افتخر العرب بلغتهم التي كانت موطن عزتهم و في وقت كان غيرهم يفتخر بالدور والقصور… كان العرب يشيدون لغة عظيمة قادرة على التعبير عن الأحاسيس المتدفقة و وصف أجزاء الصور الدقيقة فكانت تعجز السامع لقدرتها على توسيع الأجزاء واختصار الكل، و جمع المتناقضات لتفسير المعاني المبهمة ( الأمور بالأضداد تعرف) وضع الكلام موضع الشبهة لتفسير الأحوال على قاعدة الأشياء والنظائر، وتفسير الكلام لتقع الأحوال موضع الشبهة ، خصائص لم تكتسبها أي لغة من بنات عمها.

      فالعربية قبل نزول القرآن الكريم ، كانت تتكون حتى شهد لها الأعداء بقوة ألفاظها ودقة معانيها وجزالة عبارتها.... اكتسبت هذه المميزات عبر قرون من التكوين والصقل حتى أصبحت كما أراد الله أن تكون فتحمل رسالة القرآن الكريم ، لكن هذه الخصوصية هل هي نابعة من قوة اللغة أو من حامليها أم هما معًا؟ هل هذه القوة في الألفاظ العبارات، المعاني، السيق، والتراكيب...

      العرب منذ القديم عرفوا كيف يقدموا كلماتهم و الألفاظهم في شعرهم و نثرهم وحتى في كلامهم العام في عبارات و تراكيب و جمل متناهية الدقة ، أوجدوا لها قواعد في القول أو الكتابة ، فقدموا للقول فصيح اللسان بليغ الكلام العارف بأحوال الناس و الأنساب و التاريخ و الثقافة البشرية... كما اختاروا من فيه هذه الخصائص في رسلهم وكتابهم وسفرائهم حتى تُحمل رسائلهم على أحسن وجه ، وعليه فإن الاهتمام باللغة قديمُ في الوجود وإن لم يدخل عالم التنظير، إلا أنه موجود في مضمون الإنتاج الأدبي من شعر ونثر إذ لا يوجد ما يضاهيه بين الآداب العالمية ، فقد عرف من بين ما عرف من القواعد  الضابطة للكلام " يجب أن يوافق المقال واقع الحال" لكل مقام مقال" حتى أن العربي لم يخاطب الأشخاص بنفس الخطاب و لا بنفس اللغة حتى الألفاظ  و العبارات ، فكل وما يناسبه ، يُفهم ذلك من خلال سياق الكلام، و هذه السياق يحمل جملة من العناصر.