Aperçu des semaines

  • مقدمة

    يمثل هذا العمل مجموع الدروس المقدمة في مقياس الأدب الشعبي العام، ، وهي خاصة بطلبة السنة الثانية ليسانس ( تخصص: دراسات أدبية )، في قسم اللغة العربية و آدابها التابع لكلية الآداب واللغات والفنون بجامعة زيان عاشور ( الجلفة ) .

      كان منهجنا في هذا العمل يركز على تقديم معلومات نظرية كافية قدر المستطاع حول مواد هذا المقياس، والاعتماد على أكبر قدر من المراجع ، ومحاولة تجديد المعلومات بين الفينة والأخرى.

    ارتكزت طريقتنا أيضا على تقديم بعض الأمثلة الحية من الواقع وكذا الإشارة إلى بعض النصوص،  وهذا لتقديم المقياسين بشكل مشوّق، وربط النظري بالتطبيقي  .

       و قد ارتأينا تقديم هذه المحاضرات للطلبة ليستفيدوا أكثر منها ، ولتحقيق أهداف منها :

    - توفير مادة علمية للطلبة في مقياس الأدب الشعبي العام ،خاصة وأنّ الطلبة يشتكون أحيانا من نقص المراجع في هذا المجال .

    - الخروج بمادة علمية مكتوبة من خلال عملية التحضير،وعدم التركيز فقط على الشفاهية .  

       أما عن محتويات هذه المطبوعة فقد انطلقت بمجموعة من التمهيدات التي تمحورت حول تعريف الثقافة ، وكذا حول بعض الدراسات الشعبية القديمة ، واهتمام العرب القدامى و الأوربيين بالظاهرة الشعبية ، ثم أهم محطات تاريخ الفلكلور، ومفهومه وعلاقته بالحقول المعرفية والفنية الأخرى.

       وبعد أن عرفنا الأدب الشعبي، وعدّدنا وظائفه التي أداها عبر تاريخه الطويل، انطلقنا في تعريف أشكال التعبير في هذا الأدب، وذكرنا أهميتها وأسلوبها والجوانب الإبداعية فيها. هذا مع عدم إغفالنا لأهم المناهج التي تتصدى لدراسة نصوص الأدب الشعبي، مثل المنهج النفسي، والمورفولوجي ..

         في الأخير نتمنّى أن نكون قد وفقنا في تقديم هذه المادة العلمية بشكل يساعد الطلبة على فهمها والتفاعل معها، والشغف بمباحثها ، ممّا إلى توسيع قراءاتهم فيها من خلال المزيد من المراجع..       

                                                                                      

     

     

  • مفاهيم في الثقافة

    عُني الباحثون الاجتماعيون بدراسة التواتر في السلوك الإنساني والحياة الجمعية، واستخدموا للتعبير عن ذلك عدة مفاهيم، من أهمها مفهوما: الثقافة والمجتمع، بمعنى محاولة تفسير وإيجاد مفهوم لهذا الانسجام الذي نجده في سلوك أفراد المجتمع الواحد وتفكيرهم..

    ومن جهة أخرى هذا الاختلاف الواقع بين مجتمع وآخر، والوسيلة التي تمكّن من تصنيف المجتمعات.

    وهكذا « تعدّ الثقافة عملا مهما في تصنيف المجتمعات والأمم وتميز بعضها عن بعض، بالنظر لما تحمله الثقافة من خصائص ودلالات ذات أبعاد فردية واجتماعية، وأيضا إنسانية»[1].

    ولكن قبل أن يعني مصطلح الثقافة هذا المفهوم، ويساق لهذا الهدف، لابد من الإشارة إلى أنه تطورتاريخيا.

    المعنى الغوي:

    في لسان العرب: « يقال ثقف الشيء، وهو سرعة التعلم ». وفي الصحاح: « ثقف الرجل، من باب ظرُف صار حاذقا خفيفا... والثقاف ما تسوى به الرماح، وتثقيفها: تسويتها... »[2]. إذن فكلمة ثقِف، يثقف تحمل لغويا معنى الفهم والقدرة على الاستيعاب وعلى تلقّي التجارب والمعارف والاستفادة منها.

    المعنى الاصطلاحي وتطوره:

    مفهوم الثقافة ثمرة من ثمار عصر النهضة عندما شهدت أوربا في القرن السادس عشر انبثاق مجموعة من الأعمال الأدبية الجليلة في الفن، وفي الأدب وفي الفكر[3]. وهذه الأعمال هي التي أصبحت الأرضية والممهّد لما عرفته أوربا فيما بعد من ثورة صناعية وتطوّر مدني هائل، وتحرير الفرد لمواهبه..

    أما في القرن الثامن عشر، فإن السائد في أوربا أن الثقافة تعني « شحذ الفكر وبلورته»[4]. وهو معنى يتوافق بعض الشيء مع المعنى اللغوي العربي للكلمة.. كما لا يجب أن ننسى مفهوما - كان شائعا ولا زال- يعتبر الثقافة مجمل المعارف العامة.

    تعريف الثقافة:

    تعددت تعريفاتها ومفهوماتها نظرا لتعقدها، فمن التعريفات من يركز على الجوانب المعنوية الفكرية، ومنها من يأخذ بالجوانب الموضوعية المادية، ومنها من يراعي كليهما..ولهذا يرى إدغار آلان موران أن « الثقافة بداهة كلمة تبدو وكأنها كلمة ثابتة حازمة، والحال أنها كلمة فخ، خاوية، ملغمة، حائلة. .»[5]

    ولعلّ من أشهر التعريفات التي استطاعت أن تتمثّل خصائص مفهوم الثقافة وحقيقتها الجوهرية ما ذهب إليه مالك بن نبي في كتابه مشكلة الثقافة حين رأى أنّ الثقافة « مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته ، وتصبح لاشعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه »[6]

           وهنا يظهر الأثر الكبير للوسط الاجتماعي المحلي الذي ينشأ فيه الفرد ويتلقى فيه مجموعة من الأعراف والقيم الروحية والنفسية والاجتماعية ، ويشكّل مجالا مهما للفرد يتلقى فيه ثقافة تميزه عن إنسان المجتمعات الأخرى . ولعل هذا ما حدا  بمالك بن نبي إلى القول بأنّ الفرد محتاج إلى مجال حيوي biosphère  عضوي لنموه المادي ، لكنه أيضا بحاجة ماسّة إلى  مجال روحي noosphère ينمي فيه وجوده النفسي، وهو الذي يتمثل في الوسط الاجتماعي ، وأنّ النتيجة التي تنتج عن هذا الاتصال بين الفرد والوسط الاجتماعي هي الثقافة.-

          ومادامت الثقافة هي نتيجة تواجد الإنسان داخل مجتمع معين محدد ومتميز بقيمه وأخلاقه وأعرافه ونمط سلوكه وتعاطيه مع المفاهيم والأشياء ، فإنها بالطبع ستكون المسؤولة عن اختلاف كل هذه العناصر السابقة بين مجتمع وآخر ، فالثقافة كما تصنع ظاهرة التواتر والتشابه في السلوك والتفكير والتصور والتصرف داخل المجتمع الواحد ، فكذلك « تعد الثقافة عملا مهما في تصنيف المجتمعات والأمم وتميز بعضها عن بعض بالنظر لما تحمله مضمونات الثقافة من خصائص ودلالات ذات أبعاد فردية واجتماعية ، وأيضا إنسانية»[7]  ، 

     

        ولا يبتعد المعجم النفسي الفرنسي في تحديده لمفهوم الثقافة عن هذا المعنى كثيرا حيث يرى أنها : « تطور الجسم والفكر الإنساني وفق حركة الوسط الاجتماعي، وأنّ كل مجتمع إنساني ـ حتى الأكثر بدائية ـ يبلور ثقافته التي هي شرط لنمو أفراده .. وأنّ الثقافة  مسؤولة عن صنع فرد متميز».[8] 

       أما إذا أردنا أن نذهب إلى تعريف دقيق تعدادي للعناصر التي تشكل مفهوم الثقافة داخل المجتمع فإنّنا يمكن أن نأخذ بتعريف المفكر محمد عبده الجابري الذي يرى بأنها « ذلك الكل المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والرموز والقيم والتعبيرات والإبداعات التي تحتفظ لجماعة بشرية تشكل أمة من الأمم أو في معناها  بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء ».

    ولعل من مميزات هذا التعريف بالإضافة إلى إشارته للعناصر التي ينتظمها مفهوم الثقافة، أنه يشير إلى عامل مهم وهو قدرة الثقافة الخاصة أو المحلية على التواصل مع الثقافات الأخرى بحيث لا تتقوقع على نفسها، بل تأخذ ما يمكن أن يفيد في سيرورتها وتطوّرها كما أنها تكون قادرة على إفادة الثقافات الأخرى من قيمها الأخلاقية والفكرية.

     

     

     



    [1] - عيسى الشماس ، الأنثروبولوجيا الثقافية / الشخصية الحضارية ، مقال منشور في الأنترنت ، موقع www.moustakbaliat.com

     

    [2] أبوبكر الرازي، مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت، 1996، ص74.

    [3] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، بيروت، د.ت، ص30.حسن قبيسي، ط1، ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997، ص152.

    [4] جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، تر: حسن قبيسي، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997 ،ص 152.

    [5] Morin Edgar(1969) ; De la culture analyse à la politique culturelle..نقلا عن: عيسى شماس ، مقال سابق.

    [6]  مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة ، ص102.

    [7] عيسى الشماس ،الأنثروبولوجيا الثقافية / الشخصية الحضارية ، مقال منشور في الأنترنت ، موقع www.moustakbaliat.com

    [8] Sillang , Norbert , Dictionnnaire de la psychologie ,Paris : Librairie Larousse , 1967, p 83.

     

  • لمحة عن تاريخ الاهتمام بالثقافة الشعبية

     لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ندرس ظاهرة من الظواهر الإنسانية ، دون أن نتطرق إلى تاريخها و نحاول البحث في أصولها إذ إنّ عناصر الفكر الإنسانيين هما بمثابة الأبجدية ، التي تتكون حروفها عبر مسيرة الإنسانية الطويلة . و لا يستطيع علم أو مجال معرفي حديث أن يدعي انه نشأ من فراغ ،" و إلا لنا أن نتساءل كيف يمكن أن تطرح تخصصات في هذا العصر ، و تبتر عن جذورها و أصولها جاعلة من الفروع أصولا ، متنكرة بذلك لأبسط قوانين التطور و الارتقاء"[1]، كما يقول رشدي فكار.

       من هذا المنطلق يجدر بنا –قبل أن نلج مفردات الثقافة الشعبية و علم الفلكلور و الأدب الشعبي – أن تتبع بعض ملامح الاهتمام القديم بهذا المجال عند العرب و عند الأوروبيين.

    في التراث العربي:

    إن المتأمل في كتب التراث العربي القديم يلاحظ هذا الاهتمام بين الفينة و الأخرى بتسجيل بعض جوانب التراث الشعبي ، سواء أكان قوليا أم فعليا ،إذ " لا نبالغ إذا قلنا أن ما قام به علماء العرب و المسلمين الأوائل من جمع و تدوين و تسجيل لمادة المأثورات الشعبية و مناهج دراستها يفوق أكبر الأرشيفات العالمية (...) فقد اهتمت نخبة من علماء و أدباء ذلك العصر ، من أمثال الجاحظ و ابن قتيبة و ابن خلدون ، و غيرهم بهذا الضرب من الثقافة(...) و كان المصطلح المعروف هو نسبة العناصر التي قاموا بجمعها إلى العامة، فهناك أدب العامة و معتقدات العامة ..."[2].

       و يحسب للعرب أيضا أنّهم ابتدعوا كثيرا من معالم العمل الميداني الذي يعنى بتسجيل المادة الشعبية ، لا سيما و أن الثقافة العربية كان أغلبها شفهيا في ذلك الزمن.فوضعوا منهجا لكيفية الجمع و التدوين و طرق الإسناد و الثقة في الراوي ، و غيرها من التفاصيل التي تتعلق بالمادة الشفوية و كيفية جمعها.

    و على الرغم من ضخامة كم المادة الشعبية، المكتنزة في بطون كتب التراث العربي القديم ، إلا أنها تعاني من مشكلتين يعيقان ظهورها و بروزها بوصفها مادة علمية جديرة بالدراسة و التحليل ، مما قد يؤهلها لأن تصبح مدخلا مهما لما يمكن أن نسميه علم فلكلور عربي و علم أنثروبولوجيا عربي .

    هاتان المشكلتان هما :

    -         الإهمال : إذ لا يلتفت لهذه المأثورات أغلب الدارسين ، و يكتفون بالدراسات الغربية.

    -         التشتت: إذ أن هذه المأثورات متناثرة بين مختلف المداخل الأخرى، الدينية أو السياسية أو الأدبية أو اللغوية التي حظيت بالبروز و الازدهار عبر المراحل المختلفة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية[3] .

    هذا و يمكن حصر أهم أشكال الاهتمام العربي بالمادة التراثية فيما يلي :

     الجانب الأسطوري و الخرافي:

      إذ حفل التراث الشعبي العربي بكثير من هذه الأشكال الأسطورية و الخرافية و الميتافيزيقية .منها ما هو مدون في الكتب الأدبية و الدينية و شروحها و تفسيراتها المختلفة ، و منها ما هو غير مدون ، و ما يزال يتناقل شفاهة حتى الأن ، و يورث عبر أجيال كثيرة . و من أمثلة هذه الكتب ( اكام المرجان في أحكام الجان ) لبدر الدين الشبلي، و عجائب المخلوقات للقزويني ، و كتاب حياة الحيوان للدميري ، و الحيوان للجاحظ...

    كتابات و أعمال الرحالة العرب :

      هي أشبه ما تكون بالموسوعات التي حوت معلومات و معارف أدبية و تاريخية و سياسية و دينية و جغرافية ، و أيضا شعبية . و في هذا الباب نجد أن الرحالة وصفوا العادات و التقاليد الشعبية للعرب و لغيرهم من الشعوب التي طافوا بها ، كما تطرقا إلى أنماط التفكير والطقوس الدينية المختلفة و كيفيات الاحتفال ... مما يجعل جانبا كبيرا من أعمالهم يدخل في باب الثقافة الشعبية و الفلكلور.

      من أهم هذه المصنفات كتاب البيروني المعنون بـ : تحقيق ما للهند من مقولة مقولة في العقل أو مرذولة ، فقد تعلم هذا الرحالة اللغة الهندية ، و مكث في الهند فدرس سنن التفكير والقواعد الاجتماعية و بناء المجتمع الهندي و طبقاته . إضافة إلى المعتقدات و الطقوس وأشكال التدين . و قارن كل ذلك مع ما هو موجود في المجتمع العربي و المجتمع الفارسي .

    و من بين ما تنبه إليه أن التفكير العقلي و الذهني المتعلق بالمعتقدات و الموجودات الحسية والروحية ، و فكرة التناسخ و البعث و الجنة و النار ، و فرق ما بين أنماط التفكير الذي يسود عامة الناس ، و يتميز بالميل إلى المحسوسات ، و التفكير الذي يسود خاصتهم من ذوي المستوى الطبقي و الاجتماعي الأرفع ، و الذي يتميز بالميل أكثر إلى المعقولات ، مقارنا ذلك بما هو سائد في المجتمع العربي و الفارسي ، و ما كان سائدا عند اليونان و الرومان من أنماط التفكير و أشكال المعرفة .

    أعمال المؤرخين و الأدباء و المشرعين و كتاب السير :

       مثل أعمال الجاحظ ، و مثل كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، و كتاب النويري المسمى ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) ، و ( صبح الأعشى) للقلقشندي ، و إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي .

    و لعل من أهم هذه المصادر ما عني منها بتسجيل المادة الشعبية القولية ، و لا سيما الشعرية منها ، مثل كتاب العاطل الحالي و المرخص الغالي لصفي الدين الحلي
    ، الذي تكلم عن الأنواع الشعرية العامية التي انتشرت في الثقافة العربية القديمة ، و كتاب المقدمة لابن خلدون الذي أشار في جانب منه إلى الشعر الشعبي الهلالي الذي عرف غداة مجيء الهلاليين إلى الربوع الجزائرية و التونسية ...

    هذا بالإضافة إلى كتب السير الشعبية المطبوعة ، و التي لا يعرف لها مؤلف في غالب الأحيان ، مثل سيرة عنترة و سيرة ابن ذي يزن و السيرة الهلالية ، دون أن ننسى بعض كتب التاريخ مثل كتاب مروج الذهب للمسعودي ، و كتاب الآثار في التراجم و الأخبار للجبرتي ، و عيون الأخبار لابن قتيبة .

       كل هذه المصادر و غيرها تحتاج إلى دراسة و تحليل و استقراء و تمكننا من القول مع محمد الجوهري بأنّ " حضارتنا العربية الأصيلة تنفرد بميزة فريدة هي ثراؤها في المدونات ، ثراء يفوق أي حضارة إنسانية أخرى ، و لذلك يمكن أن نقول دون أي مبالغة أن المدونات كمصدر للمادة الفلكلورية العربية تمثل مصدرا ثريا و رئيسيا ، يفوق الوضع المعروف في أي حضارة أخرى"[4].

     

    في العصر الحديث و المعاصر :

    لقد كان للاتّجاه الذي دعا الى الاهتمام بالفلكلور و التراث الشعبي عموما في أوروبا الأثر الكبير في دعوة بعض الباحثين العرب إلى الاتّجاه لهذا المنحى"  ولقد بذل الرواد جهدا بالغا في رفع اللعنة عن هذا العلم اذ بدؤوا طريقهم في ظروف بالغة الصعوبة "، لا سيما وأنّ البعض قد توجس خيفة من الدراسات الشعبية لأنهم ظنّوا أنّ من أهدافها القضاء على العربية وإحلال العامّية محلّها .

      من أهمّ الذين اهتموا بالفلكلور و الأدب الشعبي أحمد أمين في كتابه "قاموس العوايد المصرية" ، أحمد أمين الذي نصح بوقف مقالاته عن الشعبيات حين تولى عمادة كلية الأداب سنة 1939م ،مراعاة لشرف العمادة ? ولويس عوض في كتابه الأدب للشعب ، ورشدي صالح وسهير القلماوي التي قدمت اول رسالة دكتوراه في الأدب الشعبي في الجامعة المصرية حول كتاب الف ليلة وليلة ، وعبد الحميد يونس الذي الف كتاب الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي ،واضطر إلى تأليف كتابه دفاعا عن الفلكلور ،وكذا نبيلة ابراهيم[5] التي كان لها نشاط اكاديمي كبير في مجال الدراسات الشعبية كما نجد علي الخاقاني من العراق ،ومحمد المرزوقي من تونس ، وعباس الجراري من المغرب ، وعبد الله ركيبي وليلى قريش والتلي بن الشيخ وأحمد الأمين وعبد الحميد بورايو  والعربي دحّو من الجزائر .....

    في أوربا:

    دعت أسباب وظروف تاريخية إلى الاهتمام بالدراسات الشعبية ، فقد دفعت حركة الكشوف الجغرافية منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وواكبها الغزو الاستعماري ، وقد لفتت انتباه المستكشفين وقادة الجيوش أشياء معينة ، تقوم عليها الشعوب التي عدّت بدائية متخلفة في نظر الأوروبيين ، فسجّلوا عاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية وأساليب التفكير وأنواع المعتقدات في مذكراتهم الشخصية .

      ويمكن ردّ هذا الاهتمام إلى سبب أخر ، هو إحساس الإنسان الأوروبي بالإحباط والسام وخيبة الأمل تجاه الثورة الصناعية والتكنولوجية التي كان يظن أنّها ستحقّق له السعادة السرمدية ، فكان من نتائج هذه الخيبة ذلك الميل إلى العودة إلى الأصول وإلى الحياة البسيطة ، التي تعد الثقافات الشعبية لعامة الناس مظهرا من مظاهرها ..   

    وأمّا الدافع الثالث فقد كان قوميا ، إذ بدأ الولع النصوص الشعبية ، لاسيما المغنّاة في ألمانيا مع الأخوين قريم[6] ، اللذان جمعا شعر القرون الوسطى الشعبية ، لأنهما وجدا أنّ حماية القومية الألمانية لا تكون إلّا بحماية اللغة الجرمانية والتراث الألماني من الضياع ,

      اما في بريطانيا فقد نشر سكوت والتر[7] ديوانا سماه الأغاني الشعبية الأسكتلندية سنة 1802م ، كما اهتم بالقصص والأغاني الشعبية .

    وبدأ الاهتمام بهذا المجال في الولايات المتحدة متأخرا، فعبركتاب جون لوماكس ''أغاني رعاة البقر وأشعارهم '' المؤلَّف سنة 1910م في نيويورك ، بدأت الدراسة الجدية للأدب الشعبي في أمريكا تعرف انطلاقها" .

     

     

     

     

     



    [1]  رشدي فكار، عن الحوار الحضاري في بعد واحد / الأنثوغرافيا و السوسيوغرافيا و لزوم التعريف في مدخليها برحالة الإسلام ، ط1 ، بيروت : دار الآفاق الجديدة ، 1409/1988 ، ص 14.

     [2]الصادق محمد سليمان، أهمية دراسة المأثورات الشعبية في الماضي و الحاضر ، مجلة الحرس الوطني ، جدة : نوفمبر ، 1993 ، ص 54.

     

    [3]  حمود العودي، التراث الشعبي وعلاقته بالتنمية في البلاد النامية ـ دراسة تطبيقية على مجتمع اليمن ـ عالم الكتب، ط 2، القاهرة، 1401ـ 1981، ص 20.

    [4]  محمد الجوهري، علم الفلكلور( دراسة في الأنثربولوجيا الثقافية)، ص 424.

    [5]  أستاذة جامعية مصرية ، من أهم الدارسات للادب الشعبي العربي كرست جزءا كبيرا من حياتها للدراسات الشعبية . من مؤلفاتها : اشكال التعبير في الادب الشعبي ـ قصصنا الشعبي من الرومانسية الى الواقعية- كما ترجمت بعض الاعمال الغربية على غرار كتاب جيمس فريزر : الفلكلور في العهد القديم .

     

    [6]  كاتبان و لغويان ألمانيان . اولهما جاكوب المولود سنة 1785،و الثاني ويلهيلم المولود في 1786 . وتوفيا في برلين سنتي 1863 و 1859 على التوالي . نشرا سنة 1812 : قصص للبيوت والاطفال.

      قاما بجمع الحكايات الشعبية من الاطراف الالمانية .. واعتبرا هذه الحكايات والأشعار الشعبية شاهدا على روح الشعب .

    [7]  اسكتلندي اهتم بالاغاني والاساطير الاسكتلندية . ولد في 1771 ،و توفي في 1832 ، كان شاعرا أيضا نشر عدة دواوين ، على غرار : سيدة البحيرة (1810).

  • تاريخ مصطلح الفلكلور وتطوره

       مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي ، أدت ظروف معينة في أوربا إلى الاهتمام بالإبداعات الشعبية ، من أهمها الحركة الرومانسية التي مثلت مظهرا من مظاهر السأم والضجر من سيطرة الآلة على حياة الأوربي، ومظهرا من مظاهر الإرادة في العودة إلى الحياة البسيطة. ولهذا كان الاتجاه إلى الاهتمام بـ " فروع الثقافة الشعبية التي تمثل روح الشعب وتعبر عنها بوضوح ، مثل اللغة والشعر والحكايات والعقائد والعادات، وكان ذلك بسبب الارتباط بالتراث الذي بعثته آداب هذه الحقبة".[1]

       يضاف إلى ذلك عامل الاهتمام بمظاهر حياة الشعوب البدائية والبعيدة وفنونها وإبداعاتها الذي تبع حركة الكشوف الجغرافية وحركة الاستعمار. كما أنّ كثيرا من الدارسين والمفكرين الأوربيين أدركوا أنّ إثبات القوميات الأوربية لنفسها يمكن أن يتمّ من خلال جمع عناصر التراث الشعبي لهذه الأمم ودراسته..

    هذا ويرى ألكسندر هجرتي كراب أنّه قد حدثت موجتان عظيمتان من الاهتمام بالفلكلور. إحداهما تلك التي صاحبت حركة اكتشاف الإنسان لنفسه ( حركة النهضة) ، والأخرى رافقت حركة اكتشاف الإنسان المفكّر للرجل العادي ( الثورتان الفرنسية والصناعية)[2].

      وقبل أن نتتبّع تاريخ مصطلح الفلكلور في إنجلترا ، تجب الإشارة الى جهود الألمان المهمة في هذا الميدان ، و التي جاءت مبكرة ، و تبلورت فيما بعد في مصطلح " فولكسكندة" .

    الفولكسكندة ( أو الفلكلور في البلاد الناطقة بالألمانية ):

      مرجع الكلمة الى سنوات 1806و1808 عندما نشر برنتانو (Brentano) و فون أرنيم (Von Arinim ) مجموعة الأغاني الشعبية الألمانية بعنوان : بوق الصبي السحري

     اما المصطلح الأول ''فولك'' فقد كان مستعملا قبل هذا التاريخ بثلاثين عاما ، اذ كان كتاب هردر ( herder ) المعنون : اصوات الشعوب في الاغاني (1808م) قد نشر قبل التاريخ لأول مرة سنة 1778م بعنوان :الأغاني الشعبية .

      ولم تترجم كلمة فولكسكندة الى كلمة فلكلور ، بالنظر للاختلاف في التركيب اللغوي للمصطلح وفي موضوعات الدراسة ... فمن حيث التركيب اللغوي تعني دراسة الشعب ، او علم دراسة الشعب أي انها تشير الى العلم لا الى موضوع الدراسة .

      وهي تضم فيما تضم من اشياء ، دراسة فن الفلاحين و صنائعهم[3] .

    الفلكلور:

    من الناحية اللغوية تنقسم الكلمة الى قسمين ،أولهما (folk  ( بمعنى الناس ، وهي من الكلمة الأنجليزية القديمة (folc  ( ، وثانيهما (lore  ) فتعني المعرفة او الحكمة .

    فالكلمة تعني حرفيا : معارف الناس ، أوحكمة الشعب .

      من الناحية التاريخية ، فإنّ أول من ابتدع هذا المصطلح هو الأثري الانجليزي "وليام جون تومز" وكان ذلك في 22 من شهر أوت عام 1846 حيث أرسل هذا الأول خطابا إلى مجلة أثينيوم ، وهي مجلة تخاطب ذلك القطاع من المثقفين المهتم بالغرائب والطرائف يقترح فيه كلمة "فولكلور"، بحيث تستخدم منذ ذلك الوقت فصاعدا بدلا من عبارة الأثريات الشعبية الدارجة Popular antiquities التي يصعب جريانها على الألسن بسهولة.[4]

       ويرى كثيرون أنّ جون ويليام تومز تأثّر في صياغة هذا المصطلح بالكلمة الألمانية         '' فولكسكندة '' التي عرفت منذ سنة 1806م .

      وقد أكدّت  ''جمعية الفلكلور الأنجليزية '' التّي تأسّست سنة 1877م هذا الاصطلاح ليدلّ على دراسة العادات الماثورة والمعتقدات ، وكذلك ما كان معروفا حتى ذلك الوقت بشكل غامض بـ "الاثار الشعبية القديمة" .

      تعريف الفلكلور حسب جون تومز :

    يعرفه بانه : المعتقدات و الأساطير والعادات التقليدية الشائعة بين الناس ، اداب الناس ، وما يراعيه الناس (  Observances ) والخرافات والأغاني الروائية ( Ballades ) ،و الأمثال التي ترجع الى العصور السالفة .

      ويلاحظ هنا تأثّر تومز بالروح الرومانسية التي سادت في عصره من حيث اهتمامه الكبير بالخرافات والعادات الغريبة والمؤثرة , والحق أن الدارسين يتفقون على أن علم الفلكلور نتاج الحركة الرومانسية.[5] هذا وقد وصف التقرير الأول جمعية الفلكلور الأنجليزية وظيفتها ومجال عملها في العبارة التالية :

    >>   ان الفلكور يمكن ان يطلق على ما يشمل جميع ثقافة الشعب التي لا تدخل في نطاق الدين الرسمي ، ولا التاريخ ، ولكن تنمو دائما بصورة ذاتية ،وعلى هذا فان ما في الحضارة من الموروثات ( Survivals ) الفلكلورية الباقية ، وكذلك مظاهر الفلكلورية لدى القبائل البدائية ينتمي كلاهما التاريخ البدائي للنوع الأنساني  . وعند جمع وطبع هذه المخلفات او الذخائر (  Relics ) الخاصة بعصر من العصور ، من مثل هذين المصدرين المختلفين اخلافا كبيرا ، فان الجمعية ستاخذ على عاتقها تقديم ما تدعوا الحاجة اليه من المقارنات والتفسيرات التي تخدم عالم الأنتروبولوجيا بشكل واضح <<

      والملاحظ من هذا النص :

    -         التردد في تحديد اصطلاح دقيق للفلكلور .

    -         وان الفلكلور لم ينشا علما مستقلا ، وانما بوصفه فرعا من الأنتروبولوجيا .

        كتاب  مختصر الفلكلور (1890م) لجمعية الفلكلور :

    قررت الجمعية نشر مختصر للفلكلور سنة 1890م وفي مقدمته حددت الفلكلور بانه : دراسة مخلفات الماضي الذي لم يدوّن ...

      وحددت عمل الجمعية بانه : مقارنة وتحقيق الموروثات من المعتقدات القديمة ، والعادات والمأثورات ، والتي ماتزال باقية الأن ...

      الموضوعات التي ينتظمها الفلكلور حسب المختصر :

    1 - المعتقدات الخرافية والعقائد والممارسات .

    2 – العادات الماثورة .

    3 – المرويات الماثورة .

    4 – الأقوال الحكيمة  الماثورة .

      وسرعان ما تبنى الباحثون في مختلف البلدان هذا المصطلح ، ومن ثم اصبح اصطلاحا عالميا ، لا سيما وان الاهتمام بالمادة الشعبية والفلكلورية قد بدأ يتنامى في هذا الوقت ( القرن التاسع عشر ) .

     ولكن ينبغي التنبيه الى أنّ المصطلح استخدم أوّل الأمر ليشير فقط إلى المادّة الفلكلورية ، ثمّ تردّد استعماله بعد ذلك ليدلّ على ذلك الفرع من العلم الذي يكرّس نفسه لدراسة هذه المادة .

     

     

     

     

       مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي ، أدت ظروف معينة في أوربا إلى الاهتمام بالإبداعات الشعبية ، من أهمها الحركة الرومانسية التي مثلت مظهرا من مظاهر السأم والضجر من سيطرة الآلة على حياة الأوربي، ومظهرا من مظاهر الإرادة في العودة إلى الحياة البسيطة. ولهذا كان الاتجاه إلى الاهتمام بـ " فروع الثقافة الشعبية التي تمثل روح الشعب وتعبر عنها بوضوح ، مثل اللغة والشعر والحكايات والعقائد والعادات، وكان ذلك بسبب الارتباط بالتراث الذي بعثته آداب هذه الحقبة".[1]

       يضاف إلى ذلك عامل الاهتمام بمظاهر حياة الشعوب البدائية والبعيدة وفنونها وإبداعاتها الذي تبع حركة الكشوف الجغرافية وحركة الاستعمار. كما أنّ كثيرا من الدارسين والمفكرين الأوربيين أدركوا أنّ إثبات القوميات الأوربية لنفسها يمكن أن يتمّ من خلال جمع عناصر التراث الشعبي لهذه الأمم ودراسته..

    هذا ويرى ألكسندر هجرتي كراب أنّه قد حدثت موجتان عظيمتان من الاهتمام بالفلكلور. إحداهما تلك التي صاحبت حركة اكتشاف الإنسان لنفسه ( حركة النهضة) ، والأخرى رافقت حركة اكتشاف الإنسان المفكّر للرجل العادي ( الثورتان الفرنسية والصناعية)[2].

      وقبل أن نتتبّع تاريخ مصطلح الفلكلور في إنجلترا ، تجب الإشارة الى جهود الألمان المهمة في هذا الميدان ، و التي جاءت مبكرة ، و تبلورت فيما بعد في مصطلح " فولكسكندة" .

    الفولكسكندة ( أو الفلكلور في البلاد الناطقة بالألمانية ):

      مرجع الكلمة الى سنوات 1806و1808 عندما نشر برنتانو (Brentano) و فون أرنيم (Von Arinim ) مجموعة الأغاني الشعبية الألمانية بعنوان : بوق الصبي السحري

     اما المصطلح الأول ''فولك'' فقد كان مستعملا قبل هذا التاريخ بثلاثين عاما ، اذ كان كتاب هردر ( herder ) المعنون : اصوات الشعوب في الاغاني (1808م) قد نشر قبل التاريخ لأول مرة سنة 1778م بعنوان :الأغاني الشعبية .

      ولم تترجم كلمة فولكسكندة الى كلمة فلكلور ، بالنظر للاختلاف في التركيب اللغوي للمصطلح وفي موضوعات الدراسة ... فمن حيث التركيب اللغوي تعني دراسة الشعب ، او علم دراسة الشعب أي انها تشير الى العلم لا الى موضوع الدراسة .

      وهي تضم فيما تضم من اشياء ، دراسة فن الفلاحين و صنائعهم[3] .

    الفلكلور:

    من الناحية اللغوية تنقسم الكلمة الى قسمين ،أولهما (folk  ( بمعنى الناس ، وهي من الكلمة الأنجليزية القديمة (folc  ( ، وثانيهما (lore  ) فتعني المعرفة او الحكمة .

    فالكلمة تعني حرفيا : معارف الناس ، أوحكمة الشعب .

      من الناحية التاريخية ، فإنّ أول من ابتدع هذا المصطلح هو الأثري الانجليزي "وليام جون تومز" وكان ذلك في 22 من شهر أوت عام 1846 حيث أرسل هذا الأول خطابا إلى مجلة أثينيوم ، وهي مجلة تخاطب ذلك القطاع من المثقفين المهتم بالغرائب والطرائف يقترح فيه كلمة "فولكلور"، بحيث تستخدم منذ ذلك الوقت فصاعدا بدلا من عبارة الأثريات الشعبية الدارجة Popular antiquities التي يصعب جريانها على الألسن بسهولة.[4]

       ويرى كثيرون أنّ جون ويليام تومز تأثّر في صياغة هذا المصطلح بالكلمة الألمانية         '' فولكسكندة '' التي عرفت منذ سنة 1806م .

      وقد أكدّت  ''جمعية الفلكلور الأنجليزية '' التّي تأسّست سنة 1877م هذا الاصطلاح ليدلّ على دراسة العادات الماثورة والمعتقدات ، وكذلك ما كان معروفا حتى ذلك الوقت بشكل غامض بـ "الاثار الشعبية القديمة" .

      تعريف الفلكلور حسب جون تومز :

    يعرفه بانه : المعتقدات و الأساطير والعادات التقليدية الشائعة بين الناس ، اداب الناس ، وما يراعيه الناس (  Observances ) والخرافات والأغاني الروائية ( Ballades ) ،و الأمثال التي ترجع الى العصور السالفة .

      ويلاحظ هنا تأثّر تومز بالروح الرومانسية التي سادت في عصره من حيث اهتمامه الكبير بالخرافات والعادات الغريبة والمؤثرة , والحق أن الدارسين يتفقون على أن علم الفلكلور نتاج الحركة الرومانسية.[5] هذا وقد وصف التقرير الأول جمعية الفلكلور الأنجليزية وظيفتها ومجال عملها في العبارة التالية :

    >>   ان الفلكور يمكن ان يطلق على ما يشمل جميع ثقافة الشعب التي لا تدخل في نطاق الدين الرسمي ، ولا التاريخ ، ولكن تنمو دائما بصورة ذاتية ،وعلى هذا فان ما في الحضارة من الموروثات ( Survivals ) الفلكلورية الباقية ، وكذلك مظاهر الفلكلورية لدى القبائل البدائية ينتمي كلاهما التاريخ البدائي للنوع الأنساني  . وعند جمع وطبع هذه المخلفات او الذخائر (  Relics ) الخاصة بعصر من العصور ، من مثل هذين المصدرين المختلفين اخلافا كبيرا ، فان الجمعية ستاخذ على عاتقها تقديم ما تدعوا الحاجة اليه من المقارنات والتفسيرات التي تخدم عالم الأنتروبولوجيا بشكل واضح <<

      والملاحظ من هذا النص :

    -         التردد في تحديد اصطلاح دقيق للفلكلور .

    -         وان الفلكلور لم ينشا علما مستقلا ، وانما بوصفه فرعا من الأنتروبولوجيا .

        كتاب  مختصر الفلكلور (1890م) لجمعية الفلكلور :

    قررت الجمعية نشر مختصر للفلكلور سنة 1890م وفي مقدمته حددت الفلكلور بانه : دراسة مخلفات الماضي الذي لم يدوّن ...

      وحددت عمل الجمعية بانه : مقارنة وتحقيق الموروثات من المعتقدات القديمة ، والعادات والمأثورات ، والتي ماتزال باقية الأن ...

      الموضوعات التي ينتظمها الفلكلور حسب المختصر :

    1 - المعتقدات الخرافية والعقائد والممارسات .

    2 – العادات الماثورة .

    3 – المرويات الماثورة .

    4 – الأقوال الحكيمة  الماثورة .

      وسرعان ما تبنى الباحثون في مختلف البلدان هذا المصطلح ، ومن ثم اصبح اصطلاحا عالميا ، لا سيما وان الاهتمام بالمادة الشعبية والفلكلورية قد بدأ يتنامى في هذا الوقت ( القرن التاسع عشر ) .

     ولكن ينبغي التنبيه الى أنّ المصطلح استخدم أوّل الأمر ليشير فقط إلى المادّة الفلكلورية ، ثمّ تردّد استعماله بعد ذلك ليدلّ على ذلك الفرع من العلم الذي يكرّس نفسه لدراسة هذه المادة .

     

     

     

     



    [1]  فوزي العنتيل، بين الفلكلور والثقافة الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978، ص ص: 11ـ12.

    [2]  المرجع نفسه، ص 12.

    [3]  إيكة هولترانكس، قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور، تر: محمد الجوهري وحسن الشامي، دار المعارف، ط 2، القاهرة، 1973، ص 206.

    [4]  د. دورسون، نظريات الفلكلور المعاصرة، تر: حسن الشامي ومود الجوهري، مكتبة الملك فهد الوطنية، ط1، الرياض، 1428ـ 2007، ص20.

    [5]  فوزي العنتيل، بين الفلكلور والثقافة الشعبية، مرجع سابق، ص 11.



    [1]  فوزي العنتيل، بين الفلكلور والثقافة الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978، ص ص: 11ـ12.

    [2]  المرجع نفسه، ص 12.

    [3]  إيكة هولترانكس، قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور، تر: محمد الجوهري وحسن الشامي، دار المعارف، ط 2، القاهرة، 1973، ص 206.

    [4]  د. دورسون، نظريات الفلكلور المعاصرة، تر: حسن الشامي ومود الجوهري، مكتبة الملك فهد الوطنية، ط1، الرياض، 1428ـ 2007، ص20.

    [5]  فوزي العنتيل، بين الفلكلور والثقافة الشعبية، مرجع سابق، ص 11.

  • الفلكلور والعلوم الأخرى

    الفلكلور و الأنثروبولوجيا  :

       ظهرت الأنثروبولوجيا مصطلحا في الإنجليزية سنة1655، ومهد لظهورها علما علماء عاصروا التيار التطوري -1809-1883- ثم ظهرت علما متخصصا في اواخر القرن 19. وتعني الأنتروبولوجيا حرفيا " دراسة الإنسان"، وإن كانت هذه المهمة تقوم بها معظم العلوم الإجتماعية . والحق، أن المصطلح منحوت من كلمتين يونانيتين Anthropos إنسان، وLogos علم.

    وإن كانت " حديثة العهد، فما من أحد قال عن نفسه في عصور الإغريق القديمة بأنه أنثربولوجي أو إثنوغرافي ، إلا أن الأنثروبولوجيا كمظهر لدراسة الغيرية ( التفكير بالآخرين والأنا ) كانت متواجدة حتما"[1]. وتعرف بأنها علم دراسة الإنسان ، طبيعيا وحضاريا واجتماعيا.

    وقد تعددت تعريبات هذا المصطلح، فمنهم من ترجمه علم الإنسان، ومنهم من استعمل الإناسة، ومنهم من وظّف : الإنسانيات، ومنهم من حافظ على الصيغة الأصلية للكلمة الأجنبية: أنثربولوجيا.

      وموضوع الأنتروبولوجيا هو دراسة المجتمعات الحضارية البسيطة عبر تطور مراحلها المختلفة ، و في حالتها الراهنة ، من الناحية العضوية والإجتماعية والثقافية حيث صار هناك ما يعرف بالأنثروبولوجيا العضوية ، التي تهتم بتتبع أشكال التكوين العضوي للإنسان و تطوره و ما طرأ عليبه من تغير و تحول ( تبين هذه العبارة أثر تطورية داروين في نشوء هذا العلم )، و كيف يتأثر بظروف البيئة الجغرافية و المناخية و تغيرها من مكان الى أخر ،بما في ذلك عمليات الوراثة العضوية .

      ويفسر هذا الاتجاه الحيوي (البيولوجي) في دراسة الإنسان و المجتمعات « بضرب من الحتمية التي ساد الاعتقاد بها ردحا من الزمان ، و مفادها أنّ الفروقات بين الحضارات حصيلة الفروق الحيوية بين البشر».[2]

      و كان من أسباب تطور هذا العلم في العصر الحديث توسع ظاهرة الاستعمار، وتعمّق الفضول الأدبي و الفني و العلمي الغربي حول البعيد و القريب و الهناك .

      و قد لوحظ في السنوات الأخيرة توسع في مجال الدراسات الأنثروبولوجية ، إذ لم تعد تقتصر على المجتمعات البسيطة ، بل أصبحت تهتم بالتجانس في حد ذاتها ، سواء في مجتمع قديم أثري أو في البيئات المعاصرة التي يجمعها عنصر التجانس و الانسجام بما تمليه التقاليد و العادات والأعراف و التراث الاجتماعي في تكامله. بل إن كثيرا من علماء الأنثربولوجيا يتجهون في العشريات الأخيرة إلى هجر الحقل البدائي يوما بعد يوم ويتجهون ليولوا اهتمامهم للطوائف ذات الأحجام الصغيرة التي ظلت محافظة على العلاقات الشخصية المتبادلة بين أبنائها، ولم تتأثر كثيرا بأنواع التخصص الاقتصادي والمهني، وذلك من نوع المجتمعات القروية في الأرياف التقليدية،والطوائف المنعزلة إلى هذا الحدّ أو ذاك والمتجانسة حيث تطغى العلاقات المباشرة والقرابية، وحيث لا تزال التقنيات على بساطتها[3]. و هذا العلم عموما « يحاول أن يعلّل تجانس الإنسان، ليستنتج ما يروق له من خصوصيات من خلال دراسة إنجازات هذا الإنسان ،وتكيفه داخل المجتمع الذي يعيش دالخه ، ولهذا يدرس الباحث الأنثروبولوجي الكائنات الإنسانية ككائنات بيولوجية ثقافية».[4]

    الأنثروبولوجيا الاجتماعية :

    هي اتجاه إنجليزي يدرس المجتمعات بإعتبارها كيانات ،فيتطرق للبيئة و الاقتصاد والمؤسسات السياسية والقضائية و البنى العائلية ،والأنظمة (السساتيم )القرابية والأديان والتقنيات و الفنون ،بوصفها أجزاء لا تتجزء من "سساتيم" مجتمعية كلية . ولهذا فهذا الاتجاه يركز على دراسة الجماعات " كما تبدو من خلال التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين أفرادها وتنظيماتها الاجتماعية المختلفة".[5]

    الأنثرولوجيا الثقافية :

    هي الاتجاه الأمريكي في دراسة الأنثروبولوجيا الذي اتجه نحو الاهتمام بدراسة الثقافات أي إنها ركّزت على نتاجات الإنسان ، على نظام الاتصال الرمزي لديه ، على تقنياته ،و فنّه أكثر من تركيزها على تنظيماته المجتمعية ، وعلى القوانين التي تحكم اشتغال هذه التنظيمات.

      و الأنثروبولوجيا الثقافية هي المقابل تقريبا للأثنولوجيا الأوروبية .

    الأثنولوجيا :

    ترجع اللفظة إلى اللفظ اليوناني ETHNOS وتعني شعب.

    وهو علم الإنسان بوصفه كائنا ثقافيا ، او الدراسة المقارنة للثقافة .و هي مرحلة مهمة يتم فيها تفسير العادات و المؤسسات ،مرحلة التوليف الذي كثيرا ما يتم عن طريق المنهج المقارن .

    و يرى كلود ليفي ستراوس إنّها خطوة أولى على طريق الجمع والتوليف، توليف قد يكون جغرافيا، إذا كان الباحث يرمي إلى الجمع بين معارف متعلقة بجماعات متجاورة . و تاريخيا إذا كان يرمي إلى إعادة كتابة التاريخ نفسه لقوم معينين أو عدّة أقوام . وسستاميا،إذا كان يعزل على حدة نمطا من التقنيات أو نمطا من العادات و التأهيل ، ليوليه اهتماما و انتباها خاصّيين .

    الإثنوغرافيا:

    هي الأثنولوجيا الوصفية ، أي ملاحظة و تسجيل الحقائق الثقافية من الميدان ،ووصف النشاط كما يبدو من دراسة الوثائق التاريخية ، فهي مرحلة تسبق الأثنولوجيا .

    ويعتقد أنّ المصطلح ظهر منذ1807، ليعني وصف الشعوب.

    إنها تشكل " الجهد الجمعي الموضوعي الذي يؤلّف القطاع الأغلب من علم الأنثربولوجيا، ...المبحث الذي يضع خارطة لتنوع الحياة الاجتماعية البشرية. إنّه أرشيف أو مستودع سجلات الإمكانات البشرية الذي يزودنا بمعارف عن التنوع الفعلي".[6]

    التمييزبين الفلكلور وهذه العلوم:

      يميل الكثير من العلماء الى استخدام مصطلح " إثنوغرافيا " مرادفا للفلكلور ،كما يرى اسبينوزا أن مواد الفلكلور في معظم أجزاء هي مواد الأنثوبولوجيا الإجتماعية .

      و بالتالي، فإن معظم مواد الفلكلور -إن لم نقل كلها – مرتبطة بعلوم أخرى و من هنا  تأتي صعوبة الفصل، بل إنّ البعض يرى ضرورة عرض المواد الفلكلورية على مختلف التخصصات :و البعض يرى بأنْ يقتصر إطلاق مصطلح الفلكلور على مضامنيه، و لا يرغب في استعمال مصطلح الفلكلور ، ولاسيما أنّ الإثنولوجيين قد أنجزوا أحيانا عملا مماثلا في وصف الثقافة الشعبية .

      و قد تضمنت توصيات مؤتمر الفلكلور في أرنهيم بهولندا (1955) أنّه علم مستقل، وأنّه فرع من فروع الإثنولوجيا .

      بالنسبة إلى الإثنولوجيا حاول ألكسندر هجرتي كراب إيجاد فصل بينها و بين الفلكلور، إذ أحال مأثورات الشعوب ذات الثقافة الراقية –حسب رأيه- على الفلكلور ، أما مأثورات البدائيين فإنها في رأيه تدخل في مجال الأثنولوجيا .

      و يرى أنّ الفلكلور مادام يفترض في تعريفه الحديثِ اجتماعَ نوعين من التراث :

    - التراث الأدبي و الفني .

    - التراث الشعبي .

      هذه الحالة تتوفر فقط لدى مجتمعات ذات المستوى الثقافي الراقي ، في حين ان الشعوب المتحضرة تفتقد الجانب الأول (التراث الأدبي و الفني) ، فمن غير المعقول ان نتحدث عن الفلكلور بالنسبة إلى هذه الشعوب أنّ جميع مأثوراتهم إذن هي مهمّة الأثنوغرافيا والأثنولوجيا.

    الفلكلور و التاريخ :

     يرى كراب ان الفلكلور يريد ان ينشأ من جديد التاريخ الفكري ، لا كما تمثله كتابات الشعراء المفكرين المرموقة ،بل كما تصوره اصوات العامة الأقل جهارة .

      و الحق ، ان هناك تداخلا بين العلمين لأننا حين ندرس الفلكلور ، ينبغي ان نراعي أحيانا بعض حقائق التاريخ ،كما ان التاريخ احيانا يستفيد مكن بعض مضامين الفلكلور في تأكيد بعض حقائقه ، أو إلقاء الضوء على أشياء غفل عنها التاريخ أو سكت عنها .

    و قد رأينا كيف أن الدارسين الألمان ربطوا بين الفلكلور والدراسات القومية و المحلية كما هو الحال بالنسبة إلى الأخوين قريم.

      بينما تبقى ميزة المضامين الفلكلورية هي الشفاهية ، على عكس التاريخ الذي هو تسجيل حقيقي بالتدوين .

    الفلكلور و الأدب:

    هناك علاقة وثيقة بين الفلكلور والأدب، حتى أنّ البعض حين يعرّف الفلكلور –كما هو الحال بالنسبة إلى يوري سوكولوف يرى بأنّه: الإبداع الشعري الشفاهي لجماهير الشعب العريضة[7].

      وإذا نظرنا إلى الأدب على أساس أنّه يشمل الإبداع الفني المدون ، و كذا النتاج الفني الشفاهي، فإن الفلكلور يصبح فرعا خاصا من فروع الأدب ، كما أن الفلكلوريات تصبح جانبا من الدراسات الأدبية .

      ولعل من المسلّم به الآن ، أنّ الأدب الشعبي أصبح جزءا من الدراسات الأدبية ، و يبقى الاختلاف فقط في : هل هو مرادف للفلكلور ، أم أنه جزء منه.

    وتعد نظرية الصيغ الشفوية التي تأسست على يد ميلمان باري المتخصص في الأدب الكلاسيكي ، وألبرت لورد أستاذ الأدب السلافي، من أهمّ النظريات التي ربطت الفلكلور بالأدب. وقد اعتمد مؤسسا هذه النظرية على دراسة قدرات الفنّان الشعبي وأسلوبه في الأداء كوسيلة أساسية لدراسة الملاحم والشعر القصصي ( البالاد)، والشعر الرومانسي والحكايات الشعبية.[8]

     

                                   



    [1]  الأنثربولوجيا علم الخصوصيات البشرية، ص 93.

    [2]  جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، تر: حسن قبيسي، تر: حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، 1997، ص...

    [3]  ص 11.

    [4]  المرجع نفسه، ص 16.

    [5]  أحمد زغب، مبادئ الأنثربولوجيا ( علم الإنسان )، مطبعة سخري، الوادي، ط1، 2012، ص09.

    [6]  ميكل كاريذرس، لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة ( الثقافات البشرية نشأتها وتنوعها)، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1418ـ 1998، ص 219.

    [7] ينظر: سوكولوف ، يوري ، الفلكلور / قضاياه و تاريخه ، تر: حلمي شعراوي و عبد الحميد حواس ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للنشر و التأليف ، 1971 ، ص 55.

    [8]  حصة الرفاعي، الفلكلور والعلوم الإنسانية ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، فصلية محكمة تصدر عن مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، ع 60، سنة 15، خريف 1997، ص 24.

  • تعريف الأدب الشعبي

     

        لقد ساهمت كثير من الدراسات كما رأينا ، ولاسيما دراسات جيمس فريزر الانجليزي وفلاديمير بروب الروسي وكلود ليفي ستراوس الفرنسي في تبيين أهمية الثقافة الشعبية ، وضرورة دراسة التراث الشعبي المتعلق بعامة الناس .

      كما أسهمت الظروف الجديدة ، بما فيها نضال الشعوب والطبقات الشعبية ضد الاستعمار وضد الظلم في تغيير النظرة إلى عامة الناس ودرهم ، وأهمية نتاجهم الثقافي الذي لم يعد مجرد هذيان وخرافات وعادات تافهة ، يتشبث بها رعاع و قوم جهلة ، لاحظ لهم من الثقافة والعلم ، بل صار هذا التراث الثقافي الشعبي وسيلة الاطلاع على نظرة الإنسان ومنه الإنسان العربي إلى العالم ومعرفة مدى تعلقه بجذوره ، وما أهمية هذه الجذور ، وما مدى امتدادها في الزمن السحيق .

      وهذا التراث يمثل طبعا مجموعة التجارب الحضارية التي عاشها عامة الشعب وأودعها خلاصة تجاربه ومعرفته وحكمته .

      ويقسم إلى أربعة أقسام :

    -         المعتقدات والمعارف الشعبية .

    -         العادات والتقاليد الشعبية .

    -         الثقافة المادية والفنون الشعبية .

    فالأدب الشعبي جزئ من التراث ، لكن للباحثين آراء متنوعة في تعريفه .

      تعريف الأدب الشعبي :

    فمنهم من يعرفه بالقول : انه يتناول كل موضوع أو أي موضوع له اتصال مباشر بالشعب ويرتقي به فوق عاملي المكان والزمان ، فينتشر في جميع بقاع الأمة بنفس الدرجة ويبقى على مر العصور بنفس المستوى ، وينتقل من جيل إلى جيل ميراثا مقدسا ، وتراثا خالدا .

     ويشبه هذا التعريف إلى حد بعيد رأي عبد الحميد يونس الذي يرى الأدب الشعبي هو القول الذي يعبر به الشعب عن مشاعره وأحاسيسه أفرادا وجماعات ، فهو من الشعب.

    والى الشعب ، يتطور بتطوره ، وهو غذاؤه الوجداني الذي بلائمه وليس ينفعه غيره.

    وهو يمتاز عن سواه بسمات ، نجدها في سائر أنواعه وأقسامه التي تناقلها الأجيال ويعتز بها المواطن والشعوب .

      فالتعريفان يركزان على طابع شعبية الأثر الأدبي ، التي تضمن له الحظوة و الانتشار داخل جموع الشعب ، والتناقل بين الأجيال ، ولعل هذه الشعبية لا تتأتى للنص ، إلا إذا كان موضوعه ملتصقا بالشعب ، معبرا عنه بصدق ، حاملا لحاجاته ، مسجلا لآماله و آلامه .

     ومع ذلك لم يحمل التعريفان – على أهميتها – كل خصائص الأدب  الشعبي ، ولهذا فسنلجأ إلى تعريف انتشر كثيرا ، لاسيما وانه حمل جل الخصائص المتعلقة بالأثر الأدبي الشعبي ، وهو القائل بان الأدب الشعبي هو : الأدب المجهول المؤلف ، العامي اللغة ، المتوارث جيلا بعد جيل بالرواية الشفوية[1] .

       و هذا التعريف و إن كان يغفل الموضوع ، إلا انه على الأقل يمدنا بالمقاييس التي تساعدنا على تمييز الأثر الشعبي من الأثر غير الشعبي . و لذا سنحاول استقراء كل عنصر من العناصر الأربعة المذكورة في التعريف .

       أـ الأدب مجهول المؤلف :

       أو ما سماه يوري سوكولوف الروسي صفة اللاشخصية ، بمعنى عدم نسبة الأثر الشعبي إلي مؤلف بعينه ، و ذكر أن : مجهولية الأعمال الفلكلورية و عدم انتسابها إلي مؤلف يرجع إلي أن أسماء مؤلفيها لم يكشف عنها في معظم الحالات ، ذلك لأنها في الدرجة الأولى لم تدون ، و صارت وسيلة حفظها ذاكرة الشعب فحسب[2].

       إذ لا تعني مجهولية المؤلف –كما قد فهم – أن الشعب كله يمكن أن يجتمع ، ليؤلف أسطورة أو حكاية أو نكتة ، بل يفترض أن هذا الفرد المؤلف المبدع لا يعيش حياة ذاتية و إنما يعيش حياة شعبية صرفا ، يعرف ما يحبه الشعب و ما يتأثر به ، و ما ينزع إليه من أفكار و أحاسيس و إرادات ، فينشئ الكلمة المعبرة عن كل ذلك ، و التي تجد الهوى بين أفراد الشعب ، طالما هي معبرة عن روحه و تجاربه و مشكلاته.

         و لكن هذا المؤلف الأول لا يفوق بقية الرواة الذين يتناقلون هذا الأثر و يرونه عبر الزمن و الأجيال ، متصرفين فيه بما يلائم زمنهم و أجيالهم ، كما حدث مثلا مع سيرة عنترة التي بدأت سيرة لزعيم جاهلي ، و أصبحت شخصية شبه أسطورية ، فلا شك أن لها مؤلف أو مستلهما على الأقل ، تبعه رواة آخرون أضافوا إليها الشيء الكثير ، حتى أن عنترة الجاهلي يصبح في بعض العصور المملوكية في مصر بطلا مسلما محررا .

    ب - توالي الأجيال :

       و لا يعني هذا التناقل السلبي الذي يحفظ من الضياع ، بل إن كل جيل في الحقيقة يضيف إلى الأثر أفكار عصره آلامه و آماله ، و لهذا فهذا التناقل فاعل و أساسي في بنية هذا الأدب . و لنا في ألف ليلة و ليلة مثال ، إذ اصطبغت هذه الحكايات أولا بصبغة قاهرية مقتبسة من القاهرة التي خلفت بغداد في قيادة الأمة الإسلامية .

        و هكذا يفعل كل جيل عند رواية الأدب الشعبي و تداوله ، إذ يترك فيه أثار عصره و تفاصيله الزمانية و المكانية و الحضارية . و لذلك نجد سيف بن ذي يزن و عنترة يحملان مؤثرات إسلامية .

    ج- الرواية الشفهية :

      تساعد الأدب الشعبي على امتلاك هذه المرونة ، التي تتيح له التطور و التبدل و التلاؤم مع طبيعة كل عصر ، مع أنها تبقى –أي الرواية – الإطار العام و الوظائف الأساسية في الأثر الشعبي ، و تتيح للراوي إضافة ما يتلاءم مع جمهوره ، و أن يغني هذا الأثر الشعبي بما يجعله يؤدي دورا فاعلا في الحياة الشعبية .

      ولكن الرواية الشفوية تتطلب من مؤديها المتخصص صفات معينة إذ إنّ الرواة القصاصين يجهدون أنفسهم لأداء مروياتهم ، و قد ينفق بعضهم سنين لإتقان ذلك ، و قد تكون لهم طرقهم الفنية من حيث طريقة الحكاية أو الأسلوب أو غير ذلك .

     د ـ اللغة العامية :

    و يقود هذا التلاؤم مع الحياة الشعبية إلى استعمال اللغة العامية ، التي تعد مؤشرا على أصالة الأدب الشعبي ، إذ أن عامة الناس ليسوا في أكثر الأحيان متعلمين ، فليس من الطبيعي إذن أن يعبروا عن أنفسهم بغير اللغة التي يتداولونها في حياتهم اليومية .

        مع أن العامية لا تنفي " الفنية" إذ أن الدارس للشعر الشعبي أو الأمثال يقع على استعمالات فنية و محاولة لتطويع اللغة العامية للتعبير الشعري الفني الذي لا يقل تفردا عن الأدب الفصيح .

                 

     

     

     

     

     

     

     

     

      

     

     

     

     



     

     

     

     



    [1]   أحمد رشدي صالح ، الأدب الشعبي ، مكتبة النهضة المصرية ، د ط ، القاهرة  ، 1971 ، ص 14 .

    [2]  يوري سوكولوف، مرجع سابق، ص 67.

  • أهمية الأدب الشعبي و وظائفه

       إلى وقت قريب كانت النصوص الأدبية الشعبية تعامل على أنها خزعبلات و خرافات لا صدق وراءها ، و لا فائدة ترجى منها. و لكن ما إن تصدّى لهذه النصوص بالدراسة باحثون كبار في المشرق و الغرب ، حتى اكتشفوا فنياتها و مضامينها الثرية بالمعاني و الرموز وصدقها في التعبير عن "خلجات الشعوب النفسية و اهتماماتهم الروحية"[1] ، و كذا أدوارها التي أدتها عبر مسيرة الإنسانية ، ابتداء بالأسطورة التي تعد أقدم أشكال الأدب الشعبي ، والتي حاولت بمنطق الإنسان القديم تفسير مظاهر الكون و الطبيعة ، و إنتاج بعض أولويات المعرفة .

          وانطلاقا من هذا يمكن الوقوف على عدة أدوار و وظائف أداها الأدب الشعبي ، و لعل أهمها :

    - الوظيفة السياسية .

    ـ الوظيفة الاجتماعية.

    - الوظيفة التربوية .

    - الوظيفة العلمية و التاريخية .

    - الوظيفة الجمالية و الترفيهية .

      - الوظيفة السياسية :

     من أهم الآثار الشعبية التي حاولت تحقيق هذه الوظيفة كتاب كليلة و دمنة لعبد الله ابن المقفع الذي كان في ظاهره كتاب قصص على لسان الحيوان حكيت لأجل التسلية ، لأن النقد السياسي في زمن ابن المقفع كان محظورا ، فلجأ كاتبه إلى التصريح بآرائه السياسية ، و ثار على النظام الحاكم  بطريقته الرمزية على لسان الحيوانات ، غير أن السلطة التي كانت في أوج عنفوانها و تأسيسها (...) قد أدركت هذه الغايات الباطنية ، و لم تشأ أن تصرح بها ، لكنها انتقمت أبشع انتقام من المؤلف بتهمة أخرى نسبتها إليه ، هي تهمة الزندقة الشائعة لذلك العصر .

      و التاريخ يثبت ايضا ان احتفاء الناس بالسير الشعبية للأبطال التاريخيين للعرب و المسلمين كسيف بن ذي يزن و عنترة و علي بن ابي طالب ، بالإضافة إلى فنّ المغازي.هذا الاحتفاء ارتبط باجتياج عوامل التفكك و تكالب القوى الخارجية على الأمة الإسلامية ، فالشعوب تبحث دائما على البطل ، فإذا ما افتقر تاريخها الحديث إليه توغّلت في عمق تاريخها تبحث عنه .

    و تركيز الشعب العربي على هذه السيرة البطولية و المغازي الشعبية في تلك الظروف بالذات كان وسيلة لإحياء الأمجاد التي عاشتها الأمة ، و تذكير الناس بها ، و دفعهم للإقتداء بهؤلاء الأبطال ، ولا سيما من أجل دفع القوى الاستعمارية عن بقاع المسلمين .

      وقد كان رواة هذه السير و المغازي الشعرية يسقطون مضامين رواياتهم على الواقع المعيش ، فالمغازي و السير تحكي حروب المسلمين مع الكفار ،و تشيد بشخصيات البطولة الإسلامية كالإمام علي و عبد الله بن جعفر ، بل و تصبغ حتى الشخصيات البطولية الجاهلية أحيانا بصبغة إسلامية كعنترة و سيف بن ذي يزن .

      و من المؤكد ان جمهور المستمعين- وهو يستمع إلى هذه المغازي- يحدث عملية زحزحة للأحداث التاريخية ، فتصبح كأنها هي بنفسها واقعه ، و في هذه الحالة يصبح هو امتدادا لجيش المسلمين الأول، و يصبح مستعمر بلاده صوره صورة مكررة لجيش الكفار[2] .

    وقد أدّت السير و المغازي هذا الدور في فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر ، الشيء الذي جعل المستعمر يطارد رواة السير في الأسواق ،ويفرض عليهم الإتاوات ،ويسلط عليهم الدعاية التي تحاول أن تسقط من قيمة هذه المرويات .

    وتشير نبيلة إبراهيم في كتابها "قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية"، إلى تكيّف القصص الشعبي العربي مع الأوضاع السياسية الجديدة وإلى ممارسته إلى النقد السياسي بطريقة رمزية تنمّ عن قدرات فكرية وجمالية ظاهرة.

    الوظيفة الاجتماعية:

    فالنص الأدبي الشعبي من خلال خلوده وانتقاله بين أفراد الجيل الواحد ، وكذا من جيل إلى جيل يمثّل حلقة تواصل بين الأجيال المتعاصرة و المتعاقبة في الأمّة، هذا من جهة . ومن جهة أخرى فإن " النص الشعبي حركة مستمرة مع حركة الحياة، فكل ما يطرأ على الحياة الاجتماعية من تغيير، وكل ما يستوعبه الشعب من أفكار إزاء هذا التغيير، لا بدّ أن يجد صداه في حركة النصّ".[3]

    الوظيفة التربوية :

    فالنص الشعبي نص هادف وز فاعل في اغلبه ،يمارس التربية النفسية و الإجتماعية .تبدأ هذه الوظيفة في الفعل و التأثير في الأفراد منذ الطفولة ، فالتراث الشعبي يحتفل في كل مجتمعات العالم بالطفل احتفالا خاصا ،فيقدم له هذا التراث حكايات شعبية تساعده في معركة التغلب على ما قد يعترضه من صعوبات في حياته المستقبلية[4] .

      وم المتأمل للقصص الشعبي يجد فيه هذا الإصرار على انتصار البطل الخير على الأشرار في آخر القصة دائما ،وهو إصرار على أنّ الغلبة هي لقيم الخير، و بالتالي حضّ للناس على اتباعها لأنها طريق الخلاص ،وفي هذا ترغيب لفعل الخير و ترهيب من افعال الشر .

      ليس هذا فقط ،بل ان الحكاية الشعبية تنمي خيال الطفل ،وتثريه بصور و مشاهد و أنواع شتى من الحياة و الطبيعة و عناصرها، وتحرّك جانب الإبداع فيه، إذ يحاول الأطفال فيما بعد أن يسردوا هذه القصص على أقرانهم، و في ذلك ممارسة لطقوس الحكي التي قد تساهم في تربية مبدع المستقبل .

      هذا لا يعني أن الأدب الشعبي موجه للطفل فحسب ،بل انه يقدم خلاصة تجارب الحياة عن طريق الحكاية التعليمية ، آو الرمزية مثلا ،وعن طريق الأمثال الشعبية أيضا ،هذه الأشكال التي يتعلم منها الإنسان الكثير ،كما أنها تمارس النقد الاجتماعي ،و تدعوا إلى الفضائل ،تفضح الانحراف داخل المجتمع ،وتساهم في تثبيت قيم المجتمع .

    الوظيفة العلمية و التاريخية :

      تتجلى هذه الوظيفة في شكل مهم من أشكال الأدب الشعبي هو الأسطورة ،التي تساعدنا في التعرف على نمط التفكير لدى الإنسان القديم ،و على بنية المجتمع آنذاك و النظم القرابية السائدة ، ومن أهم من استنتج هذه الميزة في الأسطورة كلود ليفي ستراوس الأنثروبولوجي الفرنسي ،الذي رأى أن الإنسان القديم ليس بدائيا بالضرورة ،بالنظر إلى الأنظمة القرابية شديدة التعقيد التي سادت مثلا في القبائل الاسترالية ... .

       كما تساعد أشكال التعبير الشعبي الباحثين في التعرف على خصائص المجتمع و سماته النفسية و مستواه الإدراكي و حريته الاجتماعية ... لان هذه النصوص تحمل خلجات الشعوب النفسية و اهتماماتهم الروحية و تطلعاتهم و آمالهم ، و مشاكلهم و آلامهم، و مدى تفاعلهم مع حوادث التاريخ ...

           كما يعد النص الشعبي ، و لا سيما الشعري منه ، في كثير من الأحيان وثيقة تاريخية تسجل تعاطي المجموعة الشعبية مع أحداث بعينها ، بل قد يسجل هذا النص الشعري بعض الملابسات و القضايا التي سكتت عنها كتب التاريخ.

    -         الوظيفة الجمالية و الترفيهية :

    الحقّ أنّ إعجاب الناس بنصوص الأدب الشعبي بكل أشكالها سواء أكانت قصة أم مثلا أم شعرا أو ألغازا أو غيرها يدلّ بالضرورة على جمالها وأهميتها وقيمتها، فـ " الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصّر في الجودة، أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النّفاسة"،[5] كما يقول نصر الدين الفارابي.

    ولا تبتعد كثيرا مقولة أخرى لابن قتيبة الدينوري عن هذا السياق يرا، إذ قال: " ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصّ بها قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كلّ دهر"[6]

            تحاول نصوص الأدب الشعبي و لا سيما القصة إبهار المتلقي ، و تشبع مخيلتة                 الكبير و الصغير على حد سواء ، و المتأمل في الحكايات الشعبية على بساطتها ، يجد فيها فنيات القصة من عقدة و شخصيات و تتابع أحداث ، بل إن فيها وصفا متميزا قد لا نجده حتى في فن الرواية .   

           لقد أعجب فلاديمير بروب مثلا بالقصص الشعبية العجيبة الروسية ، أخذ بمظهرها المزدوج ، الذي يتمثل أولا في تنوعها الخارق ، و تصويرها الرفيع للألوان ، و يتمثل ثانيا في تشابهها الذي لا يقلل من جمالها [7].

         و تؤدي القصة الشعبية دورا في الترفيه مع أدائها دور التربية . انه التعلم من خلال اللعب الأدبي ، و الحكمة من خلال اللهو القصصي[8] ، لذلك كان تعريف ابن المقفع مثلا لحكاياته كليلة و دمنة ، حين برر هذا النوع من القص بقوله :" فصار الحيوان لهوا ، و ما ينطق به حكمة و أدبا ".

        و لا يخفي أيضا ما للنكتة الشعبية من أهمية في التنفيس من الاحتقان الذي قد يعانيه المواطن ، جراء المشاكل الاجتماعية أو المادية ، فتكون تلك الضحكات الناتجة عن تداول النكات الشعبية تخفيفا من العناء الذي يلاقيه الناس في حياتهم اليومية ، كما قد يكون فيها نقد خفيّ مبطّن سياسي و اجتماعي ...

                            

     



    [1]  نبيلة إبراهيم، خصوصيات الإبداع الشعبي، مجلة فصول، مجلد 10، ع 3و4، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، يناير 2002، ص 62.

    [2]  ينظر: عبد الحميد بورايو، البطل الضحية والبطل الملحمي في الأدب الشفوي الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1989، ص43.

    [3]  نبيلة إبراهيم، خصوصيات الإبداع الشعبي، مرجع سابق، ص 64.

    [4]  طلال حرب، أولية النص، نظرات في النقد والقصة والاسطورة و الادب الشعبي، ط1 : بيروت المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، 1991 .

    [5]  الفارابي، ديوان الأدب، ج 1، ص 74، نقلا عن : نبيلة إبراهيم، خصوصيات الإبداع الشعبي، مرجع سابق، ص 60.

    [6]  ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص ص 62ـ 63.

    [7] Fassion a et leurent i .p, pour comprendre les lectures Nouvelles , 2° éd , bruxelles : duculot 1981, p 19 .

    [8]  محمد رجب النجار، حكاية الحيوان في التراث العربي، عالم الفكر، م 24، ع 1و2،  المجلس الأعلى للثقافة والآداب والفنون، الكويت، ص 122.

     

  • فن الأسطورة

    المعنى اللغوي العربي :

    أسطورة وأُسطيرة وأسطور ,وأُسطير، إسطارة وإسطار ، والاختلاف في حركة الكلمة الواحدة من جملة أمارات التعريب، ومن أقوالهم: أعجمي فالعب به ما شئت، وأحسن الألفاظ لها أسطورة، لأنها تصادف صيغة تفيد معنى المفعول، أي القصة المسطّرة ، وتفيد الشهرة في مدلول مادّتها، مثل الأعجوبة والأحدوثة والأكرومة. وذهب أحد المستشرقين إلى أنّ : أسطورة قريبة الصلة بقرينتها اليونانية اللاتينية Historia ، بمعنى أنها أخبار تؤثر عن الماضين.

        و يقول المبرد في الكامل : الأساطير جمع أسطورة ، نحو أرجوحة و أراجيح و أُثفِية وأثافي ، و أحدوثة و أحاديث ، قال الله تعالى : " و إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين " .

        أي كل شيء كتبوه كذبا و مينا فيما زعموا ... و نحو قوله سبحانه و تعالى : " و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلا "

        و في مختار الصحاح : و الأساطير الأباطيل ، الواحد أسطورة.

    ويفسر ابن عاشور كلمة أساطير في تفسيره التحرير والتنوير قائلا: " فقولهم (أساطير الأولين)، يحتمل أنهم أرادوا نسبة أخبار القرآن إلى الكذب على ما تعارفوه من اعتقادهم في الأساطير، ويشتمل أنهم أرادوا أنّ القرآن لا يخرج عن كونه مجموع قصص وأساطير، يعنون أنه لا يستحق أن يكون من عند الله، لأنهم لقصور أفهامهم أو لتجاهلهم يعرضون عن الاعتبار المقصود من تلك القصص، ويأخذونها بمنزلة الخرافات التي يتسامر الناس بها لتقصير الوقت".

    فهذا يدلّ على أنّ الأساطير كانت متداولة عند العرب قبل الإسلام كما هو حال الأمم الأخرى، وأنهم كانوا يعتبرون هذه الأساطير قصصا يلجأ إليها الناس لتفسير أصول بعض القضايا أو الظواهر الكونية أو الاجتماعية، وأنهم في الغالب كانوا يعتبرونها تفسيرات بشرية غير مقنعة..

    التعريف الاصطلاحيّ :

       كثرت التعاريف التي دارت حول الأسطورة ، و لكنها تتفق تقريبا حول المفهوم ، و إن اختلفت في تفسير سبب نشأتها ، و إلى ماذا ترمز ؟

       فالأسطورة تعريفا هي حكاية عن كائنات تتجاوز تصورات العقل الموضوعي ، و ما يميزها عن الخرافة هو الاعتقاد فيها ، فالأسطورة موضوع اعتقاد . معنى هذا أن مؤلف الأسطورة –كائنا من كان – حين قال بها ، كان يؤمن حقا بما يقول ، و لم تظهر له كما تظهر لنا الآن .

         و بعبارة أخرى : فإنّ الأسطورة قصّة اكتسبت ( في المكان الذي ظهرت فيه )  مظهر الحقيقة ، و نظر إليها على أنها حقيقة ، مهما كانت هذه القصة بعيدة عن الحقيقة .

        و قد عدت الأسطورة نوعا من التفكير الذي عند الإنسان القديم ، و حاول من خلاله أن يفسر الظواهر المحيطة به و العلاقات التي تحكمها بما فيها النظام الاجتماعي .

         و لهذا تعرفها نبيلة إبراهيم بأنها : وسيلة حاول الإنسان من خلالها أن يضفي على تجربته طابعا فكريا ، و أن يخلع على حقائق الحياة معنى فلسفيا[1] .

        الأسطورة و الحلم :

       حاولت المدرسة النفسية المماثلة بين نفسية الإنسان المعاصر و نفسية الإنسان البدائي و أخذت تفسر الأساطير على أنها أحلام جماعية ، و تعبير عن اللاشعور الجماعي،و في الوقت نفسه أخذ النفسانيون يجدون في الرؤى و الأحلام ليس اللاشعور الأنا الشخصي ، بل لا شعور الأنا الأعلى او اللاشعور الجماعي ،فالأسطورة مقطع من حياة الشعب النفسية الطفولية ،أما الحلم فهو أسطورة الفرد الشخصية .

      فسيكولوجية الإنسان المعاصر ميثولوجية فردية ،أما الميثولوجيا فهي سيكولوجية جماعية حسب قول احد تلاميذ فرويد .

      و تشرح ذلك نبيلة ابراهيم ،بوضوح أكثر حين تقول :إنّ الأسطورة عملية إخراج لدوافع داخلية في شكل موضوعي ، و الغرض من ذلك حماية الإنسان من دوافع الخوف و القلق الداخلي ، فالإنسان مثلا يخشى الظلام ويحب ضوء الشمس الساطع، و لذلك فهو يقدس الشمس و يعدها آلهة ،في حين يعد الظلام كائنا شريرا ،و لهذا يتحتم على الشمس ان تتصارع مع الكائن الشرير حتى تقضي عليه حماية للإنسان[2] .

      و تشبه عملية الإخراج هذه العملية التي تتم في الحلم –فيما يرى علماء النفس – فالحلم يخرج ما في النفس من دوافع الخوف و الرغبة في شكل رموز و صور ، فإذا بالمشكلات الداخلية المعقدة ،ننحول من تلقاء نفسها الى موضوع حكاية .

    الأسطورة و القصة :

    اول علاقة للقصة بالأسطورة ، هي ان بنية الأسطورة تعتمد على القص ،ولهذا عدها بعض الباحثين أول شكل من أشكال القصة في تاريخ الإنساني .

      على الرغم من أنّ الإنسان القديم –كما قلنا سابقا- لم يكن يقصد ان يحكي حين أنشأ الأسطورة ، بل ان يصف واقعا موضوعيا بالنسبة إليه .

      الجانب الثاني في العلاقة هو أنّ الباحثين اكتشفوا أنّ الأسطورة –تحت تأثير صنعة القصاصين- قد تتطوّر، و ينسى أصلها الديني ، و تتخذ شكل حكاية خرافية او غير ذلك ، واستدلوا بحكاية سندريلا الشهيرة ، فحين قورنت نصوص هذه الحكاية في البلدان المختلفة مع المغزى الأصلي لهذه الحكاية (المغزى الديني) ،اكتشف ان سندريلا أصلا ملكة الربيع او آلهة الربيع التي أهملت نتيجة قسوت الشتاء ، فعاشت فترة في وحدتها تعاني مرارة الإهمال ، حتى جاءت إحدى آلهات الطبيعة (يرمز لها في الحكايات بالجنية) فأمدتها بكل ما يعيد إليها مظهرها الجميل ،حتى تحضر حفلة الأمير ،أي حفل إحياء الربيع ، و ليس الأمير سوى الملك المقدس ، او الإله في الأسطورة القديمة ،أما الفترات القصيرة التي كانت تظهر فيها سندريلا في مظهرها البهيج في حفل الأمير ،ثم ما تلبث أنّ تختفي فإنها تشير إلى ذكرى فصل الربيع التي تعيش في النفوس ،فتعيش فيها البهجة في لحظات قصيرة ،وما تلبث حتى تتحقق هذه الذكريات السعيدة بحلول الربيع مرة أخرى ، أي حينما يجد الملك المقدس في البحث عن سندريلا ليتم زواجه بها.

    انواع الأسطورة :

    1- أسطورة التكوين :

    تنظر في أكثر المباحث غموضا و صعوبة ، تنظر في الكون و حدوثه و تحاول توضيح كيفية بدء الحياة ، و ما مرت به من مراحل حتى اكتملت في النبات و الحيوان و الإنسان مثل (أسطورة التكوين السومرية ).

    ولعلّ هذا ما يفسّر لنا حرص الشعوب جميعا على رواية قصة الخلق، وذلك أنّ قصة الخلق تعدّ تشخيصا لحاجة الإنسان إلى ارتباطه بالقوى العليا، فهو إذن مرتبط بها منذ الأزل، بمعنى أنّها هي التي خلقته ، وهي التي حددت مصيره، أي أنّ الإنسان والطبيعة معا يعدّان فيضا من الله.[3]

    2- الأسطورة الطقوسية :

    لم تكن الأسطورة على شكل قصة تروى فحسب ، بل كانت تتضمن أحيانا طقوسا قد تمثل او تعكس الحالة الإجتماعية في عصرها .

    و ان كان فريزر جيمس يرى ان الأسطورة مستمدة من الطقوس ، الا ان مالينوفسكي يخالفه ،و يرى ان ليس بالضرورة ان يسبق الطقس الأسطورة ،و قد لا يرتبطان أصلا .

    3- الأسطورة التعليلية :

    هي تلك التي تحاول أن تفسر الظواهر الكونية و قبلها ، فتنسبها إلى قوى غير ظاهرة في حكي روائي يربط بين الفكرة و الحركة ،و يجسد الظواهر لتصبح كائنات متحركة تؤثر وتتأثر بغيرها ، لا سيما و أن الإنسان القديم امتاز بالنزعة الإحيائية (بمعنى إضفاء الطابع الروحي على العالم الطبيعي)[4] ، مما جعله يحلل كثيرا من الظواهر التي أثارت اهتمامه انطلاقا من مذهبه هذا ،وقد رأى العرب مثلا في الكواكب أزواجا ،عللوا مواقع بعضها تعليلا أسطوريا قصصيا.

    4- الأسطورة الرمزية :      

        يمكن قراءة بعضة الأساطير قراءة رمزية ، فالآلهة أو الأشخاص الرئيسيون يرمزون إلى مفاهيم مجردة ، فهي أنسنة للعناصر الكونية ،  للأسطورة منطقها الرمزي الذي تتعامل به مع معطيات الواقع و الفكر .

        و يمكن النظر إلى ( اهورامزادا ) و ( أهريمان ) اللذين قامت الزرادشية عليهما على أنهما رمز هذا الصراع المتفجر طول الحياة بين الخير و الشر . وبدا واضحا لزرادشت أن اهورامزادا هو قوة الخير ، و أن أهريمان هو قوة الشر .

    5- أساطير الآلهة :

        تمتلئ الأساطير بقصص الآلهة ، و هي قصص متنوعة ة غنية ، نجد فيها أحيانا صراعا هائلا بين الآلهة ، أو قصص حب مؤهلة ، و كثير من هذه الأساطير يمكن ردها أيضا إلى الأنواع السابقة .

    6- الأساطير البطولية ( و قد يسميها البعض التاريخية ) :

         و فيها أبطال خارقون اضطلعوا بمهمّات ، و أتوا معجزات و حققوا لأنفسهم أو للرمز الذي يرمزون إليه الانتصار على القوى المعوقة للإنسان . و لعل ( جلجامش ) أقدم هؤلاء : هزه موت صديقه أنكيدو ، فانطلق باحثا على الخلود الذي تمتلكه الآلهة . و بعد أهوال وصعاب جمّة حصل على عشبة الخلود ، لكنّه تقاعس في الاحتفاظ بها فخطفت الحية منه العشبة وغابت في النهر، وجدير بالذكر أنه يذكر في التوراة أيضا أنّ الحيّة هي التي أوقعت آدم وحوّاء في الخطيئة.[5] وبعد فقدان العشبة ضاعت حياة جلجامش إلى الأبد. وهنا يحضر الجانب الرمزي أيضا الذي يمثل لعجز الإنسان وحيرته .

                    

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     



    [1]  نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار غريب للنشر والتوزيع، القاهرة، دت، ص 18.

    [2]  نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ص 19.

    [3]  جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، تر: نبيلة إبراهيم، الهيئة العامّة لقصور الثقافة، القاهرة، ط2 ، 1982، ص27ـ28.

    [4]  وهو نمط من التفكير يعتقد بأنّ كل الأشياء لها روح وإرادة، ينتشر هذا التفكير عند الأطفال في حداثة سنهم وعند الشعوب البدائية الذين ينظر إليهم على أساس أنّهم غير قادرين على تفسير حدوث الظواهر حيث لا يفهمون آلية حدوثها. ينظر: Sillang , norbert , dictionnnaire de la psychologie , paris : Librairie larousse , 1967, p30.

    [5]  جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، ص 13.

     

  • الحكاية الشعبية

    تعريف :

    تشترك جل التعريفات في أنّ القصة الشعبية حكاية ، ينسجها الخيال الشعبي حول حدث مهم و يستمتع الشعب بروايتها و الاستماع إليها ، إلى درجة أنه يستقبلها جيلا بعد جيل عن طريق الرواية الشفوية ، أو أنّها ببساطة حكاية نثرية لأحداث ووقائع بسيطة او عجيبة .

    ومن التعريفات العميقة للحكاية ما يوره بوعزي خالفة من أنها: " شكل من أشكال التعبير الأدبي، يرويها راوية، يدور موضوعها حول حدث مهم في أغلب الأحيان، تعكس موقفا منه، هو موقف الجماعة المردّدة لها، أو التي سبقتها مباشرة في الوجود، وتهدف إلى تحقيق مواءمة نفسية اجتماعية، توظّف لتحقيقها شخوصا غريبة أحيانا، لكنها مع ذلك تنطلق من واقع إنساني وتنتهي إليه"[1].

    و تكمن أهمية هذا الشكل الأدبي في انه يستمد من المخزون الثقافي للمجموعة التي ينبع منها ، و لذلك ينقل عقائد هذه المجموعة و مواقفها و قيمها .

     و الحكاية من أقدم اشكال الأدب الشعبي ، فقد وصلتنا نماذج من الأقاصيص المصرية ، ترجع الى القرن الثامن و عشرين قبل الميلاد .

    الحكاية الشعبية عند العرب القدماء:

    عرفت القصة الشعبية عند العرب منذ الجاهلية ، إذ يحكي صاحب السيرة النبوية ابن هشام أنّ النضر بن الحارث كان يأمر الناس حين بعث النبي صلى الله عليه و سلم بأن يجتمعوا حوله هو لأنه ادعى انه أحسن حديثا من النبي ، و سيجدون عنده قصصا ممتعة عن الجن والحيوانات ،كما يذكر المفضل الضبي بعض القصص التي كانت سائدة في الجاهلية مثل قصة الحية و الفأس .

    أما أهمّ أنواع القصص الشعبي الذي عرف عند العرب، فهو:

    1ـ الأوابد: ذكر القلقشندي في صبح الأعشى أوابد العرب ، وفسّر معناها ، وربطها بالقصص التي وضعت لها، فقال: هي أمور كانت العرب عليها في الجاهلية، بعضها يجري مجرى الديانات وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات، وبعضها يجري مجرى الخرافات، وجاء الإسلام بإبطالها، وهي: الكهانة، والزجر، والطيرة، والأزلام، والبحيرة، والسائبة، والوصيلة، ووأد البنات... والهامة، وتأخير البكاء على الميت للأخذ بثأره... والغول، وضرب الثور لتشرب البقر، وتعليق سن الثعلب، وسنّ الهرّة، وتعليق الحلي على السليم[2]، وكيّ السليم ليبرأ الأجرب، ورمي السنّ إلى الشمس[3]، ولكل واحدة من الأوابد قصّة نسجت حولها، وشاعت وتداولت أفعالا وكلاما، وظنوها أبدية العيش، فسمّوها أوابد ، ثم جاء الإسلام فنسخها، فلم يبق منها غير القصص التي نسجت للكشف عن أصولها.

    2ـ قصص الملوك: كقصة حجر الملقّب بآكل المرار مع زياد بن الهبولة الغسّاني، وغيرها..

    3ـ قصص الأسفار والحروب: كقصة أولاد نزار بن معد مع الأفعى الجرهميّ، وقصة أبي طالب في سفره إلى الشام، وقصة حرب البسوس وهي من أشهر قصص الحروب العربية..

    4ـ الخرافات: قالوا "حديث خرافة"، ذكر ابن الكلبي في قولهم هذا : إن خرافة من بني عذرة أو من جهينة اختطفته الجن، ثم رجع إلى قومه ، فكان يحدثهم بما رأى، يعجب منها الناس، فكذبوه، فجرى على ألسن الناس، ثم انتقلت الدلالة إلى القصص الموضوعة على ألسنة الحيوانات، والنبات والجماد، للتربية والوعظ،وهي قديمة عند الشعوب كقصة السبع والستور المصرية القديمة، وكليلة ودمنة السنسكريتية الأصل، وحكايات أيسوب اليونانية، والعربية كقصة الأرنب والثعلب حين احتكما إلى الضبّ التي ذكرها الميداني: إن الأرنب التقطت ثمرة فاختلسها الثعلب منها فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضبّ فقالت الأرنب: يا أبا الحلس، فقال الضب: سميعا دعوت، فقالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلا حكّمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يؤتى الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقّك أخذتِ، قالت: فلطمني، قال: حرٌّ انتصفَ، قالت: فاقضِ بيننا، قال: قد قضيت.

    5ـ النوادر: كان يسمعها الملوك والأشراف في مجالسهم، فقد اتخذوا ندماء عُرِفوا بالنوادر واختراعها، كنوادر سعد القرقرة للنعمان بن المنذر ملك الحيرة، وغيرها..

       مضامين الحكاية الشعبية :

    تركز الحكاية عموما على حدث او على بطل ، قد يكون الحدث اجتماعيا او سياسيا او نفسيا ،و قد يكون البطل طفلا صغيرا او فتى يافع ، او بطلا شعبيا او قوميا او تاريخيا .

    - صراع بين الخير والشر ،و تكون الغلبة في الأخير الى بطل الخير و لقيم الخير،حتى و ان انتصر الشر في مرحلة من مراحل الحكاية.

    و لعل هزيمة الشر رمز لهزيمة كل النقائص و العيوب التي يعاني منها الإنسان ،و يحاول جاهدا الإنتصار عليها ،و تعني انتصار مثل الخير و اعلاء شأن الأخلاق الحميدة.

    و لهذا فالبطل ممثل الخير يحظى دائما بمساعدة كبيرة ،مساعدة إنسان او ولي صالح او ساحر او مساعدة من الله تعالى في المرحلة الدينية ، و من الألهة في المرحلة السابقة عن المرحلة الدينية ، في حين تحجب هذه المساعدة عن الشرير الذي قد يجد مساعدة من قوى شريرة كالجان الأشرار او الشياطين و الأشرار ، لكنه لا بد ان ينهزم ويسقط في النهاية .

    أنواع الحكاية الشعبية ( تصنيف الحكايات الشعبية ):

    أكثر التصنيفات بساطة هو الذي يقسمها الى:

    1-      حكايات خرافية .

    2-      حكايات الحياة اليومية .

    3-      حكايات الحيوان .

    لكن هذه الأنواع قد تتداخل فيما بينها ،فيصعب ان نحكم بتصنيفها الى نوع معين .و الحق ، ان قضية التصنيف ،وتحديد انواع للحكاية الشعبية من اصعب المسائل نظرا للنتاج الأدبي الثري في مجال الحكاية الشعبية بالفنون القصصية و النماذج المفهرسة او الموضوعة من طرف الباحثين في مختلف دول العالم ، مثل العينة التالية التي تمثل لبعض هذه الأنواع :

    -         القصص الخرافية .

    -         القصص الدينية .

    -         القصص الأسطورية .

    -         قصص الآخرة .

    -         قصص مرحة .

    -         قصص ممتعة .

    -         قصص أخلاقية .

    -         قصص واقعية .

    -         قصص السحر .

    -         حكايات عجيبة .

    -         حكم و قصص ذات عبرة .

    -          قصص تربوية .

    -         قصص الأمثالية و دينية ...إلخ .

    و من أهم الباحين الذين اولوا تصنيف الحكايات الباحث الألماني المرموق فوندت في بحثه الموسوعي سيكولوجية الشعوب فقد قسم القصص الشعبية الى الأنواع الآتية :

    1- الفابولا الميثولوجية .

    2- حكايات السحر الخرافية الصرف .

    3- الخرافات و الفابولا البيولوجية .

    4- فابولات الحيوان .

    5- حكايات أصول القبائل و الشعوب .

    6- حكايات هزلية خرافية و فابولات هزلية .

    7- فابولات أخلاقية .

    لكن هذا التصنيف يعاني أيضا من مشكلة التداخل ، إذ يمكن مثلا ان تكون الحكاية هزلية و تاريخية في آن واحد ، و قد تكون حكايات أخلاقية في الآن نفسه ،ثم إن مضطلح الفابولا يبدو مضطلحا غائما غير واضح بشكل تام .

    و مع كل هذه الصعوبات في ايجاد أنواع للنهاية ، فإنه يحسن ان نعرف بعض هذه الأنواع التي قد نجد لها مثيلا في الحكاية الشعبية العربية .

    1- الحكاية العجيبة الخرافية :

    سميت كذلك انطلاقا من بنائها الحافل بالعجائب ، حيث السحر و العفاريت و الأدوات الخارقة، و الحيوانات التي تعقل و تتكلم ....

    و هي قصة اخترعها الخيال الشعبي ، او أضاف لها جانبا خرافيا للتعبير عن حقيقة او عقيدة خاصة يؤمن الناس بها ، او فكرة تتحمس الجماهير لها .

    2- الحكاية الواقعية :

    هذه الحكاية تقوم أساسا على حدث واقعي ،حمله القاص المغزى الذي يريده ، دون وجود عجائب او خوارق .

    3-الحكاية التعليمية :

    يسيطر عليها النفس التعليمي ،الذي نجده مباشرا وواضحا لا يحتاج الى استنباط ،وقد حكايات كليلة و دمنة منتمية لهذا النوع ،إذ ان الجانب التعليمي ظاهر في كثير من حكاياتها .

    4- الحكاية الوعظية :

    يضع فيها القصاص خلاصة فكره و نظرته الأخلاقية ، فيعظ الآخرين، و يلفت نظرهم بالحكاية المقنعة الى اتباع الفضائل و الإبتعاد عن الرذائل .

    5- حكاية المعتقدات :

    تمثل المعتقدات فيها النقطة الأساسية ،مثل حكاية الأولياء في مجتمعنا ،التي قد تحاط حولها بعض الخوارق و المبالغات التي يعتقدها بعض الناس .

    6- الحكاية البطولية :

    نلاحظ فيها وجود الرموز التي تعطيها أبعادا و معان إضافية تتجاوز جانبها الظاهري الذي يظهر لنا لأول وهلة .

    7- الحكاية البطولية :

    من أهم انواع الحكاية الشعبية ،نظرا لإعجاب الشعب الكبير بالأبطال التي تنسج الأساطير حولهم ؟،و يتم التركيز على أعمالهم الكبيرة التي مجدت أسمائهم و خلدتها ،وإن كان أغلب الدارسين يعتبرون أن هذا الشكل يعد نوعا قائما بذاته ،هو السيرة الشعبية أو الملحمة الشعبية التي تركز على حياة أبطال بعينهم مثل عنترة و المهلهل ،ويختلط هنا التاريخ الحقيقي بالخيال امتزاجا بعيدا.

      أهمية الحكاية الشعبية :

    -         تعد الحكاية سجلا ثريا لخصائص الجماعة او الشعب النفسية و الإجتماعية ،و نظرتها للوجود و التاريخ و تفاعلها مع الأحداث المختلفة ، ودليلا على تجذر وعراقة الشعوب. يمكن أن نمثل لهذا بموقف أحد زعماء الهنود الحمر من سكان كندا الأصليين في لقاء مع وفد حكومي غربي استعماري حين طالبوه بإخلاء مساحة من أرضه، ولم يقبل فقالوا له : إن الأرض للحكومة، فصمت مليا ثم قال: إذا كانت هذه أرضك ، فأين قصصك؟[4]

    -         تستمد من المخزون الثقافي للمجموعة ،ولذا تنتقل عقائدها و مواقفها و قيمها .

    -         تمارس دورا توجيهيا تعليميا من خلال إرشاد الناس لقيم الخير و الصلاح ، وتحذيرهم من قيم الشر و الإفساد، خاصة حين تركز الحكاية الشعبية على انتصار الخير و اندثار الشر في آخر المطاف .

    -         تؤدي دورا ترفيهيا ، لأن الناس ميالون للإستماع الى فن القص منذ القديم ، لتحقيق المتعة و التعلم .

    -         لها دور كبير في تربية الطفل و توجيهه الى القيم الإخلاقية ، و تكوين جانب الإبداع في نفسه عن طريق تحريك مخيلته، و إثرائها بالأفكار و الرؤى و الألوان.

    -         تحرك حاسة السمع و الذاكرة السمعية لدى الطفل الذي اثبت علميا أنها تبعد الطفل عن الإنعزال و عن العدوانية ، وبعكس التركيز فقط على الذاكرة البصرية التي تربي الإنعزال و العدوانية لدى الطفل (سلبية التكيز فقط على الترفيه عن طريق التلفيزيون و الكمبيوتر فقط).

     

     

     

     

     

     



    [1]  عزي بوخالفة، الحكاية الشعبية الجزائرية دراسة ميدانية في مدينة المسيلة، دار سنجاق الدين، الجزائر، 2009، ص33.

    [2]  يقول النابغة في ذلك وصفا للحية:

                         يسهّد من نوم العشاء سليمها                        كأنّ من حلي النساء في يديه قعاقع             

    [3]  اعتقدوا أن الشمس هي التي تعطي السن الأبيض، وفي ذلك قال طرفة بن العبد:

                         أبدلته الشمس من لثاته                                         بردا أبيض مصقول الأشر

    [4]  إيمان مهران، الفلكلور المقدسي بين التنمية والتهويد، المؤلفة نفسها، ط 1، القاهرة، 2010 ، ص 6 .

  • في مفهوم الشعر الشعبي العربي وأنواعه

    لعل من الصعوبة بمكان أن نتوصل إلى إيجاد تعريف دقيق وشامل ومحيط لظاهرة الشعر الشعبي العربي ، وهي القضية التي أخذت حيزا من النقاش ولم يتوصل الباحثون فيها إلى جواب شاف ، ولهذا فإن لن يتمحور على التعريف الدقيق للظاهرة ، بقدر ما سيكون على الأقل مقاربة مفهوم الشعر الشعبي وبحث الأنواع التي تدخل تحت نطاقه ، أو على الأقلّ تقترب منه أو تشتبه به ، بما يخدم في الأخير أهدافنا في بحثنا ويساعدنا على الاقتراب أكثر من إشكاليته ، استفادة من آراء بعض الرواد والدارسين لهذا المجال .

         وقد كان من التعريفات التي درج كل الدارسين للأدب الشعبي عموما – والشعر الشعبي جزء منه – على ذكرها ما أورده أحمد رشدي صالح في قوله : « فنقاد الأدب المتأثرون بآراء الفلكلوريين من أمثال بول سبيو يرون أن الأدب الشعبي لأية أمّة هو أدب عاميتها التقليدي ، الشفاهي ، مجهول المؤلف ، المتوارث جيلا عن جيل .... وأما أصحاب النظرة الثانية ، فيعتمدون وسيلة أداء التجربة الفنية ( اللغة ) ميزانا للحدّ ...فيرون أنّ الأدب الشعبي هو أدب العامية ، سواء كان شفاهيا أو مكتوبا أو مطبوعا . وسواء كان مجهول المؤلف أو معروفه ، متوارثا عن السلف السابق أو أنشأه معاصرون ومعلومون لنا . والرأي الثالث يعتمد محتوى الأدب لا شكله أي موضوع التجربة الفنية فيه لا اللغة التي يستخدمها أصحابه ، فهو عند أصحاب هذا الرأي ذلك الأدب المعبّر عن ذاتية الشعب ، المستهدف تقدّمه الحضاري ، الراسم لمصالحه يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية ، وأدب الرواية الشفاهية وأدب المطبعة ، والأثر المجهول المؤلّف ، والأثر المعروف المؤلّف»[1].   

               ولعلنا من خلال هذه الآراء أن نستطيع استلهام بعض المقاييس التي تساعدنا على تمييز الأثر الأدبي الشعبي من غيره ، وهي على التوالي :

    أ) التداول الشفوي الذي لا يعني بالضرورة عدم التدوين ، إذ إنّ كثيرا من النصوص تطالها أيدي التدوين والطبع لكنّ هذا لا يحرمها من أن تبقى أدبا شعبيا يتداول بين الناس وينتشر بينهم ، كما أنّ ثقافتنا العربية بقيت لعهود طويلة تعتمد في تناقل الآداب والمعارف والتجارب على الشفوية ، فضلا عن أنّ قطاعا لا بأس به من أفراد المجتمع العربي لا يزال إلى حد الآن يعاني الأمية ، ويعتمد التناقل الشفوي في تلقي النصوص ، وكذا في نشرها ، ممّا يجعل هذا الشرط في تصوّرنا لازما في تعريف الأدب والشعر الشعبي .

    ب) صفة الشعبية إذ تكتسب النصوص هذه الصفة من خلال نجاح الأديب أو الشاعر في التعبير عن روح الشعب وذاتيته ، وتسجيل ما يريد الشعب أن يقوله وما يهتم به ، ولا ينبغي أن تصبح ذات الشاعر هنا عائقا أمام نجاحه في هذا السياق إذ قد تهوم به في موضوعات موغلة في الذاتية مما يحرم نصه من أن يكون شعبيا. ويحدّد محمود ذهني معلمين أساسين يمكن من خلالهما قياس مدى توفّر الشعبية في نص من النصوص ، وهما : - الانتشار أو التداول       - والتراثية والخلود.[2] ومعنى هذا أنّ النصّ يصبح ملكية عامة بين أفراد المجتمع ، ويغدو معلما أدبيا دالا عليها ، وتراثا ثقافيا  يعتزّ الأفراد بحفظه ولا يملون من ترداده ، لأنهم يحسون أنّ فيه من المميزات والمضامين ما يعبر عن أحاسيسهم وحاجاتهم وأشواقهم ، إنهم يجدون فيه أنفسهم التي أحسن الشاعر أو الأديب في التعبير عنها . ولكنّ هذه  كانت هذه الميزة ( الشعبية ) تطرح إشكالية أيضا ، كما يصرّح بذلك العربي دحو حين يقول :« والحقيقة أنّ الاعتماد على صفة الشعبية وحدها ، وعلى معرفة المؤلف أو عدم معرفته لا تكفيان لنفي مصطلح الشعبي على هذا الشعر ، لأنّنا نجد أشعارا مدرسية نعرف أصحابها كتبت بلغة رسمية . ولكنها أصبحت شعبية نتيجة للتداول العام الذي مسّ هذه الأشعار ، وعل سبيل المثال نجد أميين يرددون أبياتا لشوقي والشابي والمتنبي ومفدي زكريا وابن باديس وغيرهم ».[3] 

    ج) قضية اللغة التي يوظفها الشعر الشعبي ، وإن كنا نذهب في هذا إلى أنّ هذه اللغة ليست عامية بالضرورة ، لاسيما وأنّ بعض الشعراء الفصحاء حاولوا أن يدلوا بدلوهم لإبداع أشعار يكون لها الرواج الشعبي ، لكن محاولاتهم لم تكلل بالنجاح ، ربما لأنهم تصوّروا أنّ مجرد توظيف الدارجة أو العامية كاف لتحقيق هذا الهدف ، إذ إنّ « الحقيقة في هذا النوع من الشعر لا تتصل بالقواعد النحوية والصرفية فحسب ، ولكنّها تمسّ اللغة بشكل عام »[4]. وعلى هذا لا ينبغي تسطيح مشكلة اللغة في الشعر الشعبي ، وقصر خصائصها على مستوى الخطإ النحوي أو الصرفي أو عدم الخضوع لظاهرة الإعراب لأنّ القارئ للنصوص الجيدة المشهورة للشعر الشعبي يلاحظ تميّز لغته إذ هي ليست عامية كلها ، وليست فصيحة كلها ، بل إنها توظف المستويين اللغويين معا ، وتؤلف بينهما لغة خاصة قادرة على إحداث التواصل مع كل المستويات الثقافية ، وهنا يحسن أن نستفيد من الرأي الذي نقله إلينا العربي دحّو عن عبد الحميد يونس والذي يتجلى فيه عمق الرؤية في هذه المسألة ، إذ يرسم لنا هرما يوجد في أعلاه الأدب الرسمي ، وعند القاعدة يوجد الأدب العامي ، أما الأدب الشعبي فهو ذلك الذي يستطيع أن يتخلص من القمة هابطا ليملأ السفح كله ، أو ذلك الذي يستطيع أن يرتقي من القاعدة صاعدا ومنتشرا على السفح بأكمله .[5] كما أنّ محمود ذهني استطاع أن يبين باقتدار قدرة الأدب الشعبي على الجمع بين العامية والفصحى ممّا أهّله لأن يحقق خاصيتي الانتشار والتداول بين كل أفراد الأمة ، يقول الكاتب : « فالأدب الشعبي لا يتميز بالفصحى أو العامية ، ولا يقال إنه يلتزم بواحدة منهما ، وإنّما الأولى أن يقال إنّ له لغة خاصة به ، تحمل من سماته وصفاته ما يجعلها تضمّ الفصحى والعامية ، أو تسمو عليهما حين تأخذ بساطة العامّية وانتشار الفصحى وتصبح قادرة على التوصيل والإبلاغ لكل فرد من أفراد الأمة ، بقدر ماهي قادرة على التصوير والإبداع والتأثير في كل فرد من أفراد الأمّة »[6]. ولعلنا نستطيع أن نستنتج من خلال ما سبق أنّ الأديب أو الشاعر الشعبي ليس عاجزا بالضرورة عن الإبداع بلغة فصيحة معربة متمثِّلة لقواعد اللغة في كل مستوياتها ، بل إنه يختار هذه اللغة الوسط بين العامية والفصحى عن وعي وإرادة في ضمان انتشار نصوصه وانفعال جموع الشعب بها وتأثيرهم فيها .

    د) بالإضافة إلى المقاييس السابقة ، فإن من الأهمية بمكان أن يتمثل الشاعر الشعبي الشروط والقواعد التي تحقق لنصه شروط الشعرية ، وترتفع بنصه عن اللغة العادية التواصلية إلى لغة شعرية أدبية مشحونة بالصور الشعرية والرموز التي تحقق لدى المتلقي الإيحاء والتأثّر بالمعاني التي يسوقها الشاعر في قصيدته ، متوفرة على عامل الوزن والقافية والإيقاع ، إذ هي من شروط الشعر..

     

    وعلى الرغم من أن كثيرا من الباحثين تناولوا الأشكال الأدبية الشعبية بالتعريف والتحديد ، إلا أنّ الشعر الشعبي لم ينل حظه من الدراسة والتحليل والتجنيس الدقيق ، وربما لا نبالغ إذا قلنا إنّ الحكاية الشعبية أخذت حيزا أكبر في الدراسات الشعبية ، بينما لم يأخذ الشعر ما يستحقّه اهتماما ودراسة ، على الرّغم  من الأهمية القصوى التي يكتسيها والحضور القوي الذي يمثله في الأوساط الثقافية قديما وحديثا والسلطة الجمالية والاجتماعية التي اكتسبها عبر السنوات في كثير من الدول العربية ، وشهرة مبدعيه مشرقا ومغربا وخليجا . يقول محمد بنيس عن ظاهرة الشعر المكتوب باللغة العامية : « ننسى هذا الشعر في تصوراتنا فيما هو يتحدانا في حساسيتنا وحياتنا الاجتماعية ، فضلا عن أنّ شعراء جيدين بهذه اللغة في ماضينا القريب وحاضرنا أصبحوا يشكّلون ذاكرة شعرية »[7] .

             ويدفعنا عامل آخر إلى محاولة تحديد مفهوم للشعر الشعبي ، وتجنيس هذا المتن الشعري ؛ يتمثل في أنّ ما يسمى شعرا شعبيا لا يمثّل نوعا واحدا ، بل يتنوّع ليشمل أنواعا عديدة . بالإضافة إلى أنّ بعض التعريفات التي تعرّضت لهذه الظاهرة قد سقطت في مشكلة التعميم ، ولم تكن صادرة عن قراءة متأنية لنصوصه ؛ مضامينها وتيماتها الغالبة فيها ، وصورها وأخيلتها ولغتها الشعرية ومستوياتها المختلفة . أهم هذه الأنواع هي:

    1- الشعر العامي :

             من هذه الأنواع الشعر العاميّ الذي يقال كلّه بلغة عاميّة ، أو تغلب عليه العامية ، ولكنّه لا يحقّق صفة الشعبية بالضرورة ، ويمكن تقسيمه إلى شكلين :

           أ - أولهما كثير من الأنواع الشعرية العامّية التي انتشرت عبر التاريخ العربي مثل "الكان وكان" و"الدوبيت" [8]... والتي كتب عنها الأديب  صفي الدين الحليّ كتابه "العاطل الحالي والمرخّص الغالي" ، وقال عنها : « فهي الفنون التي إعرابها لحن ، وفصاحتها لكن ، وقوّة لفظها وهن ، حلال الإعراب بها حرام ، وصحّة اللفظ بها سقام ، يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة ، و تضعف صنعتها إذا أودعت من النحو صناعة ، فهي السهل الممتنع ، والأدنى المرتفع . طالما أعيت بها العوام الخواص ، وأصبح سهلها على البلغاء يعتاص . فإن كُلّف البليغ منها فنّا تراه  يريغه ، ولا يتجرّعه ولا يكاد يسيغه »[9] .

          فأظهر شيء في هذه الأشكال الشعرية طابع العامّية التي تسهّل على الناس تداولها وحفظها ، وصفة الشعبية فيها ـ إن وجدت ـ تتحقّق عن طريق اللغة العامّية، وكثير من هذه الأشكال « قد نسميه في شيء من التحفّظ أدبا   عاميا ، ولكننا لا نسمّيه أدبا شعبيا ، ثم إنّه يستعمل اللهجة العامية بتراكيبها الشائعة ، أي إنّه خال من الصياغة الفنية ، ولذا يكون أسلوبه رديئا مبتذلا »[10] .

         ولهذا نجد أنّ هذا الشعر تغلب عليه البساطة واللكنة والسطحية والتسرّع لأنّ المقصود منه ليس التفنّن في الأداء ، بل مجرّد تبليغ المعاني التي يتوخّاها أصحابه في شكل شعريّ بسيط يخاطب به العوّام. قد يعجب به بعض الناس لكن شعبيته تقتصر على فئات دون أخرى.

        ب - و النوع الثاني من الشعر العامّي هو ما يؤلّف عامّيا في القصيدة الحديثة أو المعاصرة من لدن شعراء معروفين في مجال الفصحى  كأشعار الشاعر اللبناني سعيد عقل العامية أو بعض أبيات أحمد شوقي و أحمد رامي العامية ، وهذا الاتجاه يتأتى من اعتقاد هؤلاء الشعراء بأنّ توظيف العامية قد يحقق له بعض الأهداف أو المعني التي يهفو إلى تبليغها ، أو لكي يصل صوته إلى أصحاب الثقافة البسيطة من الناس الذين لا يقرؤون شعره المعرب . ولكنّ    الفردية هنا تعلن عن نفسها كثيرا ، والثقافة الفردية تفرض نفسها. من أمثلة هذا الشعر العامي قول أحمد رامي :         

           العمر فات في أمل وخيال           والقلب مات من كثر ما مال

           وفضلت بعد الــــملل           عـندي أمــل في الأمـل

       ومعلوم إنّ هذه التعابير غير الشعبية بالضرورة « يتعذّر على الرجل الشعبي أن يصل إلى إدراكها، فيعجب بها ويميل إليها ، ويراها معبّرة عنه »[11] ، كما يرى محمود ذهني أنّ هذه الأعمال « بعيدة عن الشعبية كلّ البعد ، بل إنّه يقف دليلا حاسما على أنّ الأدب الشعبي ليس هو ما استخدم لهجة دارجة أو عامّية »[12]  ، بل إنّ هناك شروطا أخرى ينبغي توفرها في القصيد كي يصبح شعرا شعبيا ، كأن يكون ناطقا بالأحاسيس والمشاعر الجماعية للشعب  ومفصحا عن الحقائق الاجتماعية والثقافية ، وسجلا للمبادئ والقيم الخاصة بهذا المجتمع أو ذاك[13] ، و تحقيق هذه الخصائص في الشعر لا يتأتّى للشاعر من خلال التكلّف والتصنّع ، بل إنّها تتكوّن عبر المعايشة الصادقة ، وتشرّب القيم الاجتماعية والثقافية للمجموعة الشعبية ، وليس من خلال الاكتفاء باستعمال لغة عامية يفهمها كل الناس .

    2-  الشعر الشفويّ :

             هذا الشكل الشعري آخر طالما اختلط مفهومه بمفهوم الشعر الشعبي ، والشعر الشفوي ينتمي إلى الأدب القولي (Oral litterature ) ، وينتشر وسط الجماعات غير الملمّة بالكتابة (Non literate societies) . 

           ويسمّيه محمّد السرغيني شعرا شفويّا تارة ، وشعرا لهجيّا تارة أخرى حيث يقول:

       « على أنّ اللهجيّ باعتباره منطوقا أي شفويا ، فإنّ له ملمحا أنثروبولوجيا وإثنولوجيا جرى على الاستفادة منه بعض المتخصّصين الغربيين في هذين العلمين ، خاصّة عند دراستهم لبعض المظاهر السوسيولسانية عند بعض القبائل الإفريقية»[14] . ويرى سيد حامد حريز أنّ هذا الشعر  في المقام الأوّل أدب شفهّي ، وأنّه يختلف كثيرا عن الأدب الشعبي في مضمونه وبنيته [15]، مع أننا نجد تقاطعا بينه وبين أنواع من الشعر الشعبي العربي التي لها تقاليد أو صيغ شفوية تغلب عليها أحيانا ، كونها تعتمد الشفاهية في الإبداع والتناقل مما يسمها بسمات تبتعد بها عن ثقافة الكتابة ، بل إنّ دارسين غربيين وعربا حاولوا تطبيق نظرية الشعر الشفوي على الشعر الجاهلي مثل  النظرية الشفاهية لباري ولورد التي تقوم على الاختلاف بين إبداع المعرفة واستيعابها في الثقافات الشفوية الأولية و الثقافات التي تعتمد على الكتابة . ومن الباحثين العرب الذين طبقوا النظرية جزئيا ، وتصرّفوا في بعض إجراءاتها عز الدين حسن البنا في تحليلاته البنيوية للشعر الجاهلي .

    3- الشعر الشعبي الفلكلوري :

            تدخل تحت نطاق هذا النوع الأغنية الشعبية ، ويسمّيه شوقي عبد الحكيم شعرا شعبيا فلكلوريا ، ومن خصائصه أنّ نماذجه تغطّي حياة الإنسان من المهد إلى اللحد ، فهو يتضمن مثلا أهازيج الأطفال ، وأغاني الزواج ، والبكائيات ، وإيقاعات العمل ، والمنظومات الدينية الشعائرية ، وجميعها نصوص لها وظائف إيقاعية موسيقية[16] .

            من خصائصه أيضا أنّ له طابعا جمعيا ، فنصيب الفرد فيه محدود جدا ، إن لم نقل إنّه معدوم ، ولهذا فمؤلّفه غير معروف ، ويمكن أن يدخل تحت إطاره بعض المواويل التي تردّد في بعض الدول العربية ، وأغاني الهدهدة ، وممارسة الأعمال ، وأغاني الصيادين ، وقد نشأت تلقائيا دون أن تعرف هويّتها[17] . يكتسب هذا الشعر الفلكلوري شعبيته من كونه قريبا من إيقاعات الحياة اليومية ومناحيها المختلفة ، يسمعه الناس عبر مراحل حياتهم المختلفة ، ولا سيما هؤلاء الذين يعيشون في مجتمعات تقليدية أو في مجتمع القرية . لكنّ أجواء المدينة قد أثّرت فيه كثيرا ، وقلّصت من انتشاره وتداوله ، وخاصة أنّ وسائل الإعلام الجماهيري قد أضحت بديلا عن كثير من أشكال هذا الشعر ، إذ أنّ الأدوار الوظيفية التي كان يؤدّيها ، أصبحت منوطة بالمذياع والتلفاز ووسائل الإعلام المختلفة ، وبالتالي قلّص هذا من شعبيته وتداوله وحفظ نصوصه من الضياع .

    4 -ظاهرة الشعر الشعبي العربي الحديث والمعاصر :

           وترى نبيلة إبراهيم أنّ هناك نوعين آخرين مهمّين كثيرا من أجناس الشعر الشعبي عرفا في عصرنا. أولهما « الشعر الذي ينقلك برمّتك إلى حسّ الجماعة ، ولا يدع مجالا لإحساس فردي ، لكنّه مع ذلك شعر فرديّ تماما { أي خاص بفرد } ، له لغة تغوص في التاريخ وفي العادات والمعتقدات ، مثل إبداعات الشاعر الشعبي بيرم التونسي »[18] .

             ولا شك في أنّ بيرما التونسي لم يكن ليصل إلى ذلك الانتشار الجماهيري بلغته العامية فحسب ، وإلاّ كان غيره وصلوا ، بل بقدرته على تمثّل اللغة الحقيقية التي يفوح منها عبق الصدق والتاريخ والحياة اليومية للفرد المصري ، ولم يترك التونسي المجال لذاتيته أن تغلب على إبداعاته ، وتطغى فتلغي شعبية الأثر ، كما إنّه كان يعيش مع الناس في مقاهيهم وأريافهم وحاراتهم ؛ فيستشعر همومهم ونبضات قلوبهم وآراءهم ؛ ومن ثمّ اكتسب القدرة على أن يكون ناطقا بآمالهم ، وممثلا لإراداتهم . فحين تسمع أزجاله ، فكأنّك تنصت إلى أصوات الناس وجلبتهم في تعبيرهم عن حاجاتهم وأشواقهم ، وتعاطيهم عع الأحداث والمتغيرات وحراك الحياة ، كل ذلك في أزجال موزونة ، يشهد لها الدارسون بلغتها الشعرية المتميزة وأخيلتها الثرية ، وبنيتها الشعرية المتكاملة .

            وثانيهما ، هذا الشكل الشعري الشعبي الذي له قواعد ينبغي مراعاتها ، وأشياء مشكّلة ينبغي الكشف عنها دائما ، قد تتجسّد في المفردات أو الإيقاعات أو الصور والأخيلة ، أو في نبضه الداخلي ، وفي موضوعات داخلية ، ورؤى للعالم وللحياة متقاربة ، كلّ هذه العناصر تكوّن بناءه وهيكله ، ومن هنا تتأتّى شعبيته . ومع أنّ مبدعي هذا الشعر في الأغلب معروفون ، إلا أنّ نتاجهم يمثل ظاهرة شعرية متقاربة الملامح ، يغلب عليها طابع واحد .  

            وهذا رأي جدير بالمتابعة في محاولة إيجاد تجنيس دقيق للشعر الشعبي الذي  نال أكبر نصيب من الإبداع في الوطن العربي ، واكتسب جماهيرية كبيرة وسلطة جمالية واجتماعية ..مثل الشعر الشعبي أو الملحون في الجزائر والمغرب وتونس مثلا ، والشعر النبطي في الخليج ، والزجلي في مصر والسودان وبعض الدول العربية ، إذ إنّ نماذج كل شعر من هذه الأنواع تتقاطع فيما بينها على عدة مستويات ، لتسم النوع بطابع واحد يكاد يكون جنسا شعريا متفردا متميزا . بل إنّنا إذا أخذنا بالرأي القائل بأنّ الشعر الجاهلي شكل شعري شعبي ، فإنّه قد يدخل في هذا النوع الأخير، فقد رأى الكثير بشعبية الشعر الجاهلي ، مثل الدكتور عبد الحميد يونس الذي قال :  

        « إنّ تلك القصائد { يقصد قصائد الجاهليين } التي تعتبر اليوم قصائد رسمية ، كانت عصرئذ أدبا شعبيا لأنها تتضمّن معلومات شعبية ، مثل الوقوف على الأطلال ومخاطبة شخصين من الأحبّاء ، وغيرها من عادات شعبية آنذاك في الجزيرة العربية »[19] .  

         كما ذهب حسين نصار إلى الرأي نفسه ، إذ رأى أن كثيرا من الشعر الجاهلي عبّر عن المجتمع الذي ظهر فيه أدق تعبير ، فكشف عن وجدانه وآماله واتجاهاته. و لذلك قال بأنه شعر جماعي ، يغلب عليه الضمير الدال على الجماعة[20].

          ومن العوامل التي دعت هؤلاء إلى اعتبار هذا الشعر شعبيا ، كون الشعراء الجاهليين لم يتركوا شيئا يتعلق بالحياة و المجتمع إلا أنشدوا فيه شعرا إمعانا منهم في وصف حياة الشعب و المجتمع الذي عاشوا داخله ، كما جاءت شعبية هذا الشعر في طرق التعبير الشعرية و أدواته و أهم التيمات (الموضوعات) المسيطرة في القصيدة  ؛ والأخيلة المتواترة و الصور المكررة في القصائد ؛ و النفس الداخلي المتشابه للقصائد ؛ و النظرة الواحدة تقريبا للحياة  وتعبيرها عن السياق الإدراكي و الثقافي للإنسان الجاهلي ، كلّها تدلّ على الطابع الشعبي لكثير من قصائد الجاهليين .

          إن الوقوف على الطلل مثلا رمزٌ شعري يدل على حيرة الإنسان الجاهلي  وخوفه من المستقبل الذي دفعاه إلى التردي إلى الماضي ، و إنّ إمعانه في وصف الناقة أو الفرس بكل تلك المبالغة ، يرسم حالة النقص و المعاناة التي عاشها الجاهلي في بيئة قاسية و حياة كذلك .. وليست صورة المرأة في قصائد الجاهليين إلا الصورة الذهنية الشعبية للمرأة المرجوّة في نظر الجاهلي ، فهي بيضة الخدر لمعانا و بياضا و صفاء و نَعمةً ، و هي الغزال رشاقة و سرعة و خفةً ، و هي بقر الوحش جمالَ عيونٍ . وتلك كلها صور و نماذج استمدها الشاعر من نظرة الناس عامتهم للمرأة.....

          و شعرنا الشعبي العربي ، و لا سيما نماذج الفحول منه شبيه إلى حد بعيد في شعبيته بالشعر الجاهلي ، إذ إنّ له قواعد متوارثة ينبغي مراعاتها ، و لغة شعرية و مفردات خاصة ، بل إن له تيمات (موضوعات) تكاد تكون واحدة ، وبعض التقاليد الفنية والشفوية التي تبلورت عبر السنوات ، وتأتت من كون الرواية الشفوية هي أكبر وسيلة لانتشاره وتداوله ، و هو يمثل رؤية للعالم و الأشياء و المثل و الأخلاق تكاد تكون واحدة . و هو يكتسب هذه الشعبية  ليس من خلال لغته القريبة إلى العامية فحسب ، بل من قدرته على توفير عناصر الشعرية في نماذجه ، ومن هذه الجماهيرية التي اكتسبها عبر السنوات و الأجيال  ومن السلطة الجمالية و الاجتماعية التي تكونت له عند عامة الناس و خاصتهم ، بحيث ينفعلون له أحيانا أكثر من انفعالهم بالشعر الفصيح ، مع ملاحظة أنه ليس هناك فجوة ثقافية كبيرة في الوطن العربي بين العامة و الخاصة ،  لا سيما مع عدم تبلور حقيقي للطبقة الوسطى في وطننا العربي. إنّ الناس ينفعلون بهذا الشعر لأنه يحمل تيمات تمس جانبا كبيرا من أحاسيسنا ووجداننا الشعبي ، مثل موضوعات : الدين ، الوطن ، الأبطال التاريخيين ، الأولياء، المرأة ( الأم ، الزوجة ، الحبيبة..) ، الفرس ، الطبيعة ...

          وإنّ هذا الشعر معبِّر( في كثير من جوانبه ) عن الفكر الجماعي و يترجم مشاعر المجموعة[21] . كما تمثّل القيمة الوثائقية و التفاصيل الوصفية التاريخية جانبا مهما منه .. كل ذلك في نسيج لغوي فني محكم ، و بناء شعري متكامل مدرك لأهمية عناصر الشعرية التي تحقق التأثير بالمضامين الشعبية ، « لأن الفن و الإبداع من الدعائم الرئيسية للأدب الشعبي ، فقد يصاغ نص معين باللغة العامية ، و تتوفر لذلك النص صفة الشفاهية و التداول و مجهولية المؤلف ، بالإضافة إلى المحتوى الثقافي المرتبط بالأدب الشعبي ، و لكن بالرغم من كل ذلك لا تستحسنه أو تتبناه المجموعة.  و بالتالي لا يصبح أدبا شعبيا ، و ذلك لفقدانه لأهم مقومات الأدب الشعبي ، أو الأدب عامة ، ألا و هو الأسلوب الفني الذي يفرق بين الكلام العادي    والأدب »[22] .

    وهذا النوع من الشعر لا يحقق شعبيته باللغة الدارجة وبمجهولية المؤلف بقدر ما يحققها بتداوله وانتشاره بين كل الناس الذين يجدون فيه غذاء فكريا ونفسيا وفنيا ، إنه شعر يتأثر به كل الشعب ، ولا يقتصر على طبقة دون أخرى . أمّا مقولة الطبقات الشعبية التي كثيرا ما ترددت ، وكادت تصبح رديفا لمصطلح الأدب الشعبي فلا شك أنها من تأثيرات المد الاشتراكي الذي طالما تأثرت به ساحاتنا الثقافية طوال سنوات عديدة ، ولعل محمود ذهني أدرك شطط هذه المقولة ، ولذا صرّح في كتابه الأدب الشعبي العربي قائلا : « فالشعب يعني مجموع أفراد الأمة بمختلف طوائفه وطبقاته ، فهو بذلك صفة تجمع الجماعة وليس صفة فصل جانب أو طائفة أو طبقة ، فإذا أردنا أن نأخذ هذا التعريف من واقع فكرته الأساسية وهي إطلاق الاسم على المسمى ، وجب أن يكون تعريف الأدب الشعبي بأنّه الأدب الذي يقدّم لكلّ فرد من أفراد الأمة دون تمييز بينه وبين غيره من حيث الطبقة الاجتماعية أو الدرجة الثقافية أو الحرفة المهنية ، أو أيّ مفرّق آخر يفرّق بين أفراد المجتمع الواحد »[23] .

    وإذا أخذنا مثلا نتاج شعر شعبي جزائري نموذجا عن هذه الفكرة ، وليكن (ابن كريو) فسنجد له شعبية كبيرة في كثير من أصقاع الجزائر وعند العامة كما عند الخاصة ، وسنجد أن ّ أشعاره تردّد ويتغنى بها ، على غرار قصيدته :

        قمر الليل خواطري تتونس بيه         نلقى فيه اوصاف يرضاهم بالـي

        يا طالب عندي حبيبه تشبه ليه         من مرغوبي فيه سهري يحلى لي

        نبات نقسّم في الليالي ننظر ليه         يفرقني منه الــــحذّار التالي

        خايف لا بعض السحابات تغطيه       واذا غاب ضياه يتغيثر حالــي

        يا سايل عن خاطري واش مسهّيه      مــع الريم اللي جبا قلبي جالي

                     هذا الشاعر كان له نتاج شعري كلّه بلغة تتوسط بين العامية والفصحى ، على الرغم من أنّه كان قادرا على الكتابة بالفصحى ، إذ إنّه كان ذا ثقافة واسعة ومكانة أهّلته إلى أن يتبوّأ القضاء لسنوات ، والقارئ لشعره يمكن أن يقف على مظاهر هذه الثقافة . وكثير من الشعراء الشعبيين الجزائريين الذين عرفوا في الثقافة الجزائرية لم يكونوا يقلون ثقافة وقدرة على الابداع عن ابن كريو ، نذكر منهم مثلا الشاعر السماتي و ابن معطار ، و بعضهم قاد ثورة على الاستعمار الفرنسي مثل محمد بلخير ، وغيرهم ممّن يعد شعرهم أدبا وفنّا يتغذى منه كل أفراد الشعب وينفعلون له ، ويستحق أن ننظر إليه « لا باعتباره جزءا من ماض سحيق أو نتاج أناس غير مثقفين ، أو نتاج ثقافة غير جديرة بالاحترام ، ولا ننظر إليه باعتباره درجة أدنى من الأدب الخاص ، ولكننا ننظر إليه باعتباره إنتاجا فنيا جديرا بالدراسة أداء ، وإبداعا أيضا »[24] . المتأمّل لقصائد هؤلاء الشعراء التي يرويها الرواة أو توجد في كراريس الباحثين والمحبين للشعر الشعبي أو في إيقاعات المغنين الشعبيين ، يجد هذا الحس الفني الأدبي الرفيع ، حيث التقيد بالإيقاع الشعري  وحيث حركية الصورة الشعرية وثراء المخيلة ، و القدرة على تطويع اللغة لإنتاج الدلالة .

           وهكذا فمن خلا ل هذا العرض لقضية الشعر الشعبي وأهم الأشكال الشعرية التي تسمى بهذا الاسم ، يمكن أن نخرج في الأخير ببعض الملاحظات التالية :

          - إن هناك أشكالا شعرية كثيرة تتوسل اللغة الدارجة وسيلة في الأداء ، لكنها لا تحقق طابع الشعبية بالضرورة ، بل ربما اقتصرت على البعض دون الآخر.

          - ليست اللغة العامية شرطا نهائيا غير قابل للنقاش لعد هذا الأثر أم ذاك داخلا في باب الشعر الشعبي ، إذ يلاحظ مثلا أن بعض الاشعار قد توظف لغة وسطى بين العامية والفصحى ، ومع ذلك تحقق الشعبية والانتشار ، والكلام نفسه يصدق على شرط مجهولية المؤلّف ، فنتاج ضخم من الشعر الشعبي يعرف صاحبه ، ومع ذلك لا يحرمه هذا من التداول بين الناس ..

          - هناك عناصر أخرى تساهم في شعبية الأثر غير عنصر اللغة العامية ، تتمثل في توفر القصائد الشعبية على عناصر الشعرية ، بمعنى تحقيقها للشروط الفنية للقصيدة ، بالإضافة إلى طرقها لموضوعات وثيمات (موضوعات) تهم مجموع الناس، وتحرك مشاعرهم وحساسيتهم ، وقدرتها على تحسس المشترك والجماعي ، وتلمّس مواقع ما يصطلح عليه بالمخيلة الجماعية للأمّة..

          - إنّ كثيرا من نماذج الشعر الجاهلي إذا ما وضعت في سياقها الزماني والحضاري والاجتماعي الذي أبدعت في إطاره ، يمكن أن تعدّ شعرا شعبيا . 

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     



    [1] أحمد رشدي صالح ، الأدب الشعبي ، مكتبة النهضة المصرية ، د ط ، القاهرة  ، 1971 ، ص ص 14 – 15 . 

    [2]  محمود ذهني ، الأدب الشعبي العربي/ مفهومه ومضمونه ، مطبوعات جامعة القاهرة ، الخرطوم ، 1393/ 1972 ، ص 77 .

    [3] العربي دحو ، الشعر الشعبي ودوره في الثورة التحريرية الكبرى بمنطقة الأوراس من 1954 إلى 1962 ، ج 1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1989 ، ص 28 .

    [4] العربي دحو ، الشعر الشعبي ودوره في الثورة التحريرية الكبرى بمنطقة الأوراس من 1954 إلى 1962 ، ص 26 .

    [5] نقلا عن : المرجع نفسه ، ص 29 .

    [6] محمود ذهني ، الأدب الشعبي العربي ، ص 54 .

    [7] محمد بنيس : الشعر العربي الحديث / بنياته وإبدالاتها ، ( التقليدية ) ، ص27 .

    [8] الكان وكان  اخترعه البغداديون وسمي بهذا الاسم لأنهم لا ينظمون فيه سوى الحكايات والخرافات ، فكان قائله يحكي ما كان . أما الدوبيت  فهو لفظ فارسي معناه بيتان ، فـ ( دو ) تعني إثنان ، وبيت معناه البيت الشعري .

    - طلال حرب ، أولية النص / نظرات في النقد والقصة والأسطورة والأدب الشعبي ، المؤسسة الجامعية الدراسات والنشر والتوزيع ، ط1 ، بيروت ، 1419/1999 ، ص 632 .

    [9] صفي الدين الحلّي ، العاطل الحالي والمرخّص الغالي ، تح : حسين نصّار ، الهيئة العامّة المصرية للكتاب ، القاهرة ،1971 ، ص01 .

    [10] أحمد علي مرسي ، الأدب الشعبي العربي / المصطلح وحدوده ، مجلة فنون شعبية ، ع21 ، اكتوبر نوفمبر ديسمبر 1987 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص19 .

    [11] حسين نصار، الشعر الشعبي العربي ، منشورات اقرأ ، بيروت ، 1980، ص14 .

    [12] محمود ذهني : الأدب الشعبي العربي ، ص53.

     

    [13] SAAD ABDALLAH SOWAYAN : NABATI POETRY / THE ORAL POETRY OF ARABIA , THE ARAB GULF STATE FOLKLORE CENTRE , DOHA (QATAR) , 1985, P 18.

     

    [14] محمد السرغيني : عن تجنيس الشعر الشفوي ، عالم الفكر ، مجلد29 ، عدد02 ، أكتوبر ديسمبر 2000 ، المجلس الأعلى للثقافة والفنون ، الكويت ، ص284 .

    [15] ينظر : سيد حامد حريز ، تحديد مفهوم الأدب الشعبي العربي ، ندوة التخطيط لجمع وتصنيف ودراسة الأدب الشعبي ، 11-15 صفر 1405/4-8 نوفمبر 1984، الدوحة ، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي ، الدوحة ؛ ط01 ، 1985 ، ص45 .

    [16]  شوقي عبد الحكيم ، دراسات في التراث الشعبي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2005 ، ص421 .

    [17] غراء مهنّا ، الشعر الشعبي ، مجلة فنون شعبية ، ع 52 ، يوليو سبتمبر 1996 ، ص16 .

    [18]  حوار مع الأستاذة الدكتورة نبيلة إبراهيم ، كلية آداب جامعة القاهرة ،  تاريخ : 03/01/2005 على الساعة : 14:00

    [19] محاضرة ألقاها عبد الحميد يونس بقاعة الموقار يوم السبت 25أفريل 1970 ، عنوانها : الأدب الشعبي في مظاهره المحلية والعالمية . نقلا عن : ليلى قريش ، القصّة الشعبية ذات الأصل العربي ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1980 ، ص10 .)

    [20] حسين نصّار ، الشعر الشعبي العربي ، ص32 .

     

    [21] غرّاء مهنا ، الشعر الشعبي ، ص16 .

    [22] سيد حامد حريز ، تحديد مفهوم الأدب الشعبي العربي ، ص46 .

    [23] محمود ذهني ، الأدب الشعبي العربي ، ص 46.

    [24] أحمد على مرسي : مقدمة في الفلكلور ، عين للدراسات والبحوث الإنسانية ، القاهرة ، 2001 .

  • الأمثال الشعبية

    المثل لغة:

    قال أحمد بن فارس: "الميم والثاء واللّام أصل صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء. وهذا مثل هذا أي نظيره. والمثل المضروب مأخوذ من هذا لأنّه يذكر ما روّى به عن مثله في المعنى". وعلى هذا الأساس فالمثل يحمل معنى الشبه والنظير، وهذا المعنى اللغوي انتقل ليدلّ على المعنى الاصطلاحي، فالعبارة التي تستعمل مثلاً ـ يتم توظيفها لتماثل أو تشبه المناسبة التي تستدعي المثل..

    المثل اصطلاحا:

         المثل مرآة صافية لحياة الشعوب ، تنعكس عليها عاداتها و عقائدها ، و سلوك أفرادها ومجتمعاتها ، و هي ميزان دقيق لتلك الشعوب في رقيها و انحطاطها و بؤسها و نعيمها وآدابها و لغتها ، و قد ولع العرب بها كثيرا كما هو معروف ، و ورد ذكرها في القران الكريم ، يقول الله تعالى : " و لقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل " . " و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " .

        و قال عنها ابن عبد ربه في عقده الفريد : "وشي الكلام وجوهر اللفظ وحلي المعاني...تخيّرتها العرب، وقدّمتها العجم ، ونطق بها في كل زمان، وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة."[1]

    فهي أبقى من الشعر لأنها تحفظ وتخلد  ويتم تداولها وتنتشر أكثر من الشعر، كما أنها أشرف من الخطابة في قدرتها على الإقناع في أقصر مبنى وأجمل وسيلة..

    ومن أجمل وأعمق ما قاله علماء العرب أيضا في تعريفهم للمثل، ما أورده ابن سلام الجمحي حين قال: " وهي حكمة العرب في الجاهلية والإسلام. وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق، بكناية غير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاث خلالٍ: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه"[2].

    و أقدم كتاب وصلنا في الأمثال العربية كتاب المفضل الضبي ( 168هـ ) ثم تبعه الجاحظ ، وضاع بعض هذه المؤلفات . و من أحسن ما كتب فيها ما جمعه الميداني في كتابه " مجمع الأمثال " (518 هـ ) و الزمخشري في كتابه : المستقصي في أمثال العرب (467 هـ )..

          و يعرف زايلر فردريك في مقدمة كتابه علم الأمثال الألمانية (1922م) المثل بأنه : القول الجاري على ألسنة الشعب ، الذي يتميز بطابع تعليمي ، و شكل أدبي مكتمل يسمو على أشكال التعبير المألوف .

        و لعل زايلر يعني بقوله : يسمو على أشكال التعبير : أنّ المثل يحتوي على فلسفة ليست بالعميقة مصوغة في أسلوب شعبي بحيث يدركها الشعب بأسره و يرددها .

        و يعرف سوكولوف بأنه : جملة قصيرة ، صورها شائعة تجري سهلة في لغة كل يوم، أسلوبها مجازي و تسود مقاطعها الموسيقى اللفظية .

    أما فليشر المستشرق الألماني، فيعرفها باختصار حين يقول أنها: "العرض في صورة حسّية"[3].

        أما الباحثون الفلكلوريون العرب المحدثون ، فمن أحسن تعاريفهم ما أورده أحمد مرسي من كون المثل : هو عبارة قصيرة تلخص حدثا ماضيا ، أو تجربة منتهية ، و موقف الإنسان من هذا الحدث أو هذه التجربة في أسلوب غير شخصي ، و انه تعبير شعبي يأخذ شكل الحكمة التي تبنى على التجربة أو خبرة مشتركة .

    تشابه الأمثال بين الشعوب: 

       و يلاحظ على كثير من الأمثال وجود تشابه بينها ، على الرغم من أنها قيلت في بيئات مختلفة ، و شعوب متباعدة ، و هذا لا يعني بالضرورة وجود قرابة بينهما ، بل يعود ربما إلى تشابه التجارب الإنسانية الحياتية ، و تواترها عند بني الإنسان ، مما يولد تفاعلا و تجاوبا متقاربين تجاه هذه التجارب ، و هذا ما يفسر أن هناك أمثالا ترد عند شعوب مختلفة بنفس الكلمات و التعابير .

        فالمثل الجزائري : دير الخير و أنساه نجد ما يشبهه في قول المصريين : اعمل الخير وارميه للبحر ، و المثل الجزائري : كل خنيفيس في عين أمه غزال ، يرد عند المصريين مثلا في قولهم : كل قرد في عين أمه غزال .

        و عند الأوروبيين نجد المثل الانجليزي : الطيور على أشكالها تقع ، الذي يقاربه المثل الفرنسي : لكي تتزوجي قردا يجب أن تكوني قردة .

        و هكذا ، فان الأمثال تردد خلاصة التجارب اليومية التي صارت ملكا لمجموعة معينة ، و أصبحت أيضا جزءا لا ينفصل من سلوكها في حياتها اليومية ، و لا تنحو الأمثال إلى ترداد المثل العليا صعبة المنال ... و هذا ما يفسر هذا التشابه .   

     

     الخصائص الفنية للمثل ( أسلوبه ) :

         عرفنا أن مضمون المثل و موضوعاته تتمحور حول الحقائق المألوفة و التجارب الحياتية و أن الطابع التعليمي و التوجيه الأخلاقي أحيانا يغلب عليه ، لكنه مع ذلك مقياس لسلوك الناس و القيم المتعارف عليها بينهم ، و لذا نلمس الصدق في مضامينه و عدم المبالغة في الدعوة إلى مثل خيالية .

    -   أما بالنسبة إلى الأسلوب الفني الذي يتوسله المثل لتبليغ هذه المعاني ، فأول ما يمكن ملاحظته هو أن المثل نوع من التشبيه التمثيلي ، لأنه يعتمد على التمثيل الشيء أو الحقيقة أو الفكرة التي يتمحور حولها ، من أجل تقريب المعنى و إفهامه ، فيعمد إلى المجرد فيجعله محسوسا و إلى الفكرة الذهنية فيجعلها معاينة ملموسة ، فهو يعتمد عموما على الصورة .

    -         اعتماده على فكرة المفارقة ، التي تنطوي على معنى من معاني التضاد ، و معنى من معاني الازدواج ، و معنى من معاني التبادل بين الخفي و الواضح ، و قد يكون الهدف منها تصوير المفارقات في الحياة . 

    و اذا تأملنا الأمثال الكثيرة في مجتمعاتنا ، سنلاحظ وجود دلالات مختلفة لهذه المفارقة. منها ما يقدمها لنا الباحث الدكتور منير وليد مثلا في مقالة له عن الأشكال التعبيرية في الأمثال الشعبية في مجلة الفنون الشعبية المصرية[4] ، إذ يسوق مثلا : دلالة عدم التناسب في المثلين المصريين : سبع صنايع و البخت ضائع ، بعد ما شاب ودوه الكتاب .

       ودلالة الاستحالة في المثلين : العين ما تعلاش على الحاجب ، أيد لوحدها ما  تسفقش. ودلالة الإتاحة في المثل : لو كانت الاسامي بفلوس كانوا يسموا الأعمى فانوس ، ودلالة الاستبدال : ظل راجل و لا ظل حيط ، حمارتك العرجاء تغنيك عن السؤال اللئيم .

        و تزداد هذه المفارقة عمقا و تأثيرا في المتلقى ، إذا دعمت بالحسرة و السخرية والعجب و المعارضة ، فالمثل القائل : جاء يسعى ودر تسعة ، يحمل حسرة و ربما سخرية تزيد من أثر المفارقة ، و المثل : جزار و العشاء لفت ، تتأكد مفارقته بتوظيف التعجب .

    - اعتماد المثل على الجناس الصوتي ، حيث يأتي التسجيع بوصفه عنصرا صوتيا يجعل للملفوظ الشفهي تأثيرا أكبر و أشد فاعلية في التأثير في الفرد ، وفي حافظته و هو نتيجة لتشديده غالبا على طرفي التضاد ، إنما يحفظ للازدواج الذي تتسم به المفارقة موقعه الدائم في الذاكرة ، و يجعله سهل الاستدعاء مرة بعد أخرى . مثلا : ( اللي يقول الصح راسوا يتنح ) ، كما يصنع الشكل اللغوي المقفل للمثل .

    و قد يلجأ المثل إلى طرق صوتية أخرى من أجل التأثير ، و تأكيد الحفظ في الذاكرة ، مثل التناسب التركيبي ( التوازي التركيبي ) ، أو التعادل الموقعي بين بعض الحروف و الكلمات في شطري الجملة .

        فالتناسب النحوي أو التركيبي الذي اعتبره ياكسون أحد الخصائص النحوية للشعر ، يعد كذلك بالنسبة للمثل ، لان المثل يكرر الصيغة النحوية للجملة في شكل سياقي متتابع ... فيحدث نوع من التعادل الصوتي المتبادل بين الوحدات اللغوية ، و هو ما سماه القدامى ، رد العجز على الصدر .

          و عموما فان ميزة الجناس الصوتي تخرج بنظام الكلام العادي للمثل عن عاديته و نثريته نوعا ما ، فيظهر لنا أحيانا و كأنه شعر و ليس بنثر .

        - و قد يكون للمثل طابع الحكاية على بساطتها ، لكنه يكثف عنصر السرد التفصيلي ، و يركزه في القصدية النهائية للحكاية و السرد ، و يلتقط بؤرة المعنى ، دون التفات للتفاصيل ، أو النواة المركزية ترك ما حولها ... إن المثل الشعبي هنا يجرد الحدث من أفعاله و شخوص فاعلية لينفذ مباشرة إلى جوهره و إلى الدلالة الأخيرة و يحولها إلى قانون .

        - الكلمة في المثل أحيانا لها تحديد من الناحية النحوية ، وقد تحتمل تحديدات مختلفة مثل قولنا ، الجار قبل الدار ، فالكلمة ( الجار ) مستخدمة استخداما فنيا بعيدا عن التحديد النحوي .

      - قد يستعين المثل بتكرار الكلمة ، لزيادة عنصر التأثير مثل : " خوك خوك لا يغرك صاحبك " .

     

     

     

            

     

     



    [1]  ابن عبد ربّه، العقد الفريد، الجزء 3، ص 63.

    [2]  نقلا عن: رودولف زلهايم، الأمثال العربية القديمة، تر: رمضان عبد التواب، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط 3، 1404ـ 1984، ص25.

    [3]  رودولف زلهايم، الأمثال العربية القديمة، تر: رمضان عبد التواب، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط 3، 1404ـ 1984، ص25.

    [4]  وليد منير، الأشكال التعبيرية في المثل الشعبي، مجلة فنون مصرية، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، ع 21، أكتوبر نوفمبر ديسمبر 1987، ص 69....ص 73.