الفصل الاول : مفهوم الشعر الشعبي وتطوراته الفنية
المبحث الاول : مفهوم الشعر الشعبي وتطوراته الفنية
اولا :مفهوم القصيدة الشعبية :
المفهوم الاصطلاحي او اللغوي :
المفهوم المعنوي ( المعنوي) :
مفهوم الشعبي:
مفهوم العامة :
مفهوم العمومية :
مفهوم الفلكلور :
ثانيا : تطور القصيد الشعبي
تطور القصيدة الشعبية :
التطورات التاريخية للقصيد الشعبي :
المرحلة الهلالية :
مرحلة الهجرات المتكررة على المغرب الاسلامي
ثالثا :التطورية الفنية للقصيدة الشعبية :
مرحلة الزحفة الهلالية ( القرن الخامس الهجري ) :
- الالفاظ:
- المعاني :
- التشكيل :
مرحلة الهجرات المتكررة الى المغرب الاسلامي :
- الالفاظ
- المعاني :
- التشكيل :
مرحلة الاستعمار :
أ- تطور الزجل؟
- تطور الملحون بصورة عامة :
ـ تطور الملحون المغربي:
- تطور الشعر الشعبي في الجزائر
اولا : مفهوم الشعر الشعبي:
إن مصطلح "الشعر" هو ملفوظ وبناء لكلمات ومفردات ذات طابع مقصود في الذات البشرية ترتبط بالتذوق والأحاسيس واللسان المعرفة والثقافة ،يعبر بها المرء عن أشياء موجودة تحياداخل ذاته ،ومهما اختلفت التعاريف ،فإن الشعر يبقى يترجم ماهو داخلي من تصورات وأفكار إلى الآخرين مستعملا مفردات اللغة ،وعلى ماقيل من تعريف للشعر فانه ينطبق على الشعر بنوعيه العامي والفصيح يشتركان في نفس مجال القول الذي نعني به الأغراض وتتكون دلالة الشعر الشعبي من مفردة الشعبي.
يعتبر الشعر الشعبي مجموعة من كلمات مرتبطة ببيئة الشاعر العامة يستخدم فيها الأساطير والمغازي والواقع المعاش بلهجة محلية يطرح فيها قضايا متنوعة في إطار إقليمي .
يقصد بالشعر الشعبي تلك التعابيرالمنظومة التي تؤدى بالكلمات أو الإبداعات الشفوية [1] بلغة العامية أو الدارجة والتي كثير مالا تستعمل فيها حروفا في بعض الأحيان غير معجمه، كالتي ورد ذكرها في لسان العرب لابن المنظور, ومن بين العناصر التي تستعمل لتحديد مفهوم للشعر الشعبي نذكر مايلي.
I- العروبية :
ظهرت العروبية (ARABICITE) كنتيجة عن الاختلاط بالوسط الحضري[2] ويذكر "رجيس بلا سير" أن الوليد بن يزيد أثناء حكمه كان ينتقل بين القصور ولم يمل إلى حياة الصحراء ، إلا تقدير وإجلالا للعروبية التي كانت بمثابة الأصل ولما غير بنو أمية نظام الحكم غيروا اتجاه العروبية حيث سكنوا القصور، و أتبعوا لهو المدن وغيروا أسماء القبائل كالقحطانيين والعدنانيين عرفوا لاحقا باليمنيين وأيضا بالقيسيين خاصة المشكلين العرب النازلين من وراء النهر فمثل ذلك الاختلاط أنشأ طريقة موحدة وحدت نطقهم من أجل التفاهم.
ب- السحر والشعوذة:
ارتبط استعمال السحر منذ القدم بتلك الطقوس و العادات البالية التي سجلت على ألواح البردي وعلى الصخور الحجرية و نقلتها الذاكرة من جيل إلى جيل ،نتيجة لنفاذ الشعر إلى عقول الناس فعندما كان الإنسان يقف أمام المنطق والظواهر عاجزا عن تفسيرها يلجأ إلى التأويل والتخمين و كأنه يحي الظاهرة في حد ذاتها .
لجأ القدامى إلى إرجاع الظاهرة الشعرية إلى قوة خارجة عن نطاق الإنسان عرفت بقوة "الجن و الشياطين "وعبروا عن ذلك بوادي عبقر1 الذي نسب إلى عبقر وأصبح كل من أشتهر في مجال ما عن غيره عبقريا .
ظل الشعر الشعبي مرتبط بالشياطين زهاء قرون عديدة و لم يكن ذلك اعتقاد العربي بل أعتقد الإغريق هم الآخرون قبلهم، بأن هناك آلهة تتحكم في الشعراء وقد وصفهم أفلاطون " يلهمون إلى قول ما تدفعهم ربات الشعر إلى قوله " غير أن الحقيقة عكس ذلك عندما تبين أن الشعر هو إبداع نفسي كما عبر ذلك ميخائيل نعيمة [3]الشعر رافق الإنسان من أول نشأته و تدرج معه في مهد حياته حتى ساعته الحاضرة من الهمجية إلى البربرية إلى الحضارة إلى مدينة اليوم رافقها ويرافقها في الترحال في البطالة و البؤس و الرخاء والحرب "
عندما ننظر إلى وجهة نظر ميخائيل نعيمة بخصوص مرافقة الشعر للحضارة فإننا نرى أن الشعر ظل بوقا ولسانا وصحفيا ممتازا،نقل أثارا لأقوام البائدة وحضاراتهم المتفردة بأمانة بل حتى الذاكرة الشعبية كان لها رصيد معتبر في رسالة الشاعر .
ج– الشخصية الشاعرية:
يرمز إلى الشخصية الشعرية على إنها تحصيل المعرفة ولا يقصد بها تجميع الشهادات وإنما الوسائل التي قال عنها سوركين 1 بأنها جميع الأعمال القائمة حسيا وجميع الأشياء المادية والأساليب والقوى الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي يلجا إليها في عمليات الإظهار، وهي في حالة حركة داخلية تختلف من فرد إلى آخر، فقد تصادف شاعرا لم يدخل المدرسة وحصل شعره على شهرة فاقت الحدود كحالة أعمر حمر العين المقني،وبالتالي فإن تجميع العناصر الثلاثة " العزوبية ، السحر و الشعوذة و شخصية الشاعر " يقودنا إلى تبني مفهوم المدرسة الرومانتيكية للشعر بأنه ليس فرعا من فروع المعرفة،بل المادة التي تكونت بها حياتنا ويستشهد عبد الرحمن شكري بتعريف مرآتي للشعر قال فيه :
و إنما الشعر مرآة لغائبــه هي الحياة فمن سوء و إحســــان
و إنما الشعر تصوير وتذكـرة و متعة وخيال غير خــــــوان
و إنما الشعر إحساس لما حققـت له القلوب كأقدار وحدثــــــان
و من كل معنى يروع الفهم طائلة معنى من ألحان في لفظ من ألحـان
صورة الشعر الشعبي تكون أكثر ميلا لوصف الحقيقة لأنها تحدث التقارب من الواقع بلغة مفهومة ومبسطة للتمعن، إذ لا يظهر في كامل تفاصيلها إلا إيجابيات الإتقان في إيصال المعنى ترتكز في بعض الأحيان على الموهبة ،التي هي ليست نتيجة من نتائج التعليم أو الثقافة الشعرية وإنما هي طاقة مخفية في الذات لأنه يوجد الكثير من يحملون معارف شعرية ولكنهم يجهلون قول الشعر،ويذكر أبي مدين الشافعي تعريف أن الشعراء لهم نفوس لا تشبه بقية النفوس ، فإنهم يجدون في الشعر قوة خفية تجعلهم يعبرون عما يجيش في خواطرهم و يعبرون عنه بكيفية "عجيبة ومؤثرة " وهو نفس التعريف الذي قدمه المرحوم محمد مصايف حين قال أن الشعر فن و أنه لذلك أثر من أثار العبقرية الإنسانية. فهو على خطاه الجميلة يعتبر حكمة على حد قول الرسول صلعم.
1- مفهوم القصيدة الشعبية :
يوجد شطرين علمين لأي تعريف أمفهوم فالشطرالاول هوالمعروف بالمعنى الاصطلاحي أو اللغوي ثم الشطر الثاني وهو المعني الصحيح للمفهوم ولهذا سنأخذ بالمبدأين مع بعض :
أ- المفهوم الاصطلاحي أو اللغوي :
يقصد بالقصيدة الشعبية اصطلاحا كل بناء متكون من وحدات صوتية في شكل كلمات عامية
( اللهجة المحلية )1 تلقى شفاهيا، يحتفظ بها التراث الشعبي وهو كلام جميل ممتع ومعبر يدس فيه صاحبه ألوان الاستعارات والشبهات والمجازات الممتعة،ولا يخضع للوزن إلا نادرا فالوزن فضاء رباني أوكل للنفس على سبيل الموهبة يوصل إلى معاني يبلغها إلى الأخر بغية أحداث الأثر، وله فضل كبير على النواحي الإنسانية لكونه حول شخصيات سالبة من البشر إلى شخصيات فاعلة تعج بالحب والعاطفة.
ب- المفهوم المعنوي ( المعنوي) :
إن الشعر الشعبي معنويا هو كلام له صفات خاصة يذاع باللغة العامية جميل له سحر البيان يخضع لما يسمى باللغة واللغة هي الركيزة المهمة في عملية التواصل بين شرائح المجتمع وقد ورد في المعجم إن اللغة هي معرفة أوضاع المفردات تحتوي علي مجموعة إشارات دالة على حالتنا (2) كما هي بمثابة إلف باء الفكر .
وتظهر علاقة الشعر باللغة في ثلاث محاور منها المحور الأول هوان الشعر كلمات وحروف والمحور الثاني هو إن الشعر فكرة وأفكار والمحورالاخير هو أن الشعر معنى،فاذامامثلناالعلاقة بالطريقة التالية "كلمة + فكرة +معنى" يكتمل البناء اللغوي ،لان اللغة تشترط الكلام المتعارف عليه بين القوم والأمة والمجتمع ،فعندما نأخذ بارتباط مصطلح الشعر بالمجتمع يجعل المعني بين الشعر واللغة يتقاربان فكلاهما من المجتمع يذوبان في قيمه وسلوك والامايسمى الشعر شعرا إلا لارتباطه بالشعور،وكلما كان الشعورمشتركازادت يقظة الأمة بسبب انتشار التداول المعرفي لقيم الشعريين الناس ،حتى هنا يمكن إن نتكلم عن شعرله علاقة بالمجتمع اوالامة وهو الشعر الشعبي و الذي يدخل في صلب ظاهرة الشعبية ومنهما كانت اللغة المستعملة للتعبيرهي شعبية إلا إذا ادخل عليها البناء النحوي اوالاعرابي،يجعل التمييز قائم بين ماهوفصيح خاص للتصويت اللغوي وبينما تفرضه اللهجة الشعبية المحدودة الجغرافية .
1- كلود ليفي شتراوس – الأنتردولوجيا – ترجمة مصطفى صالح –دمشق 1977 – ص 77
نمرالى ظاهرة أخرى التصقت بالشعر الشعبي هي ظاهرة الإعرابية (النحوي الشعر الشعبي ) على الرغم من غرابة ما قد يضنه القارئ فان العامي من الشعراء الشعبيين يحفظ مبادئ اللغة العربية الفصيحة (1)،ويكون عند نهاية مراحل تدرجه التعليمي الأولي قد مر بأبجديات اللغة العربية، الشي الذي دعانا إلى الإقرار إن الأدب الشعبي من الصعب وصف لغته وعلى النقيض ذهب آخرون إلى القول إن القصيد الشعبي أصبح متهورا لا يعني ما يقول بسبب الانحراف المعياري عن أصول اللغة . يظهر قول الأستاذ زكي الارموزي(2) إن اللسان العربي ذو بيان عضوي تتم فيه الكلمة عن المعنى وتوحي به إلى إحياء حياة ،حتى إن اتجاه المعنى هو الاتجاه المتغلب على اللفظة مما يجعل العامي اكثر استعداد من غيره لفهم الأخلاق و الديانة ، ومن خلال ما سبق نجد إن الظاهرة الشعرية الشعبية تتوفر على عدة عناصر ساهمت في المحافظة عليه ،و تتمثل هذه العناصر في مايلي :
- تطوير الانشغالات اللغوية ذات الأثر ألتخاطبي عند استعمال أفعال الأمر أو الماضي.
- المحافظة على تقنيات السمع و الطباق و المحسنات البديعية الأخرى
- استعماله لتقنيات التشبيه بأنواعه في معاني الجملة
- إعراب القوافي و المثون إعرابا صحيحا
- المحافظة على المصطلحات الاستثقافية واستعمالها استعمالا صحيحا كما سيأتي ذكره في الأشكال .
- إدخال الكلمات العامية إلى جانب الكلمات العربية : كما في قول
الجندي ياخوية ياقاري للواح طيح الطيارة مابين الصباح
الجندي يا خوية يا قاري العلوم طيح الطيارة مابين النجوم.
-----------
1- محمود ذهي – الأدب الشعبي العربي مفهومه و مضمونه – ديوان المطبوعات جامعة القاهرة 1972-القاهر –ص 81 .
2 -زكي الارسوزي من مقال الدكتور- عدد فروع 222/223 و ص 11 وكفله سالم العلوي – دار الأفاق – الجزائر
نقلا من كتاب الثورة التحريرية بدائرة مروانة – الدكتور دحو العربي ص 146
v : مفهوم الشعبي:
يرتبط مفهوم كلمة "الشعبي" بمصطلح ”الشعب ” وهو مجموعة من الأفراد الملتفين حول هدف واحد أو عدة أهداف ، يعيشون على إقليم متعدد و منفرد، تجمعهم خصائص مشتركة يحتوي على مشروع مثل العمارة والبطن والفخذ و العضلة، القبيلة والنزلة والعشيرة .
- مفهوم العامة :
يقصد ب "العامة " شيوع المواطنة، بصفة جماعية تتوحد كشخص واحد ،تذوب بين أوصاله كل المشاغل والمشاكل الاجتماعية فهي تعني للجماعة الملتحمة في مكان واحد يتفقون فيمابينهم على تحقيق مصلحة جامعة نسميها بالعامة ،مثلهم مثل الفلاحين الذين تكلم عنهم الإخوة جريم1 في دراسة الأسطورة .
- مفهوم العمومية :
يعتبر مصطلح "العمومية "مصطلحا سياسيا واجتماعيا له علاقة بما يمارسه الأفراد و هو نفسه التعريف المطبق على التراث، فلا يمكن أن نتحدث عن التراث الشعبي دون المرور بمصطلح العمومية ،فالتراث وروح العمومية ولايمكن فصله عنها أوع المورثين ألاجتماعي والثقافي ، إننا نتكلم عن العمومية باعتبارها الشكل الدال الذي يحتوي على مدلول الشعب و يكون "الشعر" بينهما هو لغة الإعلام والإخبار و الاتصال .
- مفهوم الفلكلور :
يقصد بمفردة "الفلكلور" في الثقافة الشعبية مصطلح " الشعب أو الجماعة الصغيرة"المرتبطة بتحقيق مصالح معينة على حد موصفه روسو بالجماعة البشرية الأولى فهذه الجماعة هي روح ( العمومية )،إن الشعوب لا تحيا إلا إذا أنتجت أساليب تفكير تسمى بالتراث الشعبي الذي أوردت بشأنه الدكتورة نبيلة إبراهيم 1تعريفا مقبولا ينطلق من الطبقة حاملة التراث إلى الطبقات الأخرى ،ويعتمد شكلا حضاريا جديدا ثم يعود هذا القديم الجديد مرة أخرى إلى الطبقة حاملة التراث مكيفة وفقا لمتطلباتها ،دون أن يظهر تشهيرا بالفر دانية ، وحتى نوضح فإن مصطلح العمومية هو نفسه مصطلح الجماعية .
إن كلمة فلكلور هي مزيج بين وحدتين (فولك )بمعنى الناس وهي ترجمة للكلمة الانجليزية folks ترمز إلى المعرفة والحكمة ،و بذا يكون الفلكلور حكمة الشعب ، كما تعني العلم الذي يدرس التراث الروحي للشعب و خاصة التراث ألشفاهي وعرفه ” سبينوزا“ على أنه ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية الذي يجمع ويصنف ويدرس بطريقة علمية تفسير حياة الشعوب وثقافاتها عبرا لعصور وبالنظر إلى التعارف المقدمة لا يمكن أن نتصور الفلكلور في شكل مادة مجموعة بل هو علم يدرس المادة الشفاهة وبذا يكون الأدب الشعبي إحدى الرواتب الحسنة لدراسة الفلكلور الشعبي ويوافق أصحاب اتجاه الأدب الشعبي ، بان الفلكلورهوالإبداع الشعري لجماهير الشعب العريضة قد ترجم الفلكلور إلى اللغة العربية فصارعيني التراث الشعبي للتعبير إلى كل إبداع شعبي بما فيه الشعر الشعبي.
ثانيا : تطور الشعر الشعبي
بعدما تعرفنا على مفهوم الشعر سوف نوضح الكيفية إلى تطوريها الشعر الشعبي بغية توضيح مسارات هذا الفن الأدبي الراقي .
1- تطور القصيدة الشعبية :
تطور القصيد الشعبي عبر الأحقاب الماضية وفق المراحل التالية :
أ- التطورات التاريخية للقصيد الشعبي :
لم يؤرخ بعد أي باحث في الأدب الشعبي لبداية نشوء القصيدة الشعبية في العالم بل ربطوا تاريخ ظهورها بمجموعة من النصوص ظهرت في تواريخ متفاوتة بالبلدان التي تعنيها الظاهرة الشعبية ،وسوف نقيس ذلك على ما وصفه عبد الرحمان بن خلدون في "المقدمة" كجزء من حقيقة ننطلق منه لمعرفة بداية التاريخ الحقيقي لتكون القصيد الشعبي وسنحاول في هذه النقطة إن نبين مجموعة مراحل ربما تنطبق على تاريخ الظاهرة الشعرية الشعبية في الجزائر .
1- المرحلة الهلالية :
يجمع الغالبية من الباحثين في الأدب الشعبي على إن بداية ظهورا لقصيدة الشعبية يرجع إلى ظهورا لهلالين في المغرب العربي،على اثر قاموا به عند نزولهم بتعريب المنطقة تعريبا كاملا كاد يذيب اللغة الأصلية لشعوب المغرب العربي و ينسيها تاريخها القديم ،والسبب المباشر الذي جعل انتشار القصيدة الشعرية الشعبية يأخذ مجرى سهلاهو عدم كتابة القصيدة على غرار القصيدة النظمية،وسهولة حفظها باللهجات التي كانت تذاع بها ، هذا الاحتمال وضعه الأستاذ المرزوقي وهو احتمال وجيه لكن تبقى قاعدة معرفة الانطلاقة الحقيقية لظهور القصيدة الشعبية من ابرز محفزات الباحثين في الوسط المبدي أو الأكثر بداوة , لان حرية اللسان ألتخاطبي قد استشرت بين الأقوام لتنوع ألسنتهم ، فلا يمكن الجزم إن سكان المغرب العربي لم يعرفوا قرض القصيد الشعبي إلا بعد الزحف الهلالية ، فكماه ومعروف فإن تكوين المجتمع المغربي كان تكوينا قبليا متنوعا قبل الهلاليين فكيف يعقل إن ينظر مجتمعا متنوعا قبائليا إن يأتي مجتمعا أخرا في صورة الهلاليين لتعليمهم أصول الصورة الشعرية الشعبية إن هذا الاحتمال يبقى محل تشكيك إلا إذا استهدفنا النصوص وهذا صعب لكون الغالبية من النصوص كانت في صدور أصحابها, ولننظر ماذا فعلت الحروب والفتن و الاغتيالات والانقلابات في مجتمعات المغرب العربي فلا يكون ذلك له اثركبيرعلى اختفاء القصيد الشعبي، ينتقد الأستاذ ألتلي بن الشيخ قول المرزوقي قائلا انه من غير المنطق إن يضع بنو هلال عن أبناء المغرب العربي شعراء لو لم تكن موهبة الشعر أصيلة في المغرب العربي أضافت الباحثة روزلين قريش نقطة في غاية الأهمية عند إشارتها إلى حركة الحجاج البربرالاوئل الذين كانوا يتسابقون لزيارة أماكن الاتساع العربي الإسلام ( مكة ، العراق و مصر، دمشق ) ونهل العلم من لدن علمائها، يعود تاريخ هذا التواصل إلى مطلع القرن الثالث الهجري ،ففي هذه المرحلة كان الشعر الشعبي الخليجي والعراقي في أوج تقدمه خاصة عند القبائل التي كانت تقع خلف المواقع العلمية المقدسة في الصحراء ،و إثناء "الموسم العام للقاء الجميع" ينتقل إلى مسامع الوافدين الكثير من الحكايات الشعبية عن حياة النبي اليومية مع أزواجه و الصحابة و الأنصار وتضيف الباحثة ليلى قريش إن الحجاج في طريق العودة إلى بلادهم كانوا يتوقفون في عدة مدن وقرى وكانوا يجتمعون مع سكانها فيتحدثون عما نقلوا إثناء حجهم ،فلنا إن نتخيل مبلغ العلم أو الرواية الشعبية التي كان المشارقة يقصونها على البربر سواء للرد على أسئلتهم أو لإرواء فضولهم إن هذه المشافهة من المحتمل إن ندرج فيها عوامل نقل القصيد الشعبي .
2- مرحلة الهجرات المتكررة على المغرب الإسلامي
ذكرت الباحثة روزلين حالات شهيرة كرحلة ابن بطوطة والرحلة العباسية و الرحلة الناصرية ورحلة بن رشيدا لقهري ورحلة بن عثمان ورحلة بن عبد السلام الناصري وابل الطيب الشرقي وابن العباسي و قدمت أوصافا كثيرة بينت تاثيرالمغاربة وتسجيل تواجدهم بالمشرق ولكن ما يجب الإشارة إليه على سبيل التخصيص ما ذكره ألتلي بن الشيخ في ما اسماه الحركة الأندلسية ,ذاعت هذه الحركة المهاجرة بعد سقوط غرناطة سنة (1492) حيث توجهت هجرات متتالية إلى بلاد المغرب ،ومعها حملت زادها الشعب المتمثل في "الزجل" وهو رصيد توالى بفضل المطبوع الاجتماعية بلهجة عامية انتشر مجراه في بلاد المغرب .
----------------
ألتلي بن الشيخ – منطلقات التفكير في الأدب الشعبي – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر – 84 ص 30 .
روزلين ليلى قريش – القصة الشعبية الجزائرية ذات الأصل العربي – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 2007 ص 53/54
فصارمناطحة تمثل بروز الشعر الشعبي لكنهما تختلفان من حيث الخصائص و تتشابهان في الطرح اللغوي العامي كما سوف يتم الإشارة إليه عند ذكر إشكال التعبير بأخذ المقارنة على سبيل المثال فالزجل كما يقول محمد المرزوقي ليس شعرا شعبيا بالمعنى الصحيح لأنه من إنتاج طبقة على خط عظيم من الثقافة ولغته خليط من فصبح وعالي في الغالب وهو متأثر بالقصيدة و الموشح الفصيحة .
ثانيا :التطورية الفنية للقصيدة الشعبية :
نذكرها التطور بناء على النصوص التي وجدت في المراحل المحتمل تقول الشعر فيها وحفاظا على العمل المنهجي للدراسة نحاول إن نتناول بناءا على المراحل التي اشيراليها في المطلب السابق
1- مرحلة الزحف الهلالية ( القرن الخامس الهجري ) :
إن أول نص ذكره محمد المرزوقي يعود إلى عهد الخفيين سنة 298 :
مطلعه :
غربوك الجمال يا حفصة من بلد بعيد
من سجلمانةومن قفصه وبلاد الجريد
نذكر في بداية الأمر الخصائص الفنية لهذا المربع الشعبي لنجري مقاربة نقدية لهذه الفترة , وهذا من خلال الخصائص التالية :
- الألفاظ:
يحتوي هذا المربع على ألفاظ عربية فصيحة الإلقاء ،نميزها من الشعر العامي فالجمل هو الأصل الثابت لسفن الصحراء و ( حفصة ) كما ذكر ألتلي بن الشيخ نوع من التمورسندلي به هنا على سبيل النوع فهو عربي وليس عامي ، بلا صيغة المرور ثابت في القاعدة النحوية , و بعيد على الإضافة مقبول شكلا عربيا الا إذا سكن الباء بعد الألف غير الناطقة ويقابله في المشد الثاني من سجل ماسة و قفصه أسماء لقرى في الجنوب التونسي معربتان والجريد اسم لقرية تونسية يكثر بها التمر فنلاحظ هنا تصوير من الناحية اللفظية للعامية إلا إذا استثنينا المعاني .
- المعاني :
كل الكلمات التي ورد ت واضحة ولا غبار عليها تفهم في كل مواضيع من بلاد العالم العربي و الإسلامي وهذه ميزة قد تسجل على شعر هذه المرحلة .
- التشكيل :
يصور الشاعر ظاهرة اقتصادية تتمثل في انتقال تجارة التمورمن أقاص البلاد كما أشار إليه الشاعر الذي لم يكن يملك ثقافة المسافات ،نشعر إن هذه المرحلة كان الشعر الشعبي ناقلا لظاهرة سفرالتمورذائعة الصيت ويمكن القول إن الشاعر أو الممتهن تختلع في وأعج نفسه فيظهرها كما هي و الجمالية اللغوية تظهر من تصوير الفعل الدال على الهجرة و البعد الذي يخال الشاعر ،وهو يبتعد عن حفصة هذا التمر الغالي ولم يقل هجروك و كان أفضل لو استعمل "هجروك الجمال يا حفصة" لكان دالا على شعبية و لواعج الغربة المستعملة هنا ، إنما يدل على محنة الفارين من الأندلس و الذين كانت قلوبهم مرتبطة بأرض ايبريا فليكن على سبيل الزعم إن هذا البيت منقول .
من قصائد الحنين لكان أحسن واجل فإذا كانت كل القرى تونسية فكيف تكون القرية في ارض واحدة ، اللهم إلا إذا كانت بلاد الجريد هي واحات ورجلان أو طينة بالجزائر عندئذ يمكن القول إن البيت يرمز إلى عقلية شعبية بسيطة ولازلنا نأمل إن نكشف النقاب عبرا لمخطوطات المدخرة في الزوايا وعند الأشخاص عن مكامن هذا الشعرعيرهذه المرحلة الهامة من تاريخ إسلافنا الجدير بالعناية و البحث .
2- مرحلة الهجرات المتكررة إلى المغرب الإسلامي :
نذكر في هذه المرحلة شعر الزجل الذي ربطه الباحثون بالأصول الشعبية لتداوله باللغة العامية ،وتجدرالاشارة إلى تناول بعض النصوص منها مقطوعة لابن عثمان سعيد بن عبدا لله المنداسي .
امن قادر بالله ليحي تلمسانا فان بها من رهط يا جوج عدوانا
بن الصدد و القرنين للناس رحمة فبالله من شوكة الترك هنأنا
فأولى إن نستخرج بعضا الخصائص التطورية التي انتابت القصيد الشعبي لكن قبل ذلك يجب التذكير بشيء مهم للغاية وتحديد مصطلح تكوين (القصيد الشعبي ) لنزيل الغموض قد يكتشف تاريخ تطور مراحل القصيد الشعبي و من بين هذه المحددات التي تتحدث عنها هو ظهور فكرة الإزاحة و الحيلولة وخروج النص القديم و تمشيته وإحلال نصوص جديدة مكانه حتى نكون امنين على النصوص الهرمة فإن الإشارة تجدر هنا إلى تعرية مفهوم الملحون كفن شعري يمتلك عدة أدوات نستعمل اللحن والصوت وسواء كان اللحن المؤدي يشمل التناقصية الفصيحة أو العامية فهو لحن عن طريقه تبيض القصيد وتسود ولا أظن هذا إن اللحن سيبعدنا عن طرق و تطور الخصائص الفنية في مرحلة الهجرات الأولى المغرب وأهالي الأندلس ولو نرجع قليلا إلى تاريخ الملحون فدون شك سيصطدم بعصر الموحدين في المغرب إثناء القرن السابع الذي عرف فيه الملحون الشعري تطورا خارقا بسبب تنوع المواضيع العامة التي كانت تشغل بال الناس في تلك الظروف ولا سيما عند ظهور نشاطات الدعوى و التصوف فكانت تلك هي البواكير الأولى لتطوره المصاحب لفكرة استعمال الآلات المولدة للإلحان وهنا يجب التذكير إننا نتحدث عن فن الزجل عندئذ نربطه بالآلة الموسيقية و السيادية وهو فن كما سبقت الإشارة إليه يرجع إلى مقدم بن معافي القرن ( 840-912 م ) أبدع فيه وغالبا من يطلق الزجل على الكلام الشعبي الدارج ثم يليه الموشح ذلك الكلام الجميل المؤدي باللغة الفصيحة و الموزون على الطريقة التحليلية .
إذن نكون قد بينا الأمر بين الزجل و الموشح على سبيل التطورية فالزجل هو الملحون الشعبي كما ذكر المستشرف الاسباني في دراسة حول موسيقى الأغاني إلا إن ما ذكره بن خلدون بخصوص الشعر العامي على انه مستقل عن حدود اللغة و قيودها، يجعلنا نأخذ بكل قول ومأثور لم يراعي قواعد اللغة بصورة كلية ونقحمه في خانة القصيدة الشعبية المنتمية إلى الاتفاق الجماهيري الشعبي .
لنعود إلى تبين تطور الخصائص الفنية للقصيدة الشعبية ( الزجلية ) ونأخذ الخصائص بالصيغة التالية :
1-المفردات : استعمل الشاعر الشعبي مفردات قريبة إلى الواقع المعاش في تلك الأيام وهي مفردات هجينة من العامية الخالصة المهذبة بحروف عربية أعطتها صور رائعة نجد أنها تحفظ مكانا لها من التفعيلات , يعطون للمفردات عدة طبوع متنقلة بين الكلمات الدرامية التي تعكس البعد و الوجد والحرقة وفي الغالب لا نجد قصيدة قيلت في الشعر الشعبي إلا وشابها النزوح العاطفي أو الديني و الذاتي وهي تموجات تناقلتها اللهجات وحاولت جاهدة التركيز على ما يسمى بالتجربة الإنسانية .
2- المعاني :
هي تلك الصور النهائية لمجموع الوحدات الصوتية و التي تعكس لون القصيدة و بدونها لا يمكن انتظام مغزى لأي بيت مهما كانت مفرداته ففي هذه المرحلة أصبحت القيم الروحية و الاجتماعية هي السائدة ( كمعايير – الحب – القصيد –الجمال - الحقد – الكراهية ...الخ من مجموع القيم ولربما يتساءل القارئ عن أسباب تواجدها فإننا نقر إن الظروف التي عاشها المجتمع في تلك الفترة كانت قاهرة نذكر منها على سبيل المثال تواصل الهجرات وتعذيب الفارين من الأندلس باتجاه المغرب العربي .
3- التشكيل :
امتلك الشاعر الشعبي في الفترة التي تلت عصرا لموحدين حالات إبداع حقيقي عبرت عن مظاهر الألم التي كان يعيشها المهاجرون توابع الفرقة صورت هذه الحالة شتى مطبوع الإبداع ولا شك إن هذا التاثرزرع أول عوامل التأثير باستعمال القصيد العامي لنقل تصورات الناس الحقيقية بعيدة عن التكلف اللغوي و الاستعمال الأصح بيانا للغة .
3- مرحلة الاستعمار :
إن الغالبية من الشعوب تعرضت للاستعمار الذي نشر الصليبية السوداء على كل ماهو عربي إسلامي وهذا مؤجرنا إلى ذكرا لمحاولات الاستشرافية التي استهدفت تناول الظاهرة الفلكلورية كما أسمتها الطعمة الاستعمارية لزرع الشقاق بين أبناء الأمة الشيء الذي جعله يوجه عنايته إلى دراسة هذا الفن الأدبي الشعبي المستمر من خلال الدراسات التي تناولت القصص الشعبي كدراسات Joseph- Desparnts –Alked Bel من تهكمت على الادب المغازي و خلصت إلى انه كلام وضع لإلهاء الكسالى في المقاهي ودعم الأديب الفرنسي montaigne معدلاته بالإشارة إلى إطراءاته للغة العامية على أنها حديث بسيط ساذج يفر بالعذوبة و الرقة و الذي يبعد عن الخطابة بقدرالامكان ويمتاز بعصره وبلاغته تعبير سواء كان هذا الحديث شفهيا ومكتوبا فمرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر جعلت من الأديب الشعبي يعتمد على إشعاره الشعبية للتعبير عما يقوي عزيمته ضانا انهابعيدة على تداركها أذان الفرنسيين خاصة لم عاش المستعمر في البلاد المحتلة نهبا لخيراتها ومصادرة أراضيها كما فعل بأولاد فاطمة واش يلح واكس مارى الغربة ووتوزيعهاعلى المعمرين ساعدت هذه الأوضاع على يقظة الملكة الشعرية الشعبية بدون توقيع وهو الذي اصطلح الباحثون على تسميته باسم شعر الواو ( وقال الشاعر ) مجهول الاسم فكانت الرباعيات و المحاسبات الشعرية تخرج ملحمة فتحدث أثرها تحف ونوادر من بليغ الملحون كقول الشاعر:
جبل الاوراس ياالمغمم حيش اعميروش جاء مقبل
أطلق الرصاص الله ينـــــــصر
فكان منبع هذا الزخم وصفا لجبل الاوراس، ولما وقع على حواشيه فكان تاريخا ووصفا ودعاءا وتصويرا وزاده نبوغا عندما قال الشاعر :
في جبل أوراس تلموا الرياس دارو جمعية
الحكومة حكومة بن بلة و الدولة عربية
وصف الشاعر المجهول مركز الولاية الأولى فنقل اجتماعات القيادة و من وسط السجون الفرنسية كانت مزحة الشاعر الشعبي تتفجر :
كدقت الساعة جاء القرديان ينادي افلان افلان
أولاد الجزائـــر على البلافو ندرو
وهذا النص كما ذكر الدكتورالعربي دحو هو اشارة الهروب التي قام بها بعض المساجين ويعتمد دحو انها عملية هروب بن بولعيد حتى عنابة .
و في الختام نخلص ان مراحل التطورية في الشعر الشعبي هي احتمالات تسابق الباحثون على وضعها منها :
- المرحلة الهلالية التي تمتد من منتصف القرن الخامس الهجري
- المرحلة الاندلسية وهي التي تمتد منذ سقوط غرناطة سنة 1492 م
- المرحلة الاستعمارية منذ سقوط الدولة العثمانية سنة 1553 م
سنحاول في المطلب الموالي معرفة التطورية في الشعرالشعبي بالاعتماد على الخصائص الفنية التي رافقت تطور القصيد العامي عبر المراحل التي سبق ذكرها
1- روزلين ليل قريش – القصة الشعبية الجزائر – مصدر سابق – ص 12
2- العربي دحو – الشعر الشعبي و الثورة التحريرية بدائرة مروانة – الجزائر 88 ص 31
لايمكن فصل الحديث عن التطور التاريخي للشعر الشعبي من الحديث عن الشاعر الشعبي الذي كان سفيرا وصحفيا بمعنى الكلمة، نقل كافة مظاهروسلوكات المجتمع كما جاء به الشاعر بن عبد السلام الفعال[4]:
حق المسكين ضاع بين الخطافا والشهود ازور واقفة تحكي صلبات
القاضي شوفته يخوف مخطوفة ما يحملني القليل يبكي والأجفـــــان
فلقد تحدث الشاعرالشعبي بمنهج إعلامي تناول مظاهر الحياة التي كانت تقلق المواطن الجزائري والفرنسي فهاهي الشاعرة فاطمة الشريف تصف مفارق الرحيل.
وين فرحنا واين اشنانـه وين زهونا وين أعراسي
كاسبين هذه مزغنـــة والروح يلهب بقاضـي
يامحايني كي كنت انــا يامطارحي والناموسي
ياقطا يا في في البردانة يامكاحلي وكوابســـي
مع مطلع القرن الرابع عشر،عرفت الجزائر تطورا كثيرا في الجانب الثقافي من حيث إنشاء المدارس القرآنية و دورتعليم الدين والشريعة وتناقل الأوراد الدينية ، فكانت مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية فرضت نفسها بقوة على مراكز السيطرة في البلاد المغربية قاطبة ،حيث كانت المساجد مبعثرة على الغلبة ( المسجد العتيق ) و( الجامع الكبير )، الأزهر والزيتونة و القرويين فكل القرى شيدت بها مساجد محصنة و دور تعليم القرآن و الكتاتيب .
في الجزائر كان الجامع الكبير يدين بالمذهب المالكي والجامع السفير بالمذهب الحنفي وهذا الإنشارالمذهبي عظم التنافس الديني بين العلماء في الجزائر، فلا نجد عالما غير مولع بقراءة القرآن أو كتابة الشعر بسبب الانتماء أو النعرة الدينية المنقادة لمناظرة بين الشيوخ داخل الجوامع كجامع سيدي رمضان بالقصبة وجامع اليانا بطرابلس أو بالزوايا ولما نقلت العاصمة إلى وهران قامت ثورة الطريقة الدرقاوية حين ذاك ،أوزع الشعراء مواهبهم لصقل أبيات في الشعر الملحمي و لا شك أن ذلك الشعر كان واصفا حقيقيا لحماس الجزائريين .
قدم الشاعر الشعبي القصيدة الشعبية الدينية وفي إعتقادنا أنه وضع أسس الأوراد والتغني بالبردى ،فكان الشيخ المتفرس في علوم الدين له باع في الأدب والصرف ونأخذ المعية من أبي مهدي على الثقافي ( 1669م) الذي درس الأدب و كان يحدث فيه العجائب و الغرائب ، ولم يقل دركه شأنا من شأن الشيخ أبو زكريا يحي الشاوي الذي كان يجيب سائليه بكواكب ذرية من الشعر المقفى (2) .
---------------------------------------
أبو القاسم سعد الله – تاريخ الجزائر الثقافي (1/20) ج ح SNED 85 ص 258 .
أبو عبد الرحمان بن محمد الجيلالي – تاريخ الجزائر العام SNED الجزء 95 ص 174 .
في هذه الفترات التي ذكرناها على لسان المؤرخ عبد الرحمان الجيلالي لم نسمع عن دبيب القصيدة من اللون الشعبي إلا لاحقا ،لكن في الأغلب أن عناصر بحورالقصيدة الشعبية جاءت مكملة لمساهرات الشعر الديني التي كان العلماء يتنافسون فيها ثم إنتقل إلى الطرقية من الخانفات و الزوايا ،فلم كان يتوفى الشيخ أو المرابط يلقى ذلك النعي في نفوس المحبيين منسوجات شعرية كثيرا ما كانت تدلف من ودق الشعر، ذكر الشيخ الورتلاني في قصة سبعه رجال التي شكلت محور لأغنية جزائرية في القرن الثامن عشر (1) .و قد لاحظنا أن الكثير من العلماء و الشيوخ برعوا في قول الشعر الحقيقي و المنظوم الموسيقى منذ العهد التركي إلى نهاية القرن السادس عشر.
و إذا تأملنا أسباب ولادة الشعر الشعبي فإننا نرى ان أسباب الضعف و القهر الذي تعرضت له الجزائر عبر القرون من طرف المستغلين سواء من البرتغالين أوالإسبانيين أوالأتراك والفرنسيين كان سببا في لم شمل الفارين من الأندلس الجريحة حيث الثقى الجزائريون بالمسلمين الوافدين من الأندلس ،لهذا جاء شعر الشوق و الغربة معبرا كما اشرنا في البداية من أروع ما قيل في اللون الزجلي، الذي عبر به الوافدين عن اشواقهم في عصر المرابطين و الموحدين على أنماط أندلسية و هذا يعني أن سكان المغرب العربي لم يقلدوا الزجل كما ذهب بعض النقاد بل تناولوا الذوق بناءا على الموسيقى الشعرية الزجلية وقد تطورلاحقا الشعرالشعبي في العهد التركي من أجل تنظيمه لغوياخصوصا إذا ماأدركنا نبوخ علماء وشيوخ الطرق الدينية في ميادين النحوبعد شيوع العجرومية و مفاتن البردى و لؤلؤة سييبويه.
أ- تطور الزجل؟
تناولت القصيدة الزجلية في طورها الأول قضايا الموروث الشعبي المتنقل عبرالأجيال بواسطة الزاوية و التلحين خصوصا و أن العرب كانوا حديث عهد بألام الشوق والحب و الهجر كما ذكرنا انفا وقد عثرعلى قصائد شابتها أخطاء لغوية ولم يعرف قائلوها.
أمام هذا الزخم و لشيوع الأخطاء اللغوية أخرج المتزمتون أحكاما ثقيلة على أن القصيدة الشعبية هي سهم موغل في اللغة العربية و كان من بداية الأمر تهجما على موروث ثقافي في طابعه الشكلي قبل أن تتطور اللسانيات و تدرس الأنظمة الموسيقية الآخاذة في الشعر الشعبي و هي ظاهرة عرفت منذ القدم ،أشرنا في كتابنا (1) حول الصحافة و التصحيف الى ماوصل إلينا من شعر شعبي قديما مصحفا أو منسوبا لغير أصحابه ، فأننا لا نملك آلية التصنيف إلا بعد إستعمال تأسيس مرصد وطني لجمع الشعرالشعبي يساعد على فك طلاسم كثيرة ظلت لصيقة بالقصيدة الشعبية ستزيل عنها الجهالة واللعب بمقولة النحو و الأعراب و الشكل و الأدغام .
ب- تطور الملحون بصورة عامة :
يربط الكثير من الباحثين مصطلح الشعر الشعبي بالملحون للهروب من قواعد اللغة كما فضل ذلك الدكتور التلي بن الشيخ ويذهب محمد المرزوقي إلى ابعد من ذلك بالفصل الواضح بينها لقوله أما الشعر الملحون فهو أعم من الشعر الشعبي إذ اشتمل كل منظوم بالعامية سواء كان مجهول المؤلف أو معروف وسواء روي في الكتب أو مشافهة سواء داخل في حياة الشعب فأصبح ملكا للشعب أو كان من شعر الخواص .
ونحن نذهب مع الدكتورين التلي بن الشيخ ومحمد المرزوقي بأنه ليس هناك فصل بين الشعر الشعبي والملحون وهوعكس الغناء كما استبعده محمد الفاسي، حيث قال أن التسمية مشتقة من اللحن بالمغنى لأن الفرق بينه وبين الفصيح يظهر في أن الملحون ينظم قبل كل شيء لكي يبقى .
ج ـ تطور الملحون المغربي:
ذهب نفر آخر من الباحثين ومن بينهم الجراري بأن المغاربة أطلقوا تسمية كلمة الملحون على الشعر المغربي [5] وكان الدكتورالتلي بن الشيخ محقا عندما قال أن الشعر الشعبي في المغرب العربي لا يزال في حاجة إلى دراسة شاملة .
3-تطور الشعر الشعبي في الجزائر
سجل اختلاف كبير في التأريخ لبداية الشعر الشعبي في الجزائر فمن الباحثيين يربط بروز الشعر الشعبي بالجزل التلمساني و الحوزي ، ومنهم من يقرنه ببداية الملحون المغربي رغم ماهو موجود من مصادر تاريخية تذكر ان بداية الأدب المغربي"الشعبي" في طبعه الفاسي و المكناسي هي التى ارتبطت بالملحون وليس بالقصيدة الشعبية”و يعود الحديث عن الملحون إلى ما ذكره إبن سعيد المصري المتوفي سنة 1249 م حول الزجل الأندلسي و أتخذ هذا التاريخ عند الكثير من الباحثين توقيتا رسميا لظهور ظاهرة الملحون كما ذكر ذلك ابن خلدون في المقدمة في فصل الزجل .
بينما ربط ابن سعيد المغربي بداية الشعرالشعبي إلى ماأورده الشاعرالمغربي عبد العزيز المغرواي في مدح الأمير المنصورالدهابي سنة 1605 من قبيل الملحون المكني بالموشح أوالزجل وهذا عند المغاربة، أماماذكره احمد طاهر في دراسته حول .... فإن بداية الشعر الشعبي بالجزائر تعود إلى الشاعرسيدي لخضربن خلوف وليد سيدي لخضربناحية مستغانم سنة 1555م عندما وصف معركة إسبانيا الجزائر في مزعران سنة 1558م ،1 وعلى الرغم مما اشار له لخضر بن خلوف في وصف معركة ”مزغران“ فهو وصف جمع بين حيثياته أشكال من الملحون و الزجل بينما ذهب بن سعيد المغربي بالتأكيد على إن الملحون والزجل مفهومين مختلفين ،و قدم محمد المرزوقي تأكيدا ثانيا على بداية الشعر الشعبي إلى العهد الحفصي سنة 676 هـ في صورته الزجلية التي ذكرها الدكتور“ التلي بن الشيخ ” عندما اعتقد أن فن الزجل كان له تأثير على الشاعر الشعبي و هذا إقرار وجيه يبعد الزجل عن مفهوم الملحون .
و بالنظر إلى كل ما قيل ،فإن هوية الشعرالشعبي في صورته الحالية تكون قد مرت بالقصيدة الزجلية وهذا له ارتباط بتأثير المهاجرالأندلسي والفارسي إلى المغرب العربي ،ومما قيل ان سكان المغرب العربي كانوا لا يتذوقون الشعرالشعبي قبل الزحفة الهلالية اوالفرارالأندلسي فان هذا التأريخ فيه إجحاف في حق القرنين الثالث والرابع الهجريين الذين شهدا ولادة الصوفية الحقيقية بأورادها التي تغنى بها المريدون في الزوايا ،فكيف يكون الشعرالشعبي في قالبه الموسيقى وليد القرن الخامس الهجري مع العلم إن النظم الشعري الملحن قد سبق ظهور القصيدة الزجلية عن الورد الديني.
أولا : الماهية والمفهوم (الأدب الشعبي)
في بعض الأحيان نتعمد إدخال صورة معلومة مدركة إلى عقل يفكر باستمرار، يحاول أن ينتج شيئا معرفيا تقاس دلائله على أرض الواقع، وألا تبقى هذه الصورة حبيسة أدراج لا يعلم لها تفسير ولا يدركها، ربما لغياب عناصر المعرفة ( الثقافة الشعبية )1 أو لايجد وسيلة موحدة لإظهار تلك الصورة على ما يراه، لذلك يذهب الباحث إلى رسم و تخطيط لشيء يرى أنه يجسد معرفة خاصة بالباحث قبل أن يصورها في ذاته، ذلك الشيء ربما يثير الأخر أو يكدره، المهم بالنسبة له أن يخرج إلى العلن وفقط .
إن تصوير ٌ الهيكل الأدبي 2ٌ بصورة مجردة من أدب مرسوم بألوان النحو والدلالة و بين أدب تحكمه موسيقى وإعتقاد حلو يجرى على الألسنة فيزيدها روعة وتألقا، وحقيقة الهيكل إنما هي تصور وضعه المعجمي خليل بن احمد الفراهيدي عندما صور في ذاته " اعتقاد " بجمع الأصوات المركبة في سوق عكاظ 3 محاولا أن يرسم في عقله، تصورا ينبني على الحروف ، فلو لم تتوفر للخليل مفردات لغوية مبتكرة عن جهد ميداني لما أدركنا " الهيكل الأدبي " ونذهب في هذا الإطار مع نظرية المناهج4 التي تسعى إلى دراسة مبادئ وفرضيات العلوم الأخرى، فإذا كانت العلوم مجتمعة تدور في نهج الحكمة الإنسانية البحتة رغم تعدد مصادرها، فإن الأدب الشعبي كهيكل يذهب في هذا المنظور فهو يكاد يكمل صور العلوم الأخرى، من حيث ثرائه وتنوع أجناسه ( الشعر، حكاوي مغازي وأمثال وأساطير ... مقالات – موشح – زجل – تباريح – رباعيات )
هذه الصور مثلت الذات البشرية الأولى التي كانت تعتقد راسخة بتصرف عبثي لمجموعة آلهة صنعها الاعتقاد المسخر 5في عصور غابرة جعلت من حوارات الفلسفة منطلقا نحو إدراك التصور الذي من المفروض اعتقادا أن يلزم حدوده في إطار ما خلق له .
ثانيا : بناء المفهوم الشعري للنص المقارن وأدواته :
بعد وضع مجسم للتصور- النص المقارن- تكتمل الصورة من حيث الذهنية المعقولية للجنس الأدبي 6،عندئذ تتحرر تلك الصورة عندما ينعقد العزم في صورة أخرى تمثل ٌ العصف ٌالواقعي7 الذي نعرفه بأنه حالة متطورة ومتقدمة للتفكير، فتصبح الصورة الأولى للمفهوم محررة، إذا ما اندمجت مع صورة العصف في تصورنا ٌ الشعر الشعبي هو نوع أدبي شفوي مروي يشبه صورة الشعر كلون أدبي منتظم .
عند قولنا الأدب الشعبي سنقرأ صورة متنوعة الأبعاد لكل بعد فيها يعطي إفرازا متراكما من المعارف تتفاعل مع بعضها، فمرة تنجب وأخرى لا تنجب، وسبب هذا هو تضارب في مفهوم التصور يبحث عن معقولية، ولا يكتفي أي باحث عند حدوث تضارب بين المفاهيم فهو يحاول أن يزيل غبار السنين من على وجه صورة قديمة أقل ما يقال عنها أنها تجمع قيما معرفية مخبئة سرعان ما تبدأ في الظهور .
1 – بناء المفهوم الشعري :
تصل الصورة المعقولة في ذهنية المبتدئ إلى مستوى التشبع الفكري الأدبي مما يجعلها تظهر دون تكلف، ذلك أنها أفرغت من مضمونها شحنات لصيقة بالثقافة الفلكلورية، وبالصور المثالية لمحو الأثر السلبي لعثرات العقل في الفترة التي استقبلت فيها القيم الجديدة ابتداء من القرن الخامس هجري، نزع العقل من ذهنيته صور التزمت للإنسان والعصبية القاتلة واستبدلها بمعقولية النظرة الجديدة التي حققت راحة نفسية لشعوب العالم الذين اكتشفوا الدين الإسلامي وصاروا حماة له مغاوير جاهزين، ضربوا أتون الجهل والبور العلمي .
التقط الشاعر الشعبي مجموعة من الصور الكثيرة العدد والتي حاول بمتعة جمعها في صورة واحدة، يعرضها كماهي مستعملا حيلولة المعقولية كموقع للتعبير في السياق النصي الشفوي، إن هذه الحالة نشبهها بصورة ضخمة مقسمة إلى مجموعة خطوط متلازمة يحاول العقل جمع نظائر علمية لها دفعة واحدة بغرض البحث عن استقراء الحكمة وإرضاء رغبة جامحة في الوصول إلى تحقيق أقصى درجة البلوغ الفكري، وهذا يجعلنا نؤمن بمبدأ علمي مقترن بالتفسير الشامل للظواهر9 فكل الصور الفلكلورية التي عاشها الإنسان هي بحاجة إلى تفسير متقدم يزيح عنها غبن التأخر، ولا ندري كيف يسمح معشر من المتحدثين لأنفسهم بالحديث عن ٌ فشلانية 10ٌ متوقعة لكل ما يحمل صفة الأدب الشعبي أو غيره، لا نجد تبريرا لذلك عندما نكشف الستار عن علوم اندثرت بالنسيان، وبمحاربة شديدة لدعائمها، ونحن هنا لا نقصد علما واحدا بل مجموعة من العلوم التي ربما ظهرت في أزمان بائدة وأبيدت هي الأخرى في ثناياها ولم يصلنا منها شيئا معينا .
إن دلالة الصورة لمعاني الأدب الشعبي، فقدت نوعا من بريقها عندما تخلفت عناصر المفهوم النصي عن حملها دفعة واحدة ، أسكنت بفعل حوادث قهرية كإلغاء التعليم والجهل وتلطيخ الصور المثلى جعل بناء المفهوم يتأثر من الرأس إلى القدم تعوزه في ذلك عدة أسباب .
أ- : وجاهة اللغة المحلية :
إن كل مكونات الأدب الشعبي هي بمثابة الأرواح المتحركة في مجتمع كله أدب شعبي أعتقد راسخا بضرورة الرغبة في الطمأنينة والعيش الآمن، فصور ضعفا ٌ كل ما له علاقة بمسوح حياته من تشبيهات بين الأشياء والأفكار والعلاقات بين الحقائق على أنها مكونات ملائمة لحياته لذلك خرجت صورا أخرى أكثر وجاهة نالت رضا الجماعة وهذا الرضا وهو بمثابة التصريح الأمن للدخول إلى بوابة التغير لان العقل يمل من الصورة الواحدة التي تمر بنفس الأشكال وتنقل مفهومه حول ما اعتقدوه سواء من لغة أو وحدات أو كلمات والأمر هنا سيان بين شيئين اثنين ٌ اللهجة ٌ ثم الكلمة تؤدي إلى خروج مفهوم فلكلور تراثي يجعلنا نقر بان صورة المفهوم الشعبي تنشا نتيجة لنشاط معرفي وخبراتي لنوع من الأشياء أشترك الناس في رسم مآثرها، فبدون الاعتقاد المشترك قد تذهب الصورة إلى عدمية الانطواء في كنف الشاذية ( والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه ) .
إذن نستنتج إن الثقافة الشعبية هي اشتراك الأفراد حول تناغم صور أدبهم وهم نفس الأشخاص الذين يسمعون عن التناغم المماثل11 من الأدب والعلوم التي تقود في الأول والأخير إلى الحكمة الإنسانية.
ب- : وجاهة الصورة الجديدة :
إن أي صورة جديدة في الذهن تثير الإنسان إما ذهولا أو نشوزا يقتصر الأمر على ركائز بناء الصورة العليا أو كما قيل إن لكل مفهوم شحنة انفعال بدرجة أكبر من المفاهيم الموضوعية.
إن استقبال أدوات الكلام بين مختلف الأفراد المؤمنين وغير المسلمين جعلت لكل فئة صورة تكاد تناقض الأخرى ،وهي نفسها الصورة التي نلاحظها عند متزمت متعصب للغة عن سواها، إذ ينظر إلى كل صورة وافدة من أدب أخر صوره رجعية يجب دحضها .
تجعلنا هذه الملحوظة ندقق أمرنا في صورتين متناقضتين كلاهما يحاول أصحابها إظهار حقائق تدين الأخر، وتحاول إخراجه من باب ضيق يحصر ويقوم مدركاته العلمية، وهنا تصبح المعرفة العلمية لأحد التيارين مجرد غبار داكن، دون إن يشترك الناس في دحض احدهما أو تبجيل الأخر كذلك الحال بالنسبة لصورتين صورة تمجد الأدب الشعبي و تقر له بالحفاظ على مقومات الأمة و تشخيصها و الثانية صورة تحفظ تاريخ الأمة القديم .
لنأخذ صورة شعرية من القرن السادس عشر تمثل قصة مزغران للشاعر لخطر من خلوف 12.
يا فارس من ثم جيت اليوم غزوة مـزغران معـلـومة
يا عجلنا نارريض الملجوم ريت أجناب الشلوموشومة
يا سايلني عن طراد اليوم قصـة مـزعران معلومـة
تأخذنا القصة إلى تفسيرعمودي :
يبين التفسير العمودي للصورة بالنسبة للمشد والقفل في البيت الأول يظهر مايلي:
صورة قديمة ذهنية ( فارس كان هناك في أرض المعركة )
و صورة جديدة حاضرة ( فارس وصل في زمن محدد )
صورة قديمة ( غزوة مزغران )
صورة جديدة متوترة ( يا عجلانا ريض الملجوم )
صورة قديمة درامية ( ريت أجناب الشلو موشومة
صورة جديدة مذهلة ( يا سايلني عن طراد اليوم )
صورة جديدة مثيرة ( قصة مزغران معلومة )
إن اندماج أطراف الصور السابقة مع بعضها يعطي لنا صوره جديدة يشترك حولها الأفراد اشتراكا دلاليا ومعنويا.
2- أدوات بناء مفهوم الأدب الشعبي :
اهتدى الإنسان منذ بلايين السنيين إلى فكرة قياس الأبعاد لتمتين بناء النقاط فيما بينها،بناءا يرتكز على ضبط المسافات بين النقاط الأربعة (أ ب ج د ) وقال أرسطو إن صح القول له إن الإنسان يمثل جسم وهيولي وكان يقصد بذلك تبيين الصورة البنائية الكائنة فليس الأمر مختلف بالنسبة لمفهوم الأدب الشعبي الذي تتوزع نقاط بنائه توزيعا غير عاديا لأنها من صنعنا ومن اجتهاداتنا (والله اعلم) ولهذا ابتدعنا ( الصورة والمعنى ) ويسري الأمر بالنسبة أيضا لمفهوم الأدب الشعبي و نقيس في هذا العنصر مختلف أدوات بناء المفهوم لنجلي بذلك شوائب أدمجت مفهوم الأدب الشعبي ضمن تجليات أخرى منها:
أ – الثقافة الشعبية :
نعني بالثقافة الشعبية مادة تراثية تحمل الموروث من أفكار وقيم ومعاملات مختلفة لما هو قديم فهي صور معلقة في متحف الذاكرة الإنسانية تشاهد يوميا إلى غاية الضجر منها في بعض الأحيان، لأنها لا تتحرك في مفاهيمها قيمية مقدسة تذوب سلوكا فيها نجعل منها صورا أكثر قدامه، وهذا لا يستسيغه فئة من الباحثين لأنها في نظـرهم المادة الفكرية (كنز) لا يفنى وهذا لا ننظر إليه البتة لأنه ربما انقضت بلاين الصور الفلكلورية في آدابنا الشعبية وماوصلنا إلا القليل منها الذي ارتضاه ( سيدنا الإنسان المشترك )13، بل يجب أن ننظر إلى الثقافة الشعبية نظرة جديدة تحمل سلوكاتنا إلى الأخر مقتضبة أو مدمجة مع القدامة، فالتوريث لابد منه لقيم محملة من ماضينا وهذا من فيض الأصل .
ب – المحاجية:
تمثل المحاجية صورا ذهنية وضعت لكي تحكى مراحل مهمة من عبقرية الشذوذ العلمي لدى بعض الأقوام، وهي في عمق القراءة الفلسفية عقدة معقدة لا تحتوي على حلول بقدرما تحمل من إشارات ،وهي نتاج تفاعل بين أحداث عرفها المجتمع، وتقبلها في واقعه لكنها تختلف فيما لا تصدق عندما "تحكي" حيث يجد فيها الباحث أشياء تدخل في المفهوم الاصطلاحي و الوظيفي .
و يمكن إن نعتبر المحاجية أيضا مجموعة من السلوكيات الخيالية لإنسان طموح يعيش على هامش الواقع يخلق لنفسه معجزات قاهرة تخرج الحي من الميت والميت من الحي في طابع حكاواتي مدهش يستعمل فيه صاحبه مجموعة من فنيات الإلقاء الشفوي المبهرة، وأغلب ما فيها هو مكانتها قبل النوم لأنها تظهر نوعا من التحجر العصبي لدى المرضى الذين يعانون من الرهاب العصبي .
ج- اللغز:
يعتبر اللغز معضلة معقدة التراكيب تؤدي حلولها إلى الوصول إلى المعنى، وهو لون من حكم الإنسان يلجأ إليه الفرد للتسلي ولإختبار قدراته العقلية فهو امتحان مصغر أمام الذاكرة، قد توفق فيه إلى حد كبير كما أنه يشمل تغير اللون الأدبي الوحيد الذي يحتاج إلى تنشيط رياضي إذ يساعد العقل على إحداث حركة تفكير و تميز بالنسبة لمختلف دواعي تفكيره.
د- القصص الشعبي:
ننظر إلى القصص الشعبي بنظرة الرواية السردية والحديثة فالقصص يتضمن مجموعة من الأفكار تتقاسمها أوساط، يتعايش معها العقل في جوانبها المنطقية ويثور عليها في أحاديث كثيرة، بالإكثار من مهارات المطاردة والهروب و المبارزة التي تنعش الغريزة حسب القوة و السيطرة تساير القصص بعض من فترات التواصل البشري في القديم تعكس حب الانتماء إلى مجالات النصر وتحقيق عقد التفوق في الأخير، وخاصة إذا ارتبطت حياة البطل بتخليص الضحايا من سيطرة الأخر .
ه- الشعر الشعبي:
هو حالة جيدة تصيب الذاكرة المتطلعة غير الجامدة التي تطمح إلى نشر معلوماتها حول الموصوف، تتحرك الحالة بين عدة أركان أهمها اللغة العامية ثم الإحساس ثم منطقة التأثير الشعبي.
و- الرواية الشفوية :
تعد الرواية حالة نمطية يفرزها العقل لمساعدة الذاكرة المنتظمة وذاكرة التجارب الميدانية ،فتخرج المفردات المدركة إلى العلن في شكل وحدات لغوية طويلة وقصيرة تبعث بين أوساطها عوامل الفرجة و الفرحة وكانت إلى وقت بعيد أداة مميزة في آداب الشعوب يتصف بها أديب عن أخر، ونميز بها أيضا عظمة المشافهة في حقبة من حقب التاريخ البشرى .
ثالثا: فائدة الترجمة بالنسية للنصوص المقارنة :
اقل ما يقال عن عملية الترجمة أنها صناعة قدرية تخضع للتعاطف الإنساني المفضي إلى بلورة دكائن حبيسة في لا شعورنا، نقولها و نكتبها ثم لا نقولها ونعبر عنها، "تحريم وهلع ومتعة " ومع ذلك يتأكد أنها ليست لنا و ليس لنا فيها نصيب كما يقال لان الترجمة هي فن عظيم التماثل بين النظائر إن وجد لها ما يوازنه قلبا و قالبا .
أ- ترجمة ما قاله الأخر :
ربما يكون الأروع والأجمل الذي قيل قديما، ولما ترجم لم يعد كذلك، ينطبق هذا على عناصر الأدب الشعبي التراثي ولكي لا أعود إلى تعريف الترجمة أكاديميا، نكتفي بالبحث في حقيقة ترجمة المفهوم لكونها في الاعتقاد ترتبط بنظرية العلم التي كان " باشلار و اندو نغنون " من روادها ولما أسيء فهم ترجمة مفهوم الأدب الشعبي، اشتدت منافسة نظرية العلم الداخلية التي أخرجت لنا تسميات كثيرة حول الشعر الشعبي – الملحون – الزجل أو الأشجع .
ولحد ألان تولدت نكرانية تنافسية اشتدت بين الدارسين للأدب الشعبي التراثي تمثلت في ملاحقة الأدب الشعبي التراثي والأدب الشعبي النظامي، تسافر شكوكهم حول محورية اللغة المكتوبة والمنطوقة، رغم إننا نعلم أن اللغة في وحداتها الصوتية إنما هي إشارات منقولة من مستقبل إلى مرسل تتوفر فيهما الشروط الأساسية للاستماع والخلفية الثقافية والمسافة حتى نتمكن من رجع الصدى فكذلك ترجمة الأدب الشعبي التراثي تخضع في عموميتها إلى عملية اتصال نأخذ مثالا : - تناقل إلينا مجموعة أخبار عن حيزية و سعيد تمت ترجمتهما بقصيدة ( محمد بن قيطون )
- ما وصل إلينا في الجنوب أن حيزية ليست فقط حيزية التي تنتمي إلى عرش الذواودة من قبيلة رياح بل هناك حيزية ربعية و حيزية شعيبية وكلاهما دارت حولهما المحاجي منها طول شعر حيزيه الربعية التي ينسحب شعرها على الأرض، وهي تمشي بطول مترو نصف متدلي على الأرض (1 ) ومنهم من قال إن حيزيه زنجية لإثبات الذات .
إذا كان رجـع الصدى يتم و يعكس فهم الرسالة فان عملية ترجمة المفهـوم تخضع لاعتبارات كثيرة منها الاعتقادات الراسخة بفذلكة الأدب الشعبي التراثي عن نظرة الأدب الشعبي النظامي وتسامي اللغويون عن دراسة الأدب التراثي من باب أنه مضيعة للوقت وهدر لطاقات، وهو الرأي في الغالب محتواه قصري يعتد به لقياس نقص النظر و تغيب النظرة لدى المختبئين وراء نظم القوافي وانسكاب الكلمات الموضوعة قهـرا لإكمال ودق البحر الشعري، هـؤلاء وغيرهم من تحججوا بمعرفة أسـرار اللغة يتكلمون في بيـوتهـم بلغة التراث الشعبي ولا جادة لهم سوى تقطيع العروض والخوض في أحواض الرومانسية على غرار أدباء المهجـر ورابطة ابولو وإخوان الديون في القرن الماضي .
سواء صرنا إلى ما نحن عليه من ترجمة وافية للمفهوم على أنه صير إلينا في زمننا هذا، ما نقله المترجمون أم صاروا هم إلى ما نحن عليه باقتناعهم إن الترجمة هي موت محتم لنص كان جميلا ورائعا فقد طعمه أو أضيفت إليه شحنا قوية من البراعة والبلاغة .
ب - طرق نقل الترجمة
تعتبر سفريه المعرفة من أندر ما يجب إن يقال فيها شيء، لأنها تجعلنا نؤسس لأربع تخمينات مهمة :
- إما ما يصلنا مشكوكا فيه هو اختلاف المفاهيم حول نوع واحد من المعرفة، تتعدد حولها المعارف مما يصعب أمامنا مشكلة بناء المفهوم والسبب في ذلك ليس معقدا كما قد يتبادر للذهن، بل هو سبب واحد يظهر في تأكيد المعرفة أو المعلومة .
- إننا لا نملك شهادات ميلاد معلومات ما عدا ما انزل في اللوح المحفوظ مصداقا لقوله ٌ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، الحجر الآية 9..،
- ٌما وصل إلينا من معارف لا نعلم هل جاء في شكل جزء أو كل متكامل هل هرب من أصله وترك أصله وراءه محرفا أو مشوها
- النزعة البشرية بطبعها الغريزي الأناني تكون قد شوهت المعرفة لتنتج منها معارف تماثل أهواءها ولو نعود قليلا إلى قصة إرم ذات العماد الواردة في القصص القرآني لوجدنا إن ما أفضي فيها من المعاني ما فرق بين صنوف العلماء، و لا أجد في ذلك إلا موعظة مما قاله ابن خلدون إن هذه المدينة التي زعم الزمخشري والطبري والقالي أنها مدينة وصفت بأنها ذات عماد بناها شداد ابن عاد بن عوص بن ادم لمدة 300 سنة، قصورها من ذهب وأساطينها من الزبرجد ولما أكمل بناءها سار مع أهله إليها فبعث الله عليهم صيحة من السماء، فإذا هم كالهشيم المحتضر، وارتقت المعلومات بخصوصها فمنهم من قال دمشق وآخرون يقرون بغيابها ويقول ابن خلدون أن ما قالوه خرافة ودجل، لان العماد هي الخيام .
وقصة المعلومة المحرفة بشان ما أحيك من غبن وحقد على شرف خليفة المسلمين هارون الرشيد فيما قيل عن أخته العباسة مع جعفر بن يحي البرمكي، وكيف أنها عاقرت هذا الأعجمي وحبلت منه لما شغفها حبا يقول ابن خلدون هيهات ذلك من منصب العباسة من دينها وأبويها وجلالها وإنها بنت عبدا لله بن عباس و العباسة هي بنت محمد المهدي بن عبدا لله جعفر المنصور بن محمد السجاد بن علي رابع الخلفاء، فأيهما يتم أصباغ الصدق عليها رغم إن ابن خلدون أزال عنها ذلك وكتاب آخرون حتى المرموقون في عالم الإبداع و الكتابة و البحث يرددون أمر العباسة وكأنها معلومة نادرة .
أ – وصول الأدب الشعبي إلى محطة القرن :
عملية وصول القصص و المغازي إلى خط نهاية الوصول في القرن الحالي يطرح أكثر من إشكال سواء ما تعلق بالهوية وبعناصر الفرض الواصل بين مجمل أغراض الأدب الشعبي.
إن ما وصل إلينا من أدب شعبي يكاد يمحق ما نحاول إنشائه من آداب ذاتية تشمل مجتمع الحداثة إذ لا نجد أي مهرب من ما هو ماض وقديم تراثي حتى إننا نكاد نطبقه في عملية مطابقة كاملة لنكتشف واقعنا الحالي إلا من خلال التواريخ فكل ما نكتبه من آداب شعبية هو ملك لغيرنا ممن سبقونا ونحيي أثارهم بتاريخهم في زمننا الذي سرعان ما يصير زمنهم ودون علمنا إلا بعد ما نسترق السمع .
ما وصل إلينا حاليا من قصص نحاول قراءتها فلسفيا :
1- قصة حيزية :
وهي حكاية درامية تحكي عن فتاة جميلة ذات شعر طويل يخطبها ابن عمها سعيد منذ كانت صغيرة، ولما وصلت سن البلوغ خطبت لأخر فصور لنا بن قيطون لوعة الحسرة في قالب شعري فتان اشتهرت القصيدة جماليا أكثر من مجريات القصة، فكلما استمع مستمع إلى مشد البيت الأول عزوني يا ملاح في رايس البنات إلا وهرولت إلى طوابقه قصة حيزية وسعيد وأطوارها الدرامية .
رغم إن القصة وقعت في زمن غير زمننا، إلا أنها وصلت إلينا بزمنها فجاءت مبهرة وملفتة للانتباه ذلك أنها جمعت بين حلولها مجموعة من العقد ( عقدة البعد البدوي، عقدة الشوق و المحن، عقدة التذكر و الذكريات عقد الموت المفاجئ وصورة الجمال ) واندمجت هذه العقد مع بعضها تشكلت منها صور عقلية وأخرى فلسفية، إذن ما هي الصور العقلية النازلة من قصة حيزية ؟.
من خلال القراءة العمودية للصورتين نجد تلاحم الأحداث بطريقة مبينة :
1- الصورة العقلية قبل الزواج (يلتقي الخطيبة) يتحدى الأعراف(لا يجوز له التحدث معها ) .
2- الصورة العقلية بعد الزواج ( الزواج لم يتم ) : يرثيها وكانها خطيبته – يتحدى الأعراف و التقاليد و لم يحترم زوجها ( الخاطب الجديد ) .
3- الصورة العقلية ( محاولة إحياء ): يتذكر مفاتنها الخاصة مهملا ولا مباليا بزوجها – يصفها كأنها زوجته ( مرفوض اجتماعيا ).
إذن أساسات وصول الصور العقلية إلى زمننا ميزها تحدي الأعراف و التقاليد وحتى الدين وحاول بن قيطون إن يثني شهرة هذه المرأة على خطأ حتى لا نقول خطيئة وإلا لما اشتهرت أصلا .
إن وصول صور بمثل هذه المفهوم جعل بعض المفاهيم لا ترقى إلى جوانبها الإنسانية لان وصول مثل هذه المغازي بترث منها سبل الاحترام و التوادد و المودة.
و نكتشف الصور الفلسفية التي وصلت إلى قرننا ....
- صورة المجسمة الفرعونية : تتسم بحس مرهف كالذي طال نفرتيتي في الأسرة الفرعونية بالمقارنة مع طريقة التحنيط، فإن بن قيطون حنط حيزية بالعبثية ولم يحنطها بغير ذلك على غرار نفرتيتي .
- صورة النزعة الجنسية : كما هو شائع جمالية حيزية في قالبها الشكلي المحترمة جاءت شاذة وغير محكمة لان بن قيطون وصف الصدر وتغاضى عن أشياء أخرى تحقيقا لقيمة الاحترام .
بين تلك الصورة الفلسفية و العقلية تتماوج مجموعة من العقد الغريزية في الذات البشرية (كالشوق، الذكرى، الألم، الغربة . الخ ) .
الموصول في هذا المجال إنما ورد ذكره من مجتمع مبتدئ لم تكن صورته المثلى مبنية على تلك العقد الغريبة التي حاول الأدب الشعبي إن يجعل منها أدبا، قبل كل شيء على خلاف ما ذكره الخطاب العبثي أو الماجن، وما ردده بعض الشعراء الفصيح لمثاليات كثيرة من الزمن .
2- التحليل النقدي التاريخي:
توجد نصوص خرمة أعتبرها شخصيا زبدا رابيا على سطوح اللغة بتململ أصحابها بأنهم أباطرة اللغة،فيجعلون للماء خيوط ويغسلون الصمت ويوقضون العشب من سباته وفي بحوثهم السطحية يقولون جوليا كريستفيا مالم تقول، بحثا عن شيء غائب يريدون قوله، هذه النصوص وتلك نصوص نسمعها كما نقرؤها ألما وحسرة على لغة يريد بعض(المتنمصين) السير على تعميمها باستعمال استدلال كلمات لاعلاقة لها بها ولا بالموضوع ولا بجوهر المفردة التي تليها ثم يقولون عن الفلكلور المتوارث انه ( فنون اللغة فشتان بين ذلك وذلك فالأمر بينهما بكثرته لأشبه ولا مشبه.
لنعود إلى أصل التاريخ فهو واقع في أزمان عاشها الناس فكان بالنسبة لهم نبض الحياة بمتعتها تناغموا وتسامروا وتصارعوا على الأقل ليحققوا أصول حياة طويلة، ثم أندثرت تلك الوقائع وصارت عندنا مثل قرع الجرس نحبب سماعها عند أذان الإفطار ونكرهها في أوقات أخرى لدرجة أنها تذكرنا بأجراس النصارى وكنائس الصليبيين .
نسارع إلى إن نقيس الوقائع بالبحث على ما هو قديم ( تاريخ ) وما هو جديد ( حديث ) و نبحث عن العلاقة المتواترة في خطوة، لنقرأ ما يسميه اللاتينيون ( التأثير والتأثر) وهذا بطبيعة الحال بشرط استعمال العقل فلا يمكن إن نقيس صلاح ما نتحدث عنهم باحترام ثم نتهجم عليهم، عندما نصادف مروريات تحكي إفراطهم في السكر ومضاربة الأزلام ،وعلى خلاف ماوصل إلينا من مروريات شعرية أوروائية ،فإننا نسارع دائما إلى وصفها وصفا ذاتيا بدون الرجوع إلى تفضيلات اجتماعية سياسية أو ثقافية للبيئة التي خرجت منها الرواية لقد وصلت إلينا آداب تراثية مغربلة عشوائيا دست فيها بعضا من القيم المعروفة منها :
1- القصص و الأساطير :
تتضح مآثر كبيرة ذات صيغ خرافية في تحفة الألباب لأبي حامد الأندلسي14 أوالتاريخ المنصوري أو قصص بني هلال أو ملحمتي جلجامش وأسطورة حي بن يقضان ،نقرأ تفاصيلها بمتعة ونحن ندرك بعدها عن الواقع نرفض تمكينها جملة وتفصيلا ثم نعبر عنها بصدق اللحظات أثناء قراءتنا، "إن حيا فعلا ربته ذئبه "
إن حمص ليس بها بعوض ولا بق
وان من مات ببلاد التبت لا يدخل على أهله كرب ولاحزن؟
ما تفسير هذا؟ شرعيا؟ إن الله قادر على إن يحي العظام وهي رميم إذا كان من أمر الشرع، فتفسير ما سبق من الوجهة النقدية التاريخية مرده إلى قوة الشارع في السيطرة على ما هو مخلوق .
ولكننا عندما نتصفح قصصا بحجم حي بن يقضان تشدنا إليها الأسطورة أكثر من القوة الفعلية، لذلك حاول المنهج التاريخي النقدي إن يعطي لنا تفسير لأدوات الأسطورة، فان كان ذلك من الشرع حسبنا ذلك وان كان من الأسطورة فمن ثقل تلك الاخاليط، تجعلنا عند تبني المنهج التاريخي النقدي نحاول وضع حدود للتميز بين الأسطورة كخيال وعقلية والأسطورة التي يضعها العقل محدثا .
نضم سؤالنا لسؤال الفقيه ٌ بياجية ٌ كيف تنمو المعارف السابقة وتتزايد؟
ونحن نقصد كيفية نمو ( المعلومات الأسطورية ) التي يدعوها بياجية معارف، وما هو الشيء الذي جعلها تنمو وتزدهر لتضاهي الواقع الحديثي إن هذا النمو له دلالات ابستمولوجية زمنية ومكانية فالأغلب مما احيك وقيل أن الأسطورة استعملت لنموها في الزمن القديم الذي من الصعوبة بمكان أن نجد له تفسير معلوم يعطينا صورته الحقيقية في الزمن الماضي، إذ لا يمكن إن نقيس جمال حيزيه، أو جولييت ولبنى بنفس مواصفات الجمال الذي تخفيه المشرقيات والمغربيات في العصر الحديث، و بالتالي مما قيل في وصفهن يدخل من باب إدراك المعارف الناقصة التي وصلت إلينا دون تفسير وكأنها مخبئة للحنين والحب دون معرفة أدوات هذه المحبة، فإذا ما حاولنا إن نقيس زمنا عاشت فيه جولييت واكتسبت شهرة ربما ما كانت لتكون لو اقتربت من زمن حيزيه إذن سر ذلك مرده إلى صناعة عقلية، عرفت نموا متواصلا وكمثال على ذلك لو فتحنا مسابقة أمام أدباء الجزائر ونطلب فيها كتابة ( قصة حيزيه وسعيد ) و نطلق لهم العنان باستعمال الوصف فلسوف يبدعون و ينسون الناس في حيزيه القديمة.
المغــــــــــازي :
تعتبر المغازي شكلا ًأسطوريا يتنقل فيه الخير و الشر، في حركة دائمة ينتصر فيها الخير ٌ بتصوير تفوق العقل ٌ في نصرة الخير و الحق، لذلك تتزامن عقولنا بعض الشيء و تستسلم وهي تستمع لتصوير المغازي التي يذيعها المداحين، في الأسواق أو على خشبات المسرح، و مادام الخير هو المرغوب فيه، ففي‘‘ الحدوثه ’’يتجرد العقل من تطبيق المنهج التاريخي النقدي، ويترك المعرفة تتعاظم خاصة لما يتعلق الأمر بالقياد و الفرسان من جبله القوم لنصل إلى أجيال لاحقة معقمة ومدعاة للسخرية وربما يتخلى عنها الناس لغرابتها وخروجها عن المألوف، خاصة في العصر الذي سيولى صانعوه قيمة للوقت أكثر من قيمة حب الوالد للوالد، فالوقت فعلا سيمر كالسيف .
رابعا :علاقة التناص بين صور الأدب الشعبي
تظهر التناصية كلية في الآداب الشعبية القديمة، ولاسيما في مظهرها التأثيري، فكثيرا ما نقف عند نصوص ممزوجة
( أدب قديم وجديد ) تحدث العلاقة التناصية بينهما في صفة التأثير والتأثر، وهذا مايدل على الأصل القديم للفلكلور الشعبي ومدى تجذره بين العلوم الأخرى .
إن التناص هو مداهمة إبداعية تنقل الشرور كما تنقل الخير في كل مثاليتهما لذلك يبهرنا النص في أطواره التوليدية، بدأ بعملية التفكير و تقدير الخيال، فكثير من الأساطيـر أظهرها الخيـال الإبداعي، وهـذا ليس جـديدا، تغلب الآرييـون على السامين في إنتاج أساطير وصراعات متنوعة مما قوى لديهم الملكة الإبداعية التي سمحت بمرور نصـوصهم إلى وقتنا الحالي، وجعـلت بعـض من الفلاسفة يستقرأ عجبا ومنهم Georgenes عندما قال إن الصراع الأسطوري بين الإلهة هو ليس حقيقيا بل هو صراع بين ظواهر الطبيعة كالرعود و الصفاء و المطر و الجفاف .
1- رمزية التصوير
عندما نتكلم عن الرمزية فإننا لا نتحدث عنها كمدرسة غربية ظهرت في القرن الثامن عشر، بل نتحدث عن صفة الرمز في النصوص القديمة التي وصلت إلينا بعد الترجمة بجملة من المعارف المتراكمة التي عجزت عقولنا على تصنيفها لكثرة عددها، مما أدركته العقول صحوا وتفسيرا ثم ضبط منشأ الترميز وكيف صار لونه أدبا كالقصة أو ماروي العرب عن حاتم أو زرقاء اليمامة والرمزية في النصوص الشعبية رمز حيواني ورمز فلسفي .
أ – لنأخذ مثال عن الرمز الحيواني:
انطق العرب الحيوان في آدابهم منذ القدم فقد روى كعب الأحبار ذكره مرور سيدنا سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه فقال لأصحـابه إن هذا البلبل يقـول " أكلت نصف ثمرة وعلى الدنيا الإعفاء "، ومر بهدهد فوجده يقول " إذا نزل القضاء عمى البصر" ، ووجد الطاووس يقول " كما تدين تدان" و النسر يقول " يابن ادم عش ما شئت فانك ميت " .لهـذا جاءت نصوصهم تمجـد الحيوان وتقدسه فمنحوه أسرارهم مخافة البطش بهم، فانطقوا الحيوانات ليعـرضوا تجاربهم في شكل رمزي.
ب – لنأخذ مثال عن الرمز الفلسفي:
نظر الإنسان إلى أعضائه وجسده فوجد إن الفناء سـيأتي عليه يأكله و يغيب ذكره إلى قرار غير معلوم (صوره إلى مجهول عند الوثنيين ) أو قرارمعلـوم ( صوره إلى الجنة الموعودة ) وبالنظر إلى القرارين فكلاهما غير معلـوم بالنظر إلى الحدود الفعلية المحدودة جدا، والتي لا تقوى على التفكير فيما تخرج عن إطارها، فيلجئون إلى استعمال الرمز للتعبير عنها بما يسمى بالتخيـل أو التصور، فقد تعجبوا من فناء العنصر في العائلة وبقاء روحه في الخيال لزمن طويل، وهو ما نسميه باسترجاع الزمن من خلال التذكر( قبل الاهتداء إلى مفهوم الذاكرة ) .
وإن شوق الإنسان إلى معانقة من كان معه في حياته جعله يهذي ويكتب عن شوقه لهؤلاء السـابحين في الخيال فجائتنا نصوصا جميلة في ميدان الرمز الفلسفي أو التخيلي.
كتبنا الشيء الكثير عن الأسطورة و قلنا فيها ما قال العلماء أنها همـزة الألف المعرفة للعلوم المراد إخراجها من زمن التاريخ المدون بأهـواء الأقوام ومزاج الشعـوب فتتصاعد روائح حضارة عـن غيرها مـن الحضارات فلم يعد مجديا دراسة النص الأسطوري لوحده كافيا للحكم على بنيـوية الأدب الشعبـي التراثي بل من المفيـد إن يدرس المحلـل التداعيـات الغربية و البعيدة للأسطورة وعلاقتهـا زمنيـا ومكانيا بالمجتمع الذي قيل أنهـا قيلت فيه، ولنحذر من التصـوير النهائي للنص الأسطـوري الذي هـو في حد ذاته قيمة معلوماتية راسخة تكشف في داخلها مجموعات لا متناهية من الأشكال المعلوماتية والتناصيات الفاعلة وقيم فاعلة وهي كلها مجموعة لها تداعيات على النوع الأدبي تقـذفه مجموعة معـايير كالفلسفـة،الهيـرو منطقيا، و الملحمة الخ .
و لعل هذا التصور قد يكون مثارا للتساؤل يقوم على كيفية خروج المعايير السابقة من الأسطورة ؟ يقوم على التسامي إن وجد في كل نـص جديد حقيقي أو خيالي يستهلك أو يحمل صفـات من الاصاله أو القدامة وهذا ما جعلني أشبهه بالكروموزومات الوراثية في الخلية المنظمة حديثا
يجرنا هذا الحديث إلى إثارة أزمة المقارن في الإشكاليات العربية و خاصة عندما يطرح التناص الأصيل وصحيح الهوية لا شك أبدا إننا لا نملك نصوصا سليمة وهو أصعب للتأكيد في الوقت الحالي الذي ساد فيه اعتقاد التأثر والتأثير لدى المقارنين الجدد لأنه ليس بحوزتنا أدوات المقارنة الصحيحة، كاللغة و معرفة تاريخ الأجناس و الشعوب التي تمت الإشارة إليها في كتابنا المستخدم بالميزة الشهية في الأدب المقارن ونضرب المثال نفسه عندما نتناول النص الأسطوري أو الخطاب الأسطوري فعند التحليل تظهر معالم الأدب التراثي مع أدواته.
مثال: نذكر ما ذكر أبى حامد الأندلسي في نخبة الألباب وتحفة الإعجاب ص 38 في شان أهل وبار وعند ضعفاء اليمن أمة من العرب قد مسخوا، كل إنسان منهم نصف إنسان له نصف رأس ونصف بدن، ويد واحدة ورجل واحدة يقال لهـم أهل وبار وهم ولد ارم ابن سام إخوة عاد وثمود يعيشون في الآجام في بلاد السحر على شاطئ بحر الهند والعرب تسميهم النسناس ويتكلمون بالعربية و يتناسلون بأسماء العرب و يقولون الأشعار .
فالمتمعن لهذا النص الأسطوري الوارد في أهل وبار الذين قال فيه الشاعر:
أهلكـت مـن بعــدهـــم بــمـا جــنــا فــيــهــم قــدرا
وحل بالحي من جديس يــوم مـن البـشــر مسـطـرا
وجـاءهــم بـعــدهــــا وطيس قد أوحشت لها الديار
و مسخت بعدهم وبـار فـــلا ســحــار و لا وبـــار
يظهر النص القديم صفات أسطورية متعددة لا يصدقها العقل طفرة واحدة إذا ما نظر إلى التماثل والكرم الإلهي للإنسان الذي حباه الله بصفة الجمال لكنه نقـل الغـرابة في تشييع أماكن الوحـوش من الجن و مجسمات الإنس والى عـادات الآجـام وغيـرهمـا .
خامسا: تكوين المعارف الجديدة للأدب الشعبي :
لا نخفي فزعنا عندما نقرا أشياء كثيرة ،ولا نستذكر منها إلا اللمم تؤزنا في ذلك آلية النسيان، أو عدم التركيز أو التوهان بين السطور أو البحث عن الخروج من دوامة جنون المشاكل، عندما نحكم على المعرفة التي التقطناها أثناء القراءة، بأنها صح أو خطأ فذلك الحكم هو من فرط الجهل وعدم المعرفة ،وقد وضحت ذلك في العنصر الخاص بالقصص والأساطير لكون إن الأمر يتعلق بتحليل لم ننعم به أصلا وهو تحليل تعدى تاريخي يتطلب على الأقل معرفة مسبقة لحالة المجتمع الذي كانت تعيش فيه المعلومة أو المعرفة التي حكمنا عليها سواء بالإيجاب أو السلب، فعندنا مشهد يحكي معارف أسطورة حرب طروادة؟ 15 ينقسم بين (ثلاث) أمثلة الأول منه نؤمن بان حرب طروادة هي حرب عادية وقعت سنة 1500 ق م و الثاني يقول أنها نشأت في وليمة عرس أقامها ملك بيليس والثالث يربطها بالحصان الخشبي الذي اختبأ فيه اوديسو س مع مئة فارس من الأقوياء، و بالرجوع إلى المادة التاريخية المذكورة في إلياذة هوميروس نجد سيلا كبيرا من المعلومات المتضاربة حول حصان طروادة ،إلا إن التضارب المعلوماتي يبقى ماثلا رغم حضور مواده الخامة في صدور الرجال ويظهر التناقض في بعض الحوادث التاريخية والروايات الشئ الذي يجعلنا نسعى إلى تدوين تلك المادة على غرار الإلياذة للاعتبار منها و تسجيل كل الحوادث بلهجات أقوامهم حتى نجمع بذلك ألوانا من المواد الخاصة (المعرفية) الداخلة مع اللهجات، وهذا التجميع لا يكتمل حاليا إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضعيات الاجتماعية للإنسان المشترك ،وهو ما نرمز إليه من إقحام المنهج النقدي التاريخي في هذا الباب .
إن غربلة تلك المواد الخام المتزايدة بفعل النص المقارن سيجعلنا نحظى بتأسيس لموسوعة معارف خاصة بالأدب الشعبي وقراءتنا الفلسفية لهذا العنصر تتمركز حول إعادة إحياء المواد المزروعة في واقع الإنسان المشترك ( المثقف اجتماعيا )
إن إدراك أية معلومة جديدة يجعلنا في الأدب الشعبي نبحث عن مرجعيتها في المنهج الحديث وان لم نجد فيكفينا إدخالها في مجهولية التأليف، عندئذ نكتب صفة تمثيل الفلكلور أو الأدب الشعبي فغالبية النصوص الجميلة لا تنسب إلى أصحابها حتى لا تفقد بريقها عندما نطبق عليها المنهج التاريخي النقدي الذي سأل دون ملل في حوائج التاريخ الماضية عن كل لون من المعرفة، إذا كانت المعرفة ( المعلومة ) هي فيتامين مساعد على النمو ومنشط حيوي سيكون من الأجدر البحث عن كيفية وصولها إلينا بكل خرافات الحرب وصلت مع أساطير السامين ( 1) في شكل أخبار متقطعة مثل الأساطير البابلية صنفت قبل الإسلام بفكرة الأدب الإلحادي الذي جرى على مارواه اليهود والنصارى في إخبار البداوة الشعبية، جاءت وافدة ومرافقة لمثيلاتها من المعارف في أقوال المؤرخين كاسترابووهيردوت وهوميروس وبذا فإن المنطوق الموضوعي لا يحدد زمنا معينا لتكاثر المعلومة الشعبية التي بدأت في تحضير زاد سفرها قبل غيرها من المعلومات، ويكفينا ذلك المعلومات التي وصلت لتسيير العادات و التقاليد عن طريق الأساطير مثل قصة هارون مع كوكب الزهرة التي قيل بشأنها أنها كانت امرأة جميلة أو حسناء فصعدت إلى السماء ومسخت كوكيا .
إذن نخلص إن تراكم المعرفة الشعبية جاء نتيجة غيره العربي القديم على مجتمعه الذي ماإنفك يحصل لدى سن الطرائف والنوادر تهكما على غيره من المجتمعات، وهذا ما يعطينا تحليلا واضحا حول قابلية العقلية العربية على توليد الأساطير، ربما قد يجد القارئ سببا في توضيح هذا الأمر، فإننا نقول انه نتيجة للمعارك و الحروب وقيم الغدر السلبية التي ضيعت بداوة العرب كما حدث في داحس وغبراء وحرب البسوس وسد مأرب وقصة الظباء وما حملته سيرة ابن هشام وحياة الحيوان للدميري و القز ويني و الثعالبي و الالوسي كفيل بان يشهد على أحقية المعلومة الشعبية في التواصل عبر التاريخ .
هوامش الفصل الثالث:
1 - الثقافة الشعبية هي محتوى يتضمن الظـواهر الاجتماعية بمعنى انه يحمـل ثقـافة المجتمع كالشعر الشعبي، و الأمثـال، والأحاجي الاساطير.
2- الهيكل الأدبي هو تصور وضعه المؤلف بنية إعطاء مجـسم عام لبناء المثل شبيه بالهيكل التنظيمي الذي وضعه ماكـس ويبر في الإدارة المكتبية .
3- يـقول الخليل بن احمد الفراهيدي، سمي عكـاظ لان العرب كـانت تجتمع فيه كل سنة فيعتكظ بعضهم بعضا بالمفاخرة والتناشد أي يدعك ويعرك وفلان يعكظ خصمه، ويقع بين مكـة والطـائف وتاريخ نصبه مابين نصف شهـر ذي القعـدة و يمتد إلى الثـاني من ذي الحجة ومن شعرائه المعـروفين النـابغة الذبياني وكـانت تأتيهـا قبائل العـرب من قريش وهوازن والمصطلق وفيما قيل انها استمرت إلى سنة 149 ه.
4- عرِّف(كابلان Kablan بأنها منطق أعيد بناؤه ليبـدو كـأداة لتفسيـر ونقد وتوجيه القوانين الراسخة وتطويعها لتتناسب مع البيـانات غيرالمتوقعة في تكوينها، ثم توجيه السعي نحـو اكتشاف تعميمات جديدة
5- في الفلسفة ينظر إلى الاعتقاد بأنه إيمان بشئ ما إلى درجة انه لا يرضى إن يتـركه مهما كانت الظروف و الأسباب لذلك نقول أن الترسخ هو النقش في الذاكرة لعـلامة أو فكرة أو مفهوم وقـد عبـدت العـرب الأصنـام اعتقـاد منهـا أنها تتقرب إلى الله زلفى.
7- العصف الواقعــي : يشبه المعتقـد الراسخ إلا انه من حيث الدلالة هو اقـرب إلى إيمان الشخص بحقيقة موضوعية كشرب الماء واكل الخبز نقول عنه عصف واقعي .
8- ولد سيدي لخضر بن خلوف أواخر القرن الثامن الهجري وتوفي في أوائل القرن العاشر للهجرة، ( 1492م /1613م )، عن عمر ناهز الـ 125 سنة· وقد خلد أيامه الأخيرة عبر قصيدة ''الوفاة'' الشهيرة· يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذي خصه بمكانة مميزة في قصائده، إلا انه لم يكن متشيعا· ويظهر ذلك جليا في حبه لخاتم الأنبياء والرسل محمد، عليه الصلاة والسلام، حب لامثيل له ولأصحابه وآل بيته جسده بقضائه لقرابة القرن في المدح والتقرب بالصلوات والذكر والرغبة في رؤية تحققت له وهو في سن الأربعين· ولم يقتصر شعر سيدي لخظر بن خلوف على مدح الرسول (ص) فقط بل شمل الحكمة والحماسة والفخر والتوحيد والموعظة، إلى أن وافته المنية ودفن قرب خيمته، وحدد مكان دفنه بوصية تركها لأفراد عائلته يقول فيها'' النخلة المثبتة من بعد اليبوس حذاها يكون قبري يا مسلمين.
9 –أنظر مؤلف أبي حامد الأندلسي، تحفة الإعجاب ونخبة الألباب ديوان المطبوعات الجزائرية الجزائرسنة1984ص 120
10- هـو السليك بن عمرو وقيل : بن عمير بن يثربي. أحـد بني (( مقـاعس )) وهـو الحـارث بن عمـرو بن كعـب بن سعـد بن زيد منـاة بن تميم. و السلكة : أمة وهي أمة سـوداء. وكـان يغير على القبـائل، و لاسيمـا القبائل اليمانية و قبائل ربيعة. و كان من العـارفين باقتفـاء الأثـر. ومن العـالمين بالمسـالك و بالطـرق وبالأرض.
12- هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثـل بن عـدي بن كعب بن حـزن بن تميـم بن سعد بن فهم بن عمرو، وأمه أميمة، ولدت خمسة أبناء هم: تأبط شراً، وريش بلغب، وريش نسر،وكعب جدر،ولا بواكي له وقيل: إنها ولدت سادسـاً اسمه عمر ولقب بتأبط شــرا لأنه كـان كلما خـرج للغزو وضع سيفه تحت أبطه فقالت أمه مرة: تأبط شرا، فلقب بهذا اللقب. وفي رواية أخرى أنه أتى لأمه بجراب مليء بالأفاعي بعـد أن لامته أنه لا يأتيهـا بشيء مثلما تأتي به فتية الحي أمهـاتهم، ثم ألقى الأفـاعي أمامهـا وهي تسعى. فلـما روت تلك الواقعة لنسـاء الحي سألنهـا : كـيف حملهـا - أي الأفـاعي في الجـراب- قالت : تأبطها، فقلن: لقد تأبط شرا، فصار يدعى بذلك.عن موقع ويكبيديا : بتاريخ 28/08/2010 الساعة الرابعة صباحا
3- انظر مقدمة بن خلدون ص 180
- منشئ مقرر دراسي: HEMMAM MOHAMED