Options d'inscription

التأمينات الشخصية والعينية تقتضي العلاقة التي تجمع بين المدين والدائن حماية هذا الأخير من خطر عدم حصوله على حقه من أجل ذلك حرص المشرع على حماية هذه العلاقة وقد قرر لها جملة من الضمانات تتمثل في الضمان العام أي أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه. ومع ذلك بقي حق الدائن مهدد بعدم حصوله على حقه في حال إعسار مدينه لذلك عاد المشرع مرة أخرى وقرر ما يعرف بالتأمينات الخاصة التي توفر أكبر قدر من الثقة للدائن هذه التأمينات تنقسم بحسب موضوعها إلى تأمينات عينية وأخرى شخصية، فالتأمينات العينية تنصب على جميع أموال المدين من عقارات ومنقولات الرهن الرسمي و الحيازي والتأمينات الشخصية تنصب على شخص وهي عبارة عن ضم ذمة مالية أو أكثر إلى ذمة المدين الأصلي حيث يلتزم شخص آخر إلى جانب المدين الأصلي بضمان الوفاء بحق الدائن وهي الكفالة . أولا: تعريف عقد الكفالة تنص المادة 644 من ق. م:" الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه". الكفالة عقد بين الكفيل والدائن أما المدين الأصلي فليس طرفا في العقد، بل يجوز كفالة المدين حتى بدون علمه ورغم معارضته وهذا ما جاء في المادة 647 من ق. م:" تجوز كفالة المدين بغير علمه، وتجوز أيضا رغم معارضته". خصائص عقد الكفالة - عقد الكفالة عقد رضائي: ينعقد بمجرد تراضي الطرفين الكفيل والدائن فلا حاجة لها لشكل خاص للانعقاد، وإن كان إثباتها لا يتم إلا عن طريق الكتابة وهذا ما نصت عليه المادة 645 من ق. م:" لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة، ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة". - عقد الكفالة عقد ملزم لجانب واحد: وهو الكفيل فهو وحده الذي يلتزم في عقد الكفالة بوفاء الدين إذا لم يوف به المدين الأصلي، لكن هذا لا يمنع أن تكون الكفالة عقد ملزم لجانبين إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابل في نظير كفالته للدين. - عقد الكفالة عقد تبرعي للكفيل: فالكفيل يتبرع عادة بكفالته للدين. - عقد الكفالة عقد تابع: إذ أن التزام الكفيل يعتبر تابعا لالتزام المدين الأصلي، وينتج عن هذه التبعية أن التزام الكفيل يتبع التزام المدين الأصلي في صحته وفي بطلانه وفي قابليته للفسخ وحتى في الدفوع التي يدفع بها المدين، لكن يجوز للكفيل أن يلتزم التزاما أخف عبئا من التزام المدين الأصلي فيكفل على سبيل المثال قسط من الدين وهذا حسب ما جاءت به المادة 652 من ق. م. - عقد الكفالة ضمان: ومعناه أنها تضمن وفاء المدين بالدين وتظل الكفالة مدنية حتى لو كان الدين المكفول تجاريا وحتى لو كان الكفيل تاجرا، لكن تعتبر الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو تظهير هذه الأوراق تجارية وذلك ما نصت عليه المادة 651 من ق. م:" تعتبر كفالة الدين التجاري عملا مدنيا ولو كان الكفيل تاجرا. غير أن الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو عن تظهير هذه الأوراق، تعتبر دائما عملا تجاريا". مصادر عقد الكفالة وشروطها: قد يكون هناك عقد أو حكم أو نص قانوني يلزم المدين بتقديم كفيل، الكفالة الاتفاقية: عندما يلتزم المدين بتقديم كفيل بناء على اتفاق سابق مع الدائن أي بناء على عقد، أويتقدم الكفيل لضمان المدين من تلقاء نفسه أو حتى عندما يقدم هذا المدين الكفيل للدائن دون وجود اتفاق مسبق بينهم. أما الكفالة القانونية فهي التي يلتزم المدين بتقديمها نزولا عند نص قانوني صريح ومثال ذلك المادة 851 من ق. م التي تلزم المنتفع بالمنقول أن يقدم لمالك الرقبة كفالة ضمانا للوفاء بالتزامه برد المنقول أو بدله. أما الكفالة القضائية فهي التي يلتزم فيها المدين بتقديم كفيل بموجب حكم قضائي ملاحظة: في الكفالة القانونية والقضائية يكون التضامن مفترض على عكس الكفالة الاتفاقية الذي يجب الاتفاق صراحة على التضامن بين المدينين وهذا ما نصت عليه المادة 667 من ق. م:" يكون الكفلاء في الكفالة القضائية أو القانونية دائما متضامنين". شروط الكفالة : وقد وردت هذه الشروط في المادة 646 من ق. م التي تنص:" إذا التزم المدين بتقديم كفيل، وجب أن يقدم شخصا موسرا ومقيما بالجزائر، وله أن يقدم عوضا عن الكفيل، تأمينا عينيا كافيا". ومن هنا يمكن استخلاص الشروط في الأتي: يسار الكفيل والإقامة بالجزائر - أركان عقد الكفالة: 1ـ الالتزام الأصلي المكفول: الالتزام الذي يمكن كفالته هو التزام أي كان مصدره ومحله حيث يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره العقد وهو الوضع الغالب كما يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره الإثراء بلا سبب كما يمكن كفالة الالتزام الذي مصدره القانون أيا كان محله سواء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو إعطاء شيء. 2ـ اتفاق الكفالة (عقد الكفالة): تنص المادة 648 من ق. م:" لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا". أـ كفالة الالتزام الباطل: وحكمها هي كفالة باطلة والعلة في ذلك لأن التزام الكفيل تبعي وهو يتبع الالتزام الأصلي في صحته وبطلانه، ( كفالة دين المقامرة أو دين الرهان أو دين الربا ...إلخ. ب ـ كفالة الالتزام القابل للإبطال: إذا كان الالتزام الأصلي قابل للإبطال فإن الكفالة هي الأخرى تكون قابلة للإبطال أهلية الكفيل: لما كان التزام الكفيل عادة تبرعيا فإنه يجب أن تتوفر فيه أهلية التبرع لذلك لا يجوز للقاصر أو المحجور عليه أن يكفل الغير وإذا كفله تكون كفالته باطلة بطلانا مطلقا فلا بد إذا أن يكون الكفيل المتبرع بالغا سن الرشد وغير محجور عليه، أما إذا كانت الكفالة بمقابل وهذا نادر الحدوث فيجب أن تتوفر في الكفيل أهلية التصرف لا أهلية التبرع وعلى ذلك لا يجوز للقاصر أن يعقد كفالة لأنه لا يملك أهلية التصرف أما المميز فتكون كفالته قابلة للإبطال، لكن يجوز للولي أو الوصي أن يعقد كفالة بمقابل باسم القاصر أو المحجور عليه في حين يمنع عليه القيام بكفالة تبرعية لعدم جواز التصرف في أموال القاصر بدون مقابل. تسري على عيوب الرضا في الكفالة القواعد العامة آثار عقد الكفالة: يرتب عقد الكفالة آثارا مختلفة تتمثل في علاقة الكفيل بالدائن وعلاقة الكفيل بالمدين وهي تتمحور أساسا في الدفوع التي خولها المشرع للكفيل ليحتج بها في مواجهة الدائن وحتى في مواجهة المدين. أولا: الدفوع المرتبطة بالالتزام المكفول 1ـ مطالبة الدائن الكفيل في أجل الاستحقاق: حيث إذا كان التزام الكفيل قد حدد له أجل مستقل عن الالتزام الأصلي فيجب على الدائن احترام هذا الأجل وفي حال عدم تحديد أجل فيجوز للدائن مطالبة الكفيل عند حلول أجل الدين الأصلي، أما إذا كان هناك اتفاق بين الدائن والمدين على تمديد أو تعجيل أجل الاستحقاق استفاد الكفيل منه وله أن يتمسك بالأجل الأصلي في حالة التعجيل إذا كانت له مصلحة في ذلك، 2ـ أولوية رجوع الدائن على المدين: هذا الدفع منصوص عليه في المادة 660 من ق. م:" لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين". مع اشتراط ألا يكون الكفيل متضامنا مع المدين لأنه وفي حال التضامن مع المدين يجوز للدائن أن يرجع عليه مباشرة، والرجوع معناه المطالبة القضائية فلا يجوز للدائن أن يرفع الدعوى على الكفيل إلا بعد أن يرفع دعوى على المدين 3ـ الدفع بالتجريد: ومعنى ذلك في حال رجوع الدائن على الكفيل يوجهه بأن ينفذ أو بمعنى أصح يجرد أموال المدين قبل التنفيذ على أمواله وهذا تطبيقا لنص المادة 660 ف 2 من ق. م:" ولا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد أن يجرد المدين من أمواله، ويجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق". وللدفع بالتجريد على غرار الدفوع الأخرى شروط تتمثل في: - على الكفيل أن يتمسك به ويثيره أثناء رفع الدعوى لأنه ليس من النظام العام ويسقط إذا تم الدخول في موضوع الدعوى. - الكفيل المتمسك بالدفع يجب أن يكون كفيلا شخصيا لا عينيا لأن الكفيل العيني حرم من هذا الدفع. - يجب ألا يكون الكفيل متضامن مع المدين لأن المادة 665 من ق. م منعت ذلك بنصها:" لا يجوز للكفيل المتضامن مع المدين أن يطلب التجريد". - أن يكون للكفيل مصلحة في التمسك بهذا الدفع فلا دعوى ولا دفع بلا مصلحة. هذا ويشترط للدفع بالتجريد القيام ببعض الإجراءات حيث نصت المادة 661 من ق. م:" إذا طلب الكفيل التجريد، وجب عليه أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال المدين التي تفي بالدين كله. ولا يؤخذ بعين الاعتبار الأموال التي يدل عليها الكفيل إذا كانت هذه الأموال تقع خارج الأراضي الجزائرية، أو كانت متنازعا فيها". وعلى هذا أن يوجه الكفيل الدائن على نفقته الخاصة إلى الأموال التي تتوفر فيها الشروط التالية: - أن تكون هذه الأموال مملوكة للمدين وغير متنازع فيها وقابلة للتنفيذ عليها. - أن تكون الأموال متواجدة على التراب الوطني حتى يسهل التنفيذ عليها. - يشترط أن تكون الأموال المرشد إليها كافية لسداد الدين كله. 4ـ تمسك الكفيل بالدفوع التي يحتج بها المدين: تنص المادة 654 من ق. م:" يبرأ الكفيل بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين. غير أنه إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين يتمثل في نقص أهليته وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد، فليس له أن يحتج بهذا الوجه". 5ـ الدفوع الخاصة بالكفيل: وللكفيل فضلا على الدفوع التي يحتج بها المدين هناك دفوع خاصة به وحده لا يشترك فيها مع المدين وهذه الدفوع إما تكون متعلقة بعقد الكفالة في حد ذاته وإما تكون راجعة إلى مركز الكفيل باعتباره كفيلا حيث يجوز للكفيل أن يتمسك ببطلان عقد الكفالة وحده أو قابليته للبطلان. ثانيا: الدفوع المستقلة عن الالتزام المكفول 1ـ الدفع بالتقسيم: نصت عليه المادة 664 من ق. م:" إذا تعدد الكفلاء لدين واحد، وبعقد واحد، وكانوا غير متضامنين فيما بينهم، قسم الدين عليهم، ولا يجوز للدائن أن يطالب كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة. أما إذا كان الكفلاء قد التزموا بعقود متوالية، فإن كل واحد منهم يكون مسؤولا عن الدين كله، إلا إذا كان قد احتفظ لنفسه بحق التقسيم". ومن النص يتضح شروط الدفع بالتقسيم وهي: - أن يتعدد الكفلاء والدين واحد. - أن يكفل الكفلاء نفس الدين. - أن يتعدد الكفلاء بعقد واحد. - ألا يكون الكفلاء متضامنين. 2ـ الدفع بإضاعة التأمينات: الدفع بإضاعة التأمينات أساسه هو الحلول والتبعية فالدائن بعدم محافظته على هذه التأمينات المخصصة لضمان نفس الدين المكفول قد أضاع فرصة الكفيل ليحل فيها بعد وفائه الدين للدائن وقد نصت على هذا الدفع المادة 656 من ق. م:" تبرأ ذمة الكفيل بالقدر الذي أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات. ويقصد بالضمانات في هذه المادة كل التأمينات المخصصة لضمان الدين ولو تقررت بعد الكفالة وكذلك كل التأمينات المقررة بحكم القانون". ومن خلال النص نستخلص شروط الدفع بإضاعة التأمينات وهي: - إضاعة تأمين خاص سواء كان قبل إبرام الكفالة أو بعدها لتقوية الائتمان لأجل وفاء الدين المكفول - خطأ الدائن في إضاعة التأمينات. - يجب أن يتضرر الكفيل من هذه التصرفات. دعاوى الكفيل للرجوع على المدين أولا: دعوى الكفالة هي أول دعوى مخولة لأي كفيل تدخُل في ضمان التزام يشمل ذمة المدين وقد تم تنظيمها بموجب المادتين 670 من ق. م:" يجب على الكفيل أن يخبر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين، وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين، إذا كان هذا قد وفى الدين أو كانت عنده وقت الاستحقاق أسباب تقضي ببطلان الدين أو بانقضائه. فإذا لم يعارض المدين في الوفاء، بقي للكفيل الحق في الرجوع عليه ولو كان المدين قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بانقضائه". وتنص المادة 672 من ق. م:" يكون للكفيل الذي وفى الدين أن يرجع على المدين سواء كانت الكفالة قد عقدت بعلمه أو بغير علمه. ويرجع بأصل الدين والمصروفات غير أنه فيما يخص المصروفات، لا يرجع الكفيل إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده". وتبقى الكفالة دعوى مستقلة بموجب نص القانون لها شروط هي: 1. لا يمكن للكفيل الذي تدخل للضمان لكفالة المدين رغم معارضته استعمال دعوى الكفالة وهنا ليس له إلا دعوى الإثراء بلا سبب للرجوع على المدين. 2. على الكفيل أن يقوم بإعلام المدين عندما يعقد العزم على الوفاء بالدين، والحكمة من هذا الحكم هو تمكين المدين من الاعتراض على هذا الوفاء متى توافر له سبب من أسباب انقضاء الدين كالوفاء البطلان المقاصة اتحاد الذمة ...إلخ. 3. أن يكون الكفيل قد احترم عند وفائه الأجل المحدد لاستحقاقه، وللكفيل التمسك بالأجل الأصلي للوفاء حتى ولو تم تمديد هذا الأجل أو تعجيله وهذا على خلاف دعوى الحلول التي يحل فيها محل الدائن في جميع الخصائص بما فيها تعديل الأجل بالتقدم والتأخير. 4. الأصل أنه ليس للكفيل أن يرجع على المدين بأي شيء إلى أن يوفي كامل الدين إلى الدائن ومن ثم تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن، لكن إذا وفى الكفيل بجزء فقط من الدين فإنه يتعرض إلى مزاحمة الدائن العادي أو جماعة الدائنين إذا تعددوا ما لم يمتازوا بحق امتياز، ومعناه أن الكفيل الذي وفى بجزء من الدين يتساوى مع الدائن الموفى له في رجوعهما على المدين وإن كانت الأموال غير كافية قسمت بينهم قسمة غرماء. أما عن مجال دعوى الكفالة فإن للكفيل إذا استعملها أن يستفيد من حق المطالبة بأصل الدين وهو قيمة الالتزام الذي وفاه الكفيل عن المدين في مواجهة الدائن بالإضافة إلى المصروفات وهي النفقات التي صرفها الكفيل لإبرام عقد الكفالة إضافة إلى مصاريف الإرشاد إلى أموال المدين ومصاريف الدعوى التي رفعها على المدين، لكن لا يرجع بهذه المصروفات على المدين إلا من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده لأن المدين متى أخطر بها فقد يسارع إلى الوفاء بالتزامه ويتجنب المصروفات التي يدفعها الكفيل إذا لم يخطره وهذا طبقا لنص المادة 672 من ق. م السابقة، كما يرجع عليه بالضرر الذي أصابه من اضطراره للوفاء بالدين وهذا طبقا للقواعد العامة وقياسا على رجوع الوكيل على الموكل والفضولي على رب العمل. ثانيا: دعوى الحلول إذا لم تتوفر شروط استعمال دعوى الكفالة كالإخطار مثلا فللكفيل أن يستعمل دعوى الحلول المستمدة من القواعد العامة للالتزام والتي تمكنه من الحلول محل الدائن إذا ما وفى بالدين، وقد نص عليها في المادة 671 من ق. م:" إذا وفى الكفيل الدين، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق تجاه المدين لكن إذا لم يوف إلا بعض الدين، فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدين". وهذه الدعوى مستوحاة من القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 261 من ق. م، ولهذه الدعوى جملة من الشروط تتلخص في: 1. يستعملها الكفيل سواء كان متضامنا أو غير متضامن مع المدين وسواء تدخل بعلمه أو بغير علمه كما يستعملها رغم معارضة المدين. 2. أهم ما يميز دعوى الحلول هو ضرورة الرجوع في الأجل الذي كان ينبغي للدائن أن يستوفي فيه حقه. 3. يجب أن تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن أما إذا انقضى فقط جزء من الدين فيتعرض الكفيل في حلوله إلى تقدم الدائن عليه خلافا لدعوى الكفالة التي قرر لها حكم آخر. أما فيما يتعلق بمجال دعوى الرجوع فإذا كان الدين تجاريا حل فيه بهذه الخاصية وإذا كان الدين مقترنا بأجل فلا يجوز الرجوع قبله وإذا كان دين الدائن مما يتقادم بمدة معينة فإن دين الكفيل ينقضي خلال نفس المدة، أما ما تعلق بنتائج دعوى الحلول فهي: ـ أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما لهذا الحق من خصائص وبما يلحقه من توابع مثلا إذا كان حق الدائن تجاريا فإن الكفيل يحل محله في هذا الحق بنفس الصفة ومن توابع الحق أنه إذا كان منتجا لفوائد معينة فإنها تكون من حق الكفيل الذي حل محله. ـ يحل الكفيل محل الدائن في حقه بما يكفله من تأمينات أي أن جميع التأمينات التي كانت تضمن للدائن الوفاء بدينه تنتقل إلى الكفيل لتضمن له رجوعه بما وفاه على المدين والعبرة هنا بالتأمينات التي كانت موجودة وقت الوفاء وبالحالة التي كانت عليها وقت هذا الوفاء، فالرهن ينتقل بمرتبته ولا يحتاج إلى اتفاق خاص مع الدائن لإحلاله محله في هذه التأمينات والدائن من جهته لا يجوز له التنازل عن مرتبة الرهن إضرارا بالكفيل الذي حل محله في الرهن. ـ أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما يرد على هذا الحق من دفوع بمعنى يستطيع المدين أن يحتج في مواجهة الكفيل بكل الدفوع التي كان يحتج بها على الدائن، مثلا إذا كان حق الدائن مصدره عقد باطل أو قابل للإبطال جاز للمدين أن يتمسك بهذا الدفع والحال كذلك إذا كان الدين انقضى لسبب من أسباب الانقضاء. مقارنة بين دعوى الكفالة ودعوى الحلول: 1ـ فيما يتعلق بالكفلاء الذين لهم حق الرجوع: فبالنسبة لدعوى الحلول يستطيع كل الكفلاء الرجوع على المدين بهذه الدعوى ويستوي أن تكون الكفالة تمت بعلم المدين أو بغير علمه أو رغم معارضته ويستوي أن تكون الكفالة تمت لمصلحة المدين أو لمصلحة الدائن، أما بالنسبة لدعوى الكفالة أو ما يعرف بالدعوى الشخصية فإن الكفلاء الذين لهم الحق في الرجوع بهذه الدعوى هم الذين كفلوا المدين بعلمه أو بغير علمه ودون معارضته أو تكون الكفالة تمت لمصلحة المدين أو لمصلحتهما معا. 2ـ فيما يتعلق بشروط كل منهما: تتفق كلتا الدعويين في بعض الشروط إذ يشترط بالرجوع في كلتاهما الرجوع بالدين وأن يكون الوفاء عند حلول الأجل، أما الاختلاف بينهما فيتمثل في أن دعوى الكفالة لا يشترط أن يكون الدائن قد استوفى دينه كاملا بل يمكن للكفيل الرجوع بهذه الدعوى ويكون وفى بجزء من الدين وهنا يزاحم الكفيل الدائن عند رجوعه على المدين ويتساوون في المرتبة إلا إذا كان للدائن حق امتياز، كما يشترط في دعوى الكفالة إخطار الكفيل للمدين قبل الوفاء، أما بالنسبة لدعوى الحلول فيشترط أن يكون الدائن قد استوفى حقه كاملا وفي حال ما إذا وفى الكفيل بجزء من الدين فقط في هذه الحالة تكون الأولوية للدائن في استيفاء الباقي من المدين. 3ـ فيما يتعلق بموضوع كل منهما: في دعوى الحلول يحل الكفيل محل الدائن فيما له من حقوق قبل المدين أما بالنسبة لدعوى الكفالة فالكفيل يرجع بأصل الدين والمصاريف والتعويضات. رجوع الكفيل على المدينين وعلى بقية الكفلاء أ ـ رجوع الكفيل على المدينين حال تعددهم: سيتم التطرق هنا على الرجوع على المدينين في حال تعددهم وفي حال تضامنهم وفي حال عدم تضامنهم. 1ـ تعدد المدينين مع عدم تضامنهم: هنا في حال ما إذا تدخل الكفيل ليضمنهم جميعا ثم وفى بالدين فإنه عند الرجوع عليهم يرجع على كل مدين بقدر نصيبه في الدين سواء تم الرجوع بدعوى الكفالة أو بدعوى الحلول، وفي حال ما إذا كفل الكفيل بعضهم فقط فإنه لا يرجع إلا على من كفله منهم وفي حدود نصيبه في الدين، ولا يرجع على غير المدينين الذين كفلهم إلا إذا كان قد دفع زيادة ترتبت عنها براءة ذمة مدينين آخرين لم يكفلهم وهنا يرجع عليهم بدعوى الإثراء بلا سبب. 2ـ تعدد المدينين وتضامنهم: وفي حال تدخل المدين ليضمنهم جميعا فله الحق في أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين وهذا حسب ما جاءت به المادة 673 من ق. م:" إذا تعدد المدينون في دين واحد وكانوا متضامنين، فللكفيل الذي ضمنهم جميعا أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين". أما الحالة التي يكون فيها الكفيل قد كفل بعضهم فقط فهذه الحالة لم ينص عليها المشرع في باب الكفالة لكن يكون للكفيل الرجوع فقط على المدينين الذين ضمنهم بكل الدين. ب ـ رجوع الكفيل على غيره من الكفلاء: 1ـ تعدد الكفلاء مع تضامنهم: نصت عليها المادة 668 من ق. م:" إذا كان الكفلاء متضامنين فيما بينهم ووفى أحدهم الدين عند حلوله، يجوز له أن يرجع على كل من الباقين بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر منهم". ومن خلال المادة يكون كل كفيل مسؤولا عن الدين فإذا وفى أحدهم الدين فلا يجوز أن يرجع على الكفيل المتضامن إلا بقدر نصيبه في الدين مضافا إليه نصيبه من حصة المعسر منهم. مع الإشارة في هذا الصدد إلى حكم كفالة الكفيل الذي جاءت به المادة 669 من ق. م:" تجوز كفالة الكفيل، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، إلا إذا كان كفيل الكفيل متضامنا مع الكفيل". ونستخلص من النص أنه يجوز كفالة الكفيل ولا يجوز للدائن أن يرجع على كافل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل وهذا في حال عدم تضامنهم أما إذا كانوا متضامنين فيجوز للدائن أن يعود عليهم معا. 2ـ تعدد الكفلاء وعدم تضامنهم: يقسم الدين بينهم بقوة القانون فلا يلتزم كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة وفي حال إعسار أحدهم فلا يتحمله غيره من الكفلاء والدائن هو من يتحمل حصة الكفيل المعسر منهم. انقضاء عقد الكفالة ينقضي التزام الكفيل بصفة تبعية لانقضاء التزام المدين لأن التزام الكفيل لا يقوم منفصلا بل لابد من أن يرتكز على التزام أصلي ويعمل على ضمان الوفاء به، فهو تابع لهذا الالتزام في وجوده وفي صحته وفي انقضائه لأن الفرع يتبع الأصل ومنه ينقضي التزام الكفيل بنفس الأسباب العامة التي ينقضي بها الالتزام المكفول هذا بالإضافة إلى بعض الأسباب الخاصة التي قد ينقضي بها التزام الكفيل دون أن ينقضي الالتزام الأصلي. أولا: الأسباب العامة لانقضاء عقد الكفالة: وفي هذه الجزئية أيضا يوجد الأسباب العامة لانقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية وبصفة تبعية. أ ـ انقضاء عقد الكفالة بصفة تبعية: تنقضي الكفالة هنا بالأسباب العامة وهي 1ـ انقضاء الالتزام الأصلي بالوفاء أو ما يقوم مقام الوفاء: حيث إذا وفى المدين بالدين الذي عليه برأت بذلك ذمته وبالتبعية تبرأ ذمة الكفيل معه وهذا في حال الوفاء الكلي، أما إذا كان الوفاء جزئيا فإن ذمة الكفيل لا تبرأ إلا بقدر ما وفاه المدين أما إذا وفى بالدين شخص آخر حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه ونفس الحكم في حوالة الحق إذا أحال الدائن حقه إلى دائن آخر فإن الدين يبقى قائما بكل ضماناته بما في ذلك الكفالة (م 243 من ق. م)، أما إذا قام المدين بإحالة التزامه لشخص آخر فإن الدين يظل قائما إلا أنه بتغير شخص المدين فإن التزام الكفيل ينقضي إلا إذا وافق هذا الكفيل على ضمان المدين الجديد (م 254 من ق. م) أما فيما يتعلق بالوفاء بمقابل فقد نصت عليه المادة 655 من ق. م:" إذا قبل الدائن شيئا آخر في مقابل الدين برئت بذلك ذمة الكفيل ولو استحق هذا الشيء". ويستخلص من النص أنه في حال اتفاق الدائن مع المدين على تعويض الدين الأصلي بنقل ملكية شيء آخر فإنه تبرأ ذمة المدين بهذا الوفاء بمقابل وتبرأ تبعا لذلك ذمة الكفيل حتى ولو استحق هذا الشيء بعد ذلك لشخص آخر. أما عن انقضاء الدين المكفول بالتجديد بأن جدد المدين الأصلي دينه لتغير الدائن أو المدين أو الدين في محله أو مصدره (م 291 و293 من ق. م) فإن الدين المكفول ينقضي وتنقضي معه الكفالة بصورة تبعية ويحل محل الدين المكفول دين جديد لا تنتقل إليه التأمينات التي كانت تكفل الدين المكفول منها الكفالة. كما ينقضي الدين المكفول بالإنابة (م 294 ق. م وما يليها) والمقصود هنا الإنابة الكاملة وهي التي يترتب عليها انقضاء الالتزام المكفول وهي أن يتفق فيها أن ينقضي التزام المنيب (المدين) ليحل محله التزام جديد وهو المناب في مواجهة المناب لديه (الدائن)، والإنابة الكاملة هي تجديد الالتزام بتغيير شخص المدين أي تبرأ ذمة المنيب اتجاه المناب لديه ويترتب على ذلك انقضاء التأمينات الضامنة لهذا الالتزام ومنها الكفالة فتبرأ ذمة الكفيل في مواجهة الدائن ما لم يرض بكفالة المدين الجديد، أما بالنسبة للإنابة الناقصة فلا يوجد هناك تجديد للالتزام وبالتالي لا ينقضي الالتزام القديم ولا تنقضي التأمينات الضامنة له حيث يقوم التزام المدين الأصلي (المنيب) بجانب التزام المنوب عنه ويكون للدائن مدينان بدلا من واحد. أما فيما يخص انقضاء الدين المكفول بالمقاصة وهي أن يصبح المدين المكفول دائنا للدائن وتوافرت شروط المقاصة المنصوص عليها في المادة 297 من ق. م انقضى التزام المكفول بقدر ما ترتب في ذمة الدائن وانقضى بالتبعية التزام الكفيل بهذا القدر. أما عن اتحاد الذمة (م 304 من ق. م) ينقضي الالتزام إذا اجتمعت في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة لدين واحد وبالقدر الذي اتحدت فيه الذمة، كأن يرث المدين الدائن أو يوصي الدائن لمدينه بالدين ومتى انقضى الالتزام الأصلي المكفول انقضى معه التزام الكفيل. 2ـ انقضاء الالتزام الأصلي دون الوفاء: وهنا ينقضي الالتزام الأصلي في حالات معينة وهي الإبراء (م 305 من ق. م) حيث إذا أبرأ الدائن مدينه فإن التزام المدين ينقضي وينقضي معه التزام الكفيل بالتبعية، أما في حال إبراء ذمة الكفيل فلا يترتب على ذلك إبراء ذمة المدين الأصلي. كما ينقضي الالتزام الأصلي بالنسبة للمدين إذا استحال تنفيذه لسبب أجنبي لا يد له فيه وهو من يثبت هذه الاستحالة، وينقضي معه بالتبعية التزام الكفيل. هذا وينقضي التزام المدين الأصلي بالتقادم وينقضي معه التزام المكفول بالتبعية ولو لم مدة التقادم الخاصة به. كما قد يزول الدين المكفول بفسخ العقد الذي أنشأه أو إبطاله فيصبح الدين كأن لم يكن وتصبح الكفالة كأنها لم تكن تبعا للدين المكفول. ب ـ انقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية: وهناك حالات أخرى أو بمعنى أصح من الأسباب العامة التي تؤدي إلى انقضاء عقد الكفالة وهي في حال اتحاد الذمة حيث إذا ورث أحدهما الآخر ونقصد هنا الكفيل والدائن فيترتب على ذلك انقضاء التزام الكفيل دون الالتزام المكفول، أما إذا ورث الكفيل المدين وهنا تتحد صفة الكفيل والمدين في شخص واحد لذلك لا تنقضي الكفالة. كما ينقضي التزام الكفيل بالإبراء حيث إذا أبرأ الدائن الكفيل من الكفالة برأت ذمة هذا الكفيل دون أن ينقض الالتزام الأصلي (الدين المكفول)، أما العكس غير صحيح فلا يجوز للدائن أن يبرأ ذمة المدين الأصلي دون أن تبرأ ذمة الكفيل. هذا وينقضي التزام الكفيل بالتقادم دون أن ينقضي الدين المكفول. ثانيا: الأسباب الخاصة لانقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية: وهناك ثلاث حالات تنقضي فيها الكفالة دون أن ينقضي الالتزام المكفول. أ ـ براءة ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من ضمانات: ونصت على ذلك المادة 656 السابق ذكرها وهذا السبب مقرر لحماية الكفيل لأنه إذا وفى الدين فإنه يحل محل الدائن فيما له من حقوق ومعناه أنه إذا كانت هناك تأمينات تضمن نفس الدين المضمون بالكفالة فإن الكفيل الذي يوفي بهذا الدين يكتسب هذه التأمينات كلها في رجوعه على المدين أو على غيره من الكفلاء، فإذا أضاع الدائن بخطئه تأمينا من هذه التأمينات فإنه يكون بذلك قد ضيع على الكفيل الذي حل محله فرصة في استيفاء حقه ويكون الجزاء في ذلك هو براءة ذمة الكفيل في مواجهة الدائن بقدر ما أضاعه هذا الدائن من تأمينات. 2ـ براءة ذمة الكفيل لعدم اتخاذ الدائن الإجراءات في مواجهة المدين بعد إنذار الكفيل له بضرورة اتخاذها: وهي طريقة لحماية الكفيل من تقصير الدائن أو إهماله وقد نص عليها المشرع في نص المادة 657 من ق. م وهي الحالة التي يتباطأ فيها الدائن باتخاذ الإجراءات للمطالبة بالدين رغم حلول الأجل أو يتأخر في اتخاذها، وقد قرر المشرع للكفيل حقه في إنذار الدائن باتخاذ هذه الإجراءات فإن لم يتخذها خلال ستة أشهر من تاريخ هذا الإنذار برأت ذمة الكفيل، والحكمة من هذا هو حماية الكفيل حتى لا يبقى ملتزما بعقد الكفالة إلى ما لا نهاية. 3ـ براءة ذمة الكفيل لعدم تقدم الدائن في تفلسة المدين: ونصت على هذه الحالة المادة 658 من ق. م:" إذا أفلس المدين و جب على الدائن أن يتقدم بدينه في التفليسة وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما أصاب هذا الأخير من ضرر بسبب إهمال الدائن". يتضح من خلال النص أنه في حال إفلاس المدين يجب على الدائن أن يتقدم في التفليسة وإذا أهمل ذلك تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أصابه من ضرر جراء ذلك أي بقدر ما كان الدائن سيحصل عليه لو تدخل في تفليسة المدين ويجب على الكفيل التمسك بهذا الحق سواء في شكل دفع أو دعوى لأنه ليس من النظام العام والقاضي لا يثيره من تلقاء نفسه

 

الرهن الرسمي:

   عرفت المادة 882 من ق. م الرهن الرسمي بأنه:" الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان".

التعريف أشار إلى أن الدائن المرتهن يستوفي حقه من ثمن العقار فقط في حين أنه يمكن أن يستوفي الدائن حقه من ثمن العقار أو من أي شيء يحل محله حسب نص المادة 907 من ق. م التي تنص:" يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم تجاه الدائنين العادين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار، بحسب مرتبة كل منهم ولو كانوا أجروا القيد في يوم واحد".

ومن خلال التعريف الذي أوردته المادة يمكن استخلاص خصائص الرهن الرسمي في النقاط التالية:

ـ حق الرهن الرسمي حق عيني: لأنه يخول صاحبه سلطة مباشرة على مال معين يمكنه بموجبها استيفاء حقه

 ـ حق الرهن الرسمي حق تبعي: وذلك لأنه ينشأ تابعا لحق أصلي لضمان الوفاء به حيث نصت المادة 893 من ق. م:" لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون، بل يكون تابعا له في صحته وفي انقضائه، ما لم ينص القانون على غير ذلك".

ـ حق الرهن الرسمي حق عقاري: فهو يرد على العقار فقط لكن استثناءا يرد على بعض المنقولات وهي الطائرة السفينة المحل التجاري.

ـ حق الرهن الرسمي غير قابل للتجزئة: نصت المادة 892 من ق. م:" كل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامن لكل الدين، وكل جزء من الدين مضمون بالعقار أو العقارات المرهونة كلها، ما لم ينص القانون أو يقضي الاتفاق بغير ذلك". وعدم التجزئة بالنسبة للعقار المرهون معناه أن كل جزء من العقار يضمن الدين بأكمله ، أما عن عدم التجزئة بالنسبة للدين المضمون فمعناه أن كل جزء من هذا الدين يكون مضمونا بكامل العقار المرهون حيث إذا وفى المدين بجزء من الدين فإن العقار لا يتحرر بنسبة تقابل ما تم وفاؤه من الدين بل يبقى الرهن كاملا ضامنا للوفاء بما تبقى لكن يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين على أن يتحرر جزء من العقار كلما تم دفع جزء من الدين.

الرهن الرسمي من العقود الشكلية: وهذا ما نصت عليه المادة 883 من ق. م.

عقد الرهن الرسمي عقد شكلي: حيث نصت المادة 883 من ق. م:" لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي أو حكم أو بمقتضى القانون".

عقد الرهن الرسمي عقد ملزم لجانب واحد: لأنه لا ينشأ التزامات إلا في ذمة الراهن إذ يفترض في الدائن أنه سبق وقد أقرض المدين أو مد له أجل الدين وهو مقابل التزام المدين الراهن، أما الدائن المرتهن فلا يلتزم بشيء في عقد الرهن ذاته لأنه قرر لمصلحته.

عقد الرهن الرسمي عقد معاوضة: لأن المدين الراهن لا يتبرع للدائن المرتهن بالرهن بل يقدمه له كمقابل سواء كان هذا المقابل هو وفاء التزام تعهد به المدين اتجاه الدائن، أو كان المقابل هو تقديم قرض للمدين أو منحه أجلا.

أولا: إنشاء الرهن الرسمي

 بما أن الرهن الرسمي عقد شكلي فلا ينشأ إلا إذا تم في شكل رسمي و شروط شكلية وشروط موضوعية لانعقاد عقد الرهن الرسمي.

أ ـ الشروط الشكلية لإنشاء الرهن الرسمي: يتطلب القانون حتى ينشأ العقد صحيحا من الناحية الشكلية توافر شرطين أساسين:

1ـ الرسمية في عقد الرهن الرسمي: ونصت عليها المادة 883 السابق ذكرها التي نصت على أن الرهن الرسمي لا ينعقد إلا بعقد رسمي بمعنى وجوب تحرير العقد أمام الموثق وإلا كان باطلا بطلانا مطلقا .

2ـ بيانات التخصيص في عقد الرهن الرسمي: يشترط في الرهن الرسمي ذكر البيانات المتعلقة بالتخصيص ويقصد بها البيانات التي تحدد العقار أو العقارات المرهونة كما تحدد الدين أو الديون المضمونة كطبيعة العقار موقعه مساحته حدوده وتاريخ الدين ومصدره ومحله ومقداره، ويجب أن تكون هذه البيانات كافية لتميز العقار المرهون من غيره وتخصيص الدين المضمون ومداه وإلا فإن الرهن لا ينعقد.

 

ب ـ الشروط الموضوعية لإنشاء الرهن الرسمي:  ينشأ عقد الرهن الرسمي بموجب عقد يراعى في إبرامه الشروط المقررة في القواعد العامة التي تشمل الرضا والمحل والسبب بالإضافة إلى الشكل الرسمي وطرفي الرهن هما الدائن المرتهن والمدين الراهن هذا الأخير قد يكون هو المدين نفسه لكن قد يكون شخص آخر يرهن ماله لضمان الوفاء بدين غيره وفي هذه الحالة يسمى بالكفيل العيني نص عليها المشرع في المادة 884 من ق. م:" يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهنا لمصلحة المدين.

1ـ من حيث العقار المرهون: لا يرد الرهن الرسمي كأصل عام إلا على عقار وينبغي أن يكون هذا العقار معينا تعينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه ويجب أن يكون مملوكا للراهن كما يمتد الرهن إلى ملحقات العقار بقوة القانون.

ـ تعين العقار تعينا دقيقا: حيث نصت المادة 886 ف 02 من ق. م:" ويجب أن يكون العقار المرهون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني، وأن يكون معينا بالذات تعينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه، وأن يرد هذا التعيين إما في عقد الرهن ذاته أو في عقد رسمي لاحق، وإلا كان الرهن باطلا".

ـ ملحقات العقار المرهون: يقتصر مبدأ تخصيص الرهن على اشتراط تعيين العقار المرهون ذاته تعينا دقيقا دون اشتراط تحديد ملحقات العقار المرهون

المشرع نص على شمول العقار المرهون لملحقاته وأعطى أمثلة عنها في المادة 887 من ق. م:" يشمل الرهن ملحقات العقار المرهون التي تعتبر عقارا، ويشمل بوجه خاص حقوق الارتفاق والعقارات بالتخصيص وكافة التحسينات والإنشاءات التي تعود بالمنفعة على المالك، ما لم يتفق على غير ذلك، مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين والمهندسين المعماريين المنصوص عليه في المادة 997

ـ يجب أن يكون العقار مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني: وهذا حسب المادة 886 ف 02 من ق. م المذكورة أعلاه حيث لا يجوز رهن الأملاك العامة وأموال الوقف .

2ـ من حيث الدين المضمون: يتقرر الرهن لضمان الوفاء بالتزام معين حيث هو نظام تابع لا يقوم بذاته لكن يستند دوما على دين يعمل على ضمان الوفاء به، وتحديد الدين المضمون من الشروط الموضوعية الخاصة لصحة الرهن بحيث قد يكون هذا الدين معلقا على شرط أو دين مستقبلي أو حتى احتمالي،

نصت عليه المادة 891 من ق. م:" يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبل أو دين احتمالي، كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار، على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين".

ج ـ أهلية الراهن وملكيته للعقار المرهون

   نص المشرع في المادة 884 السابق ذكرها على أنه يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون وأهلا للتصرف فيه.

1ـ أهلية الراهن: فإذا كان الراهن هو المدين نفسه فإن الرهن يعتبر بالنسبة له من أعمال التصرف الدائرة بين النفع والضرر ولذا يشترط لصحته أن يكون المدين بالغا سن الرشد 19 سنة كاملة متمتعا بقواه العقلية وغير مصاب بعارض من عوارض الأهلية أما إذا كان قاصرا فيكون بالنسبة له باطلا بطلانا نسبيا، أما إذا كان الراهن غير المدين بأن يكون كفيلا عينيا وهو الذي يقدم ماله رهنا لضمان الوفاء بدين شخص آخر يكفله فإن تصرفه في الغالب الأعم يعتبر بالنسبة إليه ضارا ضررا محضا ويشترط لصحته أن يكون هذا الراهن بالغا سن الرشد وغير مصاب بعارض أو مانع من عوارض وموانع الأهلية، أما إذا كان قاصرا فيعتبر الرهن بالنسبة له باطلا بطلانا مطلقا.

2ـ ملكية الراهن للعقار المرهون: من المفروض أن يكون الرهن مالكا للعقار المرهون وأهلا للتصرف فيه وهذا حسب المادة 884 ف 02 من ق. م المذكورة سلفا، ولكن هناك صور تخرج عن هذا الفرض وهي:

ـ رهن ملك الغير: طبقا لنص المادة السابقة ووقوفا عند محتواها فإن رهن ملك الغير يقع باطلا بطلانا مطلقا وهذا عكس بيع ملك الغير الذي يجوز تصحيحه إذا أقره المالك الحقيقي أو انتقلت الملكية إلى البائع بعد البيع وهذا طبقا للمادة 398 من ق. م.

ـ الرهن الصادر من المالك الظاهر: والمالك الظاهر هو الشخص الذي يظهر على أنه هو المالك الحقيقي وفي الحقيقة هو غير ذلك، فالمالك الظاهر فهو غير مالك للشيء المرهون والرهن الصادر منه هو رهن لملك الغير وهو رهن باطل بطلانا مطلقا.

ـ الرهن الصادر من مالك زالت ملكيته بأثر رجعي: والمالك الذي تزول ملكيته بأثر رجعي فإنه يعتبر كأن لم يكن مالكا البتة وبالتالي كل التصرفات التي صدرت منه تزول وتصبح كأن لم تكن، ولذلك إذا صدر رهن من مالك ثم زالت ملكيته بأثر رجعي ترتب عن زوالها زوال الرهن أيضا، لكن رغم ذلك أقر المشرع حكما خاصا لهذه الحالة وهو بقاء هذا الرهن صحيحا إذا كان الدائن المرتهن حسن النية وقد عقد الرهن مع مالك لكن زالت ملكية هذا الراهن بأثر رجعي وهو ما نصت عليه المادة 885 من ق. م:" يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن، الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته، أو فسخه، أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر، إذا ثبت أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن".

ـ الرهن الصادر من مالك المباني المقامة على أرض الغير: حيث تنص المادة 889 من ق. م:" يجوز لمالك المباني القائمة على أرض الغير أن يرهنها وفي هذه الحالة يكون للدائن حق التقدم في استيفاء الدين من ثمن الأنقاض إذا هدمت المباني، ومن التعويض الذي يدفعه مالك الأرض إذا استبقى المباني وفقا للأحكام الخاصة بالالتصاق".

ـ رهن العقار المملوك على الشيوع: إن الصور المتعلقة برهن المال الشائع عديدة تضمنتها المادة 890 من ق. م:" يبقى نافذا، الرهن الصادر من جميع المالكين لعقار شائع، أيا كانت النتيجة التي تترتب على قسمة العقار فيما بعد أو على بيعه لعدم إمكان قسمته.

وإذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في العقار أو جزء مفرزا من هذا العقار، ثم وقع في نصيبه عند القسمة أعيان غير التي رهنها، انتقل الرهن بمرتبته إلى الأعيان المخصصة له بقدر يعادل قيمة العقار الذي كان مرهونا في الأصل،

ثانيا: آثار الرهن الرسمي

يرتب الرهن الرسمي آثارا فيما بين المتعاقدين بما أنه عقد وآثارا في مواجهة الغير لأنه حق عيني نافذ في مواجهة الغير.

أ ـ آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين:

   ينشأ عقد الرهن الرسمي التزاما أساسيا على عاتق المدين الراهن وهو ترتيب حق الرهن الذي ينشأ بموجب العقد فإذا كان المدين الراهن مالكا للعقار المرهون وهذا شرط لصحة عقد الرهن فإن حق الدائن المرتهن ينشأ بمجرد العقد ولا يتوقف نشأته على إجراء لاحق كإجراء الشهر.

  من هنا يمكن القول أن الدائن المرتهن يستطيع التنفيذ على العقار المرهون قبل أن يتخذ أي إجراء من إجراءات الشهر وهذا ما نصت عليه المادة 902 من ق. م:" يمكن للدائن بعد التنبيه على المدين بالوفاء، أن ينفذ بحقه على العقار المرهون ويطلب بيعه في الآجال ووفقا للأوضاع المقررة في قانون الإجراءات المدنية".

.العلاقة بين الملكية والرهن:

   لا يؤثر الرهن في الملكية شيئا وتبقى حقوق المالك على العقار المرهون كاملة تقريبا لا تتقيد إلا بالقدر اللازم لعدم الإضرار بالدائن المرتهن مستقبلا.

ـ بقاء الملكية للمدين الراهن: أهم ما يتميز به الرهن الرسمي هو أن الراهن يحتفظ بحقه في ملكية العقار المرهون بكل ما يخوله هذا الحق من سلطات الاستعمال الاستغلال والتصرف،

1ـ سلطات المالك:

* سلطة التصرف: جاء في المادة 894 من ق. م:" يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون، على أن أي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن".

ـ بيع الراهن للعقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل: تصرف المدين الراهن في العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل إذا كان لا يشكل خطرا كبيع الثمار مثلا.

أما إذا كان التصرف في العقار باعتباره منقولا بحسب المآل كأن يبيع الراهن المنزل المرهون أنقاضا ويستولي المشتري على أنقاضه حيث لا يمكن للدائن تتبع الأنقاض لأن المشتري سيحتج بحيازته لها والحيازة في المنقول سند الملكية وهنا يستطيع الدائن الرجوع على المدين المرتهن بضمان التعرض.

ـ بيع العقارات بالتخصيص: إذا تصرف المدين الراهن في هذه العقارات بالتخصيص فسيؤدي هذا إلى ضرر محقق في حق الدائن المرتهن لأن هذا التصرف يؤدي إلى فصل العقارات بالتخصيص عن العقار المرهون ورجوعها إلى طبيعتها المنقولة وانتقال ملكيتها لشخص آخر لا يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع هذه المنقولات لاستيفاء دينه إذا تمسك هذا الشخص بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، وهذا التصرف ينطوي على تعرض من الراهن يلزمه بالضمان في مواجهة المرتهن.

* سلطة الاستغلال: إن سلطة المدين الراهن في استغلال العقار المرهون تقوم على عدة أفكار أولها أن الراهن يحتفظ بالسيطرة على العقار المرهون وحيازته وبالتالي سلطة استغلاله وجني ثماره

ـ الإيجار: تنص المادة 896 من ق. م:" الإيجار الصادر من الراهن لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية، أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه، أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة، فلا يكون نافذا إلا إذا أمكن اعتباره داخلا في أعمال الإدارة الحسنة.

وإذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته على تسع سنوات، فلا يكون نافذا في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع سنوات، ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن".

ـ المخالصة بالأجرة: المشرع نص على هذه التصرفات في المادة 897 من ق. م": لا تكون المخالصة بالأجرة مقدما لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات ولا الحوالة بها كذلك نافذة في حق الدائن المرتهن، إلا إذا كان تاريخها ثابتا وسابقا لتسجيل تنبيه نزع الملكية.

* سلطة الاستعمال: إذا كان للمدين الراهن الحق في التصرف في العقار المرهون ببيعه أو مقايضته أو هبته وكذا الحق في استغلاله بجني ثماره وتأجيره وقبض أجرته وتحويلها، فله الحق أيضا في أن يستعمله بنفسه، وسلطة الاستعمال لا تحتاج إلى بيان لأنها لا تثير أي إشكال فمثلا إذا كان العقار المرهون منزلا وكان المدين الراهن يستعمله للسكن فيبقى ساكنا فيه دون أجرة.

2ـ التزامات الراهن:

* التزام الراهن بالضمان: إن احتفاظ الراهن بسلطات المالك يقابله التزامه بضمان سلامة الرهن في مواجهة الدائن المرتهن والمساس بسلامة الرهن قد يأتي من المدين نفسه أو من الغير أو بسبب أجنبي، وفي جميع هذه الحالات يستطيع الدائن المرتهن أن يعترض على الأعمال التي تمس بسلامة الرهن ويطلب بوقفها

نص المادة 900 من ق. م:" إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان، انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك من مبلغ التعويض عن الضرر أو مبلغ التأمين أو الثمن المقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة".

التنفيذ على العقار:

   إذا حل أجل الوفاء بالدين ولم يقم المدين بالوفاء اختيارا كان للدائن المرتهن أن يتخذ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون ببيعه في المزاد العلني واستيفاء حقه من ثمن البيع، من أجل ذلك فإن المرتهن لا يحتاج لاستصدار حكم من القضاء لمباشرة التنفيذ على العقار المرهون لأن عقد الرهن الرسمي يعد بمثابة سند تنفيذي يمكنه من التنفيذ مباشرة طبقا لإجراءات التنفيذ الواردة في قانون الإجراءان المدنية والإدارية.

ـ وحدة إجراءات التنفيذ بالنسبة للمرتهن وغيره من الدائنين العادين: حيث لا يتميز الدائن المرتهن عن غيره من الدائنين العاديين فيما يتعلق بإجراءات التنفيذ التي يتخذها في التنفيذ على العقار المرهون، وقد عمل المشرع على التأكيد على بطلان الاتفاق بين الراهن والمرتهن على أن يتملك هذا الأخير العقار المرهون عند عدم الوفاء بالدين أو أن يتم بيع العقار دون مراعاة الإجراءات التي قررها القانون للتنفيذ على العقار وهذا حسب نص المادة 903 من ق. م:" يكون باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أيا كان، أو في أن يبيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن.

غير أنه يجوز بعد حلول الدين أو قسط منه الاتفاق على أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه". والحكمة المرجوة من بطلان اتفاق تملك المرتهن للعقار المرهون أو بيعه دون مراعاة للإجراءات هي حماية المدين الراهن من شروط قد يفرضها عليه الدائن المرتهن قد لا تكون في مصلحة المدين ومصلحة باقي الدائنين كأن تكون قيمة العقار أكبر من قيمة الدين وبيعه دون إتباع الإجراءات التي حددها القانون تؤدي إلى الحصول على ثمن أقل من قيمته، فإذا وجد مثل هذا الاتفاق فيكون باطلا بطلانا مطلقا والبطلان هنا يلحق الشرط دون العقد سواء تم الاتفاق عليه وقت العقد أو بعد إبرامه طالما كان هذا قبل حلول الأجل، لأنه إذا حل أجل الدين أو حتى قسط منه فقد انعدمت شبهة استغلال الدائن لمدينه ويصير هذا الأخير على بينة من أمره فيجوز حينها أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه أو أن يشتري المرتهن العقار بثمن معين لأن مثل هذه الاتفاقات فيها مصلحة للمرتهن إذ يتجنب مصروفات بيع العقار في المزاد العلني.

ب ـ آثار الرهن الرسمي بالنسبة للغير:

   تظهر أهمية الرهن الرسمي فيما يرتبه في مواجهة الغير في حق التتبع والتقدم على نفس العقار ومنه فإن الغير هم من ينفذ حق الرهن في مواجهتهم وهم، الدائنون العاديون للمدين الراهن وكذا الدائنون أصحاب التأمينات العينية المتأخرة في المرتبة عن مرتبة الدائن المرتهن إذ يتقدم عليهم في استيفاء حقه، إذ يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع العقار في أي يد يكون، على أن نفاذ الرهن الرسمي في مواجهة الغير يتوقف على قيده في السجلات المعدة لذلك ومنذ إجراء القيد، لذلك وجب قيد الرهن حتى يتحقق للدائن المرتهن ميزتي التقدم والتتبع وهذا حسب نص المادة 904 من ق. م:" لا يكون الرهن نافذا في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار، وذلك دون إخلال بالأحكام المقررة في الإفلاس.

لا يصح التمسك تجاه الغير بتحويل حق مضمون بقيد، ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذا الحق بحكم القانون أو الاتفاق، ولا التمسك كذلك بالتنازل عن مرتبة القيد لمصلحة دائن آخر، إلا إذا حصل التأشير بذلك في هامش القيد الأصلي".

1ـ القيد إجراءاته وأحكامه

ـ الإشهار العقاري: إن الحق العيني بطبيعته نافذ في حق الكافة لذلك كان لابد من إيجاد طريقة ليسهل على الأفراد معرفة الأعيان ومالكيها وما يثقلها من حقوق عينية تبعية، أي معرفة كل التصرفات الواردة على العين وهناك طريقتان الأولى التسجيل وتتضمن تسجيل العقد بكامله وتشهر بالتسجيل التصرفات التي من شأنها إنشاء الحقوق العينية الأصلية أو نقلها أو تفسيرها أو زوالها ويكون عن طريق نقل صورة كاملة من المحرر الذي يراد شهره في السجل الخاص، أما الثانية فهي القيد ويقتصر فيها على تدوين البيانات الجوهرية الواردة في المحرر حيث يكفي لإشهار الحقوق العينية التبعية لذلك يكفي إثبات الدين والعقار المثقل بالتأمين العيني واسم الدائن والمدين، مع الإشارة هنا إلى وجود نوعان للشهر العقاري نظام الشهر العيني الذي يتم على أساس العقار ذاته ونظام الشهر الشخصي الذي يكون على أساس أسماء الأشخاص الصادرة منهم التصرفات.

ـ إجراءات القيد: تنص المادة 905 من ق. م:" تسري على إجراء القيد وتجديده وشطبه وإلغاء الشطب والآثار المترتبة على ذلك كله، الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري". أما المادة 906من ذات القانون فقررت أن:" تكون مصاريف القيد وتجديده وشطبه على الراهن، ما لم يتفق على غير ذلك". ومن هنا يتضح أن إجراءات القيد وتجديده وشطبه تنظمها قواعد الإشهار العقاري حيث يتم قيد الرهن الرسمي في مكتب الإشهار العقاري الذي يقع في دائرة العقار المرهون ويتم القيد بناء على طلب صاحب الشأن المدين الراهن أو الدائن المرتهن أو دائني المرتهن ويتم الطلب بواسطته أو بواسطة وكيله أو نائبه القانوني وهذا حتى يتحقق نفاذ الرهن في مواجهة الغير فتبدأ الإجراءات بتقديم طلب إلى مكتب الإشهار العقاري المختص ويجب أن يتضمن الطلب البيانات المنصوص عليها في قانون الإشهار العقاري والمتمثلة أساسا في تعين أطراف الاتفاق على الرهن وكذا تحديد العقار المرهون وسندات ملكيته والدين المضمون بالرهن وكل ما يكون على العقار المرهون من حقوق أخرى مقيدة، ويسجل طلب القيد في ساعة وتاريخ تقديمه في دفتر خاص يسمى في مصلحة الشهر بدفتر أسبقية طلبات الشهر.

ـ بيانات قائمة القيد وجزاء تخلفها: تشمل بيانات الرهن الرسمي عدة نقاط فمن حيث بيانات الدائن المرتهن من اسمه ولقبه ووظيفته ومحل إقامته، وبيانات الراهن سواء كان المدين نفسه أو شخصا آخر من اسمه ولقبه ومحل إقامته وكذا بيانات عن عقد الرهن من تاريخ إبرامه والجهة التي تم توثيقه أمامها حتى يتمكن الغير من الإطلاع على عقد الرهن، وبيانات تخصيص الدين المضمون من تحديد مقداره ومضمونه وميعاد استحقاقه، وبيانات تخصيص العقار المرهون من تحديد لمساحته وطبيعته وموقعه، حيث أنه في حال تخلف بيان أو أكثر من هذه البيانات أو حتى حدوث خطأ في تحديده لا يترتب عنه بالضرورة بطلان القيد إلا إذا نتج عنه ضرر للغير بناء على طلب المتضرر كما أن القيد الذي يتم ببيانات ناقصة أو غير دقيقة لا ينتج أثره من حيث سريان الرهن في حق الغير في حدود هذا النقص أو عدم الدقة.     

ـ أحكام القيد: إن القيد ليس شرط في عقد الرهن الرسمي ذاته بل هو إجراء لاحق لنشوء الرهن والحكمة منه هو شهر هذا الحق ليفترض وجود الحق منذ إنشائه فيرتب الرهن آثاره في مواجهة الغير، وتتمثل هذه الآثار في ميزتي التقدم والتتبع وليس هناك موعد محدد للقيد منذ إنشاء الرهن فهناك حرية للدائن المرتهن لطلبه في أي وقت يشاء لكنه كلما تأخر في قيده تأخر نفاذ الرهن في مواجهة الغير وتأخرت مرتبة رهنه خاصة إذا سبقه مرتهن آخر في قيده، مع الإشارة في هذا المقام إلى بعض التصرفات التي توقف إجراء القيد أو حتى تمنع نفاذه في حق بعض الأشخاص وتشمل هذه الأشياء التصرفات التالية:

-        تسجيل تصرف ناقل للملكية على العقار المرهون للغير: إذا تصرف المدين الراهن في العقار المرهون وسجل التصرف قبل قيد الرهن ترتب على ذلك خروج العقار من ملك الراهن وانتقاله إلى المتصرف إليه خاليا من الرهن كذلك إذا بيع العقار جبرا وسجل حكم مرسى المزاد قبل قيد الرهن فإن قيد الدائن رهنه بعد ذلك لم يكن له أي أثر بالنسبة للمتصرف إليه وهذا ما نصت عليه المادة 904 من ق. م.

-        تسجيل تنبيه نزع الملكية: حيث أنه إذا سبق تسجيل التنبيه بنزع الملكية على قيد الرهن الرسمي لم يكن للقيد أثر على الحاجزين للعقار وعلى الدائنين أصحاب الحقوق المقيدة قبل تسجيل التنبيه وكذا على من يشتري العقار في المزاد العلني.

-        شهر إفلاس الراهن: حيث أن الأحكام المقررة في الإفلاس تقضي بأن حقوق الامتياز والرهن العقاري المكتسبة من المفلس على الوجه القانوني يجوز قيدها حتى يوم صدور الحكم بشهر الإفلاس، فإذا تم قيد الرهن بعد شهر الإفلاس فلا يكون نافذا على مجموع دائني المفلس بالرغم من أن هذا الرهن تم إبرامه قبل الحكم بشهر الإفلاس.

-        وفاة الراهن: اختلف الفقه حول قيد الرهن بعد وفاة الراهن فذهب رأي إلى أن القيد لا يؤدي إلى نفاذ الرهن في حق دائني التركة لأن حق هؤلاء يتعلق بأعيان التركة بمجرد الوفاة وضرورة المساواة بين دائني المتوفى وعدم تميز أحدهم لسبب لاحق بعد الوفاة، أما غالبية الفقه فيرى أنه يجوز قيد الرهن الذي انعقد صحيحا في حياة الراهن حتى بعد وفاته، أما المشرع الجزائري فلم ينص على هذه الحالة.

   في الأخير ما يجب التذكير به هو أن مصاريف القيد وتجديده وشطبه تكون على المدين الراهن ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، فبالنسبة للتجديد فإن القيد ليس له أثر دائم أي يبقى بعد إجرائه لأول مرة لمدى الحياة بل يجب تجديده كل عشر (10) سنوات من يوم إجرائه وإلا زال أثره في النفاذ اتجاه الغير (م 96 من المرسوم 76ـ 63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري)، أما بعض المؤسسات والجماعات المحلية فقد جعلت مدة تجديد القيد بخمسة وثلاثون (35) سنة وهذه المؤسسات هي المؤسسات المصرفية الوطنية الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط وكذا الدولة والبلدية، مع الإشارة هنا إلى أن تجديد القيد يتم بطلب من الدائن أو خلفه وذلك قبل انقضاء (10) سنوات من إجرائه وبهذا يظل نفاذ الرهن مستمرا منذ القيد الأصلي وتظل للمرتهن أو حتى الحائز مرتبته في الرهن التي تحددت بهذا القيد لأن المادة 913 من ق. م نصت:" يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حل فيه محل الدائن وأن يجدده عند الاقتضاء، وذلك إلى أن تشطب القيود التي كانت موجودة على العقار وقت تسجيل سند هذا الحائز".

ـ شطب القيد: إذا انقضى الرهن أو زال لأي سبب فإنه يجب عندئذ شطب هذا القيد أي محوه وهنا ليس معناه الشطب المادي بل فقط التأشير على هامش القيد بما يفيد أنه أصبح غير موجود، فالمقصود من شطب القيد هو إلغاء ما يترتب على قيامه من آثار ولو بقي ماديا وهو نوعان: الشطب الاختياري والذي يتم برضا الدائن ينصب على رفع القيد وتقرير يصدر منه، أما الشطب القضائي فيتم إذا لم يبقى هناك داع لبقاء القيد وقعد الدائن عن الشطب فلكل ذي مصلحة أن يتقدم للقضاء لإلغاء القيد.

ـ إبطال الشطب بعد حصوله: بعد شطب القيد أو إلغائه أو محوه قد تدعو الحاجة إلى إعادة سريانه كما لو تبين عدم رضا الدائن بإلغاء القيد أو تم نقض الحكم الذي تم شطب القيد بناء عليه أو لأي سبب كان ويكون غير صحيح فيقتضي الأمر رفع دعوى لإلغاء الشطب سواء كان اختياريا أو قضائيا، ويتم ذلك عن طريق رفع دعوى بإلغاء الشطب أو إبطاله أمام محكمة مقر العقار من قبل من يهمه الأمر بإبطال الشطب ترفع على المدين الراهن لأنه الخصم الطبيعي في دعوى يراد بها إبقاء قيد الرهن، فإذا تحقق القاضي في أن الشطب كان على غير أساس حكم بإلغائه فيعود القيد إلى ما كان عليه منتجا لأثاره، وإذا كان الحكم النهائي بإبطال الشطب فإن الإبطال أو الإلغاء يتم عن طريق التأشير على هامش الشطب ذاته، مع التنويه في هذا الشأن أنه يترتب على إبطال الشطب كأنه لم يكن ويرجع للقيد الأول أثره ويحتفظ للدائن بمرتبته الأصلية بمعنى يعود القيد للوجود بأثر رجعي. 

2ـ حق الأفضلية (التقدم):

  إن الغاية من الرهن الرسمي هي حق الأفضلية بمعنى الدائن المرتهن يستوفي حقه من العقار المرهون متقدما على الدائنين العادين والدائنين أصحاب الامتياز التاليين له في المرتبة وهذا ما جاءت به المادة 882 من ق. م المذكورة سلفا، هذا وينشأ حق الدائن في التقدم بقيد الرهن وتحسب مرتبته من وقت القيد لأن العبرة بميعاد القيد لا بوقت نشأة الدين، فقد يحدث أن يتقدم دين متأخر في نشأته متقدم في قيده على دين قديم في نشأته حديث في قيده كما أن مرتبة الرهن تحسب من تاريخ قيده حتى ولو كان الدين لم ينشأ بعد وقت القيد كأن كان دينا مستقبلا أو احتماليا أو معلق على شرط واقف وهذا ما نصت عليه المادة 908 من ق. م:" تحسب مرتبة الرهن من وقت تقيده، ولو كان الدين المضمون بالرهن معلقا على شرط أو كان دينا مستقبلا أو احتماليا".

مع الإشارة هنا إلى موضوع الأفضلية أي الحقوق التي يستوفيها الدائن بطريق التقدم وهي أصل الدين والمصروفات فبالنسبة لأصل الدين وهو الثابت في قيد الرهن فإذا وجد فارق بين أصل الدين الثابت في عقد الرهن وبين ما تم إثباته في القيد هنا يتقدم الدائن في أقل القيمتين لأنه إذا زاد الدين المقيد عن الدين المضمون بالرهن كانت هذه الزيادة غير قائمة على أساس لأن القيد يعتمد على الرهن في وجوده ومداها، أما إن كان العكس وزاد الدين المضمون بالرهن عن الدين الثابت بالقيد كانت هذه الزيادة غير نافذة في حق الغير فلا يتقدم بها الدائن على غيره من الدائنين، أما فيما يخص المصروفات التي يستوفيها الدائن بالأفضلية فهي نفقات العقد وقيد الرهن وتجديده وهذا ما نصت عليه المادة 909 من ق. م:" يترتب على قيد الرهن إدخال مصاريف العقد والقيد والتجديد إدخالا ضمنيا في التوزيع وفي مرتبة الرهن نفسها.

وإذا سجل أحد الدائنين تنبيه نزع العقار، انتفع سائر الدائنين بهذا التسجيل". والعبرة من النص هو التأكيد على أن هذه المصاريف تقع في الأصل على المدين فإن أنفقها الدائن ودون اتفاق كان له أن يستوفيها من ثمن العقار عند توزيعه دون الحاجة إلى نص خاص.

   مع الإشارة إلى درجة الأفضلية أي المرتبة التي يحتلها الدائن المرتهن فقد يوجد أكثر من رهن مقيد على نفس العقار كما قد توجد تأمينات عينية أخرى مقيدة على ذات العقار لذا وجب إعطاء كل صاحب حق مقيد على العقار درجة أو مرتبة يتقدم بها على غيره من الدائنين، مع التذكير أنه وفي كل الأحوال أن أصحاب الحقوق المقيدة يتقدمون على الدائنين العاديين حتى ولو كانت مراتبهم متأخرة وديونهم نشأت متأخرة عن الدائنين العاديين هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن صاحب الحق في الامتياز العام ـ الذي لا يحتاج للقيد للاحتجاج به ـ يتقدم على جميع الحقوق المقيدة حتى لو نشأ الحق في الامتياز العام بعد نشأة الحقوق المقيدة (م 986 من ق. م)، أما الحقوق الواجبة الشهر فهي حقوق الرهن بنوعيه والتخصيص وحقوق الامتياز العقارية الخاصة ودرجة صاحب الحق تتحدد حسب وقت القيد كما يتقدم حق على حق آخر رغم قيدهما في يوم واحد إذا قيد أحدهما قبل الآخر أي وجود فاصل زمني بينهما.

أما عن التنازل عن مرتبة الرهن فقد نصت المادة 910 من ق. م:" يمكن للدائن المرتهن أن ينزل عن مرتبة رهنه في حدود الدين المضمون بهذا الرهن لمصلحة دائن آخر له رهن مقيد على نفس العقار، ويجوز التمسك تجاه هذا الدائن الآخر بجميع أوجه الدفع التي يجوز التمسك بها تجاه الدائن الأول، عدا ما كان منها متعلقا بانقضاء حق هذا الدائن الأول، إذا كان هذا الانقضاء لاحقا للتنازل عن المرتبة". الملاحظ من النص أن التنازل يتعلق بالقيد وليس الحق في حد ذاته وينبغي أن يكون المتنازل له صاحب حق مقيد على نفس العقار وألا يضر هذا التنازل بمصلحة باقي الدائنين الآخرين أصحاب الحقوق المقيدة على ذات العقار، لذا يكون التنازل في حدود دين الدائن الذي تنازل عن مرتبته فمثلا وجود ثلاث دائنين راهنين أ ـ ب ـ ج ـ على نفس العقار وتنازل صاحب الرهن (أ) الذي قيمته 100 دج عن مرتبة قيده لصاحب الرهن (ج) الذي قيمته 200 دج فلا ينبغي أن يضر هذا التنازل على المرتبة صاحب الرهن (ب) بمعنى يكون التنازل في حدود 100 دج فقط، كما يستطيع صاحب الرهن (ب) بالتمسك في مواجهة صاحب الرهن (ج) بجميع أوجه الدفع التي كان يتمسك بها في مواجهة صاحب الرهن (أ) كبطلان القيد أو بطلان الدين أو انقضاء حقه ماعدا إذا كان هذا الانقضاء جاء بعد التنازل عن المرتبة.

3ـ حق التتبع:

   والمقصود بحق التتبع حق الدائن المرتهن في تتبع العقار المرهون واتخاذ إجراءات التنفيذ عليه في أي يد يكون فلا يشترط أن يبقى العقار في ملكية المدين الراهن حتى يتمكن المرتهن من التنفيذ عليه بل يمكن للراهن التصرف في هذا العقار كأن ينقل ملكيته لشخص آخر، وعلى هذا الأساس فحق الدائن المرتهن بالتتبع متعلق بحق المدين الراهن في التصرف فلا يتصور قيام أحد الحقين دون الآخر، فحق الرهن على العقار لا ينقص من ملكية الراهن ولا يمنعه من التصرف في العقار المرهون ومع ذلك أي تصرف لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فهذا الأخير يستطيع التنفيذ على العقار حتى بعد خروجه من ذمة المدين الراهن وهذا ما يفسر حق الراهن في التصرف وحق المرتهن في التتبع الذي يعتبر مظهر من مظاهر نفاذ الرهن في مواجهة الغير، مع الإشارة هنا إلى أن حق الأفضلية إن لم يصاحبها حق التتبع تنعدم كل آثارها بمجرد تصرف الراهن في العقار المرهون.

أما عن صاحب الحق في التتبع فهو الدائن المرتهن الذي قيد رهنه قبل شهر التصرف الواقع على العقار المرهون والعبرة هنا بالأسبقية بالقيد لا الأسبقية في السند المنشأ للحق، فبمجرد التصرف في العقار المرهون وتسجيل هذا التصرف يمتنع على الدائن المرتهن الذي تأخر في قيد رهنه اتخاذ إجراءات الشهر بعد هذا ولذا لا يحتج بالرهن في مواجهة المتصرف إليه لأن ملكية الرهن تبقى خالية من حق مشهر عليه، ولا يجوز للمرتهن الذي اكتسب حق رهن على العقار غير مقيد أن يتقدم بطلب شهره بعد انتقال ملكيته إلى شخص آخر، مع الإشارة هنا إلى أن الدائن المرتهن لا يحق له تتبع العقار المرهون والتنفيذ عليه في مواجهة المتصرف إليه إلا بعد حلول الأجل لأنه بوجود المتصرف إليه وحلول أجل الدين لا يجوز مطالبة المدين الراهن والتنفيذ عليه، وعن الدائن الذي يثبت له حق التتبع هو الدائن المرتهن أيا كانت درجة قيده حتى لو كان متأخرا في المرتبة وهذا حسب ما جاءت به المادة 911 من ق. م:" يجوز للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين أن يقوم بنزع ملكية العقار المرهون من يد الحائز لهذا العقار، إلا إذا اختار الحائز أن يقضي الدين أو يطهر العقار من الرهن أو يتخلى عنه.

ويعتبر حائزا للعقار المرهون، كل من انتقلت إليه بأي سبب من الأسباب ملكية هذا العقار أو أي حق عيني آخر قابل للرهن، دون أن يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن". 

من خلال النص نجد أن الحائز هو من يباشر الدائن المرتهن اتجاهه حقه في التتبع وهو كل من انتقلت له ملكية العقار أو حق عيني قابل للرهن أي أجنبي عن الدين بمعنى لا يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين، حيث لا يعتبر حائزا المدين الراهن ولا الكفيل الشخصي أو الضامن إذا انتقلت له ملكية العقار ضمانا لنفس الدين وأن يكون هذا الغير قد شهر حقه بعد قيد الرهن فإذا لم يشهره فلا يعتبر حائزا أصلا أما إذا شهر حقه قبل قيد الرهن فهنا وكما أسلفنا لا يحتج بالرهن في مواجهته ولا يمارس حقه في التتبع.

ـ إجراءات التتبع: يقوم المرتهن بإتباع إجراءات التتبع وفقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ومع ذلك يسبق التنفيذ على العقار في مواجهة الحائز التنبيه على المدين بنزع الملكية وذلك لأن المدين هو المسؤول الأصلي عن الدين حيث يجب التنبيه عليه قبل الشروع في بيع العقار بالمزاد العلني لعله يقوم بالوفاء مما يستعدي وقف إجراءات التنفيذ على العقار، ثم يلي التنبيه على المدين إنذار الحائز والذي يكون بالدفع (قضاء الدين) أو التخلية أو حتى تطهير العقار المرهون، وهذه الحلول جميعها تشكل الدفوع التي يستعملها الحائز في مواجهة المرتهن.

* قضاء الديون:

 قضاء الديون اختيارا: يعني قيام الحائز بوفاء الدائنين المرتهنين حقوقهم قبل المدين الراهن والتي قد يقضيها جميعا أو يقضي بعضها فقط مما يكسبه حق الرجوع على المدين بما وفاه أما إذا كان سبب قضائه الديون هو تملكه العقار المرهون فيسقط حقه في الرجوع بما وفاه، والصورة العادية لقضاء الديون أن يكون الحائز قد تملك العقار المرهون عن طريق شرائه ولم يقم بعد بالوفاء للبائع (الراهن) وحينها يقوم بوفاء حقوق الدائنين المرتهنين من هذا الثمن ويترتب على ذلك براءة ذمته في مواجهة المدين الراهن الذي باعه العقار ويخلص له العقار خاليا من كل رهن وهنا تحقيق مصلحة جميع الأطراف، ومع ذلك هذه ليست الصورة الوحيدة فقد يحدث أن يكون ما تبقى في ذمة الحائز لا يكفي لوفاء الدائنين المرتهنين جميعا وهنا يستطيع وفاء حقوق الدائنين المتقدمين في المرتبة ويحل محلهم وهذا ما جاء في نص المادة 912 من ق. م:" يجوز للحائز عند حلول الدين المضمون بالرهن أن يقضيه هو وملحقاته بما في ذلك مصاريف الإجراءات من وقت إنذاره ويبقى حقه هذا قائما إلى رسو المزاد وله في هذه الحالة أن يرجع بكل ما يوفيه على المدين وعلى المالك السابق للعقار المرهون". مع الإشارة هنا إلى أنه وفي هذه الحالة تبقى الرهون التالية له في المرتبة مقررة على العقار ولا يتطهر وموقفه لا يخلو من الخطر لأنه قد يهمل تجديد قيد الرهن المتقدم الذي حل فيه محل المرتهن الذي وفاه حقه مما يفقده مرتبته وهذا ما قررته المادة 913 من ق.م": يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حل فيه محل الدائن وأن يجدده عند الاقتضاء، وذلك إلى أن تشطب القيود التي كانت موجودة على العقار وقت تسجيل سند هذا الحائز".

أما عن وقت قضاء الديون فلا يحق للحائز أن يقضيها قبل حلول أجلها فإذا حل الأجل يستطيع الحائز أن يقضي الديون دون أن ينتظر إنذار بالوفاء من الدائن ويبقى حقه قائما إلى يوم رسو المزاد، لكن الحائز له مصلحة في التعجيل بالوفاء بمجرد إنذاره لأنه يتحمل النفقات من يوم إنذاره، مع التنويه هنا إلى أن الحائز الذي وفى بحقوق الدائنين مقابل تملكه للعقار فلا يرجع على الراهن بشيء لكن إذا كان الحائز غير مدين بأن كان دفع ثمن العقار سلفا لتملكه فهنا يرجع بما دفعه وما يلتزم به ويرجع إما بدعوى الحلول أو الدعوى الشخصية.

ـ الدعوى الشخصية: قد يكون المدين الراهن هو المالك السابق للعقار المرهون وهذه هي الصورة الغالبة ومع ذلك قد ينقل الراهن ملكية العقار المرهون إلى شخص وهذا الأخير ينقلها بدوره إلى شخص آخر هو الحائز وفي هذه الحالة الأخير يوجد أكثر من شخص يستطيع الحائز الرجوع عليه فهناك المدين الراهن وهناك المالك السابق، حيث يعود على الراهن بدعوى الإثراء بلا سبب ويرجع على المالك السابق بدعوى ضمان عدم التعرض، فإثراء الراهن يتحقق في أن دينه انقضى من غير ماله وافتقار الحائز يتحقق في أنه وفى بماله دين غيره كما يعود بدعوى الضمان إن كان اكتسب ملكية العقار عن طريق الشراء.

ـ دعوى الحلول: للحائز أن يحل محل الدائنين الذين وفاهم حقوقهم والأصل أن من يحل محل الدائن يحل محله في هذا الحق بما يميزه من خصائص وما يكفله من تأمينات، لكن الحلول بالنسبة للحائز يكون ناقصا في حالتين الأولى وهي عدم رجوع الحائز على الكفيل حيث من المفروض هنا أن الدين المضمون بالرهن مضمون أيضا بكفالة شخصية أو عينية فإذا قام الراهن بنقل ملكية العقار لشخص آخر هو الحائز وقام هذا الأخير بالوفاء للدائنين وحل محلهم فإن مقتضى الحلول أن يستفيد الحائز من باقي التأمينات الأخرى الضامنة للدين كالكفالة ومع ذلك المشرع لم يأخذ بهذا الحل المنطقي ومنع الحائز من الرجوع على الكفيل سواء الشخصي أو العيني وقد برر الفقه هذا التوجه في أنه ينبغي عدم الإضرار بالكفيل لمجرد أن الراهن تصرف في العقار المرهون لأنه إذا قام هذا الأخير بالوفاء ما كان له الرجوع على الكفيل لأنه المدين الأصلي، لكن في الحالة العكسية يستطيع الكفيل أن يحل محل الدائن إذا وفاه حقه وينفذ على العقار في مواجهة الحائز ويبيعه بالمزاد العلني.

والثانية هي رجوع الحائز على حائز آخر حيث من المفروض وفي حال وجود أكثر من حائز للعقار وذلك في حال تصرف الراهن في العقار المرهون لدين واحد لأكثر من شخص فيصبح كل منهم حائزا للعقار في نفس الدين وهنا وتطبيقا لمبدأ عدم تجزئة الرهن فإن كل جزء من العقار أو العقارات ضامنة لكل الدين وطبقا لفكرة الحلول إذا وفى أحد الحائزين بكل الدين وحل فيه محل الدائن فله أن ينفذ على أي جزء من العقار في مواجهة أي من الحائزين لاستيفاء كل ما وفاه لكن المشرع أخذ بحكم آخر قرر فيه تجزئة رجوع الحائز على غيره من الحائزين وهذا ما نصت عليه المادة 266 من ق. م:" إذا وفى الغير الحائز للعقار المرهون كل الدين وحل محل الدائنين فلا يكون له بمقتضى هذا الحلول الرجوع على حائز لعقار آخر مرهون في ذات الدين إلا بقدر حصة هذا الحائز بحسب قيمة العقار المحجوز". والحكمة من هذا هو وضع حد لرجوع الحائزين بعضهم على بعض إلى ما لا نهاية.

قضاء الديون جبرا: في الأصل أن قضاء الديون موقف اختياري يتخذه الحائز يحميه القانون بضمان رجوعه بما وفاه زيادة على ما يلتزم هو به بسبب تملكه للعقار المرهون، إلا أنه توجد حالات أخرى يجبر فيها الدائن على قضاء الديون وهي ثلاث حالات نص المشرع على حالتين في المادة 914 من ق. م:" إذا كان في ذمة الحائز بسبب امتلاك العقار المرهون مبلغ مستحق الأداء حالا يكفي لوفاء جميع الدائنين المقيدة حقوقهم على العقار، فلكل من هؤلاء الدائنين أن يجبره على الوفاء بحقه، بشرط أن يكون سند ملكيته قد سجل.

فإذا كان الدين الذي في ذمة الحائز غير مستحق الأداء حالا، أو كان أقل من الديون المستحقة للدائنين، أو مغايرا لها، جاز للدائنين إذا اتفقوا جميعا أن يطالبوا الحائز بدفع ما في ذمته بقدر ما هو مستحق لهم، ويكون الدفع طبقا للشروط التي التزم الحائز في أصل تعهده أن يدفع بمقتضاها وفي الأجل المتفق على الدفع فيه.

وفي كلتا الحالتين، لا يجوز للحائز أن يتخلص من التزامه بالوفاء للدائنين بتخليه عن العقار، ولكن إن وفى لهم فإن العقار يعتبر خالصا من كل رهن ويكون للحائز الحق في طلب شطب ما على العقار من القيود".

أما الحالة الثالثة والمستوحاة من القواعد العامة وهي في حال اشترط المالك السابق على الحائز أن يوفي ديون الدائنين المرتهنين للعقار مقابل تملكه له.

* تطهير العقار المرهون:

   تطهير العقار المرهون كثاني الحلول التي أقرها المشرع موقف لا يتعرض له الحائز لكن هو الذي يعرضه حيث لا ينتظر حتى يحل أجل الدين فيعرض وفائها لكن يستطيع بمجرد اكتسابه صفة الحائز وقبل حلول أجل الديون أن يعرض تطهير العقار من كل القيود التي عليه فهو وحده الذي يحدد وقت التطهير وشروطه التي يدعو الدائنين لقبولها، والتطهير معناه أن يعرض الحائز على الدائنين المرتهنين دفع مبلغ يساوي القيمة الحقيقية للعقار مقابل تحريره من قيود رهونهم، وما دام أن هؤلاء الدائنين لن يحصلوا على أكثر من هذه القيمة بعد بيع العقار في المزاد العلني فمن مصلحتهم قبول العرض وتوفير نفقات البيع بالمزاد العلني واختصار إجراءاته، فالحائز الذي يكتسب ملكية عقار مرهون لا يوفي بثمنه للراهن بل يحتفظ به ليعرضه على الدائنين المرتهنين مقابل تطهير العقار من الرهون فالعرض الذي يقدمه الحائز ليس وفاء ديون الدائنين وإنما عبارة عن الثمن الحقيقي للعقار المرهون حتى وإن كان غير كاف للوفاء بجميع الديون.

   ومنه تظهر لنا مزايا التطهير في أنه يسهل تداول العقارات المرهونة ويقلل مخاطر الإقبال على شرائها ما دامت ملكية صاحبها تبقى مهددة بالزوال نتيجة الرهن حيث أن التطهير فيه تتلاقى المصالح المتعارضة الدائنين المدين الراهن وحتى المشتري الذي هو الحائز، ومع ذلك تظهر بعض مخاطر التطهير في أنه رخصة في يد الحائز يستعملها وقت يشاء حيث ينتظر الوقت الذي يساعده وقد يكون في ذلك إضرارا بالدائنين خاصة إذا عرضه في وقت تكون فيه أثمان العقارات منخفضة كما أنه يعرضه قبل حلول أجل الديون ومن مصلحة الدائنين الانتظار حتى يحل الأجل خاصة إذا كانت ديونهم بفوائد.

أما عن صاحب الحق في التطهير فهو الحائز كما قررت ذلك المادة 915 من ق. م:" يجوز للحائز إذا سجل سند ملكيته أن يطهر العقار من كل رهن تم قيده قبل تسجيل هذا السند.

وللحائز أن يستعمل هذا الحق حتى قبل أن يوجه الدائنون المرتهنون التنبيه إلى الدائن أو الإنذار إلى هذا الحائز، ويبقى هذا الحق قائما إلى يوم إيداع قائمة شروط البيع".

وفيما يتعلق بإجراءات التطهير فهي تبدأ بعرض يقدمه الحائز إلى الدائنين المرتهنين ويتم بطريق الإعلان الذي يتناول عدة بيانات تتعلق أساسا بالحائز نفسه وبالدائنين المرتهنين وقيمة ديونهم ومرتبة كل منهم والعقار المرهون وطريقة انتقاله للحائز والثمن الذي يعرضه الحائز مقابل تطهير العقار وكل هذا جاءت به المادة 916 من ق. م:" إذا أراد الحائز تطهير العقار، وجب عليه أن يوجه إلى الدائنين المقيدة حقوقهم في مواطنهم المختارة المذكورة في القيد إعلانات تشتمل على البيانات الآتية:

-        خلاصة من سند ملكية الحائز تقتصر على بيان نوع التصرف وتاريخه واسم المالك السابق للعقار مع تعيين هذا المالك تعيينا دقيقا ومحل العقار مع تعيينه وتحديده بالدقة، وإذا كان التصرف بيعا يذكر أيضا الثمن وما عسى أن يوجد من تكاليف تعتبر جزءا من هذا الثمن.

-        تاريخ تسجيل ملكية الحائز ورقم التسجيل.

-        المبلغ الذي يقدره الحائز قيمة للعقار ولو كان التصرف بيعا ويجب ألا يقل هذا المبلغ عن السعر الذي يتخذ أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية، ولا أن يقل في أي حال عن الباقي في ذمة الحائز من ثمن العقار إذا كان التصرف بيعا، وإذا كانت أجزاء العقار مثقلة برهون مختلفة وجب تقدير قيمة كل جزء على حدة.

-        قائمة بالحقوق التي تم قيدها على العقار قبل تسجيل سند الحائز تشتمل على بيان تاريخ هذه القيود ومقدار هذه الحقوق وأسماء الدائنين".

   حيث وبذكر كل هذه البيانات يكون الحائز قد عرف بنفسه للدائنين المرتهنين وحتى عرفهم ببعضهم البعض وحدد العقار المرهون وبين الثمن الذي عرضه، حيث أن هذا العرض لا يلزمه بالدفع الحال والفعلي حيث لا يلتزم بإيداع النقود في مكان معين فقط يبدي استعداده للدفع (م 917 من ق. م) إذا قبل الدائنون عرضه لهذا هناك احتمالان لعرضه، إما قبول العرض ومعناه الموافقة الصادرة منهم سواء الصريحة أو حتى الضمنية بمعنى السكوت عن الرفض خلال مهلة ثلاثين يوما مضافا لها نفس المدة في حال بعد المسافة بين الموطن الأصلي والموطن المختار أما الاحتمال الثاني فهو رفض العرض سواء من جميع الدائنين أو من أحدهم مضاف لهم إمكانية رفض حتى الكفيل لحق مضمون بالرهن ـ لأنه من مصلحته بيع العقار بأعلى ثمن ـ وطلب بيع العقار بالمزاد العلني، والرفض يتم هو الآخر بطريق الإعلان من قبل الشخص الرافض يوجهه للحائز وللمالك السابق للعقار بالإضافة إلى إيداع مبلغ كاف لدى الخزينة العامة لتغطية مصاريف بيع العقار بالمزاد العلني، مع الإشارة أنه وحتى يضمن المشرع جدية طلب الرفض قابله بعدم إمكانية استرجاع الأموال المودعة لدى الخزينة العامة إذا لم تسفر عملية البيع بالمزاد عن ثمن يزيد عن العرض الذي قدمه الحائز، وإذا لم يتم الإعلان عن الرفض في الوقت المحدد أو لم يقترن بإيداع مبلغ لتغطية مصاريف البيع كان طلب الرفض باطلا مع الإشارة إلى أن المشرع هنا قرر أن الدائن أو الكفيل الذي طلب بيع العقار في المزاد العلني لا يمكنه التنازل عن طلبه إلا بموافقة جميع الدائنين المقيدة حقوقهم والكفلاء وذلك لأنه قد يرغب كلهم في بيع العقار بالمزاد لكن يكتفوا بطلب أحدهم (م 919 من ق. م).

  في الأخير يمكن القول أن عدم طلب أحد الدائنين أو الكفلاء بيع العقار بالمزاد العلني خلال 60 يوما يعتبر قبولا لعرض الحائز في تطهير العقار  شريطة أن يقوم الحائز بدفع المبلغ الذي عرضه عليهم كثمن للعقار المرهون مضافا له قيمة العشر (1/10) من هذا المبلغ، يدفع للدائنين الذين تسمح مراتبهم باستيفاء حقوقهم منه أو يقوم الحائز بإيداع هذه المبالغ الخزينة العامة درءا لكل نزاع ثم يطلب بعدها محو كل القيود التي عليه وبذلك يصبح العقار مطهرا خاليا من كل رهن (م 921 من ق. م).

* تخلية العقار المرهون:

   المقصود بالتخلية هو تجنب الحائز ظهور اسمه في الإجراءات الخاصة ببيع العقار في المزاد العلني بأنه شخص تنزع ملكيته جبرا لسداد دين معين وهذا ما يسيء لسمعته بالرغم من أنه أجنبي عن الدين، كما أن الحائز ملزم من وقت إنذاره باتخاذ إجراءات البيع في مواجهته برد ثمن العقار من وقت هذا الإنذار، والتخلية ما هي إلا تحويل لمسار الإجراءات فبعدما كانت ستتخذ في مواجهة الحائز تصبح بعد تخليه هذا تتخذ في مواجهة شخص آخر يسمى الحارس، والأصل أن التخلية حق مقرر للحائز لأنه غير مسؤول عن الدين إلا أنه لسبب أو لآخر قد يصبح مسؤولا عن الدين مثل في حالتي واجب قضاء الديون جبر المذكورتين سلفا أو في حال عرض تطهير العقار وقبل الدائنون العرض أو سكتوا عن الرفض في مهلة تجاوزت 60 يوما فهنا في هذه الحالات كلها لا يجوز له اللجوء إلى التخلية، أما عن وقت التخلية فليس لها وقت محدد لأنها متعلقة بالإجراءات فلا يلجأ إليها الحائز إلا بعد اتخاذ الإجراءات في مواجهته بداية بإنذاره، والتخلية تتم بتقرير يقدمه الحائز إلى قلم كتابة المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها العقار المرهون، وأن يطلب التأشير بالتخليية على هامش تسجيل التنبيه بنزع الملكية كما يجب عليه إعلام الدائن المباشر بهذا الإجراء في مهلة أقصاها خمسة (05) أيام من التقرير (م 922 من ق. م) وفي حال تخلف إجراء من هذه الإجراءات فلا يعتد بالتخلية وللدائن المباشر للإجراءات أن يستمر فيها في مواجهة الحائز.

   في الأخير يمكن القول أن بمجرد التخلية تتوقف الإجراءات في مواجهة الحائز ولصاحب المصلحة أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس تتخذ في مواجهته الإجراءات وقد يطلب الحائز تعيينه كحارس مع التنويه أنه يستطيع التراجع عن التخلية وإذا بيع العقار بثمن يزيد عن ديون الدائنين كانت هذه الزيادة من مصلحة الحائز وفي كل الأحوال لا تختلف الإجراءات إن اتخذت في مواجهة الحائز أو في مواجهة الحارس مما أدى ببعض الفقهاء للقول بعدم تحقيق التخلية لفائدة كبيرة سوى اعتراف الحائز بحق الدائن وعدم استعمال أي دفع في مواجهته.

* البيع بالمزاد العلني:

   يعتبر البيع بالمزاد العلني الموقف الرابع والأخير الذي من الممكن أن يتعرض له الحائز إذا لم يقضي الديون أو يطهر العقار أو حتى يتخلى عنه كما قد يتم البيع بالرغم من مساعي الحائز للتطهير وقوبل برفض أحد الدائنين أو الكفلاء، والبيع يتم بإتباع إجراءات البيع الجبرية المقررة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية مع الإشارة إلى أن الحائز يبقى المالك للعقار المرهون إلى حين وقت رسو المزاد لأن حكم المزاد ينقل الملكية من الحائز إلى من رسا المزاد عليه، فإذا لم يختر الحائز قضاء الديون ولا تطهير العقار ولا تخليته فلا يجوز للدائن المرتهن أن يتخذ في مواجهته إجراءات نزع الملكية وفقا للقانون المتعلق بذلك إلا بعد إنذاره بدفع الدين المستحق أو تخلية العقار والذي يكون بعد التنبيه على المدين بنزع الملكية أو متزامنا معه (م 923 من ق. م).

   وبعد طرح العقار للبيع بالمزاد العلني يستطيع كل شخص التقدم للمزايدة ومع ذلك فالمدين غير مسموح له بالمزايدة لأن الأولى منها هو دفع دينه للدائنين بالطرق العادية واتقاء كل الإجراءات لأن عدم قيامه بالدفع اعتراف منه بالعجز، أما الحائز فهو غير المدين إذ يستطيع دخول المراد للمحافظة على ملكية العقار بأي وسيلة ممكنة وهذا ما نصت عليه المادة 925 من ق. م:" يحق للحائز أن يدخل في المزاد، على شرط ألا يعرض فيه ثمنا أقل من الباقي في ذمته من ثمن العقار الجاري بيعه".

   فإذا تقدم الحائز للمزايدة ورسا عليه المزاد تأكدت ملكيته للعقار ويظل مالكا له على أساس سند ملكيته الأصلي لأن رسو المزاد لا ينقلها إليه فقط يؤكدها وهذا ما يترتب عليه عدم تسجيل حكم رسو المزاد ولا دفع رسوم تسجيل جديدة لكن يجب عليه التأشير بحكم مرسى المزاد على هامش تسجيل سند الحيازة وبعدها يخلوا العقار من أي رهن (م 926 من ق. م)، أما إذا رسا المزاد على شخص آخر فإنه يكتسب ملكيته بحكم مرسى المزاد وتنتقل الملكية إليه من الحائز ويخلوا له العقار من الرهون التي رتبها المدين والمالك السابق والحائز، وفي حال زاد ثمن المزاد على ما هو مستحق للدائنين المقيدة حقوقهم كانت الزيادة لصالح الحائز ويستطيع دائنو هذا الأخير أن يستوفوا حقوقهم من هذه الزيادة (م 927 من ق. م).

   في الأخير يمكن التذكير بنقطة مهمة جدا وهي ما تعلق بمسؤولية الحائز عن العقار المرهون اتجاه الدائنين وهذا ما قررته المادة 932 من ق. م:" الحائز مسؤول شخصيا تجاه الدائنين عما يصيب العقار من تلف بخطئه". كما أن الحائز يحصل على ثمار العقار المرهون باعتباره مملوكا له إلا أن حقه فيها ينتهي عندما يشرع الدائن المرتهن في التنفيذ فتلحق الثمار بالعقار وهذا ما قررته المادة 930 من ق. م:" ينبغي على الحائز أن يرد ثمار العقار من وقت إنذاره بالدفع أو التخلية فإذا تركت الإجراءات مدة ثلاث سنوات، فلا يرد الثمار إلا من وقت أن يوجه إليه إنذار جديد". كما أن مسؤولية الحائز يقابلها حقه في الضمان حيث إذا نزعت ملكيته أو اضطر في سبيل المحافظة على ملكيته أن يقضي الديون أو يطهر العقار أو يشتريه من المزاد العلني بعد التنفيذ عليه كان له الرجوع على المالك السابق الذي تلقى منه الملكية بدعوى الضمان أو يرجع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب أو دعوى الحلول وهذا ما نصت عليه المادة 931 من ق. م:" يرجع الحائز بدعوى الضمان على المالك السابق في الحدود التي يرجع بها الخلف على من تلقى منه الملكية معاوضة أو تبرعا.

ويرجع الحائز أيضا على المدين بما دفعه زيادة على ما هو مستحق في ذمته بمقتضى سند ملكيته أيا كان السبب في دفع هذه الزيادة، ويحل محل الدائنين الذين وفاهم حقوقهم وبوجه خاص فيما لهم من تأمينات قدمها المدين دون التأمينات التي قدمها شخص آخر غير المدين".

انقضاء الرهن الرسمي:

ينقضي الرهن الرسمي إما بصفة أصلية استقلالا عن الدين المضمون أو بصفة تبعية لانقضاء الدين المضمون فبالنسبة للحالة الأخيرة فقد نصت المادة 933 من ق. م:" ينقضي حق الرهن الرسمي بانقضاء الدين المضمون ويعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين، دون إخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية كسبها في الفترة ما بين انقضاء الحق وعودته". وهذا ما هو إلا تطبيقا لنظرية التبعية حيث يتبع الرهن الرسمي الدين المضمون وجودا وعدما، مع الإشارة أنه وحتى ينقضي الرهن يجب أن ينقضي الدين كليا أما إذا انقضى الدين جزئيا بقي الرهن قائما تطبيقا لقاعدة عدم تجزئة الرهن، وانقضاء الدين عديدة تخضع للقواعد العامة ويجب مراجعتها، أما بالنسبة للحالة الأولى وهي انقضاء الرهن بصفة أصلية وهذا حتى مع بقاء الدين المضمون بتطهير العقار المرهون أو بيعه بالمزاد العلني وهذا ما جاء في المادة 921 من ق. م السابقة ونصت عليه المادة 934 من ق. م:" إذا تمت إجراءات التطهير انقضى حق الرهن الرسمي نهائيا، ولو زالت لأي سبب من الأسباب ملكية الحائز الذي طهر العقار". كما يزول الرهن بتنازل المرتهن عن حقه والذي يشترط أن يكون في ورقة رسمية أو بموجب حكم قضائي كما يجب توفر أهلية التبرع في المتنازل (المرتهن)، كما ينقضي الرهن باتحاد الذمة بحيث إذا انتقلت ملكية العقار المرهون إلى الدائن المرتهن أو انتقل حق الرهن لمالك العقار، وأخيرا ينقضي الرهن بهلاك العقار المرهون مما يؤدي إلى سقوط الأجل مما يستدعي تقديم تأمين آخر والخيار في استيفاء الدين أو تقديم تأمين آخر يكون للدائن إذا كان الهلاك بسبب أجنبي أما إذا كان بسبب المدين فيكون الخيار له.

الرهن الحيازي:

أولا: إنشاء الرهن الحيازي

أ ـ تعريف الرهن الحيازي:

   لقد ورد تعريف الرهن الحيازي في نص المادة 948 من ق. م:" الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص، ضمانا لدين عليه أو على غيره، أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان، شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين، وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون".  وما يلاحظ على النص أنه تضمن تعريف الرهن الحيازي باعتباره مصدرا لحق الرهن لأن الرهن الحيازي تطلق إما على العقد بصفته مصدرا للحق وإما للحق العيني ذاته الذي أنشأه هذا العقد، كما تضمن النص مضمون الرهن الحيازي وهو انتقال الحيازة من الراهن إلى المرتهن أو إلأى شخص أجنبي يعينه المتعاقدان حتى يستوفي حقه.

   ومنه يمكن القول أن حق الرهن الحيازي يشترك مع حق الرهن الحيازي في أن كلاهما حق عيني تبعي لا يتجزأ حيث أنه حق عيني لأنه يخول الدائن المرتهن سلطة مباشرة على مال معين وهو حق تبعي لأنه لا يوجد لذاته بل لضمان حق آخر، وأن مصدره يكون دوما العقد وهو من العقود الرضائية التي لا يشترط لانعقادها شكل خاص بل يتم بمجرد تبادل طرفاه التعبير عن إرادتهما المتطابقتان، مع ملاحظة أن المشرع قد أحال في المادة 950 من ق. م المتعلقة بالرهن الحيازي إلى أحكام الرهن الرسمي وهي المادة 891 المتعلقة بجواز ضمان الدين المستقبلي والاحتمالي والمعلق على شرط، والمادة 893 التي تقرر نبعية الرهن للدين المضمون وجودا وعدما، والمادة 904 التي تلزم بقيد الرهن حتى ينفذ في مواجهة الغير.

ب ـ أهلية الراهن والمرتهن:

   المدين الراهن قد يكون هو المدين وقد يكون شخصا آخر وهو ما يعرف بالوكيل العيني والرهن الحيازي بالنسبة للمدين الراهن شخصيا يكون من أعمال التصرف الدائرة بين النفع والضرر لذلك يشترط فيه توافر أهلية التصرف أما إذا كان الراهن شخص آخر (الكفيل العيني) فيشترط فيه الأهلية الكاملة أي أهلية التبرع، أما الدائن المرتهن بموجب عقد الرهن الحيازي فهو يتلقى حق الرهن وتنتقل له حيازة الشيء المرهون التي يترتب عنها التزامه بصيانة الشيء المرهون واستغلاله ورده عند انتهاء عقد الرهن مما يجعل التصرف بالنسبة إليه دائرا بين النفع والضرر وليس نافعا نفعا محضا كالرهن الرسمي لذلك يجب أن يكون كامل الأهلية فلا يكفيه التمييز خاصة مع التصرفات التي تأتي وراء الرهن الحيازي.

  مع الإشارة إلى أن الرهن الحيازي يخضع في إثباته للقواعد العامة التي ينظر فيها لقيمة المال المرهون لا قيمة الدين المضمون ولو أنهما يسيرا طردا، فلا يجوز إثبات الرهن بشهادة الشهود أو البينة متى كانت قيمة المال المرهون تتجاوز مائة ألف (100.000دج) ولو كانت قيمة الدين لا تتجاوز ذلك (م 333 من ق. م).

ج ـ محل الرهن الحيازي وملحقاته:

   بالنسبة لمحل الرهن الحيازي نجد المادة 949 من ق. م نصت:" لا يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني من منقول وعقار". ومنه يرد الرهن الحيازي على المنقول كما على العقار المهم أن تكون قابلة للبيع بالمزاد العلني، بخلاف الرهن الرسمي الذي يرد على القارات فقط وبعض المنقولات كاستثناء، أما عن ملحقات الرهن الحيازي فلم يرد نص صريح كما جاءت المادة 887 من ق. م المتعلقة بالرهن الرسمي ومع ذلك فمن المسلم به أن الرهن الحيازي يمتد إلى ملحقات المال المرهون قياسا على الرهن الرسمي وهذا استنادا للمادة 951 من ق. م ف 02 :" ... ويسري على الالتزام بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع". وبناء عليه إذا كان الشيء المرهون عقارا اشتمل الرهن على ملحقاته كالعقارات بالتخصيص والإنشاءات والتحسينات وحقوق الارتفاق كما يدخل في رهن المنقول ما يعتبر من ملحقاته مثلا سيارة يمتد لما يلزم لاستعمالها.

د ـ شروط المال المرهون:

   يجب أن تتوفر في المال المرهون سواء كان عقارا أو منقولا بعض الشروط وهي أن يكون معينا وأن يكون مما يصح التعامل به وبيعه بالمزاد العلني وأن يكون الشيء المرهون موجود وقت الرهن فلا يجوز رهن الأشياء المستقبلية وإلا كان الرهن باطلا بطلانا مطلقا، وأخيرا أن يكون الراهن مالكا للمال المرهون لأن الدائن المرتهن يستطيع أن يكسب حق الرهن على منقول متى حازه بحسن نية ويجوز له أن يتمسك حتى في مواجهة المالك الحقيقي بهذا الحق وأن يحبس عنه المال المرهون حتى يستوفي حقه وهذا لا يمنع المالك من الرجوع الراهن بما أصبه من ضرر، وهذا ما يجرنا للحديث عن رهن الحصة الشائعة رهنا حيازيا وبما أن الشريك يملك حصته الشائعة ملكا تاما فله أن يتصرف فيها ومن ثم يستطيع رهنها ويكون رهنه صحيحا أما بالنسبة لتحقق شرط نقل الحيازة للمرتهن أو لشخص أجنبي يرتضيه الطرفان يمكن تحقيق ذلك بعدة طرق كأن يتفق الراهن والمرتهن وسائر الشركاء على تسليم المال المرهون إلى أحد الشركاء نيابة عن المرتهن كما يمكن الاتفاق على تسليمها للدائن المرتهن نفسه مع التنويه إلى أن القانون لم يتضمن حكما خاصا بالنسبة للرهن الحيازي إلا أنه يمكن تطبيق أحكام الرهن الحيازي.

  في الأخير ما يجب الإشارة إليه هو أنه يجوز رهن الشيء الواحد لضمان أكثر من دين وهذا ما جاءت على ذكره المادة 961 من ق. م في فقرتها الثانية.

ثانيا: آثار الرهن الحيازي

   إن الرهن الحيازي بدوره على غرار الرهن الرسمي يرتب جملة من الآثار فيما بين المتعاقدين وأخرى في مواجهة الغير ندرسها تبعا.

أ ـ أثار الرهن الحيازي فيما بين المتعاقدين:

   الرهن الحيازي عقد ملزم لجانبين يرتب آثارا على عاتق طرفيه الراهن يقع عليه نقل حيازة الشيء المرهون وتسليمه مع ضمان سلامة الرهن ونفاذه، أما المرتهن فيقع عليه الالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون وإدارته واستثماره ثم يقوم برده عند انتهاء الرهن.

1ـ التزامات المدين الراهن: يقع على عاتق الراهن جملة من الالتزامات نوجزها في الآتي:

* الالتزام بترتيب حق الرهن: ينشئ عقد الرهن الحيازي التزاما على عاتق المدين الراهن بإنشاء حق الرهن على أن هذا الالتزام ينفذ بمجرد إتمام العقد وبقوة القانون إذا كان الشيء المرهون معينا بالذات، أما إذا لم يكن معينا بذاته فيلتزم الراهن بترتيب حق الرهن وإذا كان الشيء المرهون من معينا بالنوع أو من المثليات التزم الراهن بالإفراز.

* الالتزام بتسليم الشيء المرهون: ونصت عليه المادة 951 من ق. م:" ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه". مع الإشارة أنه وكما سبق الذكر يسري على تسليم الشيء المرهون تسليم المبيع كما أن للتسليم أهمية بالغة لنفاذ الرهن في مواجهة الغير.

* الالتزام بضمان سلامة الرهن ونفاذه: وهذا ما تضمنته المادة 953 من ق. م:" يضمن الراهن سلامة الرهن ونفاذه، وليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد، وللدائن المرتهن في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون". ومن خلال النص يتضح أن على الراهن الامتناع عن القيام بأي عمل مادي أو قانوني من شأنه التأثير على حق المرتهن وبالنسبة لضمان نفاذه فهو يقوم بكل ما يلزم حتى ينفذ الرهن في مواجهة الغير كتقديم سندات قيد الرهن.

* الالتزام بضمان هلاك المرهون وتلفه: وهذا ما نصت عليه المادة 954 من ق. م:" يضمن الراهن هلاك الشيء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعا لخطئه أو ناشئا عن قوة قاهرة.

وتسري على الرهن الحيازي أحكام المادتين 899 و900 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهنا رسميا أو تلفه، وبانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق". والمادتين سبق التطرق لهما وهما ما تعلق بمن له حق الخيار الدائن إذا كان الهلاك سبب المدين والمدين إذا كان الهلاك بسبب أجنبي وأن حق الدائن ينتقل إلى ما حل محل المال الهالك من تعويض أو مبلغ التأمين أو ثمن نزع المال للمنفعة العامة.

2ـ حقوق المدين الراهن:

* ملكية الراهن للمال المرهون: تظل ملكية الراهن للمال المرهون فيحق له أن يتصرف فيه تصرفا قانونيا كأن ينقل ملكية المال المرهون أو يرتب عليه حقا عينيا ما دام أن التصرف لا يضر بحق الدائن المرتهن، فيستطيع أن يرهن المال المرهون رهنا رسميا أو حيازيا آخر، كما أن التصرفات المادية ينطبق عليه نفس الشرط وهو عدم الإضرار بالمرتهن.

* حيازة المال المرهون: إن الحيازة في الرهن الحيازي تنتقل للدائن المرتهن وهذه الحيازة تكون على سبيل الرهن أما حق الملكية فيظل للمدين الراهن، فالمرتهن يكون حائزا قانونيا بالنسبة لحق الرهن وحائزا عرضيا بالنسبة لحق الملكية.

3ـ التزامات الدائن المرتهن:

* الالتزام بحفظ الشيء المرهون وصيانته: حيث نصت المادة 955 من ق. م:" إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه وصيانته ما يبذله الشخص المعتاد وهو مسؤول عن هلاك الشيء أو تلفه، ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب لا يد له فيه". من خلال النص يتضح أن التزام المرتهن بالمحافظة على الشيء المرهون تبدأ منذ انتقال الحيازة إليه أما إذا انتقلت الحيازة لشخص أجنبي فهذا الالتزام يقع عليه حتما، والالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون هو التزام بعمل مطلوب منه بذل العناية اللازمة لذلك وهي عناية الرجل المعتاد، وإذا اقتضت الضرورة أن يقوم المرتهن ببعض الأعمال لصيانة الشيء المرهون فيجب عليه القيام بها على أن يخصمها فيما بعد من الغلة، وإذا أخل المرتهن بالتزامه بالمحافظة على الشيء المرهون وصيانته كان مسؤلا اتجاه الراهن عن أي ضرر بسبب إهماله هذا.

* الالتزام باستثمار الشيء المرهون: حيث نصت المادة 956 من ق. م:" ليس للدائن أن ينتفع بالشيء المرهون دون مقابل.

وعليه أن يستثمره استثمارا كاملا، ما لم يتفق على غير ذلك.

وما حصل عليه الدائن من صافي الريع وما استفاده من استعمال الشيء، يخصم من المبلغ المضمون بالرهن ولو لم يكن قد حل أجله، على أن يكون الخصم أولا من قيمة ما أنفقه في المحافظة والإصلاحات على الشيء ثم من المصاريف ثم من أصل الدين". يتضح من نص المادة أنه يتوجب على الدائن المرتهن أن يستثمر الشيء المرهون استثمارا كاملا ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك وإن حصل وأن انتفع به شخصيا فلا يكون هذا الانتفاع بدون مقابل، وما تم الحصول عليه من هذا الاستثمار يبدأ يخصم منه ما أنفقه المرتهن في المحافظة على الشيء المرهون وإصلاحه ثم المصاريف التي كلفها ثم بعدها يخصم منه أصل الدين.

   أما عن وقت حلول أجل الدين فقد جاء في نص المادة 957 من ق. م أنه إذا لم يحدد الطرفان أجلا للدين المضمون ففي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يستوفي حقه إلا عن طريق خصمه من قيمة الثمار أو نتاج استغلاله هذا دون إخلال بحق المدين الراهن بالوفاء بالدين الذي عليه في أي وقت يشاء.

* الالتزام بإدارة الشيء المرهون: وهذا ما نصت عليه المادة 958 من ق. م:" يتولى الدائن المرتهن إدارة الشيء المرهون وعليه أن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله الرجل المعتاد، وليس له أن يعير من طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضاء الراهن، ويجب عليه أن يبادر بإخطار الراهن عن كل أمر يقتضي تدخله.

فإذا أساء الدائن استعمال هذا الحق أو أدار الشيء إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالا جسيما، كان للراهن الحق في أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة أو أن يسترده مقابل دفع ما عليه". يتضح من النص أن الدائن المرتهن يلتزم بإدارة الشيء المرهون إدارة حسنة وعليه أن يبذل في ذلك ما يبذله الرجل المعتاد في إدارته لأن التزامه هنا هو الآخر التزام بالقيام بعمل، وكما أنه لا يقدم على التغيير في طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضا المدين الراهن فإن كان استغلاله للسكن استغله لهذا الغرض كما عليه أن يخطره في أي أمر يقتضي تدخله، مع التنويه هنا أنه أي إساءة أو سوء إدارة أو أي إهمال يبلغ حدا من الجسامة كان للراهن الحق في طلب وضع الشيء تحت الحراسة أو يدفع ما عليه مقابل استرجاع الشيء المرهون.

* الالتزام برد الشيء المرهون: وقد نصت على هذا الالتزام المادة 959 من ق. م:" يجب على الدائن أن يرد الشيء المرهون إلى الراهن بعد استيفاء كامل حقه وما يتصل بالحق من ملحقات ومصاريف وتعويضات". حيث أنه بمجرد استيفاء الدائن لحقه بكل ملحقاته من مصاريف لصيانته والتعويض عن أي ضرر يقوم برده للمدين الراهن لأنه هو المالك للشيء المرهون، أما المادة الت ي تليها فقد أحالت لتطبيق أحكام الرهن الرسمي على الرهن الحيازي فيما يتعلق بمسؤولية الراهن غير المدين وعدم إمكانية التنفيذ على غير ماله المرهون وعدم جوازه الدفع بالتجريد إلا إذا وجد اتفاق بينه وبين من كفله، كما تطبق أيضا القواعد المتعلقة بحظر شرط التملك في حالة عدم الوفاء بالدين المرهون وقبل حلول الأجل أما بعد حلول الأجل فيمكن ذلك، كما منعت البيع دون إتباع لإجراءات البيع بالمزاد العلني.

ب ـ آثار الرهن الحيازي في مواجهة الغير:

  في البداية إن الرهن الحيازي لا ينفذ في مواجهة الغير إلا إذا انتقلت حيازة الشيء المرهون من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن أو إلى الأجنبي الذي يرتضيه الطرفان، ومن هنا تظهر ح

1ـ انتقال حيازة الشيء المرهون: حيث نصت المادة 961 من ق. م:" يجب لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد الدائن أو الأجنبي الذي ارتضاه المتعاقدان". والحكمة من ذلك هو إعلام الغير بما يثقل الشيء المرهون من أعباء الرهن حتى ولو تم بعد ذلك تأجيره للمدين الراهن نفسه شريطة أن يذكر ذلك في عقد الإيجار أو يؤشر على هامش قيد الرهن بذلك.

2ـ حق حبس الشيء المرهون: ونصت على ذلك المادة 962 من ق. م:" يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على الناس كافة، دون إخلال بما للغير من حقوق ثم حفظها وفقا للقانون.

وإذا خرج الشيء من يد الدائن دون إرادته أو دون علمه، كان له الحق في استرداد حيازته من الغير وفقا لأحكام الحيازة". ومن خلال النص يتضح الأثر الثاني للرهن الحيازي في مواجهة الغير وهو حق حبس الشيء المرهون في مواجهة المدين ذاته وفي مواجهة الغير إذا كان حق رهنه سابقا لحقوقهم المقيدة حتى يستوفي كامل دينه تطبيقا لقاعدة عدم تجزئة الرهن، ليس هذا فحسب بل حتى وإن خرجت حيازة الشيء المرهون من يد الراهن أو الأجنبي الذي يحوزه برضا أطرافه دون إرادتهم أو بغير علمهم فيستطيعوا أن يستردوا حيازة هذا الشيء.

3ـ حق التقدم والأفضلية: حيث أن الدائن المرتهن يستوفي حقه من ثمن الشيء المرهون أو من المال الذي حل محله متقدما بذلك على الدائنين العاديين طبعا والدائنين أصحاب الامتياز التاليين له في المرتبة، مع الإشارة هنا إلى أن هذا التقدم يشمل وفي نفس المرتبة أصل الحق بالإضافة إلى المصاريف التي نصت عليها المادة 963 من ق. م:" لا يقتصر الرهن الحيازي على ضمان أصل الحق وإنما يضمن أيضا وفي نفس المرتبة ما يلي:

-       المصاريف الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء.

-       التعويضات عن الأضرار الناشئة عن عيوب الشيء.

-       مصاريف العقد الذي أنشأ الدين ومصاريف عقد الرهن الحيازي وقيده عند الاقتضاء.

-       المصاريف التي اقتضاها تنفيذ الرهن الحيازي".

4ـ حق التتبع: وهذا معناه أن الدائن المرتهن يستطيع ممارسة حقه في تتبع الشيء المرهون حتى يستوفي دينه والتتبع هنا لا يعني التتبع المادي بل التتبع القانوني لأنه في الرهن الحيازي تنتقل حيازة الشيء المرهون من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن أو إلى أجنبي يرتضيه الطرفان حتى ينفذ الرهن في مواجهة الغير، فإذا خرجت هذه الحيازة من يده بغير إرادته أو دون علمه فهنا يستطيع استردادها لكن إذا حدث وأن انتقلت هذه الحيازة خاصة في المنقول إلى شخص حسن النية واستند إلى قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية فهنا لا يمكن استعمال حق التتبع ويصبح دائنا عاديا لفقده الحيازة سواء كان الشيء المرهون عقارا أو منقولا.

انقضاء الرهن الحيازي:

ينقضي الرهن الحيازي كما الرهن الرسمي بصفة تبعية لانقضاء الالتزام المضمون أو بصفة أصلية دون انقضائه

أ ـ انقضاء الرهن الحيازي بصفة تبعية: ونصت عليه المادة 964 من ق. م:" ينقضي حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون ويعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين، دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها قانونا في الفترة ما بين انقضاء الحق وعودته". وهذا معناه أن الرهن تابع للحق الذي يضمنه يزول لزواله ويعود لعودته دون الإخلال بالحقوق التي يكتسبها الغير حسن النية في الفترة بين زواله وعودته.

ب ـ انقضاء الرهن الحيازي بصفة أصلية: وهذا ما جاءت به المادة 965 من ق. م:" ينقضي أيضا حق الرهن الحيازي بأحد الأسباب الآتية:

-       إذا تنازل الدائن المرتهن عن هذا الحق على أنه يجوز أن يحصل التنازل ضمنا بتخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون أو من موافقته على التصرف فيه دون تحفظ، غير أنه إذا كان الشيء مثقلا بحق تقرر لمصلحة الغير، فإن تنازل الدائن لا ينفذ في حق هذا الغير إلا برضائه.

-       إذا اغجتمع حق الرهن الحيازي مع حق الملكية في يد شخص واحد.

-       إذا هلك الشيء أو انقضى الحق المرهون".

.

Les visiteurs anonymes ne peuvent pas accéder à ce cours. Veuillez vous connecter.