مقدمة:

تسعى هذه المطبوعة إلى التعريف بالنظرية الأدبية، ووضعها في سياقاتها، وربطها بالمفاهيم الأخرى التي كان لها تأثير كبير على طبيعة الإبداعات الأدبية، ولنا فيها وقفات نستكشف خلالها البعد الفلسفي لتطور النظرية الأدبية، واكتشاف مستوياتها الضرورية الممثلة في الإبداع، التلقي، والنقد، وتحديد ما بينها من وشائج ونقاط تلاقي تستهدف السيرورة الجمالية لنظرية الأدبية ككل. وهذا ما يسمو بالأهداف العلمية لهذه الدراسة والتي تجعل الطالب يتبين معالم نظرية الأدب ومظاهرها، ومعرفة أهم خصائصها، والقضايا التي أثارها المشتغلين بها.

تتناول هذه المادة أصول الأدب ومفاهيمه ومعاييره عبر العصور والحضارات. فضلاً عن إبراز التمايز بين النظريات العامة للأدب والدراسات النقدية في حقول الأدب، وحرصنا على أن تحقق هذه المطبوعة الأهداف التي وضعت من أجلها، من خلال تقديم المعلومة الصحيحة المناسبة، المستندة إلى الدليل الذي يصاحبه بيان للحكمة والتعليل؛ تعليماً للطالب وتمكيناً له؛ حتى يحسن التعامل مع نظرية الأدب.

وقد اقتضى هذا التوجه أن نعرض في هذه المطبوعة لمفهوم نظرية الأدب، ووظيفة الأدب، ونظرية المحاكاة والانعكاس والتعبير والخلق، إلى جانب الأجناس الأدبية، كما عرضنا لأهم النظريات الأدبية.

من جملة الأهداف التي نصبوا إليها من هذه المطبوعة:

- أن يفرق الطالب بين (نظرية الأدب) و(النقد الأدبي).

- أن يدرك الطالب العلاقة بين الأدب والفلسفة.

- أن يطور الطالب إلمامه بالنقد الادبي وآلياته وأسسه.

- أن يتعرف الطالب إلى النظريات الرئيسة في  حقل نظرية الادب.

- أن يتعرف الطالب إلى المنطلقات الفلسفية والفكرية للتيارات الأدبية.

 

   

- نظرية الأدب: الماهية المفهوم.

مقدمة:

     إن قراءة المنجز الأدبي ومساءلته؛ يضعنا أمام حقائق متعلقة بكفاءة التصورات الذهنية والرؤى الفكرية في حقول المعرفة الإنسانية التي أنتجته، وما تمخض عنها من نظريات فلسفية ونقدية، ولما كان الأدب يعدُ من تمظهرات المنجز المعرفي الإنساني، فتشكل وفق حدود تداولية منسجمة في تشكلها اللغوي والفني والجمالي، فتأصلت أنساقه ومبانيه مع مضامينه، مما ساهم في بروز نظريات معرفية تحاول أن تأسس لوظيفة الأدب وطبيعته، وتنهض بأطره ومصطلحاته، فتمخض عن ذلك ما يسمى بنظرية الأدب .

      لعل من بين الأفكار التأسيسية التي شكّلت هوية نظرية الأدب المعرفية؛ توالي الممارسات النقدية التي تبنت المنجز الإبداعي في حقل الأدب بمقاربات علمية مختلفة، وفي خضم التطور النقدي المتواصل أصبح من الضروري اللجوء إلى التصنيف، وتكريس المنهج النقدي الذي يعطي الإبداع الأدبي خاصيته، وشكله، ونوعه، وهذا بغية توضيح معالم الإبداع وتمكين صوره الفنية، وترسيم قدرته الدائمة على تبرير وجود النظرية الأدبية كنسق معرفي،وهذا ما زاد مناخصاب النظرية الأدبية واغتنائها بمدد معرفي متساوق مع ماهيتها. 

      لقد تعددت مفاهيم الأدب واختلفت من عصر إلى آخر، ومن مدرسة لأخرى وبين منهج ومنهج. ويمكن ان نقف مع بعضها كأن نقول: "الأدب شكل خاص من أشكال التعبير، مادته اللغة

1- مفهوم النظرية :

    إن الباحث يقف عند كم هائل من التعريفات والمفاهيم المتعلقة بالنظرية، وهذا التعدد مرده إلى تعدد مجالات اشتغال النظرية، وتعدد المرجعيات التي تصدر عنها هذه المفاهيم، وكذا تعدد أزمنتها ودواعيها، ومن تعريفات النظرية ما يأتي:

1/ تصور عام لقضية أو موضوع في علم من العلوم، يقوم على أسس ثابتة من حقائق جزئية أو مطلقة، وعلى جميع النتائج والأبحاث والتجارب، وعلى ترتيب النتائج، حتى يجمع تصوير القضية التي يراد ممراستها في الواقع البشري ويبين مداها وخصائصها، ليقوم على هذا التصور النهج والتخطيط، لتنمو النظرية من خلال الجهد البشري والممارسة و التطبيق، وتتطور بالإضافة أو بالحذف أو التعديل.[1]

2/ مجموعة مترابطة من المفاهيم والتعريفات والقضايا، التي تكون رؤية منظمة للظواهر عن طريق تحديدها للعلاقات بين المتغيرات، بهدف تفسير الظواهر والتنبؤ بها.[2]

3/ مجموعة من المفاهيم المترابطة والتعريفات والفرضيات التي تعرض ظاهرة معينة بطريقة منظمة، حيث تحدد العلاقات القائمة بين العوامل المتغيرة بهدف تفسير حدوث الظاهرة ومحاولة توقع حدوثها[3].

    فالنظرية إما أن تكون مرادفة للفكر، وبذلك تكون نظرية الأدب هي نفسها الفكر الأدبي، والتفكير المنهجي الأدبي، أو مجموعة من الأفكار المتماسكة. أو أن تكون فرضا أو مجموعة من الفروض تم التحقيق من صحتها بالملاحظة والتجربة، وبذلك تكون مرشدا للعمل، لا باقتراح الأهداف ، ولكن باستكشاف الحقائق[4]. فهي القواعد والمبادئ توظف لوصف ظاهرة ما سواء كانت علمية او فلسفية أو معرفية أو أدبية، وهي مصطلح النظرية مرتبط بعدد كبير من العلوم منها "علم الفلك ، علم الهندسة ، علم الاجتماع.

2- مفهوم الأدب:

     الأدب فن من الفنون الجميلة كالرسم والنحت والموسيقى ونحوها، وجنة ثمينة للتعبير الجميل عن الشعور الصادق وعما يجول في القلوب والنفوس، ووسيلة هامة لإثارة الانفعالات ودعوة الشعوب إلى مقاصدهم الحقيقية، وتصوير المجتمع الإنساني تصويرا دقيقا بأسلوب جذاب . كما هو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين، سواء كان شعراً أم نثراً[5].

      وإذا ألقينا نظرة عابرة على كتب التاريخ الأدبي، فنجد معاني الأدب تختلف عبر العصور والدهور. فإذا رجعنا إلى العصر الجاهلي، فنجد كلمة "آدب" بمعنى الداعى إلى الطعام، فقد جاء على لسان الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد :

نحن في المشتاة ندعو الجفلى        لا ترى الآدب فينا ينتقر

  ومن ذلك المأدبة بمعنى الطعام الذي يدعى إليه الناس. واشتقوا من هذا المعنى أدُب يأدُب بمعنى صنع مأدبة أو دعا إليها. كما أن هذه الكلمة استعلمت في معنى تهذيبي خلقي، كما جاء في الحديث الشريف " أدبني ربي فأحسن تأديبي"[6].

      وفي العصر الإسلامي نجد هذه الكلمة تدور حول المعنى الخلقي التهذيبي والتعليمي، فالنصوص الأدبية نثرا أو شعرا تشير إشارة واضحة إلى طائفة كبيرة من المعلمين تسمى بالمؤدبين الذين كانوا يعلمون أولاد الخلفاء الطرائف والنصوص القرآنية والشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام[7].

      وإذا انتقلنا إلى العصر العباسي، وجدنا المعنيين التهذيبي والتعليمي، فقد سمي ابن المقفع رسالتين له  تتضمان ضروبا من الحكم والنصائح الخلقية والسياسية باسم " الأدب الصغير" و" الأدب الكبير"، وأن أبا تمام  سمى الباب الثالث من ديوان الحماسة الذي جمع فيه مختارات من طرائف الشعر، باسم "باب الأدب" وينطبق هذا المعنى تمام الانطباق على كتاب الأدب الذي عقده البخاري في كتابه الشهير في الحديث المعروف بالجامع الصحيح[8].

      إن هذه الكلمة منذ أواسط القرن الماضي إلى يومنا الحاضر تدل دلالة إلى حد ما، على معنى يقابل معنى كلمة "Literature" الفرنسية التي تدل على كل ما يكتب في اللغة مهما يكن موضوعه ومهما يكن أسلوبه، سواء كان علما أم فلسفة أم أدبا خالصا، فكل ما ينتجه العقل والشعور يسمى أدبا[9].

3- في مفهوم نظرية الأدب:

     وتفريغا لما سبق فإن نظرية الأدب تعنى محاكاة إبداعية ودراسة منهجية عميقة لطبيعة الأدب وطرق تحليله ونقده، مستغلة مجموعة من التصورات التي تحاول تفسير الوقائع العلمية أو التخيلية من أجلاستنباط وتأصيل مفاهيم عامة ، تبين حقيقة الأدب وآثاره[10].

      نلاحظ من التعريف السابق أن نظرية الأدب تبحث في نشأة الأدب وطبيعته ووظيفته ، أي أن أحد أركانها هو الأدب وكذلك تبحث في الأديب أدواته ووسائله ، كما تبحث في جمهور القراءة وهذه الأركان الثلاثة هي : (الأدب ، والأديب ، والقارئ) . وهذا يعني أيضا أنها تتداخل مع فرعين مهمين هما : النقد الأدبي . التاريخ الأدبي . فكلهم يهتمون بالأركان الثلاثة ولكن هذا التداخل بين نظرية الأدب والنقد والتاريخ ، لا ينفي استقلالية نظرية الأدب ويؤكد الاختلاف بينهما وبين غيرها .

     فالمؤرخ الأدبي : يتعامل مع النص ليبين الظروف والملابسات التي احاطة بالنص وبصاحبه . أما الناقد : فهو يهتم بتبيين مواطن الجودة وأسبابها ، وقد يبين انفعالها وهدفهم في النهاية أن يصدر حكماً تقويما على النص . أما المنظر الأدبي : فإنه يهتم بجملة من النصوص ، لا ليصدر أحكاما أو يصور انفعاله إزاء هذه الأعمال ، وإنما لكي يستنبط أحكاماً عامة وشاملة تبين حقيقة الأدب وهدفه وأثره .

    إن النظرية في الدراسات الأدبية ليست تقريرا لطبيعة الأدب  أو مناهج دراسته ووظيفته ومعاييره وأجناسه الرئيسية، إنما هي مجموعة من الممارسات في التفكير والتخييل والكتابة والدراسة. وأن الفيلسوف "ريتشارد روني" قد ساق الكلام عن نوع أدبي جديد " تطور نوع جديد من الكتابة في بداية عصر "غوتة" و"ماكولاي" و"كارلايل"، وهذا النوع الجديد من الكتابة ليس تقييما للمزايا النسبية للمنتجات الأدبية، ولا للتاريخ ولا للفلسفة الأخلاقية ولا للتنبؤ الاجتماعي، ولكنه كل هذه الأشياء ممتزجة مع بعضها البعض في نوع أدبي جديد[11].

4- مهام نظرية الأدب :

      تتداخل مهام نظرية الأدب مع مهام النقد الأدبي وتاريخ الأدب ، والناقد لابد له من الاستناد على نظرية أدبية قبل تعامله المباشر مع النصوص الأدبية.

    فالنقد الأدبي أقدم من نظرية الأدب ، للنقد تاريخ طويل يمتد من خلال أفلاطون ، أما نظرية الأدب فقد ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين خاصة سنوات 1960-1970 من القرن الماضي ،والنقد الأدبي يعنى بتقييم وتفسير العمل الأدبي ويعطي أهمية للعناصر الجمالية فيه ،ويصدر حكما عليه وفي حين النقد يرتكز أكثر على الخصائص المتأصلة في العمل الأدبي .

     تحاول نظرية الأدب اكتشاف علاقة النص بعوامل خارجية مثل علاقة النص بالكاتب والقارئ واللغة والمجتمع والتاريخ ، والنظرية تغني النقد وتعطيه بعدا فلسفيا ولكن أهم ما يميز النقد عن النظرية  هو أن النظرية تثير شكوكا حول مادة العمل الأدبي وأيضا حول أساس عملها وتطبيقها ،أي أنها تثير الشكوك في عملية التفسير أو التحليل الأدبي أو بمعنى آخر في طريقة فهمنا وإدراكنا للعمل الأدبي .

5- مجالات اهتمام نظرية الأدب :

-           البحث في نشأة الأدب من خلال العلاقة بين الأدب والمبدع .

-           البحث في طبيعة الأدب من خلال خصائص النصوص الأدبية وسماتها وتركيبها .

-           البحث عن وظيفة الأدب من خلال العلاقة بين الأدب والمتلقي

-           محاولة دراسة الأدب ونقده لا بد أن تكون  مستندة إلى تصور نظري ما للأدب وأن تراعي الأركان الثلاثة (الكاتب ، النص ، المتلقي ) ،فكل ممارسة تطبيقية في الحياة ناتجة عن تصور ذهني مسبق ،لذلك فالتعامل مع الأدب ( ابداعا ونقدا ) يستند إلى مجموعة من التصورات.

- النظرية الأدبية مثلها مثل النقد الأدبي والتاريخ الأدبي ، تكون تالية للأعمال الأدبية إذ يستنتج منظرو الأدب نظرياتهم من خلال تأمل ومتابعة وتراكمات النصوص.

- تستهدف علاقة الأدب بالفنون الأخرى، بالتحولات الفلسفية والظروف الحضارية، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. ثم الافكار التي تدعو إليها النظريات الأدبية ليست جديدة في حد ذاتها ،بل الافكار معروفة منذ القدم ولكن التكامل والنضج والوعي والترابط هو ما يميزها.

2- نظرية الأدب والعلوم الأخرى

مقدمة:

      لقد تطوَّرت الأبحاث المعرفيَّة تطوُّراً ملموساً؛ وجب معها على الباحثين في مجالات النقد أن يجدِّدوا في طريقة بحثهم العلمي، وأن يطوِّروا في مسيرته بما يتناسب والحياة الإبداعية الَّتي تتطوَّر بشكلٍ مستمرٍّ، ولا تقف عند حدٍّ معيَّن، وبناء عليه فقد حظيت أبحاث النَّظريَّة الادبية بأهمِّيَّة بالغة؛ تجلَّت في الدِّراسات الَّتي تمَّ إنجازها في الفلسفة، وعلوم الاتِّصال، وارتباطها الوثيق بفلسفات النقد؛ وتوِّجت في ذلك بإسهامات أكثر أهمِّيَّة في الفترة الزمنية المعاصرة.

1- نقاط التقاطع بين نظرية الأدب والعلوم:

      صار واضحاً صلة النظرية الأدبية بالعلوم، ويبدو أن هذه التبعية للعلم التي ارتضاها النقد لها أسبابها فإن “ محاولة إخضاع الظاهرة الأدبية، ومن ثم  الحدث الأدبي لمناهج العلوم الطبيعية إنما كانت تعبيراً عن إدراك الإنسانيين لتخلف مناهج الدراسات الإنسانية بعامة، إذا هي قيست بمناهج العلوم الطبيعية وما أحرزته من تقدم في العصر الحديث، وعن رغبة أصحاب هذه المناهج الإنسانية في مجاوزة هذا التخلف باصطناع المناهج نفسها التي استخدمت في مجال الطبيعيات، وهذه النقلة الكبيرة لا يمكن أن تكتسب شرعيتها إلا على المستوى التجريدي الصرف حيث يعزل الحدث الأدبي، أو الظاهرة الأدبية عن سياقها الخاص ويدفع بهما كأي حادث طبيعي، أو ظاهرة طبيعية إلى معامل التحليل، فتكشف عن النظم التي تحكمها واستخلاص القوانين العامة وراء هذه النظم”[12]. ونستطيع أن نتميز مجموعة من المناهج التي لا زالت مجاورة لمناهج الحداثة تتصل مرجعياتها بالعلوم الإنسانية

      وليس هذا في مجال القضايا النظرية وحسب. إذ يتداخل العلم بالميتافيزيقا، ولكن يمكن ملاحقة مفهوم كلمة (نقد) ذاتها، فلم تنجُ هي الأخرى من هذا الاصطراع وغياب الاستقرار، فقد تعرضت إلى فهم مختلف من (الحكم) إلى (الفهم) لاسيما بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فمع هيمنة العلوم التجريبية على النقد استقر مفهوم النقد على أنه “ الحكم أو تفسير الأثر الأدبي”[13]، ومع هيمنة العلوم الإنسانية على النقد صار يفهم النقد على أنه “ فهم الأثر الأدبي والبحث عن دلالته ومعانيه”[14]، فهناك مناهج وعلوم كثيرة تتلاقح مع نظرية الأدب، إذ تمثل المركز والأساس في ماهيتها.

  فالنظرية الأدبية  تنظر للعمل الأدبي من زوايا مختلفة أتاحتها لها العلوم المجاورة من الحقول الإنسانية مثل (علم النفس، وعلم الاجتماع، الانثروبولوجيا، والأثنولوجيا وغيرها، ليصل إلى الإيكولوجيا)، فالنظرية الأدبية ظلت تتعامل مع العمل الأدبي على أنه طرف وليس كلا في العملية النقدية، لكنها لم تقف عند هذا الحد، بل وجدت لها مقاربات كما في (علم اجتماع الأدب، والجشطالت...) وهي مقاربات مع مناهج الحداثة.

 

                    3- نظرية الأدب وعلم النفس

مقدمة:

  بقدر بحث النقد عن مرجعيات من خارجه، كان هذا الخارج يتصدى لهذا النقد ويزاحمه، وليس أقله انشغال عموم الفلاسفة بعلم الجمال الذي هو وثيق الصلة بالفن ومنه الأدب، إذ لكل منهم آراء فيه، فليس غريباً بعد ذلك أن يجد (فرويد) موطأ قدم له في الفن، بل كان هذا الفن موضع تطبيق لنظرياته في التحليل النفسي، فهو يرى “ أن النصوص تشكل فرصاً لتطبيق العلم على موضوعات كانت تبدو له بعيدة عنه”[15].

1- المنهج النفسي:

   بدأ المنهج النفسي بشكل علمي منظم مع بداية علم النفس ذاته منذ مائة عام على وجه التحديد في نهاية القرن التاسع عشر بصدور مؤلفات (سيغموند فرويد) في التحليل النفسي وتأسيسه لعلم النفس، استعان في هذا التأسيس بدراسة ظواهر الإبداع في الأدب والفن كتجليات للظواهر النفسية، من هنا يمكن أن نعتبر ما قبل «فرويد» من قبيل الملاحظات العامة التي لا تؤسس لمنهج نفسي بقدر ما تعتبر إرهاصاً وتوطئة له [16] .

    فقد رأى فرويد أن العمل الأدبي موقع أثري له دلالة واسعة، ولابد من كشف غوامضه وأسراره، فالإنسان يبني واقعه في علاقة أساسية مع رغباته المكبوتة ومخاوفه، ويعبر عنها في صورة سلوك أو لغة أو خيال [17] ، ويرى أن "اللاشعور" أو "العقل الباطن"، فهو مستودع للرغبات والدوافع المكبوتة التي تتفاعل في الأعماق بشكل متواصل ولكن لا تطفو إلى مستوى الشعور إلا إذا توفرت لها الظروف المحفزة لظهورها، فالأدب والفن عنده ماهما إلا تعبير عن اللاوعي الفردي [18] .

   وقد كان اهتمام هذا العالم ينصب على تفسير الأحلام؛ باعتباره النافذة التي يطل منها اللاشعور، والطريقة التي تعبر بها الشخصية عن ذاتها، فكان التناظر بين الأحلام من ناحية والفن والأدب من ناحية ثانية مغرياً لاعتبار الفن مظهراً آخر من مظاهر تجلي العوامل الخفية في الشخصية الإنسانية، فقد حدد فرويد خصائص الحلم بمجموعة من الأوصاف، منها: التكثيف [19] ، والإزاحة [20] ، والرمز [21] ، ثم أدرك أنها هي التي تحكم ـ أيضاً ـ طبيعة الأعمال الفنية والأدبية على وجه الخصوص [22] .

2- الأدب وعلم النفس:

    فالعمل الفني والأدبي عند فرويد يتكون من محاولة إشباع رغبات أساسية، ولا تكون الرغبةُ رغبةً ما لم يحل بينها وبين الإشباع عائق ما: كالتحريم الديني والحظر الاجتماعي أو السياسي، ولهذا تكون الرغبة حبيسةً تستقر في اللاوعي من عقل الفنان أو الأديب، لكنها تجد لنفسها متنفساً من خلال صيغ محرفة وأقنعة من شأنها أن تخفي طبيعتها الحقيقية[23] .

   فالرغبات المقنعة أو المحرفة التي تتضح للوعي تُشكل"المحتوى الظاهر"، أما الرغبات اللاواعية التي تعبر عنها الصيغ المحرفة أو المقنعة فتُشكل"المحتوى الخافي"، فما ينجم - مثلاً - عن النمو الجنسي في مرحلة الطفولة من "ولع أو هاجس" قار، يتجاوزه الطفل حينما يصل مرحلة الرشد، لكنه يبقى في شكل "ثوابت" مستقرة أو محاور كامنة في اللاوعي تثيرها أحداث معينة فيما بعد فتتحقق في صيغ تعبيرية محرفة أو مقنعة [24] .

   ويؤكد فرويد على أن مرحلة الطفولة بكل انفعالاتها واضطراباتها تتفاعل في الداخل، وهي التي تحدد سمات شخصية الإنسان، فإذا عانى الطفل شيئاً من الحرمان في هذه المرحلة؛ كانت هي المشكلة لأهم ملامح طريقته في السلوك وفي التصور، فإذا كان هذا الإنسان فيما بعد مبدعاً وشاعراً؛ أصبح محكوماً بجملة تجاربه الطفولية تلك، والمرجعية الحقيقية لما يستخدمه من رموز يوظفها في عمله الإبداعي، وهذا يدفع فرويد إلى القول بأن اللاشعور هو مصدر العملية الإبداعية، والأعمال الإبداعية هي ترجمة لمحتوى مستودع اللاشعور من الرغبات غير المشبعة (عادةً هي بقايا من الدوافع والغرائز الطفولية)، فيعبر عنها بطريقة تتواءم مع أعراف وقوانين المجتمع عن طريق آليات الدفاع من تكثيف وإزاحة ورمز [25] .

   وقد عمد فرويد إلى تاريخ الأدب يستمد منه كثيراً من مقولاته ومصطلحاته في التحليل النفسي، فسمى بعض ظواهر العقد النفسية - مثلاً - بأسماء شخصيات أدبية، مثل عقدة "أوديب"، وعقدة "الكترا" وغيرها، كما لجأ إلى تحليل بعض اللوحات الفنية التشكيلية، وبعض الأعمال الأدبية والشعرية للتدليل على نظرياته في التحليل النفسي [26] .

   ولعل فرويد بالغ حينما وصف الأديب بأنه مريض نفسياً، وعمله يعكس عقده الجنسية وأمراضه النفسية، وهو هنا يُرجِع العملية الأدبية الإبداعية إلى حالة مرضية، كالعُصاب وانفصام الشخصية وغيرها، وهذا بدوره يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: إذا كانت العملية الإبداعية وليدة حالة مرضية يمر بها الأديب، فإذا شفي منها هل سيكف عن الكتابة؟ وهل سيتوقف التدفق الإبداعي؟ وهل كل الأدباء حقاً يعانون أمراضاً نفسية؟ [27] .

ولذلك ظهر علم "نفس الإبداع" في الدراسات النفسية، إذ يجعل التفوق في الإبداع نظير لنوع من العبقرية، ثم يقرن هذه العبقرية بلون من ألوان الجنون، فذروة التفوق في الإبداع توازي ذروة الشذوذ عن النسق السوي للحياة النفسية، ولا يعتمد علم الإبداع على الفروض النظرية البحتة، وإنما يحاول إخضاع المبدعين لمجموعة من الاختبارات والأسئلة المصممة بطريقة منهجية وعلمية، كما يتم إخضاع مسودات الأعمال الإبداعية ذاتها لهذا النوع من التحليل[28]

   ولم تلبث مدارس علم النفس أن تطورت، ونشأت اتجاهات أخرى كان لها أثرها البالغ في اكتشاف جوانب غير فردية لربط العالم الداخلي بالإبداع الأدبي، من أهمها مدرسة "كارل يونغ" الذي نقل بحثه من اللاشعور الفردي إلى اللاشعور الجماعي، فالشخصية الإنسانية -في نظره -لا تقتصر على حدود تجربتها الفردية، بل تمتد لتستوعب التجربة الإنسانية للجماعة الموغلة في القدم، وأن هذه الشخصية تحتفظ في قرارتها بالنماذج والأنماط العليا التي تختمر في الثقافة الإنسانية عبر الأجيال المختلفة، وتنتقل على شكل رواسب نفسية موروثة عن تجارب الأسلاف، وتدخل هذه النماذج في تركيب طريقة التخيل الإنساني، وطريقة الشعور، وفي منظومة القيم، والفاعلية النفسية الإنسانية[29] .

     يتفق "يونغ" مع  أستاذه "فرويد" في فكرة اللاشعور؛ لكنهنا نجده يرفض مغالاة أستاذه في تفسير الإبداع الفني في ضوء العقد النفسية، وإيلائها الأهمية الكبرى في حياة الفنان والسلوك الإنساني عامة، فيونغ يرى أن الفنان أهم بكثير، بل ربما لا يمكن مقارنته بمريض الأعصاب، مما أتاح الفرصة لظهور تحليل نفسي جديد للأدب [30] .

  جنحت الدراسات التي اعتنقت نظرية "يونغ" في اللاشعور الجمعي نحو تقصي مظاهر النماذج العليا، في الفن والأساطير والصور الشعرية والأدبية التي يعكسها إبداع هؤلاء الأدباء والفنانين في أعمالهم، بواسطة تلك الرواسب المنحدرة إليهم من أسلافهم، ومحاولة فهمها وتفسيرها في ضوء معرفتها للنماذج الأسطورية والشعائرية للأمم والشعوب [31].

   وكان من أهم النقاد الذين وظفوا نظريات "يونغ" في علم النفس الجماعي في تحليل الأدب: "نورثروب فراي"، فقد عرض في كتابه "تشريح النقد" نظرية إمكانية تفسير الأدب العالمي خاصة في تجلياته في الثقافة الغربية بلغاتها المتعددة [32]. ثم ظهر تيار نفسي آخر كانت له أهمية خاصة في تحليل الإبداع الأدبي، وهو المتمثل في مدرسة "أدلر" الرمزية، وهي مدرسة تقرن بين الأحلام والرموز بشكل باهر [33] .

    وقد رفض "أدلر" تفسير أستاذه "فرويد" للإبداع تعويضاً مقنَّعاً عن كبت جنسي يعاني منه المبدع، وضرباً من ضروب التنفيس في محاولة للتواؤم مع العالم وتفادياً للمرض، مع عدم رفضه لفكرة الدافع الغريزي للإبداع [34] .

  فقد كان "أدلر" يرى أن التعلق بالحركة لإثبات الذات هي الدافع والينبوع الأصيل في كل نفسٍ بشرية؛ لأن ذات الإنسان ألصق به من جنسه، وقد طبَّق علماء النفس هذه النظرية على "أدلر" نفسه، فباتوا يراجعون فصول حياته فظهر لهم أنه كان يعاني في طفولته المبكرة آلاماً شديدة من مرض "لين العظام" المعوق للحركة، وكانت آلامه النفسية أشد فأدرك أهمية الجانب الحركي في حياة الإنسان إلى الحد الذي جعله يتخذها مذهباً يدعو إليه [35] .

لقد أتاحت نظرية "أدلر" المجال للدارسين والنقاد الذين تأثروا بها النظر في عاهات المبدعين وعقدهم ونواقصهم، والربط فيما بينها وبين إبداعهم وتفسيرها في ضوء المعرفة المتحصلة عن الأديب أو الفنان [36] .

    وكان لمدرسة (الجشتالت) أحد الاتجاهات التي بلورت ملامح نظرية متميزة من مدرسة التحليل النفسي الفرويدي، حين قدمت هذه النظرية نفسها في طروحاتها النظرية الأساسية بديلاً منهجياً واضحاً، لاسيما عند ممثلها "هربرت ويلر" [37] .

ولقد سعى الاتجاه الجشتالتي إلى البحث في الكيفية التي يحدث بها العمل الفني، وفي الأثر الكلي الذي يتركه في إدراك متلقي العمل ومتذوقه [38] .

   وتجدر الإشارة إلى تيار نفسي آخر أسسه الناقد "شارل مورون" انتهى فيه إلى مصطلح "النقد النفسي"، من خلال تفسير النصوص بعضها ببعض، عن طريق وضع أعمال الأديب فوق بعضها، بغية الكشف عن جمالياتها، فيدرس الناقد هذه الأعمال وتجمعاتها وتطورها حتى يستطيع الوصول إلى الشخصية اللاشعورية للأديب، ثم التأكد من هذه النتائج من خلال حياته[39]

إن التحليل النفسي في النقد والأدب برز فعلياً مع (فرويد) الذي يرى “ أن العمل الأدبي موقع أثري له طبقات متراكمة من الدلالة ولابد بالتالي من كشف غوامضه وأسراره”[40].

    وجاء النقد النفسي بعده ليُعدّ أن التحليل النفسي علم ينبغي معرفته واستخدامه، ومع أنه يسعى إلى إشراك الأفكار اللاإرادية الواقعة تحت البنى المرغوبة في النص مشكلة بذلك شبكات لا مرئية، وهكذا فإن ضمان علم حقيقي يسمح بسبر وتقصي حدود الوعي واللاوعي عن طريق النزول إلى هذا الأخير[41]، ولقد اصطدم النقد النفسي بانتقادات نظرية فقد أخذ عليه (علمويته)[42] كما أنه يهتم بتحطيم استقلالية العمل[43]، هذه المآخذ كما سنلاحظ يمكن توجيهها لأي منهج بنيوي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                     4- نظرية الأدب وعلم الاجتماع

مقدمة:

يعد هذا المنهج من المناهج العريقة لكثرة المدارس فيه، ويجد له امتداداً في القرن التاسع عشر في كتاب (مدام دي ستال 1880م) (الأدب من خلال علاقته بالمؤسسات الاجتماعية) فبدأ الأدب يعي بعده الاجتماعي، ويعد هذا الكتاب أول محاولة في فرنسا لجمع مفهومي الأدب والمجتمع في دراسة واحدة منهجية، وتحدد مدام دي ستال موقفها في المدخل بقولها “ لقد عزمت على أن انظر في مدى تأثير الدين والعادات والقوانين في الأدب ومدى تأثير الأدب في الدين والعادات والقوانين“[44].  ومن مدارسه الواقعية، والواقعية الانتقادية، والواقعية الاشتراكية، والواقعيـة الأوربية إلى غيرها من المسميات لنصل إلى ما عرف بسوسيولوجيا الأدب، وما عرف بالبنيوية التكوينية.

1- سوسيولوجيا الادب:

     أما حضور هذا المنهج وفاعليته منذ أوائل القرن الماضي، فقد كانت مقترنة بالمدرسة الاجتماعية السوفيتية، وتتلخص أطروحة هذه المدرسة في أنه “ يجب النظر إلى الأدب في علاقته غير المنفصلة عن حياة المجتمع، وفي خلفية العناصر التاريخية والاجتماعية التي تؤثر في الأديب. وهذا المبدأ كان دائماً الموجه في الأبحاث الأدبية السوفياتية. وهو يرتكز على المنهج الماركسي اللينيني في إدراك الحقيقة وتحليلها، ويستبعد وجهة النظر الذاتية والاعتباطية التي تُعتبر كل كتاب كياناً مستقلاً ومنعزلاً. والأدب هو ظاهرة اجتماعية، وهو الإدراك الحسي للحقيقة عبر الصورة الخلاقة”[45].

       أما علم الاجتماع الأدب أو سوسيولوجيا الأدب كما يحلو للبعض أن يسميه يهتم بالأدب كظاهرة اجتماعية مثلها مثل كثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى فهو يدرس أركان الأدب الثلاثة الأديب والثر الأدبي والقارئ بين الأدب والظروف الاجتماعية المحيطة به ، أو أنه يدرس الظاهرة الأدبية كظاهرة اجتماعية ، وقد أثر علم الاجتماع الأدبي تأثرا كبيرا في الحركة النقدية والأدبية والعلمية ، وكان له فوائد جمة فهو الأدب وطبيعته ووظيفته وتطوره .

   وهو منهج يربط بين الأدب والمجتمع بطبقاته المختلفة، فيكون الأدب ممثلاً للحياة على المستوى الجماعي لا الفردي؛ باعتبار أن المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية، فالقارئ حاضر في ذهن الأديب وهو وسيلته وغايته في آن واحد [46] .

    ويتفق معظم الباحثين على أن الإرهاصات الأولى للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب ونقده بدأت منهجياً منذ أن أصدرت "مدام دي ستايل" عام 1800م كتابها "الأدب في علاقته بالأنظمة الاجتماعية"، فقد تبنت مبدأ أن الأدب تعبير عن المجتمع[47] .

ويمكن عد التحليلات التي حواها كتاب الناقد "هيبوليت تين" في كتابه "تاريخ الأدب وتحليله عام 1863م، أحد أبرز التطبيقات الممثلة للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب وتحليله [48] .

  كان للفكر المادي الماركسي أثر في تطور المنهج الاجتماعي، وإكسابه إطاراً منهجياً وشكلاً فكرياً ناضجاً، ومن المتقرر في الفلسفة الماركسية أن المجتمع يتكون من بنيتين: دنيا: يمثلها النتاج المادي المتجلي في البنية الاقتصادية، وعليا: تتمثل في النظم الثقافية والفكرية والسياسية المتولدة عن البنية الأساسية الأولى، وأن أي تغير في قوى الإنتاج المادية لابد أن يُحدث تغيراً في العلاقات والنظم الفكرية [49] .

   ويقترن ظهور نظرية "الانعكاس" بالواقعية، إذ أنه كلما ازدهر المجتمع في نظمه السياسية والحضارية والاقتصادية؛ ازدهر الأدب، إلا أن مراجعة تاريخ الآداب والمجتمعات أثبتت أن التلازم ليس صحيحاً، نضرب مثلاً لذلك بالعصر العباسي الثاني الذي كان نموذجاً لتفكك الدولة، وانتقال السلطة من العرب إلى العجم، ونشوء الدويلات، كل هذه الظواهر السلبية اقترنت بنشوء حقبة من الأدب الذي تميز بالإبداع الشعري في الثقافة العربية [50] .

     قدَّم الماركسيون تصوراً لتفادي هذه المشكلة، سموه " قانون العصور الطويلة"، مفاده أن نتيجة التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي وارتباطه بالتطور الإبداعي الأدبي لا يظهر مباشرة؛ بل يلزم ذلك مرور أجيال وعصور طويلة حتى يتفاعل الأدب مع مظاهر التطور المختلفة ويكتسب القوة منها، فهذا القانون يرفض ارتباط الأدب بالمجتمع في فترات وجيزة [51] وقد عملت الماركسية مع الواقعية جنباً إلى جنب في تعميق الاتجاه الذي يدعو إلى التلازم بين التطور الاجتماعي والازدهار الأدبي؛ مما أسهم في ازدهار "علم الاجتماع" بتنوعاته المختلفة،  كان من بينها علم نشأ قبل منتصف القرن العشرين أطلق عليه: علم "اجتماع الأدب" أو "سوسيولوجيا الأدب"، وقد تأثر هذا العلم بالتطورات التي حدثت في الأدب من جانب، وما حدث في مناهج علم الاجتماع من جانب آخر [52] .

2- اتجاهاته علم الاجتماع الأدبي:

 

 

 

 

 

 

 

 

   يطلق عليه علم اجتماع الظواهر الأدبية، وهو تيار تجريبي يستفيد من التقنيات التحليلية في مناهج الدراسات الاجتماعية، مثل الإحصائيات والبيانات وتفسير الظواهر انطلاقاً من قاعدة يبنيها الدارس طبقاً لمناهج دقيقة ثم يستخلص منها المعلومات التي تهمه [53] .

   ويرى هذا الاتجاه أن الأدب جزء من الحركة الثقافية، وأن تحليل الأدب يقتضي تجميع أكبر عدد البيانات الدقيقة عن الأعمال الأدبية، فعندما نعمد إلى دراسة رواية ما؛ فإننا ندرس الإنتاج الروائي في فترة محددة، وبما أن الرواية جزء من الإنتاج السردي من قصة وقصة قصيرة وغيرها، فإننا نأخذ في التوصيف الكمي لهذا الإنتاج عدد القصص والروايات التي ظهرت في تلك البيئة، وعدد الطبعات التي صدرت منها، ودرجة انتشارها، والعوائق التي واجهتها، ولو أمكن أن نصل إلى عدد القراء، واستجاباتهم، وغيرها من الإحصائيات الكمية؛ حتى يمكن لنا أن ندرس  الظاهرة الأدبية كأنها جزء من الظاهرة الاقتصادية، لكنه اقتصاد الثقافة بمعنى أننا نستخدم فيها مصطلحات الإنتاج والتسويق والتوزيع، وكل ذلك نستخدمه لاستخلاص نتائج مهمة تكشف لنا عن حركة الأدب في المجتمع [54] .

    ومن رواد هذه المدرسة "سكاربيه"، صاحب كتاب "علم اجتماع الأدب"، وهو يدرس الأدب كظاهرة إنتاجية مرتبطة بقوانين السوق،ويمكن عن هذا دراسة الأعمال الأدبية من ناحية الكم[55] .

      ولكن ما لبث هذا المنظور أن تطور وارتبط بشكلٍ ما بالجانب الجمالي، نجد ذلك بارزاً في "حدود حرية التعبير" للباحثة السويدية "مارينا ستاغ"، فقد وظفت هذه الدراسة التقنيات الإحصائية والتجريبية  في علم اجتماع الأدب بشكل مختلف عن السابق؛ فهي تختار ظاهرة محددة هي ظاهرة سقف الحرية  التي يتمتع بها كُتَّاب القصة القصيرة على وجه التحديد في مصر في فترة حكمي عبد الناصر والسادات، وهي تتخذ منظورها من منطلقات منهجية حيث ترى أن الإبداع القصصي هو أكثر أشكال الإبداع ارتباطاً بحركة المجتمع، وأنه غالباً ما يصطدم بالممنوعات الاجتماعية وهي الممنوعات السياسية، والدينية، والأخلاقية [56] .

      أما المنطلق الثاني المنهجي للدراسة فيتمثل في رؤية الكاتبة للحرية بأنها قرينة الإبداع، وأن مؤشر قمع الحرية هو أهم مؤشر لتدخل المجتمع في تكييف الإنتاج الأدبي، ويظهر هذا القمع لدى الكاتب نفسه قبل أن يمارسه عليه المجتمع، ويتجلى ذلك في الرقابة الذاتية لدى الكاتب نفسه  فهو بحكم خبرته الاجتماعية يعلم أن أعماله تُمنع إذا اتسمت بشيء من الجرأة، لذلك فإن مؤشرات لمصادرة والحظر ومنع التداول والعقوبة بالسجن هي التي يمكن أن نقيس بها درجة حرية التعبير المسموح بها في المجتمع، ودرجة التعبير ذات علاقة وثيقة بالقيمة النوعية للأعمال الإبداعية، فهي ليست مؤشراً كمياً فحسب لكنه مؤشر نوعي يمكن قياسه[57]

    وعمدت الباحثة إلى تحديد حالات الكتاب المصريين الذين تعرضت أعمالهم الإبداعية في مجال القصة القصيرة للحظر كلياً أو جزئياً بمنع النشر أو الرقابة أو الحذف أو تعرضوا هم شخصياً للسجن نتيجة لنشرهم هذه الأعمال أو اضطروا للهجرة بها خارج حدود السلطة، فربطت الباحثة في هذه الدراسة بين التطور الحضاري والتطور الإبداعي من خلال قياس حرية المبدع[58]

    وليست هذه النماذج التي أتيحت للباحثة دراستها هي أفضل النماذج التي أبدعت في المجتمع المصري في تلك الحقبة المحددة، فليس المنع والقمع والسجن مقياساً لجودة الأعمال الأدبية، فهناك أعمال لا تقل جودة وجرأة وطموحاً عنها إلا أن كُتَّابها اتخذوا من الرمز والكناية وغيرها من التقنيات الفنية للتعبير عن آرائهم بعيداً عن الرقابة [59] .

ومع ذلك نجد أن بعض دراسات سوسيولوجيا الأدب التجريبية لها أهمية بالغة في الكشف عن علاقة الإنتاج الثقافي بالمستويات المتعددة الفاعلة في بنية المجتمع من سياسية واقتصادية واجتماعية [60] .

    أما النقد الذي يوجه لهذا الاتجاه فبالإضافة إلى إغفاله للجانب النوعي للأعمال الأدبية ـ كما وضحنا سابقاً ـ فإنه يكتفي برصد الظواهر ولا يتعمق في إمكانية تفسيرها وربطها ببعضها، بل ويقيم التوازي بين ظواهر غير متجانسة أصلاً؛ لأن الأدب إنتاج تخيلي إبداعي يغاير نوعياً طبيعة الحياة الخارجية، وهذه نقطة ضعف جوهرية تعيب دراسات علم اجتماع الأدب وتجعل نتائج عملها مجرد إضافة لمجموعة من البيانات والمعلومات التي تخدم علم الاجتماع ودارسيه أكثر من نقاد الأدب والمتخصصين فيه [61] .

أما النتيجة المنهجية لهذا الموقف فهي “ أن مبدأ المنهج التاريخي الذي هو أساس البحث الأدبي السوفياتي يعتمد بوصفه معياراً أولياً لأي عمل فني درجة إخلاصه في عرض الحقيقة بمختلف عقدها”[62].

لقد ساد هذا الاتجاه في النقد الماركسي في الحقبة السوفياتية في بقاع كثيرة، وهو يعود في مرجعياته إلى قراءة مبتذلة وتبسيطية لبعض آراء (ماركس وأنجلس) وآراء (لينين) لاسيما في (تولستوي)، وتجد نماذجها في مقررات اتحاد الكتاب السوفيات والكثير من آراء (بليخانوف) أحد منظري الحقبة السوفياتية. وهذا النقد الذي انتهى بما يسمى (الواقعية الاشتراكية) في مواجهة الواقعيات الأدبية كالطبيعية، والأوربية.

 وترى هذه الواقعية أن مهمة النقد هي ترويج الفكرة الاشتراكية، ولتكون جزءاً من الصراع مع المجتمعات الرأسمالية، فالأدب جبهة من جبهات النضال، ومهمة الأدب كشف المضامين البرجوازية، والسخرية منها كما أن هناك “ مهام للناقد هي تقييم العمل من زاوية شكليته الخالصة أو فضائله ونقائصه الاجتماعية”[63]. وهو تحليل منتم إلى علم الاجتماع، ويعده عنصراً أشد ضرورة لذلك العمل، ويتخذ هذا الناقد “ أولاً وقبل كل شيء (مضمون) العمل أي الجوهر الاجتماعي المتجسد فيه كموضوع لتحليله، وهو يحدد ارتباطه بهذه الفئات الاجتماعية، أو تلك وما لقوة التعبير فيه من تأثير على الحياة الاجتماعية، وعندئذ فقط يعود إلى الشكل، وقبل كل شيء يتناول طريقة تطابق الشكل مع الأهداف الأساسية للعمل أي وفاءه بمطلب التعبيرية والتأثير في درجاتهما القصوى”[64].

 

 

 

 

               5- نظرية الأدب واللسانيات البنيوية

مقدمة:

     ينطلق علماء الألسنية في تحليلهم النصوص بوصف الكلام الأدبي مجموعة منظمة من الجمل لها وحداتها المميزة، ولها قواعدها، ونحوها، ودلالتها، وهم يتعاملون مع النص الأدبي كما يتعاملون مع الجملة[65].

  أفاد البنيويون من التطبيقات المباشرة للألسنيين على الأدب وظهور علم الأسلوبية، وهذه المقاربة بين البنيوي الأدبي واللساني أفادت البنيوية الأدبية في الحصول على المنهج، فقد نظرت الأخيرة للسانيات على أنها العلم بضوابطه الذي وظف في دراسة المشكلات اللغوية، وهو أكثر ملاءمة لدراسة المشكلات الأدبية بوصف الأدب استعمال خاص للغة.

1- البنيوية ونظرية الأدب:

 أصبح المنهج البنيويّ أقرب المناهج إلى الأدب ؛لأنه يجمع بين الإبداع وخاصيته الأولى وهي اللغة في بوتقة ثقافية واحدة، على الرغم مما توصف به البنيوية بصرامة المنهج والقطيعة مع كل التراث النقدي السابق إلا أننا نستطيع أن نتلمس حضوراً لهذا التراث في هذا النقد، لاسيما لدى أهم أعلامه وهو (بارت)، “ وعبقريته تكمن في تقديم مختلف الأفكار النقدية التي ظلت إلى حد الآن متناقضة تماماً، في شكل نسق دينامي وقابل للتطور الدائم، أن المصالحة بين الشكلانية والتباعد البريختي، وبين التحليل النفسي والبنيوية، وأن استعمال صرامة اللسانيات للدفاع عن نظرية متعة النص، كل هذا يتطلب دقة في التحليل وفكراً وتركيباً منقطع النظير”[66].

  ومن مرجعيات الدرس البنيوي الذي احتفى بالصور الفلسفية لنظرية الادب نجد ثيمات البحث الشكلاني بكل عدته ومقارباته، فمرجعية بارت في معاينته الظاهر الأدبية تبدأ بالصورة اللزومية التي ينطلق منها المبدع  ويعول فيها على بث تمظهراته الكشلانية للغة، ومنه فالطريقة التي يستعمل بها الكاتب اللغة، يجد نفسه متورطاً[67].

2- المرجعية النصية:

وهناك المرجعية النصية التي يمثلها (فلاديمير بروب) وهو حاضر في مفتتح كتابه التحليل البنيوي للقصص[68]، و(ياكوبسون) ليس بتفكيره النظري الخاص وحسب، ولكن لمجموع التحليلات المعاصرة للأدب[69]، وتحوله من البنيوية إلى النصية لم يكن بعيداً عن تأثير بعض المنظرين، وعلى رأسهم (جوليا كريستيفا) بالمقابل نجد البنيوية تؤثر في فكر أعلام ما بعد البنيوية، فقد أثرت في " فوكو كما أثرت في جامعيين آخرين من الجيل نفسه، فهي لم تكتف بأن تجعل منه مثل دريدا ناقداً للفكر الفينومينولوجي– أنتروبولوجي المسيطر آنذاك من كوجيف حتى سارتر، بل وجهته قبل كل شيء في اختيار مناهجه" [70].

    ظهرت البنيوية اللسانية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين مع رائدها فرديناند دي سوسير ، من خلال كتابه ( محاضرات في اللسانيات العامة ) ، الذي نُشر في باريس عام 1916م، وكأن الهدف من الدرس اللسانيّ التعامل مع النص الادبي من الداخل ، وتجاوز الخارج المرجعيّ وعدّه نسقاً لغوياً في سكونه وثباته ، وقد حقق هذا المنهج نجاحه في الساحتين اللسانية والادبية حينما انكبّ عليه الدراسون بلهفة كبيرة ؛ للتسلّح به واستعماله منهجاً وتصوراً في التعامل مع الظواهر الأدبية والنصّية واللغويّة .

      وعندما ظهرت البنيوية اللغوية عند (سوسير) دفع (بارت) و ( تودروف) الى الكشف عن عناصر النظام في الادب [71]، امّا في نظرية علم اللغة فإن سوسير يرى موضوع علم اللغة الصحيح والوحيد هي اللغة ذاتها من اجل ذاتها ، وقد وجدت البنيوية في فرنسا بيئة صالحة للنمو والتكاثر ، واصبحت البنيوية الفرنسية هي الشكل المعبر عن الطموح البنيويَّ[72]؛ إذ برزت حاجة ماسّة منذ أواسط الخمسينات إلى تيار فكريّ جديد يستطيع تجاوز ما في الوجودية من إفراط ومغالاة في الحرية الفردية ، كما عجزت الوجودية عن التغلب على الخبرة السياسية والايدولوجية التي خلّفتها القطيعة مع الشيوعية السوفيتية وقد بدأت البنيوية كأنها تتيح لأتباعها قراراً فكرياً جديراً بالاحترام من مواجهة قصور الماركسية والوجودية على السواء، وهذا الامر يعبّر أيضاً عن أزمة وجود اليسار الفرنسيّ بعد انفصاله عن الشيوعية السوفيتية ؛ بسبب السياسة الدكتاتورية التي انتهجها (شتالني ) والتي شوهت الحركة الماركسية [73].

   أمّا ظهور البنيوية في أمريكا ، فقد تأَخر بعض الوقت بسبب استمرار شعبية وجودية (سارتير) وتشديدها على حرية الإنسان وأهمية الذات ، وهي افكار تتفق مع المنظومة الثقافية الامريكية بالدرجة الاولى ، ومن ثم كانت هذه الافكار ذات تأثير شديد على المثقف الامريكي [74] ؛ وربّما يعود ذلك الى اختلاف المزاجين الثقافيين الفرنسيّ والامريكيّ؛ إذ إن المسعى المصرفيّ الأمريكيّ ينطلق من تقاليد مختلفة ؛ فالأمريكيون يقلّلون من أهمية التأريخ وينظرون إلى المستقبل ، والفرنسيون إلى غيره ويحفظون الماضي[75].

   وثمّة من يرى أن الفضل الأكبر في ظهور البنيوية الفرنسية في نيويورك يعود الى (رومان يوكاسبون) الذي نزح بعد الاحتلال النازيّ لباريس إلى اسكندنافيا ، ثم الولايات المتحدة ، وكان علم اللغة الامريكيّ عبر بأفضل الاطوار، وهو الطور السلوكيّ ؛ فقدم يوكاسبون محاضراته الشهيرة ( الصوت والمعنى) لمثقفي الولايات المتحدة ، وشكّلت البنيوية جاذبية فكرية غذت العقل الاوربي[76].

    أما في الوطن العربيّ ؛ فقد وصلت أُطروحات البنيوية في أواخر التسعينات وبداية السبعينات ؛ ذلك ظهرت رغبة التحديث عند النقاد العرب ؛ وذلك بإعلان حالة التمرد والمقاطعة للمناهج السياقية المتداولة التي أصبحت في نظرهم عاجزة عن الإيفاء بــ( متطلبات دراسة النص )[77].

    وقد رغب بعض النقاد العرب بإصباغ النقد العربي الحديث بصبغة تقوم على طبيعة العلم الحديث الذي يتمتع بالموضوعية [78] ومنهم عبد السلام المسدي ؛ إذ وصف التمثيل البنيويّ بأنه قضيّة ، بقوله " التبس أمرها بيننا ، واصطبغت في مناخنا العربيّ بما لم تصبغ به غيرنا ، تلك هي قضية البنيوية "[79].

    وخلاصة لما تقدم فإن فكرة النظام والنسق الذي يتحكم بعناصر واجزاء ذلك النص مجتمعة، والذي يمكن أن يظهر من خلال شبكة العلاقات العميقة بين المستويات النحوية والاسلامية والإيقاعية ، فهي مستمدة من فكرة العلاقات اللغوية التي تعدّ أساساً من أسس نظرية (دي سويسر) ، التي اوضحها حين قال بأن اللغة ليست مفردات محددة المعاني ، ولكنها مجموعة علاقات ؛ بمعنى أن الكلمة لا يتحدد معناها الا بعلاقاتها بعدد من الكلمات؛ وأن العلاقة بين صوت الكلمة لا يتحدد معناها إلا بعلاقتها بعدد من الكلمات ؛ وأن العلاقة بين صوت الكلمة ومفهومهاـــ كما يرى سويسرـــ علاقة تعسّفية ؛ بمعنى أن لا علاقة لمفهوم الكلمة بصوتها ؛ بدليل اختلاف صوت هذا الشيء بين لغة واخرى ، فبناء اللغة أو نظامها لا يتمثل إلّا في العلاقات بين الكلمات، وهي تمثل نظاماً متزامناً ، حيث أن هذه العلاقات مترابطة [80].

     فالمنهج البنيويّ نموذج تصوير مستعار من علم اللغة؛ فاللغة الرحم الاول لنشأة المعيار البنيويّ، زمن ابرز ما استخدمته البنيوية هو إدخال عامل البنية في تقدير .

3-  نظرية الادب والتفكيكية : 

       تحدث هذه النظرية كنوع من التفلسف والجمع بين الفرضيات والذي أسس لها جاك دريدا في مجموعة من محاضراته في جامعة بيل الأمريكية . وارتبطت هذه النظرية بالفلسفات العديمة التي نسبت إلى الألمان نيتشه ، هيدجر والتي أسست لحركة الحداثة الغربية ، وتقوم الفلسفة العدمية على فكرة انحلال القيمة وسقوط المبادئ العليا وإن الإنسان يتدرج خارج المركز إلى مصير مجهول . وقد أفادت التفكيكية من هذه الأفكار لكن لم تتبناه بشكل كامل فهي لا تهدف إلى الهدم ولا إلى البناء وإنما هي تنتمي إلى التشويش والخلخلة والتفكيك دون محاولة إقامة بناء . فالهدف هو قراءة النص عن طريق توجيه ضربات له من الداخل وكشف ما فيه من تناقض يقول دريدا : ما يهمني في القراءة التي أحاول إقامتها ليست النقد من الخارج ، وإنما الاستقرار أو الوجود داخل البنية غير المتجانسة والعثور على توترات أو تناقضات داخلية تجعل النص يفكك نفسه بنفسه . وقد استفاد من هذه النظرية الأمريكي (بول دي مان) وقدم مفهوما جديدا القراءة النص في كتابة الشهير (العمى والبصيرة ) وفكرته أن أعظم لحظات العمى التي تمر بها النقاد أمام قراءة بعض النصوص هي اللحظات التي يحققون بها أعظم بصائرهم أو إنجازاتهم وبناء عليه فإن القارئ يستطيع أن يقول أكثر مما استطاع المؤلف فالقراءة موازية للنص فهي تفككه وتقدمه مرة أخرى .

هيلس ميلر :

       أما هيلس ميلر فيقول أن تفكيك النص يتم من خلال مواجهة النص بالسؤال الذي سيحل الخيط الجامع له أو البحث عما يسميه الحجر القلق ، الذي سيهدم البناء كله وهذا مرتبط كما يقول أن اللغة قادرة على أن تقول أكثر مما يقصد منها مستخدمها . وقد وجه نقد إلى التفكيكية بأنها لا أخلاقية لأنها تجعل القارئ يفعل بالنص ما يشاء فنادى ميلر بما أسماه (أخلاق القراءة ) وقال أن القراءة لا بد أن ترتبط بالنص بدرجة أساسية دون اعتبار للقارئ كذات لها وجودها الواعي المستقبل . أما هارولد بلوم فقد تطرف أكثر من ذلك وادعى براءته من التفكيكية قائلا أن الناقد عمله كالأديب أساسي وليس ثانوي وبإمكانه أن يستخدم الجيل البلاغية نفسها للنصوص الأدبية ، وبالتالي فإن النص الأدبي ساحة للأديب والناقد على حد سواء وقدومه نقد إلى التفكيكية في كل مراحلها بقولهم أنها نظرية تهتم بالنص نطاقه ولا تجعل بالقارئ أو العكس.

    ومن الذين حاولوا تطبيق هذه النظرية في الأدب العربي عبد الله الغذامي في كتابه الخطيئة والتفكير ، في دراسته لشعر حمزة شحاته .

 

6- وظيفة الأدب

مقدمة:

    التحدث عن وظيفة الأدب تحدث مهم يحتل مكانة عظيمة وأهمية سامية في نظرية الأدب، وأن الأدب الذي ليس له أية من الوظائف النبيلة والأهداف الهامة، يعد ضربا من ضروب اللهو، وعملا من أعمال الهزل، وعملا يخلو من التأثير بين القراء والباحثين والدارسين والأدباء والنقاد. وأن الأدب الذي يخلو من الوظائف، لا يستطيع أن يؤدي مسؤليته الأساسية كما كان حقها. وبدون دراسة وظائف الأدب المضنية ومطالعتها العميقة لا نستطيع أن نتحدث بمزيد من الإطمئنان عن قيمة العمل الأدبي ومعاييره القيمة، ولا نستطيع أن نحلل حق التحليل أية من النصوص الأدبية نثرا كان أو شعرا، ونقوم الأحكام التقويمية حق التقويم[81].

1- وظيفة الادب:

    تحدث الفلاسفة منذ القدم عن وظيفة الأدب ،فقد قام أفلاطون في جمهوريته الفاضلة بطرد الشعراء منها وقيل بعضهم ، ووضع لهم شروط للدخول إليها إليها :

-     أن لا تتعارض قصيدته مع ما هو شرعي وخير وحق .

-     أن تعرض القصائد على مجموعة من القضاة قبل أن يطلع عليها الجمهور .

إن الشعراء بالنسبة لأفلاطون هم مجموعة من المقلدين المزيفين الذين يبتعدون عن الحقيقة والمنطق والعقل ، ومنه فوظيفة الشعر تتسم بالزيف والبعد عن الحقيقة بثلاث درجات .

أما تلميذه أرسطو فيرى أن الشاعر لا ينقل ما هو كائن وإنما ما يمكن أن يكون، فالطبيعة في نظره ناقصة والفنان يعوض ما فيها من نقص .

ومنه فوظيفة الأدب عنده هي الإبداع والابتكار.

ويرى أن المأساة تؤدي إلى حدوث ما يسمى بـ"التطهير "لأنها تثير عاطفتي الشفقة والخوف، فينتج عنها رد فعل لدى المشاهد فيتجنب الخطأ.

    أما هوراس فيرى أن وظيفة الأدب تكمن في المتعة والفائدة، فى كلامه عن وظيفة الشعر إذ قال "إن غاية الشعراء إما الإفادة أو الامتاع، أو إثارة اللذة وشرح عبر الحياة فى أن واحد"، وإذا عدنا إلى النقاد العرب القدامى فنجدهم قد حددوا عدة وظائف للأدب منها: الدفاع عن القبيلة، هجاء الأعداء ...إلى جانب المتعة.

     وتاريخ وظيفة الأدب قديم قدم البشرية ذاتها، وأول من عنى بالتحدث عنها وهو أفلاطون الذي كان يريد أن ينفى أن للأدب علاقة بالمعرفة، وأن يقول إنه نشاط هازل، أو عمل لا يكتسب صفة الجدية على الأقل[82]. وتدل هذه الأفكار والتخيلات دلالة قاطعة على أن أفلاطون ركز الانتباه على التلازم الضروري بين طبيعة الأدب وظيفته في أي بحث منهجي يتعلق بالقيمة. وهذا الشئ يتبين بصورة واضحة في فيما وصلنا من كتاب " فن الشعر". وأن الناقد الكبير أرسطو قد لفت نظره فيه إلى طبيعة الشعر القصصي والملحمي والدرامي، وانتهى إلى أنه نشاط مختلف عن كل من الفسلفة والتاريخ[83].

    وأما العصور الوسطى، فكانت سادت عمت العالم كله الحضارة الإسلامية النيرة كما كان حق التعميم، وهي كانت حضارة رائدة مثالية تشير إلى أن العرب لم يكونوا يهتمون بالوظيفة التي عنى بها أفلاطون وأرسطو وغيرهما في يونان القديمة وروما القديمة، ولم يحاولوا أن يحددوا له وظيفة غير الوظيفة التي كان يؤديها الشعراء والأدباء آنذاك، ولم يفكروا أي تفكير عن ظيفة كانت تؤديها الأنواع الأدبية التقليدية التي كانت معروفة لديهم، بل إنهم يعتبرون الشعر "غاية بلا غاية"، ويرون في الشعر عطاء عبقريا وسراجا وهاجا يستنير به الناس في حياتهم. وأن الشعر العربي يحيط بالغزل والوصف والهجاء والمدح والرثاء والوقوف على الأطلال والتغني بالذكريات الماضية من الحرب وبطولات الآباء والأجداد ومآثرهم ومفاخرهم بالنسب والحسب، بالإضافة إلى التعبير عن آلام الأمة وأفراحها والأحوال الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية وغيرها من الأحداث والوقائع التي تحدث في المجتمع البشري[84].

    ومما يليق بالذكر أن العرب يشيد بالبراعة اللغوية كما كان حق الإشادة، يتمتعون بها تمتعا تاما، ويسابقون إليها إلى أقصى حد. كما أنهم لا يأخذون الكثير مما يقوله شعراؤها مأخذ الجد، ومن ثم يكتفون بالمتعة التي يثيرها الشعر فيهم، بالإضافة إلى المنفعة الثانوية التي يجدونها في الإعجاب بالمآثر، وفي التغني بالقيم التي يعتزون بها من مروءة وكرم ونجدة وشجاعة[85].

   ولما ظهرت الفلسفة الوضعية أو التجريبية في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، تأثر بها المشتغلون في الأدب، وكثر الحديث عن الوظيفة الاجتماعية التي تعد وظيفة رئيسية للأدب. وأن هذه الوظيفة الأدبية وظيفة قيمة تعبر عن الأحوال الاجتماعية من الآلام والسرور والمشكلات والأفراح ، وعما يجول في القلوب والنفوس  في الأيام الإنسانية، كما أنها وظيفة مهمة تدعو الناس المترحين تحت ويلات الشرك، من الظلمات إلى النور، والفواحش والمنكرات إلى الطريق القويم والصراط المستقيم[86].

    وبعد هذه الفلسفة الوضعية التي تشتهر بـ"الفلسفة الطبيعية" ظهرت المدرستان العظيمتان في سماء الأدب، ولعبتا دورا فعالا في تحديد الوظائف الأدبية إلى حد ما. وإحداهما تعرف بـ" المدرسة الواقعية الاشتراكية" متأثرة الفلسفة المادية الجدلية، والثاني يعرف بـــ" الفلسفة الوجودية". وهاتان المدرستان متفقتان إلى حد أقصى، مع المدرسة الطبيعية فيما يتعلق بالوظيفة الاجتماعية للأدب على الرغم من الاختلافات الكثيرة في المسألة الأخرى بينها[87].

   ومن الوظائف الهامة الأخرى التي ينهض بها الأدب والفن والمعرفة وأثرها في الأفراد والمجتمعات، وهي أن الأدب يقوم بتهذيب الأذواق وتنمية إنسانية الإنسان، ويوجه المجتمع كل توجيه إلى التخلص من  الخرافات والأدوية الشعبية التي عمت العيون وسادتها.

     وفي سنة 1967 نشر رولان بارت مقالته "موت المؤلف" La Mort De L'auteur ليقلب النظرية الأدبية المعاصرة رأسًا على عقب، وليضع بذلك أحد المصطلحات البارزة والمؤثرة في فلسفة الجمال والنقد الفني المعاصر. لقد قال بارت "إن النص من الآن فصاعدًا على كافة مستوياته وبجميع أدواته، منذ صناعته وحتى قراءته، يظهر بشكل يغيب فيه المؤلف غيابًا كاملاً"[88]، ويدعو بارت إلى أن نحذف من قاموسنا كلمة "مؤلف" لنحل محلها "الكاتب"Le Scripteur. والكاتب– وفقا لبارت- ليس في داخله "عواطف" ولا "أمزجة" ولا "مشاعر" ولا "انطباعات". لا يوجد لديه إلا ذلك القاموس الضخم الذي يستمد منه كتابة "نشاطًا لفظيًا" لا يمكن أن ينفد أبدًا "فالحياة لا تعرف شيئا سوى أن تحاكي الكتب وما الكتب ذاتها إلا مجرد أشياء مصنوعة من العلامات"[89] .

ولعل افتراضات فرويد بان العمل الفني ما هو إلا انعكاس لحياة الفنان وتجاربه النفسية، فإن هذا يلغي تعددية العمل الفني ويجهض إمكاناته التأويلية، وسيفقد العمل الفني قيمته وخلوده في الزمن، إذ تكفينا في هذه الحالة أن نعرف الدلالات السيكولوجية للعمل الفني وعلاقتها بحياة الفنان، فالأفكار التي قدمها بارت حين تأكيده على أن النص الأدبي، من حيث كينونته، متعدد المعاني، بمعني أنه يخضع لشتى التأويلات المتباينة. ويفسر بارت ذلك بأن المعنى الخاص للنص يكون فارغا "المعنى الثانوي للأدب غير ثابت، فارغ، بغض النظر عن أن النص يعمل كدال لهذا المعنى الفارغ"[90]؛ فالدوال متحررة من كل ما يقيدها، تمثل درجة كل الاحتمالات الممكنة.

 

 

7- نظرية الأدب والتلقي

مقدمة:

     هذه النظرية صدى لتطورات اجتماعية وفكرية وأدبية في ألمانيا الغربية خلال الستينات المتأخرة. وتهتم هذه النظرية بالقارئ وبما يثير القارئ في النص بغض النظر عن النص وشخصية المؤلف , بل تركز تركيزاً كلياً بكل ما يثير القارئ , والدور الذي يؤديه في إتمام النص،  كما كان للتطور الأدبي وتعاقب الأجيال من أجل إحلال المبتدعات المثيرة لدى المتلقي محل التقنيات القديمة دور في نظرية التلقي[91].

1- العوامل المؤثرة في ظهور نظرية التلقي :

    إن الحركات النقدية الجديدة التي يدور حولها الخلاف تعمد إلى تسخير نقاد قدامى مرموقين من أجل إضفاء الشرعية على محاولاتها[92]، أو أنها تلجأ إلى مناهج قبلها لتقاطعها، أو تجد مقاربة معها، فالشكلانيون عمدوا إلى تبيين فائدة اللسانيات في التحليل الأدبي، ووجد نقاد القرن الماضي في الشكلانيين، مواقف أسطورية في اجتراح النظرية النقدية الحديثة، كما أن الإشارة للشكلانيين تعاظمت خلال الستينات من قبل الفرنسيين ومحترفي جماليات التلقي الألمان، فالأولون أفادوا منهم في مجال تحليل البناء الروائي وتحولاته، فيما عمد الألمان إلى فكرة التطور الأدبي التي تحدرت من هذه المدرسة ليفيدوا منها في اهتماماتهم بتوقعات القارئ وتاريخ التلقي.

ولقد كان مدار النقد العلاقة بين الكاتب والعمل الأدبي، وهذه المسألة لم تعد هي المسألة الأساسية، وإنما الكتابة والقراءة (الكلام) وبالتالي علينا تحديد فضاء جديد، يمكن فيه فهم هاتين الظاهرتين، على أنهما متفاعلتان[93]، إن مع نصوص (بارت ودريدا) النقدية في أدبيتها العالية، يغدو السؤال؛ هل هذا النقد أدب أم لا.

إن تحلّل المركزية التي كانت بها صورة الإنسان قاد لذلك منذ ثورة كوبرنيكوس التي حطمت مركزية الأرض إلى نسبية إنشتاين التي هشمت المطلق إلى موت إله نيتشه، ثم تعرية الإنسان وإزالة ما يستتر به بين الوحشية التي جعلها دارون أصلاً له إلى اللاوعي عند فرويد الذي كان الضربة القاصمة لنصل إلى بارت وفوكو والفكر البنيوي في احتقاره للإنسان برفض النزعة الإنسانية وموتها من خلال إعلان انقراض الإنسان. كل ذلك يقول لم يعد هناك مركز ونحن نعيش في نسبية معممة.

     كان للشكلانين بما قاموا به توسيع مفهوم الشكل الذي يندرج فيه الجمال والجذب أن اسهموا بخلق طريقة جديدة للتغير ترتبط ارتباط وثيق بنظرية التلقي. وكان لاهتمامهم أيضاً بالأداة الفنية وما تحدثه من تغريب للتصورات في العمل الأدبي , وبما يشير هذا التغريب إلى علاقة القارئ بالنص فكان له دور فعّال في النظرية .

    ركزت ظواهرية رومان انجاردن على العلاقة القائمة بين النص والقارئ . وأكد على دور المتلقي في تحديد المعنى, كما أنه له دور في العمل الأدبي وذلك حين يعمل خياله في ملئ الفجوات و الفراغات في النص التي يكتمل العمل الأدبي[94]  .

     ومن منطلق مشابه يشير روبرت هولاب في كتابه نظرية التلقي، إلى أن كلاً من المعنى والبناء ينتجان من تفاعل القارئ مع النص، الذي يقارب العمل الفني بتوقعات دلالية مستمدة من المعارف التراكمية المشتركة والسياقات الثقافية والاجتماعية المتداخلة، أو ما يسمى "أفق التوقعات"، هذا الأفق بمثابة القواسم الدلالية المشتركة بين المؤلف والقارئ وهو الذي يحكم حركة المتناصات "إن التناص كالمؤلف تماماً لا يكتسب وجوده إلا مع وعي المتلقي به، لنتصور مثلاً ما يحدث على مستوى الأفق الاستبدالي داخل النص من مفردات وصور ليست موجودة داخله، ولكنها بدائل كان من الممكن للمؤلف أن يستخدمها وهي في غيابها حاضرة في تحديدها للوحدات التي استخدمت بالفعل في السياق، وإذا لم يكن القارئ معداً واعياً بهذه البدائل على مستوى الاستبدال فلن يكون للنص داخل العمل قيمة ومعنى"[95].

فإذا ما تم إنتاج النص بواسطة القارئ فإنه من الممكن حينئذ أن يعود المؤلف إلى النص ضيفاً عليه"[96]. وهذا المعنى نجده عند بارت في أعماله المتأخرة، يقول في مقالة له بعنوان من الأثر إلى النص "لا يعني هذا أن المؤلف لا يمكن أن يعاود الظهور مجددا في النص، في نصه، لكنه لو عاد سيكون في صورة مدعو"[97] .

2- مصطلحات نظرية التلقي :

أفق التوقعات:

هي مجموعة التوقعات الأدبية والثقافية التي يتسلح بها القارئ عن وعي أو غير وعي في تناوله للنص وقراءته والتلقي لا يتوقف عند زمن بل يُخلق في كل زمن , ولكل زمن قرّاه وهذا التلقي يختلف من زمن لآخر حسب الظروف السياسية المحيطة .., ويختلف من قارئ لآخر حسب تكوينه النظري من حيث الميول والرغبات والقدرات وحسب خبرة المتلقي الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي يحملها وكل هذا يشكل مخزوناً لدى القارئ يتم تلقي النص على أساسه , وتشكل لديه أفق توقع يعمل النص على إخراجه.

    ويخبرنا أفق التوقع كيف كان العمل يقيم ويؤول عند ظهوره, وكيف إن هذا التأويل لا يعطي معنى نهائي للعمل , ولكنه قابل لأن يُبدّل معناه ويغيّر, أو يزداد توضيحه مع تتابع الأزمنة , ومع هذا فإننا لا نستطيع فهم العمل إلا بانصهار الأفاق بعضها مع  بعض من الماضي إلى الحاضر

   وهذا يعني بأننا لا نستطيع فصل النص الذي نقرؤه عن تاريخ تلقيه والأفق الأدبي الذي ظهر فيه , وانتمى إليه أول مرة, فالنص وسيط بين أفقنا والأفق الذي مثله أو يمثله , وعن طريق مزج الأفاق بعضها مع بعض تنمو لدى متلقي النص الجديد قدرة على توقع بعض الدلالات والمعاني , ولكن هذا التوقع ليس بالضرورة نفس التوقع المخزون لدى المتلقي فقد يحدث له شيء من الدهشة والمخالفة لما قد توقعه أوقد يكون النص مطابقاً لما توقعه , فيحدث لأفقه تغيير أو تصحيح أو تعديل , أو يقتصر على إعادة إنتاجه [98]

وعلى هذا فأن أفق التوقع يتشكل من ثلاثة عوامل رئيسية هي:

  1. التجربة المسبقة التي اكتسبها الجمهور عن الجنس الذي ينتمي إليه النص.
  2. شكل الأعمال السابقة وموضوعاته التي يفترض معرفتها.
  3. التعارض بين اللغة الشعرية واللغة العملية أي التعارض بين العالم التخيلي والواقع اليومي[99].                                                                                                                        

وتتم عملية بناء المعنى وإنتاجه داخل مفهوم أفق التوقعات ،حيث يتفاعل تاريخ الأدب

    والخبرة الجمالية بفعل الفهم عند المتلقي . والمعنى ليس موضوعاً ماديا ً يمكن تعريفه وحده والإحساس به فهو يقع في منتصف المسافة بين الوجود العاري من معايشة المادة وإحساسها وبين التفكير وملكته حيث يصبح الموضوع فكرة محددة ،فلا حقائق في النص وإنما هناك أنماط وهياكل تثير القارئ حتى يصنع حقائق . ومن سمات هذه الهياكل أنها أشكال فارغة يصب فيها القارئ مخزونه المعرفي[100].

ومن هنا فإن بناء المعنى يستند إلى ثلاثة أبعاد:

  1. يتضمن النص في احتمالاته والذي يسمح بتأمل إنتاج المعنى .

2. استقصاء إجراءات النص في القراءة ،ليكشف عن الصور الذهنية المكونة عند محاولة بناء هدف جمالي متماسك وثابت[101].

3. البناء المخصوص للأدب وفق شروط تحقق وظيفة التواصلية ،وتحكم تفاعل القارئ به وإن هذه العلاقة التفاعلية ناتجة عن كون النص ينطوي على مرجعيات خاصة به ويسهم المتلقي في بناء هذه المرجعية عبر تمثله للمعنى وإن الفجوة وهي عدم التوافق بين النص والقارئ هي التي تحقق الاتصال في عملية القراءة[102] .

ويضاف إلى أفق التوقعات فكرة :

أ- نقطة الرؤية المتحركة :

    فالنص لا يمثل سوى افتتاحية للمعنى ،فالنص لايمكن انفتاحه كموضوع إلا في المرحلة النهائية للقراءة ،عندما نجد أنفسنا غارقين فيه ،والقارئ باعتباره نقطة من المنظور يتحرك خلال الموضوعات ،فهو يمثل نقطة رؤية متحركة داخل ما يجب عليه تأوله وهذا ما يحدد فهم الموضوعات الجمالية في النصوص[103] .

 

ب- الفجوات :

    يوجد في النص مجموعة من الفجوات أو الفراغات التي يتركها المؤلف للقارئ من أجل ملأها ،فكل جملة تمثل مقدمة للجملة التالية وتسلسل الجمل يحاصر بمجموعة من الفجوات غير المتوقعة، والتي يقوم القارئ بملئها مستعيناً بمخيلته[104]. فيساهم القارئ في إتمام معنى العمل الأدبي، وهذا الملء يتم ذاتياً حسب ما هو معطي في النص، وهذا الوعي للقارئ متكون من الأنماط الجزئية وترابطها ببعض، فيساهم في إخراج النص في صيغة مكتملة، وذلك لأن النص ناقص بما به من فجوات، وهذه الفجوات تنتظر مساعدة القارئ من أجل ملأها، أما ,إذا كانت قدرة القارئ غير متوفرة من أجل ملئ هذه الفجوات فإن النص ينتظر قارئ قادر على تأويله أي إنه يتوقع قارئه ذلك لأن هذه الفجوات هي التي تحقق عملية الاتصال بين النص والقارئ[105].

ج- المسافة الجمالية: هي الفرق بين كتابة المؤلف وأفق توقع القارئ ،بمعنى أنها المسافة الفاصلة بين التوقع الموجود لدى القارئ والعمل الجديد[106]، ويمكن الحصول عليها من استقراء ردود أفعال القراء،أي من الأحكام النقدية التي يطلقونها عليه، والآثار الأدبية الجيدة هي تلك التي تمني انتظار الجمهور بالخيبة، إذ الآثار الأخرى التي ترضي آفاق انتظارها وتلبي رغبات قرائها المعاصرين هي أثار عادية جداً لأنها نماذج تعود عليها القراء[107]

وعلى هذا يمكن تمييز ثلاثة أفعال لدى القارئ :

1. الاستجابة :ويترتب عليها الرضى والارتياح لأن العمل الأدبي يستجيب لأفق توقع القارئ وينسجم مع معاييره الجمالية.

  1. التغييب :ويترتب عنه الاصطدام لأن العمل الأدبي قد خيب أفق توقع القارئ فيخرج من المألوف إلى الجديد.
  2. التغيير :أي تغيير الأفق المتوقع[108].

د- المتعة الجمالية:  وتعتمد على :

  • فعل الإبداع :أي المتعة الناجمة عن استخدام المرء لقدرته الإبداعية الخاصة.
  • الحس الجمالي :وتشير إلى اعتماد الإبداع على التلقي .
  • التطهير:وهي الخبرة الجمالية الاتصالية التي تنتج لذة العواطف المثارة بواسطة البلاغة أو الشعر ،وهما القادران على تعديل اقتناعات المتلقي وحركته[109].

ه- القارئ الضمني :

       أصحاب هذه النظرية لا يشرحون النص وإنما يشرحون الآثار التي يخلقها النص في القارئ ،والمتلقي طرف ملازم للنص يتبادل معه علاقة التأثير والتأثر,فالتفاعل قائم بين النص والمتلقي ،والمتلقي هو الذي تقوم عليه نظرية الوقع الجمالي التي لايمكن أن تتحقق خارج فعل القراءة أي خارج التلقي[110].

   وأية نظرية تختص بالنصوص الأدبية فإنها لا تتخلى عن القارئ .فهو نظام مرجعي للنص.وهذا القارئ عند أصحاب هذه النظرية هو القارئ الضمني وهذا القارئ ليس له وجود حقيقي ولكنه يجسد التوجيهات الداخلية للنص ،فالقارئ الضمني ليس معروفاً في اختبار ما،بل هو مسجل في النص بذاته ,ولا يصبح للنص حقيقة إلا إذا قرأ في شروط وقام القارئ باستخلاص ما في النص من معاني وصور ذهنية فكأنه يعيد بناء المعنى من جديد[111].

       وإذا كان الأثر الأدبي متضمن في بناءه لغة رمزية ومعاني متعددة، إلا أنه لا يمكن الوصول إليها والبحث عنها من دون بناء مستقل يفيد من العلوم المجاورة على الأقل التي تؤكد نجاح مناهجها على صعيد الدقة والتحقق، ولا يمكن لذلك أن يكون في مجال الأدب وعلم الأدب إلا في البحث عن لغة علمية لدراسة الآثار الأدبية.

     ويسعى النقد الأدبي في لقائه بالعلم "يؤسس مجموعة من القضايا والأسس النظرية التي يستخلص منها الباحث أو الناقد أحكاما عامة تقرر وجود علاقة علمية بين بناء الأثر وعناصره الداخلية، أو بين بناء الأثر والبنيات الاجتماعية، أو بين بناء الأثر والعقد النفسية معتمداً في ذلك على المشاهدات والفروض والإجراءات التجريبية انطلاقاً من التزامه بالمعايير العقلية في تحليل الأثر، على الرغم من أن المفاهيم الميتافيزيقية ما زالت مستغرقة في أصول النقد الأدبي، فهي مبعث القضايا النظرية الأولية التي توجه الدراسة الأدبية وتنظم جانبها التجريبي”[112].

 

                          8- نظريات الإبداع الأدبي

                            أ- نظرية المحاكاة

مقدمة:

  إن الفكر اليوناني ابتداء من سقراط وأفلاطون وأرسطو استطاع أن يرشدنا إلى قضايا فلسفية عريقة وعميقة، وخاصة تلك التي كانت تطرح في مختلف المحاورات، ولعل موضوع المحاكاة من بين تلك المناظرات التي حظيت بنقاشات جدية، ومنه فإن نظرية المحاكاة تعد من أقدم وأهم النظريات التي كان لها دور فعال في تطوير حركة النقد الأدبي.

1- نظرية أفلاطون: 

       توسع أفلاطون في موضوع المحاكاة، وظل يفسّر حقائق الوجود ومظاهره، وعنده أن الحقيقة، وهي موضوع العلم ، ليست في الظاهرات الخاصة العابرة، ولكن في المثل أو الصور الخالصة لكل لأنواع الوجود ، وهذه المثل لها وجود مستقل عن المحسوسات، وهو الوجود الحقيقي، ولكنا لا ندرك إلا أشكالها الحسية التي في الواقع ليست سوى خيالات لعالم المثل، وعالم الصور الخالصة هو عالم الحق والخير والجمال التي هي مقاييس لما يجرى في منطقة الحس، وجميع ما في عالم الحس محاكاة لتلك الصور.

      واللغة بدورها محاكاة لما ندركه من الأشياء التي هي بدورها محاكاة ، فالكلمات محاكاة للأشياء بطريقة تخالف محاكاة الموسيقى والرسم لها ، والحروف التي تتألف منها الكلمات هي أيضاً وسائل محاكاة ، وفي هذا تدل المحاكاة عند أفلاطون على العلاقة الثابتة بين شيء موجود ونموذجه والتشابه بينهما يمكن أن يكون حسناً أو شيئاً أو ظاهراً[113] .

     ويجعل أرسطو أهمية كبرى للمحاكاة فهي قوام الشعر، وغريزة في الإنسان تظهر فيه منذ الطفولة ، وهي التي تميزه عن سائر الحيوانات لكونه أكثر استعداداً لها . وبها يستطيع الإنسان أن يكتسب معارفه الأولية ويجد اللذة والشاهد على هذا ما يجري في الواقع [114] . ومن خلال التصنيفات التي حدثت مع أرسطو في تقسيمه الشعر المسرحي إلى نوعين : تراجيديا وكوميديا، فحاول أن يطبق تقسيم الشعر إلى تراجيديا وكوميديا على الشعر العربي ، فيعتمد على ما لاحظه أرسطو من أن الشعراء الأخيار مالوا إلى محاكاة الفضائل، والشعراء الأراذل مالوا إلى محاكاة الرذائل ، وما فهمه من تلخيص ابن سينا من أن التراجيديا محاكاة ، ينحى الى منحى الجد ، والكوميديا محاكاة ، ينحى إلى منحى الهزل والاستخفاف ، فيجعل ذلك أساساً لتقسيم الشعر العربي الغنائي إلى طريق الجد ، وطريق الهزل[115] .

      وذهب أفلاطون بعيدا في تاطيره لنظرية المحاكاة، فهو يرى  أن لكلِّ شيء محسوس حقيقةً معقولة، والمعقولات هي الأصل في المحسوسات، وإذا كانت المحسوسات تُدرك بالبصر، فالمعقولات ـ أيضاً ـ لها وجود مستقل ويمكن إبصارها بتوجيه النفس نحو إدراكها، وهذا ما يقصده أفلاطون في تعريفه للفلسفة أنها: " رؤية الحق أو البصر بالمثال"[116] .

    ويمضي أفلاطون في التشبيه إلى نهايته، فالعين ترى المحسوسات التي هي موضوعات للبصر، أما المُثل التي ندركها فهي موضوعات للعقل، وكما يحتاج البصر للضوء كي ينير المحسوسات للمرء، فكذلك الحقائق تحتاج لضوءٍ ينيرها كي يبصرها العقل، وهذا الضوء هو مثال الخير، وكما أن الشمس هي علة النمو في الكائنات وليست هي النمو، كذلك الخير هو علة المعرفة وليس هو المعرفة، ومن أجل ذلك فلن يبلغ الفيلسوف أي معرفة صحيحة عن الحق والجمال بغير أن يكون قد بلغ مثال الخير؛ لأنه علة وجودهما[117] .

   وعلى ما سبق فأفلاطون يفسر بالمحاكاة كل حقائق الوجود ومظاهره، وأن الحقيقة في المثل أو الصور الخالصة لكل أنواع الوجود، وهذه المثل لها وجود مستقل عن المحسوسات وهو الوجود الحقيقي، فنحن لا ندرك سوى أشكالها الحسية التي هي في الواقع خيالا ت لعالم المُثل، ويصور لنا ذلك بأسطورة الكهف المشهورة بقصة رمزية، قصة جماعة من الناس عاشت مُكَبَّلَة بالأغلال في كهف تحت الأرض، وتمنعهم أغلالهم من النظر خلفهم لأن وجوههم تقابل جداراً تنعكس عليه صور التماثيل والأشخاص الذين يمرون خارج الكهف، وتنعكس أشباح هذه الأشياء بسبب النار الموجودة خارج الكهف على الجدار الذي تسمرت عيون الجماعة عليه.

      فهم لا يعرفون ولا يسمعون إلا أشباح الأشياء المتحركة على الجدار والأصوات التي يعتقدون أنها تبعث منهم، ثم تصور أن هذه الجماعة ولدت وعاشت على هذه الحالة، وهي تعتقد جازمة بأن كل ما تراه أمامها هو الحقيقة التي لا يداخلها شك، والفيلسوف وحده هو الذي يقدر على تخليصهم من الأوهام التي اعتادوها زمناً طويلاً، وهو الذي يجرؤ على كسر أغلالهم وإخراجهم من الكهف المظلم إلى عالم النور والشمس، فالكهف رمز للعالم المحسوس وإدراك الأشباح هو المعرفة الحسية، والخلاص من الأسر يتم بالجدل، والشمس خارج الكهف هي مثال الخير، والفيلسوف هو الذي يرتقي بنفسه وبأقرانه من العالم الزائف إلى العالم الحقيقي[118] .

2- أفلاطون ونظرية المعرفة:

    وبناء على نظريته في المثل يبني أفلاطون نظريته في المعرفة إذ وباعتبار أن الوجود الحقيقي هو وجود المثل وأن الوجود المحسوس هو وجود مزيف، تكون المعرفة الحقيقية هي المعرفة التي تدرك المعقولات، وبالتالي فإن الأداة المعرفية الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى العلم(أي المعرفة اليقينية والموضوعية الثابتة) هي العقل، أما الحواس فلا تصل بنا إلا إلى الوهم والزيف إذ لا تتعلق إلا بالمحسوسات المتغيرة والزائلة والتجربة بدورها لا تمكننا إلا من مجرد الظن، أي المعرفة التي لا ترقى إلى المعرفة الحقيقية، وحده إذن العقل هو الذي يرقى إلى هذه المعرفة ووحده الفيلسوف يستطيع التوصل إلى هذه المعرفة[119] .

      وقسم أفلاطون المعرفة إلى مراتب: فأدناها الخيال الحسي الذي تبتدئ فيه خيالات الأشياء وظلالها ومظاهرها، كمظهر الحصان أو السرير، وأرقى من المرتبة السابقة مرتبة الإدراك النوعي للموجودات، كماهية الحصان أو المنضدة، وأسمى منها مرتبة الكلية ومعرفة الصور الثابتة الخالدة[120] . ومما سبق يتبين لنا أن أفلاطون يرى أن هناك عالمين اثنين:

 العالم الأول: عالم الحس المشاهد، دائم التغيىر، عسير الإدراك، ليس جديرًا بـأن يسـمَّى موجودًا، ولا يسمَّى إدراكه علمًا، بل هو شبيه بالعلم؛ لأنه ظل وخيال للموجود الحقيقي .

العالم الثاني: عالم المجردات، فيه أصول العالم الحسي وهو مثاله الذي صـيغت عليـه موجوداته كلها؛ ففي عالم المثل يوجد لكل شيء مثال هو في الحقيقة الموجود الكامل لأنه مثال للنوع لا للجزء المتغير الناقص؛ ففي عالم المثل إنسانية الإنسان وحيوانية الحيوان، وخيرية الخير، وشكلية الشكل ... وهكذا.

 

 

 

 

9- نظرية التعبير[121]

مقدمة:

    شهد المجتمع الأوربي في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي،تغيرات جذرية في شتى المجالات: الاجتماعية ، السياسية ، الاقتصادية و الثقافية،و ذلك إثر ظهور نظام البورجوازية الذي حل محل النظام الإقطاعي،فتولدت قيم جديدة كان لها أثر كبير في تاريخ الأدب و النقد،إذ ظهرت فلسفات جديدة و أدب جديد،و ثار الأدباء على الأدب الكلاسيكي و قواعده.و أفل نجم نظرية المحاكاة و ظهر نجم نظرية التعبير التي دعت إلى حرية التعبير،و تحرير الأدب من القيود و القواعد.و قد تبلورت هذه النظرية مع توهج الشعر الرومانسي الأوربي،و نادت بالدفاع عن ذات الفرد و اعتبرت الانفعال المحرك الأساسي للعمل الأدبي[122].

1- تمظهرات نظرية التعبير:

   تقوم نظرية التعبير على الفلسفة المثالية الذاتية التي قدمت الشعور و الوجدان و العاطفة على العقل و الخبرة و التجربة.

    رفع على الصعيد الاقتصادي شعار " دعه يعمل " دعه يمر " و على الصعيد الأدبي " دعه يعبر عن ذاته " [123] فكان الفرد و الفردية و الحرية و الديمقراطية أساس المجتمع البرجوازي الجديد.فالفرد في هذه الفلسفة الجديدة عالم قائم بذاته و جوهره الحرية و الشعور و الوجدان و العاطفة. و يصطلح على هذه الفلسفة بالفلسفة المثالية الذاتية،حيث رفضت الآلية و قالت بالديناميكية،و قدمت الشعور و الوجدان و العاطفة على العقل و الخبرة و التجربة.

2- أعلام نظرية التعبير:

1-الفيلسوف الألماني إمانويل كانت E.Kant( 1724-1800)

يعد من أوائل المفكرين المنظرين للفكر البورجوازي،و الواضعين للأسس الفلسفية لنظرية التعبير.و قد اعتبر الشعور طريق المعرفة الحقيقية،كما فرق بين المعرفة الحسية و المعرفة العقلية.

2-الفيلسوف الألماني هيجل Hegel(1770-1831)

يرى أن مصدر الفن هو الخبرة الخاصة، وماهية الفن مظهر حسي للحقيقة،و مهمة الفن أرفع صور التعبير البشري عن هذه الحقيقة.كما فسر الفن من زاوية الفنان،حيث يرى أن الفنان يدرك الحقيقة و هي مصورة محسوسة، فالعنصر الحسي يحرك طاقة الخيال لدى الفنان، وبِعَمَلِ الخيال يدرك الفنان الحقيقة.

3- الفيلسوف الانكليزي وليام ووردزورت(1770-1850)

كتب في مقدمة ديوانه " غنائيات " :" إن كل شعر جيد هو فيض تلقائي لمشاعر قوية "

ويقول عن الشاعر : " وما الشاعر ؟ إنه إنسان كسائر الناس، ولكن الله حباه بنعمة الحماس الفاتر والحس المرهف والحنان العذب، إنه يفوق الناس علما بطبيعة الإنسان ويدرك من جوهر الحياة ما لا يدركه غيره.إنه إنسان فرح بما عنده من إرادة ،طرب لما له من عواطف،مغتبط بما يحس من روح الحياة" [124]

     إن "ووردزورث اعتبر هدف الشعر هو خدمة الإنسان عقليا وجسديا، ومنح السعادة لروحه، بتوجيه الانفعالات النفسية والتعبير عنها فنيا، مع درجة عالية من الإثارة والمتعة"[125] فالشعر عنده تعبير عن تدفق العواطف والانفعالات، ولغته هي لغة أهل الريف، الذين لم تفسدهم الحضارة، وموضوعاته مستمدة من حياتهم العامة، لأن الأحداث التي تحدث بالأماكن العامة لها طابع سحري و على الشاعر أن يلونها بخياله.

 4- الفيلسوف و الشاعر الناقد صموئيل تيلور كوليردج ( 1772-1834)

    كان شاعرا و فيلسوفا و ناقدا،و هو صاحب نظرية الخيال التي يذهب فيها إلى أن الخيال خلق جديد،فهو خلق صورة لم توجد ، و ما كان لها أن توجد بفضل الحواس وحدها أو العقل وحده،إنما هو صورة تأتي ساعة تستحيل الحواس و الوجدان و العقل كلا واحدا في الفنان بل كلا واحدا في الطبيعة.

و الخيال عنده نوعان:

- الخيال الأولي:هو خيال يتم عبه كل الناس،و يُمَكِنهم من إدراك الأشياء،و هو طريق الوصول إلى المعرفة و الحقيقة.

- الخيال الثانوي:هو الخيال الشعري الذي يتمتع به الشعراء فقط، فهو يكشف عن العلاقة الخفية بين ذات الشاعر و كيفية تصوره للأشياء الموجودة في الطبيعة.و هذا الخيال يجمع الأجزاء المادية للصورة الموجودة في الطبيعة ثم يصهرها ليخلق صورة جديدة تحل محل الموجودات في الطبيعة.فمثلا عبارة " أصابع الفجر تمتد " هي صورة شعرية لكن عناصرها الأساسية متنافرة في الواقع، لأنه لا توجد علاقة بين الأصابع و الفجر،لكنها بالشعر تصبح متآلفة،لأن الخيال حطم ذلك التنافر و خلق صورة جديدة.

   كما يرجع كولوريدج الشعر إلى نوع من الانفعال شبيه بذلك الانفعال الذي ينعش العناصر العقلية،و يمثل زلزالا تندفع معه كل الأجزاء إلى الأمام.كما يرى أن ما يميز الشعر هو حالة الانفعال التي تنشأ لدى الشاعر أثناء عملية الخلق،فالشاعر له قدرة على الانفعال أعمق من غيره،و هي التي تمكنه من التعاطف مع الأشياء و الأحداث التي ينطوي عليها موضوع شعره.و بهذا التعاطف تتحد ذات الشاعر مع الموضوع في الفعل التخيلي الذي تتكشف فيه الحقيقة حدسا إزاء الشاعر،فيستشعر اللذة التي تنشأ عن نشاط ملكاته كلها.

- الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون ( 1809-1941)

يرى أنه لا يمكن للفن أن يقوم دون انفعال،و الانفعال عنده نوعان: أحدهما مجرد اهتزاز للإحساس كرجة تقوم على السطح من غير انتقال ثم تتبدد. و الثاني انفعال ينتج عن درجة من المعرفة،تتحد فيها الذات بالموضوع لتصل إلى حالة الإبداع.و هذه الحالة كزلزال يعصف في الأعماق مندفع نحو الأمام[126].

- الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1837-1917)

يرى أن كلمة " تعبير " (expression)  تعني في جذرها اللغوي " العصر " أو " الضغط " و قد اشتقت من الجذر اللغوي " press " و هذا يفسر لنا عملية الخلق الفني ، فهناك مادة خام قد تشبه العنب، و هناك شيء خارجي قد يشبه معصرة النبيذ ،و خلال تحول المادة الخام إلى عصير " pressure " لا بد من وجود تفاعل بين المادة الخام و الشيء الخارجي،و تتحول المادة الخام خلال هذا التفاعل فتصبح شيئا جديدا هو العصير.

4- مبادئ نظرية التعبير:

وتقوم نظرية التعبير على المبادئ التالية:

1- تقوم نظرية التعبير على الفلسفة المثالية الذاتية.

2- الأديب: عالم قائم بذاته،مبدع و معبر و مبتكر،دون قوانين أو قيود.

3- الأدب: إبداع فردي ،مرتبط بالعواطف و المشاعر و الخيال ،و هو صورة عما يدور داخل الإنسان.

4- المتلقي : منفعل لا دور له في صياغة الصورة،الأدب يؤجج عواطفه و يحرك مشاعره الكامنة.

 

 

10- نظرية الخلق[127]

مقدمة:

     ظهرت نظرية الخلق أواخر القرن 19 بفرنسا وأإنجلترا، وكانت نتاجا لفلسفة (الفن للفن) التي نادى بها "أندرو سيسيل برادلي، فكانت تمثل ثورة وتجاوزا وبديلا لنظريات الإبداع السائدة التي تبجل الطرح البرجوازي؛ إذ طغت نظريات المحاكاة والإنعكاس والتعبير، وظلت تمارس صورها الطبقية في التفكير الإبداعي، وتوجهه إلى مجاهل الكلاسيكية المقيتة، فسقت في فخ الأزمة الفكرية والروحية، وخاصة في عهد الانحطاط السياسي والاقتصادي والأدبي والفكري، فأصبحت نظرية الخلق فراراً من النفعية بقدر فرارها من العالم الخارجي ومحاكاته، وبقدر تحاشيها المعاني المحددة والمقاصد المتبلورة سلفاً. وقد نقول إن في ذلك نوعاً من تَتْفيه القيمة الجمالية لأنها لا تخدم قضايا إنسانية واجتماعية[128]. فكانت نظرية الخلق كرد فعل على تحول الفن إلى سلعة، فهي في أصولها حركة احتجاج ونقد عنيف لوضع الفن والأدب المتردي[129].

   لذلك نادت بالفن الخالص أو الفن الحقيقي الذي يرفض الارتباط بحليف ملوث فاسد أو أي قيمة مقصودة،أو يوظف في خدمة أهداف نفعية، و أن تكون غايته في حد ذاته،و مقياسه هو مدى قدرته على إثارة الحاسة الجمالية للمتلقي[130].  

1- أعلام نظرية الخلق ومقولاتها الكبرى:                       

تستند إلى الفلسفة المثالية الذاتية بل المفرطة في الذاتية، و من أعلام هذه النظرية:

    إيمانويل كانت E.Kant ( 1724-1800) الذي يرفض الفن إذا ارتبط  بأي منفعة أو فائدة أو غاية. فهو يقول: " أن لكل شيء غاية إلا الجمال فأمامه تحس بمتعة تكفينا السؤال عن الغاية و لو وجد عالم ليس فيه سوى الجمال لكان غاية في حد ذاته "[131]، فالعمل الإبداعي مرهون بالصورة الجمالية التي تحقق غايته الكبرى.

    وقد اهتم "كانت" بخصائص العمل الفني في ذاته وفي داخله فهو يرى أن كل عمل ذو وحدة جوهرية فنية فيها نفسها تنحصر الغاية منه ،فالعمل الأدبي والفني له بنية ذاتية وهي ما تجعل منه عملا أدبيا وفنيا. ويفصل كانت بين الغاية والوسيلة فالجمال هو الشكل بعد تجريده من أي مضمون أو غاية ،فمثلا نظرة الرسام تختلف عن نظرة التاجر إلى التفاحة ،فالأول يرى جمالها غاية في حد ذاته،و يكفيه الاستمتاع بمنظرها و ما تثيره من أحساس بالجمال،بينما التاجر يراها  وسيلة للمنفعة و الكسب،و كذلك الأدب[132].

 *هيغل Hegel (1770-1831) يرى أن مضمون الفن يتمثل في فكرة الجمال المستقلة مهما يكن مظهره الاجتماعي أو العملي.

*تيوفيل جوتييه" يرى بان الفن ليس وسيلة بل غاية في حد ذاته لذا فهو مستقل تماما كما يقول: " لا وجود لشيء جميل إلا إذا كان لا فائدة منه وكل ما هو نافع قبيح[133]."

* بودلير(1821-1867) أول من قال بفكرة الفن للفن و الذي يرى بأن موضوع الشعر هو الشعر نفسه ،و أن الشاعر العظيم هو الذي يكتب لمجرد المتعة فقط [134].

3- مرتكزات نظرية الخلق: تقوم نظرية الخلق على أسس ومحاور تربط بين الصفة الإبداعية ومدى تحققها، وتظهر فيمايلي:

     أ- علاقة الشعر بالحياة:  يرى برادلي أن الحياة تملك الحقيقة ولا ترضي الخيال أما الشعر فانه يرضي الخيال ولا يمتلك الحقيقة الكاملة لذاك فالشعر ليس هو الحياة بل هما ظاهرتان متوازيتان لا تلتقيان، وإذا حدث تقاطع بينها فسد الأدب،لأنه سيصبح موجهاً لغاية أخرى من غايات الحياة، ويختل الجانب الجمالي فيه، غير انه يعود فيؤكد أن بين الشعر والحياة اتصال خفي ويضيف بأن التجربة الشعرية غاية في ذاتها وقيمتها هي قيمتها الذاتية. والحكم على الشعر يفرض دخول التجربة وتتبع قوانينها وأن ننسى ما يربطنا بعالم الواقع، والفن لا يجب أن يوضع مقابلا للمنفعة الإنسانية لأن العمل الفني الناضج بحد ذاته منفعة.

    ب- علاقة الشعر بالموضوع: فلا قيمة للموضوع، أو المحتوى، المهم هو كيف استطاع هذا الشاعر أن يحول هذا الموضوع الذي اختاره من موضوع خارجي إلى عمل فني، فالموضوع لا يمنح العمل الأدبي أية قيمة ،فالفرق بين الشعراء حين يكتبون في موضوع واحد دليل على أن الخلق الفني يعود بالدرجة الأولى إلى  طبيعة الأديب وقدراته الفنية ومدى سيطرته على تجربته وتمكنه من عناصر فنه.

    وليس بالضرورة أن يكون اختيار التغني بالوطن والبطولات القومية موضوعا لقصيدة ما ابلغ من اختيار موضوع أخر كالتغني بالأزهار مثلا.[135]

    ج- علاقة الشعر بالعواطف و الانفعالات : العمل الفني ليس نتيجة للشعور والمشاعر والعواطف وإنما قيمة العمل الأدبي تكمن في قوة الابتكار والخلق الأدبي التي تتمثل في جعل اللغة قادرة على الإيحاء وامتلاك قوة التأثير.

       فهناك قصائد تكتب في موضوع واحد وتجربة واحدة ومناسبة واحدة وتصدر عن عاطفة واحدة لكنها تتفاوت في جودتها فواحدة جيدة وأخرى رديئة... والسبب يرجع إلى  قدرة الشاعر على الخلق الفني فالعواطف والتجربة والموضوع والمناسبة لا تؤثر في القيمة الفنية للعمل وهذا يعني أن الأدب ليس تعبيرا عن الانفعال كما تزعم نظرية التعبير فلو كان كذلك لكانت التجربة الانفعالية باطن الفن وجوهره. [136]

     د- علاقة اللغة بالخلق الفني:  العمل الأدبي كائن خلقه  الشاعر من ذاته واللغة مادة الأدب أما معنى الخلق الفني فهو سيطرة الأديب على اللغة مما يضيفه عليها من ذاته وروحه، واللغة وسيلة الأديب للخلق الأدبي فاللغة هي موسيقاه وألوانه وفكره والمادة الخام والذي يحدد قيمة العمل الأدبي هو العلاقة التي تنشأ بين اللغة والتجربة الشعورية والفروق الدقيقة التي نشأت من هذه العلاقة.[137]

 1- العمل الأدبي خلق حر : يرى كروتشيه بان الفن حدس خالص أو صور خالصة متجردة من الفلسفة أو التاريخ أو العلم بل ومن الأخلاق واللذة وهي مستقلة عن أي غاية عملية أو نفعية فالفن خلق حر ،حيث يقول: ‹ أن الفكر وسيلة للحياة لكن الحياة تصبح في لحظة ما وسيلة وأداة للفكر نفسه.فما من شاعر يخلق أثره حرا من شروط الزمان والمكان ولكن متى تم خلق القصيدة فقد أضيف إلى الوجود عنصر لم يكن موجودا من قبل ›.يقول كروتشيه: ‹‹ أن الفن هو التكافؤ الكامل بين العاطفة التي يحسها الفنان وبين الصورة التي يعبر بها عن هاته العاطفة  ونحن لا نستطيع أن نطلب من الفنان الخلاق إلا شيئا واحدا هو التكافؤ التام بين ما ينتج وما يشعر به‹‹   [138].

2-  المعادل الموضوعي/ الفن الموضوعي: ليس الشعر تعبيرا عن المشاعر والعواطف والانفعالات بل هروب منها وليس تعبيرا عن الذات أو الشخصية بل فرار منها.إن الشعر خلق. بهذه المقولات يقدم اليوت مفاهيم جديدة لما يسميه "الفن الموضوعي" ومن ثم "النقد الموضوعي" و يوضح عملية الإبداع الفني فيقول "ليس على الشاعر أن يبحث عن انفعالات جديدة وإنما عليه أن يستعمل الانفعالات الموجودة بالفعل ليخرج منها إحساسات ليست في الانفعال العادي بالمرة.

    ويحاول توماس اليوت (1888-1965) أن يبرهن صحة مقولاته حين يرى أن الشاعر ينفعل بتجربة ما ويتعاطف معها غير انه عليه ألا يعبر عن انفعاله بل عليه أن يتخلص من هذا الانفعال بإيجاد معادل موضوعي له يساويه ويوازيه، ويعين الشاعر في ذلك عقله وتعين الشاعر في تجسيد انفعاله فيما يعادل لغته. أي أن على الأديب ان يحول عواطفه وأفكاره وتجاربه إلى شيء جديد أو مركب جديد أي إلى خلق جديد ويتم خلق المعادل الموضوعي للانفعال بانفصال الأديب عن ذاته فكأن للأديب شخصيتين واحدة تنفعل وأخرى تخلق والأديب لا يبلغ درجة النضج في الخلق الفني إلا إذا ازداد انفصاله عن ذاته المنفعلة [139].
   كيف يستطيع الاديب ان يبعد انفعالاته وينفصل عن ذاته ليخلق المعادل الموضوعي لتلك الانفعالات؟

    يجيب اليوت بان كل ذلك يتم عن طريق عقل الفنان الذي يقوم بدور الوسيط في المعادلات الكيميائية أي أن العواطف والأفكار والتجارب تتحول بواسطة العقل إلى مركب جديد يختلف تماما عن الأصل بينما يظل العقل هو هو. وحتى يتحقق ذلك أيضا يجب على الشاعر أن ينأى بشخصيته عن عقله أي أن يفصلها ويبعدها عنه حتى يستطيع هذا العقل الخالص أن يتفهم مواد هذا الموقف الفني من عاطفة وإحساس وتجربة وأفكار وان يتمكن من تحويلها إلى خلق جديد يختلف عنها في القصيدة. وبهذا ينجو العمل الأدبي من الذاتية وتتحقق له الموضوعية ولكن ما مهمة الناقد إزاء هذا الأدب الجديد أو الفن الموضوعي ؟

   يحاول اليوت أن يضع أسسا جديدا لما يسميه أيضا بالنقد الموضوعي فيرى أن الشعر خلق جديد له قوانينه الخاصة وحقائقه ومقياس نقده ينبغي أن لا يكون من خارجه بل لابد ان يلتزم هذا المقياس تلك القوانين والحقائق وهي لديه قوانين وحقائق لغوية وجمالية خالصة. هذا هو أساس النقد الموضوعي الذي قال به اليوت.

والناقد الموضوعي تبعا لذلك يمتلك أداتين:  التحليل والمقارنة

أي تحليل القصيدة من جهة التشكيل اللغوي ببيان الاتساق والهيئات والتراكيب والعلاقات ومن جهة التشكيل الفني بتحليل الدلالات والرموز

   والمقارنة تتم ببيان اثر التقاليد الشعرية الموروثة في هذا العمل المنقود وتأثير هذه العملية في تلك التقاليد فاثر الموروث أمر بديهي كذلك فان العمل الشعري المعاصر-إذا كان ناجحا- يضاف إلى تقاليد ذلك الموروث[140].

تستند إلى الفلسفة المثالية المفرطة في الذاتية فالأديب خالق لكن لا دور له بعد اكتمال النص. وكذا الأدب حدس أي معرفة مباشرة،و هو تكنيك لا علاقة له بالخارج.

المتلقي هو الذي يتوجه نحو الأدب،لأن الأدب تجسيد للجمال و التناغم الذي يفتقده المتلقي في عالمه المعيش.

 

11- نظرية الانعكاس[141]

مقدمة:

      في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، ظهر أدب جديد أصطلح عليه بالأدب الطبيعي الواقعي، له اتجاه  يخالف اتجاهات الأدب الكلاسيكي والأدب الرومانسي. و بظهور هذا الأدب ظهرت نظرية جديدة تسمى نظرية الانعكاس،اهتمت بدراسة العلاقة بين الأدب و المجتمع من خلال رصد التأثيرات المتبادلة بينهما.

1- نظرية الإنعكاس ومقولاتها الكبرى:

    يرى أصحاب هذه النظرية أن نشأة الأدب انعكاس للواقع الاجتماعي،فكما نتجت الكلاسيكية عن العصر الإقطاعي، والرومانسية عن البرجوازية، فإن نظرية الانعكاس ارتبطت بالواقعية الاشتراكية. ويؤكد أصحاب هذه النظرية ضرورة ارتباط الأدب بالواقع الذي أنتج فيه، وأن وظيفة الأدب تهدف إلى شحذ قوة ادراك المتلقي و فهم العالم و ادراك الواقع الاجتماعي، ومشاركة الأديب في تجربته بشكل يؤدي إلى تغيير البنية التحتية أو تعديلها

   وقد سبق ظهور هذه النظرية عدة محاولات حاول أصحابها الربط بين الأدب و البيئة و الحياة الاجتماعية منها:

1- محاولة الفيلسوف الفرنسي هيبوليت تين H.Taine (1829-1893) فيرى أن الأعمال الأدبية وثائق و آثار و سجلات تاريخية تتأثر بالعوامل التالية:

أ- الجنس:أو ما يسمى بالعرق أو النوع،فأدب كل أمة يختلف عن أدب أمة أخرى، و يرجع ذلك إلى تباين الظروف المعيشية و الوطن،حيث يكتسب الجنس خصائصه المميزة من البيئة و العادات و التقاليد المتوارثة،فضلا عن الدوافع و الرغبات الدفينة و الملامح الجسدية.

ب- البيئة: و يقصد بها المناخ و النظم الاجتماعية، فهذه الأوضاع تتحكم بالأدب و الحياة العقلية و المزاج الإنساني[142].

ج- العصر: و هو الزمن ، فالأفكار و المفاهيم المسيطرة على روح العصر تؤثر في العمل الأدبي.

   لم ترق هذه المحاولة إلى نظرية في نظر سانت بيف،لأنها لم تتحدث عن أثر العلاقات الاجتماعية و المجتمع في الإنتاج الأدبي.

2- محاولة الأديب الروسي ليو تولستوي (1828-1910)

ركز دراسته على العلاقة بين الأدب و القراء،و ذهب إلى أن وظيفة الفن هي أن ينقل إحساس الفنان إلى المتلقي،فمهمة الفن مهمة توصيلية،و هو إيصال انفعال الفنان إلى المتلقي و بالتحديد إلى كل الناس البسطاء،و إن لم يستطع أن يفعل ذلك فلا يعد فناً،و ينفي أن يكون للفن علاقة بالواقع الاجتماعي[143].

    تستند نظرية الانعكاس إلى الفلسفة الواقعية المادية،التي ترى بأن الوجود الاجتماعي أسبق في الظهور من وجود الوعي، و أن أشكال الوجود الاجتماعي هي التي تحدد أشكال الوعي.

    و قد بلور كارل ماركس فكرة الفلسفة الواقعية في العلاقة بين البنية التحتية ( علاقة الإنتاج و قوى الإنتاج) و البنية الفوقية ( الثقافة و الفلسفة و القوانين و الفكر و الفن ). حيث أوضح أن هذه العلاقة متبادلة و متفاعلة مما يجعلها علاقة جدلية قائمة على التأثير و التأثر، بمعنى أن أي تغير في البناء الاقتصادي و الاجتماعي يؤدي إلى تغير في شكل الوعي أو مجمل البناء الفوقي،الذي يعود فيؤثر في البناء التحتي من خلال تثبيته أو تعديله أو تغييره.فالواقع المادي في تفاعل مستمر مع الأفكار و التغيرات التي تحدث في المجتمع نتيجة التحولات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.

    كما يؤكد كارل ماركس على أن الأدب و الفن هما سلاح الطبقية، ففي المجتمع المقسم إلى طبقات، يعكس الأدب الفن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة معنويات طبقة معينة و أرائها السياسية و ذوقها الجمالي.

    ويرى جورج لوكاش G.Luckacs  أن للفن و الأدب بعدا طبقيا اجتماعيا،فهناك ثقافة سائدة هي ثقافة الطبقة المسيطرة و ثقافة أخرى هي ثقافة الطبقات المقهورة، وهنا يصبح الانعكاس أنواعا، انعكاس طبيعي (مزيف) وانعكاس واقعي (صادق)، وهذا يعني أن الانعكاس ليس بسيطا وإنما هو عملية متداخلة مركبة.مما يؤكد أن الأعمال الأدبية لها صلة بالواقع، لكن ليست كلها واقعية.

    قد اعتبر رونيه ويليك نظرية الانعكاس أنها تعني "دراسة مبادئ الأدب وتصنيفاته ومستوياته، والثانية اعتبرها مدخل استاتيكي، للدراسة الأدبية، أما التاريخ الأدبي فيرى ويليك أنه يدرس الأدب في حركته"[144]، فيرى أن الأدب نظام اجتماعي، وإذا كان الأدب يمثل الحياة، فإن الحياة ذاتها حقيقة اجتماعية، والكاتب المسرحي حينما يصور لنا كائنا إنسانيا كاملا فهو لا يعيد تصوير الإنسان فقط بل يعيد تصوير المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الإنسان،و هذا المجتمع ليس إلا ذرة من الكون ، ومن ثمة فالفن الذي خلق هذا الإنسان يعكس لنا الكون كله.

    وفسر بول فاليري Paul Valery العلاقة بين الفنان والآخرين، حيث يرى بأن الفنان أثناء عملية الخلق الفني يضع نصب عينيه الذين سيتوجه إليهم بعمله ومدى تأثيره فيهم.

2- مبادئ نظرية الانعكاس:

وتقوم نظرية الانعكاس أساسا على المبادئ التالية:

1- تقوم نظرية الانعكاس  على الفلسفة الواقعية المادية.

2- الأديب: مبتكر/فنان / مؤلف، لا يبدأ من الصفر،و هو مبدع نسبيا.

3- الأدب:عمل /إنتاج/ صورة للمجتمع و علاقاته،متطور و متغير،له علاقة مع الزمان و المكان،و أبعاده فردية و اجتماعية.

4- المتلقي : جمهور غير متجانس،فاعل و منفعل 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                   

12- نظرية الأجناس الأدبية

مقدمة:

      إن البحث عن الأجناس الأدبية أمر صعب لقلة المصادر والمراجع واختلافات النقاد والأدباء والباحثين والدارسين، كما أنه بحث قيم يحتل مكانة مرموقة ومنزلة رفيعة في سماء نظرية الأدب. وإذا تصفحنا أوراق الكتب الأدبية بإمعان النظر، فنستطيع أن نقول بشئ من الإطمئنان أن تاريخ الأجناس الأدبية قديم يرجع إلى ما يرجع إليه تاريخ التنظير الأدبي. وأول من اهتم بها وهو أفلاطون وتلميذه البارع أرسطو قبل الميلاد[145].

 1- تعريف الجنس الأدبي:

      يعد الجنس الأدبي مبدأ تنظيميا ومعيارا تصنيفيا للنصوص ومؤسسة تنظيرية ثابتة تسهر على ضبط النص وتحديد مقوماته ومرتكزاته وتقعيد بنياته الدلالية والفنية والوظيفية من خلال مبدإ الثبات والتغير. ويساهم الجنس الأدبي في الحفاظ على النوع الأدبي ورصد تغيراته الجمالية الناتجة عن الانزياح والخرق النوعي. و يعتبر الجنس الأدبي كذلك من أهم مواضيع نظرية الأدب، وأبرز القضايا التي انشغلت بها الشعرية الغربية والعربية؛ لما للجنس الأدبي من أهمية معيارية وصفية وتفسيرية  في تحليل النصوص وتصنيفها ونمذجتها وتحقيبها وتقويمها ودراستها من خلال سماتها النمطية ومكوناتها النوعية وخصائصها التجنيسية، كما أن معرفة قواعد الجنس  تساعدنا على إدراك التطور الجمالي والفني والنصي وتطور التاريخ الأدبي باختلاف تطور الأذواق وجماليات التقبل والتلقي، فضلا عن تطور العوامل الذاتية المرتبطة بشخصية المبدع من ناحية الجنس والوراثة، والعوامل الموضوعية التي تحيل على بيئة الأديب وتمظهراتها الطبيعية والجغرافية والاجتماعية والتاريخية والدينية. جميل حميداني

2- نشأة نظرية الاجناس الأدبية:

    التصق مسمى الأدب بالشعر، ولا يطلق إطلاقا إلا على ما يسمى بــــــ" الشعر " (poetry)، ويعد أرسطو أول من ساق الكلام عن الأجناس بشئ من الإيجاز الدقيق والاختصار، وأشار إلى ثلاثة أجناس رئيسية في كتابه الشهير في نظرية الأدب " فن الشعر"، فيما يلي :

1.    الملهاة: فهي محاكاة الأراذل من الناس، وتمثل الجانب الهزلي الذي هوقسم من القبيح.

2.    المأساة : فهي محاكاة فعل نبيل تام، لها طول معلوم بلغة مزودة بألوان من التزيين تختلف وفقا لاختلاف الأجزاء، وتتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف، فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات.

3.    الملحمة: هي مأخوذة من المأساة التي تطورت عن شعر الأناشيد والمدائح، وتشترك الملحمة والمأساة في أن كلتيهما محاكاة للأخيار في كلام موزون[146].

    وقد بث بعض النقاد والباحثون الشكوك والشبهات حول الأجناس الأدبية وحقائقها، وأنكروها في سماء الأدب إنكارا تاما بأية من النواحي المتنوعة. وفي مقدمتهم الناقد الكبير كروتشه الذي يقول " إن هذه التقسيمات التي ما فتئ النقاد يلجئون إليها إنما هي تقسيمات مدرسية لشئ لا يمكن تقسيمه"[147]. ولكن أكثر النقاد ذهبوا إلى الأجناس الأدبية، وردوا عليه ردا تماما، وهاجموا عليه مهاجمة أدبية بأسلوب أدبي وأسلوب خلاب[148]. وتلألأ اسم الناقد الكبير جورجياس في سماء الأدب، وأدخل " النثر تحت جناح السنن البلاغي باعتباره خطابا معرفيا وموضوعيا جماليا"[149]، وضم إليه أحسن التعبيرات والاستعارات النادرة والكنايات والسجع وتناظر الجمل وتقوية الطباقات، وحاول محاولة مضنية لتطويره وترويجه مع الشعر، وانضم معه فئة كبيرة من الدارسين والنقاد الفائقين، وألفوا فيه كتبا كثيرة حتى غلب النثر على الشعر كما كان غلوبه، وصار عال عليه للتأثير على القراء أكثر منه، وهذا يتضح فيما قال أفلاطون على لسان سقراط " كائنا أثيريا مقدسا ذا جناحين[150].

     وأما العصر الحديث، فإذا ألقينا نظرة عامة على الكتب الأدبية المعاصر، نجد أن النقاد والدارسون والباحثون  اتفقوا على الأجناس الأدبية بلا اختلاف، وقسموها إلى قسمين رئيسين فيما يلي

1- النثر: هو كلام مُرسل لا يتقيّد بالوزن، وأن النثر ينقسم إلى التاريخ والخطابة و الرواية والمسرحية والنثر التعليمي والرسائل، وكل نوع منها يحيط بفروع كثيرة ذات أهمية بالغة، وكل فرع منها فن مستقل في سماء الأدب.

2- الشعر: وهو الكلام الموزون المقفّى الذي يصوّر العواطف والمشاعر والانفعالات تصويرا أدبيا . وله أربعة أنواع مهمة فيما يلي بغاية من الإيجاز:

      أ-  الشعر الغنائيّ : وهو القصائد الشعريّة التي تطرق غرضاً من الأغراض ، مثل : المدح والهجاء والرثاء والفخر والغزل والحكمة.

     ب-  الشعر القصصيّ أو الملحميّ : هو الذي يروي سيراً و بطولات تاريخية ، وهذا النوع قليل في الشعر العربي وكثير في الشعر الأجنبي .

 ج-  الشعر التمثيليّ أو المسرحيّ : هو الذي يُكتَب لـيُقال على المسرح على لسان شخصيات ناطقة ، وهو أيضاً قليل في الشعر العربي وكثير في الشعر الأجنبيّ .

د-  الشعر التعليمي : هو الذي ينظم فيه الشاعر علماً من العلوم ، ليسهل حفظه. وهذا قسم لم يذكره إلا بعض الأدباء والشعرا.

 

 

 

 

 

 

خاتمة  

    اشتملت هذه المحاضرات - على بساطتها – العديد من القضايا والآراء التي تظهر النظرية الأدبية خلال تشكلها والمراحل التي مرت بها، إلى جانب ما أثبت من آراء الدارسين حول نظرية الأدب، ومظاهرها واتجاهاتها، وقد توخينا في كل ذلك البساطة والإيجاز، من أجل رسم صورة واضحة لنظرية الأدب في أذهان طلبتنا.

    إن نظرية الأدب بسماتها الأساسية والثابتة لا يمكن أن تتجلى بوضوح للباحث ولا يمكن أن يفهمها بعمق إلا إذا أحاط بأبعادها المترامية المختلفة في مضان العلوم المختلفة. فالباحث يجد نفسه مضطرا للتعامل مع هذا الموضوع من خلال رؤية تكاملية تأخذ بعين الاعتبار كلا من الفلسفة ومن علم النفس وعلم الاجتماع والنظريات اللسانية ونظريات الإبداع المشكلة للصور الأدبية في عمقيها الجمالي والتعبيري .

   وفي الأخير فهذه المطبوعة لا تعدو أن تكون وريقات يستعين بها الطالب في معرفة نظرية الأدب، وهي لا تغنيه عن الرجوع للمصادر والمراجع التي ألفت فيها، وحسبنا أن حاولنا أن نقدم للطالب ما يستهدي به في رحلته نحو التحصيل والبحث، والله من وراء القصد..

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع

- ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر ، مطبعة القاهرة .

- أحمد محمد ويس، دراسات مختارة في نظرية الأدب .

- النحوي، التربية في الإسلام النظرية والتطبيق، دار النحوي، الرياض، 1420ه.

- جابر عصفور،نظريات معاصرة ،مكتبة الأسرة،القاهرة، 1998

- جميل نصيف التكريتي، موسوعة نظرية الأدب (أربعة أجزاء)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986.

- جودت إبراهيم: نظرية الأدب، والمتغيرات، مطبعة (تنوير)، حمص، سوريا، 1996.

- حسين خمري، فضاء المتخيل - دراسة أدبية منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية،دمشق، ط1،2001

- حمادي صمود: في نظرية الأدب عند العرب، النادي الثقافي، جدّة، السعودية،

- حميد لحميداني ،: أسلوبية الرواية - مدخل نظري ، منشورات دراسات سميائية أدبية لسانية ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1989،

- حنّا عبود: النظرية الأدبية الحديثة، والنقد الأسطوري، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999.

- سامي سويدان، في دلالية القص وشعرية السرد ، دار الآداب ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1991.

- سامي سويدان أبحاث في النص الروائي العربي ، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت – لبنان، ط1،1986.

- سعد أبوالرضا، النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة، رؤية إسلامية، (ب.ط)، 1425هـ.

- شكري عزيز ماضي ، في نظرية الأدب،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، 2005.

- شوقي ضيف تاريخ الأدب العربي-العصر الجاهلي- دار المعارف، القاهرة.

  - صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه، منشورات جامعة السابع من إبريل، ط1، 1426هـ.

- صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1417هـ.

- ضياء خضير،  صورة المنهج الحديث من خلال بعض النماذج الاكاديمية .

- عادل فريحات، مرايا الرواية -  دراسات تطبيقية في الفن الروائي "دراسة"، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000.

- عبد العال حسن إبراهيم، نحو نظرية إسلامية معاصرة، مجلة التربية المعاصرة،ع27،1413ه

- عبد الغني باره: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقديّ المعاصر.

- عبد الملك مرتاض ، في نظرية الرواية - بحث في تقنيات السرد، عالم المعرفة ( 240) – الكويت، 1998،

- عبد المنعم تليمة: مقدمة في نظرية الأدب، ط3، دار العودة، بيروت، 1983.

- علال سنفونة، المتخيل والسلطة .في علاقة الرواية الجزائرية بالسلطة السياسية، منشورات الاختلاف،ط1،2000

- غسان عبد الخالق: مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، بيروت، 2007.

- فاطمة الزهراء أزوويل، مفاهيم نقد الرواية بالمغرب - مصادرها العربية والأجنبية ، نشر فتك،الدار البيضاء، 1989

- كمال الرياحي، حركات السرد الروائي و مناخاته - في استراتيجيات التشكيل، دار مجدولاي للنشر والتوزيع–الأردن، ط1، 2005

- محمد عزام،وعي العالم الروائي - دراسات في الرواية المغربية، منشورات اتحاد الكتاب العرب– دمشق، 1999

- ميجان الرويل وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الرباط.

- يمنى العيد ، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي ، دار الفارابي، بيروت – لبنان، ط1 ، 1990

 

الكتب المترجمة

- إيمانويل فريس، وموراليس: آفاق جديدة في نظرية الأدب، ترجمة: لطيف زيتوني، سلسلة عالم المعرفة (رقم 300)، الكويت، 2004.

- جيريمي هوثورن ، مدخل لدراسة الرواية، ترجمة : غازي درويش عضبة ، سلسلة المائة كتاب، دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد ، الدار التونسية ، 1986.

- رينية ويليك، وأوستن وارين: نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، المؤسسة العربية، بيروت، 1987.

- ك. م. نيوتن: نظرية الأدب في القرن العشرين، ترجمة: عيسى العاكوب، 1996.

- سلدن رامان، النظرية الأدبية المعاصرة،ت جابر عصفور(القاهرة،دار قباء،ط1 ، 1998) . - لوسيان غولدمان، مقدمات نحو سوسيولوجية الرواية ترجمة:بدر الدين عرودكي،دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية– سوريا، ط1، 1993.

المجلات والدوريات والمواقع الالكترونية:

- مجلة الحرس الوطني، تصدر عن رئاسة الحرس الوطني السعودي، السنة 16، العدد 155، صفر 1419هـ.

 - مجلة (الفكر العربي): ملف (نظرية الأدب والنقد الأدبي)، ج2، العدد 26، بيروت، 1982.

- مجلة (فصول): ملف (النظرية الأدبية الآن)، العدد 65، القاهرة، 2004-2005.

- مجلة حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية, الكويت،2000.

- محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

- موقع شبكة مادة الفلسفة، موضوع: أفلاطون:

- نوابغ الفكر الغربي: أفلاطون، لأحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف، الطبعة الرابعة.

http://www.philo.edunet.tn/beja/Dic2/Pages/p3.htm.

  - السردي والتمثيل السردي في الرواية العربية - بحث في تقنيات السرد ووظائفه - موقع سعيد بنكراد : http://www.nizwa.com/browse36.html

  - الرواية المغربية وقضايا التشخيص السردي ، موقع سعيد بنكراد:

http://www.saidbengrad.com/ar/arti11.htm

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

-         مقدمة.............................................................................1

-        نظرية الأدب الماهية والمفهوم  ....................................................3

-        نظرية الادب والعلوم الأخرى......................................................10

-         نظرية الأدب وعلم النفس.........................................................12

-         نظرية الأدب وعلم الاجتماع......................................................20

-         نظرية الأدب واللسانيات البنيوية..................................................28

-         وظيفة الأدب: ...................................................................35

-         نظرية الأدب والتلقي.............................................................40

-         نظريات الإبداع الأدبي، نظرية المحاكاة...........................................49

-         نظرية التعبير....................................................................54

-         نظرية الخلق.....................................................................59

-         نظرية الانعكاس..................................................................66

-        نظرية الأجناس الأدبية...........................................................71

-         خاتمــة..........................................................................75

قائمة المصادر والمراجع.................................................................76

الفهرس.................................................................................81



[1]- النحوي، التربية في الإسلام النظرية والتطبيق، دار النحوي، الرياض، 1420، ص17.

[2]- عبد العال حسن إبراهيم، نحو نظرية إسلامية معاصرة، مجلة التربية المعاصرة،ع27،1413ه، ص17.

[3]- عبد الله عبد الرحمان صالح ، النظرية العامة للتربية رؤية اسلامية،بحوث المؤتمر النبوي ،ج2،1411ه،ص495.

[4]- عبد الله عبد الرحمان صالح ، النظرية العامة للتربية رؤية اسلامية ، ص17.[4]

[5] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

[6] - ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر ، مطبعة القاهرة ، ج 1، ص 3.

[7] - شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي-العصر الجاهلي- ص 8.

[8] - المرجع نفسه، ص8-9.

[9] - شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي-العصر الجاهلي ، ص 10.

[10] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

 

[11] - أحمد محمد ويس، دراسات مختارة في نظرية الأدب ، نقلا من "مدخل إلى النظرية الأدبية، ترجمة: مصطفى بيومي عبد السلام. ص 189.

[12] - عز الدين إسماعيل، مناهج النقد بين المعيارية والوصفية، مجلة فصول، عدد 68 سنة 2006.

[13]- سمير سعد حجازي، النقد الأدبي، ص 15.

[14] - المصدر السابق ص15.

[15] - جان إيف تادييه، النقد في القرن العشرين، ترجمة : د. قاسم المقداد، منشورات وزارة الثقافة- دمشق 1993 ص192.

[16]-  انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1417هـ: 64.

[17]- انظر: ميجان الروبي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي- المغرب ط3  2002، 333.

[18]- انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 64- 65.

[19]- حذف أجزاء من مواد اللاوعي، وخلط عدة عناصر من عناصره في وحدة متكاملة. دليل الناقد الأدبي: 334.

 [20]- إبدال موضوع الرغبة اللاوعية الممنوعة بأخرى مقبولة اجتماعياً وعرفيا. المرجع السابق: 334.

[21]- تمثيل أو عرض المكبوت (غالباً ما يكون موضوعاً جنسياً) من خلال مواضيع غير جنسية تشبه المكبوت وتوحي به. المرجع السابق: 334.

 [22]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 65.

 [23]- انظر: ميجان الروبي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي: 333.

[24]- انظر: المرجع السابق: 334.

[25]- انظر: المرجع السابق: 334، وانظر: مناهج النقد المعاصر: 67.

[26]- انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 66.

[27]- انظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 79.

 [28]- انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 68.

[29]- انظر:صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 73، وانظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 84.

 [30]- انظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 85.

 [31]- انظر: المرجع السابق: 85.

 [32]- انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 74.

[33]- انظر: المرجع السابق: 74.

[34]- انظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 86.

[35]- انظر: مجلة الحرس الوطني، تصدر عن رئاسة الحرس الوطني السعودي، السنة 16، العدد 155، صفر 1419هـ، مقال: المنهج النفسي في النقد، دراسة تطبيقية على شعر أبو الوفا، لعبد الجواد المحمص: 80.

 [36]- انظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 86.

 [37]- انظر: المرجع السابق: 87.

[38]- انظر: المرجع السابق: 87.

[39]- انظر: سعد أبوالرضا، النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة، رؤية إسلامية، ، (ب.ط)، 1425هـ: 80_81.

[40]  ميجان الروبي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي- المغرب ط3  2002 ص333.

[41]  ينظر: جان إيف تادييه، النقد الأدبي في القرن العشرين ص210-211.

[42] - العلموية؛ مذهب يقرر الاكتفاء بالعلم من حيث قدرته على الذهاب إلى المسائل القصوى الدائرة على المعرفة البشرية.

[43]  ينظر: جان إيف تادييه، النقد الأدبي في القرن العشرين ص211.

[44]  - روبير اسكاربيت، سوسيولوجيا الأدب، ترجمة: آمال أنطوان عرموني، دار منشورات عويدات- بيروت- باريس ط2 1987 ص29.

[45]  - المصدر السابق ص31-32.

 [46]- انظر: انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه، صالح هويدي، منشورات جامعة السابع من إبريل، ط1، 1426هـ: 95، وانظر: مناهج النقد المعاصر: 44-45.

 [47]- انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 94.

 [48]- انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 94.

 [49]- انظر: انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 95.

 [50]- انظر: انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 94، وانظر: مناهج النقد المعاصر: 45، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 62، 65.

[51]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 46-47.

 [52]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 47.

 [53]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 48، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 66.

 [54]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 48-49.

[55]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 49.

[56]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 50-51، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 67.

[57]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 51-52، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 68.

 [58]- انظر: مناهج النقد المعاصر:52.

 [59]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 53- 54، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 68.

 [60]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 54.

 [61]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 54.

[62] - المصدر السابق ص32.

([63])  أناتولي تشارسكي،  موضوعات عن قضايا النقد الماركسي، مجلة دراسات عربية، العدد 7/1971.

([64])  المصدر السابق نفسه.

([65])  ينظر: المصدر السابق ص8-9.

[66]  - فإنسان جوف، الأدب عند رولان بارت، ترجمة: عبد الرحمن بو علي، دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، اللاذقية ـ سوريا ط1 2004 ص171.

[67] - ينظر: فإنسان جوف، الأدب عند رولان بارت ص24.

[68]  - ينظر: المصدر السابق ص26.

[69]  - ينظر: المصدر السابق ص43.

[70] - هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، ترجمة: د. فاطمة الجيوشي، وزارة الثقافة- دمشق  1995 ص336.

[71]- ينظر : في نظرية الادب ، شكري ماضي، دار الحداثة ، بيروت ،ط1، 1986م : 190.

[72]- ينظر : البنيوية بين فرنسة وروسية (ش.م) ، غريمونريغون :10

[73]- ينظر : إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقديّ المعاصر ، عبد الغني باره:97.

[74]- ينظر : المرايا المحدّبة:162.

[75]- ينظر : عصر البنيوية :259.

[76]- ينظر: عصر البنيوية :35.

[77]- ينظر: صورة المنهج الحديث من خلال بعض النماذج الاكاديمية ، ضياء خضير :246.

[78]- ينظر: النقد الادبي الحديث ، محمد غنيمي هلال : 10.

[79]- قضية البنيوية :3

[80]- ينظر : البنيوية ، جان بياجيه: 64.

[81] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

 

[82] - المرجع نفسه، ص151.

[83] - المرجع نفسه، 152.

[84] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

 

[85] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

[86] - المرجع نفسه

[87] - المرجع السابق، ص154.

[88]Barth. R   - Image, Music, Text, p. 42.

[89] - بارث  رولان، الكتابة في الدرجة الصفر، ص116.

[90] - Critical Essays, Ibid, p.  65.

[91] - انظر: هولب,روبرت ,نظرية التلقي , 112_128 . و فضل ,صلاح: مناهج النقد المعاصر.(القاهرة, دار الأفاق العربية,1997)  143_144

[92] - ينظر: بول هير نادي، ما هو النقد ص220.

[93]  - ينظر: مجموعة من الكتاب، مدخل إلى مناهج النقد الأدبي ص259.

[94] - انظر : فضل ,صلاح: مناهج النقد المعاصر.(القاهرة, دار الأفاق العربية,1997، ص 143_144

[95] - هولب، روبرت: نظرية التلقي: مقدمة نقدية، ترجمة عز الدين إسماعيل، جدة: النادي الأدبي الثقافي بجدة، 1994، ص77.

[96] - الغذامي، عبد الله: ثقافة الأسئلة، الكويت: دار سعاد الصباح، 1993، ص 205.

[97] - درس السيميولوجيا، ص 64.

[98] - العمري,محمد: في نظرية الأدب مقالات ودراسات( الرياض ,مؤسسة اليمامة ,1997) 201

[99] - صالح، بشرى: نظرية التلقي أصول وتطبيقات(الدار البيضاء،المركز الثقافي العربي، ط1، 2001، ص46.

[100]- البازعي ،سعد :دليل الناقد الأدبي ،131.

[101] - قطوس ،بسام :دليل النظرية النقدية ،168.  وخضر ،ناظم:الأصول المعرفية لنظرية التلقي (عمّان ،دار الشروق،ط1، 1998)، ص152.

[102] - هولب ،روبرت :نظرية الاستقبال ،ت:رعد عبد الجليل(اللاذقية ،دار الحوار ،ط1، 1992)، ص103. 

[103] - فضل ، صلاح : مناهج النقد المعاصر،150.

[104] - أبو أحمد ، حامد: الخطاب والقارئ،131

[105] -حسن أحمد: من قضايا التلقي والتأويل،كلية الآداب والعلوم الإنسانية ،جامعة محمد الخامس الرباط، 1995، ص108.

[106] - صالح ، بشرى : نظرية التلقي ،46.

[107] - الواد حسين : في مناهج الدراسات الأدبية (الدار البيضاء، منشورات الجامعة،ط2، 1985)77.

[108] - بو حسن، أحمد: من قضايا التلقي والتأويل ,104.

[109] - أبو أحمد،حامد: الخطاب والقارئ،102.

[110] - بو حسن ،أحمد: من قضايا التلقي والتأويل،105.

[111] - سلدن ،رامان :النظرية الأدبية المعاصرة ،ت: سعيد الغانمي (عمّان،دار الشروق ,ط1, 1997)63 1.

[112] - سمير سعد حجازي، النقد الأدبي ص12.

 [113] - حبيب الله علي إبراهيم علي : نظرية المحاكاة عند حازم القرطاجني : كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء نموذجا . مجلة الدراسات اللغوية والأدبية . ١٧٧ العدد الثاني . ديسمبر 2012 . ص158 .

 [114] - المرجع نفسه حبيب الله علي إبراهيم علي : نظرية المحاكاة عند حازم القرطاجني . ص160 .

 [115] - المرجع نفسه ص164 .

[116]- انظر: نوابغ الفكر الغربي: أفلاطون، لأحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف، الطبعة الرابعة، ص ص: 74-75.

[117]- المرجع نفسه، ص 76.

([118]) انظر: نوابغ الفكر الأوربي: أفلاطون: 84 ـ 85

([119]) انظر: موقع شبكة مادة الفلسفة، موضوع: أفلاطون:

http://www.philo.edunet.tn/beja/Dic2/Pages/p3.htm.

[120] - انظر: النقد الأدبي الحديث: 31.

[121] - اعتمدت في إعداد هذه المحاضرة ، على محاضرات في نظرية الأدب ، للدكتور زلافي براهيم، جامعة المسيلة، مخطوط.

[122] -شكري عزيز ماضي ، في نظرية الأدب،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، 2005،ص 43.

[123] -المرجع نفسه،ص44.

[124] - -شكري عزيز ماضي ، في نظرية الأدب،ص ص 46-47.

[125] - المرجع السابق، ص56.

[126] -جابر عصفور،نظريات معاصرة ،مكتبة الأسرة،القاهرة، 1998،ص26.

[127] - اعتمدت في إعداد هذه المحاضرة ، على محاضرات في نظرية الأدب ، للدكتور زلافي براهيم، جامعة المسيلة، مخطوط.

[128] - الشريف حبيلة، نظرية الخلق، مدونة النقد وتحليل الخطاب https://cherifhabila.blogspot.com/2019/11/blog-post.html

[129] - ينظر، شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب، 67.

[130] - المرجع السابق،ص57.

[131] - المرجع نفسه،ص58.

[132]- شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب،ص 59.

[133]- المرجع نفسه،ص 59.

[134] - المرجع نفسه،ص59.

[135]- -شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب،ص 60.

[136]-المرجع نفسه،ص60.

[137]-المرجع نفسه،ص60.

[138]-- شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب،ص 61.

[139] - المرجع نفسه،ص62.

[140]- شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب، ص62-64.

[141] - اعتمدت في إعداد هذه المحاضرة ، على محاضرات في نظرية الأدب ، للدكتور زلافي براهيم، جامعة المسيلة، مخطوط.

[142] -شكري عزيز ماضي،في نظرية الأدب،ص69.

[143] - المرجع نفسه ،ص70.

[144] - رينه ويليك اوستن وارن، نظرية الأدب: ترجمة عادل سلامة، دار المريخ، الرياض، 1992 ، ص10.

[145] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

[146] - أحمد محمد ويس، دراسات مختارة في نظرية الأدب، ص 19

[147] - المرجع نفسه، ص 25.

[148] - محمد سليم اختر التيمي، نظرية الادب: http://oldtaimi.blogspot.com/2014/12/theory-of-literature.html

[149] - المرجع السابق.

[150] - المرجع نفسه