القرآن العظيم، ختم الله جل وعز به ما سبقه من كتب، وجعله مهيمنا على الشرائع قبله، وهو "كامل متميز ممتاز على الكلام البشري إذ هو كلام الله المعجز المتعالي في بيانه وسحره على الإنتاج البشري المختلف عنه في أسلوبه ومعانيه". هدى به الخلق لخير سبيل، وأودعه كل نهضة وناط به كل سعادة، وهو حجة الرسول r  وآياته الكبرى، يقوم في الدنيا شاهدا برسالته، دليلا على صدقه وأمانته، وهو ملاذ الدين الأعلى. يستند الإسلام إليه في عقائده وعبادته، وحكمه وأحكامه، وآدابه وأخلاقه، وقصصه ومواعظه. وعلومه ومعارفه. وهو عماد لغة العرب الأسمى، تدين له اللغة العربية في بقائها وسلامتها، وتستند علومها منه على تنوعها وكثرتها، وتفوق سائر اللغات العالمية به في أساليبها ومادتها؛ ولذلك كله، كان القرآن العظيم موضع العناية الكبرى من رسول r وصحابتهy ، ومن سلف الأمة وخلفها جميعا إلى يومنا هذا. وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.

  ولقد أفرد العلماء كل جانب من جوانب القرآن الكريم بالبحث والتأليف، ووضعوا من أجلها العلوم ودونوا الكتب. حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث مجيد من آثار سلفنا الصالح. وعلمائنا الأعلام. فكانت ومازالت مفخرة نتحدى بها أمم الأرض. ونفحم بها أهل الملل والنحل في كل عصر ومصر. ولقد حوت هذه المكتبة مصنفات متنوعة، وموسوعات قيمة. بها علوم شتى. كعلم القراءات وعلم والتجويد وعلم التفسير وغيرها كثير، والتي انضوت جميعها تحت ما عرف بعلوم القرآن. والذي يهمنا منها تحديدا علم التفسير وما تعلق به من القضايا اللغوية تحديدا.

  وحتى نلج إلى موضوع المحاضرة بسلاسة ورفق، جدير بنا أن نقف وقفة ضرورية عند المصطلحات ذات العلاقة (التفسير، التأويل، المنهج ...)، ونحدد مفاهيمها لنكون على بينة من المادة التي نحن بصدد معالجتها، وقد تقرر عند علماء الأصول: "أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره".