Aide sur Search courses

محاضرات

مقياس العقود الخاصة 02

مقدمة:

تقتضي العلاقة التي تجمع بين المدين والدائن حماية هذا الأخير من خطر عدم حصوله على حقه من أجل ذلك حرص المشرع على حماية هذه العلاقة وقد قرر لها جملة من الضمانات تتمثل في الضمان العام أي أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه، ومع ذلك بقي حق الدائن مهدد بعدم حصوله على حقه في حال إعسار مدينه لذلك عاد المشرع مرة أخرى وقرر ما يعرف بالتأمينات الخاصة التي توفر أكبر قدر من الثقة للدائن.

وتنقسم التأمينات بحسب مصدرها إلى تأمينات قانونية وتأمينات اتفاقية، فالتأمينات القانونية هي التأمينات التي يفرضها القانون فيجعل لها مركزا ممتازا دون الحاجة إلى البحث عن إرادة الدائن، بينما تنشأ التأمينات الاتفاقية من إرادة الطرفين كالرهن والكفالة، ويمكن أن يكون مصدر التأمينات القضاء حين يحكم القاضي بذلك.

 وتنقسم بحسب وعائها إلى تأمينات خاصة وتأمينات عامة، فالتأمينات العامة هي التي تتعلق بجميع أموال المدين ( منقولات وعقارات ) فتكون جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بالدين، أما التأمينات الخاصة فهي التي تتعلق بعين أو أعيان معينة من أموال المدين، وهي بذلك تعطي أكبر قدر من الثقة للدائن في الحصول على أمواله.

وتنقسم بحسب موضوعها إلى تأمينات عينية وأخرى شخصية فالتأمينات العينية تنصب على جميع أموال المدين من عقارات ومنقولات ( الرهن الرسمي والحيازي ) أما التأمينات الشخصية فهي تنصب على شخص وهي عبارة عن ضم ذمة مالية أو أكثر إلى ذمة المدين الأصلي حيث يلتزم شخص آخر إلى جانب المدين الأصلي بضمان الوفاء بحق الدائن وهي الكفالة .

 

 

 

 

الفصل الأول :عقد الكفالة

 

الكفالة تأمين شخصي يضمن للدائن الحصول على حقه في حالة إعسار المدين، حيث تضاف ذمة الكفيل إلى ذمة المدين زيادة في الضمان، وقد نظم المشرع الجزائري عقد الكفالة في المواد من 644 إلى 673 حيث قسم هذا الباب إلى فصلين؛ عالج في الفصل الأول أركان الكفالة وفي الفصل الثاني آثار عقد  الكفالة.

وسنتطرق في هذا الفصل إلى تعريف عقد الكفالة وخصائصها في المبحث الأول ثم نعالج في المبحث الثاني أركان عقد الكفالة، وفي المبحث الثالث نعالج آثار عقد الكفالة وفي المبحث الرابع انتهاء عقد الكفالة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: تعريف عقد الكفالة وخصائصه

المطلب الأول : تعريف عقد الكفالة

الفرع الأول :الكفالة لغة: الكفالة في اللغة هي الضمان وهي مشتقة من الفعل كفل والكفيل الضامن، وجمعه كفلاء، ويقال كفل عنه المال[1].

الفرع الثاني :الكفالة اصطلاحا

أولا: تعريف الكفالة في الفقه الإسلامي

1 - المذهب الحنفي عرفها المذهب الحنفي بأنها " ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة "[2] ويقصد بالذمة الأولى ذمة الكفيل وبالذمة الثانية ذمة المدين والمقصود بالمطالبة مطالبة الدائن لمدينه في تنفيذ التزامه.

2 - المذهب المالكي عرفها المالكية بقولهم : " التزام مكلف غير سفيه دينا على غيره أو طلبه من عليه لمن هو له "[3]

3 - المذهب الشافعي عرف الشافعية عقد الكفالة ب: " عقد يقتضي التزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة"[4]، وهذا التعريف بني على أن الشافعية يفرقون بين الضمان والكفالة، فالكفالة خاصة بإحضار البدن والضمان يخص إحضار المال فيقولون: كفالة البدن وضمان المال[5]

4 - المذهب الحنبلي وعرف الحنابلة الكفالة بقولهم : " ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحق "[6]

ثانيا: تعريف الكفالة في القانون:

1 - تعريف الكفالة في القانون المدني الجزائري تنص المادة 644 من ق. م ج :" الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه".

2 - تعريف الكفالة في القانون المدني المصري: نصت المادة 772 من القانون المدني المصري على: " الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه"

3 - تعريف الكفالة في القانون اللبناني: ينص قانون الموجبات و العقود اللبناني على في المادة 1053 على : " عقد بمقتضاه يلتزم شخص تجاه الدائن تنفيذ موجب مديونه إذا لم يقم هذا المديون بتنفيذه "

ثالثا: أطراف عقد الكفالة  من خلال هذه النصوص القانونية السابقة يتبين أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن أما المدين الأصلي فليس طرفا في العقد، بل يجوز كفالة المدين حتى بدون علمه ورغم معارضته وهذا ما جاء في المادة 647 من ق. م: " تجوز كفالة المدين بغير علمه، وتجوز أيضا رغم معارضته ".

ومع ذلك فشخص المدين له أهمية كبيرة في نشأة عقد الكفالة، فالكفيل ما تقدم بكفالته إلا لضمان التزاماته وليوفر له الثقة والائتمان، كما يتبين أن الكفالة ترتكز على التزام أصلي وتهدف إلى ضمان الوفاء به .

المطلب الثاني : خصائص عقد الكفالة

الفرع الأول :عقد الكفالة عقد رضائي: ينعقد عقد الكفالة بمجرد تراضي الطرفين الكفيل والدائن فلا حاجة لها لشكل خاص للانعقاد، وإن كان إثباتها لا يتم إلا عن طريق الكتابة، فالكتابة في عقد الكفالة للإثبات وليست ركنا من أركان العقد، وهذا ما نصت عليه المادة 645 من ق. م:" لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة، ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة"، غير أن بعض التشريعات قد اشترطت الكتابة لقيام عقد الكفالة نظرا لخطورة هذا العقد كالتشريع السويسري ( المادة 493  من قانون الالتزامات ).  

الفرع الثاني: عقد الكفالة عقد ملزم لجانب واحد: وهو الكفيل فهو وحده الذي يلتزم في عقد الكفالة بوفاء الدين إذا لم يوف به المدين الأصلي، أما الدائن فلا يلتزم عادة بشيء نحو الكفيل[7]، لكن هذا لا يمنع أن تكون الكفالة عقد ملزم لجانبين إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابل في نظير كفالته للدين أوبالتزام بعمل مثلا، فيصبح كل من الكفيل، والدائن ملتزماً نحو الآخر، ويكون عقد الكفالة في هذه الحالة ملزماً للجانبين[8].

الفرع الثالث: عقد الكفالة عقد تبرعي للكفيل: فالكفيل يتبرع عادة بكفالته للدين، بينما يكون بالنسبة للدائن عقد معاوضة لأن الدائن يحصل على الكفالة التي هي ضمان الدين في مقابل إعطاء الدين رغم أن الدائن قد أعطى الدين للمدين لا للكفيل، فالمعاوضة ليست بالضرورة أن تكون موجهة للطرفالثاني فقد تكون موجهة لطرف ثالث[9] .

الفرع الرابع: عقد الكفالة عقد تابع إذ أن التزام الكفيل يعتبر تابعا لالتزام المدين الأصلي، وينتج عن هذه التبعية أن التزام الكفيل يتبع التزام المدين الأصلي في صحته وفي بطلانه وفي قابليته للفسخ وحتى في الدفوع التي يدفع بها المدين[10]، لكن يجوز للكفيل أن يلتزم التزاما أخف عبئا من التزام المدين الأصلي فيكفل على سبيل المثال قسطا من الدين، أو جزءا منه فقط، وهذا حسب ما جاءت به المادة 652 من ق. م التي نصت على : (لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين ولا بشروط أشد من شروط الدين المكفول ، ولكن تجوز الكفالة في مبلغ أقل وبشروط أخف) .

الفرع الخامس: عقد الكفالة ضمان شخصي ومعناه أنها تضمن وفاء المدين بالدين، فالكفيل لا يرهن مالا أو عينا من أمواله والمدين لا يحصل على حق عيني، ولكن حقه يرد على الضمان العام للكفيل[11]، وبذلك تبقى الكفالة أضعف من التأمينات العينية كالرهن الرسمي والرهن الحيازي من حيث الضمان، فالدائن بتعرض لمخاطر الضمان العام في رجوعه على المدين والكفيل في حالة الإعسار.  

الفرع السادس : الكفالة عقد مدني  وتظل الكفالة مدنية حتى لو كان الدين المكفول تجاريا وحتى لو كان الكفيل تاجرا، لكن تعتبر الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو تظهير هذه الأوراق تجارية وذلك ما نصت عليه المادة 651 من ق. م:" تعتبر كفالة الدين التجاري عملا مدنيا ولو كان الكفيل تاجرا. غير أن الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو عن تظهير هذه الأوراق، تعتبر دائما عملا تجاريا".

المطلب الثالث:أنواع عقد الكفالة وشروطها:

الفرع الأول : أنواع الكفالة

أولا: أنواع الكفالة من حيث مصدرها قد تنشأ الكفالة بموجب عقد،  أو حكم قضائي أو نص قانوني يلزم المدين بتقديم كفيل، وبالتالي يمكن تقسيم عقد الكفالة من حيث مصدرها إلى ثلاثة أقسام.

1 - الكفالة الاتفاقية: عندما يلتزم المدين بتقديم كفيل بناء على اتفاق سابق مع الدائن أي بناء على عقد، أويتقدم الكفيل لضمان المدين من تلقاء نفسه أو حتى عندما يقدم هذا المدين الكفيل للدائن دون وجود اتفاق مسبق بينهم، وسواء كانت الكفالة قبل نأة الالتزام أو بعده.

2 - : الكفالة القانونية فهي التي يلتزم المدين بتقديمها نزولا عند نص قانوني صريح ومثال ذلك المادة 851 من ق. م التي تلزم المنتفع بالمنقول أن يقدم لمالك الرقبة كفالة ضمانا للوفاء بالتزامه برد المنقول أو بدله.

3 -:  الكفالة القضائية فهي التي يلتزم فيها المدين بتقديم كفيل بموجب حكم قضائي

ملاحظة: في الكفالة القانونية والقضائية يكون التضامن مفترض على عكس الكفالة الاتفاقية الذي يجب الاتفاق صراحة على التضامن بين المدينين وهذا ما نصت عليه المادة 667 من ق. م:" يكون الكفلاء في الكفالة القضائية أو القانونية دائما متضامنين".

ثانيا : أنواع الكفالة من حيث طبيعتها تنقسم الكفالة من حيث طبيعتها إلى كفالة مدنية وتجارية.

1 - الكفالة المدنية: الأصل أن الكفالة عمل مدني، ويرجع السبب في ذلك إلى كون الكفالة من أعمال التبرع في الأصل وهو ما لا يتفق والأعمال التجارية[12]، وقد نص المشرع على ذلك صراحة في المادة 651 من ق. م:" تعتبر كفالة الدين التجاري عملا مدنيا ولو كان الكفيل تاجرا. غير أن الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطيا أو عن تظهير هذه الأوراق، تعتبر دائما عملا تجاريا".

2 - الكفالة التجارية: استثنت المادة 651 من القانون المدني في فقرتها الثانية الكفالة التي تكون ضمانا للأوراق التجارية أو ضمانا عن تظهير للأوراق التجارية من القاعدة العامة التي تقضي بأن الكفالة عمل مدني  وعدت هذا الضمان للأوراق التجارية عملا تجاريا.

وتظهر أهمية التفرقة بن الكفالة المدنية والتجارية في اختلاف أحكام الكفالة من حيث الاختصاص القضائي والإثبات والتضامن المفترض في الأعمال التجارية بعكس العقود المدنية[13].

ثالثا: أنواع الكفالة من حيث محلها

1 - الكفالة الشخصية وهي الكفالة العادية التي يقوم فيها الكفيل بضمان الوفاء بالتزام المدين، وترد الكفالة على الضمان العام للكفيل، أي على كل أمواله المنقولة و العقارية. 

2 – الكفالة العينية وهي الكفالة التي يقوم فيها الكفيل بضمان الوفاء بالتزام المدين مقدما تأمينا عينيا عقارا أو منقولا مملوكا له، ويسمى الكفيل في هذه الحالة كفيلا عينيا.

رابعا : أنواع الكفالة من حيث وصفها

الفرع الثاني: شروط الكفالة : وقد وردت هذه الشروط في المادة 646 من ق. م التي تنص:" إذا التزم المدين بتقديم كفيل، وجب أن يقدم شخصا موسرا ومقيما بالجزائر، وله أن يقدم عوضا عن الكفيل، تأمينا عينيا كافيا".

 ومن هنا يمكن استخلاص الشروط في الأتي:  يسار الكفيل والإقامة بالجزائر

أولا : يسارالكفيل : واشتراط يسار الكفيل أمر طبيعي، فالكفيل المعسر لا يمكن التنفيذ عليه ولا فائدة من كفالته، ودرجة يسار الكفيل مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع، فيعتبر الكفيل موسرا إذا كانت أمواله تكفي للوفاء بالدين ولم تكن عليه ديون تستغرق جميع أمواله، وإذا نازع الدائن في يسار الكفيل كان على المدين إثبات يساره وذلك بإثبات أن للكفيل أموالا تكفي للوفاء بالدين، وعلى الدائن إثبات أن على الكفيل ديونا تستغرق جميع أمواله إذا ادعى ذلك[14].

ثانيا : الإقامة بالجزائر ويقصد بالإقامة في الجزائر الإقامة الدائمة،وليست الإقامة العرضية، وذلك للحفاظ على مصلحة الدائن وليسهل عليه المطالبة بالوفاء[15]  .

ثالثا: أن يكون الكفيل أهلا للتبرع: وهذا الشرط لم ينص عليه المشرع بل هو شرط مفترض[16]، لأنه لا يمكن للشخص الناقص الأهلية أن يكون متبرعا فالكفالة عقد ضار له ضررا محضا فيكون باطلا.

المبحث الثاني : أركان عقد الكفالة

سبق وأن ذكرنا أن طرفي العقد هما الكفيل والدائن وأن المدين ليس طرفا فيها، وسنعالج في هذا المبحث الأركان العامة للكفالة وهي الرضا والمحل والسبب.

المطلب الأول : الرضا تنعقد الكفالة بموجب عقد يتم بين الكفيل والدائن، وبالتالي يشترط فيه تبادل الإيجاب والقبول من الطرفين، ويجب أن يتوفر في الكفيل الرضا والأهلية والخلو من عيوب الرضا.

أولا: أهلية الكفيل لما كان التزام الكفيل عادة تبرعيا فإنه يجب أن تتوفر فيه أهلية التبرع لذلك لا يجوز للقاصر أو المحجور عليه أن يكفل الغير وإذا كفله تكون كفالته باطلة بطلانا مطلقا فلا بد إذا أن يكون الكفيل المتبرع بالغا سن الرشد وغير محجور عليه،

 أما إذا كانت الكفالة بمقابل وهذا نادر الحدوث فيجب أن تتوفر في الكفيل أهلية التصرف لا أهلية التبرع، وعلى ذلك لا يجوز للقاصر أن يعقد كفالة لأنه لا يملك أهلية التصرف، أما المميز فتكون كفالته قابلة للإبطال، لكن يجوز للولي أو الوصي أن يعقد كفالة بمقابل باسم القاصر أو المحجور عليه في حين يمنع عليه القيام بكفالة تبرعية لعدم جواز التصرف في أموال القاصر بدون مقابل.

إذن فيجب أن تتوفر في الكفيل الأهلية الكاملة أي أهلية التبرع ببلوغه 19 سنة كاملة، لأن الكفالة عقد تبرع فهو عقد ضار ضررا محضا بالنسبة للكفيل، وأن لا يكون محجورا عليه.

ثانيا : أهلية الدائن تعتبر الكفالة عملا نافعا نفعا محضا بالنسبة للدائن لذلك لا يشترط فيه الأهلية إلا إذا كانت الكفالة بمقابل، أما إذا كانت الكفالة بمقابل فينظر إليهها كما ينظر إلى سائر الأعمال الدائرة بين النفع و الضرر.

ثالثا : أهلية المدين  المدين ليس طرفا في العقد ولذلك لا يشترط فيه الأهلية.

عيوب الرضا : تسري على عيوب الرضا في الكفالة القواعد العامة

المطلب الثاني : المحل هو الركن الثاني لعقد الكفالة وهو الالتزام الأصلي المكفول، وسنعالجه في النقاط التالية وجود الالتزام الأصلي أو قابليته للوجود في الفرع الأول وفي الفرع الثاني نعالج صحة الالتزام المكفول.

الفرع الأول : وجود الالتزام الأصلي المكفول وقابليته للوجود فالكفالة  

أولا: مصدر الالتزام الأصلي المكفول الالتزام الذي يمكن كفالته هو التزام أيا كان مصدره ومحله حيث يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره العقد وهو الوضع الغالب، كما يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره الإثراء بلا سبب.

ثانيا: محل الالتزام الأصلي المكفول  كما يمكن كفالة الالتزام الذي مصدره القانون أيا كان محله سواء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو إعطاء شيء[17]، وفي الغالب يتم كفالة الالتزام الذي يكون محله نقودا ( قرضا ) فيأتي المقترض مثلا بكفيل يضمنه لدى المقرض في المبلغ من النقود الذي اقترضه، ويمكن أن يكون محل الالتزام نقل ملكية عقار أو منقول، فيأتي البائع مثلا بكفيل يضمنه لدى المشتري في التزام الأول بنقل ملكية المبيع إلى الثاني، كذلك يجوز للمقاول، الذي تعاقد مع صاحب العمل على إقامة منشآت أن يأتي بكفيل يضمنه في التزامه بهذا العمل، ويجوز لتاجر ملتزم بعدم منافسة تاجر آخر أن يأتي بكفيل، يضمنه في الالتزام بعدم المنافسة[18].

الفرع الثاني: صحة الالتزام الأصلي المكفول

تنص المادة 648 من القانون المدني الجزائري على " لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا ً" نفهم من هذا النص أنه يجب أن يكون الالتزام المكفول صحيحا حتى تكون الكفالة صحيحة وترتب التزاماً في ذمة الكفيل بضمان الالتزام المكفول، وهو مقتضى تبعية عقد الكفالة، ويكون الالتزام المكفول صحيحاً إذا تولد من مصدر غير عقدي، أو تولد من مصدر عقدي أوكان العقد الذي تولد منه عقداً صحيحاً[19].

1 - كفالة الالتزام الباطل: نصت المادة 648 من القانون المدني على: ( لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا ) كفالة الالتزام الباطل تكون باطلة كالالتزام المكفول، لأن الكفيل تقدم باعتباره كفيلا، لا باعتباره مديناً أصلياً، فإذا كان الالتزام المكفول في هذه الحالة باطلا بطلاناً مطلقاً، كانت الكفالة وهي تابعة له باطلة بطلانا مطلقا، والعلة في ذلك لأن التزام الكفيل تبعي وهو يتبع الالتزام الأصلي في صحته وبطلانه، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: كفالة دين المقامرة أو دين الرهان أو دين الربا والدين الذي يكون محله غير موجود أو مستحيلا أو غير مشروع والدين الذي يقوم على سبب غير شرعي[20].

2 - كفالة الالتزام القابل للإبطال: إذا كان الالتزام الأصلي قابل للإبطال فإن الكفالة هي الأخرى تكون قابلة للإبطال، غير أن القانون استثنى كفالة ناقص الأهلية بسبب نقص الأهلية حيث تنص المادة 649  من القانون المدني على : ( من كفل التزام ناقص الأهلية وكانت الكفالة بسبب نقص الأهلية كان ملزما بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من  المادة 654 )

وهذا النص خاص كفالة ناقص الأهلية ، أي إذا كان الالتزام الأصلي قابلا للإبطال بسبب نقص الأهلية فلا تبطل الكفالة ببطلانه إذا كانت الكفالة بسبب نقص الأهلية.

ولكن قابلية الإبطال قد يكون لها سبب آخر غير نقص الأهلية ، فقد يكون سببها عيباً من عيوب الرضا فيكون الرضا مشوباً بالغلط أو بالتدليس أو بالإكراه أو بالاستغلال وقد يكون سبب القابلية للإبطال نصاً في القانون، كما في بيع ملك الغير فقد ورد نص بقابلية بطلان هذا البيع فيما بين البائع والمشتري.

فإذا كان سبب القابلية للإبطال غير نقص الأهلية، بأن كان السبب عيباً في الرضا أو نصاً في القانون، وجب تطبيق القواعد العامة، حيث لم يرد نص في هذا الصدد كما ورد النص السابق قابلية الإبطال بسبب نقص الأهلية، ولما كانت القواعد العامة تقضي بأن يكون الالتزام قابلا للإبطال لعيب في الرضاء أو لنص في القانون، فإن الكفيل والتزامه تابع للالتزام الأصلي المكفول يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع، وإذا رجع عليه الدائن تمسك بأن التزامه قابل للإبطال كالتزام المدين الأصلي.

3 - كفالة الدين المستقبلي: تنص المادة 650 من القانون المدني الجزائري على أنه ( تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد المبلغ المكفول، كما تجوز في الدين المشروط، غير أنه إذا كان الكفيل في الدين المشروط لم يحدد مدة الكفالة كان له أن يرجع فيها في أي وقت مادام الدين المكفول لم ينشأ )

تجوز كفالة الدين المستقبلي، وإن كان ديناً غير موجود وقت الكفالة، ومثل الدين المستقبل يجوز كفالة فتح اعتماد، كما تجوز كفالة الدين الاحتمالي لأنه دين مستقبل،  فإذا فتح شخص اعتماداً في مصرف، جاز أن يقدم كفيلا يضمن ما عسى أن يقبضه المدين من هذا الاعتماد وبالقدر الذي يقبض، وذلك قبل أن يقبض المدين شيئاً من الاعتماد . كذلك يستطيع أن يقدم شخص كفيلا يضمنه فيما عسى أن يشتريه من متجر معين، فيكون الكفيل ضامناً لثمن البضائع التي يشتريها المدين الأصلي[21].

وتكون كفالة الدين المستقبل قائمة ويكون الكفيل ملزماً بها ، حتى قبل أن يوجد هذا الدين،  ولكن الكفيل لا يكون ملتزماً بأي مقدار من المال قبل أن يوجد الدين، فإذا ما وجد كفله المدين بالمقدار الذي به يوجد.

ولكن نص المادة 650 من القانون المدني وضع لكفالة الدين المستقبلي شرطين :

الشرط الأول : وجوب تحديد مقدار الدين المكفول:  يجب في الدين المستقبل المكفول أن يحدد مقدماً في عقد الكفالة مقدار الدين المكفول . فإذا كفل شخص فتح اعتماد أو ثمن بضائع لم تشتر بعد، وجب تحديد المقدار الذي كفله الكفيل، فيذكر مثلا في عقد الكفالة أن الكفيل يكفل الاعتماد  لغاية مبلغ كذا أو يكفل ثمن البضائع لغاية مبلغ كذا .

 والسبب في وضع هذا الشرط هو حماية الكفيل ، فهو يقوم على كفالة دين مستقبل لم يوجد بعد، فلا أقل من تحديد مبلغ يكفله حتى لا يتورط في كفالة دين لا يعلم مقداره.

 الشرط الثاني ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 650 من القانون المدني من أنه "إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة للكفالة، كان له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ " ، فإذا عين الكفيل مدة لقيام كفالته لم يجز له أن يرجع في الكفالة طوال هذه المدة، ووجب عليه وفاء الدين عن المدين الأصلي متى وُجد الدين وحلَّ ولم يوفه المدين الأصلي في خلال هذه المدة.

أما إذا لم يعين الكفيل مدة لقيام كفالته، أو عين مدة وانقضت قبل نشوء الدين المستقبل وتحققه فعلا ، فإن للكفيل أن يرجع في الكفالة ما دام الدين المكفول لم ينشأ فإذا نشأ الدين المكفول ولم يرجع الكفيل في خلالها عن كفالته، أو في حالة تعيين مدة نشأ في خلالها الدين المكفول، فإن الكفيل عندئذ لا يستطيع الرجوع في الكفالة وتصبح ملزمة له .

 

 

الفرع الثالث: أن يكون الالتزام الأصلي المكفول معينا أو قابلا للتعيين

ويجب أن يكون محل الالتزام معينا أو قابلا للتعيين بحيث ينفي الجهالة التي تؤدي إلى النزاع وإلا كانت الكفالة باطلة، وتعيين التزام الكفيل يرتبط بتعيين الالتزام المكفول، وبما أن التزام المدين مستقل عن التزام الكفيل فقد يحتلف محل كل من الالتزامين ولكنه يجب في كل الحالات ألا يكون التزام الكفيل أشد من التزام المدين[22]، حيث تنص المادة 652 على ( لا يجوز أن تكون الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق ولا بشرط أشد من شروط الدين المكفول. ولكن تجوز في مبلغ أقل وبشرط أهون )

المطلب الثالث: السبب

إن السبب هوالباعث و الدافع إلى الالتزام، ويشترط أن يكون للالتزام سبب صحيح ومشروع، فإن لم يكن للالتزام سبب أو كان السبب غير مشروع كان الالتزام باطلا، وقد يكون السبب في الكفالة تبرعا وهو الأكثر أو معاوضة.

الفرع الأول : وجود السبب

ثار الخلاف في مسألة وجود السبب بمعنى هل يجب أن يكون لالتزام الكفيل سبب أم أنه يجوز أن يكون مجردا عن السبب، فرأى جانب من الفقه أنه يمكن أن تكون الكفالة مجردة عن السبب ولا يبطلها ذلك، بينما رأى آخرون أنه يجب أن يكون لكل التزام سبب مشروع واستبعدوا فكرة عدم وجود السبب[23].

ويجب أن يكون السبب موجودا وقت إنشاء الكفالة ولا يهم إن تخلف بعد ذلك، كمن يكفل زوجته ثم تنقطع العلاقة الزوجية ، أو يكفل عامله ثم تنقطع علاقة العمل.

الفرع الثاني : مشروعية السبب

تقضي القواعد العامة أن يكون السبب مشروعا حيث تنص المادة 97 من القانون المدني ( إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا ) فيجب أن يكون سبب الكفالة مشروعا وإلا كانت باطلة.

 

 

المبحث الثالث : آثار عقد الكفالة

يرتب عقد الكفالة آثارا مختلفة تتمثل في علاقة الكفيل بالدائن وعلاقة الكفيل بالمدين وهي تتمحور أساسا في الدفوع التي خولها المشرع للكفيل ليحتج بها في مواجهة الدائن وحتى في مواجهة المدين وفي مواجهة غيره من الكفلاء.

المطلب الأول : العلاقة بين الكفيل والدائن

العلاقة بين الكفيل والدائن أساسها التزام الكفيل بالوفاء بالدينإذا لم يقم المدين بالوفاء، فتنشأ العلاقة بين الكفيل والدائن اللذين هما طرفا العقد وإليهما تنصرف آثار عقد الكفالة.

الفرع الأول : الدفوع المرتبطة بالالتزام المكفول

أولا: مطالبة الدائن الكفيل في أجل الاستحقاق فإذا كان التزام الكفيل قد حُدِّد له أجل مستقل عن الالتزام الأصلي فيجب على الدائن احترام هذا الأجل، وفي حال عدم تحديد أجل فيجوز للدائن مطالبة الكفيل عند حلول أجل الدين الأصلي.

أما إذا كان هناك اتفاق بين الدائن والمدين على تمديد أو تعجيل أجل الاستحقاق استفاد الكفيل منه، وله أن يتمسك بالأجل الأصلي في حالة التعجيل إذا كانت له مصلحة في ذلك، وكل تغيير في أجل دين المدين يستفيد منه الكفيل، ولكن لا يضار منه، فمثلا إذا حصل المدين على مهلة للوفاء بأمر القاضى أو بإذن الدائن، فان الكفيل يستفيد من هذه المهلة ولا تجوز مطالبته قبل حلول الأجل الجديد، ولكنه لا يضار من هذا التأجيل فاذا أراد أن يوفى للدائن بدينه في الأجل القديم فيجب على الدائن أن يقبل منه هذا الوفاء ووجه الضرر الذي قد يلحق الكفيل من تأجيل الدين، أن المدين قد يكون موسرا رغم تأجيل دينه، ويخشى عليه الإعسار فيما بعد ، فتكون من مصلحة الكفيل أن يوفى بالدين[24].

وكل تغيير في أجل دين المدين يستفيد منه الكفيل، ولكن لا يضار منه، فمثلا إذا حصل المدين على مهلة للوفاء بأمر القاضى أو بإذن الدائن ، فان الكفيل يستفيد من هذه المهلة ولا تجوز مطالبته قبل حلول الأجل الجديد، ولكنه لا يضار من هذا التأجيل فاذا أراد أن يوفى للدائن بدينه في الأجل القديم فيجب على الدائن أن يقبل منه هذا الوفاء، ووجه الضرر الذي قد يلحق الكفيل من تأجيل الدين، أن المدين قد يكون موسرا رغم تأجيل دينه، ويخشى عليه الإعسار فيما بعد ، فتكون من مصلحة الكفيل أن يوفى بالدين[25].

ولكن ما هو الحكم إذا سقط أجل التزام المدين بسبب إفلاسه أو إعساره أو إضاعته للتأمينات ؟

ذهب بعض الفقهاء إلى القول بسقوط أجل التزام الكفيل بسقوط أجل التزام المدين بناء على فكرة التبعية في عقد الكفالة،  وكذلك فإن الغرض من الكفالة هو ضمان حق الدائن ضد مخاطر إعسار المدين أو إفلاسه وقد تحقق ذلك بالفعل .

ولكن الفقه الغالب يرفض هذا الرأي ويرى أن سقوط أجل دين المدين لا يترتب عليه سقوط أجل دين الكفيل لأنه وبناء على فكرة التبعة كذلك يجب ألا يكون التزام الكفيل أشد من التزام المدين، بل على العكس فيمكن أن يكون التزام الكفيل أخف من التزام المدين.

         وكذلك فإن الغرض من عقد الكفاله هو ضمان حق الدائن ضد إعسار المدين أو إفلاسه، فلا مبرر لسقوط هذا الأجل بالنسبة للكفيل لسبب لا يد له فيه، وخاصة وأن سحب الثقة من المدين بسبب إفلاسه أو إعساره، لا يبرر سحب الثقة في نفس الوقت من الكفيل، يضاف إلى ذلك أنه من المتفق عليه فى القانون التجارى أن سقوط الأجل بسبب إفلاس المدين، لا ينصرف إلى غيره، ولا ينصرف بصفة خاصة إلى الكفيل.

         إن قواعد تفسير عقد الكفالة توجب الأخذ بالتفسير الأصلح للكفيل بوصفه متبرعا من جهة و بوصفه مديرا يفسر الشك لصالحه من جهة أخرى، وقد ذهب لهذا الرأي جمهور فقهاء المسلمين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة  حيث يرون أن سقوط الأجل بالنسبة للمكفول عنه بموته لا يترتب عليه سقوط الأجل في حق الكفيل[26].

ثانيا: أولوية رجوع الدائن على المدين: هذا الدفع منصوص عليه في المادة 660 من القانون المدني الجزائري : " لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين" مع اشتراط ألا يكون الكفيل متضامنا مع المدين لأنه وفي حال التضامن مع المدين يجوز للدائن أن يرجع عليه مباشرة، والرجوع معناه المطالبة القضائية فلا يجوز للدائن أن يرفع الدعوى على الكفيل إلا بعد أن يرفع دعوى على المدين.

ثالثا: الدفع بالتجريد  حق الكفيل الذي يطالبه الدائن بأداء الدين، في إلزام الدائن بالتنفيذ على أموال المدين أولاً إذا هو بَيَّن له أن أموال المدين القابلة للحجز تفي بأداء الدين بتمامه، فالدفع بالتجريد إذن حق منحه القانون للكفيل يستطيع بمقتضاه أن يوقف إجراءات التنفيذ على أمواله إلى أن يتم التنفيذ على أموال المدين أولاً ويتضح عدم كفايتها لوفاء الدين، أي أنه في حال رجوع الدائن على الكفيل يوجهه بأن ينفذ على أموال المدين، أو بمعنى أصح يجرد أموال المدين قبل التنفيذ على أمواله وهذا تطبيقا لنص المادة 660 فقرة 2 من القانون الجزائري : " ولا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد أن يجرد المدين من أمواله، ويجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق".

والحكمة من هذا الدفع هو حماية الكفيل، فالكفيل ليست له مصلحة مباشرة في الدين، فهو مجرد ضامن لدين غيره، ومن العدل ألا يَرى الكفيلُ أمواله تنزع منه بينما أموال المدين قائمة لا تمس[27].

وللدفع بالتجريد على غرار الدفوع الأخرى شروط تتمثل في:

-       على الكفيل أن يتمسك به ويثيره أثناء رفع الدعوى لأنه ليس من النظام العام ويسقط إذا تم الدخول في موضوع الدعوى.

-       الكفيل المتمسك بالدفع يجب أن يكون كفيلا شخصيا لا عينيا لأن الكفيل العيني حرم من هذا الدفع.

-       يجب ألا يكون الكفيل متضامنا مع المدين لأن المادة 665 من ق. م منعت ذلك بنصها:" لا يجوز للكفيل المتضامن مع المدين أن يطلب التجريد".

-       أن يكون للكفيل مصلحة في التمسك بهذا الدفع فلا دعوى ولا دفع بلا مصلحة.

-       أن تكون الأموال التي يرشد إليها الكفيل قابلة للتنفيذ عليها[28].

هذا ويشترط للدفع بالتجريد القيام ببعض الإجراءات حيث نصت المادة 661 من ق. م: " إذا طلب الكفيل التجريد، وجب عليه أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال المدين التي تفي بالدين كله.

ولا يؤخذ بعين الاعتبار الأموال التي يدل عليها الكفيل إذا كانت هذه الأموال تقع خارج الأراضي الجزائرية، أو كانت متنازعا فيها". وعلى هذا أن يوجه الكفيل الدائن على نفقته الخاصة إلى الأموال التي تتوفر فيها الشروط التالية:

-       أن تكون هذه الأموال مملوكة للمدين وغير متنازع فيها وقابلة للتنفيذ عليها.

-       أن تكون الأموال متواجدة على التراب الوطني حتى يسهل التنفيذ عليها.

-       يشترط أن تكون الأموال المرشد إليها كافية لسداد الدين كله.

رابعا : تمسك الكفيل بالدفوع التي يحتج بها المدين: تنص المادة 654 من ق. م:" يبرأ الكفيل بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين.

غير أنه إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين يتمثل في نقص أهليته وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد، فليس له أن يحتج بهذا الوجه".

خامسا: الدفوع الخاصة بالكفيل وللكفيل فضلا على الدفوع التي يحتج بها المدين هناك دفوع خاصة به وحده لا يشترك فيها مع المدين وهذه الدفوع إما تكون متعلقة بعقد الكفالة في حد ذاته وإما تكون راجعة إلى مركز الكفيل باعتباره كفيلا حيث يجوز للكفيل أن يتمسك ببطلان عقد الكفالة وحده أو قابليته للبطلان.

الفرع الثاني : الدفوع المستقلة عن الالتزام المكفول

أولا: الدفع بالتقسيم

إذا كان الكفيل شخصا واحدا كان للدائن أن يرجع عليه بكل الدين، أما إذا تعدد الكفلاء لدين واحد وبعقد واحد ولم يكونوا متضامنين فيما بينهم فإن الدين يقسم عليهم ولا يجوز للدائن أن يرجع على أي واحد منهم إلا بقدر نصيبه في الدين[29]، نصت عليه المادة 664 من القانون المدني : " إذا تعدد الكفلاء لدين واحد، وبعقد واحد، وكانوا غير متضامنين فيما بينهم، قسم الدين عليهم، ولا يجوز للدائن أن يطالب كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة.

أما إذا كان الكفلاء قد التزموا بعقود متوالية، فإن كل واحد منهم يكون مسؤولا عن الدين كله، إلا إذا كان قد احتفظ لنفسه بحق التقسيم "، ومن هذا النص يتضح شروط الدفع بالتقسيم وهي:

-       أن يتعدد الكفلاء وهو الفرض الأساسي فلو كان الكفيل واحد لما كان هناك وجه للتقسيم، لأنه يكون مسؤولا عن الدين كله.

-       أن يكفل الكفلاء نفس الدين، أما إذا تعددت الديون فلا وجه للتقسيم، فمثلا لا يمكن لكفيل الكفيل أن يتمسك بدعوى التقسيم بينه وبين الكفيل لأن الدين مختلف، فالكفيل يضمن دين المدين وكفيل الكفيل يضمن دين الكفيل[30].

-       أن يتعدد الكفلاء بعقد واحد.

-       ألا يكون الكفلاء متضامنين، فلو كانوا متضامنين فإن كل منهم يكون مسؤولا عن الدين كله.

ثانيا: الدفع بإضاعة التأمينات: الدفع بإضاعة التأمينات أساسه هو الحلول والتبعية فالدائن بعدم محافظته على هذه التأمينات المخصصة لضمان نفس الدين المكفول قد أضاع فرصة الكفيل ليحل فيها بعد وفائه الدين للدائن وقد نصت على هذا الدفع المادة 656 من القانون المدني الجزائري:" تبرأ ذمة الكفيل بالقدر الذي أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات. ويقصد بالضمانات في هذه المادة كل التأمينات المخصصة لضمان الدين ولو تقررت بعد الكفالة وكذلك كل التأمينات المقررة بحكم القانون". ومن خلال النص نستخلص شروط الدفع بإضاعة التأمينات وهي:

-       إضاعة تأمين خاص سواء كان قبل إبرام الكفالة أو بعدها لتقوية الائتمان لأجل وفاء الدين المكفول

-       خطأ الدائن في إضاعة التأمينات.

-       يجب أن يتضرر الكفيل من هذه التصرفات.

المطلب الثاني : العلاقة بين الكفيل والمدين

الفرع الأول :دعاوى الكفيل للرجوع على المدين

أولا: دعوى الكفالة هي أول دعوى مخولة لأي كفيل تدخُل في ضمان التزام يشمل ذمة المدين، وقد تم تنظيمها بموجب المادتين 670 من القانون المدني الجزائري: " يجب على الكفيل أن يخبر المدين قبل أن يقوم بوفاء الدين، وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين، إذا كان هذا قد وفى الدين أو كانت عنده وقت الاستحقاق أسباب تقضي ببطلان الدين أو بانقضائه. فإذا لم يعارض المدين في الوفاء، بقي للكفيل الحق في الرجوع عليه ولو كان المدين قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو بانقضائه".

وتنص المادة 672 من ق. م:" يكون للكفيل الذي وفى الدين أن يرجع على المدين سواء كانت الكفالة قد عقدت بعلمه أو بغير علمه.

ويرجع بأصل الدين والمصروفات غير أنه فيما يخص المصروفات، لا يرجع الكفيل إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده".

وتبقى الكفالة دعوى مستقلة بموجب نص القانون لها شروط هي:

  1. لا يمكن للكفيل الذي تدخل للضمان لكفالة المدين رغم معارضته استعمال دعوى الكفالة، وفي هذه الحالة ليس للكفيل إلا دعوى الإثراء بلا سبب للرجوع على المدين.
  2. على الكفيل أن يقوم بإعلام المدين عندما يعقد العزم على الوفاء بالدين، والحكمة من هذا الحكم هو تمكين المدين من الاعتراض على هذا الوفاء متى توافر له سبب من أسباب انقضاء الدين كالوفاء البطلان المقاصة اتحاد الذمة ...إلخ.
  3. أن يكون الكفيل قد احترم عند وفائه الأجل المحدد لاستحقاقه، وللكفيل التمسك بالأجل الأصلي للوفاء حتى ولو تم تمديد هذا الأجل أو تعجيله وهذا على خلاف دعوى الحلول التي يحل فيها محل الدائن في جميع الخصائص بما فيها تعديل الأجل بالتقدم والتأخير.
  4. الأصل أنه ليس للكفيل أن يرجع على المدين بأي شيء إلى أن يوفي كامل الدين إلى الدائن ومن ثم تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن، لكن إذا وفى الكفيل بجزء فقط من الدين فإنه يتعرض إلى مزاحمة الدائن العادي أو جماعة الدائنين إذا تعددوا ما لم يمتازوا بحق امتياز، ومعناه أن الكفيل الذي وفى بجزء من الدين يتساوى مع الدائن الموفى له في رجوعهما على المدين وإن كانت الأموال غير كافية قسمت بينهم قسمة غرماء[31].

         أما عن مجال دعوى الكفالة فإن للكفيل إذا استعملها أن يستفيد من حق المطالبة بأصل الدين وهو قيمة الالتزام الذي وفاه الكفيل عن المدين في مواجهة الدائن بالإضافة إلى المصروفات وهي النفقات التي صرفها الكفيل لإبرام عقد الكفالة إضافة إلى مصاريف الإرشاد إلى أموال المدين ومصاريف الدعوى التي رفعها على المدين، لكن لا يرجع بهذه المصروفات على المدين إلا من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده لأن المدين متى أخطر بها فقد يسارع إلى الوفاء بالتزامه ويتجنب المصروفات التي يدفعها الكفيل إذا لم يخطره وهذا طبقا لنص المادة 672 من ق. م السابقة، كما يرجع عليه بالضرر الذي أصابه من اضطراره للوفاء بالدين وهذا طبقا للقواعد العامة وقياسا على رجوع الوكيل على الموكل والفضولي على رب العمل[32].

ثانيا: دعوى الحلول

إذا لم تتوفر شروط استعمال دعوى الكفالة كالإخطار مثلا فللكفيل أن يستعمل دعوى الحلول المستمدة من القواعد العامة للالتزام والتي تمكنه من الحلول محل الدائن إذا ما وفى بالدين، وقد نص عليها في المادة 671 من قانون المدني الجزائري: " إذا وفى الكفيل الدين، كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق تجاه المدين لكن إذا لم يوف إلا بعض الدين، فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي الدائن كل حقه من المدين"،

وهذه الدعوى مستوحاة من القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 261 من ق. م، ولهذه الدعوى جملة من الشروط تتلخص في:

  1. حلول أجل الدين : أهم ما يميز دعوى الحلول هو ضرورة الرجوع في الأجل الذي كان ينبغي للدائن أن يستوفي فيه حقه.
  2. يجب أن تبرأ ذمة المدين من الدين في مواجهة الدائن أما إذا انقضى فقط جزء من الدين فيتعرض الكفيل في حلوله إلى تقدم الدائن عليه.
  3. يستعملها الكفيل سواء كان متضامنا أو غير متضامن مع المدين وسواء تدخل بعلمه أو بغير علمه كما يستعملها رغم معارضة المدين.

 

 

 

ثالثا : نتائج دعوى الحلول فهي

ـ أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما لهذا الحق من خصائص وبما يلحقه من توابع، فمثلا إذا كان حق الدائن تجاريا فإن الكفيل يحل محله في هذا الحق بنفس الصفة ومن توابع الحق أنه إذا كان منتجا لفوائد معينة فإنها تكون من حق الكفيل الذي حل محله.

ـ يحل الكفيل محل الدائن في حقه بما يكفله من تأمينات أي أن جميع التأمينات التي كانت تضمن للدائن الوفاء بدينه تنتقل إلى الكفيل لتضمن له رجوعه بما وفاه على المدين والعبرة هنا بالتأمينات التي كانت موجودة وقت الوفاء وبالحالة التي كانت عليها وقت هذا الوفاء، فالرهن ينتقل بمرتبته ولا يحتاج إلى اتفاق خاص مع الدائن لإحلاله محله في هذه التأمينات والدائن من جهته لا يجوز له التنازل عن مرتبة الرهن إضرارا بالكفيل الذي حل محله في الرهن.

ـ أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما يرد على هذا الحق من دفوع، بمعنى يستطيع المدين أن يحتج في مواجهة الكفيل بكل الدفوع التي كان يحتج بها على الدائن، مثلا إذا كان حق الدائن مصدره عقد باطل أو قابل للإبطال جاز للمدين أن يتمسك بهذا الدفع والحال كذلك إذا كان الدين انقضى لسبب من أسباب الانقضاء.

مقارنة بين دعوى الكفالة ودعوى الحلول:

فيما يتعلق بالكفلاء الذين لهم حق الرجوع: فبالنسبة لدعوى الحلول يستطيع كل الكفلاء الرجوع على المدين بهذه الدعوى ويستوي أن تكون الكفالة تمت بعلم المدين أو بغير علمه أو رغم معارضته ويستوي أن تكون الكفالة تمت لمصلحة المدين أو لمصلحة الدائن، أما بالنسبة لدعوى الكفالة أو ما يعرف بالدعوى الشخصية فإن الكفلاء الذين لهم الحق في الرجوع بهذه الدعوى هم الذين كفلوا المدين بعلمه أو بغير علمه ودون معارضته أو تكون الكفالة تمت لمصلحة المدين أو لمصلحتهما معا.

فيما يتعلق بشروط كل منهما: تتفق كلتا الدعويين في بعض الشروط إذ يشترط بالرجوع في كلتاهما الرجوع بالدين وأن يكون الوفاء عند حلول الأجل، أما الاختلاف بينهما فيتمثل في أن دعوى الكفالة لا يشترط أن يكون الدائن قد استوفى دينه كاملا بل يمكن للكفيل الرجوع بهذه الدعوى ويكون وفى بجزء من الدين وهنا يزاحم الكفيل الدائن عند رجوعه على المدين ويتساوون في المرتبة إلا إذا كان للدائن حق امتياز، كما يشترط في دعوى الكفالة إخطار الكفيل للمدين قبل الوفاء، أما بالنسبة لدعوى الحلول فيشترط أن يكون الدائن قد استوفى حقه كاملا، وفي حال ما إذا وفى الكفيل بجزء من الدين فقط في هذه الحالة تكون الأولوية للدائن في استيفاء الباقي من المدين.

3ـ فيما يتعلق بموضوع كل منهما: في دعوى الحلول يحل الكفيل محل الدائن فيما له من حقوق قبل المدين أما بالنسبة لدعوى الكفالة فالكفيل يرجع بأصل الدين والمصاريف والتعويضات.

المطلب الثالث : العلاقة بين الكفيل وغيره من الكفلاء رجوع الكفيل على المدينين وعلى بقية الكفلاء

الفرع الأول: رجوع الكفيل على المدينين حال تعددهم: سيتم التطرق هنا على الرجوع على المدينين في حال تعددهم وفي حال تضامنهم وفي حال عدم تضامنهم.

أولا: تعدد المدينين مع عدم تضامنهم: هنا في حال ما إذا تدخل الكفيل ليضمنهم جميعا ثم وفى بالدين فإنه عند الرجوع عليهم يرجع على كل مدين بقدر نصيبه في الدين سواء تم الرجوع بدعوى الكفالة أو بدعوى الحلول، وفي حال ما إذا كفل الكفيل بعضهم فقط فإنه لا يرجع إلا على من كفله منهم وفي حدود نصيبه في الدين، ولا يرجع على غير المدينين الذين كفلهم إلا إذا كان قد دفع زيادة ترتبت عنها براءة ذمة مدينين آخرين لم يكفلهم وهنا يرجع عليهم بدعوى الإثراء بلا سبب.

ثانيا: تعدد المدينين وتضامنهم: وفي حال تدخل المدين ليضمنهم جميعا فله الحق في أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين وهذا حسب ما جاءت به المادة 673 من ق. م:" إذا تعدد المدينون في دين واحد وكانوا متضامنين، فللكفيل الذي ضمنهم جميعا أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين".

أما الحالة التي يكون فيها الكفيل قد كفل بعضهم فقط فهذه الحالة لم ينص عليها المشرع في باب الكفالة لكن يكون للكفيل الرجوع فقط على المدينين الذين ضمنهم بكل الدين.

الفرع الثاني:  رجوع الكفيل على غيره من الكفلاء:

1 تعدد الكفلاء مع تضامنهم: نصت عليها المادة 668 من ق. م:" إذا كان الكفلاء متضامنين فيما بينهم ووفى أحدهم الدين عند حلوله، يجوز له أن يرجع على كل من الباقين بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر منهم". ومن خلال المادة يكون كل كفيل مسؤولا عن الدين فإذا وفى أحدهم الدين فلا يجوز أن يرجع على الكفيل المتضامن إلا بقدر نصيبه في الدين مضافا إليه نصيبه من حصة المعسر منهم.

مع الإشارة في هذا الصدد إلى حكم كفالة الكفيل الذي جاءت به المادة 669 من ق. م:" تجوز كفالة الكفيل، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، إلا إذا كان كفيل الكفيل متضامنا مع الكفيل". ونستخلص من النص أنه يجوز كفالة الكفيل ولا يجوز للدائن أن يرجع على كافل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل وهذا في حال عدم تضامنهم أما إذا كانوا متضامنين فيجوز للدائن أن يعود عليهم معا.

2 تعدد الكفلاء وعدم تضامنهم: يقسم الدين بينهم بقوة القانون فلا يلتزم كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة وفي حال إعسار أحدهم فلا يتحمله غيره من الكفلاء والدائن هو من يتحمل حصة الكفيل المعسر منهم.

المبحث الرابع : انقضاء عقد الكفالة

   ينقضي التزام الكفيل بصفة تبعية لانقضاء التزام المدين لأن التزام الكفيل لا يقوم منفصلا بل لابد من أن يرتكز على التزام أصلي ويعمل على ضمان الوفاء به، فهو تابع لهذا الالتزام في وجوده وفي صحته وفي انقضائه لأن الفرع يتبع الأصل ومنه ينقضي التزام الكفيل بنفس الأسباب العامة التي ينقضي بها الالتزام المكفول هذا بالإضافة إلى بعض الأسباب الخاصة التي قد ينقضي بها التزام الكفيل دون أن ينقضي الالتزام الأصلي.

المطلب الأول: الأسباب العامة لانقضاء عقد الكفالة:

وفي هذه الجزئية أيضا يوجد الأسباب العامة لانقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية وبصفة تبعية.

الفرع الأول : انقضاء عقد الكفالة بصفة تبعية: تنقضي الكفالة هنا بالأسباب العامة وهي

أولا: انقضاء الالتزام الأصلي بالوفاء أو ما يقوم مقام الوفاء حيث إذا وفى المدين بالدين الذي عليه برأت بذلك ذمته وبالتبعية تبرأ ذمة الكفيل معه وهذا في حال الوفاء الكلي، أما إذا كان الوفاء جزئيا فإن ذمة الكفيل لا تبرأ إلا بقدر ما وفاه المدين، أما إذا وفى بالدين شخص آخر حل الموفي محل الدائن الذي استوفى حقه ونفس الحكم في حوالة الحق إذا أحال الدائن حقه إلى دائن آخر فإن الدين يبقى قائما بكل ضماناته بما في ذلك الكفالة (م 243 من ق. م)، أما إذا قام المدين بإحالة التزامه لشخص آخر فإن الدين يظل قائما إلا أنه بتغير شخص المدين فإن التزام الكفيل ينقضي إلا إذا وافق هذا الكفيل على ضمان المدين الجديد ( م 254 من ق. م )

أما فيما يتعلق بالوفاء بمقابل فقد نصت عليه المادة 655 من ق. م: " إذا قبل الدائن شيئا آخر في مقابل الدين برئت بذلك ذمة الكفيل ولو استحق هذا الشيء ". ويستخلص من النص أنه في حال اتفاق الدائن مع المدين على تعويض الدين الأصلي بنقل ملكية شيء آخر فإنه تبرأ ذمة المدين بهذا الوفاء بمقابل وتبرأ تبعا لذلك ذمة الكفيل حتى ولو استحق هذا الشيء بعد ذلك لشخص آخر.

أما عن انقضاء الدين المكفول بالتجديد بأن جدد المدين الأصلي دينه لتغير الدائن أو المدين أو الدين في محله أو مصدره (م 291 و293 من ق. م) فإن الدين المكفول ينقضي وتنقضي معه الكفالة بصورة تبعية ويحل محل الدين المكفول دين جديد لا تنتقل إليه التأمينات التي كانت تكفل الدين المكفول منها الكفالة.

كما ينقضي الدين المكفول بالإنابة (م 294 ق. م وما يليها) والمقصود هنا الإنابة الكاملة وهي التي يترتب عليها انقضاء الالتزام المكفول وهي أن يتفق فيها أن ينقضي التزام المنيب (المدين) ليحل محله التزام جديد وهو المناب في مواجهة المناب لديه (الدائن)، والإنابة الكاملة هي تجديد الالتزام بتغيير شخص المدين، أي تبرأ ذمة المنيب اتجاه المناب لديه ويترتب على ذلك انقضاء التأمينات الضامنة لهذا الالتزام ومنها الكفالة فتبرأ ذمة الكفيل في مواجهة الدائن ما لم يرض بكفالة المدين الجديد، أما بالنسبة للإنابة الناقصة فلا يوجد هناك تجديد للالتزام وبالتالي لا ينقضي الالتزام القديم ولا تنقضي التأمينات الضامنة له حيث يقوم التزام المدين الأصلي (المنيب) بجانب التزام المنوب عنه ويكون للدائن مدينان بدلا من واحد.

أما فيما يخص انقضاء الدين المكفول بالمقاصة وهي أن يصبح المدين المكفول دائنا للدائن وتوافرت شروط المقاصة المنصوص عليها في المادة 297 من ق. م انقضى التزام المكفول بقدر ما ترتب في ذمة الدائن وانقضى بالتبعية التزام الكفيل بهذا القدر.

أما عن اتحاد الذمة (م 304 من ق. م) ينقضي الالتزام إذا اجتمعت في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة لدين واحد وبالقدر الذي اتحدت فيه الذمة، كأن يرث المدين الدائن أو يوصي الدائن لمدينه بالدين ومتى انقضى الالتزام الأصلي المكفول انقضى معه التزام الكفيل.

ثانيا: انقضاء الالتزام الأصلي دون الوفاء وهنا ينقضي الالتزام الأصلي في حالات معينة وهي الإبراء (م 305 من ق. م) حيث إذا أبرأ الدائن مدينه فإن التزام المدين ينقضي وينقضي معه التزام الكفيل بالتبعية، أما في حال إبراء ذمة الكفيل فلا يترتب على ذلك إبراء ذمة المدين الأصلي.

كما ينقضي الالتزام الأصلي بالنسبة للمدين إذا استحال تنفيذه لسبب أجنبي لا يد له فيه وهو من يثبت هذه الاستحالة، وينقضي معه بالتبعية التزام الكفيل.

هذا وينقضي التزام المدين الأصلي بالتقادم وينقضي معه التزام المكفول بالتبعية ولو لم مدة التقادم الخاصة به، كما قد يزول الدين المكفول بفسخ العقد الذي أنشأه أو إبطاله فيصبح الدين كأن لم يكن وتصبح الكفالة كأنها لم تكن تبعا للدين المكفول.

الفرع الثاني: انقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية وهناك حالات أخرى أو بمعنى أصح من الأسباب العامة التي تؤدي إلى انقضاء عقد الكفالة وهي في حال اتحاد الذمة حيث إذا ورث أحدهما الآخر ونقصد هنا الكفيل والدائن فيترتب على ذلك انقضاء التزام الكفيل دون الالتزام المكفول، أما إذا ورث الكفيل المدين وهنا تتحد صفة الكفيل والمدين في شخص واحد لذلك لا تنقضي الكفالة.

كما ينقضي التزام الكفيل بالإبراء حيث إذا أبرأ الدائن الكفيل من الكفالة برأت ذمة هذا الكفيل دون أن ينقض الالتزام الأصلي (الدين المكفول)، أما العكس غير صحيح فلا يجوز للدائن أن يبرأ ذمة المدين الأصلي دون أن تبرأ ذمة الكفيل.

هذا وينقضي التزام الكفيل بالتقادم دون أن ينقضي الدين المكفول.

المطلب الثاني: الأسباب الخاصة لانقضاء عقد الكفالة بصفة أصلية: وهناك ثلاث حالات تنقضي فيها الكفالة دون أن ينقضي الالتزام المكفول.

الفرع الأول: براءة ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من ضمانات ونصت على ذلك المادة 656 السابق ذكرها وهذا السبب مقرر لحماية الكفيل لأنه إذا وفى الدين فإنه يحل محل الدائن فيما له من حقوق ومعناه أنه إذا كانت هناك تأمينات تضمن نفس الدين المضمون بالكفالة فإن الكفيل الذي يوفي بهذا الدين يكتسب هذه التأمينات كلها في رجوعه على المدين أو على غيره من الكفلاء، فإذا أضاع الدائن بخطئه تأمينا من هذه التأمينات فإنه يكون بذلك قد ضيع على الكفيل الذي حل محله فرصة في استيفاء حقه ويكون الجزاء في ذلك هو براءة ذمة الكفيل في مواجهة الدائن بقدر ما أضاعه هذا الدائن من تأمينات.

الفرع الثاني : براءة ذمة الكفيل لعدم اتخاذ الدائن الإجراءات في مواجهة المدين بعد إنذار الكفيل له بضرورة اتخاذها: وهي طريقة لحماية الكفيل من تقصير الدائن أو إهماله وقد نص عليها المشرع في نص المادة 657 من ق. م وهي الحالة التي يتباطأ فيها الدائن باتخاذ الإجراءات للمطالبة بالدين رغم حلول الأجل أو يتأخر في اتخاذها، وقد قرر المشرع للكفيل حقه في إنذار الدائن باتخاذ هذه الإجراءات فإن لم يتخذها خلال ستة أشهر من تاريخ هذا الإنذار برأت ذمة الكفيل، والحكمة من هذا هو حماية الكفيل حتى لا يبقى ملتزما بعقد الكفالة إلى ما لا نهاية.

الفرع الثالث:  براءة ذمة الكفيل لعدم تقدم الدائن في تفلسة المدين: ونصت على هذه الحالة المادة 658 من ق. م:" إذا أفلس المدين وجب على الدائن أن يتقدم بدينه في التفليسة وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما أصاب هذا الأخير من ضرر بسبب إهمال الدائن".  يتضح من خلال النص أنه في حال إفلاس المدين يجب على الدائن أن يتقدم في التفليسة وإذا أهمل ذلك تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أصابه من ضرر جراء ذلك أي بقدر ما كان الدائن سيحصل عليه لو تدخل في تفليسة المدين ويجب على الكفيل التمسك بهذا الحق سواء في شكل دفع أو دعوى لأنه ليس من النظام العام والقاضي لا يثيره من تلقاء نفسه. 

 

 

القسم الثاني التأمينات العينية

مقدمة

بالرغم ما توفره الكفالة من ضمان للدائن إلا أنها تبقى ضمانا غير كاف، فالكفيل قد يصيبه ما يصيب المدين من إعسار أو إفلاس فيفقد الدائن الضمان، لذلك كان من الضروري إيجاد ضمانات أخرى تحفظ حق الدائن فظهرت فكرة التأمينات العينية بحيث يتمتع الدائن بالأفضلية على غيره من الدائنين، فالتأمينات العينية تقوم على تخصيص مال معين من أموال المدين لضمان الوفاء بالدين فهي تحقق حماية للدائن من خطر تصرف المدين بأمواله.

فالتأمين العيني يخول للدائن حق تتبع المال في أي يد كان كما يقي الدائن من مزاحمة الدائنين العاديين فيحق له التقدم عليهم في استيفاء حقه من ثمن العين التي ورد عليها التأمين، كما أنها تحقق فائدة كبيرة للمدين وهي ثقة الدائن فيه .

والتأمينات العينية أنواع فتنقسم حسب مصدرها إلى : تأمينات عينية قانونية أو اتفاقية أو قضائية، وتقسم من حيث انتقال الحيازة إلى تأمينات تنتقل فيها الحيازة كالرهن الحيازي وتأمينات لا تنتقل فيها الحيازة كالرهن الرسمي، ومن حيث موضوع التأمين تنقسم إلى تأمينات ترد على المنقول وتأمينات ترد على العقار، وسنقتصر في دراستنا هذه على قسمين هما الرهن الرسمي، والرهن الحيازي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول : الرهن الرسمي

المبحث الأول: تعريف الرهن الرسمي وخصائصه نعالج في هذا المبحث تعريف الرهن الرسمي في المطلب الأول، ثم نتناول خصائصه التي تميزه عن غيره من العقود في المطلب الثاني.

المطلب الأول: تعريف الرهن الرسمي   عرفت المادة 882 من ق. م الرهن الرسمي بأنه:" الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان".

يشير التعريف إلى أن الدائن المرتهن يستوفي حقه من ثمن العقار فقط، في حين أنه يمكن أن يستوفي الدائن حقه من ثمن العقار أو من أي شيء يحل محله حسب نص المادة 907 من ق. م التي تنص:" يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم تجاه الدائنين العادين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار، بحسب مرتبة كل منهم ولو كانوا أجروا القيد في يوم واحد"، كما نفهم من نص المادة 882 أن الرهن الرسمي يطلق على العقد الذي يترتب به للدائن حق عيني على عقار مخصص لوفاء دينه ، كما يطلق على الحق العيني نفسه الذي ترتب للدائن ضماناً لوفاء دينه.

فالرهن الرسمي إذن هو حق عيني ينشأ بموجب عقد رسمي هو الرهن ، ويتقرر ضماناً للوفاء بدين . وهذا الحق العيني يتقرر على عقار ، مملوك للمدين أو لكفيل عيني . وبموجبه يكون للدائن الحق في استيفاء دينه من ثمن هذا العقار ، مقدما في ذلك على الدائنين العاديين لمالك هذا العقار وللدائنين أصحاب الحقوق العينية على هذا العقار المتأخرين في المرتبة ، ومتتبعاً هذا العقار تحت يد من انتقلت إليه ملكيته[33]

المطلب الثاني : خصائص الرهن الرسمي

نستخلص من خلال التعريف الذي أوردته المادة 882 من القانون المدني أن خصائص الرهن الرسمي تتمثل فيما يلي:

الفرع الأول: حق الرهن الرسمي حق عيني: لأنه يخول صاحبه سلطة مباشرة على مال معين يمكنه بموجبها استيفاء حقه منه،  فيعطي هذا الحق العيني للدائن حق التقدم على جميع الدائنين العاديين والدائنين المتأخرين في المرتبة ، كما يعطي حق التتبع في يد من تنتقل إليه ملكية العقار المرهون[34] .

 الفرع الثاني :حق الرهن الرسمي حق تبعي: وحق الرهن الرسمي حق تبعي للدين الذي يضمنه هذا الرهن، فلا يقوم هذا الحق إلا بقيام الدين المضمون به، وذلك لأنه ينشأ تابعا لحق أصلي لضمان الوفاء به، ويسير مع الدين وجوداً وعدماً وفي صحته وبطلانه، فإذا اعتور الالتزام عيب يؤدي إلى بطلانه أو إبطاله أو نقضه ، اختفى الرهن مع الالتزام،  حيث نصت المادة 893 من ق. م: " لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون، بل يكون تابعا له في صحته وفي انقضائه، ما لم ينص القانون على غير ذلك".

الفرع الثالث: حق الرهن الرسمي حق عقاري فهو يرد على العقار فقط لكن استثناءا يرد على بعض المنقولات وهي الطائرة السفينة المحل التجاري، فالرهن الرسمي يعطي للدائن المرتهن حقا عينياً عقارياً بجميع ما ينتج عن هذا الحق من مزايا وضمانات عينية، فيعطي هذا الحق العيني للدائن حق التقدم على جميع الدائنين العاديين والدائنين المتأخرين في المرتبة ، كما يعطي حق التتبع في يد من تنتقل إليه ملكية العقار المرهون[35] .

الفرع الرابع: حق الرهن الرسمي غير قابل للتجزئة: نصت المادة 892 من ق. م:" كل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامن لكل الدين، وكل جزء من الدين مضمون بالعقار أو العقارات المرهونة كلها، ما لم ينص القانون أو يقضي الاتفاق بغير ذلك".

وعدم التجزئة بالنسبة للعقار المرهون معناه أن كل جزء من العقار يضمن الدين بأكمله، أما عن عدم التجزئة بالنسبة للدين المضمون فمعناه أن كل جزء من هذا الدين يكون مضمونا بكامل العقار المرهون، حيث إذا وفى المدين بجزء من الدين فإن العقار لا يتحرر بنسبة تقابل ما تم وفاؤه من الدين بل يبقى الرهن كاملا ضامنا للوفاء بما تبقى، لكن يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين على أن يتحرر جزء من العقار كلما تم دفع جزء من الدين.

وإذا فرض أن عقارات متعددة مرهونة في دين واحد ، فإن كل عقار منها يبقى مرهوناً إلى أن يسدد الدين كله، ولا يكفي وفاء ما يقابل هذا العقار من الدين حتى يتخلص العقار من الرهن.

وأما بالنسبة إلى الدين المضمون ، فدعوى الرهن كذلك لا تتجزأ بناء على قاعدة أن الرهن غير قابل للتجزئة ، ويترتب على ذلك النتائج الآتية :

 1 -  إذا انقضى جزء من الدين المضمون، فإن العقار الضامن للدين يبقى ضامناً لما بقي من الدين، فلا يخلص منه ما يقابل ما انقضى من الدين المضمون،  فإذا كان ما انقضى هو ربع الدين مثلا ، بقي العقار كله ضامناً لثلاثة  أرباع الدين الباقية دون وفاء، ولا يخلص ربع العقار من الرهن .

2 - وإذا مات الدائن المرتهن وورثه ثلاثة أشخاص مثلا، فإن كل وارث من هؤلاء الثلاثة يكون له ثلث الدين المضمون بالرهن إذا كانت أنصبتهم في الميراث متساوية ،  ولكنه يستطيع أن ينفذ بحقه على كل العقار المرهون.

الفرع الخامس: عقد الرهن الرسمي عقد شكلي: حيث نصت المادة 883 من ق. م:" لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي أوحكم أو بمقتضى القانون" وعلى ذلك فقد أضفى المشرع الرسمية على عقد الرهن الرسمي، وذلك تحقيقا مصلحة الدائن المرتهن ليحصل على سند تنفيذي يغنيه عن الإجراءات التي تأخذ وقتا طويلا في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه عند حلول الأجل، كما أن الرسمية تحقق مصلحة للمدين في بقاء العقار في حيازته[36].

الفرع السادس :عقد الرهن الرسمي عقد ملزم لجانب واحد: لأنه لا ينشئ التزامات إلا في ذمة الراهن، إذ يفترض في الدائن أنه سبق وقد أقرض المدين أو مد له أجل الدين وهو مقابل التزام المدين الراهن، أما الدائن المرتهن فلا يلتزم بشيء في عقد الرهن ذاته لأنه حق الرهن قد تقرر لمصلحته.

الفرع السابع : عقد الرهن الرسمي عقد معاوضة: لأن المدين الراهن لا يتبرع للدائن المرتهن بالرهن بل يقدمه له كمقابل سواء كان هذا المقابل هو وفاء التزام تعهد به المدين اتجاه الدائن، أو كان المقابل هو تقديم قرض للمدين أو منحه أجلا.

المبحث الثاني: إنشاء الرهن الرسمي

 بما أن الرهن الرسمي عقد شكلي فلا ينشأ إلا إذا توفرت الشروط الشكلية والشروط الموضوعية لانعقاد عقد الرهن الرسمي.

المطلب الأول: الشروط الشكلية لإنشاء الرهن الرسمي:

يتطلب القانون حتى ينشأ العقد صحيحا من الناحية الشكلية توافر شرطين أساسين هما وجوب تحرير العقد عند الموظف العمومي المختص بالإضافة إلى البيانات المتعلقة بالعقار.

الفرع الأول: الرسمية في عقد الرهن الرسمي: ونصت عليها المادة 883 السابق ذكرها التي نصت على أن الرهن الرسمي لا ينعقد إلا بعقد رسمي (لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي أوحكم أو بمقتضى القانون )  بمعنى وجوب تحرير العقد أمام الموثق وإلا كان باطلا بطلانا مطلقا .

والعقد الرسمي عرفه المشرع الجزائري في المادة 324 من القانون المدني كالأتي : ( العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقا للأشكال القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه )، وحتى يكتسي المحرر المتضمن التصرف القانوني المنصب على العقار صبغة الرسمية فإنه يجب أن يحرر من طرف موظف عام أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة بل يجب على الشخص المؤهل لتحرير هذه المحررات أن يكون صاحب ولاية واختصاص في تحريرها حتى تثبت لها الحجية التي يتطلبها القانون[37]، وعليه فشروط العقد الرسمي:

1 -  تحريره من طرف موظف عمومي

2 - أن يكون ذا ولاية عند تحرير العقد  أي أن يكون مزاولا لعمله عند تحرير الورقة الرسمية أي يجب ألا يكون تحت طائلة عقوبة العزل،  إذ لا يجوز له تحرير العقد بعد صدور قرار العزل وتبليغه.

3 - أن يكون الموظف مختصا إقليميا ونوعيا.

الفرع الثاني: بيانات التخصيص في عقد الرهن الرسمي: طبقا للمادة 886 من القانون المدني الجزائري (لا يجوز أن ينعقد الرهن إلا على عقار ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك. ويجب أن يكون العقار المرهون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني، وأن يكون معينا بالذات تعيينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه، وأن يرد هذا التعيين إما في عقد الرهن ذاته أو في عقد رسمي لاحق، وإلا كان الرهن باطلا) .

يشترط في الرهن الرسمي ذكر البيانات المتعلقة بالتخصيص ويقصد بها البيانات التي تحدد العقار أو العقارات المرهونة، كما تحدد طبيعة العقار وموقعه ومساحته وحدوده وتاريخ الدين ومصدره ومحله ومقداره، ويجب أن تكون هذه البيانات كافية لتميز العقار المرهون من غيره وتخصيص الدين المضمون ومداه وإلا فإن الرهن لا ينعقد.

الفرع الثالث: نفقات عقد الرهن الرسمي : تنص الفقرة الثانية من المادة 883 من القانون المدني الجزائري :  ( وتكون مصاريف العقد على الراهن ، إلا إذا اتفق على غير ذلك ). فالأصل أن تكون نفقات العقد على المدين الراهن، فهو الطرف الملزم في هذا المعقد فيتحمل جميع نفقات العقد .

ومن نفقات العقد نفقات الكتابة ، ورسوم الورقة الرسمية التي لا بد منها لانعقاد الرهن أي رسوم التوثيق، والنفقات اللازمة لاستخراج الشهادات العقارية،  وغير ذلك من النفقات التي يستلزمها العقد .

ومع ذلك يجوز الاتفاق على غير ما تقدم، فيتفق الدائن المرتهن مع مالك العقار المرهون على أن تكون نفقات العقد مناصفة بينهما أو بنسب معينة ، أو أن يتحمل الدائن المرتهن وحده جميع نفقات العقد .

وإذا كان مالك العقار المرهون هو غير المدين أي كفيل عيني ، فإن نفقات العقد تكون على هذا الكفيل العيني لأنه الراهن، إلا إذا اتفق على غير ذلك ، ولكن ذلك كله إنما يكون في العلاقة فيما بين مالك العقار المرهون والدائن المرتهن، ولا يمنع من رجوع مالك العقار المرهون بمصروفات العقد التي دفعها على المدين لأنه هو الذي استفاد من العقد فيلتزم بنفقته.

الفرع الرابع : شهر الرهن الرسمي

اشترط المشرع شهر الرهن الرسمي او ما يسمى بقيده حتى يصبح نافذا في حق الغير ويكون بموجبه حينئذ  للدائن أن يستعمل حق التقدم وحق التتبع.

أولا: المقصود بقيد الرهن القيد هو الاجراء الذي يستهدف منه شهر الرهن حتى يكون حجة على الغير و نافذا في حقهم،  وذلك باطلاع هذا الغير قبل تعامله في العقار المرهون مما يتقبله من رهن رسمي فيصبح الرهن معلوما لدى الجميع.

فالقيد هو الوسيلة التي يتم بها شهر الحقوق العينية التبعية على العقارات، و يتم القيد في مكتب الشهر العقاري الذي يقع في دائرة اختصاصه العقار المرهون، وإذا ورد الرهن على عدة عقارات تقع في دوائر اختصاص متعددة فإنه يجب شهر كل رهن في دائرة اختصاص العقار المرهون .

ثانيا: من هو الغير عند القيد: الغير يقصد به كل شخص يتضرر من استعمال الدائن لحق التقدم وحق التتبع، فيشمل كل من له حق عيني تتبعي على العقار المرهون كالدائنين المرتهنين لنفس العقار، ومن له حق الاختصاص على العقار المرهون، والدائن المرتهن رهن حيازة للعقار المرهون، ومن له عليه حق امتياز، وكذا الدائنون العاديون للمدين الراهن، كما يشمل أيضا من لهم حقوق عينيه أصليه على العقار المرهون كالمشتري للعقار المرهون، وبائع العقار المرهون الذي لم يستلم ثمنه بعد، ومن له حق الانتفاع أو حق الحكم أو ملكية الرقبة على هذا العقار لانهم جميعا يضارون بوجود الرهن الرسمي[38].

المطلب الأول: الشروط الموضوعية لإنشاء الرهن الرسمي:  

ينشأ عقد الرهن الرسمي بموجب عقد يراعى في إبرامه الشروط المقررة في القواعد العامة التي تشمل الرضا والمحل والسبب بالإضافة إلى الشكل الرسمي وطرفي الرهن هما الدائن المرتهن والمدين الراهن هذا الأخير قد يكون هو المدين نفسه لكن قد يكون شخص آخر يرهن ماله لضمان الوفاء بدين غيره وفي هذه الحالة يسمى بالكفيل العيني نص عليها المشرع في المادة 884 من ق. م:" يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهنا لمصلحة المدين.

الفرع الأول: تخصيص العقار المرهون: لا يرد الرهن الرسمي كأصل عام إلا على عقار، وينبغي أن يكون هذا العقار معينا في العقد تعينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه،  ويجب أن يكون مملوكا للراهن كما يمتد الرهن إلى ملحقات العقار بقوة القانون.

أولا: تعين العقار تعينا دقيقا: حيث نصت المادة 886 ف 02 من ق. م:" ويجب أن يكون العقار المرهون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني، وأن يكون معينا بالذات تعينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه، وأن يرد هذا التعيين إما في عقد الرهن ذاته أو في عقد رسمي لاحق، وإلا كان الرهن باطلا".

وهذا المادة تقرر في عبارة واضحة  مبدأ تخصيص الرهن بالعقار المرهون، والمقصود بتخصيص الرهن أن يتقرر الحق على عقار معين بالذات، وليس على كل أموال المدين، فالرهن في صورته الحديثة هو رهن خاص، وليس رهنا عاماً، ومبدأ تخصيص الرهن المقصود به القضاء على فكرة الرهن العام الذي يرد على كل أموال المدين دون تخصيص .

والرهن العام له أضرار كثيرة بمصلحة الأطراف الخاصة، وبالمصلحة العامة، فالمدين الذى يرهن كل أمواله ضماناً للوفاء بدين للمدائن يستنفد في تصرف واحد كل ما يمكن الحصول عليه من إئتمان، وتتعطل كذلك سلطته في التصرف في أمواله ، لأن الفرض أنها جميعاً مرهونة ، ومن الصعب التصرف في مال مرهون[39] .

ويترتب على هذا مساس بفكرة الائتمان في المجتمع ، وتعطيل للتصرفات الواردة على العقارات ، وفى هذا ضرر للمصلحة العامة لا شك فيه، والواقع أن المدين الذى يلجأ إلى الرهن العام ، يخضع في الغالب لضغط حاجته إلى الائتمان ، وإلى مبالغة الدائن الذي يستغل فيه هذه الحاجة.

فالمشرع يسعى إلى القضاء أو التقليل من الرهن العام دون تخصيص، غير أن القانون لا يمنع هذا المدين من رهن كل أمواله مع تخصيص كل منها، فيذكر في عقد الرهن كل عقار يرهنه بالذات ، ولو أدى ذلك بالنظر إلى مجموع العقارات المرهونة إلى رهن أموال المدين كلها، ففى التخصيص حتى فى هذه الصورة الأخيرة تنبيه للمدين لحقيقة التصرف المقدم عليه، بخلاف ما إذا ورد الرهن العام في مجرد عبارة بمقتضاها يرهن المدين كل أمواله[40]  .

وتعيين العقار المرهون ينبغي أن يكون دقيقاً من حيث طبيعته وموقعه ، فيذكر ما إذا كان قطعة أرض أو منزل، وإسم المدينة التي يوجد بها، وتحديد ما إذا كان العقار عبارة عن قطعة أرض زراعية، وحدودها ... الخ، وكذلك إسم الشارع إذا كان المرهون منزلا ، ورقمه وحدوده . . الخ .

لكنه إذا تم إغفال أحد البيانات، ولم يكن لها تأثير على التعيين أي لم يمنع هذا من إعتبار العقار معيناً تعييناً دقيقاً، فلا يترتب على هذا الإغفال أى أثر ، إذ الفكرة التي نصت عليها المادة هي تعيين العقار بما ينفى عنة الجهالة[41].

ثانيا: ملحقات العقار المرهون: يقتصر مبدأ تخصيص الرهن على اشتراط تعيين العقار المرهون ذاته تعينا دقيقا دون اشتراط تحديد ملحقات العقار المرهون، نص المشرع على شمول العقار المرهون لملحقاته وأعطى أمثلة عنها في المادة 887 من ق. م: ( يشمل الرهن ملحقات العقار المرهون التي تعتبر عقارا، ويشمل بوجه خاص حقوق الارتفاق والعقارات بالتخصيص وكافة التحسينات والإنشاءات التي تعود بالمنفعة على المالك، ما لم يتفق على غير ذلك، مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين والمهندسين المعماريين المنصوص عليه في المادة 997 )

وهذا النص يجعل الرهن يمتد إلى ملحقات العقار المرهون ، لأن هذه الملحقات تابعة للعقار المرهون فتكون مرهونة مثله وقد ذكر النص بعض الملحقات على سبيل المثال وهي :

1 - حقوق الارتفاق : ويقصد بها حقوق الارتفاق الإيجابية التي تكون تابعة للعقار المرهون، فيكون هذا العقار عقاراً مرتفعا، له ارتفاق على عقارات أخرى مجاورة . ذلك أن حق الارتفاق يتبع العقار الذي يخدمه ، فلا ينفصل عنه[42] .

2 - العقارات بالتخصيص : والعقار بالتخصيص هو منقول بطبيعته يملكه مالك العقار ولكن رصده على خدمة العقار واستغلاله، فهو بذلك يتبع العقار في مصيره بيعاً أو رهناً أو أي تصرف آخر ، كالماشية والآلات الزراعية وأدوات النقل والسماد والبذور والمفروشات المخصصة لخدمة فندق والآلات المخصصة لخدمة مصنع ونحو ذلك، فلا يجوز فصله عن العقار، وإلا أصبح منقولا لا يجوز رهنه رهناً رسمياً، وتدخل العقارات بالتخصيص مع العقار المرهون في الرهن ، دون حاجة إلى ذكر ذلك ، لأن هذه العقارات بالتخصيص تتبع العقار الأصلي ، فتصبح مرهونة مثله[43].

3 - التحسينات والإنشاءات : قد يحدث مالك العقار المرهون بعض التحسينات ويقيم بعض المنشآت ، فتدخل ضمناً في الرهن باعتبارها تابعة للعقار المرهون دون حاجة إلى اتفاق خاص على ذلك، و المقصود بالتحسينات هنا فهو ما يصنعه صاحب العقار المرهون بنفسه، كتوسيع غرف المنزل وإعادة حديقة له وتيسير سبيل المرور إليه من الطريق العام ، فكل ما يصنع من ذلك يعتبر تحسيناً يدخل ضمن الرهن،  وكذلك الإنشاءات التي يقوم بها صاحب العقار المرهون ، كزيادة  طابقً أو استحداث بناء على الأرض المرهونة أو إضافة  ملاحق للعقار تزيد من قيمته ، كل هذه تعتبر إنشاءات تتبع العقار المرهون وتدخل معه في الرهن[44].

ويستوي أن تكون التحسينات والإنشاءات قد حدثت قبل عقد الرهن أو حدثت بعد ذلك ، فما دامت قد أصبحت عقاراً ملحقاً بالعقار الأصلي المرهون ، فإنها تدخل معه في الرهن . وتدخل التحسينات والإنشاءات أياً كانت قيمتها ، ولو زادت القيمة على العقار الأصلي المرهون نفسه.

4 - شمول الرهن للثمار من وقت إلحاقها بالعقار:

تنص المادة 888 من القانون المدني الجزائري على : ( توقف وتوزع ثمار العقار المرهون وإيراده مثلما يوقف ويوزع ثمن العقار ابتداء من تسجيل نزع الملكية الذي هو بمثابة الحجز العقاري)

ويؤخذ من هذا النص أن ثمار العقار المرهون تلتحق بهذا العقار، ويجري في توزيعها ما يجري في توزيع ثمن العقار، من وقت إلحاق الثمار بالعقار عند الشروع في نزع ملكية العقار، سواء كان نازع الملكية هو الدائن المرتهن أو أي دائن آخر ولو كان دائناً عادياً ، أما قبل إلحاق الثمار بالعقار ، فالثمار من حق صاحب العقار المرهون وله قبضها.

5 - رهن المباني القائمة على أرض الغير رهنا رسميا:  تنص المادة 889 من القانون المدني الجزائري: ( يجوز لمالك المباني القائمة على ارض الغير أن يرهنا ، وفي هذه الحالة يكون للدائن المرتهن حق التقدم في استيفاء الدين من ثمن الأنقاض إذا هدمت المباني ، ومن التعويض الذي يدفعه مالك الأرض إذا استبقى المباني وفقاً لأحكام الخاصة بالالتصاق )

 ويؤخذ من هذا النص أنه يجوز لغير مالك الأرض أن يقيم على الأرض مباني يتملكها ، فتكون الأرض مملوكة لشخص والمباني مملوكة لشخص آخر ، ومثال ذلك أن مستأجراً للأرض أو صحاب حق انتفاع أو مجرد حائز حصل من صاحب الأرض على الحق في إقامة منشآت في الأرض على أن تبقى هذه المنشآت ملكه ، فإذا انقضت المدة المتفق عليها كان لمالك الأرض أن يستبقي المباني التي يتملكها بموجب حق الالتصاق ويعطي لصاحب المباني التعويض المتفق عليه أو التعويض الذي يحدده القانون طبقاً لقواعد الالتصاق ، أو أن يطلب من صاحب المباني هدمها وأخذ أنقاضها أو بيع هذه الأنقاض .

فإذا رهن المبانيَ مالكُها رهناً رسمياً، وحل الدين المضمون بالرهن قبل أن يستعمل صاحب الأرض خياره ، كان لصاحب المباني أن يفي بالدين ، وإلا نزع الدائن المرتهن ملكيته المباني المرهونة لاستيفاء دينه من ثمنها، وقد يبيع صاحب المباني مبانيه وهي مرهونة ، فيجوز للدائن المرتهن أن يتتبع المباني وهي في يد الحائز ، وينفذ عليها بدينه كما يفعل أي دائن مرتهن بالنسبة إلى العقار المرهون إذا باعه صاحبه إلى حائز.

ثالثا: يجب أن يكون العقار مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني: وهذا حسب المادة 886 ف 02 من ق. م (ويجب أن يكون العقار المرهون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني ) حيث لا يجوز رهن الأملاك العامة المملوكة للدولة وأموال الوقف .

الفرع الثاني :تحديد الدين المضمون: يتقرر الرهن لضمان الوفاء بالتزام معين حيث هو عقد تابع لا يقوم بذاته لكن يستند دوما على التزام سابق أي يستند إلى دين يعمل على ضمان الوفاء به، وتحديد الدين المضمون من الشروط الموضوعية الخاصة لصحة الرهن بحيث قد يكون هذا الدين معلقا على شرط أو دين مستقبلي أو حتى احتمالي فيجوز أن يكون محلا للرهن الرسمي.

نصت عليه المادة 891 من ق. م: " يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبل أو دين احتمالي، كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار، على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين".

ويتحدد الدين بأمرين اثنين هما :

مقدار الدين : فيحدد هذا المقدار إذا كان ديناً ميعناً ، من رأس مال وفوائد ومتى يبدأ سريان الفوائد . ويستوي في ذلك الدين المنجز والدين المؤجل والدين المعلق على شرط ، فهذه كلها ديون يمكن ضمانها بالرهن[45]

مصدر الدين: فيجب إلى جانب تحديد مقدار الدين تحديد مصدره أيضاً ، هل هو عقد وأي عقد يكون أو هو عمل غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو إرادة منفردة أو هو القانون . فقد يكون الدين المضمون ثمناً في عقد بيع أو قرضاً أو إيراداً مدى الحياة أو شرطاً في عقد هبة أو التزاماً بعمل أو تعويضاً عن عمل مشروع ، وقد يكون ديناً معلقاً على شرط و مضافاً إلى أجل أو منجزاً ، كما قد يكون ديناً مستقبلا أو ديناً احتمالياً ، وهكذا تتنوع الديون بتنوع مصادرها[46].

المبحث الثالث: آثار الرهن الرسمي

يرتب الرهن الرسمي آثارا فيما بين المتعاقدين وآثارا في مواجهة الغير لأنه حق عيني نافذ في مواجهة الغير، وسنتطرق في هذا المبحث إلى الآثار التي تترتب على الرهن بين المتعاقدين في المطلب الأول، ثم الآثار التي تترتب في مواجهة الغير في المطلب الثاني .

المطلب الأول: آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين

ينشئ عقد الرهن الرسمي التزاما أساسيا على عاتق المدين الراهن وهو ترتيب حق الرهن الذي ينشأ بموجب العقد فإذا كان المدين الراهن مالكا للعقار المرهون وهذا شرط لصحة عقد الرهن فإن حق الدائن المرتهن ينشأ بمجرد العقد ولا يتوقف نشأته على إجراء لاحق كإجراء الشهر.

          من هنا يمكن القول أن الدائن المرتهن يستطيع التنفيذ على العقار المرهون قبل أن يتخذ أي إجراء من إجراءات الشهر وهذا ما نصت عليه المادة 902 من ق. م: " يمكن للدائن بعد التنبيه على المدين بالوفاء، أن ينفذ بحقه على العقار المرهون ويطلب بيعه في الآجال ووفقا للأوضاع المقررة في قانون الإجراءات المدنية".

الفرع الأول : العلاقة بين الملكية والرهن لا يؤثر الرهن في الملكية شيئا وتبقى حقوق المالك على العقار المرهون كاملة تقريبا لا تتقيد إلا بالقدر اللازم لعدم الإضرار بالدائن المرتهن مستقبلا.

أولا: بقاء الملكية للمدين الراهن: أهم ما يتميز به الرهن الرسمي هو أن الراهن يحتفظ بحقه في ملكية العقار المرهون بكل ما يخوله هذا الحق من سلطات الاستعمال الاستغلال والتصرف، وسنتعرض لسلطات المالك والتزاماته.

ثانيا:  سلطات المالك : يملك المدين الراهن سلطة التصرف في العقار المرهون باعتباره مالكا

1 - سلطة التصرف: جاء في المادة 894 من ق. م:" يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون، على أن أي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن".

لا يفقد الراهن في الرهن الرسمى ملكية العقار المرهون ولا حق التصرف فيه، فهو يستطيع أن يبيع العقار أو يقايض عليه أو يهبه، ولكن الملكية تنتقل مثقله بالرهن ، مادام الرهن قد تم قيده قبل تسجيل البيع أو المقايضة أو الهبة،  كذلك يستطيع الراهن أن يقرر على العقار حقاً عينيا أصليا كحق انتفاع أو حق ارتفاق، ولكن هذه الحقوق لا تُنفَذ قبل الدائن المرتهن ، ويستطيع الراهن أخيراً أن يرتب على العقار المرهون حق رهن آخر، رسميا كان أو حيازيا ، ولكن حق الرهن الأول يتقدم على كل هذه الحقوق[47]  .

أ - بيع الراهن للعقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل: تصرف المدين الراهن في العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل إذا كان لا يشكل خطرا كبيع الثمار مثلا.

أما إذا كان التصرف في العقار باعتباره منقولا بحسب المآل كأن يبيع الراهن المنزل المرهون أنقاضا ويستولي المشتري على أنقاضه حيث لا يمكن للدائن تتبع الأنقاض لأن المشتري سيحتج بحيازته لها والحيازة في المنقول سند الملكية وهنا يستطيع الدائن الرجوع على المدين المرتهن بضمان التعرض[48].

ب - بيع العقارات بالتخصيص: إذا تصرف المدين الراهن في هذه العقارات بالتخصيص فسيؤدي هذا إلى ضرر محقق في حق الدائن المرتهن لأن هذا التصرف يؤدي إلى فصل العقارات بالتخصيص عن العقار المرهون ورجوعها إلى طبيعتها المنقولة وانتقال ملكيتها لشخص آخر لا يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع هذه المنقولات لاستيفاء دينه إذا تمسك هذا الشخص بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، وهذا التصرف ينطوي على تعرض من الراهن يلزمه بالضمان في مواجهة المرتهن.

ورغم صحة بيع العقارات بالتخصيص فإنه لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إذا صدر بعد قيد الرهن، ومقتضى هذا أن ولذلك يحق الدائن المرتهن إذا لم يفصل العقار بالتخصيص  أن لا يعتد بتخلف شرط وحدة المالك للعقار والمنقول، ويعتبر الملكية لازالت باقية للراهن، وأن العقار بالتخصيص لازال محتفظا بصفته العقارية، وبالتالي لا يجوز للمشترى أن يفصلة عن العقار الأصلى.

وله كذلك إذا فصل العقار بالتخصيص فعلا، أن يسترده من المشترى إذا كان سيء النية، ولن يستطيع هذا الأخير أن يتمسك بحيازته في هذه الحالة، أما إذا انتقلت حيازة العقار بالتخصيص بعد فصله إلى حائز حسن النية فان حق الدائن المرتهن في تتبع المنقول ينقضى، لأن الحائز يستطيع دائما أن يحتج بحيازته للمنقول بحسن النية، وكل ما يستطيعة الدائن المرتمن هو أن يحجز تحت يد الحائز ثمن بيع العقار بالتخصيص إذا كان لم يدفعه للراهن بعد[49] .

2 - سلطة الاستغلال: إن سلطة المدين الراهن في استغلال العقار المرهون تقوم على عدة أفكار أولها أن الراهن يحتفظ بالسيطرة على العقار المرهون وحيازته وبالتالي سلطة استغلاله وجني ثماره.

ـ الإيجار: تنص المادة 896 من ق. م:" الإيجار الصادر من الراهن لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية، أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه، أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة، فلا يكون نافذا إلا إذا أمكن اعتباره داخلا في أعمال الإدارة الحسنة.

وإذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته على تسع سنوات، فلا يكون نافذا في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع سنوات، ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن".

وطبقا لهذا النص إذا كان الإيجار مسجلا قبل قيد الرهن فهو ينفذ في حق الدائن المرتهن أيا كانت مدته ولو كانت تزيد على تسع سنوات، أما إذا كان الإيجار غير مسجل قبل قيد الرهن فينبغى حتى ينفذ في مواجهة الدائن المرتهن أن يكون ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية، وفي هذه الحاله لا ينفذ لمده تزيد على تسع سنوات، ومده التسع سنوات ينبغي أن تحسب من تاريخ بدء الإيجار، بحيث إذا كانت قد إنقضت مثل هذه المدة قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية لم يعد الإيجار نافذاً فى مواجهة الدائن المرتهن.

المخالصة بالأجرة: نظم المشرع قبض الأجرة مقدما في المادة 897 من ق. م: ( لا تكون المخالصة بالأجرة مقدما لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات ولا الحوالة بها كذلك نافذة في حق الدائن المرتهن، إلا إذا كان تاريخها ثابتا وسابقا لتسجيل تنبيه نزع الملكية. وإذا كانت المخالصة أو الحوالة لمدة تزيد على ثلات (3) سنوات فإنها لا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن إلا إذا سجلت قبل قيد الرهن وإلا خفضت المدة إلى ثلات (3) سنوات مع مراعاة المقتضى الوارد في الفقرة السابقة )

3 - سلطة الاستعمال: إذا كان للمدين الراهن الحق في التصرف في العقار المرهون ببيعه أو مقايضته أو هبته وكذا الحق في استغلاله بجني ثماره وتأجيره وقبض أجرته وتحويلها، فله الحق أيضا في أن يستعمله بنفسه، فمسألة استعمال العقار لا تثير أي إشكال قانوني أو عملي، فمثلا إذا كان العقار المرهون منزلا وكان المدين الراهن يستعمله للسكن فيبقى ساكنا فيه دون أجرة[50].

الفرع الثاني : التزامات المدين الراهن

أولا:  التزام الراهن بالضمان: إن احتفاظ الراهن بسلطات المالك يقابله التزامه بضمان سلامة الرهن في مواجهة الدائن المرتهن، والمساس بسلامة الرهن قد يأتي من المدين نفسه أو من الغير أو بسبب أجنبي، وفي جميع هذه الحالات يستطيع الدائن المرتهن أن يعترض على الأعمال التي تمس بسلامة الرهن ويطلب بوقفها

نص المادة 900 من ق. م:" إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان، انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك من مبلغ التعويض عن الضرر أو مبلغ التأمين أو الثمن المقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة".

ثانيا: التنفيذ على العقار

   إذا حل أجل الوفاء بالدين ولم يقم المدين بالوفاء اختيارا كان للدائن المرتهن أن يتخذ إجراءات التنفيذ على العقار المرهون ببيعه في المزاد العلني واستيفاء حقه من ثمن البيع، من أجل ذلك فإن المرتهن لا يحتاج لاستصدار حكم من القضاء لمباشرة التنفيذ على العقار المرهون لأن عقد الرهن الرسمي يعد بمثابة سند تنفيذي يمكنه من التنفيذ مباشرة طبقا لإجراءات التنفيذ الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

ثالثا: وحدة إجراءات التنفيذ بالنسبة للمرتهن وغيره من الدائنين العادين: حيث لا يتميز الدائن المرتهن عن غيره من الدائنين العاديين فيما يتعلق بإجراءات التنفيذ التي يتخذها في التنفيذ على العقار المرهون، وقد عمل المشرع على التأكيد على بطلان الاتفاق بين الراهن والمرتهن على أن يتملك هذا الأخير العقار المرهون عند عدم الوفاء بالدين أو أن يتم بيع العقار دون مراعاة الإجراءات التي قررها القانون للتنفيذ على العقار وهذا حسب نص المادة 903 من ق. م:" يكون باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أيا كان، أو في أن يبيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن. غير أنه يجوز بعد حلول الدين أو قسط منه الاتفاق على أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه"

والحكمة المرجوة من بطلان اتفاق تملك المرتهن للعقار المرهون أو بيعه دون مراعاة للإجراءات هي حماية المدين الراهن من شروط قد يفرضها عليه الدائن المرتهن قد لا تكون في مصلحة المدين ومصلحة باقي الدائنين، كأن تكون قيمة العقار أكبر من قيمة الدين وبيعه دون إتباع الإجراءات التي حددها القانون تؤدي إلى الحصول على ثمن أقل من قيمته، فإذا وجد مثل هذا الاتفاق فيكون باطلا بطلانا مطلقا، والبطلان هنا يلحق الشرط دون العقد سواء تم الاتفاق عليه وقت العقد أو بعد إبرامه طالما كان هذا قبل حلول الأجل، لأنه إذا حل أجل الدين أو حتى قسط منه فقد انعدمت شبهة استغلال الدائن لمدينه ويصير هذا الأخير على بينة من أمره فيجوز حينها أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه أو أن يشتري المرتهن العقار بثمن معين لأن مثل هذه الاتفاقات فيها مصلحة للمرتهن إذ يتجنب مصروفات بيع العقار في المزاد العلني.

 

 

المطلب الثاني : آثار الرهن الرسمي بالنسبة للغير:

الفرع الأول: القيد

أولا: أهمية القيد :تظهر أهمية الرهن الرسمي فيما يرتبه في مواجهة الغير في حق التتبع والتقدم على نفس العقار ومنه فإن الغير هم من ينفذ حق الرهن في مواجهتهم، وهم الدائنون العاديون للمدين الراهن وكذا الدائنون أصحاب التأمينات العينية المتأخرة في المرتبة عن مرتبة الدائن المرتهن إذ يتقدم عليهم في استيفاء حقه، إذ يستطيع الدائن المرتهن أن يتتبع العقار في أي يد يكون، على أن نفاذ الرهن الرسمي في مواجهة الغير يتوقف على قيده في السجلات المعدة لذلك ومنذ إجراء القيد، لذلك وجب قيد الرهن حتى يتحقق للدائن المرتهن ميزتي التقدم والتتبع وهذا حسب نص المادة 904 من ق. م:" لا يكون الرهن نافذا في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار، وذلك دون إخلال بالأحكام المقررة في الإفلاس.

لا يصح التمسك تجاه الغير بتحويل حق مضمون بقيد، ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذا الحق بحكم القانون أو الاتفاق، ولا التمسك كذلك بالتنازل عن مرتبة القيد لمصلحة دائن آخر، إلا إذا حصل التأشير بذلك في هامش القيد الأصلي".

إن الحق العيني بطبيعته نافذ في حق الكافة لذلك كان لابد من إيجاد طريقة ليسهل على الأفراد معرفة الأعيان ومالكيها وما يثقلها من حقوق عينية تبعية، أي معرفة كل التصرفات الواردة على العين[51]، وهناك طريقتان الأولى التسجيل وتتضمن تسجيل العقد بكامله وتشهر بالتسجيل التصرفات التي من شأنها إنشاء الحقوق العينية الأصلية أو نقلها أو تفسيرها أو زوالها ويكون عن طريق نقل صورة كاملة من المحرر الذي يراد شهره في السجل الخاص، أما الثانية فهي القيد ويقتصر فيها على تدوين البيانات الجوهرية الواردة في المحرر حيث يكفي لإشهار الحقوق العينية التبعية لذلك يكفي إثبات الدين والعقار المثقل بالتأمين العيني واسم الدائن والمدين، مع الإشارة هنا إلى وجود نوعان للشهر العقاري نظام الشهر العيني الذي يتم على أساس العقار ذاته ونظام الشهر الشخصي الذي يكون على أساس أسماء الأشخاص الصادرة منهم التصرفات.

ثانيا: إجراءات القيد: تنص المادة 905 من ق. م:" تسري على إجراء القيد وتجديده وشطبه وإلغاء الشطب والآثار المترتبة على ذلك كله، الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري". أما المادة 906 من القانون المدني فقررت أن:" تكون مصاريف القيد وتجديده وشطبه على الراهن، ما لم يتفق على غير ذلك".

يتضح من النصين السابقين أن إجراءات القيد وتجديده وشطبه تنظمها قواعد الإشهار العقاري حيث يتم قيد الرهن الرسمي في مكتب الإشهار العقاري الذي يقع في دائرة العقار المرهون ويتم القيد بناء على طلب صاحب الشأن المدين الراهن أو الدائن المرتهن أو دائني المرتهن، ويتم الطلب بواسطته أو بواسطة وكيله أو نائبه القانوني[52]، وهذا حتى يتحقق نفاذ الرهن في مواجهة الغير فتبدأ الإجراءات بتقديم طلب إلى مكتب الإشهار العقاري المختص ويجب أن يتضمن الطلب البيانات المنصوص عليها في قانون الإشهار العقاري والمتمثلة أساسا في تعين أطراف الاتفاق على الرهن وكذا تحديد العقار المرهون وسندات ملكيته والدين المضمون بالرهن وكل ما يكون على العقار المرهون من حقوق أخرى مقيدة، ويسجل طلب القيد في ساعة وتاريخ تقديمه في دفتر خاص[53].

ثالثا: بيانات قائمة القيد وجزاء تخلفها تشمل بيانات الرهن الرسمي عدة نقاط فمن حيث بيانات الدائن المرتهن من اسمه ولقبه ووظيفته ومحل إقامته، وبيانات الراهن سواء كان المدين نفسه أو شخصا آخر من اسمه ولقبه ومحل إقامته وكذا بيانات عن عقد الرهن من تاريخ إبرامه والجهة التي تم توثيقه أمامها حتى يتمكن الغير من الإطلاع على عقد الرهن، وبيانات تخصيص الدين المضمون من تحديد مقداره ومضمونه وميعاد استحقاقه، وبيانات تخصيص العقار المرهون من تحديد لمساحته وطبيعته وموقعه[54]، حيث أنه في حال تخلف بيان أو أكثر من هذه البيانات أو حتى حدوث خطأ في تحديده لا يترتب عنه بالضرورة بطلان القيد إلا إذا نتج عنه ضرر للغير بناء على طلب المتضرر كما أن القيد الذي يتم ببيانات ناقصة أو غير دقيقة لا ينتج أثره من حيث سريان الرهن في حق الغير في حدود هذا النقص أو عدم الدقة.     

رابعا: أحكام القيد إن القيد ليس شرط في عقد الرهن الرسمي ذاته بل هو إجراء لاحق لنشوء الرهن والحكمة منه هو شهر هذا الحق ليفترض وجود الحق منذ إنشائه، فيرتب الرهن آثاره في مواجهة الغير وتتمثل هذه الآثار في ميزتي التقدم والتتبع، وليس هناك موعد محدد للقيد منذ إنشاء الرهن فهناك حرية للدائن المرتهن لطلبه في أي وقت يشاء لكنه كلما تأخر في قيده تأخر نفاذ الرهن في مواجهة الغير، وتأخرت مرتبة رهنه خاصة إذا سبقه مرتهن آخر في قيده[55]،

 خامسا: التصرفات التي توقف إجراء القيد نشير في هذا المقام إلى بعض التصرفات التي توقف إجراء القيد أو حتى تمنع نفاذه في حق بعض الأشخاص وتشمل هذه الأشياء التصرفات التالية:

1 - شهر تصرف ناقل للملكية على العقار المرهون للغير: إذا تصرف المدين الراهن في العقار المرهون وسجل التصرف قبل قيد الرهن ترتب على ذلك خروج العقار من ملك الراهن وانتقاله إلى المتصرف إليه خاليا من الرهن، وإذا أراد الدائن المرتهن قيد رهنه فلا يمكنه ذلك[56]،  كذلك إذا بيع العقار جبرا وسجل حكم مرسي المزاد قبل قيد الرهن فإن قيد الدائن رهنه بعد ذلك لا يكون له أي أثر بالنسبة للمتصرف إليه، وهذا ما نصت عليه المادة 904 من ق. م :" لا يكون الرهن نافذا في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار، وذلك دون إخلال بالأحكام المقررة في الإفلاس.

لا يصح التمسك تجاه الغير بتحويل حق مضمون بقيد، ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذا الحق بحكم القانون أو الاتفاق، ولا التمسك كذلك بالتنازل عن مرتبة القيد لمصلحة دائن آخر، إلا إذا حصل التأشير بذلك في هامش القيد الأصلي".

2 - تسجيل تنبيه نزع الملكية: حيث أنه إذا سبق تسجيل التنبيه بنزع الملكية على قيد الرهن الرسمي لم يكن للقيد أثر على الحاجزين للعقار وعلى الدائنين أصحاب الحقوق المقيدة قبل تسجيل التنبيه وكذا على من يشتري العقار في المزاد العلني[57].

3 - شهر إفلاس الراهن: حيث أن الأحكام المقررة في الإفلاس تقضي بأن حقوق الامتياز والرهن العقاري المكتسبة من المفلس على الوجه القانوني يجوز قيدها حتى يوم صدور الحكم بشهر الإفلاس، فإذا تم قيد الرهن بعد شهر الإفلاس فلا يكون نافذا على مجموع دائني المفلس بالرغم من أن هذا الرهن تم إبرامه قبل الحكم بشهر الإفلاس[58].المادة 904  من القانون المدني الجزائري.

 ( لا يصح التمسك قبل جماعة الدائنين بالرهون الحيازية والإمتيازات التي سجلت بعد صدور الحكم الذي قضى بالتسوية القضائية أو شهر الإفلاس.

غير أن الخزينة العامة تبقى متمسكة بامتيازها على الديون التي كانت غير ملزمة بتسجيلها في تاريخ الحكم الذي قضى بالتسوية القضائية أو شهر الإفلاس وللديون المعروضة للتحصيل بعد ذلك التاريخ )[59].

4 - وفاة الراهن: اختلف الفقه حول قيد الرهن بعد وفاة الراهن فذهب رأي إلى أن القيد لا يؤدي إلى نفاذ الرهن في حق دائني التركة لأن حق هؤلاء يتعلق بأعيان التركة بمجرد الوفاة وضرورة المساواة بين دائني المتوفى وعدم تميز أحدهم لسبب لاحق بعد الوفاة، أما غالبية الفقه فيرى أنه يجوز قيد الرهن الذي انعقد صحيحا في حياة الراهن حتى بعد وفاته[60]، أما المشرع الجزائري فلم ينص على هذه الحالة وبالتالي يترجح جواز القيد بعد الوفاة.

 سادسا:  تجديد القيد:  ما يجب التذكير به هو أن مصاريف القيد وتجديده وشطبه تكون على المدين الراهن ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، فبالنسبة للتجديد فإن القيد ليس له أثر دائم، بل يجب تجديده كل عشر (10) سنوات من يوم إجرائه وإلا زال أثره في النفاذ اتجاه الغير[61]، أما بعض المؤسسات والجماعات المحلية فقد جعلت مدة تجديد القيد بخمسة وثلاثون (35) سنة وهذه المؤسسات هي المؤسسات المصرفية الوطنية الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط وكذا الدولة والبلدية، مع الإشارة هنا إلى أن تجديد القيد يتم بطلب من الدائن أو خلفه وذلك قبل انقضاء (10) سنوات من إجرائه وبهذا يظل نفاذ الرهن مستمرا منذ القيد الأصلي وتظل للمرتهن أو حتى الحائز مرتبته في الرهن التي تحددت بهذا القيد لأن المادة 913 من ق. م نصت:" يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حل فيه محل الدائن وأن يجدده عند الاقتضاء، وذلك إلى أن تشطب القيود التي كانت موجودة على العقار وقت تسجيل سند هذا الحائز".

الفرع الثاني:  شطب القيد إذا انقضى الرهن أو زال لأي سبب فإنه يجب عندئذ شطب هذا القيد أي محوه، ولا يقصد به الشطب المادي بل يقصد به التأشير على هامش القيد بما يفيد أنه أصبح غير موجود، فالمقصود من شطب القيد هو إلغاء ما يترتب على قيامه من آثار ولو بقي ماديا وهو نوعان: الشطب الاختياري والذي يتم برضا الدائن ينصب على رفع القيد وتقرير يصدر منه، أما الشطب القضائي فيتم إذا لم يبقى هناك داع لبقاء القيد وقعد الدائن عن الشطب فلكل ذي مصلحة أن يتقدم للقضاء لإلغاء القيد[62].

الفرع الثالث: إبطال الشطب بعد حصوله: بعد شطب القيد أو إلغائه أو محوه قد تدعو الحاجة إلى إعادة سريانه كما لو تبين عدم رضا الدائن بإلغاء القيد، أو تم نقض الحكم الذي تم شطب القيد بناء عليه، أو لأي سبب كان، ويكون الشطب غير صحيح، فيقتضي الأمر رفع دعوى لإلغاء الشطب سواء كان اختياريا أو قضائيا، ويتم ذلك عن طريق رفع دعوى بإلغاء الشطب أو إبطاله أمام محكمة مقر العقار من قبل من يهمه الأمر بإبطال الشطب ترفع على المدين الراهن لأنه الخصم الطبيعي في دعوى يراد بها إبقاء قيد الرهن، فإذا تحقق القاضي في أن الشطب كان على غير أساس حكم بإلغائه فيعود القيد إلى ما كان عليه منتجا لأثاره، وإذا كان الحكم النهائي بإبطال الشطب فإن الإبطال أو الإلغاء يتم عن طريق التأشير على هامش الشطب ذاته، مع التنويه في هذا الشأن أنه يترتب على إبطال الشطب كأنه لم يكن ويرجع للقيد الأول أثره ويحتفظ للدائن بمرتبته الأصلية بمعنى يعود القيد للوجود بأثر رجعي[63]

الفرع الثاني: حق الأفضلية (التقدم)

         محل الافضلية هو ما يباشر عليه الدائن حقه فى التقدم ، وهو بصفة أصلية ثمن العقار المرهون بعد بيعه بالمزاد العلنى، أو ما يقوم مقام العقار في حالة الهلاك أو البيع أو نزع الملكية للمنفعة العامة، ولكن حق الدائن فى التقدم لا يرد على ثمن العقار المرهون فقط ولكن يرد على ملحقاته أيضا، وأهمها العقارات بالتخصيص، وحقوق الإرتفاق، والتحسينات والإنشاءات، وكذلك ثمار العقار التي تلحق به بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية إذا كانت الاجراءات تتخذ في مواجهة المدين الراهن أو من تاريخ إنذار الحائز بالدفع أو النخلية، إذا كانت الإجراءات تتخذ في مواجهة الحائز[64] .

إن الغاية من الرهن الرسمي هي حق الأفضلية بمعنى الدائن المرتهن يستوفي حقه من العقار المرهون متقدما على الدائنين العادين والدائنين أصحاب الامتياز التاليين له في المرتبة وهذا ما جاءت به المادة 882 من ق. م ( الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان) ،

وينشأ حق الدائن في التقدم بقيد الرهن وتحسب مرتبته من وقت القيد، لأن العبرة بتاريخ القيد لا بتاريخ نشأة الدين، فقد يحدث أن يتقدم دين متأخر في نشأته متقدم في قيده على دين قديم في نشأته حديث في قيده، كما أن مرتبة الرهن تحسب من تاريخ قيده حتى ولو كان الدين لم ينشأ بعد وقت القيد كأن كان دينا مستقبلا أو احتماليا أو معلق على شرط واقف[65]، وهذا ما نصت عليه المادة 908 من ق. م: " تحسب مرتبة الرهن من وقت تقيده، ولو كان الدين المضمون بالرهن معلقا على شرط أو كان دينا مستقبلا أو احتماليا".

مع الإشارة هنا إلى موضوع الأفضلية أي الحقوق التي يستوفيها الدائن بطريق التقدم وهي أصل الدين والمصروفات، فبالنسبة لأصل الدين وهو الثابت في قيد الرهن، فإذا وجد فارق بين أصل الدين الثابت في عقد الرهن وبين ما تم إثباته في القيد هنا يتقدم الدائن في أقل القيمتين لأنه إذا زاد الدين المقيد عن الدين المضمون بالرهن كانت هذه الزيادة غير قائمة على أساس لأن القيد يعتمد على الرهن في وجوده ومداها، أما إن كان العكس وزاد الدين المضمون بالرهن عن الدين الثابت بالقيد كانت هذه الزيادة غير نافذة في حق الغير فلا يتقدم بها الدائن على غيره من الدائنين، أما فيما يخص المصروفات التي يستوفيها الدائن بالأفضلية فهي نفقات العقد وقيد الرهن وتجديده وهذا ما نصت عليه المادة 909 من ق. م:" يترتب على قيد الرهن إدخال مصاريف العقد والقيد والتجديد إدخالا ضمنيا في التوزيع وفي مرتبة الرهن نفسها. وإذا سجل أحد الدائنين تنبيه نزع العقار، انتفع سائر الدائنين بهذا التسجيل"

 والعبرة من النص هو التأكيد على أن هذه المصاريف تقع في الأصل على المدين فإن أنفقها الدائن ودون اتفاق كان له أن يستوفيها من ثمن العقار عند توزيعه دون الحاجة إلى نص خاص.

   مع الإشارة إلى درجة الأفضلية أي المرتبة التي يحتلها الدائن المرتهن فقد يوجد أكثر من رهن مقيد على نفس العقار كما قد توجد تأمينات عينية أخرى مقيدة على ذات العقار، لذا وجب إعطاء كل صاحب حق مقيد على العقار درجة أو مرتبة يتقدم بها على غيره من الدائنين، مع التذكير أنه وفي كل الأحوال أن أصحاب الحقوق المقيدة يتقدمون على الدائنين العاديين حتى ولو كانت مراتبهم متأخرة وديونهم نشأت متأخرة عن الدائنين العاديين،

إن صاحب الحق في الامتياز العام ـ الذي لا يحتاج للقيد للاحتجاج به ـ يتقدم على جميع الحقوق المقيدة حتى لو نشأ الحق في الامتياز العام بعد نشأة الحقوق المقيدة[66]، أما الحقوق الواجبة الشهر فهي حقوق الرهن بنوعيه والتخصيص وحقوق الامتياز العقارية الخاصة ودرجة صاحب الحق تتحدد حسب وقت القيد، كما يتقدم حق على حق آخر رغم قيدهما في يوم واحد إذا قيد أحدهما قبل الآخر أي وجود فاصل زمني بينهما.

التنازل عن مرتبة الرهن أما عن التنازل عن مرتبة الرهن فقد نصت المادة 910 من ق. م على جواز التنازل عن مرتبة الرهن :" يمكن للدائن المرتهن أن ينزل عن مرتبة رهنه في حدود الدين المضمون بهذا الرهن لمصلحة دائن آخر له رهن مقيد على نفس العقار، ويجوز التمسك تجاه هذا الدائن الآخر بجميع أوجه الدفع التي يجوز التمسك بها تجاه الدائن الأول، عدا ما كان منها متعلقا بانقضاء حق هذا الدائن الأول، إذا كان هذا الانقضاء لاحقا للتنازل عن المرتبة".

 والملاحظ من النص أن التنازل يتعلق بالقيد لا بالحق ذاته، وينبغي أن يكون المتنازل له صاحب حق مقيد على نفس العقار، وألا يضر هذا التنازل بمصلحة باقي الدائنين الآخرين أصحاب الحقوق المقيدة على ذات العقار، لذا يكون التنازل في حدود دين الدائن الذي تنازل عن مرتبته[67]، فمثلا وجود ثلاث دائنين راهنين أ ـ ب ـ ج ـ على نفس العقار وتنازل صاحب الرهن (أ) الذي قيمته 100 دج عن مرتبة قيده لصاحب الرهن (ج) الذي قيمته 200 دج فلا ينبغي أن يضر هذا التنازل على المرتبة صاحب الرهن (ب) بمعنى يكون التنازل في حدود 100 دج فقط، كما يستطيع صاحب الرهن (ب) بالتمسك في مواجهة صاحب الرهن (ج) بجميع أوجه الدفع التي كان يتمسك بها في مواجهة صاحب الرهن (أ) كبطلان القيد أو بطلان الدين أو انقضاء حقه ماعدا إذا كان هذا الانقضاء جاء بعد التنازل عن المرتبة[68].

الفرع الثالث : حق التتبع

والمقصود بحق التتبع حق الدائن المرتهن في تتبع العقار المرهون واتخاذ إجراءات التنفيذ عليه في أي يد كان، فلا يشترط أن يبقى العقار في ملكية المدين الراهن حتى يتمكن المرتهن من التنفيذ عليه، بل يمكن للراهن التصرف في هذا العقار كأن ينقل ملكيته لشخص آخر[69].

وعلى هذا الأساس فحق الدائن المرتهن بالتتبع متعلق بحق المدين الراهن في التصرف فلا يتصور قيام أحد الحقين دون الآخر، فحق الرهن على العقار لا ينقص من ملكية الراهن ولا يمنعه من التصرف في العقار المرهون ومع ذلك أي تصرف لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فهذا الأخير يستطيع التنفيذ على العقار حتى بعد خروجه من ذمة المدين الراهن وهذا ما يفسر حق الراهن في التصرف، وحق المرتهن في التتبع الذي يعتبر مظهر من مظاهر نفاذ الرهن في مواجهة الغير، مع الإشارة هنا إلى أن حق الأفضلية إن لم يصاحبها حق التتبع تنعدم كل آثارها بمجرد تصرف الراهن في العقار المرهون[70].

أما عن صاحب الحق في التتبع فهو الدائن المرتهن الذي قيد رهنه قبل شهر التصرف الواقع على العقار المرهون، والعبرة هنا بالأسبقية بالقيد لا الأسبقية في السند المنشئ للحق، فبمجرد التصرف في العقار المرهون وتسجيل هذا التصرف يمتنع على الدائن المرتهن الذي تأخر في قيد رهنه اتخاذ إجراءات الشهر بعد هذا التصرف، ولذا لا يحتج بالرهن في مواجهة المتصرف إليه لأن ملكية العقار انتقلت خالية من حق مشهر عليه، ولا يجوز للمرتهن الذي اكتسب حق رهن على العقار غير مقيد أن يتقدم بطلب شهره بعد انتقال ملكيته إلى شخص آخر، مع الإشارة هنا إلى أن الدائن المرتهن لا يحق له تتبع العقار المرهون والتنفيذ عليه في مواجهة المتصرف إليه إلا بعد حلول الأجل لأنه بوجود المتصرف إليه وحلول أجل الدين لا يجوز مطالبة المدين الراهن والتنفيذ عليه، وعن الدائن الذي يثبت له حق التتبع هو الدائن المرتهن أيا كانت درجة قيده حتى لو كان متأخرا في المرتبة وهذا حسب ما جاءت به المادة 911 من ق. م:" يجوز للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين أن يقوم بنزع ملكية العقار المرهون من يد الحائز لهذا العقار، إلا إذا اختار الحائز أن يقضي الدين أو يطهر العقار من الرهن أو يتخلى عنه.

ويعتبر حائزا للعقار المرهون، كل من انتقلت إليه بأي سبب من الأسباب ملكية هذا العقار أو أي حق عيني آخر قابل للرهن، دون أن يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن". 

الحائز : من خلال نص المادة 911 من القانون المدني الجزائري نجد أن الحائز هو من يباشر الدائن المرتهن اتجاهه حقه في التتبع، وهو كل من انتقلت له ملكية العقار أو حق عيني قابل للرهن أي أجنبي عن الدين، بمعنى لا يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين، حيث لا يعتبر حائزا المدين الراهن ولا الكفيل الشخصي أو الضامن إذا انتقلت له ملكية العقار ضمانا لنفس الدين، وأن يكون هذا الغير قد شهر حقه بعد قيد الرهن فإذا لم يشهره فلا يعتبر حائزا أصلا أما إذا شهر حقه قبل قيد الرهن فلا يحتج بالرهن في مواجهته ولا يمارس حقه في التتبع كما سبق.

الفرع الرابع : إجراءات التتبع يقوم الدائن المرتهن بإتباع إجراءات التتبع وفقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومع ذلك يسبق التنفيذ على العقار في مواجهة الحائز التنبيه على المدين بنزع الملكية، وذلك لأن المدين هو المسؤول الأصلي عن الدين حيث يجب التنبيه عليه قبل الشروع في بيع العقار بالمزاد العلني، لعله يقوم بالوفاء مما يستعدي وقف إجراءات التنفيذ على العقار، ثم يلي التنبيه على المدين إنذار الحائز والذي يقوم بالدفع (قضاء الدين) أو التخلية أو حتى تطهير العقار المرهون، وهذه الحلول جميعها تشكل الدفوع التي يستعملها الحائز في مواجهة الدائن المرتهن.

الفرع الرابع:  قضاء الديون

 أولا: قضاء الديون اختيارا: يعني قيام الحائز بوفاء الدائنين المرتهنين حقوقهم قٍبَل المدين الراهن، والتي قد يقضيها جميعا أو يقضي بعضها فقط مما يكسبه حق الرجوع على المدين بما وفاه، أما إذا كان سبب قضائه الديون هو تملكه العقار المرهون فيسقط حقه في الرجوع بما وفاه، والصورة العادية لقضاء الديون أن يكون الحائز قد تملك العقار المرهون عن طريق شرائه ولم يقم بعد بالوفاء للبائع ( المدين الراهن) وحينها يقوم بوفاء حقوق الدائنين المرتهنين من هذا الثمن، ويترتب على ذلك براءة ذمته في مواجهة المدين الراهن الذي باعه العقار ويخلص له العقار خاليا من كل رهن، وفي هذا تحقيقُ مصلحة جميع الأطراف.

ومع ذلك هذه ليست الصورة الوحيدة فقد يحدث أن يكون ما تبقى في ذمة الحائز لا يكفي لوفاء الدائنين المرتهنين جميعا، فيستطيع وفاء حقوق الدائنين المتقدمين في المرتبة ويحل محلهم، وهذا ما جاء في نص المادة 912 من ق. م:" يجوز للحائز عند حلول الدين المضمون بالرهن أن يقضيه هو وملحقاته بما في ذلك مصاريف الإجراءات من وقت إنذاره ويبقى حقه هذا قائما إلى رسو المزاد وله في هذه الحالة أن يرجع بكل ما يوفيه على المدين وعلى المالك السابق للعقار المرهون".

مع الإشارة هنا إلى أنه وفي هذه الحالة تبقى الرهون التالية له في المرتبة مقررة على العقار، ولا يتطهر وموقفه لا يخلو من الخطر لأنه قد يهمل تجديد قيد الرهن المتقدم الذي حل فيه محل المرتهن الذي وفاه حقه مما يفقده مرتبته، وهذا ما قررته المادة 913 من ق.م : ( يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حل فيه محل الدائن وأن يجدده عند الاقتضاء، وذلك إلى أن تشطب القيود التي كانت موجودة على العقار وقت تسجيل سند هذا الحائز ).

أما عن وقت قضاء الديون فلا يحق للحائز أن يقضيها قبل حلول أجلها، فإذا حل الأجل يستطيع الحائز أن يقضي الديون دون أن ينتظر إنذارا بالوفاء من الدائن، ويبقى حقُّه قائما إلى يوم رسو المزاد، لكن الحائز له مصلحة في التعجيل بالوفاء بمجرد إنذاره لأنه يتحمل النفقات من يوم إنذاره، مع التنويه هنا إلى أن الحائز الذي وفَّى بحقوق الدائنين مقابل تملكه للعقار لا يرجع على الراهن بشيء لكن إذا كان الحائز غير مدين بأن كان دفع ثمن العقار سلفا لتملكه فهنا يرجع بما دفعه وما يلتزم به ويرجع إما بدعوى الحلول أو الدعوى الشخصية.

1-  الدعوى الشخصية: قد يكون المدين الراهن هو المالك السابق للعقار المرهون وهذه هي الصورة الغالبة ومع ذلك قد ينقل المدين الراهن ملكية العقار المرهون إلى شخص آخر، وهذا الأخير ينقلها بدوره إلى شخص آخر هو الحائز، وفي هذه الحالة الأخير يوجد أكثر من شخص يستطيع الحائز الرجوع عليه، فهناك المدين الراهن وهناك المالك السابق، حيث يعود على الراهن بدعوى الإثراء بلا سبب، ويرجع على المالك السابق بدعوى ضمان عدم التعرض، فإثراء الراهن يتحقق في أن دينه انقضى من غير ماله وافتقار الحائز يتحقق في أنه وفى بماله دين غيره ،كما يعود بدعوى ضمان التعرض إن كان اكتسب ملكية العقار عن طريق الشراء.

ـ دعوى الحلول: للحائز أن يحل محل الدائنين الذين وفاهم حقوقهم، والأصل أن من يحل محل الدائن يحل محله في هذا الحق بما يميزه من خصائص وما يكفله من تأمينات، لكن الحلول بالنسبة للحائز يكون ناقصا في حالتين: الأولى وهي عدم رجوع الحائز على الكفيل حيث من المفروض هنا أن الدين المضمون بالرهن مضمون أيضا بكفالة شخصية أو عينية فإذا قام الراهن بنقل ملكية العقار لشخص آخر هو الحائز وقام هذا الأخير بالوفاء للدائنين وحل محلهم فإن مقتضى الحلول أن يستفيد الحائز من باقي التأمينات الأخرى الضامنة للدين كالكفالة ومع ذلك المشرع لم يأخذ بهذا الحل المنطقي ومنع الحائز من الرجوع على الكفيل سواء الشخصي أو العيني، وقد برر الفقه هذا التوجه في أنه ينبغي عدم الإضرار بالكفيل لمجرد أن الراهن تصرف في العقار المرهون لأنه إذا قام هذا الأخير بالوفاء كان له الرجوع على الكفيل لأنه المدين الأصلي، لكن في الحالة العكسية يستطيع الكفيل أن يحل محل الدائن إذا وفاه حقه وينفذ على العقار في مواجهة الحائز ويبيعه بالمزاد العلني.

والثانية هي رجوع الحائز على حائز آخر، حيث من المفروض وفي حال وجود أكثر من حائز للعقار وذلك في حال تصرف الراهن في العقار المرهون لدين واحد لأكثر من شخص، فيصبح كل منهم حائزا للعقار في نفس الدين وهنا وتطبيقا لمبدأ عدم تجزئة الرهن فإن كل جزء من العقار أو العقارات ضامنة لكل الدين، وطبقا لفكرة الحلول إذا وفى أحد الحائزين بكل الدين وحل فيه محل الدائن فله أن ينفذ على أي جزء من العقار في مواجهة أي من الحائزين لاستيفاء كل ما وفاه، لكن المشرع أخذ بحكم آخر قرر فيه تجزئة رجوع الحائز على غيره من الحائزين وهذا ما نصت عليه المادة 266 من ق. م:" إذا وفى الغير الحائز للعقار المرهون كل الدين وحل محل الدائنين فلا يكون له بمقتضى هذا الحلول الرجوع على حائز لعقار آخر مرهون في ذات الدين إلا بقدر حصة هذا الحائز بحسب قيمة العقار المحجوز". والحكمة من هذا هو وضع حد لرجوع الحائزين بعضهم على بعض إلى ما لا نهاية.

ثانيا: قضاء الديون جبرا: في الأصل أن قضاء الديون موقف اختياري يتخذه الحائز يحميه القانون بضمان رجوعه بما وفاه زيادة على ما يلتزم هو به بسبب تملكه للعقار المرهون، إلا أنه توجد حالات أخرى يُجبر فيها الدائن على قضاء الديون وهي ثلاث حالات نص المشرع على حالتين في المادة 914 من ق. م:" إذا كان في ذمة الحائز بسبب امتلاك العقار المرهون مبلغ مستحق الأداء حالا يكفي لوفاء جميع الدائنين المقيدة حقوقهم على العقار، فلكل من هؤلاء الدائنين أن يجبره على الوفاء بحقه، بشرط أن يكون سند ملكيته قد سجل.

فإذا كان الدين الذي في ذمة الحائز غير مستحق الأداء حالا، أو كان أقل من الديون المستحقة للدائنين، أو مغايرا لها، جاز للدائنين إذا اتفقوا جميعا أن يطالبوا الحائز بدفع ما في ذمته بقدر ما هو مستحق لهم، ويكون الدفع طبقا للشروط التي التزم الحائز في أصل تعهده أن يدفع بمقتضاها وفي الأجل المتفق على الدفع فيه.

وفي كلتا الحالتين، لا يجوز للحائز أن يتخلص من التزامه بالوفاء للدائنين بتخليه عن العقار، ولكن إن وَفَّى لهم فإن العقار يعتبر خالصا من كل رهن ويكون للحائز الحق في طلب شطب ما على العقار من القيود".

أما الحالة الثالثة والمستوحاة من القواعد العامة وهي في حال اشترط المالك السابق على الحائز أن يوفي ديون الدائنين المرتهنين للعقار مقابل تملكه له.

الفرع الخامس: تطهير العقار المرهون

تطهير العقار المرهون كثاني الحلول التي أقرها المشرع موقفٌ لا يتعرض له الحائز لكن هو الذي يبادر فلا ينتظر حتى يحل أجل الدين فيعرض وفاءه، لكنه يستطيع بمجرد اكتسابه صفة الحائز وقبل حلول أجل الديون أن يعرض تطهير العقار من كل القيود التي عليه، فهو وحده الذي يحدد وقت التطهير وشروطه التي يدعو الدائنين لقبولها، والتطهير معناه أن يعرض الحائز على الدائنين المرتهنين دفع مبلغ يساوي القيمة الحقيقية للعقار مقابل تحريره من قيود رهونهم، وما دام أن هؤلاء الدائنين لن يحصلوا على أكثر من هذه القيمة بعد بيع العقار في المزاد العلني فمن مصلحتهم قبول العرض وتوفير نفقات البيع بالمزاد العلني واختصار إجراءاته، فالحائز الذي يكتسب ملكية عقار مرهون لا يوفي بثمنه للراهن بل يحتفظ به ليعرضه على الدائنين المرتهنين مقابل تطهير العقار من الرهون فالعرض الذي يقدمه الحائز ليس وفاء ديون الدائنين وإنما عبارة عن الثمن الحقيقي للعقار المرهون حتى وإن كان غير كاف للوفاء بجميع الديون.

ومنه تظهر لنا مزايا التطهير في أنه يُسهل تداول العقارات المرهونة ويقلل مخاطر الإقبال على شرائها ما دامت ملكية صاحبها تبقى مهددة بالزوال نتيجة الرهن، حيث أن التطهير فيه تتلاقى المصالح المتعارضة للدائنين والمدين الراهن وحتى المشتري الذي هو الحائز، ومع ذلك تظهر بعض مخاطر التطهير في أنه رخصة في يد الحائز يستعملها وقت يشاء حيث ينتظر الوقت الذي يساعده وقد يكون في ذلك إضرارا بالدائنين خاصة إذا عرضه في وقت تكون فيه أثمان العقارات منخفضة كما أنه يعرضه قبل حلول أجل الديون ومن مصلحة الدائنين الانتظار حتى يحل الأجل خاصة إذا كانت ديونهم بفوائد.

أما عن صاحب الحق في التطهير فهو الحائز كما قررت ذلك المادة 915 من ق. م:" يجوز للحائز إذا سجل سند ملكيته أن يطهر العقار من كل رهن تم قيده قبل تسجيل هذا السند.

وللحائز أن يستعمل هذا الحق حتى قبل أن يوجه الدائنون المرتهنون التنبيه إلى الدائن أو الإنذار إلى هذا الحائز، ويبقى هذا الحق قائما إلى يوم إيداع قائمة شروط البيع".

وفيما يتعلق بإجراءات التطهير فهي تبدأ بعرض يقدمه الحائز إلى الدائنين المرتهنين ويتم بطريق الإعلان الذي يتناول عدة بيانات تتعلق أساسا بالحائز نفسه وبالدائنين المرتهنين وقيمة ديونهم ومرتبة كل منهم والعقار المرهون وطريقة انتقاله للحائز والثمن الذي يعرضه الحائز مقابل تطهير العقار وكل هذا جاءت به المادة 916 من ق. م:" إذا أراد الحائز تطهير العقار، وجب عليه أن يوجه إلى الدائنين المقيدة حقوقهم في مواطنهم المختارة المذكورة في القيد إعلانات تشتمل على البيانات الآتية:

1       خلاصة من سند ملكية الحائز تقتصر على بيان نوع التصرف وتاريخه واسم المالك السابق للعقار مع تعيين هذا المالك تعيينا دقيقا ومحل العقار مع تعيينه وتحديده بالدقة، وإذا كان التصرف بيعا يذكر أيضا الثمن وما عسى أن يوجد من تكاليف تعتبر جزءا من هذا الثمن.

2       تاريخ تسجيل ملكية الحائز ورقم التسجيل.

3       المبلغ الذي يقدره الحائز قيمة للعقار ولو كان التصرف بيعا ويجب ألا يقل هذا المبلغ عن السعر الذي يتخذ أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية، ولا أن يقل في أي حال عن الباقي في ذمة الحائز من ثمن العقار إذا كان التصرف بيعا، وإذا كانت أجزاء العقار مثقلة برهون مختلفة وجب تقدير قيمة كل جزء على حدة.

4       قائمة بالحقوق التي تم قيدها على العقار قبل تسجيل سند الحائز تشتمل على بيان تاريخ هذه القيود ومقدار هذه الحقوق وأسماء الدائنين".

حيث وبذكر كل هذه البيانات يكون الحائز قد عرف بنفسه للدائنين المرتهنين وحتى عرفهم ببعضهم البعض وحدد العقار المرهون وبين الثمن الذي عرضه، حيث أن هذا العرض لا يلزمه بالدفع الحال والفعلي حيث لا يلتزم بإيداع النقود في مكان معين فقط يبدي استعداده للدفع (م 917 من ق. م) إذا قبل الدائنون عرضه لهذا هناك احتمالان لعرضه، إما قبول العرض ومعناه الموافقة الصادرة منهم سواء الصريحة أو حتى الضمنية بمعنى السكوت عن الرفض خلال مهلة ثلاثين يوما مضافا لها نفس المدة في حال بعد المسافة بين الموطن الأصلي والموطن المختار أما الاحتمال الثاني فهو رفض العرض سواء من جميع الدائنين أو من أحدهم مضاف لهم إمكانية رفض حتى الكفيل لحق مضمون بالرهن ـ لأنه من مصلحته بيع العقار بأعلى ثمن ـ وطلب بيع العقار بالمزاد العلني، والرفض يتم هو الآخر بطريق الإعلان من قبل الشخص الرافض يوجهه للحائز وللمالك السابق للعقار بالإضافة إلى إيداع مبلغ كاف لدى الخزينة العامة لتغطية مصاريف بيع العقار بالمزاد العلني، مع الإشارة أنه وحتى يضمن المشرع جدية طلب الرفض قابله بعدم إمكانية استرجاع الأموال المودعة لدى الخزينة العامة إذا لم تسفر عملية البيع بالمزاد عن ثمن يزيد عن العرض الذي قدمه الحائز، وإذا لم يتم الإعلان عن الرفض في الوقت المحدد أو لم يقترن بإيداع مبلغ لتغطية مصاريف البيع كان طلب الرفض باطلا مع الإشارة إلى أن المشرع هنا قرر أن الدائن أو الكفيل الذي طلب بيع العقار في المزاد العلني لا يمكنه التنازل عن طلبه إلا بموافقة جميع الدائنين المقيدة حقوقهم والكفلاء وذلك لأنه قد يرغب كلهم في بيع العقار بالمزاد لكن يكتفوا بطلب أحدهم (م 919 من ق. م).

  في الأخير يمكن القول أن عدم طلب أحد الدائنين أو الكفلاء بيع العقار بالمزاد العلني خلال 60 يوما يعتبر قبولا لعرض الحائز في تطهير العقار  شريطة أن يقوم الحائز بدفع المبلغ الذي عرضه عليهم كثمن للعقار المرهون مضافا له قيمة العشر (1/10) من هذا المبلغ، يدفع للدائنين الذين تسمح مراتبهم باستيفاء حقوقهم منه أو يقوم الحائز بإيداع هذه المبالغ الخزينة العامة درءا لكل نزاع ثم يطلب بعدها محو كل القيود التي عليه وبذلك يصبح العقار مطهرا خاليا من كل رهن (م 921 من ق. م).

الفرع السادس: تخلية العقار المرهون

   المقصود بالتخلية هو تجنب الحائز ظهور اسمه في الإجراءات الخاصة ببيع العقار في المزاد العلني بأنه شخص تنزع ملكيته جبرا لسداد دين معين وهذا ما يسيء لسمعته بالرغم من أنه أجنبي عن الدين، كما أن الحائز ملزم من وقت إنذاره باتخاذ إجراءات البيع في مواجهته برد ثمن العقار من وقت هذا الإنذار، والتخلية ما هي إلا تحويل لمسار الإجراءات فبعدما كانت ستتخذ في مواجهة الحائز تصبح بعد تخليه هذا تتخذ في مواجهة شخص آخر يسمى الحارس، والأصل أن التخلية حق مقرر للحائز لأنه غير مسؤول عن الدين إلا أنه لسبب أو لآخر قد يصبح مسؤولا عن الدين مثل في حالتي واجب قضاء الديون جبر المذكورتين سلفا أو في حال عرض تطهير العقار وقبل الدائنون العرض أو سكتوا عن الرفض في مهلة تجاوزت 60 يوما فهنا في هذه الحالات كلها لا يجوز له اللجوء إلى التخلية، أما عن وقت التخلية فليس لها وقت محدد لأنها متعلقة بالإجراءات فلا يلجأ إليها الحائز إلا بعد اتخاذ الإجراءات في مواجهته بداية بإنذاره، والتخلية تتم بتقرير يقدمه الحائز إلى قلم كتابة المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها العقار المرهون، وأن يطلب التأشير بالتخليية على هامش تسجيل التنبيه بنزع الملكية كما يجب عليه إعلام الدائن المباشر بهذا الإجراء في مهلة أقصاها خمسة (05) أيام من التقرير (م 922 من ق. م) وفي حال تخلف إجراء من هذه الإجراءات فلا يعتد بالتخلية وللدائن المباشر للإجراءات أن يستمر فيها في مواجهة الحائز.

   في الأخير يمكن القول أن بمجرد التخلية تتوقف الإجراءات في مواجهة الحائز ولصاحب المصلحة أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس تتخذ في مواجهته الإجراءات وقد يطلب الحائز تعيينه كحارس مع التنويه أنه يستطيع التراجع عن التخلية وإذا بيع العقار بثمن يزيد عن ديون الدائنين كانت هذه الزيادة من مصلحة الحائز وفي كل الأحوال لا تختلف الإجراءات إن اتخذت في مواجهة الحائز أو في مواجهة الحارس مما أدى ببعض الفقهاء للقول بعدم تحقيق التخلية لفائدة كبيرة سوى اعتراف الحائز بحق الدائن وعدم استعمال أي دفع في مواجهته.

الفرع السابع :البيع بالمزاد العلني

   يعتبر البيع بالمزاد العلني الموقف الرابع والأخير الذي من الممكن أن يتعرض له الحائز إذا لم يقضي الديون أو يطهر العقار أو حتى يتخلى عنه كما قد يتم البيع بالرغم من مساعي الحائز للتطهير وقوبل برفض أحد الدائنين أو الكفلاء، والبيع يتم بإتباع إجراءات البيع الجبرية المقررة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية مع الإشارة إلى أن الحائز يبقى المالك للعقار المرهون إلى حين وقت رسو المزاد لأن حكم المزاد ينقل الملكية من الحائز إلى من رسا المزاد عليه، فإذا لم يختر الحائز قضاء الديون ولا تطهير العقار ولا تخليته فلا يجوز للدائن المرتهن أن يتخذ في مواجهته إجراءات نزع الملكية وفقا للقانون المتعلق بذلك إلا بعد إنذاره بدفع الدين المستحق أو تخلية العقار والذي يكون بعد التنبيه على المدين بنزع الملكية أو متزامنا معه (م 923 من ق. م).

   وبعد طرح العقار للبيع بالمزاد العلني يستطيع كل شخص التقدم للمزايدة ومع ذلك فالمدين غير مسموح له بالمزايدة لأن الأولى منها هو دفع دينه للدائنين بالطرق العادية واتقاء كل الإجراءات لأن عدم قيامه بالدفع اعتراف منه بالعجز، أما الحائز فهو غير المدين إذ يستطيع دخول المراد للمحافظة على ملكية العقار بأي وسيلة ممكنة، وهذا ما نصت عليه المادة 925 من ق. م:" يحق للحائز أن يدخل في المزاد، على شرط ألا يعرض فيه ثمنا أقل من الباقي في ذمته من ثمن العقار الجاري بيعه".

فإذا تقدم الحائز للمزايدة ورسا عليه المزاد تأكدت ملكيته للعقار ويظل مالكا له على أساس سند ملكيته الأصلي لأن رسو المزاد لا ينقلها إليه بل يؤكدها، وهذا ما يترتب عليه عدم تسجيل حكم رسو المزاد ولا دفع رسوم تسجيل جديدة لكن يجب عليه التأشير بحكم مرسى المزاد على هامش تسجيل سند الحيازة وبعدها يخلوا العقار من أي رهن (م 926 من ق. م)، أما إذا رسا المزاد على شخص آخر فإنه يكتسب ملكيته بحكم مرسى المزاد وتنتقل الملكية إليه من الحائز ويخلوا له العقار من الرهون التي رتبها المدين والمالك السابق والحائز، وفي حال زاد ثمن المزاد على ما هو مستحق للدائنين المقيدة حقوقهم كانت الزيادة لصالح الحائز ويستطيع دائنو هذا الأخير أن يستوفوا حقوقهم من هذه الزيادة (م 927 من ق. م).

   في الأخير يمكن التذكير بنقطة مهمة جدا وهي ما تعلق بمسؤولية الحائز عن العقار المرهون اتجاه الدائنين وهذا ما قررته المادة 932 من ق. م:" الحائز مسؤول شخصيا تجاه الدائنين عما يصيب العقار من تلف بخطئه". كما أن الحائز يحصل على ثمار العقار المرهون باعتباره مملوكا له إلا أن حقه فيها ينتهي عندما يشرع الدائن المرتهن في التنفيذ فتلحق الثمار بالعقار وهذا ما قررته المادة 930 من ق. م:" ينبغي على الحائز أن يرد ثمار العقار من وقت إنذاره بالدفع أو التخلية فإذا تركت الإجراءات مدة ثلاث سنوات، فلا يرد الثمار إلا من وقت أن يوجه إليه إنذار جديد". كما أن مسؤولية الحائز يقابلها حقه في الضمان حيث إذا نزعت ملكيته أو اضطر في سبيل المحافظة على ملكيته أن يقضي الديون أو يطهر العقار أو يشتريه من المزاد العلني بعد التنفيذ عليه كان له الرجوع على المالك السابق الذي تلقى منه الملكية بدعوى الضمان أو يرجع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب أو دعوى الحلول وهذا ما نصت عليه المادة 931 من ق. م:" يرجع الحائز بدعوى الضمان على المالك السابق في الحدود التي يرجع بها الخلف على من تلقى منه الملكية معاوضة أو تبرعا.

ويرجع الحائز أيضا على المدين بما دفعه زيادة على ما هو مستحق في ذمته بمقتضى سند ملكيته أيا كان السبب في دفع هذه الزيادة، ويحل محل الدائنين الذين وفاهم حقوقهم وبوجه خاص فيما لهم من تأمينات قدمها المدين دون التأمينات التي قدمها شخص آخر غير المدين".

 

 

 

 

 

الفصل الثاني : الرهن الحيازي

المبحث الأول: إنشاء الرهن الحيازي

المطلب الأول: تعريف الرهن الحيازي وخصائصه :

  الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي     ورد تعريف الرهن الحيازي في نص المادة 948 من ق. م:" الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص، ضمانا لدين عليه أو على غيره، أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان، شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين، وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون". 

 وما يلاحظ على النص أنه تضمن تعريف الرهن الحيازي باعتباره مصدرا لحق الرهن لأن الرهن الحيازي يطلق إما على العقد بصفته مصدرا للحق وإما للحق العيني ذاته الذي أنشأه هذا العقد، كما تضمن النص مضمون الرهن الحيازي وهو انتقال الحيازة من الراهن إلى المرتهن أو إلى شخص أجنبي يعينه المتعاقدان حتى يستوفي حقه.

الفرع الثاني: خصائص الرهن الحيازي

أولا: حق عيني تبعي: حق الرهن الحيازي يشترك مع حق الرهن الرسمي في أن كلاهما حق عيني تبعي، حق عيني لأنه يخول الدائن المرتهن سلطة مباشرة على مال معين وهو حق تبعي لأنه لا يوجد لذاته بل لضمان حق آخر، وأن مصدره يكون دوما العقد

ثانيا: غير قابل للتجزئة: حق الرهن الحيازي يشترك مع حق الرهن الرسمي في أن كلاهما حق عيني تبعي لا يتجزأ، بمعنى أن الدين كله مضمون بالعين المرهونة والعين المرهونة كلها ضامنة للدين.

ثالثا: عقد رضائي : الرهن الحيازي من العقود الرضائية التي لا يشترط لانعقادها شكل خاص بل يتم بمجرد تبادل طرفاه التعبير عن إرادتهما المتطابقتان، مع ملاحظة أن المشرع قد أحال في المادة 950 من ق. م المتعلقة بالرهن الحيازي إلى أحكام الرهن الرسمي وهي المادة 891 المتعلقة بجواز ضمان الدين المستقبلي والاحتمالي والمعلق على شرط، والمادة 893 التي تقرر نبعية الرهن للدين المضمون وجودا وعدما، والمادة 904 التي تلزم بقيد الرهن حتى ينفذ في مواجهة الغير.

المطلب الثاني: أركان عقد الرهن الحيازي:

الفرع الأول: أهلية الراهن والمرتهن

 أولا:  المدين الراهن قد يكون هو المدين، وقد يكون شخصا آخر وهو ما يعرف بالكفيل العيني، والرهن الحيازي بالنسبة للمدين الراهن شخصيا يكون من أعمال التصرف الدائرة بين النفع والضرر لذلك يشترط فيه توافر أهلية التصرف، أما إذا كان الراهن شخص آخر (الكفيل العيني) فيشترط فيه الأهلية الكاملة أي أهلية التبرع.

 ثانيا: الدائن المرتهن بموجب عقد الرهن الحيازي فهو يتلقى حق الرهن وتنتقل له حيازة الشيء المرهون التي يترتب عنها التزامه بصيانة الشيء المرهون واستغلاله ورده عند انتهاء عقد الرهن مما يجعل التصرف بالنسبة إليه دائرا بين النفع والضرر وليس نافعا نفعا محضا كالرهن الرسمي، لذلك يجب أن يكون كامل الأهلية فلا يكفيه التمييز خاصة مع التصرفات التي تأتي وراء الرهن الحيازي.

  مع الإشارة إلى أن الرهن الحيازي يخضع في إثباته للقواعد العامة التي ينظر فيها لقيمة المال المرهون لا قيمة الدين المضمون ولو أنهما يسيرا طردا، فلا يجوز إثبات الرهن بشهادة الشهود أو البينة متى كانت قيمة المال المرهون تتجاوز مائة ألف (100.000دج) ولو كانت قيمة الدين لا تتجاوز ذلك (م 333 من ق. م).

الفرع الثاني: محل الرهن الحيازي وملحقاته:

   بالنسبة لمحل الرهن الحيازي نجد المادة 949 من ق. م نصت:" لا يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني من منقول وعقار". ومنه يرد الرهن الحيازي على المنقول كما على العقار، أي الأشياء القابلة للبيع بالمزاد العلني، بخلاف الرهن الرسمي الذي لا يرد إلا على القارات فقط وبعض المنقولات كاستثناء،

لم يرد نص صريح يخص ملحقات الرهن الحيازي كما جاءت المادة 887 من ق. م المتعلقة بالرهن الرسمي ومع ذلك فمن المسلم به أن الرهن الحيازي يمتد إلى ملحقات المال المرهون قياسا على الرهن الرسمي، وهذا استنادا للمادة 951 من ق. م .ج فقرة 02 التي تنص على :" ... ويسري على الالتزام بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع "، وبناء عليه إذا كان الشيء المرهون عقارا اشتمل الرهن على ملحقاته كالعقارات بالتخصيص والإنشاءات والتحسينات وحقوق الارتفاق كما يدخل في رهن المنقول ما يعتبر من ملحقاته .

الفرع الثالث: شروط المال المرهون:

   يجب أن تتوفر في المال المرهون سواء كان عقارا أو منقولا بعض الشروط:

 1 -  أن يكون معينا

2 - أن يكون مما يصح التعامل به وبيعه بالمزاد العلني

3 -  أن يكون الشيء المرهون موجودا وقت الرهن فلا يجوز رهن الأشياء المستقبلية وإلا كان الرهن باطلا بطلانا مطلقا.

4 -  أن يكون الراهن مالكا للمال المرهون: لأن الدائن المرتهن يستطيع أن يكسب حق الرهن على منقول متى حازه بحسن نية ويجوز له أن يتمسك حتى في مواجهة المالك الحقيقي بهذا الحق وأن يحبس عنه المال المرهون حتى يستوفي حقه، وهذا لا يمنع المالك من الرجوع الراهن بما أصابه من ضرر،

رهن الحصة الشائعة: أما عن رهن الحصة الشائعة رهنا حيازيا فيجوز، لأن الشريك يملك حصته الشائعة ملكا تاما فله أن يتصرف فيها بكل طرق التصرف، ومن ثم يستطيع رهنها ويكون رهنه صحيحا،

شرط الحيازة في الرهن: أما بالنسبة لتحقق شرط نقل الحيازة للمرتهن أو لشخص أجنبي يرتضيه الطرفان يمكن تحقيق ذلك بعدة طرق كأن يتفق الراهن والمرتهن وسائر الشركاء على تسليم المال المرهون إلى أحد الشركاء نيابة عن المرتهن كما يمكن الاتفاق على تسليمها للدائن المرتهن نفسه مع التنويه إلى أن القانون لم يتضمن حكما خاصا بالنسبة للرهن الحيازي إلا أنه يمكن تطبيق أحكام الرهن الحيازي.

  في الأخير ما يجب الإشارة إليه هو أنه يجوز رهن الشيء الواحد لضمان أكثر من دين وهذا ما جاءت على ذكره المادة 961 من ق. م في فقرتها الثانية.

المبحث الثاني: آثار الرهن الحيازي

   إن الرهن الحيازي بدوره على غرار الرهن الرسمي يرتب جملة من الآثار فيما بين المتعاقدين وأخرى في مواجهة الغير ندرسها تبعا.

المطلب الثاني: أثار الرهن الحيازي فيما بين المتعاقدين:

   الرهن الحيازي عقد ملزم لجانبين يرتب آثارا على عاتق طرفيه الراهن يقع عليه نقل حيازة الشيء المرهون وتسليمه مع ضمان سلامة الرهن ونفاذه، أما المرتهن فيقع عليه الالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون وإدارته واستثماره ثم يقوم برده عند انتهاء الرهن.

الفرع الأول: التزامات المدين الراهن: يقع على عاتق الراهن جملة من الالتزامات نوجزها في الآتي:

أولا: الالتزام بترتيب حق الرهن: ينشئ عقد الرهن الحيازي التزاما على عاتق المدين الراهن بإنشاء حق الرهن على أن هذا الالتزام ينفذ بمجرد إتمام العقد إذا كان الشيء المرهون معينا بالذات، أما إذا لم يكن معينا بذاته فيلتزم الراهن بترتيب حق الرهن وإذا كان الشيء المرهون  معينا بالنوع أو من المثليات التزم الراهن بالإفراز.

ثانيا: الالتزام بتسليم الشيء المرهون: ونصت عليه المادة 951 من ق. م:" ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه". مع الإشارة أنه وكما سبق الذكر يسري على تسليم الشيء المرهون تسليم المبيع كما أن للتسليم أهمية بالغة لنفاذ الرهن في مواجهة الغير.

ثالثا: الالتزام بضمان سلامة الرهن ونفاذه: وهذا ما تضمنته المادة 953 من ق. م:" يضمن الراهن سلامة الرهن ونفاذه، وليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد، وللدائن المرتهن في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون". ومن خلال النص يتضح أن على الراهن الامتناع عن القيام بأي عمل مادي أو قانوني من شأنه التأثير على حق المرتهن وبالنسبة لضمان نفاذه فهو يقوم بكل ما يلزم حتى ينفذ الرهن في مواجهة الغير كتقديم سندات قيد الرهن.

رابعا: الالتزام بضمان هلاك الشيء المرهون وتلفه: وهذا ما نصت عليه المادة 954 من ق. م:" يضمن الراهن هلاك الشيء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعا لخطئه أو ناشئا عن قوة قاهرة.

وتسري على الرهن الحيازي أحكام المادتين 899 و900 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهنا رسميا أو تلفه، وبانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق". والمادتين سبق التطرق لهما في الحديث عن الرهن الرسمي،

فالمادة 899 تعطي حق الخيار للدائن إذا كان الهلاك بسبب المدين أن يطلب تأمينا كافيا أو أن يستوفي حقه فورا،

أما إذا كان الهلاك بسبب أجنبي ولم يقبل الدائن أن يبقى الدين بلا تأمين، فللمدين الخيار بين أن  يقدم تأمينا كافيا أو يوفي الدين فورا، كما تنص المادة على أن حق الدائن ينتقل إلى ما يحل محل المال الهالك من تعويض أو مبلغ التأمين أو ثمن نزع المال للمنفعة العامة.

الفرع الثاني: حقوق المدين الراهن:

أولا: ملكية الراهن للمال المرهون: تظل ملكية المدين الراهن للمال المرهون، فيحق له أن يتصرف فيه تصرفا قانونيا كأن ينقل ملكية المال المرهون أو يرتب عليه حقا عينيا ما دام أن التصرف لا يضر بحق الدائن المرتهن، فيستطيع أن يرهن المال المرهون رهنا رسميا أو حيازيا آخر، كما أن التصرفات المادية ينطبق عليه نفس الشرط وهو عدم الإضرار بالمرتهن.

ثانيا: حيازة المال المرهون: إن الحيازة في الرهن الحيازي تنتقل للدائن المرتهن وهذه الحيازة تكون على سبيل الرهن أما حق الملكية فيظل للمدين الراهن، فالمرتهن يكون حائزا قانونيا بالنسبة لحق الرهن وحائزا عرضيا بالنسبة لحق الملكية.

الفرع الثالث: التزامات الدائن المرتهن:

أولا: الالتزام بحفظ الشيء المرهون وصيانته: حيث نصت المادة 955 من ق. م:" إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه وصيانته ما يبذله الشخص المعتاد وهو مسؤول عن هلاك الشيء أو تلفه، ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب لا يد له فيه".

 من خلال النص يتضح أن التزام المرتهن بالمحافظة على الشيء المرهون تبدأ منذ انتقال الحيازة إليه أما إذا انتقلت الحيازة لشخص أجنبي فهذا الالتزام يقع عليه حتما، والالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون هو التزام بعمل مطلوب منه بذل العناية اللازمة لذلك وهي عناية الرجل المعتاد، وإذا اقتضت الضرورة أن يقوم المرتهن ببعض الأعمال لصيانة الشيء المرهون فيجب عليه القيام بها على أن يخصمها فيما بعد من الغلة، وإذا أخل المرتهن بالتزامه بالمحافظة على الشيء المرهون وصيانته كان مسؤلا اتجاه الراهن عن أي ضرر بسبب إهماله هذا.

ثانيا: الالتزام باستثمار الشيء المرهون: حيث نصت المادة 956 من ق. م:" ليس للدائن أن ينتفع بالشيء المرهون دون مقابل. وعليه أن يستثمره استثمارا كاملا، ما لم يتفق على غير ذلك.

وما حصل عليه الدائن من صافي الريع وما استفاده من استعمال الشيء، يخصم من المبلغ المضمون بالرهن ولو لم يكن قد حل أجله، على أن يكون الخصم أولا من قيمة ما أنفقه في المحافظة والإصلاحات على الشيء ثم من المصاريف ثم من أصل الدين".

يتضح من نص المادة أنه يتوجب على الدائن المرتهن أن يستثمر الشيء المرهون استثمارا كاملا ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك وإن حصل وأن انتفع به شخصيا فلا يكون هذا الانتفاع بدون مقابل، وما تم الحصول عليه من هذا الاستثمار يبدأ يخصم منه ما أنفقه المرتهن في المحافظة على الشيء المرهون وإصلاحه ثم المصاريف التي كلفها ثم بعدها يخصم منه أصل الدين.

         أما عن وقت حلول أجل الدين فقد جاء في نص المادة 957 من ق. م أنه إذا لم يحدد الطرفان أجلا للدين المضمون ففي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يستوفي حقه إلا عن طريق خصمه من قيمة الثمار أو نتاج استغلاله هذا دون إخلال بحق المدين الراهن بالوفاء بالدين الذي عليه في أي وقت يشاء.

ثالثا: الالتزام بإدارة الشيء المرهون: وهذا ما نصت عليه المادة 958 من ق. م:" يتولى الدائن المرتهن إدارة الشيء المرهون وعليه أن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله الرجل المعتاد، وليس له أن يغير من طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضا الراهن، ويجب عليه أن يبادر بإخطار الراهن عن كل أمر يقتضي تدخله.

فإذا أساء الدائن استعمال هذا الحق أو أدار الشيء إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالا جسيما، كان للراهن الحق في أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة أو أن يسترده مقابل دفع ما عليه".

يتضح من النص أن الدائن المرتهن يلتزم بإدارة الشيء المرهون إدارة حسنة وعليه أن يبذل في ذلك ما يبذله الرجل المعتاد في إدارته لأن التزامه هنا هو الآخر التزام بالقيام بعمل، وكما أنه لا يقدم على التغيير في طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضا المدين الراهن فإن كان استغلاله للسكن استغله لهذا الغرض كما عليه أن يخطره في أي أمر يقتضي تدخله، مع التنويه هنا أنه أي إساءة أو سوء إدارة أو أي إهمال يبلغ حدا من الجسامة كان للراهن الحق في طلب وضع الشيء تحت الحراسة أو يدفع ما عليه مقابل استرجاع الشيء المرهون.

رابعا: الالتزام برد الشيء المرهون: وقد نصت على هذا الالتزام المادة 959 من ق. م:" يجب على الدائن أن يرد الشيء المرهون إلى الراهن بعد استيفاء كامل حقه وما يتصل بالحق من ملحقات ومصاريف وتعويضات".

حيث أنه بمجرد استيفاء الدائن حقَّه بكل ملحقاته من مصاريف لصيانته والتعويض عن أي ضرر يقوم برده للمدين الراهن لأنه هو المالك للشيء المرهون، أما المادة التي تليها فقد أحالت لتطبيق أحكام الرهن الرسمي على الرهن الحيازي فيما يتعلق بمسؤولية الراهن غير المدين وعدم إمكانية التنفيذ على غير ماله المرهون وعدم جوازه الدفع بالتجريد إلا إذا وجد اتفاق بينه وبين من كفله، كما تطبق أيضا القواعد المتعلقة بحظر شرط التملك في حالة عدم الوفاء بالدين المرهون وقبل حلول الأجل أما بعد حلول الأجل فيمكن ذلك، كما منعت البيع دون إتباع لإجراءات البيع بالمزاد العلني.

المطلب الثالث: آثار الرهن الحيازي في مواجهة الغير:

         لا ينفذ الرهن الحيازي في مواجهة الغير إلا إذا انتقلت حيازة الشيء المرهون من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن أو إلى الأجنبي الذي يرتضيه الطرفان، فانتقال الحيازة ليس شرطا في انعقاد الرهن وإنما يشترط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير، فانتقال الحيازة للدائن المرتهن يعطيه الحق في حبس الشيء المرهون وهو ما يعطيه حق الأفضلية في استيفاء حقه.

الفرع الأول: انتقال حيازة الشيء المرهون: حيث نصت المادة 961 من ق. م:" يجب لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد الدائن أو الأجنبي الذي ارتضاه المتعاقدان". والحكمة من ذلك هو إعلام الغير بما يثقل الشيء المرهون من أعباء الرهن حتى ولو تم بعد ذلك تأجيره للمدين الراهن نفسه شريطة أن يذكر ذلك في عقد الإيجار.

الفرع الثاني: حق حبس الشيء المرهون: ونصت على ذلك المادة 962 من ق. م:" يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على الناس كافة، دون إخلال بما للغير من حقوق تم حفظها وفقا للقانون.

وإذا خرج الشيء من يد الدائن دون إرادته أو دون علمه، كان له الحق في استرداد حيازته من الغير وفقا لأحكام الحيازة".

 ومن خلال النص يتضح الأثر الثاني للرهن الحيازي في مواجهة الغير وهو حق حبس الشيء المرهون في مواجهة المدين ذاته وفي مواجهة الغير إذا كان حق رهنه سابقا لحقوقهم المقيدة، حتى يستوفي كامل دينه تطبيقا لقاعدة عدم تجزئة الرهن، ليس هذا فحسب بل حتى وإن خرجت حيازة الشيء المرهون من يد الراهن أو الأجنبي الذي يحوزه برضا أطرافه دون إرادتهم أو بغير علمهم فيستطيعوا أن يستردوا حيازة هذا الشيء.

الفرع الثالث: حق التقدم والأفضلية: حيث أن الدائن المرتهن يستوفي حقه من ثمن الشيء المرهون أو من المال الذي حل محله متقدما بذلك على الدائنين العاديين طبعا والدائنين أصحاب الامتياز التاليين له في المرتبة، مع الإشارة هنا إلى أن هذا التقدم يشمل وفي نفس المرتبة أصل الحق بالإضافة إلى المصاريف التي نصت عليها المادة 963 من ق. م:" لا يقتصر الرهن الحيازي على ضمان أصل الحق وإنما يضمن أيضا وفي نفس المرتبة ما يلي:

-       المصاريف الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء.

-       التعويضات عن الأضرار الناشئة عن عيوب الشيء.

-       مصاريف العقد الذي أنشأ الدين ومصاريف عقد الرهن الحيازي وقيده عند الاقتضاء.

-       المصاريف التي اقتضاها تنفيذ الرهن الحيازي".

الفرع الرابع:  حق التتبع: وهذا معناه أن الدائن المرتهن يستطيع ممارسة حقه في تتبع الشيء المرهون حتى يستوفي دينه والتتبع هنا لا يعني التتبع المادي بل التتبع القانوني لأنه في الرهن الحيازي تنتقل حيازة الشيء المرهون من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن أو إلى أجنبي يرتضيه الطرفان حتى ينفذ الرهن في مواجهة الغير، فإذا خرجت هذه الحيازة من يده بغير إرادته أو دون علمه فهنا يستطيع استردادها لكن إذا حدث وأن انتقلت هذه الحيازة خاصة في المنقول إلى شخص حسن النية واستند إلى قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية فهنا لا يمكن استعمال حق التتبع ويصبح دائنا عاديا لفقده الحيازة سواء كان الشيء المرهون عقارا أو منقولا.

المبحث الثالث: انقضاء الرهن الحيازي

ينقضي الرهن الحيازي كما الرهن الرسمي بصفة تبعية لانقضاء الالتزام المضمون أو بصفة أصلية دون انقضائه

المطلب الأول: انقضاء الرهن الحيازي بصفة تبعية: ونصت عليه المادة 964 من ق. م:" ينقضي حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون ويعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين، دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها قانونا في الفترة ما بين انقضاء الحق وعودته". وهذا معناه أن الرهن تابع للحق الذي يضمنه يزول لزواله ويعود لعودته دون الإخلال بالحقوق التي يكتسبها الغير حسن النية في الفترة بين زواله وعودته، وكما رأينا في الرهن الرسمي أن الالتزام الأصلي ينقضي بالوفاء أو ما يقوم مقام الوفاء أو بالإبراء أو استحالة التنفيذ، أو التقادم المسقط.

المطلب الثاني: انقضاء الرهن الحيازي بصفة أصلية: وهذا ما جاءت به المادة 965 من ق. م:" ينقضي أيضا حق الرهن الحيازي بأحد الأسباب الآتية:

-       إذا تنازل الدائن المرتهن عن هذا الحق على أنه يجوز أن يحصل التنازل ضمنا بتخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون أو من موافقته على التصرف فيه دون تحفظ، غير أنه إذا كان الشيء مثقلا بحق تقرر لمصلحة الغير، فإن تنازل الدائن لا ينفذ في حق هذا الغير إلا برضائه.

-       اتحاد الذمة فإذا اجتمع حق الرهن الحيازي مع حق الملكية في يد شخص واحد ينتهي الرهن.

-       إذا هلك الشيء المرهون .

 

 



[1] الفيروزابادي محمد بن يعقوب، القاموس المحيط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، ط 5 ، 1996 ، ص 1361 .

[2] البابرتي محمد بن محمد بن محمود، العناية شرح الهداية، ج 7 ، ص 163 .

[3] الصاوي أبو العباس أحمد بن محمد ، بلغة السالك لأقرب المسالك، دار المعارف ، د ط ، ط ت ، ج 3 ، ص 430 .

[4] الشربي محمد بن أحمد الخطيب ، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط 1 ، 1994 ، ج 3 ، ص 198 .

[5] عبد المجيد بن يكن ، عقد الكفالة بين الفقه الإسلامي و التقنين المدني الجزائري، رسالة دكتوراه في الشريعة والقانون ، جامعة باتنة 1 ، كلية العلوم الإسلامية، 2014- 2015 ، ص 25 .

[6] ابن قدامة أبو محمد موفق الدين، المغني ، مكتبة القاهرة ، د ط ، 1968 ، ج 4 ، ص 399 .

[7] السنهوري عبد الرزاق ، الوسيط في شرح القانون المدني، ج 10 ، ص 24 .

[8] المرجع نفسه، ج 10 ، ص 25 .

[9] المرجع نفسه، ج 10 ، ص 26 .

[10] تناغو سمير عبد السيد، التأمينات الشخصية و العينية ، منشأة المعارف ، الاسكندرية، 1996 ، ص 21 .

[11] المرجع نفسه، ص 19 .

[12] سمير تناغو ، مرجع سابق ، ص 27 .

[13] تناغو سمير، مرجع سابق ، ص 27 .

[14] السنهوري عبد الرزاق ، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 31 وتناغو سمير ، مرجع سابق، ص 33.

[15] تناغو سمير ، مرجع سابق ، ص 33 .

[16] المرجع نفسه ، ص 33 .

[17] السنهوري ، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 38 .

[18] السنهوري عبد الرزاق، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 38 – 39 .

[19] المرجع نفسه، ج 10 ، ص 40 .

[20] السنهوري عبد الرزاق، مرجع سابق ، ص 42 .

[21] السنهوري عبد الرزاق ، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 52 -53 .

[22] عبد المجيد بن يكن، مرجع سابق ، ص 150 .

[23] عبد المجيد بن يكن ، مرجع سابق ، ص 157 .

[24] تناغو سمير، مرجع سابق، ص 60 .

[25] المرجع نفسه، ص 61 .

[26] عبد المجيد بن يكن ، مرجع سابق، ص 171 .

[27] تناغو سمير، مرجع سابق ، ص 67 . أحمد محمد زياد فيصل شرف، الدفع بالتجريد في عقدالكفالة دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير ، جامعة الشرق الأوسط كلية الحقوق، 2012 ، ص 88 وما بعدها.

[28] علي أبومارية، تجريد أموال المدين كدفع من الدفوع المقررة لمصلحة الكفيل في القانون الفلسطيني مقارنة بالقانون الكويتي، مجلة العلوم القانونية و السياسية، جامعة الوادي ، م 12 ، ع 01 ، أفريل 2021 ، ص 12 – 39 .

[29] تناغو سمير ، مرجع سابق ، ص 82 .

[30] المرجع نفسه، ص 83.

[31] السنهوري عبد الرزاق، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 169 - 170.

[32] السنهوري عبد الرزاق، مرجع سابق ، ص 173 وما بعدها.

[33] سمير تناغو، مرجع سابق، ج 2 ، ص 19 .

[34] السنهوري، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 271 .

[35] نفسه، ج 10 ، ص 271 .

[36] عبدلي أمينة، الشروط الشكلية لعقد الرهن الرسمي في القانون الجزائري، مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية و السياسية،المركز الجامعي تيبازة، ع 4 ، جانفي 2018 ، ص 194 -209.

[37] عبدلي أمينة، مرجع سابق.

[38] علي خوجة خيرة، محاضرات في العقود الخاصة ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة الجلفة، 2021 – 2022 .

[39] سمير تناغو، مرجع سابق، ص ج 2 ، ص 37 .

[40] المرجع نفسه ، ج 2 ، ص 38 .

[41] المرجع نفسه ، ج 2 ، ص 38 .

[42] السنهوري، مرجع سابق، ج 10 ، ص 356 .

[43] سمير تناغو ، مرجع سابق ، ج 2 ، ص 48 ، السنهوري، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 

[44] السنهوري ، مرجع سابق، ج 10 ، ص 358 – 359 .

[45] السنهوري، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 370 .

[46] المرجع نفسه ، ج 10 ، ص 372 .

[47] سمير تناغو، مرجع سابق، ج 2 ،  ص 102 .

[48] السنهوري، المرجع السابق، ج 10 ، ص 399 .

[49] سمير تناغو، مرجع سابق، ج 2 ، ص 107 .

[50] سمير تناغو ، مرجع سابق ، ج 2 ، ص 112 .

[51] بلحو نسيم ، آثار الشهر العقاري في انتقال الملكية بين القانون والتطبيق، مجلة الأستاذ الباحث للدراات القانونية والسياسية، ع 8 ، مجلد 1 ، 2017 ، ص 311 – 325 .

[52] يقوم بذلك الموثق  وفقا لنص المادة 10 من القانون 06/ 02 المتضمن قانون تنظيم مهنة  الموثق (يتولى الموثق حفظ العقود التي يحررها أو يتسلمها للإيداع ويسهر على تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها قانونا لاسيما تسجيل وإعلان ونشر وشهر العقود في الآجال المحددة قانونا )

[53] عبدلي أمينة، مرجع سابق.

[54] السنهوري، مرجع سابق، ج 10 ، ص 442 وما بعدها .

[55] تناغو سمير ، مرجع سابق، ج 2 ، ص 127 .

[56] حسام الدين كامل الأهواني، التأمينات العينية في القانون الكويتي، مؤسسة دار الكتاب، الكويت ، ج 1 ، ص 396 .

[57] تناغو سمير ، مرجع سابق، ج 2 ، ص 127 ، السنهوري ، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 456 .

[58] سمير تناغو ، مرجع سابق ، ج 2 ، ص 129 .

[59] المادة 251 من القانون التجاري الجزائري.

[60] السنهوري، مرجع سابق ، ج 10 ، ص 462 .

[61] م 96 من المرسوم 76ـ 63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري .

[62] السنهوري، مرجع سابق، ج 10 ، ص 482 .

[63] المرجع نفسه، ج 10 ، ص 487 .

[64] سمير تناغو ج 2 ، ص 136 .

[65] السنهوري، مرجع سابق، ج 10 ، ص 493 .

[66] المادة 986 من القانون المدني الجزائري وما بعدها المتعلقة بالحقوق الممتازة.

[67] السنهوري، مرجع سابق، ج 10 ، ص 515 .

[68] المرجع نفسه ، ج 10 ، ص 518 .

[69] سمير تناغو، مرجع سابق، ج 2 ، ص 142 .

[70] المرجع نفسه ، ج 2 ، ص 144 .

يعتبر المنازعات الادارية مقياس عملي تطبيقي لمقياس القرارات والعقود الادارية وهو يتنازل النزاعات الناجمة جراء هذين التصرفين وخطوات النزاع امام مختلف هيئات التقاضي الادارية

القرار الاداري هو اهم مظاهر النشاط الاداري الذي عادة يتخذ مظهرين المظهر الاول يتعلق بممارسة سلطة الضبط الإداري للحفاظ على النظام العام في المجتمع بابعاده الثلاثية الامن الامن العام الصحة العامة السكينة العامة اما المظهر الثاني فيتعلق بانشاء مرافق لتلبية الحاجات العامة للافراد و لتحقيق ذلك تباشر السلطة العامة اعمالا ادارية مختلفة يمكن تقسيمها الى اعمال ادارية و اعمال قانونية 

هذا المقياس المسمى بالقرارات و العقود الادارية يتنازل اهم نشاط اداري يصدر عن اشخاص القانون العام وهما  وسيلتا تصرف الادارة و تعبيرها ومن ثمة وجب بسط مفاهيم القرار الاداري وكذا العقد  والبحث عن ماهيتهما ومختلف ما ينجر عنهما 

تسمح مادة  المنازعات الإدارية بالاطلاع على نمط القضائي المنتهج بما فيه القضاء الإداري وخطوات التقاضي فيه وشروطه وكيفيته مع الاطلاع على هيئات القضاء الإداري في الجزائر بمختلف درجاتها بداية من المحكمة الإدارية ومرورا بالمحكمة الإدارية للاستئناف و انتهاء بمجلس الدولة 

يلعب القرار الإداري دورا محوريا في منظومة الإدارة ، ويمكن القول انه من اهم وسائل تواصل الادارة و تعبيرها عن ارادتها غاية ما هنالك ان  القرار الاداري قد ينحرف عن خط المشروعية مما يستدعي تسليط رقابة القضاء الإداري عليه من خلال دعوى الإلغاء او التفسير او فحص المشروعية وهو مضمون  مقرر القرارات  الإدارية 

و بالرغم من اهمية القرارات الإدارية ومكانتها الا ان السلطة الإدارية كثيرا تكون مضطرة للعمل باسلوب قانوني آخر يعرف بالعقد الاداري وهو لا يقل اهمية عن القرار فهو من الأدوات الفاعلة في تنفيذ البرامج ومخططات الدولة