

القائمـة أ: 126,000 صوت

القائمـة ب: 94,000 صوت

القائمـة ج: 88,000 صوت

القائـمة د: 65,000 صوت

القائمة هـ: 27,000 صوت

فنجد:

القائمـة أ: 126,000/50,000 = 2 مقعد، متبقى 26,000 صوت

القائمـة ب: 94,000/50,000 = 1 مقعد، متبقي 44,000 صوت

القائمـة ج: 88,000/50,000 = 1 مقعد، متبقي 38,000 صوت

القائمـة د: 65,000/50,000 = 1 مقعد، متبقي 15,000 صوت

القائمة هـ: 27,000/50,000 = 0 مقعد، متبقي 27,000 صوت.

وبالتالي:

تحصل القائمة أ على مقعد إضافي فيصبح 3 مقاعد

تحصل القائمة ب على مقعد إضافي فيصبح 2 مقعد

                     تحصل القائمة ج على مقعد أضافي فيصبح 2 مقعد

                     تحصل القائمة د على 1 مقعد

                     لا تحصل القائمة هـ على أي مقعد

في هذا الإطار وحسب المثال السابق، أعطى هونت Hondt البلجيكي نمطا مبسطا لحساب المقاعد حيث يتم ترتيب الأصوات كالآتي:

 

أ

ب

ج

د

هـ

1

126,000

94,000

88,000

65,000

27,000

2

63,000

47,000

44,000

32,500

13,500

3

42,000

31,300

29,300

21,600

9,000

4

31,500

23,500

22,000

16,250

6,750

5

21,200

18,800

17,600

13,000

5,400

ملاحظة: حصلنا على الأعداد في الجدول بقسمة عدد الأصوات لكل قائمة على الأرقام المقابلة لها (من 1 إلى 5).

 

نقوم بترتيب هذه الأعداد ترتيبا تنازليا لغاية الوصول إلى عدد المقاعد المطلوب شغلها والمحدد بـ 8 مقاعد، تكون كالآتي:

126,000، 94,000، 88,000، 65,000، 63,000، 47,000،

44,000، 42,000.

ونجعل من العدد الثامن (42,000) القاسم الانتخابي:

تحصل القائمة أ على: 126,000/42,000 = 03 مقاعد

تحصل القائمة ب على: 94,000/42,000 = 02 مقعد

تحصل القائمة ج على: 88,000/42,000 = 02 مقعد

تحصل القائمة د على: 65,000/42,000  = 01 مقعد

لا تحصل القائمة هـ على أي مقعد.

 3.2. الأنظمة المختلطة

تقوم نظم الانتخاب المختلطة على أساس الاستفادة من مميزات كل من نظم الأغلبية ونظم التمثيل النسبي. وعليه، يتركب النظام المختلط من نظامين انتخابيين مختلفين عن بعضهما البعض، ويعملان بشكل متوازي. ويتم الاقتراع بموجب النظامين من قبل نفس الناخبين، حيث تجتمع نتائج النظامين لانتخاب الممثلين في الهيئة التي يتم انتخابها. ويستخدم في ظل النظام المختلط أحد نظم التعددية/الأغلبية أو أحياناً إحدى النظم الأخرى، والذي عادةً ما يقوم استنادا على دوائر انتخابية أحادية التمثيل، بالإضافة إلى نظام القائمة النسبية.

نتيجة للمساوئ التي انجرت عن استعمال كل من نظام الأغلبية والنظام النسبي وعدم التوصل إلى نظام مثالي، سعى بعض المختصين إلى البحث عن وسائل مختلفة تضم إيجابيات كلا النظامين مع تفادي سلبياتهما. ويمكن التمييز بين نوعين من الأنظمة المختلطة، النوع الأول يتمثل في الأنظمة التي لا تنتمي إلى أي من النظام النسبي أو نظام الأغلبية، وليست مزيج مباشر بين قواعد النسبية والأغلبية، بل تكون أنظمة مستقلة بذاتها، وهي تلك الأنظمة التي تضمن تمثيلا للأقلية، دون أن يكون بالضرورة تمثيلا متناسبا مع عدد أصوات المقترعين لها، كنظام الصوت غير قابل للتحويل. أما النوع الثاني فهو يضم الأنظمة المختلطة فعلا، والتي تتألف من مزيج بين قواعد النظام النسبي وقواعد نظام الأغلبية بشكل متوازي ومستقل عن بعضهما البعض، وقد يغلب عليها هذا اللون أو ذلك تبعا للنسب التي تدخل في تكوين هذا النظام الانتخابي.

طبق هذا النظام في ألمانيا، حيث لكل ناخب ورقة مزدوجة الاقتراع كالآتي:

الأول: بالاسم الواحد على دورة واحدة لانتخاب نصف النواب، وهو يعين مرشحا فرديا وفقا للاقتراع الأكثري. والثاني: يعين حزبا ارتكازا على هذا الاقتراع، يحسب -تبعا للنظام النسبي- عدد المقاعد الإجمالي الذي حصل عليه كل حزب بالنسبة لمجموع أعضاء ''البوندستاغ'' مع تطبيق التمثيل النسبي، وإضافة مقاعد لضمان توزيع نسبي تماما. تظهر السمة المختلطة لهذه المنظومة عبر واقعة أن التصويت الأول هو لصالح شخصية أكثر منه لصالح حزب، كما في المنظومة الأغلبية بالاسم الواحد، أما الثاني فيكون على أساس لائحة.

كما أخذت إيطاليا بهذه المنظومة بسن قانون انتخابي في 4 أوت 1993، إنه نظام مختلط حيث 75% من المقاعد البرلمانية (مجلس النواب، ومجلس الشيوخ) توزع حسب قاعدة الاقتراع بالأغلبية على اسم واحد وفي دورة واحدة، في حين 25% من المقاعد توزع حسب الاقتراع النسبي مع تطبيق قاعدة الباقي الأقوى على المستوى الوطني، على القوائم الحاصلة على 4% على الأقل من الأصوات المعبر عنها، هذا بالنسبة لمجلس النواب. أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فتم الأخذ بقاعدة المعدل الأقوى دون تحديد أية نسبة مئوية للأصوات المعبر عنها.

II. الأحزاب السياسية:

ارتبطت نشأة الأحزاب السياسية بالظروف الاجتماعية التي تسود المجتمع، وما يتعلق بالانتخابات والعمل البرلماني وهو ما يمكن أن يطلق عليه النشأة الداخلية للأحزاب وثمة أحزاب أخرى نشأت خارج هذا الإطار، وهذا ما يسمى بالأحزاب ذات النشأة الخارجية.

1. اﻷﺣﺰاب ذات اﻟﻨﺸﺄة الداخلية:

تطرق هذه النظرية بين نشأة الأحزاب السياسية وبين تكوين المجالس اﻟﺘﺸريعية، واتساع ﺣﻖ الاقتراع، فالأحزاب نشأت لتطور المجموعات البرلمانية أوﻻً، واﻟﻠﺠﺎن الانتخابية ثانيا، مع حدوث اتصال وتفاعل دائم بين هذه الجماعات واللجان([24])؛ فقد كان هناك اقتران تاريخي بظهور ما يسمى بالجماعات البرلمانية عندما شعر الأعضاء أنهم بحاجة إلى جماعة تعمل كفريق متجانس من أﺟﻞ اﻟدﻓﺎع والحفاظ على مصالحهم وإﻋﺎدة  انتخابهم والتأثير في جمهور الناخبين. على هذا الأساس تطورت الأفكار لتصل إلى فكرة إنشاء الأحزاب السياسية.

2. الأحزاب ذات اﻟﻨﺸﺄة اﻟﺨﺎرجية:

وﻫﻲ الأحزاب التي نشأت بفضل جماعات أو هيئات ناشطة خارج البرلمان والعملية الانتخابية وتطالب بتمثيل لها بعد صراع طويل بينها وبين نظام الحكم القائم، ونستعرض البنية الفكرية التي أدت إلى نشوء الأحزاب خارج البرلمان كما يلي:

أوﻻ: الهيئات ذات اﻟﺼﻔﺔ اﻟﻔﻜﺮية والسياسية والنقابات التي ﺗﻄﻮرت إلى أن ﻛﻮﻧﺖ أﺣﺰابا اشتراكية في الغالب ومثال ذلك ﺣﺰب اﻟﻌﻤﺎل البريطاني الذي نشأ بفضل جمعية ثقافية وتسمى بـ "الجمعية الفابية"، والتي تبنت أﻓﻜﺎراً اشتراكية إصلاحية وتأسست بموجب  قرار أصدره مؤتمر  النقابات العالمية ﻋﺎم 1899.

ثانيا: اﻠﺘﻌﺎونيات اﻟزراﻋﻴﺔ واﻟﺘﻜﺘﻼت الحرفية للفلاحين، كان لها دورا مهم في اﻟﻨﺸﺄة الخارجية ﻟﻸﺣﺰاب، مثلما كان الحال للديمقراطيات في أوروبا الوسطى وسويسرا وكندا واستراليا.

ثالثا: يدخل في إطار هذه الجماعات اﻟﻨﺎشطة خارج البرلمان أيضا، كاﻟﻜﻨﺎئس واﻟﺘﺠﻤﻌﺎت اﻟدينية خاصة قبل سنة 1914 في أوروبا، وذلك بإنشاء أحزاب ديمقراطية مسيحية أو معاصرة أو أحزاب مسيحية محافظة، كما أنشأت لجان مدرسية في كافة المدارس لحماية اﻟﺘﻌﻠﻴم الديني ولمقاومة القوانين اﻟﺼﺎدرة سنة 1879، والمتعلقة بإنشاء اﻟﺘﻌﻠﻴم المدني، وتحولت هذه اﻟﻠﺠﺎن المحلية ﻓﻴﻤﺎ بعد إلى فروع محلية ﻟﻠﺤﺰب اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ، واﻟذي أصبح ﻓﻴﻤﺎ بعد ﻣﻦ أقوى الأحزاب تنظيما في أوربا.

رابعا: الجماعات المحظورة أو الجمعيات السرية، وما لها من دور في تكوين الأحزاب اﻟﺴﻴﺎسية، ﻓﻬﻲ في غالب الأحيان ما تسعى ﻟﻠﻌﻤﻞ في الخفاء ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أهداف سياسية غير معلنة، وبذلك ﻓﻬﻲ لا تستطيع سلوك ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﺎحة البرلمانية ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أهدافها ﻧﻈﺮاً للحظر المفروض ﻋﻠﻴﻬﺎ أو أنها لا تريد التصريح ﻋﻦ وﺟﻮدﻫﺎ.

خامسا: اﻟﺘﺠﻤﻌﺎت الاقتصادية واﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، والتي ﻏﺎﻟﺒﺎ ما سعت للوصول إلى مراكز صنع القرار والدخول إلى البرلمان لتحقيق مصالحها وإصدار التشريعات التي تحقق أهدافها. غير أن هذا الطرح لا يصلح كنظرية يمكن تعميمها وذلك أنها تتعلق بأوربا وأمريكا وفقط.([25])

3. نشأة الأحزاب السياسية في العالم الثالث:

إن الدراسات التي حاولت تفسير عوامل نشأة الأحزاب السياسية في دول العالم الثالث، يستبعد تمام النظرية البرلمانية في نشأة الأحزاب السياسية في العالم، وتقديم نظرية أكثر اتساعا على النطاق الجغرافي، والتي ﺗﺮى أن الأحزاب ليست أداة للتحديث والتنمية السياسية وفقط، وهي ليست نتيجة للاقتراع العام وإنما نتيجة لواقع وظروف تختلف عن واقع وظروف أوربا وبهذا فإن الطرح يربط نشأة الأحزاب بالأزمات التاريخية أو التحديث والتنمية السياسية والتطورات الاقتصادية والاجتماعية.

4. تصنيفات الأحزاب السياسية

ﺇﻥ ﺘﺼﻨﻴﻑ الأحزاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻴﻭﺍﺠﻪ ﺇﺸﻜﺎﻟﻴﺔ ﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻑ، ﻓﻠﻴﺱ ﻤﻥ ﺍﻟﺴﻬل ﺇﻴﺠﺎﺩ ﺘﺼﻨﻴﻔﺎﺕ ﻤﻭﺤﺩﺓ ﻟﺘﻘﺴﻴﻡ الأحزاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﻭ ﻫﺫﺍ ﺭﺍﺠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺨﺘﻼﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻭ ﺘﻨﻅﻴﻤﻪ.

ﺃﺜﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﻤﻭﻀﻭﻉ "ﺘﺼﻨﻴﻑ الأحزاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ" ﻴﺄﺨﺫﻨﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺇﻟﻰ ﺃﺒﺭﺯ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎل ﺃﻻ ﻭ ﻫﻭ ما كتبه ﻤﻭﺭﻴﺱ ﺩﻭﻓﺭﺠﻴﻪ ﺍﻟﺫﻱ ﻤﻴﺯ ﺒﻴﻥ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻭ أحزاب ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺜﻡ ﺃﻀﺎف ﺘﺼﻨﻴﻔﺎ ﺁﺨﺭ ﻋﺎﻡ 1976  ﻭﻫﻲ الأحزاب ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻬﻴﺎﻜل ﺍﻟﺠﺎﻤﺩﺓ ﻭالأحزاب ﺍﻟﻤﺭﻨﺔ.

ﻜﻤﺎ ﺍﻗﺘﺭﺡ ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﺠﻭﻥ ﺸﺎﺭﻟﻭ ﺘﺼﻨﻴﻑ ثلاثي ﺠﺩﻴﺩ ﻴﺄﺨﺫ ﺒﻌﻴﻥ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ، ﻟﻴﺱ ﺍﻹﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﻱ ﻟﻠﺤﺯﺏ، ﻭﻟﻜﻥ ﺒﺎﻷﺨﺹ ﺃﻫﺩﺍﻑ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻭﺇﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺘﻪ، ﻭﻴﻤﻴﺯ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻑ ﺒﻴﻥ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﻀﻠﻴﻥ، ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ. 

1-ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ: ﺘﺸﺒﻪ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻷﻁﺭ، ﺘﻅﻡ ﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺒﺎﺭﺯﺓ ﺫﺍﺕ ﻤﻜﺎﻨﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﺘﺘﻤﺘﻊ ﺒﺜﺭﻭﺓ ﺘﺅﻫﻠﻬﺎ ﻟﺘﻤﻭﻴل ﺍﻟﻤﻌﺭﻜﺔ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻴﺔ ﻟﻤﺭﺸﺤﻲ ﺍﻟﺤﺯﺏ.

2 -ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﻀﻠﻴﻥ: ﺘﻘﻭﻡ ﺒﺈﻋﻁﺎﺀ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺃﻜﺒﺭ ﻟﻠﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻥ ﻓﻲ ﺼﻔﻭﻓﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺩﻓﻌﻭﻥ ﺍﺸﺘﺭﺍﻜﺎ ﻭﻴﺒﺫﻟﻭﻥ ﻨﺸﺎﻁﺎ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺤﺯﺏ، ﻭﻫﺅﻻﺀ ﺍﻟﻤﻨﺎﻀﻠﻴﻥ ﻴﻤﺎﺭﺴﻭﻥ ﺘﺄﺜﻴﺭﺍ ﻜﺒﻴﺭﺍ ﻓﻲ ﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻭ ﺍﺘﺨﺎﺫ ﻗﺭﺍﺭﺍﺘﻪ. 

3-ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ: ﺘﻬﺘﻡ ﺒﺎﻟﻨﺎﺨﺒﻴﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﻨﺎﺼﺭﻭﻥ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺭﻜﺔ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻴﺔ، ﻓﻬﺫﻩ الأحزاب ﻏﻴﺭ ﻁﺒﻘﻴﺔ ﻭ ﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻨﺎﺨﺒﻴﻥ ﻤﻥ ﺃﺼل ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭ ﻤﻬﻨﻲ ﻭﻋﺭﻗﻲ ﻤﺨﺘﻠﻑ.([26]) 

ﻴﻤﻴﺯ ﻤﻭﺭﻴﺱ ﺩﻭﻓﺭﺠﻴﻪ ﺒﻴﻥ الأحزاب ﺘﻤﻴﻴﺯﺍ ﺠﻭﻫﺭﻴﺎ ﻭﻴﻘﺴﻤﻬﺎ ﺇﻟـﻰ ﺃﺤـﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜـﻭﺍﺩر (ﻜﺒـﺎﺭ ﺍﻟﻤﻭﻅﻔﻴﻥ) ﻭﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ. 

1- ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ: ﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺎ ﻫﻲ ﺍﻻﺴﺒﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻅﻬﻭﺭ ﻤﻥ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﻭﻫﻲ ﺘﺘﻜﻭﻥ ﻤﻥ ﺸﺭﺍﺌﺢ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺘﻤﻴﺯﺓ ﺒﻨﻔﻭﺫﻫﺎ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﻗـﺩ ﺘﺒﻨﺕ الأحزاب ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻭﺍﻟﻠﻴﺒﺭﺍﻟﻴﺔ ﻭﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸﺭ ﻷﻨﻬﺎ ﺘﺘﻁﺎﺒﻕ ﻤﻊ ﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻠﻴﺒﺭﺍﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺭﺘﻜﺯ ﺃﺴﺎﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ ﺍﻟﺒﺭﺠﻭﺍﺯﻴﻴﻥ (الأحزاب ﺍﻟﻠﻴﺒﺭﺍﻟﻴﺔ) ﺃﻭ ﺍﻷﺭﺴﺘﻘﺭﺍﻁﻴﻴﻥ (الأحزاب المحافظة).

ﻭﻗﺩ ﻗﺴﻡ ﺩﻭﻓﺭﺠﻴﻪ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺇﻟﻰ :

أ- ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ: ﻫﺫﻩ الأحزاب ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻡ، ﻭﻗﺩ ﻅﻬﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸﺭ ﻭﺘﺘﻤﻴﺯ ﺒﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﺼﺎﺌﺹ ﺃﻫﻤﻬﺎ:

- ﺠﻤﻊ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ ﺒﺴﺒﺏ ﻭﺠﺎﻫﺘﻬﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻭﻓﺭ ﻨﻔﻭﺫﺍ ﻤﻌﻨﻭﻴﺎ ﺃﻭ ﺒﺴﺒﺏ ﺜﺭﻭﺘﻬﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﺘﻐﻁﻴﺔ ﻓﺎﻗﺕ ﺍﻟﺤﻤﻼﺕ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻴﺔ.

 - ﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ ﻀﻤﻥ ﻟﺠﺎﻥ "ﻤﺤﻠﻴﺔ" ﺘﺘﻁﺎﺒﻕ ﻤﻊ ﺤﺩﻭﺩ ﺍﻟﺩﻭﺍﺌﺭ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ.

- ﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﻠﺠﺎﻥ ﻀﻌﻴﻑ ﺇﻟﻰ ﺤﺩ ﻜﺒﻴﺭ ﺒﺴﺒﺏ ﻗﻠﺔ ﺃﻋﻀﺎﺌﻬﺎ ﺍﻟﺫﻱ ﻻ ﻴﺘﻁﻠﺏ ﺒﻨﻴﺔ ﺼﻠﺒﺔ.

- ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻋﺎﻤﺔ  ﺘﺘﻤﻴﺯ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻠﺠﺎﻥ ﺒﺎﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﺠﺩﺍ ﻭﻟﻴﺱ ﻟﻸﺠﻬﺯﺓ   ﺍﻟﻤﺭﻜﺯﻴﺔ ﻟﻠﺤﺯﺏ أي سلطة على أعضائها.

ب- ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ: ﻅﻬﺭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ، ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻻﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﻭﻜﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺏ ﻓﻲ ﻅﻬﻭﺭﻫﺎ ﻭﺘﻁﻭﺭﻫﺎ ﻫﻭ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺤﺩﺙ ﻓﻲ "ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﺍﻻﻭﻟﻴﺔ" ﺍﻟﺫﻱ ﺒﻤﻭﺠﺒﻪ ﻟﻡ ﺘﻌﺩ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺭﺍﻉ ﻓﻲ ﻫـﺫﻩ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﺘﻘﺘﺼﺭ ﻓﻘﻁ ﻋﻠﻰ ﻟﺠﺎﻥ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﺯﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ -ﻻﺨﺘﻴﺎﺭ ﻤﺭﺸﺤﻲ ﺍﻟﺤﺯﺏ- ﺒل ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺸﻤل ﻜل ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻨﻴﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺭﻏﺒﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻨﺘﻘﺎﺀ ﻤﺭﺸﺤﻲ ﺍﻟﺤﺯﺏ، ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﺩﻤﻬﻡ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻻنتخابات ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻗﺩ ﺃﺩﻯ ﻅﻬﻭﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﻜﺴﺭ ﺍﻹﻁﺎﺭ ﺍﻟﻀﻴﻕ ﻟﻠﺠﺎﻥ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ.([27])

وﻤﻥ ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺃﺨﺭﻯ، ﺍﺒﺘﻜﺭ ﺤﺯﺏ ﺍﻟﻌﻤﺎل ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻲ ﻋﺎﻡ 1900 ﻨﻭﻋﺎ ﺠﺩﻴﺩﺍ ﻤﻥ ﺤﺯﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ، ﺤﻴﺙ ﺘﺘﺄﻟﻑ ﻟﺠﺎﻨﻪ ﻤﻥ ﻭﺠﻬﺎﺀ (ﻭﻅﻴﻔﻴﻴﻥ) ﻤﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﺕ ﺃﻥ ﺘﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﻨﺤﻭ ﻤﺸﺘﺭﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎل ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ هذه ﺍﻟﻠﺠﺎﻥ ﺘﻌﻴﻥ ﺍﻟﻤﺭﺸﺤﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﻭﺘﺸﺭﻑ ﻋﻠﻰ ﺼﻨﺎﺩﻴﻕ ﺍﻟﺩﻋﺎﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻟﻐﺭﺽ ﻤﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺭﻜﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺯﺏ.

ﻭﻗﺩ ﺘﺒﻨﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺃﺨﺭﻯ ﻤﺜل الأحزاب ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﺍلاﺴﻜﻨﺩﻨﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﺔ ﻭﻜﺫﻟﻙ الأحزاب ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﻨﻤﺴﺎﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﻋﺎﻤﻲ 1919 و 1936 ﺤﻴﺙ ﻜﺎﻨﺕ ﻟﺠﺎﻥ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺘﺘﻜﻭﻥ ﻤﻥ ﻤﻨﺩﻭﺒﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ،  ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﻴﺔ، ﻭﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻭﺴﻁﻰ...الخ.([28])

2- ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ: ﺘﺘﻜﻭﻥ ﻫﺫﻩ الأحزاب ﻤﻥ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﻤﻜﻭﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻋﻀﻭﻴﺘﻬﺎ ﻏﻴﺭ ﻤﺸﺭﻭﻁﺔ، ﻭﻻ ﺘﺘﻁﻠﺏ ﻨﻔﻭﺫﺍ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻭﻻ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺎ ﻋﻜـﺱ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ، ﺤﻴﺙ ﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﻋﻀﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺒﻤﺠﺭﺩ ﺩﻓﻊ ﺭﺴﻭﻡ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻙ، ﻭﻗـﺩ ﺍﺒﺘﻜـﺭﺕ الأحزاب ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ (الأحزاب ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭﻴﺔ) ﻓﻲ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺴﺒﺒﻴﻥ:

ﺍﻷﻭل: ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﺩﻋﻡ ﺒﺭﺍﻤﺞ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﻨﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﺩﻋﺎﻴﺔ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻴﺔ ﻟﻠﻤﺭﺸﺤﻴﻥ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﻴﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻟﻡ ﻴﻜﻭﻨﻭﺍ ﻟﻴﺄﻤﻠﻭﺍ ﺒﺎﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻰ ﺃﻤﻭﺍل ﺘﻭﺯﻋﻬﺎ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﺸﺨﺎﺹ ﺍﻟﻤﻴﺴﻭﺭﻴﻥ ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺤﺭﺼﺕ ﻋﻠﻰ ﺠﻤﻊ ﺃﻜﺒﺭ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻭﺠﻌﻠﻬﻡ ﻴﺩﻓﻌﻭﻥ ﺍﺸﺘﺭﺍﻜﺎﺕ  ﻤﻨﺘﻅﻤﺔ ﺴﻨﻭﻴﺎ ﺃﻭ ﺸﻬﺭﻴﺎ ﻟﺘﻤﻭﻴل ﺍﻟﺼﻨﺩﻭﻕ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﻲ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ﺘﻐﺫﻴﺔ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺼﻨﺩﻭﻕ ﺒﺈﺴﻬﺎﻤﺎﺕ ﻤﺎﻟﻴﺔ ﻀﺨﻤﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺠﻬﺎﺀ ﻜﻤﺎ ﻓﻲ أﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻜﻭﺍﺩﺭ.

ﺇﻥ الأحزاب ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻭﺠﺩﺕ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﻏﻴﺭ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻟﺘﻤﻭﻴل ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻟﺠﺄﺕ ﺇﻟﻰ ﺠﻤﻊ ﺍﻟﺘﺒﺭﻋﺎﺕ ﻭﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﺎﺕ ﻤﻥ ﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﻋﺭﻴﻀﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻭاﻁﻨﻴﻥ. 

ﺜﺎﻨﻴﺎ: ﻀﺭﻭﺭﺓ ﺘﻠﻘﻴﻥ ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻟﻠﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﻟﺘﻤﻠﻙ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ العصر حيث تحولت الاجتماعات اﻟﻤﻨﺘﻅﻤﺔ ﻟﻔﺭﻭﻉ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺇﻟﻰ ﺸﻜل ﻤﺤﺎﻀﺭﺍﺕ ﻤﺴﺎﺌﻴﺔ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻤﻌﺩﺓ ﻟﻠﺘﺜﻘﻴﻑ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻬﺎ ﺒﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺤﻘﻭﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻨﺤﻭ ﻜﺎﻤل، ﻭﻓﻲ ﻭﺴﻁ ﻫﺫﻩ الأحزاب ﻴﻤﻴﺯ ﺩيفيرجيه ﺒﻴﻥ:

- أحزاب ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺍﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ، ﻭﻫﻲ الأحزاب ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ.

- أحزاب ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﺍﻟﺸﻤﻭﻟﻴﺔ، ﻭﻫﻲ الأحزاب ﺍﻟﺸﻴﻭﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺸﻴﺔ.

ﻭﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻨﺼﻨﻑ الأحزاب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻭﺠﻬﺎﺕ ﻨﻅﺭ ﺃﻭ ﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﺄﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺎ:

- هناك أحزاب اليسار: التي ترتكز مفاهيمها الأساسية على قضايا ﺍﻟﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﻌﺎﺩل ﻟﻠﺜﺭﻭﺓ، ﻭﺍﻟﺴﻠﻁﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺍﻟﺤﺭﺹ ﻋﻠﻰ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺍﻟﻌﺩﺍﻟﺔ ﻓـﻲ ﺃﻭﺴﺎﻁ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻨﻴﻥ ﺩﻭﻨﻤﺎ ﺍﺴﺘﺜﻨﺎﺀ.

ﻭﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻴﻤﻴﻥ: وهي أحزاب ذات توجهات محافظة تميل إلى المحافظة على القيم التقليدية والتطرف في تمييز الطابع الوطني للمطتمع مع وجود نزعة إثنية خاصة تتسم بما يشبه الاستعلاء والرغبة في إقصاء جماعات إثنية معينة.([29])

ﺃﻤﺎ ﺍﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺎ ﻓﻘﺩ ﻗﺩﻡ ﺠﺎﻥ ﺸﺎﺭﻟﻭﺕ  ﺘﺼﻨﻴﻔﺎ ﺜﻼﺜﻴﺎ ﻟﻸﺤﺯﺍﺏ ﻤﻌﺘﻤﺩﺍ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺴﺘﻪ ﻟﻸﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ  ﻜﺘﺎﺒﻪ 1970 ﻭﻫﻲ:  

أ-أﺣﺰاب الوجهاء (اﻻعيان): ﺘﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻥ ﺫوﻭ ﻤﻜﺎﻨﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻤﺘﻤﻴﺯﺓ ﻟﺩﻋﻡ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻤﺎﺩﻴﺎ ﻟﺨﻭﺽ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻭﺯ ﺒﻬﺎ.

ب - أﺣﺰاب اﻟﻤﻨﺎضلين: هدفها ﺘﺄطير ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭ ﻭﺘﻜﻭﻥ ﺤﺎملة ﻷﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﻗﻭﻴﺔ ﻭﺘﺘﻤﻴﺯ ﺒﺎﻨﻀﺒﺎﻁﻴﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ، ﻭﺍﻟﻌﻀﻭﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﺘﺭﺘﺒﻁ ﺒﺎﻟﺜﺭﻭﺓ ﻭﻻ ﺒﺎﻟﺠﺎﻩ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺒﺎﻻﻗﺘﻨﺎﻉ ﺒﺄﻓﻜﺎﺭ ﻭﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﻭﺍﻟﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻀﺎل ﻟﺘﺤﻘﻴﻕ ﺃﻫﺩﺍﻓﻪ، ﻭﻏﺎﻟﺒﺎ ﻴﻨﺘﻤﻲ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻭﺴﻁﻰ. 

ج- أﺣﺰاب اﻟﻨﺎخبين: ﻭﻫﻲ ﻤﻭﺠﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺤﺸﺩ ﺃ ﻜﺒﺭ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺎﺨﺒﻴﻥ ﺤﻭل ﻤﺭﺸﺢ ﺍﻟﺤﺯﺏ ﺒﻐﺽ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻋﻥ ﺘﻭﺠﻬﺎﺘﻬﻡ ﺍﻻﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺌﺩﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺘﻠﺘﻘﻁ ﻜل ﺸﻲﺀ ﻭﻻ ﻴﻬﻤﻬﺎ ﺍﻟﻤﻜﺎﻨﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻟﻸﻋﻀﺎﺀ، ﻭﺘﺘﻤﻴﺯ ﺒﺎﻨﻀﺒﺎﻁﻴﺔ ﺃﻗل ﻭﻫﺩﻓﻬﺎ ﺨﻭﺽ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻭﺯ ﺒﻬﺎ. ﻭﻭﻓﺎﺀ ﻟﻠﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺅﺩﻴﻬﺎ الأحزاب ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺤﺴﺏ ﺭأﻱ ﺴﻴﺠﻤﻭﻨﺩ ﻨﻴﻭﻤﺎﻥ ﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴل ﺍﻟﻔﺭﺩﻱ ﻭﺃﺤﺯﺍﺏ ﺍﻟﺘﻜﺎﻤل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.

III. الانتخابات والأحزاب السياسية

تؤثر النظم الانتخابية المختلفة في فهم ماهية وتركيبة نظم الأحزاب السياسية وطريقة تنظيمها وعملها. وعملا على قيام أحزاب سياسية يمكنها تحقيق أعلى درجة ممكنة من التمثيل، نجد بأن معظم الخبراء يفضلون النظم الانتخابية التي تحفز على إيجاد أحزاب سياسية تستند إلى قيم سياسية وأيديولوجية واسعة، بالإضافة إلى رسم برامج سياسية واضحة المعالم تحد من مخاطر تفاقم الصراعات الداخلية ضمن مجتمع ما، ومن شأن الأحزاب القائمة على تلك الأسس الواسعة أن تعكس بشكل أفضل توجهات الرأي العام لمجموع المواطنين وتطلعاتهم، بدلاً من تلك المستندة إلى اعتبارات عرقية أو محلية ضيقة، أو تلك الأحزاب التي تسمى أحزاب الميليشيات التي هي عبارة عن منظمات شبه عسكرية تسعى للحصول على السلطة بالعنف والقوة وليس بالطرق السلمية المتعارف عليها في الممارسة الديمقراطية من خلال اللجوء إلى الوسائل السلمية([30]).

والأحزاب السياسية في الحقيقة تعد من أجهزة المنظومة السياسية لأنها تتطلع للمشاركة المباشرة في سلطة الدولة وتسعى بالمقابل لرفع تمثيلها إلى أقصى حد ممكن، فهي آلات انتخابية وحلبات للجدل السياسي والتنشئة السياسية وإنارة الرأي العام وتكوينه، وتعمل على زيادة الوعي السياسي وإدارة الصراع السياسي في المجتمع وتضمن الحريات العامة، إضافة إلى أنها آلية تضمن انتقال السلطة بطريقة سلمية، وتسعى لتوفير الشرعية السياسية والتكامل القومي، وأخيرا تضمن الرقابة الشعبية خاصة عندما يكون الحزب خارج السلطة.

وعموما، تأتي النظم السياسية التي تتصف بدرجات عالية من مركزية الحكم، والتي تستخدم نظام القائمة النسبية على أساس القوائم المغلقة، في مقدمة النظم التي تحفز على قيام التنظيمات الحزبية القوية والمتماسكة، على العكس تماما مما يمكن أن ينتج عن الأنظمة القائمة على أساس تعدد الدوائر الانتخابية، مثل نظام الفائز الأول. إلا أنه هناك الكثير من المتغيرات الانتخابية الأخرى والتي تؤثر في النظام الحزبي بشكل عام. فعلى سبيل المثال، حاولت بعض الديمقراطيات مثل روسيا وأندونيسيا التأثير في تكوين نظامها الحزبي، وذلك من خلال توفير المحفزات لقيام الأحزاب الوطنية بدلا من المحلية. ولجأت بعض البلدان الأخرى، كالإكوادور وبابوا غينيا الجديدة إلى وسائل أخرى لتحقيق ذلك تتعلق بشروط تسجيل وتمويل الأحزاب السياسية. وتعتبر مسألة تمكين الأحزاب السياسية من الحصول على تمويل لها من القطاعين العام أو الخاص إحدى المسائل المفصلية ذات العلاقة بكافة الجوانب الخاصة بتصميم النظم الانتخابية، بالإضافة إلى تحولها في كثير من الأحيان إلى التحدي الأكبر الذي يواجه نشوء الأحزاب السياسية القابلة للبقاء.

وكما يؤثر اختيار النظام الانتخابي في تطور الأحزاب السياسية وطريقة عملها، كذلك الأمر بالنسبة للنظام الحزبي القائم حيث له تأثيره في اختيار النظام الانتخابي الملائم له، إذ عادة ما تعارض الأحزاب السياسية القائمة إدخال أية تغييرات قد تمس بمصالحها، أو قد تتمكن أحزاب أخرى منافسة من دخول المعترك السياسي، إلا إذا توافرت ضرورات سياسية ملحة للقبول بذلك، لذا فقد ينعكس توجه الأحزاب السياسية كعائق أمام تنوع الخيارات المتوفرة لتغيير النظام الانتخابي.

تؤدي النظم الانتخابية المختلفة إلى إفراز طبيعة مختلفة للعلاقة بين المرشحين الأفراد وناخبيهم. وبشكل عام، تعمل النظم المستندة إلى وجود دوائر انتخابية أحادية التمثيل، كنظم التعددية/الأغلبية، على تقوية تلك العلاقة من خلال تحفيز المرشحين الأفراد على العمل كممثلين أو مرسلين عن مناطق جغرافية محددة، حيث يتمثل دورهم الأساسي في تمثيل ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية. وعلى العكس من ذلك، تعمل النظم العاملة بموجب دوائر انتخابية كبيرة ومتعددة التمثيل، كالنظم النسبية، على إفراز ممثلين يعملون بشكل أساسي استنادا إلى ولاءاتهم الحزبية فيما يتعلق بمسائل وطنية عامة. ولكل من التوجهين محاسنه، الأمر الذي يكمن وراء شعبية النظم المختلطة، والتي تجمع بين كلا النوعين من التمثيل بمستوييه الوطني والمحلي.

عادة ما يثور كثير من الجدل فيما يتعلق بالمساءلة والمحاسبة عند التطرق إلى العلاقة بين النظم الحزبية والنظم الانتخابية، خاصة بالنسبة لمسؤولية الممثلين الأفراد المنتخبين. ولا تتأثر العلاقة بين الناخبين والممثلين المنتخبين والأحزاب السياسية بالنظام الانتخابي فقط، بل كذلك تتأثر بجوانب أخرى تخص الإطار القانوني للنظام السياسي، كعدد المرات التي يسمح فيها للفرد ببلوغ عضوية الهيئات المنتخبة، أو الضوابط الخاصة بتحديد طبيعة العلاقة بين الأحزاب السياسية وأعضائها المنتخبين لمواقع تمثيلية، أو تلك المتعلقة بمنع الأعضاء المنتخبين من تغيير انتماءاتهم الحزبية دون الاضطرار إلى الاستقالة من المجلس المنتخب... إلخ.

تعبّر حرية الناخبين عن خياراتهم لصالح المرشحين الأفراد، عوضا عن حصر ذلك في الاختيار بين الأحزاب السياسية فقط، وتعتبر وجها من أوجه المحاسبة، لذا فإننا نجد الكثير من البلدان قد قامت مؤخرا بإدخال عناصر جديدة في نظمها الانتخابية لتوفير ذلك الاختيار للناخبين، كاللجوء إلى اعتماد القوائم المفتوحة في ظل نظام القائمة النسبية على سبيل المثال.([31])

وعلى العموم، تختلف تأثيرات النظم الانتخابية على الأحزاب السياسية، ويتراوح ذلك التأثير بين نظام الأغلبية والنظام النسبي، فحسب أطروحة موريس ديفيرجيه:

- يؤدي الاقتراح النسبي إلى نظام أحزاب متعددة، جامدة، ومستقلة، حيث إذا دخلت في تحالفات فإنها تبقى دائما متمسكة بموقفها، وغير راضية بالبرامج للمحافظة على استقلالها.

- يودي نظام الأغلبية على دورين إلى أحزاب متعددة مرنة وليست جامدة، ومترابطة وليست مستقلة، حيث أنه في الدور الثاني تتنازل الأحزاب جزئيا على مواقفها.

- يؤدي نظام الأغلبية على دور واحد إلى ثنائية حزبية، مما يؤثر سلبا على الأحزاب الصغيرة، بما يسمى قانون التكعيب، حيث نسبة المقاعد بين الحزبين الرئيسيين تعادل تكعيب نسبة الأصوات المعبر عنها في كلا الحزبين، مما يؤدي إلى تضخيم تمثيل الأغلبية، وتقليل تمثيل الأقلية.

تعرضت أطروحة ديفيرجيه لعدة انتقادات، وركزت كل الانتقادات على البعد الواحد أي العامل الانتخابي في موضوع تتدخل فيه عوامل مختلفة أهم من النظام الانتخابي، منها ما قاله جورج لافو George Lavau: "إن النظام الانتخابي شيء لا يذكر بالنظر إلى العوامل العديدة (الوطنية، التاريخية، الاديولوجية...) التي تؤثر على الحياة السياسية والحزبية في بلد ما"([32]).

تدارك ديفيرجيه الخلل في أطروحته، واعترف بتأثير الأوضاع الوطنية والاديولوجيات والبنى السوسيواقتصادية على الأحزاب السياسية، لكنه برر هذا الطرح بقوله: "اخترنا أن نحدد بالدقة تأثير النظم الانتخابية لسد الفجوة، لكن هذا لا يعني أننا اعتبرنا النظام الانتخابي أهم من التأثيرات الأخرى. في الواقع يعتبر النظام الانتخابي مكبح من جهة، ومسرع من جهة ثانية، معناه، وجود نظام انتخابي ما قد يسهل التعدد الحزبي الذي انجر عن فعل عوامل أخرى، في حين وجود نظام انتخابي آخر قد يعرقله، فالنظم الانتخابية لا تلعب في الحقيقة دور المحرك، حيث التأثير الحاسم في هذا الصدد يعود إلى الأوضاع الوطنية والاديولوجيات، سيما البنى السوسيواقتصادية"([33])

وعموما فإن الأحزاب السياسية تتأثر فعليا بعامل النظام الانتخابي، وهو الأمر الذي أكده دوقلاس ريغز Duglas Riggs في دراسة بعنوان "الآثار السياسية للقوانين الانتخابية"، حيث درس 107 تشريع انتخابي ووجد 96 منها يتطابق مع أطروحة دوفيرجيه.

إن ما يمكن قوله في هذا الصدد، أن النظم الحزبية تتأثر بمعيار التنافسية، حيث تكون التعددية الحزبية محققة وليست صورية، ومعيار التفرقة في ذلك يكمن في التناوب على السلطة، فنقول هناك تعددية حزبية محققة لوجود إمكانية الوصول إلى السلطة من طرف كل الأحزاب، وغير محققة بانعدام تلك الإمكانية، فهنا نجد عامل النظام الانتخابي هو العامل المؤدي إلى إتاحة فرص تناوب أو تقييد تلك الفرص.

1. علاقة الانتخاب بالديمقراطية والمشاركة السياسية

هناك علاقة وطيدة بين الانتخابات والديمقراطية والمشاركة السياسية، فلا يمكن اعتبار النظام ديمقراطيا إلا إذا كان قرار إسناد السلطة بيد الشعب، فكل الأنظمة الديمقراطية العريقة منها أو الناشئة تعترف بحق الشعب في اختيار حكامه وممثليه.

وقد حاول فقهاء القانون العام وفقهاء السياسة وضع نظريات حول الديمقراطية والشرعية، وأثير الجدل حول مبدأ التمثيل السياسي وأساليبه، فإذا كان النظام الانتخابي قادرا على إنتاج ممثلين يشكلون صورة أمينة عن الرعية، فإن هذا النظام الانتخابي يوصف عندها بالنظام الديمقراطي الذي يتيح مجالا أوسع للمشاركة السياسية.

2.  الانتخابات والديمقراطية

أ. مفهوم الديمقراطية:

لقد عرف جوزيف شوم بيتر الديمقراطية على أنها "مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة"([34]). ويرى صمويل هنتنجتون أنه "يكون النظام السياسي ديمقراطيا حينما يتم اختيار الجماعات التي تتخذ القرار عبر انتخابات نزيهة، شفافة، ومنتظمة، يتنافس فيها المرشحون حول أصوات الناخبين بكل حرية"([35]).

وقد تختلف التعريفات الخاصة بالديمقراطية في صياغاتها اللغوية، لكن تتفق معظمها في اعتبار أن الديمقراطية -كشكل من أشكال الحكم- يستطيع في ظله المواطنون المشاركة في الحكم بأساليب مختلفة، أبرزها أسلوب الانتخاب.

وفي الأدبيات التي تُعنى بالديمقراطية والانتخابات، حاول بعض الباحثين وضع تعريفات محددة للانتخابات الديمقراطية للحالات التي يدرسونها. ولعل من أبرز تلك الأدبيات وأكثرها شمولا ما قام به ديفيد باتلر وآخرون، واعتبروا أن الانتخابات العامة الديمقراطية تستند إلى عدة شروط هي:

- حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين.

- دورية الانتخابات وانتظامها.

- عدم حرمان أي جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح للمناصب السياسية.

- حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية.

- حرية إدارة الحملات الانتخابية على وضع لا يحرم فيه القانون المرشحين من عرض آرائهم وقدراتهم، ولا يحرم الناخبين من مناقشة تلك الآراء.

- تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وسط جو من الحرية والسرية، وفرز الأصوات وإعلانها بشفافية.

وبشكل عام، تدور مضامين الانتخابات الديمقراطية حول معيارين رئيسيين، يتمثل الأول في "حرية الانتخابات"، أي ضرورة احترام حريات الأفراد وحقوقهم الرئيسية، ويتمثل الثاني في "نزاهة عملية الانتخاب". غير أن التجارب المعاصرة للدول الديمقراطية، تشير إلى أن الانتخابات الديمقراطية التنافسية لا تُجرى إلا في نظم حكم ديمقراطية، إذ هي آلية من آليات تطبيق المبادئ الرئيسية للديمقراطية، وليست هدفا في حد ذاتها. كما تعد الانتخابات الديمقراطية شرطا ضروريا وليس كافيا لنظم الحكم الديمقراطية، فمجرد إجراء انتخابات ديمقراطية لا يعني أن نظام الحكم أصبح نظاما ديمقراطيا.

ب. أشكال الديمقراطية:

- الديمقراطية المباشرة: هي أقدم صور الديمقراطية، وكانت متبعة في المدن اليونانية القديمة ولكنها اختفت في العصور الحديثة. وفي ظل الديمقراطية المباشرة يكون للمواطنين حق التعبير المباشر، إرادة الدولة، وتحكم الحكومة الشعبية. وفي هذا الشكل من الديمقراطية، يمارس الشعب جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيضع القوانين ويتولى تنفيذها وإدارة المرافق العامة، كما يتولى القضاء والفصل في المنازعات.([36])

ولا يأتي هذا الشكل من الديمقراطية إلا إذا كانت الدولة صغيرة في مساحتها قليلة في عدد سكانها، وبالتالي، يستطيع مواطنوها أن يجتمعوا لمناقشة دستور وقوانين الدولة، وهذا النوع كان منتشرا في المدن اليونانية القديمة، والتي كانت تسمى دولة المدينة، وهي تختلف اختلافا جذريا عن الديمقراطية الحديثة. ينطوي هذا النمط على تطبيق المبدأ الديمقراطي بأبعد حدوده وبأقصى نتائجه، إذ في هذا النظام يتولى الشعب بنفسه مباشرة صلاحيات الدولة بدون أن يمر بواسطة أية هيئات أو أفراد كالبرلمان أو الملك أو الرئيس أو القاضي. من دعاتها (جون جاك روسو) الذي يعتبرها التطبيق المثالي والحقيقي للسيادة التي تكون قابلة للتنازل عنها، ولعدم قابلية الإرادة الشعبية للتعديل أو الإنابة، الشيء الذي جعله ينتقد النظام النيابي بشدة، لكن رغم ذلك كان (روسو) واعيا ومدركا بعدم واقعية الديمقراطية المباشرة واستحالة تطبيقها خاصة مع اتساع رقعة الدولة.

وقد كانت الديمقراطية المباشرة سائدة في الدول المدنية القديمة لدى اليونان خصوصا، وفي أوائل تاريخ روما وفي المدن الشرقية، حيث انقسم السكان إلى ثلاث طبقات هي طبقة النبلاء وطبقة العبيد وطبقة التجار الأجانب، وكانت هذه الديمقراطية تمارس من طرف النبلاء فقط. إلى جانب ذلك، نجد آثار الديمقراطية المباشرة في بعض المقاطعات السويسرية، حيث يستعيد المواطنون في تاريخ معين من كل سنة، وفي وسط احتفال شعبي كبير، سيادة المقاطعة التي يكون قد انتدبوا لممارسة بعض وظائفها عددا مختارا بطريقة الانتخاب من مواطنيها.

- الديمقراطية غير المباشرة: تعني الديمقراطية غير المباشرة النظام السياسي الذي قوامه برلمان، يختار الشعب نوابه لممارسة السلطة، ويتم ذلك بواسطة الأحزاب السياسية، ويعهد السلطة إلى هيئات تتولى ممارستها نيابة عنه. ومن مزايا الحكم النيابي أنه سهل التطبيق خاصة في الدول كثيرة السكان، وأن اختيار النواب يكون الأصلح وخاصة في المسائل الفنية أو العلمية التي تحتاج إلى مختصين أو ذوي خبرة، ويوصف النظام بأنه نيابي في ضوء النقاط الآتية:

- يتعين أن يكون هناك برلمان منتخب من الشعب، أي نابع من إرادته.

- يعتبر عضو البرلمان ممثلا للأمة كلها أو ممثلا لناخبي دائرته وللأمة، ويجب أن يستقل عضو البرلمان عن ناخبيه إبان فترة نيابته فلا يكلف بتقديم حساب أو حصيلة لهم عن أعماله، وليس لهؤلاء حق عزله.

- ينتخب عضو البرلمان لمدة معينة، وذلك حتى لا يترتب على استقلاليته عن ناخبيه إبان فترة نيابته فقدان الأمة كل رقابتها على البرلمان، فإذا كان العضو منتخب لمدة قصيرة يحمله هذا أن يعمل جاهدا للاحتفاء بثقة ناخبيه حتى يعاد انتخابه في الموعد الانتخابي القادم.

- لا يكون المجلس نيابيا إذا كانت له سلطات جدية، فلا تعتبر المجالس الاستشارية مجالس نيابية، حتى لو كان أعضاءها منتخبون، إذا، المفروض في المجالس النيابية في منطق النظام النيابي إنما ينوب النائب عن الأمة في مباشرة سلطاتها، وليس هو صاحب السلطة.

- إن الأمة في النظام الديمقراطي هي مصدر السلطات جميعا، ولذلك تتولى المجالس النيابية السلطة التشريعية إما منفردة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وإما بالاشتراك كما هو الحال في انجلترا.

على العموم، قد يمزج نظام الحكم بين نظام الديمقراطية المباشرة ونظام الديمقراطية النيابية، وذلك بأن ينتخب الشعب هيئة نيابية تمثله وتتولى السلطة باسمه على أن ترجع هذه الهيئة النيابية إلى الشعب لتستفتيه في بعض الأمور الهامة، ويسمى هذا النظام بالديمقراطية الشبه المباشرة أو شبه النيابية، وتستخدم وسائل عديدة لتطبيق الديمقراطية الشبه المباشرة وهي:

  • الاستفتاء الشعبي: فالبرلمان يضع مشروع القانون ثم يعرض على الشعب لأخذ رأيه فيه، فإذا وافق عليه أصبح واجب التنفيذ. وإذا اعترض عليه يسقط المشروع وهذا يسمى بالاستفتاء التشريعي، وقد يكون الاستفتاء سياسيا إذا كان متعلقا بمسالة سياسية.
  • الاعتراض الشعبي: ذلك إذا اعترض الشعب على قانون معين أو إجراء معين اتخذه البرلمان خلال فترة معينة يحددها الدستور.
  • الاقتراح الشعبي: ويقصد به اقتراح الشعب مشروع قانون يتقدم به إلى البرلمان.

عموما، هناك طرق متعددة ومتداخلة للديمقراطية، فقد تجمع الدولة فيما يتعلق باختيار حكامها بين الديمقراطية الأوتوقراطية فتلجأ الدولة لنظام وسط بينهـما، فقد تلجا إلى إتباع الطرق الديمقراطية في اختيار الآخرين (غير رئيس الدولة)، ويتضح ذلك في أن يوجد في الدولة حـاكم وراثي (ملك) بجوار برلمان ينتخب أعضاءه (كما هو الحال في المغرب في ظل النظام الملكي مع وجود برلمان منتخب)، حيث تختلف درجة الأوتوقراطية أو الديمقراطية بقدر إتباع سلطة الملك أو سلطة البرلمان أو التوازن بينهما. وإذا كان رئيس الدولة منتخبا ففي هذه الحالة يتم انتخابه بطرق عديدة تختلف باختلاف الدساتير، فالبعض يتم انتخابه بواسطة الشعب، والبعض الآخر يتم انتخابه بواسطة البرلمان، وبعضها الآخر ينتخب عن طريق هيئة ناخبة. ويعاب على طريقة الانتخاب عن طريق الشعب أن الرئيس المنتخب قد يستأثر بالسلطة مادام يتمتع بدعم شعبي كونه استمد سلطته من الشعب مباشرة، وهو ما فعله نابليون في فرنسا الذي اختاره الشعب الفرنسي، فاستبد بالسلطة، وعين نفسه إمبراطورا على فرنسا مدى الحياة. أما انتخاب أعضاء حزب وحصوله على الأغلبية فإنه يحق لرئيس ذلك الحزب أن يترأس السلطة التنفيذية، وبالتالي، يصبح رئيس السلطة التنفيذية مقيدا برقابة السلطة التشريعية (البرلمان) من جهة، ولحزب الأغلبية في البلاد من جهة ثانية، ومن ثم تخضع السلطة لسيادة القانون، وهو ما يظهر في حالة بريطانيا على سبيل المثال.

ج. متطلبات الانتخابات الديمقراطية:

يتطلب إجراء انتخابات ديمقراطية ثلاث دعائم أساسية موجودة في الأنظمة السياسية في الديمقراطيات العريقة.

غير أنها ما زالت موضع نقاش في الديمقراطيات حديثة النشأة، وتتمثل هذه الدعائم في:([37])

- وجود بناء مؤسساتي ديمقراطي: إن الانتخابات ضرورية، لكنها غير كافية لبناء نظام ديمقراطي، لأن العلاقة بينهما ليست علاقة ميكانيكية بل هي علاقة نسقيه، بمعنى أن الانتخابات ليست سوى عنصر لا معنى له خارج باقي الأنساق الأخرى المشكلة للبناء الديمقراطي، من قبيل وجود مؤسسات دستورية ذات مصداقية، وقائمة على مبدأ فصل فعلي بين السلطات، والتمايز الهيكلي بين المؤسسات، والتداول السلمي على السلطة،([38]) ووجود مؤسسات حزبية حقيقية وقوية، قادرة على صياغة برامج سياسية قابلة للتطبيق، وتسويقها لدى ناخبين أو مواطنين يمتلكون حدا أدنى من القدرة على الاختيار العقلاني، في إطار من التنافس الحر، وضمانات قانونية للمساءلة والمحاسبة.

- المشاركة الفعلية للمنتخبين في صناعة القرار: الهدف الأساسي من العمليات الانتخابية هو تمكين المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرار، في كل ما يتعلق بقضايا الشأن العام، وذلك عبر ممثلين لهم في المؤسسات المنتخبة. وبناء عليه، يفترض أن تكون هذه المؤسسات هي صاحبة القرار، ليس فقط على المستوى الدستوري النظري، بل أيضا على مستوى الواقع العملي.([39])

- وجود حد أدنى من القدرة على الاختيار العقلاني: أي أن تكون أصوات الناخب وسيلة موجهة نحو هدف محدد، يتمثل في الفصل والتمييز بين البرامج السياسية المتنافسة، وترجيح كفة مرشح على حساب آخر لا يقوم على اعتبارات شخصية، بل كحامل لبرامج وتصورات لمعالجة قضايا الشأن العام.

د. معايير الانتخابات الديمقراطية:

إن أكبر مشكلة تتخبط فيها شعوب العالم الثالث حاليا تكمن في مصادرة حقوقهم في اختيار ممثليهم في السلطة، نتيجة غياب حرية ونزاهة الانتخابات، والتي تعتبر الوسيلة الأنسب نحو تكوين حكم راشد، يكون الشعب هو السيد فيه، ويخلق جوا من التنافس الشريف بدل أن تكون هذه الانتخابات أداة لإعادة إنتاج نفس النخب ونفس السياسات لفترة طويلة من الزمن. وهنا يطرح التساؤل حول: ما هي معايير حرية الانتخابات ونزاهتها وما هي متطلباتها؟

- معيار الحرية: يعني هذا المعيار احترام الحقوق السياسية الرئيسية المتعلقة بحرية الحركة، وحرية التعبير، وحرية الاجتماع، وحرية المشاركة في التصويت... وغيرها، والواردة في مجموعة من الوثائق والاتفاقيات الدولية، وعدد من الوثائق الإقليمية. تتفق هذه الحريات مع الأمور التي اعتبرها "روبرت دال" شروطا مسبقة لما أسماه البولارشية، أي أن معيار حرية الانتخابات يشكل في نفس الوقت أحد متطلبات الانتخابات الديمقراطية، وفي تصورنا فإنه يمكن أن نضيف إلى تلك الحريات والحقوق بعدين جديدين، الأول أن تجري الانتخابات في ظل حكم القانون، والثاني أن تتسم الانتخابات بسمة التنافسية.

- احترام مبدأ حكم القانون: لعل أول وأبرز معايير حرية الانتخابات الديمقراطية في النظم الديمقراطية أن تلك الانتخابات، لابد أن تحترم مبدأ حكم القانون بمعنى خضوع أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين وإدارة، إلى كل قانون مسبق يحدد التزامات وحقوق كل طرف، ويطبق بكل حذافره دون ضغوط أو تحايل من السلطة، وهو ما يعبر عن سيادة القانون بدل سياسة استبداد الحكام بالسلطة.

وفق هذا المجال يمكن للطرف المتضرر المطالبة بحقوقه المكفولة قانونا، ولا تملك السلطة مجالا للتلاعب أو الاحتيال، سواء أكان هذا التلاعب يمس بكيفية التقدم للترشح، أو يمس بالقواعد التي تنظم الحملات الانتخابية، أو يمس بالمسائل المتصلة بتنظيم يوم الانتخابات.([40])

- احترام مبدأ التنافس: أي وجود تنافس حقيقي بين مرشحين متعددين وبرامج مختلفة، ويتضمن هذا معيارين رئيسيين، معيار كمي، يكمن في ضرورة أن لا تقتصر الانتخابات على مرشح واحد فقط، كما كان الحال مع النظم الماركسية ذات النظام الشمولي في الاتحاد السوفييتي (سابقا)، ودول شرق أوروبا والعديد من دول إفريقيا وآسيا، قبل موجات التحول في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، وقد أفرزت بعض الانتخابات ذات مرشحين متعددين، لكن دون أن تترك للناخبين حرية الاختيار، وذلك باستعمال أساليب متعددة من الترغيب أو الترهيب أو التزوير بغية ضمان فوز مرشحي التيار الحكومي فقط([41]).

ومعيار كيفي، أي أن الانتخابات التنافسية الحرة لابد أن توفر أمام الناخب اختيارات وبرامج متعددة ومختلفة، فتشابه البرامج وتقاربها يقلل من درجة التنافسية التي يجب أن تتمتع بها الانتخابات الديمقراطية. كما أن هناك انتخابات تسود فيها جبهات قومية مع سيطرة الحزب الحاكم وذلك كما كان الحال في بولندا وألمانيا الشرقية إبان الحكم الشيوعي.

والجدير بالذكر أن مبدأ التنافسية ليس مبدأ مطلق، بل ترد عليه بعض القيود، فتمتع بعض الأحزاب بالقوة والنفوذ والإمكانيات المادية والبشرية يجعلها تسيطر بطريقة غير مباشرة على الساحة الانتخابية، ولا تدع مجالا واسعا لباقي الكتل السياسية الصغيرة للتحرك رغم وجود التنافس الحر، وهو ما نجده حاصلا في أعرق الديمقراطيات، ففي أمريكا مثلا يسيطر عليها الحزب الجمهوري والديمقراطي، وفي انجلترا نجد حزب المحافظين وحزب العمال.

- ضمان حرية المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام: تعد حماية حريات الأفراد وحقوقهم الرئيسية و لاسيما حريات المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام، من معايير حرية الانتخابات الديمقراطية، وتتصرف حرية المعرفة إلى حق الناخبين في معرفة ومناقشة آراء وأفكار وبرامج كل المترشحين في الانتخابات دون قيد أو شرط أو خوف من التعرض إلى الأذى من السلطات، ويتطلب كل هذا ضمان حق المترشحين للمناصب السياسية في الإعلان عن أفكارهم وبرامجهم والترويج لها بين الناخبين دون قيود أو معوقات، وكذا حق عقد الاجتماعات والمؤتمرات الانتخابية والتجمعات الجماهيرية، وذلك دونما تمييز أو قيود من السلطة.

يرتبط هذا بحق كل المرشحين في الحصول على فرص متساوية في استخدام موارد الدولة ووسائل الإعلام المختلفة لعرض برنامجهم وآرائهم بحرية دون خوف من بطش السلطة الحاكمة، وقد أثارت هذه الحريات الكثير من النقاشات حول ضرورة ضمان حد أدنى من هذه الحقوق، لاسيما حق استخدام وسائل الإعلام، وعقد المؤتمرات الانتخابية لكل المرشحين عن طريق تخصيص الاعتمادات المالية لهذا الغرض([42])

- حرية تشكيل منظمات سياسة مستقلة عن السلطة التنفيذية: يرتبط بعنصر التنافسية ضرورة ضمان حرية تشكيل المنظمات السياسية المستقلة عن السلطة التنفيذية من أحزاب وتكتلات سياسية، وكذا ضمان حرية الترشح في الانتخابات، وهذا يعني عدم وجود قيود رسمية أو فعلية على إنشاء تلك المنظمات، وإمكانية التنافس على المناصب السياسية والمقاعد النيابية، ومن هنا فإن الانتخابات الديمقراطية لا يجب أن تشهد إقصاء فئة أو جماعة ما من حق الانضمام في حزب أو تكتل سياسي، أو الترشح لمناصب سياسية، وذلك مثل ما فعل الحزب الحاكم في المكسيك قبل عام 2000، حينما أقصى الأحزاب الدينية والجهوية والمستقلين من التنافس الانتخابي، أو مثلما فعل حكام كينيا، وزمبيا، وكوت ديفوار، عندما منعوا المنافسين الحقيقيين من فرصة الترشح([43])

هـ. معايير نزاهة الانتخابات:

يرتبط معيار نزاهة الانتخابات بعنصر الحياد، الذي يجب أن تتسم به الجهة المشرفة على الانتخابات في تعاملها مع كل أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين ومشرفين ومراقبين في جميع مراحل العملية الانتخابية، بدءا من حق الاقتراع، مرورا بكيفية تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد سياسية، وكيفية ممارسة هذا الحق، وانتهاء بكل ما يتصل بالإشراف على الانتخابات وفرز الأصوات وإعلان النتائج. ونعني بالحياد، حياد القوانين والقواعد والأنظمة المنظمة لعملية الانتخاب، وكذا حياد الهيئة المشرفة أو الإدارة في تنفيذها لتلك القوانين والقواعد.

- تسجيل الناخبين بشفافية: يعمل تسجيل الناخبين في سجلات انتخابية للانتخابات الديمقراطية على تحقيق هدفين رئيسيين، فهو يوفر آلية للنظر في المنازعات التي قد تثار في شأن حق الفرد في التصويت، وذلك بشكل منتظم وقبل يوم الانتخاب، وهذا في حالة ما إذا حاول شخص لا يملك حق الانتخاب أن يدلي بصوته في الانتخابات، أو عندما يحاول شخص ممارسة حقه مرتين، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن تسجيل أسماء الناخبين في سجلات انتخابية يسهل عملية التنظيم وتحديد الدوائر الانتخابية وتحديد القوة البشرية المشرفة على الدوائر الانتخابية.

- الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات: من أبرز معايير الانتخابات الديمقراطية حياد القائمين على إدارتها في جميع مراحلها بدءا بالإشراف على تسجيل الناخبين والمرشحين، مرورا بإدارة يوم الانتخاب، وانتهاءً بعملية فرز الأصوات وإعلان نتائجها النهائية والإشراف على حق الناخبين في الشكوى والتظلم والطعن.([44])

من الناحية الوظيفية، تعمل الإدارة المشرفة في إطار منظم قانونيا، واحترام مبدأ سيادة القانون، لذا فإن التأكد من معاملة كل الناخبين والمرشحين وفقا للقانون ودون أدنى تمييز يعد من أكبر مهام تلك الإدارة، وتكتسب الإدارة المشرفة على الانتخابات ثقة المواطنين من خلال الالتزام بالحياد السياسي والحزبي، الذي قد يفهم من القيام ببعض التصرفات أنه تغليب مصالح الحكومة القائمة أو مصالح فئة ما أو حزب سياسي في حال الإعلان على مواقف سياسية محددة، أو الخوض في نشاطات ذات صلة بأحد الجهات المتنافسة.([45])

- قانون انتخابي عادل وفعال: تسند نزاهة عملية إدارة الانتخابات إلى القانون الانتخابي الذي ينظم عملية الانتخاب في مراحلها المختلفة، حتى يستطيع أن يأتي التطبيق فيما بعد معبرا فعلا عن إرادة الشعب، فتبني نظام انتخابي معين له الأثر البالغ في تحديد النتائج وفرز الأصوات، ولذلك يجب أن يعمل كل نظام انتخابي على تحقيق كافة أهدافه، والمتمثلة في:

-         تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد في الهيئات التمثيلية بالبرلمانات.

-         توفير الآلية التي يمكن من خلالها للناخبين محاسبة ممثليهم.

-         توفير حوافر للمتنافسين من أجل عرض برامجهم وآرائهم وتمثيل كافة فئات المجتمع.

ومن أخطر الأمور على الإطلاق أن نلتمس عدم النزاهة بسبب القانون نفسه، بحيث نجده يتعارض مع حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، بحيث يكون مبرمجا لأن يضيّق باب الترشح ويضع شروطا تعجيزية لا تسمح إلا لفئة محددة بذلك، ومثال ذلك الدستور المصري، الذي جاء بقائمة طويلة من الشروط التعجيزية التي كانت محل انتقاد شديد من طرف الرأي العام المصري. كما أن الدستور السوري جعل الوصول لكرسي الرئاسة لا يكون إلا من بوابة حزب البعث الذي اعتبر الحزب القائد في المجتمع والدولة.

- دورية الانتخابات: تعني دورية الانتخابات إجراءها على فترات زمنية دورية، ويقتضي ذلك أنه لا يوجد منتخب مدى الحياة، كما كان سائدا في العديد من الدول كليبيا مثلا، حيث أن رئيس الدولة تواجد في سدة الحكم منذ 1969 وإلى غاية سنة 2011 دون إجراء أية انتخابات. وتكمن أهمية هذا المعيار في حدوث التغيير الذي هو عنصر مهم جدا في التطوير والنمو، وتحقيق التداول على السلطة التي هي من أسس الديمقراطية، وتجعل المنتخب يعمل كل ما في وسعه خلال عهدته من أجل كسب ثقة المصوتين وضمان أصواتهم للانتخابات القادمة، إضافة إلى توفير معيار ضامن لهذه الدورية، وهو تحديد العهدات الانتخابية المسموح بها لنفس الشخص، وهذا ما يعطي فعالية أكبر ومصداقية لمعيار دورية الانتخابات.

3. دور الانتخابات في تكريس المشاركة السياسية والتمثيلية

تعد المشاركة السياسة أساس العملية الديمقراطية باعتبار أن هذه الأخيرة تعني حكم الشعب، وعليه، فالمشاركة السياسية تعني التعبير العملي الذي يتيح للشعب المشاركة في اتخاذ القرار من جهة الرقابة على السلطة الحاكمة، والتأثير عليها من جهة أخرى.([46])

تتفاوت التعريفات المختلفة للمشاركة بوجه عام بين العمومية والتحديد، وبين الشمول والضيق، فالنظرة إليها تختلف باختلاف الزاوية التي ينظر منها كل باحث. وعموما، هناك أربع اتجاهات رئيسية للمشاركة السياسية:

الاتجاه الأول يراها بأنها: "أنشطة وأعمال تستهدف اختيار الحكام، والتأثير في القرارات الحكومية عبر أعمال مشروعة".

أما الاتجاه الثاني فهو يحدد المشاركة السياسية بأنها "عملية يلعب الفرد من خلالها دورا في الحياة السياسية، ويشارك في صنع الأهداف العامة لمجتمعه، ومحور اهتمام هذا الاتجاه هو دور المشاركة في صنع الأهداف العامة للمجتمع وتحديد وسائل إنجازه".

ويعرف الاتجاه الثالث المشاركة السياسية على أنها "عملية تتسم بالشمول والاتساع، وهي تعني الانشغال بالسياسة ولا يُستبعد أي عمل سياسي".

أما الاتجاه الرابع والأخير فهو ذلك الاتجاه الذي ينظر إليها نظرة ضيقة للغاية حيث يقتصرها على أنها: "تتمثل في المشاركة في عملية التصويت في الانتخابات".

وإزاء هذا الخليط من المعاني والمفاهيم المختلفة لمفهوم المشاركة السياسية، قد يكون من المفيد التعرض إلى تعريفات قد تحدد المفهوم أكثر.

يرى سامويل هينتنجتون المشاركة السياسية بأنها ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء كان هذا النشاط فرديا أم جماعيا، منظما أو عفويا، متواصلا أو متقاطعا، سلميا أو عنيفا، شرعيا أم غير شرعيا، فعالا أم غير فعالا. وفي هذا التعريف اعتبر أن العنف السياسي أحد أشكال المشاركة السياسية.([47])

أما فيليب برو فقد اعتبر المشاركة السياسية تتمثل في مجموعة النشاطات الجماعية التي يقوم بها الحكوميون، وتكون قابلة لأن تعطيهم تأثيرا على سير عمل المنظومة السياسية، ويقترن هذا المعيار في النظم الديمقراطية التي يعتبر فيها مفهوم المواطنة قيمة أساسية.

ويمكن أن نؤكد هنا أن المشاركة السياسية عمل إرادي طوعي، ذو طابع سياسي يختلف على بقية الأعمال الأخرى، يستهدف إشراك المواطن في صناعة القرار، ورسم السياسة العامة عن طريق اختيار الحكام والتأثير عليهم، وتعتبر المشاركة السياسية الوسيلة الأولى لإرساء الديمقراطية، والطريقة المثلى لكسب الشرعية.

وبالحديث عن ما تحتله عملية التصويت في الانتخابات من مكانة داخل المشاركة السياسية، فإن التصويت في الانتخابات يعتبر أقل درجة للمشاركة الإيجابية، حيث أنه لا يتطلب إلا الحد الأدنى من الالتزام الذي ينقطع بمجرد أن يلقي الفرد بالورقة التي تحمل صوته في صندوق الانتخاب.

إن المشاركة بالتصويت فقط تشكل الشق السلبي من المشاركة السياسية مقارنة بأوجه المشاركة الأخرى، حيث هناك ستة أقسام من المشاركة من بينها السلبيون، وهم الذين يقتصر نشاطهم الوحيد على التصويت في الانتخابات، ويمثلون في هذا التقسيم آخر وأضعف مستويات المشاركة السياسية.

وقد اعتبر أغلب علماء الاجتماع أن تقلد منصب سياسي أو إداري، يقع على رأس أوجه المشاركة السياسية، بمعنى أنه يمثل أقصى درجات المشاركة، ويأخذ مستوى المشاركة في الهبوط والتناقص إلى أن يصل إلى أسفل القاعدة وهو التصويت، باعتباره أدنى مستوى من صور وأشكال التعبير عن المشاركة في الحياة السياسية من طرف المواطن.([48])

وبالرغم من ذلك، يبقى التصويت في الانتخابات من أهم مظاهر المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية،([49]) حيث يرتبط مباشرة بالديمقراطية التمثيلية، التي تعني أن الشعب يمارس السلطة من خلال ممثليه، فحتى يشارك الشعب في السلطة، عليه أن يختار ممثليه، وهذا ما يتم عن طريق الانتخابات التي تختلف نظمها وأنواعها من نظام سياسي إلى آخر، ولكنها تتفق جميعا على أن الصوت الذي يدلي به المواطن في الانتخابات هو النصيب الفردي للمواطن في المشاركة السياسية، وأن مجموع الأصوات المجمعة، والتي تشكل الغالبية، هي تعبير عن إرادة الأمة.

لكن ترتبط أهمية الانتخابات في التعبير بإرادة الأمة، وتجديد المشاركة السياسية للمواطنين بطبيعة النظام السياسي، وبمدى صدق التوجهات الديمقراطية، وخصوصا انصياع النظام الحاكم لما تفرزه صناديق الانتخاب، وقبوله التناوب على السلطة.

بناء على ما سبق، فقد أصبح الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، لا سيما عن طرق إجراء انتخابات حرة ونزيهة، حلقة مهمة في سلسلة الحلقات المفضية إلى إقامة النظام الديمقراطي والحكم الراشد، ووسيلة أساسية لتعبير الشعب عن إرادته في اختيار الحكام وفي استبدالهم، وبقدر يحقق إتاحة فرص على قدم المساواة للمشاركة في الانتخابات من دون تمييز في العرق، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي، أو غير ذلك.([50])

أ. السلطة مصدرها الشعب:

تقوم الانتخابات الديمقراطية بوظيفة التعبير عن مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات، وتنفيذ آلية التمثيل النيابي، وذلك من خلال إتاحة الفرصة أمام الناخبين لممارسة أبرز صور المشاركة السياسية في عملية صنع القرارات، وهو الاقتراع العام. هذا يعني أن الحكومة تستند في ممارسة مظاهر السلطة إلى عنصر التفويض الشعبي، أي أن الحكم ليس حقا إلهيا كما كان في بعض النظم قديما، وليس حقا موروثا كما هو في النظم الوراثية، كما أنه لا يتم من خلال القهر والغلبة كما في النظم العسكرية والدكتاتورية. وبهذا يتحقق الفصل بين الحاكم كشخص، وبين السلطة كوظيفة يؤديها الحكام لحساب الجماهير، وبتفويض منهم وليست ملكا يتولونها بغير قبول من المحكومين، وبهذا أيضا يمكن التمييز بين النظم الديمقراطية وغيرها من نظم الحكم المستبدة.

وعليه، فإن الربط بين مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة والانتخابات هي الطريقة التي يستمد من خلالها الحكام السلطة من الجماهير، وكذا الطريقة التي يمكن للجماهير من خلالها ممارسة حقهم في مقاومة وتغيير من لايعبر عن آمالهم ومطالبهم. كما أن هذا الربط يمكن الإنسان من الإحساس بقيمته كمواطن مشارك في العمل العام، وفي صنع القرارات، وليس مجرد متلقّ ومنفذ لما يقرره صناع القرار.([51])

بالمقابل، وفي الأنظمة غير ديمقراطية التي تتأسس فيها العلاقة بين الحكام والمحكومين على القوة بدل الإقناع، والتي يتم فيها تحديد أصحاب القرار عن طريق التعيين وليس عبر تنافس انتخابي بين مرشحين، تصبح الانتخابات تعبر عن ديمقراطية صورية، هدفها شرعنة النظام السلطوي أمام الجماهير. ولعل من أبرز النظم التي تبتعد عن هذا المقصد، وتستخدم في الوقت نفسه آلية الانتخابات نظم الحكم التي تأخذ العلاقة بين الحكام والمحكومين، إذ أفرزت شكل العلاقة بين "السيد وتابعه"، وهنا لا تعبر الانتخابات عن إرادة الشعب أو اختيارات الناخبين، ولا عن آراء فردية، وإنما تعكس حقيقة العلاقة بين الحاكم والمحكوم القائمة على التبعية المطلقة المستندة إما إلى خوف المشاركين (أو المدفوعين إلى المشاركة) من تنكيل السلطة وبطشها، أو تطلعهم إلى الحصول على مكسب مادي أو معنوي من جراء مشاركتهم. إن العنصر الحاكم لتلك المجتمعات هو عنصر الخوف والإكراه، أو الطمع في مكاسب مادية أو معنوية، وليس الرضا والإقناع والعمل من أجل الصالح العام.([52])

ويرتبط مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتحديد من يحكمها عبر صناديق الانتخاب، دون تأثير مباشر أو غير مباشر على أي فرد أو مجموعة من الأفراد داخل النظام الاجتماعي، أو من أية قوة أو هيئة خارجية. ولهذا فإن محاولات بعض القوى الدولية التأثير في نتائج الانتخابات في دول أخرى أمر يتنافى مع مبدأ الانتخابات الديمقراطية.([53])

ب. نمط جدي لاختيار الحاكمين:

توفر الانتخابات الديمقراطية الطريقة التي يتم من خلالها اختيار الحكام بتفويض شعبي، وذلك من خلال انتقال السلطة إلى المرشحين الفائزين في الانتخابات التي تتصل برئاسة السلطة التنفيذية أو أعضاء المجالس النيابية، أو الاثنين معا، وذلك وفقا للقواعد ذات الصلة في النظامين السياسي والانتخابي.([54]) فعلى سبيل المثال، تفرز الانتخابات في الديمقراطيات الغربية المعاصرة سلطة نيابية (تشريعية) مسئولة أمام هيئة الناخبين، وسلطة تنفيذية تكون مسئولة إما أمام الناخبين مباشرة، أو أمام هيئات نيابية منتخبة كما هو الحال بالنسبة للوزارات في النظم البرلمانية أو النظم شبه الرئاسية. هذا فضلا عن اختيار المسؤولين بالانتخاب في بعض المجالس الإقليمية والمحلية في جل الديمقراطيات المعاصرة. وفي النظم البرلمانية ذات نظام الحزبين الكبيرين، يعد اختيار النواب في المجلس النيابي عن طريق الانتخاب اختيارا مباشرا، وإذا حصل الحزب على أغلبية الأصوات فإن السلطة التنفيذية تؤول له كونه صاحب الأغلبية، فزعيم الحزب أو الكتلة التي تحظى بالأغلبية في المجلس النيابي، يكون المرشح لمنصب رئيس الوزراء، وذلك كما الحال في النظام البريطاني، وهذا من أجل تفادي الوقوع في أزمة برلمانية تقليدية تؤدي إلى سحب الثقة من الحكومة القائمة، كون هذه الأخيرة تتمتع بأغلبية برلمانية تساند سياساتها، ولا تصطدم تلك السياسات بالرفض الذي يؤدي إلى إسقاط الحكومة القائمة.

وفي الديمقراطيات المعاصرة لا يفترض بالضرورة أن يقوم نواب المجالس النيابية بالعمل وفقا لرغبات محددة للناخبين، إذ أن جوهر أي عملية انتخابية هو ما يسمى بالتفويض العام، أي تفويض هؤلاء النواب قدرا كافيا من السلطة لاقتراح السياسات واتخاذ القرارات، وذلك تبعا للأوضاع والمتغيرات التي يواجهونها أثناء فترة عملهم كنواب عن الشعب، وبغرض تحقيق ما يرونه متوافقا مع المصالح العامة للناخبين.

وتضمن المجالس التشريعية النيابية مبدأ التعددية السياسية، والتي لا تكون إلا في حالة تشكيل مجالس نابعة من عملية انتخابية نزيهة، وذلك من خلال تمثيل كافة التيارات السياسية الرئيسية في المجتمع وتمثيل أفضل للنساء والأقليات في الدول ذات التعددية العرقية، أو اللغوية، أو الدينية، وذلك وفقا لقواعد النظامين السياسي والانتخابي المعمول بهما في الدولة. على عكس ذلك في الانتخابات التي يجريها الحكام المستبدين في النظم غير الديمقراطية، التي غالبا ما تنتج هيمنة شبه مطلقة في البرلمانات من قبل الحزب الحاكم أو الجبهة الحاكمة.

4. دور الانتخابات في تكريس الشرعية

تقوم الانتخابات بوظيفة توفير شرعية شعبية للحكومة المنتخبة، أو تجديد شرعية الحكومة القائمة. فعن طريق الانتخابات الديمقراطية -التي تسري بشكل دوري- يصل إلى مواقع صنع القرار أولئك الذين يحظون بقبول الناخبين.([55]) فالشرعية إذا، تستند في النظم الديمقراطية على أن الحكومة المنتخبة التي تعمل في إطار المبادئ الديمقراطية تخضع لإرادة الشعب من خلال آلية الانتخابات التنافسية والدورية، وهذا بالطبع إلى جانب وسائل أخرى حال وجود إطار دستوري يحترمه الجميع، ووجود آليات لمساءلة المسؤولين ومحاسبتهم، وآليات للمشاركة السياسية، وصحافة حرة ومستقلة، واستقلال قضائي، والتمتع باستقرار سياسي واقتصادي. وتوفر الانتخابات الديمقراطية آلية لتجديد شرعية الحكومات القائمة، حيث أن الحكومات القائمة في الدول الديمقراطية قد يعتريها الضعف لسبب أو لآخر، ومن ثم تحتاج إلى تجديد شرعيتها وسط ناخبيها.

ومن هنا، يستطيع النظام الديمقراطي -عن طريق آلية الانتخابات التنافسية الدورية- أن يجدد شرعية الحكومات القائمة، ويعزز من الدعم الذي يوفره الناخبون لأولئك الذين هم في مواقع صنع القرار، يعني ذلك أنه التجديد الذاتي لشرعية النظام الديمقراطي عن طريق الانتخابات الديمقراطية.([56]) وهذا عكس ما هو عليه الحال في النظم غير الديمقراطية، التي طور حكامها أساليب عدة لإضفاء شرعية غير حقيقية على حكمهم المطلق، ومن هذه الأساليب:

- نظام الحزب الواحد، الذي تطبقه الصين وكوريا الشمالية اليوم، وطبقته المكسيك إبان حكم الحزب الثوري حتى عام 2000، وطبقته الجزائر منذ استقلالها سنة 1962 ولغاية 1989، وغيرها من دول المنظومة الاشتراكية، وبعض الدول العربية.

- التستر وراء إصلاحات اقتصادية، لتأجيل الإصلاح السياسي، أو التستر وراء أفكار إيديولوجية أو قومية أو صراعات خارجية.

- اللجوء إلى وسيلة الانتخابات ذاتها والتلاعب في نتائجها، ذلك أن النظم غير الديمقراطية قد تلجأ إلى إجراء عملية انتخابية صورية، وذلك لتضليل المواطنين بادعاء الديمقراطية، وادعاء إشراك المواطن في عملية اختيار الحكام، والواقع أن الانتخابات المجراة نتائجها محسومة مسبقا للجهة المراد وضعها في مراكز صناع القرار.

ولا شك أن حاجة أنظمة الحكم إلى قدر معين من الشرعية، هي التي تدفع الحكام غير الديمقراطيين إلى ابتداع تلك الأساليب، للحصول على ذلك القدر من الشرعية وسط شعوبهم.

وللانتخابات مقصد هام هو محاسبة الحكام ومساءلتهم وقت الانتخابات، وذلك من خلال تقويم برامج المتنافسين قبل الانتخابات، أو عن طريق مكافأة، أو معاقبة، السياسيين إذا ما أرادوا الترشح للمرة الثانية. وهذا المقصد يعد واحدًا من أبرز مقاصد الانتخابات الديمقراطية في النظم النيابية المعاصرة، وأحد الآليات الرئيسية التي يمكن من خلالها التأكد من أن الحكومة المنتخبة تستجيب بانتظام لمطالب الناخبين، وترعى مصالحهم المختلفة، وقد اهتم الكثير من خبراء السياسة بمناقشة مجمل الجوانب المتصلة بالمساءلة الانتخابية، أي مساءلة الحكام عن طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة بصفة دورية، وجعل بقائهم في مواقعهم مرهون بأصوات الناخبين في تلك الانتخابات.

ولأن هذا النوع من المساءلة يعد محاسبة للمسؤولين عما فعلوه في السابق، فإن آلية المحاسبة تتجسد في انتخابات التجديد أو الحصول على فترة جديدة، وليس الانتخابات نفسها التي تم بها تقلد المنصب لأول مرة. ولهذا فالمساءلة هي أحد الأسباب الأساسية وراء السماح بحق الترشح لأكثر من فترة واحدة، في جل المناصب السياسية التي تتم بالانتخاب، إذ أن مقصد المساءلة لن يكون ممكنا بغير هذا الحق. وبجانب هذا النوع من المساءلة، ثمة وسائل تستهدف مساءلة الحكام قبل اختيارهم، كأن يخضع المتنافسون على منصب ما لتقدير وحكم الناخبين قبل إجراء الانتخابات، من خلال وعودهم الانتخابية، وحملاتهم الدعائية. كما أن ثمة حالات يلزم فيها القانون الحكام باستشارة الناخبين عن طريق الاستفتاءات قبل اتخاذ القرار، مثل القرارات المتصلة بتعديل الدستور.

كما توفر الانتخابات آلية للتداول على السلطة وتغيير مركز القوة، وإمكانية تقلد قوى المعارضة -حال فوزها في الانتخابات- الحكم كبديل عن الحكومة القائمة، أي أن الانتخابات هي آلية لتسوية الصراعات السياسية في الدولة الحديثة بطرق سلمية، وهي تؤدي إلى قبول كافة المتنافسين على المناصب السياسية المختلفة بنتائج الانتخابات، والتسليم بشرعية الفائزين لاسيما المتنافسين الخاسرين في الانتخابات، لذا فالنظام الديمقراطي لا يسمح بتغيير الحكومات بطرق غير الاحتكام إلى أغلبية أصوات الناخبين، كالانتقال العنيف للسلطة بانقلاب عسكري أو ثورة مسلحة بشكل مباشر، كما لا يمكن إقصاء حكومة جاءت باختيار الناخبين في انتخابات حرة ونزيهة بشكل غير مباشر.

تقوم الانتخابات الديمقراطية بدور تعبئة الجماهير، فهي مصدر رئيسي من مصادر التجنيد السياسي، ووسيلة هامة من وسائل المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية المعاصرة. عادة ما يقوم السياسيون وقادة الأحزاب بمهمة اختيار المرشحين للمناصب السياسية، وإعداد البرامج السياسية لمواجهة المشكلات والتحديات العامة التي تواجهها مجتمعاتهم، لذا فالانتخابات تلعب دورا محوريا في إعداد وتدريب السياسيين وتأهيلهم لمناصب أعلى، الأمر الذي يسهم في تحديد حيوية المجتمع ويضمن مشاركة عناصر جديدة في وضع السياسات وصنع القرارات.

وعلى العكس من ذلك نجد المجتمعات التي لا تجرى فيها انتخابات ديمقراطية، غير قادرة على تحديد حيوية المجتمع ولا الدفع بعناصر جديدة إلى موقع صنع القرار، فأجيال تفقد بذلك فرصة المشاركة في العمل السياسي وصنع القرار، وما الانتخابات التي يجريها بعض الحكام غير الديمقراطيين إلا وسيلة للسيطرة من خلال ترشيح أتباعهم، وضمان فوزهم بعد التلاعب بقوانين وإجراءات الانتخابات. إذ يتوقف دور الحكام على تبرير تصرفاتهم وسن القوانين التي تضمن لهم البقاء في الحكم لأطول مدة.

هذا النوع من الانتخابات ليس وسيلة للتجنيد السياسي والمشاركة السياسية إنما هو أداة للسيطرة، والحيلولة دون بروز سياسيين جدد يتنافسون على مواقع السلطة.

حوصلة

لقد أصبح النظام الانتخابي الوسيلة الوحيدة لإسناد السلطة -وما يقابلها من مسؤولية- إلى الرؤساء والنواب في الدول الحديثة، سواء أكان هذا على سبيل التقليد كما هو ظاهر في بعض الأنظمة المتمثلة في دول العالم الثالث، أو كونه مبدأ راسخ في بعضها الآخر وهو ما يظهر لدى الدول المتقدمة. كما أصبح الانتخاب من الآليات الرئيسية في الأنظمة الديمقراطية لارتباطه الوثيـق بها، إلى درجة أنه صار يكتسي صبغة المعيار الذي تقاس على أساسه مدى ديمقراطية وانفتاح النظام السياسي من عدمه.

ويعتبر الانتخاب إحدى إفرازات الحياة المشتركة للمجتمعات البشرية، والتي ترتبت عنها صراعات مريرة وعنيفة، سببها الرئيسي يكمن في التضارب الطبيعي لمصالح الأفراد، ومراكزهم في المجتمع بين حاكم ومحكوم، وقد كان هذا الاختلاف يعالج في السابق بأساليب عنيفة كالثـورات والحـروب الدّامية، فكان من الضروري اللجوء إلى أداة لإضفاء الطّابع السلمي على الصراع. وقد كان ذلك باللجوء إلى تقسيم السلطة في المجتمع التي تستوجب من ضمن ما تستوجب اختيار الرجال الأكفاء الذين يختارون أصلح البرامج وأقومها لتسيير الشؤون العامّة للمجموعة، ومن ثمّ تم الاهتداء إلى النظام الانتخابي كوسيلة لا غنى عنها لتحقيق ذلك التنظيم الجديد للمجتمع، وتطوير تقنيات ذلك النظام بما يتلائم مع تطور النظم السياسية والمجتمعات.

والحقيقة أن الانتخاب لم يتشكل في بداية عهده بالشكل الحالي الذي هو متعارف عليه الآن، بل عرف تطورا كبيرا عبر التاريخ سواء في محتوى مفهومه أو في الأشكال التي طبق بها. ففيما يخص الظروف التاريخية التي أدّت إلى الاهتداء إليه كوسيلة لوضع حدّ لمعاناة المـجتمعات أو على الأقل التقليل من حدتهــا حول المسألة الجوهرية التي تتعلق بكيفية إسناد السلطة وإضفاء الشرعية على ممارستها.

تاريخيا، كان القائد التقليدي يفرض سلطته عن طريق القوة، أو الحيلة، سعيا وراء تحقيق ما يعرف بـ "سر الطاعة المدنية" فالإمبراطوريات الرّومانية مثلا أعطت لأباطرتها صفة الألوهية، بنفس الشكل الذي اعتمدته الكنيسة المسيحية لإضفاء الشرعية على الملوك عن طريق طقوس دينية، كما يشهـد على ذلك تاريخ الملكية في فرنسا التي رسخت فكرة الإرث الإلهي للملك، الشيء الذي يمنع أي تمرّد أو عصيان.

أدى عقم هذه التصرفات المنبثقة من تصورات لا تقل عقما، إلى الانتقال من السيادة الإلهية إلى سيادة الأمّة أو الشعب بحسب النظريات التي خاضت في ذلك فيما بعد، والتي اتخذت من النظام التمثيلي آلية له، باعتبارها آلية دستورية تسمح للشعوب بالتدخل في اللعبة السـياسية وفي تسـيير السـلطة عن طريق اخـتيار أشخاص ذوو كفاءات، وهكذا تدريجيا بدأ الانتخاب يأخذ صورته المعاصرة.

 



([1])- A LAURENT, P DELFOSS, A P FROGNIER, les systèmes électoraux: permanences et innovations. paris: L'Harmattan, 2004, p 12.

([2])- Pipa NORRIS, "choosing electoral systems, Proportional, Majoritarian and Mixed Systems" international political science review, vol 18 (3), Harvard University, july 1997, p 299.

([3])- عبد الرزاق سويقات، "إصلاح النظام الانتخابي لترشيد الحكم في الجزائر" مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، نوقشت بقسم العلوم السياسية جامعة منتوري قسنطينة، 2010، ص 34.

([4])- بارة سمير الإمام سلمى، "السلوك الانتخابي في الجزائر دراسة في المفهوم، الأنماط والفواعل" مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد الأول، جامعة ورقلة، جوان 2009، ص 56.

([5])- REYNOLDS, REILLY, Op.Cit, p 22.

([6])- Pierre MARTIN, les systèmes électoraux. 3eme Ed, Paris: Mentchretien, 1997, pp 88–89.

([7])- Michael GALLAGHER, The Politics of Electoral Systems. Oxford University Press, 2005, p 67.

([8])- REYNOLDS, REILLY, Op.Cit, p 24.

([9])- MARTIN, Op.Cit, p 90.

([10])- REYNOLDS, REILLY, Op.Cit, p 43.

([11])- أحمد حسين أبو صفية، "دراسة حول النظم الانتخابية في العالم"، على الرابط الالكتروني:

http://www.4shared.com/postDownload/fRU87jaN/_.html

([12])- عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري. عمان: دار الثقافة، 2009، ص 189.

([13])- سعاد الشرقاوي، النظم السياسية في العالم المعاصر. بدون بلد ودار نشر، 2008، ص 153.

([14])- Kendall Kathleen E, Communication in the Presidential Primaries: Candidates and the Media. 2000, p 70.

([15])- Smith, Kevin B, Governing States and Localities. Washington, D.C: CQ Press, 2011, pp 189–190.

([16])- A Prelimanary meeting of representives of a political party to decide upon a line of policy to be submitted to a convention.

([17])- سعاد الشرقاوي، الأحزاب السياسية (أهميتها-نشأتها-نشاطها). القاهرة: الأمانة العامة لمجلس الشعب، جوان 2005، ص 25,

([18])- Jean marie COTTERET, Claude EMERI, Les systèmes électoraux. 7éme édition, paris: presses universitaire de France, 1999, P 46.

([19])- أندرو رينولدز، بن رايلي، أشكال النظم الانتخابية. ترجمة أيمن أيوب، ستوكهولم: منشورات المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 2007، ص 71.

([20])- فيليب برو، علم الاجتماع السياسي. ترجمة: محمد عرب صاصيلا، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998، ص 310.

([21])- عصام نعمان، "نحو النسبة والخط الثالث والمقاومة المدنية"، مجلة المستقبل العربي، عدد 345، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، نوفمبر 2007، ص 105.

([22])- نفس المرجع الآنف الذكر، ونفس الصفحة.

([23])- اسعد والي، "النظم الانتخابية"، محاضرات مادة الأحزاب السياسية والنظم النتخابية، لطلبة السنة الرابعة ليسانس تخصص تنظيم سياسي وإداري، دفعة 2003-2004.

([24])- ياسين رﺑﻮح، الأحزاب السياسية في الجزائر (التطور والتنظيم). ط1، الجزائر: دار بلقيس 2010، ص 7.

([25])- بن سليمان عمر، "تأثير نظام الانتخاب على الأحزاب في الجزائر1989-2012"، مذكرة ماجستير، نوقشت بقسم العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الطاهر مولاي سعيدة، 2013، ص 92.

([26])- محمد السويدي، علم الاجتماع السياسي مبادئه وقضاياه. الجزائر: ديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، 1990، ص 103.

([27])- المهدي الشيباني دغمان، "الأحزاب السياسية إلتفاتة سوسيولوجية"، مجلة الجامعة الزيتونية، ليبيا: قسم العلوم الاجتماعية كلية الآداب، العدد 16، فبراير2014، ليبيا، ص 20.

([28])- موريس ديفريجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري. ترجمة جورج سعد، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر والتوزيع، 1992، ص 72.

([29])- انتوني جيدنز، علم الاجتماع. ترجمة: فايز الصايغ، ط1، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005، ص483.   

([30])- نور الدين حاروش، الأحزاب السياسية. الجزائر: دار الأمة، 2009، ص 112-113.

([31])- ديفيرجيه، مرجع سابق، ص 89.

([32])- george lavau,"partis politiques et réalités sociales",www.persee.fr.ahess_0395-2649_1955_num_10_4_2504_t1_0603. le 10/09/2014, à 17,00.

([33])- موريس ديفيرجيه، الأحزاب السياسية. ترجمة علي مقلد، عبد المحسن سعد، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011، ص 11.

([34])- عبد الفتاح ماضي، "مفهوم الانتخابات الديمقراطية"، ملتقى الانتخابات والديمقراطية في الدول العربية، جامعة أكسفورد، 2007، ص 02.

([35])- Samuel HUNTINGTON, The third wave: Democratization in the late Twentieth century. London: University of Oklahoma press, 1991, p 07.

([36])- الشرقاوي، النظم السياسية في العالم المعاصر. مرجع سابق، ص 135.

([37])- محمد الهاشمي، "الانتخابات التشريعية 2007 بالمغرب، تجديد السلطوية بقواعد ديمقراطية"، مجلة المستقبل العربي، عدد 345، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص 69.

([38])- أسامة أحمد العادلي، النظم السياسية المعاصرة بين الشمولية والديمقراطية. الإسكندرية: أليكس لتكنولوجيا المعلومات، 2004، ص 94.

([39])- ديفيد بيتام، "الديمقراطية مبادئ، مؤسسات، ومشاكل"، مجلة الفكر البرلماني، عدد 05، الجزائر: مجلس الأمة، 2004، ص 232.

([40])- سعد مظلوم العبدلي، "الانتخابات، ضمانات حريتها ونزاهتها، دراسة مقارنة"، عمان: دار دجلة، 2009، ص 43.

([41])- Philippe LAUVAUX, Les grandes démocraties contemporains. paris: p.u.f, p135.

([42])- أنريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية. ط 2، ترجمة علي مقلد، شفيق حداد، عبد المحسن سعد. بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1977، ص 34.

([43])- السعيد بو الشعير، القانون  الدستوري و النظم السياسية  المقارنة. الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، 2005، ص 139.

([44])- نجيم مزيان، "الانتخابات الحرة  والنزيهة". http/m.capnador.com. Le 30/03/2015

([45])- علي خليفة الكواري، "ما العمل ... من أجل المستقبل؟"، مجلة المستقبل العربي، العدد 195، ماي 1995، ص 60.

([46])- إبراهيم أبراش، علم الاجتماع السياسي. ط 1، عمان: دار الشروق، 1998، ص 237.

([47])- نعيمة ولد عامر، "المشاركة السياسية في الجزائر"، رسالة ماجستير نوقشت بقسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2003، ص 14.

([48])- محمد السويدي، علم الاجتماع السياسي مبادئه وقضاياه. الجزائر: د م ج، ص 160.

([49])- عبد الغفار شكر، "مفهوم المشاركة السياسية في مجتمع تعددي"، في كتاب إصلاح النظام الانتخابي. ط 1، القاهرة: جماعة تنمية الديمقراطية، 1997، ص 37.

([50])- عبد الحسين شعبان، "في الثقافة الانتخابية والمعايير الدولية"، في كتاب أحمد الديين، وآخرون، النزاهة في الانتخابات البرلمانية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009، ص 92.

([51])- عبد الفتاح ماضي، "الانتخابات الديمقراطية"، في كتاب الديين، وآخرون، مرجع سابق، ص 37.

([52])- ماضي، "الانتخابات الديمقراطية"، مرجع سابق، ص 38.

([53])- أحمد سعيد نوفل، "تجربة الديمقراطية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي"، في كتاب الديين، الانتخابات الديمقراطية وواقع الانتخابات في الأقطار العربية. مرجع سابق، ص 247.

([54])- العيفة سالمي، "الانتخابات إطار ضابط ومعايير دالة"، مجلة دراسات استراتيجية، عدد 07، الجزائر: مركز البصيرة، 2009، ص 12.

([55])- ناجي عبد النور، تجربة الانتخابات الجزائرية في نظام التعددية السياسية. عنابة: منشورات جامعة باجي مختار، 2008، ص 12.

([56])- ماضي، "الانتخابات الديمقراطية"، مرجع سابق، ص 39