لقد حاولت البنيوية من خلال فضاءاتها النقدية وكل تحولاتها أن تنغلق على النص، وتقدم دراسات متنوعة لشكلية الإبداع، وعزله تماما عن سياقاته الاجتماعية والتاريخية والنفسية والثقافية وغيرهم، وفي هذا انحسرت في رواقٍ ضيقٍ شكّل عقبةً صعبةً في استنطاق مكنونات النص الإبداعية، مما جعلها تبحث عن توازن تقف عليه، ويسير بها على مساحات تشكّلٍ جديد يمنح فرصة لبعض الأطر أن تساهم في تحليل النص والانغماس داخله، ولذلك ظهرت البنيوية التكوينية التي حاولت أن تجسّد ذلك التوازن، وأن تخلق تفاعلات جديدة لهذا الشكل مما يتيح البحث عن البنيات العميقة والسطحية المؤسسة لأي فضاء بشكل يساهم فعليا في إبراز كيمياء الإبداع التي تتراوح بين الشكلية وما يحيط بها ويؤثر فيها، أي الانتقال من المساحات الضيقة إلى مساحات أكثر اتساعا في معرفة النص، كما أسهم هذا الفضاء الجديد في بعث روح علمية اجتماعية داخل النص، وذلك من خلال خلق تفاعل بين النتاج والفئة الاجتماعية، بحيث لا يكون هذا النتاج انعكاسا مباشرا للواقع الاجتماعي، بل يتضمن بنيات ذهنية داخل المجموعة الاجتماعية، وهذه البنيات الذهنية «هي بنيات عمليات غير واعية، ومن هنا فإن إدراكها لا يمكن أن يتحقق بوساطة دراسة النوايا الشعورية للمبدع، ولا بوساطة تحليل محايث، وإنما بوساطة بحث بنيوي، ذلك أن الفرد الذي يعبّر عن الطبقة الاجتماعية، وعن رؤيتها للعالم، إنما يتصرف انطلاقا من هذه البنيات التي تسود المجموعة التي يعبّر عنها، لأن هذه البنيات متوغلة داخل الفئات الاجتماعية، وبدراستها تنكشف الخصوصية التي كوّنت ذلك المجتمع، وتنكشف من خلال تمظهراتها حركة الفئة الاجتماعية، أي لكي تتحقق فعالية البنيوية التكوينية لا بد من كشف بنية الجماعة أي البنية الدالة (البنية العميقة) في سياق التحولات الاجتماعية والتاريخية والنفسية وغيرهم حسبما أكده غولدمان في عدد من كتبه.