Aperçu des sections

  • الأهداف

    إطلاع الطالب على أحكام المسؤولية الشخصية في القانون المدني الجزائري 

    • المقدمة

      لقد سمح انفصال المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجزائية في القانون الفرنسي القديم  إلى إرساء قواعد للمسؤولية المدنية مستقلة ومنفصلة تماما عن المسؤولية الجزائية من حيث أهدافها وأحكامها ففي أول ظهور لها، اقترنت المسؤولية المدنية بالسلوك الخاطئ للمتسبب في حدوث الفعل الضار، بحيث أن الخطأ قوام المسؤولية المدنية، وحيث لا خطأ لا المسؤولية ، وأهم ما أصبح يميز المسؤولية المدنية هو وظيفتها التعويضية، بحيث لم تعد المسؤولية المدنية مقترنة بفكرة العقوبة الجزائية التي كان يختلط مفهومها مع مفهوم جبر الضرر، بحيث أصبح هناك تعويضا مدنيا محضا يقوم أساسا على الخطأ الشخصي للمتسبب في الضرر .

      وعليه نطرح التساؤل الأتي : ماهي الأسس التي تقوم عليها المسؤولية الشخصية في القانون المدني الجزائري؟

      عنوان الدرس : المسؤولية الشخصية في القانون المدني الجزائري

      الفئة المستهدفة : طلبة السنة الثانية ليسانس حقوق

      الحجم الساعي: 6 ساعات أسبوعيا

      من إعداد: الدكتور رابحي بن علية جامعة زيان عاشور بالجلفة

       

       

      • المبحث الأول: ماهية المسؤولية الشخصية

        ماهية المسؤولية الشخصية

        • المطلب الأول : الخطأ الشخصي أساس المسؤولية

          إن من أهم النتائج المترتبة عن استقلال و انفصال المسؤولية المدنية عن نظيرتها الجزائية اتساع مجال الأضرار المستحقة للتعويض[1]، بحيث أنه لم يعد من اللازم أن يكون المضرور قد لحقه ضرر نتيجة فعل مجرم بعقوبة خاصة كما كان يقضي بذلك القانون الروماني، إذ أنه يكفي للحصول على التعويض أن يكون الضرر ناتجا عن خطأ المسؤول فقط ، الأمر الذي أتاح الفرصة للمضرور للمطالبة بالتعويض عن بعض الأضرار لم يكن معوض عنها في نطاق المسؤولية الجنائية، على أساس أن المضرور لم يعد مقيد بما يمليه عليه القانون الروماني[2].

                وهكذا وعلى ضوء الأفكار التي تجسدت في ظل القانون الفرنسي القديم ، قام واضعو التقنين المدني الفرنسي الحديث ، بوضع قاعدة عامة للمسؤولية المدنية ، تتميز بتوسعها ومرونتها، وتوفر تغطية لكل الأضرار ،بحيث أنها تعتبر أداة بيد القضاء لضمان حصول المضرور على تعويض جامعا لكل الأضرار التي قد تصيبه ، وهذا مانصت عليه المادة 1382 مدني الفرنسي[3] تشمل جميع أنواع الأفعال الضارة دون حاجة للنص عليها بشكل خاص ومفصل.



           علي فيلالي ، المرجع السابق، ص 34.[1]

          [2] تجدر الإشارة إلى أن القانون الروماني لم يعرف المبدأ العام الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية ،بحيث أن فكرة التعويض على أساس الخطأ لم تكن واردة في القانون الروماني،  فقد كان سائدا فكرة الأخذ بالثأر ، ثم ظهرت فكرة الدية التي كانت في بداية الأمر اختيارية ، ثم صارت إجبارية بتطور وظيفة الدولة ، وما ينبغي التنويه إليه هنا ، أن القانون الروماني لم يكن يولي أي اهتمام للخطأ كأساس للمسؤولية التقصيرية ، بل أن التركيز فيه يقع ، على الضرر المتحقق، وهذا مايفسر إقرار حق المضرور في الانتقام من محدث الضرر سواء أكان جامدا أو بشرا، وكذلك عقابهم للصبي الغير مميز و المجنون.  راجع في هذا الصدد : مصطفى بوبكر، المرجع السابق، ص16.

          [3] تنص المادة 1382 على " كل عمل أيا كان يوقع ضررا بالغير يلزم من وقع بخطئه هذا الضرر أن يقوم بتعويضه"  

          • المطلب الثاني: السلوك الخاطئ منشأ للحق في التعويض

                باعتبار أن المهمة الأساسية للخطأ هي تحديد الشخص المسؤول، فإن حق في التعويض

            ينشأ لمجرد تحديد السلوك الخاطئ، لذلك فإن خطأ المسؤول يمثل بالنسبة للضحية أساس حقها في التعويض ، ويبدو حينئذ أن العلاقة مابين خطأ و التعويض ، هي علاقة استلزام ، مادام أن الأضرار التي تحدث جراء وقوع الخطأ  تستلزم  التعويض عنها ، ولكن هذا لا يعني أن تقدير التعويض عن الأضرار مرتبط بجسامة الخطأ، إذ أنه ينبغي التمييز في هذا الصدد مابين الحق في التعويض في حد ذاته الذي ينشأ لمجرد وقوع الخطأ، و بين مقدار التعويض الذي لا علاقة له بجسامة الخطأ ، بحيث أنه يخضع في ذلك لحجم الضرر الذي أصاب الضحية [1].

                  وعليه فإن هذا المبدأ يخدم مصلحة المتسبب في الضرر أكثر منه مصلحة الضحية، نظرا لكون الشخص المسؤول عن الفعل الضار لا يسأل عن الفعل الذي أتاه إلا في حالة الإخلال بواجب ما فرضه عليه القانون ، على أن يكون الفعل الذي قام به بمحض إرادته أي أنه له حرية الاختيار والقدرة على التمييز مابين أفعاله الضارة و النافعة[2]، وهو المبدأ الذي أعتمده المشرع الفرنسي عند وضعه للنظرية العامة للمسؤولية المدنية ، وهكذا فإن التعويض عن العمل الضار الذي يقع بخطأ المسؤول أصبح الشغل الشاغل لكل رجال الفكر القانوني الذين يرجع لهم الفضل في استقلال وانفصال المسؤولية المدنية عن الجزائية بالاستناد إلى التقنين المدني الفرنسي ، وكذلك إقرارهم لمبدأ عام ترتكزعليه المسؤولية المدنية يقوم أساسا على ركن الخطأ، الأمر الذي جعل أن لا مسؤولية بدون خطأ ، وأهم مايترتب عن ذلك على حد قول الفقيه دوما أنه " إذا نشأ أي ضرر غير متوقع عن فعل بريء لا يمكن نسبة أي خطأ إلى فاعله ،فلا يكون الفاعل مسؤولا عنه " [3]

                 فالمبدأ الذي يعتمده القانون الفرنسي يقضي بأن الخطأ الشخصي هو أساس المسؤولية، وهذا ما يعرف بالمسؤولية الشخصية القائمة على أساس الخطأ ، سواء أكان خطأ شخصيا واجبا إثباته من طرف المتضرر، أو أن يكون خطأ مفترضا في جانب المسؤول يعفي الضحية من عبء الإثبات ، وهذا المبدأ الذي ارتكزت عليه المسؤولية المدنية تناوله المشرع الفرنسي في قانونه المدني الفرنسي في أربع مواد فقط خصصت للمسؤولية المدنية ، ولم تكن الظروف والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية آنذاك تتطلب أكثر من ذلك ، بحيث أنها كانت كافية لضمان تغطية الأفعال التي تلحق ضررا بالغير، على اعتبار أنها نشأت في ظل مجتمع زراعي يعتمد على الصناعات التقليدية البسيطة[4].  

            هذه الأفكار العامة التي تضمنها التقنين المدني الفرنسي لسنة 1804 كان لها دور و تأثير كبيرين على التشريعات الأخرى[5]، ومن بينها مشرعنا الجزائري الذي أصدر سنة 1975 القانون المدني الجزائري[6]، كما اعتبرت كذلك بالنسبة للقضاء الفرنسي نقطة انطلاق للتوسع أكثر في مجال المسؤولية التقصيرية و أساسها القانوني .

                إن مما لا شك فيه أن المسؤولية عن الأفعال الشخصية موضوع المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي (باعتباره النص الأصلي)، والمادة 124 من القانون المدني الجزائري،  تستدعي لقيامها إثبات الخطأ الشخصي للمسؤول ، بحيث أن حق الضحية في التعويض هنا مرهون بالسلوك الخاطئ للمسؤول عن الضرر ، فإذا ما أثبتت الضحية خطأ المسؤول، فإن من حقها الحصول على تعويض يتناسب مع حجم الضرر الذي أصابها ، ويبدو واضحا عندئذ أن السلوك الخاطئ للمسؤول في هذه الحالة يمثل بالنسبة للضحية مصدرا للحق في التعويض .

            على اعتبار أن الحق في التعويض لا ينشأ إذا عجزت الضحية عن إثبات الخطأ ، حتى و إن كان الضرر الذي أصابها قد تسبب في حدوثه فعلا شخص المسؤول، إلا أن المشكل الذي قد يواجه الضحية في هذه الحالة يتمثل في صعوبة إثبات الخطأ أمام الجهات القضائية كما تقتضيه أحكام المادة 124 من القانون المدني ، وهذا مايفسر لنا أن التعويض الذي تتحصل عليه الضحية – في حالة إثبات الخطأ الشخصي للمسؤول  - ماهو إلا أثر للجزاء المدني الذي يرتبه القانون على السلوك الخاطئ الذي أتاه المسؤول.[7]

            ذلك أن التصور الشخصي للمسؤولية المدنية يقوم على الخطأ كركن جوهري [8]– من غير المتصور قيام المسؤولية بدون خطأ -  يهتم أساسا بسلوك الشخص المسؤول [9]، طالما أن ضحية الفعل الضار ملزمة بإثبات أن المسؤول قد أخل بواجب أو بقاعدة قانونية، أو أنه قد أساء استعمال حقه بقصد الإضرار به.

                 وفي حالة اكتمال العنصر المادي لخطأ المسؤول، تبقى الضحية أيضا ملزمة بإسناد التعدي إلى الفاعل لكي تقوم مسؤوليته، وهذا مايبين لنا أن حصول الضحية على التعويض مرتبط بمدى إثباتها للعناصر المكونة للخطأ ، علما وأن هذا الأخير يقتضي توفير تمييز الفاعل[10] و إدراكه إلى جانب عنصر التعدي، بحيث أنه في حالة عدم التعدي لا يسأل الفاعل ، فالعبرة إذا ليست بحق الضحية في التعويض ، وإنما بمعاقبة سلوك الفاعل، لذلك فقد وقع اهتمام الفقه على تحديد معايير، يتم على أساسها تحديد السلوك المخطئ ، فقد تم تعريف الخطأ في هذا الصدد على أنه انحراف في السلوك ، وهو التعريف الذي فتح المجال للفقه لطرح التساؤل حول السلوك الذي كان من الواجب أن يسلكه المخطئ، لكنه تعمد في عدم إتيان هذا السلوك، أو أنه صدر من جانبه تقصير و إهمال جعل منه منحرفا في سلوكه [11].


              محمد إبراهيم الدسوقي، المرجع السابق، ص 3.[1]

              علي فيلالي، المرجع السابق ، ص 74.[2]

             ذكره محمود جلال حمزة، المرجع السابق، ص 16.  [3]

             [4]  أورد المشرع الفرنسي مبدأ قيام المسؤولية المدنية على أساس الخطأ في المواد 1382،1383،1384،1386 ، فقد جاء في المادة 1382 القاعدة العامة للمسؤولية المدنية على أساس الخطأ، كما تناول المشرع في المادة 1383 ق .م الخطأ غير المتعمد ، أي مايقع نتيجة إهمال أو عدم تبصر، وبالنسبة للمسؤولية عن فعل الغير أو عن الأشياء فقد ورد ذكرها في المادة 1384 وهي مسؤولية المكلف بالرقابة ، ومسؤولية المتبوع عن أخطاء تابعه، ونظم المسؤولية عن الحيوان في المادة 1385 ، والمسؤولية عن تهدم البناء في المادة 1386. أنظر في هذا الصدد: بلحاج العربي ، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، الجزء الثاني ،الطبعة الرابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية،2007، ص 45.

            كالتشريع المصري ،والتشريع التونسي، والتشريع المغربي .    [5]

            [6]  بالنظر إلى تاريخ إصدار القانون المدني الجزائري نجد أنه يعتبر من القوانين الحديثة (1975، بالمقارنة بالقانون المدني المصري الصادر سنة 1948 ) ، ومن ثم كان من المنتظر أن تكون أحكامه مواكبة للتطورات الحاصلة التي عرفها المجتمع الحديث ، خاصة ماتعلق منها بأحكام المسؤولية المدنية ، فقد عرفت تطورا ملحوظا نظرا لتطور المخاطر التي أصبحت نسبة كبيرة منها تحدث بفعل الآلة وليس بفعل الإنسان كما كان سائدا فيما مضى – وقت إصدار التقنين المدني الفرنسي لسنة 1804-.

            إلا أنه أهم مايلاحظ في هذا الصدد أن التقنين المدني الجزائري قد واكب هذا التطور وذلك من الناحية الشكلية فقط ، بحيث نجد أن الفصل الثالث الذي تندرج ضمنه أحكام المسؤولية المدنية قد جاء تحت عنوان" الفعل المستحق للتعويض" وهذا ما يعكس التصور الحديث للمسؤولية المدنية السائر على نهج ترجيح مصلحة المضرور على حساب مصلحة المسؤول عن الضرر ، إلا أنه بالرجوع إلى عناوين أقسام هذا الفصل ، " المسؤولية عن الأفعال الشخصية"،و "المسؤولية عن فعل الغير " ، و "المسؤولية الناشئة عن فعل الأشياء " ، نجد أن الأحكام التي تضمنتها بمثابة ترجمة حرفية لأحكام القانون المدني الفرنسي بالإضافة إلى الحلول التي انتهى إليها الاجتهاد القضائي الفرنسي ، فقد جاءت نص المادة 124 بصفة تكاد أن تكون مطابقة تماما للمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي الخاصة =بالخطأ غير =العمدي ، واستغنى عن المادة 1383 التي تتكلم عن الأخطاء العمدية، التي أدرجها في المادة 124 من قانون مدني التي جاءت بصفة عامة تشمل الأخطاء العمدية والغير عمدية.

             فالمشرع الجزائري اعتمد عند إصداره للقانون المدني -الصادر بموجب الأمر الذي سبق لنا وأن أشرنا إليه- على القانون الفرنسي الجديد، إلا أنه ماتجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة سنة 1804 وقت صدور القانون المدني الفرنسي ، لا تنطبق ولا تساير الظروف التي صدر فيها القانون المدني الجزائري سنة 1975 ، لذلك يقول الأستاذ علي فيلالي في هذا الصدد " ظهرت أحكام المسؤولية المدنية في حلة جديدة إلا أنها ترجمة لظروف أكل عليها الدهر وشرب " ، راجع في هذا الصدد، علي فيلالي، تطور الحق في التعويض بتطور الضرر وتنوعه، ص 11 ومايليها. راجع في هذا الصدد: مصطفى بوبكر، المرجع السابق،ص 27. 

             علي فيلالي، المرجع نفسه، ص 13.[7]

             [8] تجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يتعرض لتعريف قانوني للخطأ، ونفس الأمر بالنسبة للتشريع المصري المقارن ، والقانون المدني اليمني ، فكل هذه النصوص القانونية المتعلقة بالمسؤولية المدنية اكتفت بوضع الأساس العام للمسؤولية المدنية ، وصياغته في نص قانوني واحد يعتبر الشريعة العامة بالنسبة للمسؤولية الشخصية، فقد نص المشرع الجزائري على هذا المبدأ في المادة 124 قانون مدني التي جاء فيها قبل تعديلها " كل عمل أيا كان ،يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه  بالتعويض" ، ونتيجة عدة انتقادات تعرضت لها هذه الصياغة ،تم تعديلها بموجب القانون رقم 05-10 لتصبح صياغتها كالآتي " كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض" .  ونفس الفكرة العامة للمسؤولية الشخصية على أساس الخطأ ، أخذ بها المشرع المصري واليمني، فقد نصت المادة 163 مدني مصري " كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من إرتكبه بالتعويض" ،كما  نصت 302 من القانون المدني اليمني على " كل فعل أو ترك غير مشروع سواء كان ناشئا عن عمد أو شبه عمد أو خطأ ،إذا سبب للغير ضررا، يلزم من إرتكبه بتعويض الغير عن الضرر الذي أصابه، ولا يخل ذلك بالعقوبات المقررة للجرائم طبقا للقانون".

            غير أن الإشكال الذي يثار في هذا الصدد ، هو أن المشرع في التقنين المدني نص على كل أحكام المسؤولية المدنية دون أن يتعرض لتحديد مفهوم الخطأ، على الرغم من أنه يعتبر الركن الرئيسي الذي تقوم عليه الشريعة العامة للمسؤولية المدنية، الأمر الذي يطرح التساؤل عن الغاية من وراء امتناع المشرع عن تعريف الخطأ ؟.

            لقد أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري العلة من عدم تعريف المشرع للخطأ، ومفادها أنه يجب أن يترك للقاضي المجال في تحديد السلوك المخطئ للفرد، لأن وضع المشرع لتعريف جامع مانع للخطأ، قد يحصر القضاء في =تكييف التصرفات الخاطئة التي يأتيها الأشخاص ، وكذلك قد يؤدي ذلك إلى إفلات المسؤول من التعويض الأفعال التي تلحق ضررا بالغير إذا لم ينطبق عليها وصف الخطأ كما هو محدد في تعريف موضوع نص القانون . 

            لذلك فقد ترك المشرع للفقه مهمة تعريف الخطأ ، غير أن الفقه هو الأخر لم يختلف في شيء كاختلافه في تعريف الخطأ، لذلك فقد تعددت التعريفات الفقهية للخطأ ، ولم يتوصل الفقهاء إلى تعريف جامع مانع له ، فهناك من عرف الخطأ على أنه إخلال بالتزام سابق ((planiol ومنهم من أضاف أنه »  إخلال بالتزام سابق نشأ عن العقد أو عن القانون أو قواعد الأخلاق «  ، وزيادة عن الإخلال بالالتزامات القانونية ، أضافت تعريفات أخرى أن الخطأ ينطوي لامحالة على الإخلال بالالتزام أخلاقي ، لذلك فقد تم تعريفه إنطلاقا من الثقة المشروعة التي يفترض أن تكون في إطار التعاملات مع الغير، فإقترح الفقيهlevy  تعريفا للخطأ على أساس أنه إخلال بهذه الثقة المشروعة. هذه التعريفات أوردها علي فيلالي، المرجع السابق، ص58.

             كذلك أنظر في هذا الصدد محمد حسين علي الشامي، المرجع السابق، ص 91.

              بلحاج العربي، المرجع السابق،ص 46. [9]

             [10]نصت المادة 125 من القانون المدني على " لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعله أو امتناعه أو بإهمال

            أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا."   

             إبراهيم الدسوقي أبو ليل، المرجع السابق ،ص59.[11]

            • المبحث الثاني : معايير تقدير السلوك الخاطئ

              معايير تقدير السلوك الخاطئ

              • المطلب الأول:المعيار الشخصي

                  لتقدير الانحراف عن السلوك المنشأ للخطأ، اعتمد الفقه على معيارين، أحدهما شخصي والآخر معيار موضوعي، فبالنسبة للتقدير الشخصي للانحراف عن السلوك، فإنه يتم عن طريق فحص ذاتية الشخص مرتكب الفعل الضار، للتعرف ما إذا صدر عن الشخص تقصير أو إهمال، مع مراعاة حالة الشخص مرتكب الفعل الضار و ظروفه ودرجة اليقظة والتبصر والحرص لديه، للقول أن السلوك الصادر عنه يعتبر خطأ. 

                      وعليه فإن السلوك المخطئ يختلف من شخص لأخر ، ذلك أن الخطأ وفق ما يقتضيه هذا المعيار يعتبر مسألة شخصية ، وعلى هذا الأساس فقد اعتبر عدد قليل من الشراح في فرنسا أن هذا المعيار أكثر عدالة طالما أنه يعالج سلوك كل فرد على حدى نظرا لكون الأشخاص مختلفين بطبعهم من حيث درجة قدراتهم و حرصهم، لذلك فإنه لايمكن اعتبار كل انحراف عن السلوك خطأ ،إلا بعد التأكد من كل العوامل الذاتية المكونة له [1]

                     غير أن هذا الاتجاه تعرض للعديد من الانتقادات، من بينها أنه من الناحية العملية قد يصعب على القاضي الكشف عن العوامل الذاتية لكل شخص لتقدير سلوكه الخاطئ  كما أنه إذا كان عادلا بالنسبة للمتسبب في الضرر، فإنه في المقابل غير عادل بالنسبة للمضرور، نظرا لكون حق المضرور في التعويض مرتبط بالظروف الشخصية لمحدث الضرر، وليس بالفعل الضار أو السلوك المخطئ في حد ذاته ، كما أنه يؤدي إلى انتشار الشعور باللامبالاة وانعدام اليقظة والتبصر لدى الأفراد في ممارسة أنشطتهم إلا أنه في مقابل ذلك يؤدي إلى التشدد مع الشخص الحريص، ويحث على التساهل مع المهمل [2].



                 إبراهيم الدسوقي أبو ليل، المرجع السابق ،ص 61.[1]

                 المرجع نفسه،ص 62.[2]

                • المطلب الثاني : المعيار الموضوعي

                  نتيجة لعدة انتقادات تعرض لها المعيار الشخصي، فقد تم التخلي عنه من طرف الفقه في فرنسا (كالفقيه مازو)، لينضم هؤلاء إلى دعم المعيار الموضوعي ، الذي يعرف الخطأ على أساس أنه انحراف عن سلوك الشخص المعتاد، فقد لجأ الفقه إلى افتراض شخصية الرجل المعتاد ، الذي يتميز بسلوك اجتماعي يجب أن يتوافر لدى غالبية أفراد المجتمع في حياتهم، فهو ليس بشخص خارق للذكاء أو شديد اليقظة ، وإنما سلوكه الاجتماعي يتسم بقدر معقول من اليقظة والحرص والتبصر ، لذلك فإن كل انحراف عن هذا السلوك يعتبر صاحبه مخطأ[1] .

                        غير أن هذا المعيار – السلوك المعتاد- الذي أخذ به فقه القانون المدني لتحديد الخطأ، لايواكب بصفة عامة كل التطور الذي وصلت إليه المسؤولية المدنية، لاسيما من خلال التقسيم الحديث للالتزامات إلى التزام ببذل عناية ، والتزام بتحقيق نتيجة، والتزام بالضمان ذلك أن الأهمية العملية لهذا المعيار تنحصر في مجال الالتزام ببذل عناية فقط  أما بالنسبة لبقية الالتزامات الأخرى فلا مجال لإعمال هذا المعيار[2] .   

                         ففي الالتزام بالضمان نجد مثلا أن القاضي في غنى عن البحث عن معيار السلوك المعتاد للمسؤول الملتزم بالضمان لتحديد سلوكه الخاطئ، كالتزام شركة التأمين بالتعويض عن الخطر المؤمن منه ،ونفس الأمر ينطبق على الالتزامات التي يكون فيها المدين ملزم بتحقيق نتيجة كالتزام الناقل بضمان سلامة المسافر، والتزام البائع بنقل ملكية المبيع ،فهذا النوع من الالتزام لا يستطيع المدين به دفعه بإثبات أنه بذل عناية الرجل المعتاد في سبيل تحققه.

                       وقد ترتب عن هذا التطور للالتزام في إطار العلاقات التعاقدية، بظهور الالتزام بتحقيق نتيجة ، حلول الخطأ محل عدم تحقق النتيجة، ناهيك على أن المسؤول لا يستطيع دفع المسؤولية عن نفسه إلا إذا أثبت أن عدم تنفيذه لالتزامه، راجع أساسا إلى سبب أجنبي لايد له فيه ، وهذا ما كان له أثر واضح في تخفيف عبء الإثبات على الضحية.

                      أما بخصوص الالتزام ببذل عناية ، فإنه لا يتم فيه تقدير سلوك المسؤول إلا عن طريق معيار الرجل المعتاد، ذلك أن الالتزام العام بالحرص واليقظة والتبصر في حد ذاته يعتبر التزام ببذل عناية للرجل المعتاد ، ولا تقوم المسؤولية فيه قبل المسؤول إلا إذا استطاع المضرور إثبات الخطأ، كما أن المدين بإمكانه دفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أنه بذل عناية الرجل المعتاد، غير أن الضرر الحاصل يخرج عن استطاعته، وعلى اعتبار أن الانحراف عن السلوك المألوف من المسائل الموضوعية ، فإن للقاضي السلطة التقديرية في ذلك[3].



                    إبراهيم الدسوقي أبو ليل ،المرجع السابق ، ص 67. [1]

                   محمد حسين علي الشامي، المرجع السابق، ص 137. [2]

                  محمد حسين علي الشامي، المرجع السابق، ص 141.  [3]

                  • الخاتمة

                    الخاتمة 

                      نخلص مما تقدم أن الخطأ ينشأ عن الانحراف عن سلوك الشخص المعتاد ، غير أن هذا الانحراف ليس كافيا وحده لتكوين ركن الخطأ ، بل يشترط كذلك أن يكون الشخص مدركا  أي أن يتوافر لديه الأهلية والقدرة على الإدراك والتمييز، و بعبارة أخرى فإن الخطأ لا ينشأ إذا كان الشخص وقت تعديه و انتهاكه لحقوق الغير غير مدركا أو غير مميزا للانحراف الذي قام به في سلوكه ، بحيث يعتبر هذا الفكر القانوني بمثابة المبدأ العام الذي تبناه أنصار النزعة الشخصية للسلوك الخاطئ .

                    قائمة المراجع

                    علي فيلالي، » تطور الحق في التعويض بتطور الضرر وتنوعه «  ، حوليات جامعة الجزائر1، العدد 31، الجزء الأول ،الجزائر.

                    محمد إبراهيم الدسوقي، المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق، أطروحة دكتوراه.

                    مصطفى بوبكر، المسؤولية التقصيرية بين الخطأ والضرر في القانون المدني الجزائري ، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2015.

                    مصطفى بوبكر، المسؤولية التقصيرية بين الخطأ والضرر في القانون المدني الجزائري  دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2015.

                    محمود جلال حمزة، المسؤولية الناشئة عن الأشياء، دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر

                    محمد إبراهيم الدسوقي، المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق، أطروحة دكتوراه.

                    محمد حسين علي الشامي ، ركن الخطأ في المسؤولية المدنية ( دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري واليمني في الفقه الإسلامي)، أطروحة دكتوراه كلية الحقوق، جامعة عين الشمس.

                    مصطفى بوبكر، المسؤولية التقصيرية بين الخطأ والضرر في القانون المدني الجزائري  دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2015.

                    علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري (المسؤلية عن فعل الغيرـ المسؤلية عن فعل الأشياء التعويض) ،الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،1994.