المحاضرة الخامسة:

الفلسفة الوجودية: كيركغارد: هو الرائد الأول للوجودية ولد سنة 1813 و توفي سنة 1855 مؤلفاته خليط من الإعترافات العاطفية الشخصية و التأملات الفلسفية و المقالات الأدبية.

فلسفة كيركغادرد فلسفة حية مستمدة من حياته، لأنها تناولت موضوعات مثل الخطيئة و الحرية و المصير و الروح و الحب و القلق و الندم......إلخ. ولم يكن يبحث لها عن إجابات من منطلقات نظرية كالتي وجدناها لدى الفلاسفة الذين سبقوه من أمثال هيجل و كانط و سبينوزا. بل إنه يجاهر منذ البداية بأنه عدو لكل مذهب فلسفي، و يتساءل عن جدوى المذاهب الفلسفية التي تفسر الواقع باعتماد العقل و المنطق بعيدا عن الوجود الحقيقي للإنسان، وشأن الفلاسفة كشأن من يتكلم عن قصر كبير تتوفر فيه كل وسائل الراحة و المتعة بينما يتخذ لنفسه كوخا يسكنه بجانب ذلك القصر.

مراحل الحياة عند كيركغارد:

كانت لكيركغارد نظرة متميزة للحياة ضمنها كتابه "إما...أو" الذي ألفه سنة 1843 وفيه خلاصة فلسفته. وفيه يقسم الحياة إلى ثلاث مراحل:

1- المرحلة الحسية أو الجمالية : و هي حياة تفتقر حسب كيركغارد إلى الجدية، وتعبر عن نفسها في حياة الرجل الأعزب الذي يعيش حاضره فقط. و لا يهتم بماضيه أو بمستقبله، المتعة هدفه الوحيد، يستمتع بكل وقته دفعا للملل، و ينتقل من لذة إلى أخرى، و "دون جوان" هو النموذج المعبر عن هذا النوع من الحياة، إذ هو رجل متقلب بين أحضان الشهوة، لا عمل له في الحياة سوى إغواء النساء دون أن يرتبط بهن، لأن أبغض شيء  لديه هو الإلتزام و التكرار. شعاره" عش ليومك فقط". لكنه مع ذلك يبقى عرضة للملل حسب كيركغارد ولا يعيش الوجود الأصيل الحقيقي. إنه يشعر قليلا بالضياع لأن حياته خالية من كل معنى وهو ما يمهد لنوع آخر من الحياة.

2- المرحلة الأخلاقية: الجدية هي أهم ما يميز هذه المرحلة، لأنها مليئة بالإلتزامات و يحكمه النظام الإجتماعيى الذي يحدد الواجبات المختلفة. هذه الحياة تشبه تماما الحياة التي تكلم عنها "كانط" حيث تسود الإرادة الخيرة التي يحكمها الواجب البعيد تماما عن كل منفعة أو عاطفة. إنها حياة الإنسان المتزوج العاقل المتزن الذي يحمل أعباء الأسرة و يتحمل المسؤولية كاملة في المجتمع الذي يعيش فيه. لكن مع ذلك يشعر هذا الإنسان بحالة ضياع شأنه شأن الإنسان الحسي الأول،  فكلاتهما لا يعيش الوجود الأصيل وهو ما يقتضي وجود مرحلة أخرى يتحقق فيها هذات النوع من الوجود.

ا3- المرحلة الدينية:

هي أعلى أنواع الحياة، لأنها تحقيق للوجود الحقيقي للإنسان. حيث يحيا حياة الحب و الزهد و الدعاء، شعوره بوحدته هو الذي يدفعه إلى العودة إلى الذات و إلى الله. و تصبح علاقته بالله أعمق شيء في حياته. يشعر بأنه مذنب أمام الله، فيفر إليه لكن ليس على الطريقة المسيحية، إنه ينصرف عن جميع الملذات و المتع، و يركن إلى الصمت. و في قصة ابرهيم عليه السلام مع اسماعيل عبرة كبيرة للناس. لقد أمر الله ابراهيم أن يذبح ابنه اسماعيل، لكن هذا الأمر يتعارض مطلقا مع الأخلاق ومع ذلك همّ ابراهيم بذبح ابنه. أي أن هناك مستوى أعلى نتجاوز فيه كل الحدود الأخلاقية. لذلك سبب نجاة اسماعيل هو امتثال ابراهيم و طاعته المطلق لله. رجل الدين إذن يعيش الأبدية بأكمل معانيها، ما دام يتمتع بالإيمان المطلقو الإخلاص. لكنه مع ذلك لا ينبذ العالم على نجو ما تقول به المسيحية التي تتجاهل طبيعة الإنسان الحقيقية القائمة على الإختيار و الحرية.