النظم السياسية المقارنة

إعداد الدكتور: قيرع سليم

2019 / 2020

 

1. تعريف النظام السياسي:

هناك اختلافات واسعة حول تعريف النظام السياسي خصوصا بعد أن اصبح بديلا للدولة في التحليل السياسي لفترة من الزمن. ولذا فالنظم السياسية أصبح ينظر إليها على أنها نوع من الأنظمة الاجتماعية تتمثل في شكل مؤسسي وقانوني يسمى بالدول في الغالب.

2. النظم السياسية المقارنة :

يسميها موريس دوفيرجيه بالمجتمعات الكلية، أي هي النظم الاجتماعية التي تندمج فيها وتخضع لها سائر التنظيمات والمجموعات الاجتماعية الفرعية الموجودة على إقليم معين. وقد تطورت هذه النظم عبر التاريخ من القبيلة إلى الدول المدينة، إلى الأشكال الامبراطورية للدول، مرورا بالنظم الاقطاعية إلى نمط الدولة الأمة في بداية عصر النهضة في أروبا. وهذا يثير مشكلة الفرق بين الدولة والنظام السياسي.  فالنظام كمفهوم مجرد هو كل متكون من أجزاء مترابطة يؤدي التغيير في أحدها لا إلى التغير في بقية الأجزاء ومجمل النظام. ولذا فالكلام عن النظام الاجتماعي يشمل النظام السياسي، ليشير إلى مجموعة من الأفعال المتبادلة بين الأفراد والتي تشكل مجموعة من الأدوار الثابتة.

تعريف دافيد إيستن:  يعرف النظام السياسي أو النسق السياسي بصفة أدق بأنه النظام الفرعي من النظام الاجتماعي الذي يختص في توزيع القيم داخل المجتمع، أو يمارس وظيفة السلطة والاكراه على بقية الأنساق الأخرى.

تعريف فيبر:  له تعريف مشهور حول السلطة بأنها احتكار العنف بوسائل شرعية.

تعريف جابرييل الموند:  يعرف النظام السياسي بأنه " نظام للتفاعل في جميع المجتمعات

المستقلة، ويقوم بوظائف التوحيد والتكيف في الداخل، ويمارس هذه الوظائف باستخدام القسر المادي أو بالتهديد باستخدامه، سواء أكان استخدامه شرعيا أو شرعية غير تامة.، فالنظام السياسي هو القيّم الشرعي على أمن المجتمع، والصانع الشرعي لما يحدث فيه من تغير".

تعريف روبرت دال:  يعطي تعريفا للنظام السياسي اوسع من سابقيه، فهو يرى بأن النظام السياسي هو أيه مجموعة من البشر تتسم بالثبات والانتظام في صلاتها الانسانية والتي تنطوي على علاقات السلطة والحكم والولاية". ولكن هذا التعريف رغم أنه يحاول أن يوسع من مفهوم النظام السياسي ليشمل العديد من أشكال التنظيم خارج أو داخل الدولة، أو ما قبل الدولة، فإنه من الاتساع ليشمل النظام السياسي للدولة، وأشكال التنظيمات التي تتسم بالسلطة والهرمية بوجود حاكمين ومحكومين داخلها مثل الكنائس، الأحزاب السياسية، ...حتى العائلة.

ولا بد من ضرورة التفريق بين النظام السياسي ونظام الحكم، فنظام الحكم يشير إلى مجموع المؤسسات التي تتوزع فيما بينها، وهذا يشمل مؤسسات وأبنية السلطة الرسمية والدستورية، أما النظام السياسي فهو يتضمن عناصر أشمل من ذلك.

ويعرف ألان سياروف نظام الحكم بأنه:  بنية الدولة الرسمية وغير الرسمية، ومجموع الأدوار والعمليات الحكومية، فنظام الحكم يشمل طريقة اختيار الحكومة والمجالس التمثيلية (عبر الانتخابات، الانقلاب، قرار من المؤسسة العسكرية أو الملكية) والآليات الرسمية وغير الرسمية في التمثيل.

3. السياسة المقارنة

1.3. المقارنة كمنهج اساسي في حقل السياسة المقارنة:

قبل التعرض لمفهوم السياسة المقارنة، لابد من التطرق للمقارنة، كمنهج في الدراسة في هذا الحقل العلمي. فالمقارنة يعرفها جون ستيورات ميل بأنها الدراسة المنتظمة للتشابهات والاختلافات، أو دراسة ظواهر متشابهة أو مختلفة في مجتمعات مختلفة. وتهدف المقارنة إلى إبراز جوانب الاختلاف والتشابه وإلى معرفة العناصر المسببة في ذلك، والوصول إلى تعميمات امبيريقية عامة، بناءا على رصد ومتابعة وملاحظة الاختلاف والتشابه، فالمنهج المقارن والدراسات المقارنة لاتقف عند تحديد أوجه التشابه والاختلاف، بل تبحث عن المدلول السببي لهذه النتائج، وتكمن أهمية المنهج المقارن في أنه يستخدم على عدة مستويات: مستوى وصف الظواهر السياسية، مستوى تصنيفها، ومستوى التفسير.

 أ. أهمية المقارنة:

في إطار الدراسات السياسية المقارنة تكمن أهمية المقارنة بإنها تسمح بتصنيف الأنظمة السياسية، إظهار آلية عملها، وإمكانية التراكم المعرفي حولها.

ب. شروط المقارنة:

- تحديد الوحدات، الحالات، المقولات والمفاهيم القابلة للمقارنة، وذلك بأن يجمع بينها قدر من التشابه أو أرضية مفاهيمية مشتركة، فمن الناحية المنطقية لا معنى للمقارنة بين شيئين لا يجمع بينهما أدنى صلة من التشابه.

- أن تكون الظواهر والحالات موضع المقارنة صالحة للمقارنة، وتسمح باعطاء نتائج دقيقة وذات جدوى، بأن لاتكون الفوراق بين الحالات موضع المقارنة شديدة التباعد من حيث الإطار الزماني والمكاني والسياقي.

- تمييز أوجه الاختلاف وأوجه المقارنة، لوصف الخصائص المشتركة والخصائص الخاصة بكل حالة، كأرضية لتحديد متغيرات الدراسة، ولبناء نماذج تصنيفية، ولكشف المتغيرات السببية.

2.3. ماهي السياسة المقارنة:

تعرف بأنها" دراسة الأوضاع السياسية لدول خارجية"، وهناك تعريفات تدمج بين الجانب المنهجي للدراسة، وجانب الموضوع، فالسياسة المقارنة هي حقل دراسي في العلوم السياسية أو من علم السياسة يختص في دراسة ومعرفة وتفسير الظاهرة السياسية التي تتخذ مكانا لها في أطار النظم السياسية للدول، تمييزا لها عن حقل العلاقات الدولية الذي يدرس الظاهرة السياسية بين الدول.

ويعرفها هوارد فياردا بأنها " تتضمن الدراسة المنتظمة والمقارنة للأنساق السياسية العالمية، وتبحث عن تفسير الاختلافات أكثر من التشابهات بين الدول"، فهي تهتم بالكشف عن الأشكال والعمليات المشتركة بين النظم السياسية والوحدات السياسية والكيانات السياسية.

ويعرفها ماهلر بأنها لا تعدو أن تكون دراسة مقارنة للسياسات، بالبحث عن التشابهات والاختلافات بين الظواهر السياسية، ويتضمن ذلك المؤسسات (المجالس التشريعية، الأحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة، السلوك السياسي، الانتخابات، المظاهرات...) والأفكار السياسية...، وذلك ضمن منهجية مقارنة.

4. مكونات النظام السياسي:

في دراسة النظم السياسية بعد مسألة تعريف النظام السياسي، تطرح مسألة مكونات النظام السياسي، أي ما هي العناصر التي يتشكل منها النظام السياسي، ومن الناحية المنهجية إذا أردنا أن ندرس نظاما سياسيا لمجتمع أو دولة ما، ماهي العناصر والجوانب والمتغيرات التي ينبغي جمع المعلومات حولها، حتى تعطينا صورة وصفية متكاملة، وقدرة تفسيرية واقعية. وفي هذا الاطار طرحت عدة وجهات نظر في دراسة مكومات النظام السياسي.

معظم الدراسات تركز على أن مكونات النظام السياسي تتجه إلى دراسة ثلاث عناصر أساسية تتمثل في الحكومة والجانب الثقافي والبنية الاجتماعية، والتي تنقسم بدورها إلى عناصر فرعية، الحكومة، الجماعات السياسية، نظام التدرج الاجتماعي.

أ. الحكومة والمؤسسات السياسية:

ويقصد بها الأداة الرسمية التي من خلالها يتم طرح وبلورة وتنفيذ القرارات السياسية بشكل قانوني. وهناك خطأ شائع بحصرها في الجهاز التنفيذي أو مجلس الوزراء والتي تمثل جزءا من الحكومة، وهي تتشكل بشكل أساسي من أربع فئات من المؤسسات أو الأجهزة والتي يختلف تركيبها من نظام للآخر وهي: الجهاز التنفيذي، الجهاز التشريعي، الجهاز القضائي، وجهاز الادارة الحكومية. فهناك من يدرس الحكومة على أساس السلطات التي تتكون منها والتي تمارسها فعليا، سواء بوجود مستوى من الفصل بين السلطات أو تجميع بعض السلطات أو كلها في جهاز أو شخص واحد، وتتمثل في السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، وهناك من يضيف إليها سلطات أخرى لا تقل أهمية عن السلطات الأخرى تمارسها أجهزة الحكومة مثل السلطة الرقابية التي قد تمارسها المؤسسات التشريعية أو تختص فيها مؤسسة مستقلة مثل مؤسسة النيابة العامة أو مراقب الدولة كما في بعض الأنظمة الأسكندنافية.

 ب.  الاطار الاجتماعي:

ويشمل البنية الاجتماعية: طبقات اجتماعية ونظام التدرج الاجتماعي، والمجموعات الاجتماعية الدينية، الاثنية، اللغوية، والقوى السياسية الفاعلة في المجتمع من أحزاب سياسية ومختلف مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني من جماعات مصالح وجماعات ضاغطة.

ج.  الثقافة ونمط السلوك السياسي:

ويشمل ذلك أنماط القيم والثقافة السائدة في المجتمع وفي الممارسة السياسية والتي تحدد الشكل الذي تتخذه الشرعية السياسية ونمط الايدلوجيا المهيمنة، وعلاقة الثقافات الفرعية للمجموعات مع الثقافة المهيمنة للنظام السياسي، والأدوار الممنوحة للأفراد والجماعات في الحياة العامة.

5. اقترابات النظم السياسية:

نقصد بالاقتراب طريقة التقرب من ظاهرة أو حالة بغية تفسيرها بعد اكتشافها وتحديدها، بالاستناد إلى مفاهيم ومتغيرات رئيسية، وفي النظم المقارنة هناك مجموعة من المداخل النظرية في دراسة الأنظمة السياسية، وأهم هذه المداخل أو الاقترابات نجد مايلي:

أ. الاقتراب القانوني:

- مفهوم القانون: إن أول اقتراب استعمل في دراسة النظم السياسية هو الاقتراب القانوني، وذلك من خلال دراسة صلاحيات الأجهزة الحكومية، والعلاقة القانونية بينها، ومدى تطابق الأنشطة الحكومية والرسمية مع القواعد القانونية، وذلك من منظار المشروعية القانونية للسلوك الحكومي أو القرار السياسي، وتحديد الجهاز أو المؤسسة الدستورية المخولة قانونيا. وهو اقتراب غلب عليه الوصف، يصف الظواهر من خلال معيار المشروعية القانونية، التطابق، الخرق، الانتهاك، ومن خلال مفاهيم اخرى مثل الحقوق، الصلاحيات، الواجبات، الإلزام، المسؤولية، ووصف الاجراءات القانونية المتبعة. مثل وصف البناء القانوني للمؤسسات السياسية، والانتخابات، والاحزاب، كيفية تمويل النشاطات الحزبية من الناحية القانونية، العلاقة بين السلطات،...الخ.

 ب. الاقتراب المؤسسي:

- مفهوم المؤسسة: المؤسسات هي مجموع المظاهر والأنماط السياقية التي تمثل الخيارات الجماعية والتي تحدد وتقيد وتعطي الفرص للسلوك الفردي، ويعرفها صموئيل هنتنغتون نقلا عن العديد من التعريفات السوسيولوجية كما عند تالكوت بارسونز، وصموئيل إزنستادت بأنها: "أنماط من السلوك الثابت والمقيم والمتواتر بين الأفراد". ويقصد بالمؤسسات السياسية مجموعة العناصر التنظيمية الرسمية ذات العلاقة بالنظام السياسي وتشمل المؤسسات التشريعية، التنفيذية، القضائية.

- توجهات المؤسسية: هناك اتجاهان في دراسة المؤسسات، اتجاه تقليدي واتجاه حديث، فالاتجاه التقليدي اهتم بدراسة الأبنية والهياكل الرسمية، ومدى التزامها بالقواعد الدستورية، وبالتركيز على مواضيع: مثل الدولة، الحكومة، البرلمان، السلطة القضائية، الجهاز الاداري، ..الخ، أي دراسة المؤسسات في ضوء شرعيتها الدستورية وبنائها الهيكلي الذي يعبر عنه برسم هيكلي.

أما المؤسسية الحديثة فهي أحد إفرازات الثورة السلوكية، فقد غيرت مفهومها للمؤسسة، واتجهت في تناولها للتحليل المؤسسي من وجهة علاقة المؤسسة التفاعلية مع البيئة المحيطة بها، وقدرة المؤسسة على التكيف والاستمرار. وفي دراسة النظم السياسية لم تعد الدراسة قاصرة على المؤسسات الرسمية الدستورية، بل شمل كل أنواع المؤسسات التي لها دور في صناعة القرار أو  المشاركة فيه.

ج. الاقتراب النسقي:

الاقتراب النسقي كما يبرز من خلال النظرية النسقية التي صاغها دافيد ايستن مثلت أهمية في التحليل السياسي، فقد انطلق من فكرة أن النظام السياسي هو نظام للأفعال المتبادلة يسعى لبحث عن التوازن والاستقرار عن طريق النمو المستمر، وعن طريق التطور البنيوي والسلوكي داخله، كما انطلق في تحليله للنظام لسياسي من فكرة أن النظام السياسي يمثل علبة سوداء في إطار بيئة داخلية وبيئة خارجية، تمثل حدود ما هو داخلي وماهو خارج النسق السياسي، حدود ما هو سياسي وماهو غير سياسي. وهذا النسق مفتوح يتفاعل مع محيطه عبر فتحتي المدخلات والمخرجات، فالمدخلات تتمثل في فئتين هي المطالب وتمثل ضغوطات على النظام السياسي لابد أن يواجهها، وتأييدات تمثل موارد يتزود منها النظام السياسي. والمخرجات تتمثل في القرارات وفي توزيع القيم والمكافآت المادية والرمزية.

ونتيجة للمخرجات تنشأ رد فعل من البيئة الداخلية أو الخارجية تسمى بالتغذية الارجاعية تتولد عنها مدخلات جدية تتمثل كما في مطالب أو تأييدات.

د. الاقتراب الاتصالي في دراسة النظم السياسية:

إن مفهوم الاتصال يعني عملية انتقال المعلومة أو الرسالة عبر قناة، من مرسل إلى مستقبل، عبر شيفرة خاصة، وذلك عبر ثلاث مراحل: إصدار، إرسال، تلقي. وتتأثر هذه المراحل بقدر من التشويش.

وفي إطار العملية السياسية، فإن الاتصال جزء هام من العملية السياسية، ولذا فقد انتبه إلى أهميته دارسوا علم السياسة في إطار الأبحاث السلوكية.

يرى كارل دويتش أن النظام السياسي في جوهره هو نظام لتسيير المعلومات، يتكون من أبنية و أنساق فرعية متخصصة في الاتصال، تؤدي وظائف اتصالية، مكونة من قنوات اتصالية تتلقى المعلومات، وتعالجها، وهذه الأنساق تتمثل في نسق الاستقبال الذي يستقبل المعلومات، ونسق الذاكرة وهو النسق الفرعي الذي يتخصص في تخزين المعلومات لاستعمالها عند الحاجة، واستدعاء الخبرات السابقة لبلورة الخيارات. ونسق القيم وهو يتخصص في معالجة البدائل والمفاضلة بينها، ونسق التنفيذ يختص بإصدار القرارات وتنفيذها.

6. أشكال الأنظمة السياسية:

1.6. أنماط الحكم:

أ. الأنظمة الديمقراطية: لابد أن نشير إلى أن تعريف الديمقراطية له مجموعة من المستويات:

أ. المستوى اللغوي: يشير مفهوم الديمقراطية إلى حكم الشعب.

ب. المستوى التاريخي: لتطور الأنظمة الديمقراطية نجد الأسطورة الشائعة حول الديمقراطية في أثينا كأقدم الديمقراطيات المعروفة في العالم، والحقيقة أن النظام السياسي الذي كان سائدا في أثينا لم يكن ديمقراطيا بالكامل، فقد كان مجتمعا عبوديا وإقصائيا إلى حد بعيد (المواطنة الكاملة كانت ممنوحة للأحرار والذكور البالغين فقط)، وفي العصر الحالي أصبحت الديمقراطية مصدرا أساسيا للشرعية لدى العديد من الأنظمة السياسة التي تصف نفسها بالديمقراطية.

ج. المستوى الايديولوجي: يتأثر مضمون الديمقراطية بالاطار الايديولوجي لتوظيف وتبرير بعض الممارسات ووصفها بالديمقراطية، فالديمقراطية الليبرالية يرى أنصارها بأنها هي الديمقراطية ذات المصداقية الحقيقية، وبعضهم لا يتصور الديمقراطية خارج إطار الليبرالية من حيث اعتماد التعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير.

د. المستوى الاجرائي: ونقصد به كيفية إجراء العملية الديمقراطية التي تراعي التمثيل الصحيح للإرادة الشعبية، فـ:

من حيث مستوى التمثيل نميز بين:

- الديمقراطية المباشرة: من الناحية النظرية فهي حكم الشعب مباشرة دون وسيط، وهي من أقدم الأشكال الديمقراطية وتعتمد على التصويت المباشر للشعب على القرارات، وفي العالم المعاصر لم تعد هناك ديمقراطية مباشرة كممارسة متكررة إلا في بعض المقاطعات السويسرية، أو باعتماد الاستفتاء في بعض المسائل الضرورية.

- الديمقراطية غير المباشرة: ومن أهمها الديمقراطية النيابية المعتمدة في أغلب دول العالم، عن طريق إدخال تقنيات التمثيل السياسي عبر الانتخابات والاقتراع العام والسري.

من حيث نمط اتخاذ القرار في إطار العملية الديمقراطية نميز بين:

ديمقراطية الأغلبية: الديمقراطية القائمة على اتخاذ القرار وفق الأغلبية أو حكم الأغلبية.

الديمقراطية التوافقية: هي نوع من الأنظمة الديمقراطية القائمة على الخصائص التالية: وجود حكومة قائمة على الائتلاف الموسع، تقاسم السلطة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية،  وجود نظام حزبي تعددي، نظام انتخابي قائم على النسبية.

الديمقراطية الإجماعية: ديمقراطية من ناحية آلية اتخاذ القرار تقوم على الاجماع وليس فقط على مجرد الأغلبية.

الديمقراطية التساهمية: منظور جديد يكرس لمسألة الجودة الديمقراطية من حيث تفعيل أنماط وأبعاد مشاركة المواطنين في عملية اتخاذ القرار والمشاركة في بلورة السياسات العامة.

الديمقراطية والأنظمة المعاصرة:

هناك حساسية تجاه الديمقراطية في الثقافة السياسية المعاصرة، باعتبار أن كل نظام سياسي يدعي أنه خدمة قضية أو شعب يتماثل مع هذه القضية، مما يعطيه شرعية سياسية. فالديمقراطية كمفهوم أوسع تعني حكم الشعب، يعي من الناحية العملية كل أشكال التنظيم السياسي التي يتوفر فيها قدر من المشاركة الواسعة في صنع القرار الصادر عن أغلبية المنتمين أو المواطنين من ديمقراطية القبيلة أو القرية إلى ديمقراطية الدول.

والشق الثاني في تعريف الديمقراطيات الليبرالية هو الليبرالية: وتعني حرية او حرية الأفراد كمبدأ يحكم العلاقة بين السلطة والأفراد، وهو نظام سياسي واقتصادي تطور في أوروبا وأمريكا، يرى فيه موريس ديفرجيه أنها قائمة على أساس سياسي يتمثل في الديمقراطية المشار إليها، من حيث وجود سيادة شعبية، انتخابات، برلمانات، استقلالية القضاء ووجود فضاء واسع من الحريات العامة، وتعددية حزبية. ومن الناحية الاقتصادية تتمثل في بناء اقتصادي على أساس الملكية الخاصة وحمايتها، وحرية التبادل التجاري وتدخل الدولة في حدوده الدنيا. ولكن المفارقة في هذه الأنظمة السياسية لدى المنتقدين هو التناقض القائم بين الحرية السياسية وضماناتها القانونية على أساس المساواة أمام القانون تصبح أمورا نظرية بفعل الجانب الاقتصادي الذي يقيد الحريات الفعلية والمساواة في الفرص أمام عدم المساواة الاقتصادية. مما يجعل الحرية والمساواة مجرد شعارات نظرية مكتوبة.

فالليبراليات تصادر الحريات العامة، والإجراءات الديمقراطية من خلال الخداع الاعلامي والتضليل الممارس من قبل الطبقات الغنية والتي تمتلك العديد من وسائل القوة والنفوذ، وفي التعبير السياسي وفرصة الترشح إلى المناصب العليا، والفوز في الانتخابات.

لذا فالعديد من الدارسين من يعيد النظر في هذه التسمية، فيسميها ديفرجي بالأنظمة البلوتوديمقراطية لكنها تقوم على قاعدتين متعارضتين هي حكم الشعب بواسطة الانتخابات، وحكم الأقلية الغنية بواسطة المال.

خصائص الحكم الديمقراطي:

- أنظمة ذات أحزاب متعددة ومتنافسة فيما بينها

- أنظمة تقلص سلطة الحكام عبر مؤسساتها

- تعدد مراكز القرار فيها.

- وجود تعددية حزبية تنافسية

- وجود تنافس على تولي السلطة تحدده إجراءات قانونية وسياسية متفق عليها

- وجود انفتاح أمام المشاركة في مراكز صنع القرار

- هناك دورات انتخابية للاقتراع العام

- وجود مجموعات ضغط ومجموعات مصالح لها إمكانية التأثير في القرارات الحكومية

وتعبر عن تمثيل مجموعات مختلفة من المواطنين بصفة طوعية.

- ضمانات كافية لممارسة الحريات العامة (حرية الرأي، الدين، التنقل...) وما يتضمن ذلك من حرية واستقلالية وسائل الإعلام عن رقابة الحكومة.

- هناك شكل معين من الفصل بين السلطات أو توزيع السلطات والتوازن بين السلطات،

تتمثل في شكل معين من رقابة الهيئة التشريعية للهيئة التنفيذية، واستقلالية القضاء.

ب. الأنظمة الشمولية:

مصطلح الشمولية ظهر في الاستعمال عند الفيلسوف الايطالي جيوفاني جونتيل، وتعمم استعماله واشتهر عند القائد الفاشي موسيليني، وفق فكرة سيطرة ايديولوجية الدولة على كامل المجتمع، بفعل وسائل الاتصال الجماهيرية مثل الراديو والصحافة. إن وصف الأنظمة الشمولية وإطلاقه على مجموعة من الأنظمة السياسية ذات التوجهات الاقتصادية والايديولوجية المتضاربة، ركز على ممارسة هذه النظم السياسية وتوجهاتها نحو الهيمنة الشاملة على كل مظاهر المجتمع والحياة السياسية أو ما يطلق عليه بابتلاع الدولة للمجتمع المدني.

 تعريف الشمولية:

هناك تعريفات مختلفة للشمولية، "أنها أنظمة سياسية ذات أيديولوجية يسيطر فيها البوليس السري وتدار من قبل الحزب الواحد، وتهيمن فيها الدولة على الاقتصاد والثقافة ووسائل الاعلام". وهي نوع من الأنظمة السياسية التي تلغي آلية الحدود بين الدولة وكل مجموعات المجتمع. والشمولية ميل ايديولوجي فلسفي سياسي للهيمنة على الحياة الاجتماعية والسياسية بصفة كلية من خلال سلطة سياسية واحدة تسيطر على جهاز الدولة، أو سعي النظام السياسي إلى تعبئة الجماهير لتأييد الايديولوجية الرسمية للدولة، وعدم التسامح مع النشاطات الاجتماعية والسياسية التي لاتخدم هذا الهدف، وتحاول البقاء والاستمرار في الحكم عبر استعمال الدعاية والبوليس السري والاشراف الكامل على وسائل الاعلام، واستعمال تقنيات التخويف تجاه المواطنين.

خصائص الأنظمة الشمولية:

هناك محاولات لوضع خصائص مؤسسية وقانونية أكثر من وصف للممارسات الفعلية تجاه المجتمع، والتي تجعل من الشمولية مجرد سياسات وليست أنظمة قائمة، ومن هذه الاقتراحات، دراسة كارل فريدريك وبرزنسكي في كتابهما (الديكتاتورية الشمولية والأتوقراطية) فقد أعطيا ست خصائص للأنظمة الشمولية:

- هناك إيديولوجية رسمية يعلن عنها النظام كمصدر للشرعية وللحكم.

- هناك حزب واحد تحت قيادة زعيم واحد.

- هناك ممارسة قمعية لنظام الحكم ضد مجموعات وفئات كبيرة من المجتمع، أو نحو المجتمع ككل لفرض إيديولوجيا وتوجهات الحزب.

- احتكار كامل لوسائل الاعلام وللثقافة والاقتصاد.

- احتكار استعمال القوة والسلاح.

- هناك إدارة مركزية للاقتصاد.

وهذا التعريف جاء ليصف النظام الشيوعي في عهد ستالين والنازي والفاشي في عهدي هتلر وموسيليني على الترتيب، وبعد انتهاء ذلك العصر أصبح يطلق على الأنظمة السياسية للمنظومة الاشتركية أو الديمقراطيات الشعبية في أوربا الشرقية والوسطى، والأنظمة الشيوعية في آسيا وكوبا.

لكن هذه الخصائص غير متماثلة بين هذه المجموعة المحددة من الأنظمة السياسية، نظرا لتفاوت بعض الخصائص فيما بينها، فهي تتفاوت في درجة القمع والرقابة على المجتمع فنظام ألبانيا في عهد رامز عاليا، وكوريا الشمالية هما أكثر لجوءا إلى القمع من نظام كوبا والمجر، والتي توصف كلها بالشمولية. كما تختلف هذه الأنظمة في طبيعة نظامها الاقتصادي فهناك ألمانيا النازية كانت نظاما اقتصاديا صناعيا مقابل الأنظمة السياسية الشمولية في الفيتنام وكامبوديا التي كانت أنظمة زراعية. لذلك فهناك من يرى بأن السمات المشتركة بين الأنظمة الشمولية تتمثل في:

- هناك إيديولوجية رسمية.

- هناك فرق ضئيل وتمايز ضعيف بين الفضاء الخاص والعام، والتي تسيطر عليهما الدولة.

- أن مفهوم الفصل بين السلطات من حيث البناء الدستوري للنظام السياسي، غير وارد في هذه الأنظمة السياسية والتي تجمع في يد هيئة عليا أو في يد الزعيم الذي يحاول أن ينشئ سلطة كارزمية.

- هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية.

الحالات التاريخية للأنظمة الشمولية:

أطلق هذا الوصف على نموذجين بصفة رئيسية من الأنظمة السياسية في ثلاثينيات القرن العشرين، وهما النظام الاشتراكي الشيوعي في عهد الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين، ونظام أدولف هتلر النازي في ألمانيا، ولكنه توسع فيما بعد وفي إطار النقاش الفلسفي والنظري والدراسات التاريخية للأنظمة السياسية ليشمل أنظمة في العصور القديمة والحديثة وأنظمة متطورة صناعيا وأخرى لمجتمعات زراعية وتقليدية، لكن ما يجمع بينها هو التحول المؤسسي الداخلي فيها ومحاولة السيطرة الكاملة على المجتمع مثل:

- النظام العسكري لاسبرطة اليونانية،

- مملكة الصين القديمة،

- مملكة موريو في الهند،

- الامبراطوري الرومانية في عهد ديوكليتيان

- أنظمة حكم الخلافة الإسلامية في عهود مختلفة: الدولة الأموية في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي، الدولة العباسية في عهود مختلفة: أبو جعفر المنصور، الهادي، القادر،..الخ. الدولة الفاطمية في عهد النظام السياسي للحاكم بأمر الله، أو أنظمة منشقة عنها: دولة القرامطة في البحرين.

- اليابان في عصر الميجي

- نظام الحكم الفرنسي بعد الثورة الثورة الفرنسية في عهد روبسير.

- بعض الأنظمة الأوربية في الثلاثنيات: ألمانيا، إيطاليا

- الأنظمة الشيوعية المعاصرة خصوصا : الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين، النظام الصيني في عهد ماوتسي تونع، وكامبوديا في فترة الخمير الحمر، البانيا في عهد رامز عاليا، كوبا، كوريا الشمالية،...الخ

- نظام الولايات المتحدة في عهد المكارثية في ستينيات القرن العشرين.

- بعض انظمة العالم الثالث والتي اتسمت بفرض ايديولوجية رسمية : العراق في عهد صدام حسين حزب البعث، إيران بعد الثورة الاسلامية، اليمن الديمقراطية الجنوبية، الصومال في عهد سياد بري، اثيوبيا في عهد هيلاسي ماريام.

2.6. أشكال النظم السياسية:

أ. النظم البرلمانية: وهي أنظمة دستورية تشير إلى تعاون وتبعية السلطات لبعضها بعض، يعرفه جورج بيردو بأنه "حكومة مسؤولة أمام ممثلي الأمة، تقود سياسات الدولة بدرجة من الاستقلال تخولها للقيام بتلك المهمة"، وهو يعكس تسوية سياسية بين الثورة الديمقراطية والملكية المتراجعة في بريطانيا بلد المنشأ، فمن الناحية التاريخية يسجل أول ظهور لهذا النظام في تخلي الملك البريطاني من سلالة هانوفر عن بعض سلطاته لوزيره الأول عام 1714، ليتولى المهام الحكومية نيابة عن الملك، ويصبح الملك غير مسؤول سياسيا وذو حصانة. فهو من الناحية التاريخية نشأ من تراجع الملكية أمام تزايد نفوذ السلطة الوزارية وسلطة النبلاء، ومن جهة أخرى هو مرتبط بتطور المؤسسة البرلمانية متمثلة في مجلس العموم ومجلس اللوردات.

 هناك نوعين من الأنظمة البرلمانية:

نظام ويسمنستر أو النظام البرلماني التقليدي: خاص بالأنظمة الأنجلوسكسونية، والنظام البريطاني هو النظام التاريخي لهذا النوع من الأنظمة، حيث تتعايش فيه المؤسسة التقليدية الملكية التي تملك ولاتحكم والتي تمتلك صلاحيات شرفية تتمثل في تعيين وتكليف رئيس الحكومة والمصادقة على القوانين، وهي غير مسؤولة سياسيا. كما السلطة التنفيذية الفعلية فتقع بين يدي رئيس الوزراء، وهو مسؤول أمام البرلمان.

الأنظمة البرلمانية الجمهورية: وهو النمط البرلماني الذي عرف انتشارا في أوروبا الغربية وفي بعض دول العالم الثالث فيما بعد، حيث يتولى السلطة التنفيذية رئيس الوزراء كما رئيس الدولة فهو على غرار الملك يملك صلاحيات شرفية، والحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة كما البرلمان. وهناك نموذج فرعي متطرف لهذا النوع من الأنظمة البرلمانية يسمى بحكومات الجمعية: تتمثل في تبعية السلطة التنفيذية للجمعية التشريعية، من جهة تشكيل الحكومة أو مجلس الوزارة وطريقة أداء مهامها. وهو من الناحية التاريخية مشتق من النظام النيابي الفرنسي، ومثاله الحالي يتمثل في النظام الحكومي السويسري.

ومن جهة أخرى فهناك من يعطي تصنيفات للنظم البرلمانية ترتكز على كيفية أداء وتشكيل الحكومات بين نظم برلمانية أكثرية تعتمد في تشكيل الحكومات على الأغلبية البسيطة، والنظم البرلمانية المعقلنة التي تعتمد الحكومات على أساس أغلبية نسبية معقولة. ومن جهة اخرى هناك من يرى بان النظم البرلمانية شهدت تطورات كبرى تحولت بموجبها من النظم البرلمانية الثنائية القائمة على المسؤولية السياسية للحكومة تجاه هيئتين: الرئاسة والبرلمان، ونظم برلمانية أحادية . حيث يكون البرلمان هو مصدر السلطة والحكومة تكون مسؤولة أمامه.

ب. النظم الرئاسية:

الأنظمة الرئاسية قائمة من الناحية الدستورية على الفصل الواضح بين السلطات، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واللتان تتشكلان سوية عبر الاقتراع الشعبي العام، والنموذج التاريخي للأنظمة الرئاسية يتمثل في نظام الولايات المتحدة الأميريكية. ويعتبر أول من استخدم مصطلح النظام الرئاسي والذي أطلقه على نظام الولايات المتحدة الأميركية ليميزه عن النظام البريطاني الذي سماه حكم الوزارة.

ومن الناحية الدستورية فالنظام الرئاسي يقوم على الخصائص التالية:

- وجود انفصال عضوي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

- وجود تكريس شكلي لثلاث سلطات : التنفيذية، التشريعية، القضائية.

- الترابط بين السلطات.

- انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع العام.

وقد نشأ النظام الرئاسي الأمريكي انطلاقا من محاولة محاكاة النظام الملكي البريطاني، ومن منطلق توجه دستوري وسياسي يرمي من خلاله دستور الولايات المتحدة إلى تجنب الاستبداد الشخصي أو المؤسسي.

ومن العوامل التي ساعدت على استقرار واستمرار هذا النظام في الولايات المتحدة الأمريكية، توافق النظام الحزبي الناشئ مع مبدأ فصل السلطات. وهناك أزمات ينتجها النظام الرئاسي وفق ما يسميه خوان لينز بفشل النظم الرئاسية في تأمين الديمقراطية نظرا لازدواجية الشرعية الديمقراطية بانتخاب الرئيس والبرلمان على السواء عبر الانتخابات العامة، وعدم مرونة النظام، ومشكلة طريقة انتخاب الرئيس " الفائز يأخذ كل شيء"، شخصنة السلطة بدل التنافس على أساس البرامج الحزبية، ويصفها خوان لينز بأنها أنظمة ديمقراطية هشة، من بين العديد من الأنظمة الرئاسية هناك ثلاث أنظمة بقيت ديمقراطية وهي الولايات المتحدة، فرنسا وكوستاريكا.

- الأنماط المتفرعة من النظام الرئاسي والبرلماني:

- نظام الجمعية:

نظام تطور من النموذج البرلماني، لينتهي بتغلب السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، يسميه مارسيل بريلو بتبعية السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية في طريقة تشكيلها وعملها، حيث أصبحت المجالس التشريعية الحكومة نفسها، والهيئة التنفيذية عبارة عن لجان تنفيذية للهيئة التشريعية (الحالة السويسرية).

 - النظام البرلماني الرئاسي:

نظام يجمع بين بعض خصائص النظام الرئاسي من حيث انتخاب رئيس الهية التنفيذية من الاقتراع العام المباشر بدل تعيينه من الرئيس أو الملك، وفي نفس الوقت مسؤوليته هو وحكومته أمام البرلمان الذي يملك صلاحيات سحب الثقة منه.

- النظام شبه الرئاسي:

نظام مشتق من النظام الرئاسي وهو بخلاف النظام الرئاسي القائم على أحادية السلطة التنفيذية فهو قائم على ثنائية السلطة التنفيذية والمشكلة من رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع العام الشعبي، ورئيس حكومة أو وزير أول يعينه رئيس الدولة، وهو مسؤول أمام البرلمان أو الهيئة التشريعية.