Aperçu des sections

  • Généralités

    مـقــدمــــــــة

     

          الأعزاء الطلبة ( السنة الثانية دراسات أدبية)

        نقدم لكم هذه المادة العلمية التي تساعد في تمثّل مقياس الحداثة في الأدب العربي (السداسي الرابع) بمختلف مفرداته التي يحتوي عليها البرنامج ، والتي لا تستغني طبعا عن اطلاع الطالب على المراجع والمصادر المساعدة التي ستسمح له بالاطلاع والتوسع من أجل الاستفادة القصوى من هذا المقياس.

       هذا المقياس يحتاج من الطالب أن يكون على قدر من المعرفة بأهم الاتجاهات الأدبية والنقدية التي طبعت الساحة العربية في العصر القديم والحديث والمعاصر، لأن هذا المقياس ليس مطلوبا منه أن يقدم هذه الاتجاهات بقدر ما يحاول أن يبحث في الخلفيات التي أدت إلى محاولات التجديد أو التحديث التي مسّتها ، وكذا في مظاهر هذا التجديد أو التحديث وأهم أشكاله.

       ستصلكم هذه المحاضرات تباعا، وقد أرفقناها بأهم المراجع والمصادر التي يمكن الاطلاع عليها ورقيا، أو من خلال تحميلها من الأنترنت ، خاصة وأن أغلبها يمكن الاطلاع عليه بهذه الطريقة.

      نتمنى لكم حسن القراءة والاستفادة.

    أ.أحمد قنشوبة

     

  • Section 1

    مراجع ومصادر مساعدة

     

    نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر

    غالي شكري، ظاهرة الشعر الحديث

    شلتاغ عبود، الشعر الحر في الجزائر

    إبراهيم رماني ، الغموض في الشعر العربي الحديث

    عبد الله غذامي، الخطيئة والتكفير

    عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة ( من البنيوية إلى التفكيك)

    عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة ( نحو نظرية نقدية عربية)    

    عبد العزيز حمودة، الخروج من التيه (دراسة في سلطة النص).

    أبو ديب كمال، البنية الإيقاعية للشعر العربي

    أبو ديب كمال، الرؤى المقنعة ( نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي)

    أدونيس، كلام البدايات

    أدونيس، الثابت والمتحول( بحث في الاتباع والإبداع عند العرب).

    قويدري محمد الطيب، مفهوم التراث في النقد العربي الحديث.

    محمد حسين الأعرجي، الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي.

    سيد البحراوي، العروض وإيقاع الشعر العربي

    عبد العزيز نبوي، موجز تاريخ الشعر العربي.

    عبد العزيز نبوي، دراسات في الأدب الجاهلي .

    محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب

    محمد بنيس، الشعر العربي الحديث ( بنياته وإبدالاتها )، 03 أجزاء.

    نبيل سليمان، الرواية العربية ( رسوم وقراءات).

    نبيل سليمان، وعي الذات والعالم في الرواية العربية

    نبيل سليمان، أسرار التخييل الروائي.

    عبد العزيز موافي، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية.

    سيزا قاسم، بناء الرواية.

    • Section 2

      المحاضرة الأولى : مفهوم الحداثة

       

      عناصر المحاضرة:

      المعنى اللغوي للحداثة

      المعنى الاصطلاحي

      انتقال الحداثة إلى الأدب العربي

       

      1)   المعنى اللغوي:

      يقتضي البحث في مفهوم الحداثة الحفر في المعنى اللغوي بدءا، فهي من مصدر: حدث، التي تعني الجديد ونقيض القديم، وهي أيضا: أول الأمر وابتداؤه، وهي: الشباب وأول العمر. نقول: شاب حدث صغير، قال الشاعر الأندلسي يحيى بن الحكم الغزال في مقطوعة له:

      وخيّرها أبوها بين شيخ             كثير المال أو حدث صغير

      فقالت خطتا خسف وما إن         أرى من حضوة للمستخير

      ولكن إن عزمت فكل شيء         أحب إليّ من وجه الكبير

      2)   المعنى الاصطلاحي:

      ينبغي هنا التفريق بين مصطلح الحداثة والمصطلحات التي تلتبس به على غرار التجديد والتحديث والمعاصرة نظرا للخلط الذي يظهر في استعمالها عند البعض.

      فهذه المصطلحات مجتمعة على خلاف مصطلح الحداثة، يمكن أن نعرّفها بأنّها التجديد بوجه عام دون الارتباط بنظرية لها علاقة بمفاهيم وفلسفات متداخلة ومتشابكة. بينما نجد أن الحداثة تعتبر مصطلحا إيديولوجيا نشأ تبعا ظروف وملابسات وسياق حضاري عاشه الغرب الأوربي، وهو في الوقت نفسه مذهب أدبي وفكري ، والبعد الفكري فيه جلي لأنه لا يستهدف الجانب الأدبي الإبداعي فحسب يل ينسحب أيضا على كل جوانب الواقع الإنساني، إنه دعوة للتمرد على هذا الواقع بكل أشكاله السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

      إنه كما يقول محمد هدارة نقلا عن بعض الباحثين الغربيين: زلزلة حضارية عنيفة، وانقلاب ثقافي شامل، وأنها جعلت الإنسان الغربي يشك في حضارة بأكملها، ويرفض حتى أرسخ معتقداته الموروثة.

      والحق، أن الحداثة الغربية الفنية والأدبية بدأت منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر واستمرت حتى الآن، وهي فترة قدمت للتراث الأدبي والفني في الغرب اتجاهات مثل الرمزية والتعبيرية والدادية والسريالية والعبثية..وغيرها من المذاهب الفنية والمدارس الأدبية التي انطلقت من موقف الرفض الحداثي لمعطيات الحضارة الغربية والأزمة التي أوصلت إليها إنسان العصر الحديث.

      ولعل من أحسن من عبّر عن هذا الاتجاه لدى كتّاب أوربا هو أحد الحداثيين من البيئة نفسها، ويتعلق الأمر بـ " كريستوفر بتلر" حين قال:

      لا شك أن موقف هؤلاء الكتاب كان صدى لما طرأ على العالم من اهتزاز في القيم، وشك في الحقائق، نتيجة لاختلاف نظام العالم، وصراع المعتقدات، حتى أصبح ما هو وهم وما هو حقيقة على قدم المساواة، ومن هنا فقد هؤلاء الكتّاب ثقتهم في كلّ نظام أو فلسفة أو مبدإ أخلاقي أو عقيدة دينية أو ما هو وجودي، فإذا هم كتبوا – ولا بدّ أن يكتبوا- صارت كتاباتهم ضربا من اللعب أداته اللغة، لا يقيم وزنا لتقاليد سابقة أو لأعراف أدبية قارة، أو يلبي رغبات فطرية متواترة، أو يستهدف تحقيق لذة لجمهور المتلقين".

      وقد دعت هذه الحداثة فيما دعت إليه إلى إحداث قطيعة تامة بالماضي والتراث، يقول هربيرت ريد في كتابه الفن الآن متكلما عن فن الحداثة في فن الرسم كمثال: " إننا نلمس الآن ابتعادا عن كل أنواع التراث ولا يمكن أن ندعو هذا الابتعاد بالتطور المنطقي لفن الرسم في أوربا لأنه ليس هناك ما يوازيه تاريخيا. لقد وجدنا أنفسنا فجأة نكفر بجهود خمسة قرون من الإبداع الفني".

      يرى الكثير أن أصول الحداثة الغربية تعود إلى الشاعر الفرنسي شارل بودلير، ثم جاء بعده مالارميه، وفيرلين  أ أما في أميركا، فنجد أرنست هيمنجواي  وإدغار آلان بو، وفي انجلترا نجد ت إس إليوت ..

      3)   انتقال الحداثة إلى الأدب العربي

      يؤرخ الغالبية لانتقال الحداثة إلى الأدب العربي بنكسة 1967 التي أحدثت رجة عنيفة في نفوس أفراد المجتمع العربي ولاسيما النخبة التي استيقظت على كابوس الوهم الذي كان يصدره بعض قادة الأوطان العربية للشعوب، هذه الرجة أحدثت عند بعض أفراد النخبة العربية ولاسيما في المشرق شكا في كل معطيات الثقافة العربية وتاريخها وتراثها، أو قل بأن النكسة كانت مبررا أو مشجبا عند البعض للارتماء في أحضان الغرب الاستعماري من خلال ثقافته وأدبه ونقده وفلسفته، صاحب ذلك محاولة إحداث قطيعة مع كل ما يمت بصلة مع التراث العربي الإسلامي فكرا وتاريخا وثقافة وأدبا ونقدا..

      حاول الحداثيون العرب إذن منذ أوائل السبعينيات مباشرة، أي في السنوات التي تلت النكسة وسقوط الحلم العربي، تقديم نسخة عربية لحداثة تتعامل مع واقع الحضارة الغربية الذي يدعو إلى القطيعة مع الماضي والواقع بكل مكوناته.

      اتضحت أولى معالم الحداثة الأدبية والشعرية بصورة خاصة مع تجربة مجلة شعر البنانية التي أسسها الشاعر والناقد يوسف الخال التي انفتحت خاصة على تجربة الشعر الحر، ثم تطور منظور هذه الحداثة مع نزعة الكتابة الشعرية لمجلة مواقف التي أسسها أدونيس بعد انفصاله عن تجربة مجلة شعر، ثم تطورت أكثر مع مجلة الكرمل التي أسسها الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

      اتخذت هذه النسخة العربي للحداثة أدبيا عدة أشكال. فكان أهم مظاهرها كما رأينا تغيير معالم القصيدة العربية من خلال تبني الشعر الحر أو شعر التفعيلة، ثم اتخذ شكلا أكثر تطرفا يتمثل في قصيدة النثر. كما كان من أهم مظاهرها البعد النقدي للشعر خاصة من خلال تبني مناهج نقدية غربية لا تمت بصلة للنقد العربي، كان من أهمها المنهج البنيوي، وتبني مصطلحات نقدية غربية خالصة.

      من أهم من حمل لواء الحداثة العربية يوسف الخال وأدونيس وزوجته خالدة سعيد، وعبد الله عروي، وكمال أبو ديب، ومحمد عفيفي مطر ومحمود درويش وصلاح عبد الصبور ونزار قباني وغيرهم..

       

       

       

      • Section 3

                                     المحاضرة الثانية

                 من مظاهر التجديد في الشعر القديم : الموشحات

         

        عناصر المحاضرة :

        تعريف الموشح

        أسباب ظهوره

        مخترع الموشحات

        عناصر الموشحة

         

        تعريف الموشح:

        فن شعري ازدهر في الأندلس والمغرب ، وكان همزة وصل بين الموسيقى والشعر، وبين الفصحى وقليل من العامية.لغته بسيطة تغنى بها العام والخاص. وعلى حد تعبير ابن دحية في كتابه المطرب/ 204، فإنها " الفن الأندلسي الأصيل الذي استحدثه الأندلسيون وأغربوا به عن أهل المشرق، وظهروا فيه كالشمس الطالعة والضياء المشرق".

        أسباب ظهوره:

        كان استجابة لحاجة فنية أولا، وظروف بيئية ثانيا، ونتيجة ظاهرة اجتماعية ثالثا.

        فأما الأولى : فلأن أهل الأندلس كانوا قد أولعوا بالموسيقا والغناء ، فقد قدم عليهم زرياب ومغنياته من المشرق، والموسيقا والغناء إذا ازدهرا أثرا في الشعر، إذ أحس الأندلسيون بعدم مواكبة القصيدة الموحدة إزاء األحان المتنوعة، وأحسوا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم ، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. وأصبحت الحاجة ماسّة إلى لون جديد من الشعر، يواكب الموسيقا والغناء في تنوعهما، واختلاف ألحانهما، ولهذا ظهر هذا الفن الغنائي الشعري..

        وأما السبب الثاني ، أي الظروف البيئية الشعبية التي عاشها المجتمع الأندلسي، فيقول عنه ابن خلدون:" وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم، وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنيق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا سمّوه بالموشح، ينظمونه أسماطا أسماطا، وأغصانا أغصانا، يكثرون منها ومن أعاريضها" المقدمة، 540.

        السبب الثالث أنها كانت نتيجة لظاهرة اجتماعية، تتمثل في أن العرب اختلطوا بالإسبان وألفوا شعرا فيه عروبة وفيه أثر اللغة الإسبانية ( الخرجة في الموشح ).

        مخترع الموشحات:

        الموشح ليس من اختراع المشارقة كما يدّعي البعض ، والذين ينسبون لابن المعتز الموشحة التي مطلعها:

            أيها الساقي إليك المشتكى        قد دعوناك وإن لم تسمع

        بل هي في الأصل لابن زهر الأندلسي.

        إذن فالموشح فن أندلسي خالص، ولكن الاختلاف وقع حول من أول من اخترعه. وهناك روايتان مشهورتان في هذا الأمر:

        الأولى: لابن بسام في كتابه الذخيرة إذ يذكر محمد بن محمود ( حمود) القبْري الضرير.

        والثانية: رواية ابن خلدون في كتابه المقدمة، إذ يذكر مقدم بن معافى القبْري، من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد الفريد، ويذكر ابن خلدون أنّه لم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وأن موشحاتهما كسدت ولم تشتهر. أما أول من برع في هذا الشأن فهو عبادة بن القزّاز، وقد ظن البعض أن محمد بن محمود القبري هو نفسه مقدم بن معافى القبري. لكن عبد العزيز الأهواني أزاح النقاب عن هذا الاشتباه، حين قال أن كليهما معروفان، ولهما تراجم مدونة، وأن محمد بن محمود كان ضريرا، أما مقدم بن معافى فلم يكن كذلك. زمع ذلك فإن المستشرق غارسيا غوميز يتعجب من أن ينسب اختراع الموشح لشاعرين كلاهما من قرية واحدة ( قرية قبْرَة)، وكذا من عصر واحد ( عصر الأمير عبد الله بن محمد المرواني). ولكن لعله ليس من الواجب - كما يرى أحد الباحثين – أن تعتقد بوجود مخترع واحد لفن متعدد المنابع كالموشّح الذي أسهمت فيه مؤثرات اجتماعية وإقليمية وأدبية وغنائية.

        بالنسبة إلى العهد الذي أصبح فيه الموشح فنا قائما بذاته له أسسه وقواعده، فلاشك في أنه القرن الرابع ( بدايات القرن الحادي عشر الميلادي)، وهنا برز عبادة بن ماء السماء، وعبادة القزّاز، وابن اللبانة ، والأعمى التُّطيلي، وابن بقيّ، وابن باجة، وأبو بكر بن زهر، وابن سهل، ولسان الدين بن الخطيب، وابن زمرك ( تلميذ ابن الخطيب)، وصدر الدين بن الوكيل المغربي.

        ومن أشهر المؤلفات التي حاولت تحديد قواعد هذا الفن وخصائصه وطرق نظمه وأوزانه ، كتاب ابن سناء الملك ( 550-608) الشاعر المصري، وعنوانه: " دار الطراز".

        وتنتمي الموشحات إلى ما يسمى الشعر الدوري الذي لا يعتمد على البيت ذي الشطرين كوحدة أساسية قائمة بذاتها، بل يعتمد على الدور أو البيت الدوري الذي يتشكل من أكثر من شطرين.

        عناصر الموشح:

        يحسن بنا كي نعرف عناصر الموشح أن نأخذ مثالا شعريا متمثلا في موشح للشاعر الأعمى التُطيْلي[1] ، يقول فيه:

        ضاحك من جمان           سافر عن بدر          ضاق عنه الزمان           وحواه صدري

                                    آهِ ممّا أجِــدْ            شفّــنِي ما أجدْ

                                    قام بي وقعد            باطشٌ متّئدْ

                                   كلما قلت قد              قال لي أين قد

        وانثنى غصن بان         ذا مهزّ نظر           عابثته يدان               للصبــــا والقطر

                                   ليس لي منك بد        خذ فؤادي عن يد      

                                   لم تدع لي جلد           غير أنّيَ أجهدْ

                                  مكرع من شهد           واشتياقيَ يشهدْ

        ما لبنت الدنان[2]        ولذاك الثغر              أين محيّا الزمان           من حميّا الخمر

                               بي هوىً مضمر           ليت جهدي وفقهُ

                               كلّمـــــــا يظهر            ففؤادي أفْقــــــهُ

                               ذلك المنظــــر             لا يداوي عشقه

        بأبي كيف كانْ        فلكيٌّ دريّ                 راق حتى استبان          عذره وعذري

                              هل إليك سبيلْ               أوْ إلى أنْ أيأسا

                              ذبت إلاّ قليلْ                عَبْرةً أو نفســا

                              ما عسى أن أقول           ساء ظنّي بعسى

        وانقضى كل شانْ      وأنا أستشْـــري        خالعا من عنان          جزعي وصبـري

                                ما على من يلومْ          لو تناهى عنّي

                                هل سوى حبّ ريمْ        دينه التجنّـي[3]

        قد رأيتكْ عِيانْ        لس عليك سا تدري       سا يطول الزمانْ      وستنسى ذكري[4]   

             يتشكل الموشح من مكونين أساسيين هما  القفل والبيت ، بالإضافة إلى الخرجة التي هي نهاية الموشح ، وإن كانت تنتمي إلى الأقفال:

        القُــفـْـل: يبدأ به الموشح غالبا ، وهو أجزاء أو أشطر مؤلفة ( من جزئين أو أكثر) كما رأينا في قول التطيلي ( عنده تألفت من 4 أجزاء) :

          ضاحك من جمان           سافر عن بدر          ضاق عنه الزمان           وحواه صدري              

                               

        أجزاء القفل أو أشطره يسمى كل واحد منها غُصْنًا ، فقول الشاعر مثلا : ضاحك من جمان   يعدّ غصنا.

        ويلزم أن يكون القفل متفقا مع بقية الأقفال في وزنها وقوافيها وعدد أجزائها أو أغصانها ، كما رأينا أيضا في الموشح الذي بين أيدينا.

        آخر قفل في الموشح يسمى خرجةً ، وفيها بعض العامية أو بضع كلمات إسبانية، وقد رأينا في الموشح المثال بعض التعابير العامية.

        يمكن أن يخلو الموشح من القفل الأول ، فينطلق دون قفل ، ويسمى هنا موشحا أقرع. أما الموشح الذي أخذناه فهو موشّح تام لأنه احتوى على القفل الأول.

        البيت: هو المكون الثاني للموشح ، وهو الموجود بين الأقفال، في مثل قول الأعمى التطيلي:

                                   آهِ ممّا أجِــدْ            شفّــنِي ما أجدْ

                                    قام بي وقعد            باطشٌ متّئدْ

                                   كلما قلت قد              قال لي أين قد

        والأبيات أجزاء مؤلفة مفردة أو مركبة يلزم في كل بيت منها أن يكون متفقا مع بقية أبيات الموشح في الوزن وعدد الأجزاء، لا في القوافي إذ يحسن أن تتغيّر.

        والبيت إما بسيط أو مركّب، فإن تألف من أجزاء مفردة سمي بسيطا، وإن تألف كل جزء منه من فقرتين أو أكثر سمي مركّبا. والمثال الذي أخذناه البيت فيه مركّب لأن كل جزء فيه مكون من فقرتين :       آه مما أجد              شفني ما أجد

        ومن أمثلة البيت البسيط ، قول ابن بقي الأندلسي في موشح له:

                  أيها الناس فؤادي شغِف

              وهو في بغي لهوى لا ينصف

              كم أداريه ودمعي  لا يكـــــف

        فهو بيت بسيط مكون من 03 أجزاء.

        الخرجة :  قد تكون فصيحة إذا كان الموشح موجها للمدح، أو باللغة العامية أو ممزوجة بعاميات أجنبية ولاسيما الإسبانية ، وهي آخر قفل في الموشح ، فضلوا فيها العامية لبث الهزل والظرف والخفة في الموشح. ومن صفاتها أن تكون على لسان ناطق بها : صبيان،أونساء ، أو سكارى أو حيوانات كالحمام أو على لسان المجردات كالغرام. ةيمهدون للخرجة بكلمة قال أو كلمة غنّى أو ما يقارب ذلك .. قال التطيلي في موشحه السابق الذكر:

                            أنا فيه أهيم        وهو بي يغنّي:

        ومثل قول الشاعر عبادة بن ماء السماء:

                                       إن الحمام في أيكها تشدو:

        قل هل عُلمْ       أو هل عُهِدْ أو كان           كالمعتصم والمعتضد ملِكانْ

         

         

         

         

         

         

         

         



        [1]  ( 485- 525 هـ ) هو أحمد بن عبد الله بن أبي هريرة، ينسب إلى تطيلة موطن أهله، وإلى إشبيلية ، حيث هاجروا وأقاموا، فيقال: التطيلي الإشبيلي، كان ضريرا فغلب ذلك على اسمه. قضى معظم حياته في ظل المرابطين فمدحهم، وكا أكثر مقامه بإشبيلية. له ديوان مطبوع حققه إحسان عباس فصدر في بيروت سنة 1963.

        [2]  كناية عن الخمر. وحميّا الخمر في نهاية هذا القفل تعني شدتها وحدّتها.

        [3]  دينه التجني: هنا بعنى ديدنه أي عادته، وليس الدين بالمعنى الظاهري للكلمة.

        [4]   يظهر أثر اللغة العامية في هذه الخرجة، في كلمة لسْ عليك ، وهي تعني لا عليك ، وكلمة سا تدري أي ستدري يوما، سا يطول الزمان أي سيطول الزمن أي الأيام تسير.

        • Section 4

          المحاضرة الثالثة : بعض أشكال التجديد في التراث الشعري العربي (شعر الصعاليك)

           

          عناصر المحاضرة:

          تعريف الصعلوك

          التجديد على مستوى المضامين

          خصائص شعر الصعاليك

           

          تعريف الصعلوك

          الصعلوك لغة واصطلاحا هو الفقير الذي يتخذ من اللصوصية وقطع الطريق وسيلة للكسب، بعد أن خلعته القبيلة، أو بعد أن خرج على عرف الجماعة.

          اصطلاحا خرجت الكلمة من معناها اللغوي إلى معنى اصطلاحي يحمل دلالة اجتماعية يعنى بها مجموعة من الشعراء أطلق عليهم اسم الصعاليك وهم طوائف ممن تجردوا للغارات وقطع الطرق، للانتقام من القبائل التي كانوا ينتمون إليها ، ولكنها تجاهلتهم ، أو نظرت إليهم نظرة قاصرة، فثاروا على النظام الاجتماعي ، ومارسوا الإغارة على هذه القبائل وقطع الطرق لسلب الأرزاق وتوزيعها على من يستحقها في نظرهم. ولم يعد أمر هؤلاء الصعاليك لصوصية وقطع طريق عند الباحثين المعاصرين، وإنما أصبحوا في عداد الثوار، فهم أصحاب ثورة اجتماعية استهدفت إعادة توزيع الثروة في مجتمع تحكمه شريعة القوة. وإذا كانت القوة هي القانون الذي يحرك مجتمعهم، فقد لجؤوا إليه ملتمسين العدل والحياة الكريمة.

          جمعت بين هؤلاء نظرة للحياة مشتركة وسمات عامة فيزيولوجية ونفسية واجتماعية، ومن ثم كان شعرهم ظاهرة فنية تعبّر عن هذا اللون من الحياة، وتصوّر هذه الطائفة من الناس، فاتسم شعرهم بمعالم فنية تميزها عن غيرها من الظواهر الفنية للشعر الجاهلي.

          التجديد على مستوى المضامين:

          وصف الجوع:

          قال السليك بن سلكة :

                  وما نلتها حتى تصعلكت حقــــــــــبة          وكدت لأسباب المنية أعرف

                  وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني         إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف

          لكنه عند الصعاليك ليس جوع مذلة وسؤال، بل جوع نفس كريمة تأبى الهوان، يقول الشنفرى راسما صورة جميلة لهذا المعنى:

                أديم مطال الجوع حتى أميتــــــــه             وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل

                وأستفّ ترب الأرض كي لا يرى له          علي من الطوْل امرؤ متطــــــوّل

                 ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب            يعاش به إلاّ لديّ ومأكــــــــــــل

          ولكنّ نفســــــــــــا حرة لا تقيم بي            على الضيم إلا ريثما أتحول

          وأغدو على القوت الزهيد كما غدا           أزل تهاداه التنائـــــف أطحل

          موضوع المغامرة:

          المغامرة هي روح الصعلوك والسلك الذي ينتظم حياته وحياة أقرانه، يقول شاعرهم:

          خرجنا ولم نعهد، وقلت وصاتنا          ثمانية ما بعدها متعقب

          سراحين فتيان كأن وجوههم               مصابيح أو لون من الماء مذهب

          نمر برهو الماء صفحا وقد طوت          ثمائلنا والزاد ظن مغيب

          وحين وصلوا إلى مضارب القوم :

                فثاروا علينا في السواد وهجهجوا            وصوت فينا بالصباح المثوّب

                فشنّ عليهم هزة السيــــــف ثابت             وصمّمّ فيهم بالحسـام المسيّب

                وظلت بفتيان معي أتقيهـــــــــــم             بهنّ قليلا ساعـــــــة ثم جنبوا

                وقد خرّ منهم راجــــــلان وفارس           كميّ صرعناه وخوم مسلّــب

          الفرار:

          تغنوا بالفرار ولم يجدوا فيه غضاضة لأن أهم ما ما يقتضى الحفاظ عليه هو الحياة في مجتمع أنكر عليهم الحياة والبقاء، ومن هنا نجد تأبط شرّا يفخر بسرعته كالجواد الأصيل والصقر الجبلي، وغاظ خصومه بفراره منهم وفي حوزته أموالهم:

                لا شيء أسرع مني ليس ذا عذر          وذا جناح بجنب الريد خفّاق

          حتّى نجوت ولما ينزعوا سلبــــــــي            بوالهٍ من قبيض الشد غيداق

          الخيل والسلاح والمراقب:

          ظهر بينهم فرسان مدججون بالسلاح ، إذا لقيتهم حسبتهم من علية القوم كعروة والشنفرى، اقرأ رثاء تأبط شرا للشنفرى الذي يرسم صورة الفارس الكامل فهو مسلّح بقوس صفراء مشدودة الوتر، وسيف صقيل، ويمتطي جوادا أشقر سريع الجري كأنه صقر كاسر من عتاق الجوارح، إذا اقتحم بصاحبه بصاحبه جموع الأعداء هاج هيجان البحر الزاخر:

                يفرج عنه غمة الروع عزمه         وصفراء مرنان وأبيض باتر

                وأشقر غيداق الجراء كأنه             عقاب تدلى بين نيقين كاسر

                يجم جموح البحر طال عبابه          إذا فاض منه أول جاش آخر

          ونجد الشنفرى يصف المرقبة وهي الموقع الحصين الذي يتخذه الصعلوك في المكان المرتفع الذي يسمح بمراقبة الطريق وما يحيط بها، وهو في منأى عن الأعين، حيث يختفي ويراقب في آن واحد.  يقول:

                ومرقبةٍ عنقاء يقصر دونــــها          أخو الضروة الرجْل الحفيّ المخفّف

                نميت إلى أعلى ذراها وقد دنا          من الليل ملتفّ الحديقة أســــــــدف

          خصائص شعر الصعاليك:

          قصر الأنفاس:

          فأكثره مقطعات قصار، لأن همهم كان إفراغ المشاعر في مقطعات تصور التشرد والتوتر والتقلب، حيث تندر المطولات كلامية الشنفرى وكافية تأبط شرا، حتى إننا نجد أبياتا منفردة، وربما كان بعضها مقطعات ذهب أكثرها، وبقي أشهرها وأسيرها.

          وحدة الأغراض:

          لكل موضوع أو مقطعة فكرة تنتظمها أو موضوع يربط أولها بآخرها، وحتى وإن ظهر العكس عند القراءة العاجلة لبعض القصائد فإن حياة الصعلكة والتشرد والتمرد والقوة تجمع شتاتها.

          محاورة الحبيبة لا الوقوف على أطلالها:

          فقد قطع الصعلوك صلته بالوطن ، والطلل شكل من أشكال الوطن، والوقوف عليه حنين إليه، لذلك قلّ شعر الطلل عندهم، وحلّ محلّه حوار حي يعقده الشاعر مع صاحبته أو زوجته ، كالحوار الذي دار بين عروة بن الورد الراغب في السفر، وبين زوجته الراغبة في بقائه:

                ذريني أطوّف في البلاد لعلّني         أخلّيك أو أغنيك عن سوء محضري

                فإن فاز سهم للمنية بم أكـــن           جزوعا، وهل عن ذاك من متأخــر

                وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد       لكم خلف أدبار البيوت ومنظـــــــر

          ويقول السليك بن السلكة ردّا على زوجته التي قاطعته ربما بسبب حياته الثائرة القائمة على السلب وركوب الأخطار:

              ألا عتبت عليّ فصارمتني             وأعجبها ذوو اللمم الطوال

              فإنّي يا ابنة الأقوام أربي               على فعل الوضيّ من الرجال

               فلا تصلي بصعلوك نؤوم           إذا أمسى يعدّ من العيال

               ولكن كلّ صعلوك ضروب          بنصل السيف هامات الرجال 

          ضعف الرابطة القبلية :

          فقد خفت عندهم الفخر بالقبيلة، لأنهم خرجوا عنها وتمردوا على قيمها، وطغى الفخر الفردي.

          السرد القصصي:

          الغزو والسلب والأسر والفرّ والشبع والجوع تشكّل أحداثا قصصية يرويها الشاعر، فإذا فيها روح ملحمية فيها سرد ومحاورة ووصف للواقع وتحليل للنفس ولكن بسرعة.

          الارتجال والطبع:

           إراحة الأعصاب من التوتر بإفراغ شحتة عاطفية في مقطعات سريعة لا تتيح التأنق ولا الخلو إلى الفنّ لإتقانه، لذا كثر الغريب وشاعت ألفاظ البداوة كعبارة (هيد مالك) في قول تأبط شرّا:

               يا هيد مالك[1] من شوق وإبراق          ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
           الواقعية والصراحة :

          صدق فني نفسي ربما لا تجده في موضوعات الشعر الأخرى لأن هؤلاء جفوا حياة الآخرين وزهدوا في الخيال، ورصدوا كل ملامح حياتهم بمحاسنها ومراذلها وأحداثها وأمكنتها وأزمنتها، حتى غدا شعرهم تأريخا لواقعهم المنافر للواقع الذي يكنفهم.          

           

           

           

           

           

           

           

           

           

           



          [1]  هيد مالك: استفهام عن شأن الرجل ، كما تقول : يا هذا مالك؟ أو : ما أمرك؟

          • Section 5

             

            المحاضرة الرابعة : الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي

             

            عناصر المحاضرة:

            أسباب الصراع.

            انقسام المتلقين والنقاد حول الشعر العربي

            الخصومة بين القدماء والمحدثين وأهم مظاهرها

             

            أسباب الصراع بين القديم والجديد :

            - اتخاذ الشعر الجاهلي أنموذجا يحتذى نظرا للتميز الواضح الذي طبعه على مستويات عديدة من مستويات القصيدة..

            - كون الشعر القديم ديوان العرب الذي حوى تاريخهم ومميزاتهم وأيامهم وعاداتهم وأخلاقهم وغير ذلك، مما صعّب كثيرا من عملية استيعاب ظاهرة التجديد ولا سيما في الشعر العباسي، وكرّس في الوقت نفسه منزلة خاصة للشعراء القدماء ولشعرهم. يقول ابن فارس في كتابه الصاحبي: الشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة". كما يقول المرزوقي في مقدمة ديوان الحماسة لأبي تمام: وما نال الشعراء في الجاهلية وما بعدها ، وفي أوائل أيام الدولتين وأواخرها من الرفعة به، إذا كان الله عز وجل قد أقامه للعرب مقام الكتب لغيرها من الأمم، فهو مستودع آدابها ومستحفظ  أنسابه ونظام فخارها وديوان حجاجها.

            - ارتباط التجديد عند بعض الشعراء العباسيين بنوع من العنصرية والشعوبية، من أمثال بشار بن برد وأبي نواس.

            - ما جدّ في أواخر القرن الأول ومطالع القرن الثاني من نشاط طائفة اللغويين والنحاة الذين كانوا بجانب قيامهم بتعليم اللغة والتعريف بمقاييسها واشتقاقاتها يجمعون إلى ذلك معرفة بالشعر القديم، ويحفظون هذا الشعر ويروونه، ويشرحونه ويذيعونه بين الناس، واستمر تأثيرهم حتى نهاية القرن الثالث للهجرة، وكان هؤلاء يميلون في الاستشهاد إلى النماذج الشعرية الجاهلية التي يرون فيها أنموذجا يحتذى ولا يضاهيه شيء.

            انقسام المتلقين والنقاد حول الشعر العربي:

            حدثت ظاهرة في أوائل العصر العباسي خاصة بالنقد، وهي انقسام الناس إلى معسكرين يمكن تسميتهما: حزب الأحرار وحزب المحافظين.

            لقد جاءت الدولة العباسية بشعراء مجددين كبشاربن برد ومسلم بن الوليد وغيرهما، وكان لهم تجديد في المعاني، وتجديد في الأسلوب، فاختلف حولهم النقاد، ففيهم من تعصب للقديم لا يرى شعرا مقبولا سواه، ولا شعرا يصح أن يزري ما عداه كابن الأعرابي. ومنهم من كان يرى أن الشعر فن وصناعة فيجب أن يقاس بمقياس الفن والصناعة، وليس بمقياس القدم والجدّة .

            وكان لكل من المحافظين والأحرار أثر واضح في الأدب، فأثر الأحرار ميلُ بعض الشعراء إلى التحرر من القديم والهجوم عليه ، كما يظهر في بعض قصائد أبي نواس، أما أثر المحاقظين فكان تخوّف كثير من الشعراء أن يخرجوا على التقاليد القديمة فيثيروا سخطهم ونقدهم،

            وجاء بعد ذلك ابن المعتز ، وألف في ذلك كتابه البديع، فلفت الناس إلى أن البديع كان موجودا في أشعار الجاهلية وصدر الإسلام، ولكنه كان مفرقا يأتي بعفوية، فجاء بشّار وأبو تمّام ومن بعدهما، فأكثروا فيه وقصدوا إليه. وكان مما صنعه هو وضع مصطلحات لأنواع البديع المعروفة في زمنه، ونقده لما أتى ناقصا أو غير متقن من كل نوع منها، ولكن على كل حال لم يكن ابن المعتز من حيث تاريخ النقد بذي خطر، ، إنما خطره من حيث جودة شعره وحسن تشبيهه.

            الخصومة بين القدماء والمحدثين وأهم مظاهرها:

            ففي الأدب عهدان طويلان في نظر كثير من التقاد، عهد القدماء وعهد المحدثين، ويبتدئ عهد القدماء بنضوج الشعر العربي قبل الإسلام بقرن أو نحوه، وينتهي في أوائل القرن الثاني. أما عصر المحدثين فبدؤه قبيل قيام الدولة العبّاسية. بدؤه في الواقع مع عهد بشّار ومروان بن أبي حفصة ومطيع بن إياس وغيرهم من مخضرمي الدولتين، ويشمل كل من جاء بعدهم من الشعراء الذين كتبوا باللسان العربي إلى اليوم.

            وهنا مال أبو نواس إلى أظهر الأشياء في حياته، فاستمد منها ديباجة شعره، الخمر والندامى ومجالس الشراب ومال غيره إلى ذكر النعيم والقصور والرياض والورد والنيلوفر وغيرهما من الأزهار. وهكذا خلق المحدثون من الموالي ديباجة حضرية لا تتصل بسبب إلى شبه الجزيرة العربية، ولا تحنّ لحبيب، ولا تبكي على طلل، أوجدوا ديباجة جديدة هي مرآة للحياة في بغداد، وفي الكوفة، وفي الحواضر الإسلامية المترفة، وفتنوا بها، وروّجوا لها، ودعوا إليها.

            على أن هذه الديباجة لم تنسج سابقاتها، ولم تستهو من الشعراء إلاّ نفرا يسيرا من الذين لا يمتّون بنسب إلى شبه جزيرة العرب، وليس لهم فيها ذكريات ولا رفات.

            فمنذ ذلك العهد، صار الشعر مذهبين متميزين، وصار الشعراء طائفتين: طائفة تحتذي القدماء، ولا تجدد إلا بمقدارما يتلاءم مع الروح العربية، فظلوا على المنهج القديم، والصياغة القديمة، ومن هؤلاء مروان بن أبي حفصة، وأشجع السلمي، وعلي بن الجهم، ودعبل الخزاعي وابن الرومي والمتنبي. وطائفة مالت إلى التجديد كبشار وابن هرمة والعتّابي، وأبي نواس، ومسلم بن الوليد، وأبي تمام، وابن المعتز، والبحتري في شيء يسير. وأظهر ما يكون ذلك التميز في القرن الثالث وما بعده، فالسابقون من المجددين قريبون من القدماء، فأما الذين جاؤوا بعدهم كأبي تمام وابن المعتز، فقد بعّدوا كثيرو عن الصياغة التي جرى عليها الشعراء في الجاهلية والإسلام.

            صار الشعراء مذهبين، وصار في الأدب العربي شعران، بينهما في الصياغة والمعاني أحيانا تفاوت غير قليل. وكان هذا بالضرورة موضع اختلاف بين النقاد، أيهما أحسن: الشعر القديم الجزل أم الشعر الحديث الليّن؟ أشعر البداوة والسليقة والوضوح أو شعر الصنعة والتعمّل؟ وأخيرا أيهما أحسن : شعر البداوة والفطرة أم شعر الحضارة والتوليد؟ كانت هناك خصومة عنيفة بين القديم والحديث، بين المذهبين الشعريين اللذين توطّدا وتحدّدا، وأصبح لكل منهما أتباع وأشياع: هل القديم بال رثّ فينصرف عنه الناس؟ هل الجديد أتم وأصلح فلا يقبلون إلاّ عليه؟

            من الأمثلة في هذا الصدد اختلاف النقاد في بشار ومروان، فكلاهما من مخضرمي الدولتين، من طبقة واحدة، ولكنهما متفاوتان في المذهب فمروان محافظ على القديم، وبشّار حضري مجدد صاحب بديع، فأيهما أشعر؟ كان الأصمعي يقدم بشارا على مروان، وقد يكون ذلك غريبا من لغوي كالأصمعي إذا عرفنا أن اللغويين جميعا كانوا يتعصبون للقدماء على المحدثين، ولمن هم على طريقة القدماء، وإذا عرفنا أن الأصمعي نفسه من الذين بعدت بهم العصبية في ذلك.

             

             

            • Section 6

              المحاضرة الخامسة : ظاهرة شعر التفعيلة

               

              عناصر المحاضرة:

              بداية شعر التفعيلة

              أهم خصائصه

              مسيرته وبعض المآخذ عليه

               

              1/ بداية شعر التفعيلة:

              في سنة 1947 بدأ الشعر العربي يخطو خطوة جديدة لا عهد له بها، حيث ظهر ما سمي بالشعر الحر أو شعر التفعيلة على يد بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة العرقيين، وكان الإطار الموسيقي أبرز ملامحه. ثم خلقهما جيل ثان، منه: صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، ثم جيل ثالث، منه نجيب سرور، وفاروق شوشة، وكمال عمار، ومحمد الفيتوري، وبلند الحيدري، ونزار قباني، ثم جيل رابع منه أمل دنقل، وحمد عفيفي مطر، ووفاء وجدي، وسليمان العيسى، وخليل حاوي، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد.

               2/ أهم خصائص شعر التفعيلة:

               انطلق شعراء التفعيلة أو الشعر الحر من صميم العروض الخليلي، جاعلين التفعيلة المفردة وهي الوحد الأساسية التي ابتكرها الخليل بن أحمد الذي توفي نحو سنة 175 هـ / 791 م ) الوحدة التي يعتمدون عليها دون التقيد بتكررها في كل بيت تكررا متساويا من حيث العدد. وقد ترتب على هذا اختفاء فكرة البيت والشطر، وظهرت فكرة السطر الشعري، الذي يتكون من عدد من التفاعيل يزيد أو ينقص عما قبله أو بعده، وقد يساويه. وإن لم يكن ذلك واجبا.

              شعر التفعيلة شعر موزون . والفرق بينه وبين الشعر العمودي، أن الشعر العمودي تتساوى فيه أبيات القصيدة من حيث عدد تفاعيلها، بينما لا يشترط ذلك في شعر التفعيلة، إذ الأساس فيه عدم الالتزام بهذا التساوي.

              كانت القافية بشكلها التقليدي تحتل مكانا ثابتا متشابها في نهاية أبيات القصيدة لا تحيد عنه، ثم  تحررت منه في شعر التفعيلة، مستبدلة بذلك شكلا غير زخرفي، حيث تجيء القافية بين الحين والحين على نحو لا يمكن التنبؤ به – لتسهم في البناء الموسيقي للقصيدة. قالت نازك الملائكة في هذا الشأن: إن القافية العربية قد صدئت من طول ما لامستها الأقلام.

              لقد كانت حجة شعراء التفعيلة أنّ طبيعة إحساس الشاعر وانفعالاته هي التي ينبغي أن تتحكم في الشكل، فتكثر التفاعيل أو تقل بحسب الدفقة الشعورية، لا بحسب أوزان الخليل التي قد يضطر معها الشاعر إلى زيادة أو حشو، ليصل إلى القافية الواجبة، فضلا عن أنّ هذا الشكل الجديد يحطم الرتابة المملة في توالي النغم على وتيرة واحدة.

              3/ مسيرة شعر التفعيلة وبعض مآخذه:

              وقد تصدى مجموعة من الإحيائيين والرومانسيين لهذه الحركة، منطلقين من أن الشعر العربي ظل طوال عصوره يقدم قيما موسيقية ترتضيها الأذن العربية، وأن وحدة البيت لم تكن عائقا أمام كبار الشعراء، الذين لم يضطروا إلى زيادة أو حشو لا يقتضيه المعنى أو التجربة الشعرية.

              استمر شعر التفعيلة في طريقه، وقدم شعراؤه قصائد رائعة، لا تقل في روعتها عن القصائد العمودية في عصرها الذهبي، وكان هذا دافعا للشعراء العموديين أن يخوضوا هذه التجربة بثقة وثبات، حتى غدا شعر التفعيلة صاحب الحظ الأوفى على خريطة الشعر العربي المعاصر، وإن بدت فيه بعض المآخذ:

              الأول: أن السطر الشعري في كثير من النماذج لا يمثّل دفقة شعورية كاملة، حيث تمزق أوصال الجملة الواحدة ليكون كا جزء منها في سطر.

              والثاني: أن التشكيل المكاني غير واضح المعالم حتى الآن، إذ ليس للسطر الشعري نهاية متفق عليها. فلو ألقيت قصيدة على مجموعة من المثقفين، ثم طلب منهم أن يكتبوها، لاختلف تشكيلها المكاني من واحد لآخر. وهذا يختلف عن الشعر العمودي الذي يحدد الوزن والقافية حدود كل بيت بدءا وانتهاء.

              والثالث: طرح بعضهم للقافية برمتها. وفي ذلك يقول نزار قباني: كنت من أول القائلين بوجوب إهمال القافية، والآن أعود فأعترف بفشلي، لأن إهمال القافية يقضي على إرنان الشعر العربي.

              والرابع: جنوح كثير من شعراء التفعيلة إلى الغموض الذي يستحيل إبهاما وألغازا. حتى زعم بعضهم أن الشعر ليس للفهم ولا للشرح أو الشرّاح.

              والخامس : دعوة البعض إلى طرح فكرة الوزن، زاعمين أن قصيدة موزونة يمكن ألا تكون شعرا، وأنّ نثرا خاليا من الوزن يمكن أن يكون شعرا. ( رأي أدونيس في كتابه: زمن الشعر). وهو ما أفسح المجال لظهور ما يسمى بقصيدة النثر، التي ترسم على الورق كهيئة شعر التفعيلة.

               

               

               

              • Section 7

                • Section 8