المحاضرة الثانية
من مظاهر التجديد في الشعر القديم : الموشحات
|
عناصر المحاضرة :
تعريف الموشح
أسباب ظهوره
مخترع الموشحات
عناصر الموشحة
تعريف الموشح:
فن شعري ازدهر في الأندلس والمغرب ، وكان همزة وصل بين الموسيقى والشعر، وبين الفصحى وقليل من العامية.لغته بسيطة تغنى بها العام والخاص. وعلى حد تعبير ابن دحية في كتابه المطرب/ 204، فإنها " الفن الأندلسي الأصيل الذي استحدثه الأندلسيون وأغربوا به عن أهل المشرق، وظهروا فيه كالشمس الطالعة والضياء المشرق".
أسباب ظهوره:
كان استجابة لحاجة فنية أولا، وظروف بيئية ثانيا، ونتيجة ظاهرة اجتماعية ثالثا.
فأما الأولى : فلأن أهل الأندلس كانوا قد أولعوا بالموسيقا والغناء ، فقد قدم عليهم زرياب ومغنياته من المشرق، والموسيقا والغناء إذا ازدهرا أثرا في الشعر، إذ أحس الأندلسيون بعدم مواكبة القصيدة الموحدة إزاء األحان المتنوعة، وأحسوا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم ، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. وأصبحت الحاجة ماسّة إلى لون جديد من الشعر، يواكب الموسيقا والغناء في تنوعهما، واختلاف ألحانهما، ولهذا ظهر هذا الفن الغنائي الشعري..
وأما السبب الثاني ، أي الظروف البيئية الشعبية التي عاشها المجتمع الأندلسي، فيقول عنه ابن خلدون:" وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم، وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنيق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا سمّوه بالموشح، ينظمونه أسماطا أسماطا، وأغصانا أغصانا، يكثرون منها ومن أعاريضها" المقدمة، 540.
السبب الثالث أنها كانت نتيجة لظاهرة اجتماعية، تتمثل في أن العرب اختلطوا بالإسبان وألفوا شعرا فيه عروبة وفيه أثر اللغة الإسبانية ( الخرجة في الموشح ).
مخترع الموشحات:
الموشح ليس من اختراع المشارقة كما يدّعي البعض ، والذين ينسبون لابن المعتز الموشحة التي مطلعها:
أيها الساقي إليك المشتكى قد دعوناك وإن لم تسمع
بل هي في الأصل لابن زهر الأندلسي.
إذن فالموشح فن أندلسي خالص، ولكن الاختلاف وقع حول من أول من اخترعه. وهناك روايتان مشهورتان في هذا الأمر:
الأولى: لابن بسام في كتابه الذخيرة إذ يذكر محمد بن محمود ( حمود) القبْري الضرير.
والثانية: رواية ابن خلدون في كتابه المقدمة، إذ يذكر مقدم بن معافى القبْري، من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد الفريد، ويذكر ابن خلدون أنّه لم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وأن موشحاتهما كسدت ولم تشتهر. أما أول من برع في هذا الشأن فهو عبادة بن القزّاز، وقد ظن البعض أن محمد بن محمود القبري هو نفسه مقدم بن معافى القبري. لكن عبد العزيز الأهواني أزاح النقاب عن هذا الاشتباه، حين قال أن كليهما معروفان، ولهما تراجم مدونة، وأن محمد بن محمود كان ضريرا، أما مقدم بن معافى فلم يكن كذلك. زمع ذلك فإن المستشرق غارسيا غوميز يتعجب من أن ينسب اختراع الموشح لشاعرين كلاهما من قرية واحدة ( قرية قبْرَة)، وكذا من عصر واحد ( عصر الأمير عبد الله بن محمد المرواني). ولكن لعله ليس من الواجب - كما يرى أحد الباحثين – أن تعتقد بوجود مخترع واحد لفن متعدد المنابع كالموشّح الذي أسهمت فيه مؤثرات اجتماعية وإقليمية وأدبية وغنائية.
بالنسبة إلى العهد الذي أصبح فيه الموشح فنا قائما بذاته له أسسه وقواعده، فلاشك في أنه القرن الرابع ( بدايات القرن الحادي عشر الميلادي)، وهنا برز عبادة بن ماء السماء، وعبادة القزّاز، وابن اللبانة ، والأعمى التُّطيلي، وابن بقيّ، وابن باجة، وأبو بكر بن زهر، وابن سهل، ولسان الدين بن الخطيب، وابن زمرك ( تلميذ ابن الخطيب)، وصدر الدين بن الوكيل المغربي.
ومن أشهر المؤلفات التي حاولت تحديد قواعد هذا الفن وخصائصه وطرق نظمه وأوزانه ، كتاب ابن سناء الملك ( 550-608) الشاعر المصري، وعنوانه: " دار الطراز".
وتنتمي الموشحات إلى ما يسمى الشعر الدوري الذي لا يعتمد على البيت ذي الشطرين كوحدة أساسية قائمة بذاتها، بل يعتمد على الدور أو البيت الدوري الذي يتشكل من أكثر من شطرين.
عناصر الموشح:
يحسن بنا كي نعرف عناصر الموشح أن نأخذ مثالا شعريا متمثلا في موشح للشاعر الأعمى التُطيْلي[1] ، يقول فيه:
ضاحك من جمان سافر عن بدر ضاق عنه الزمان وحواه صدري
آهِ ممّا أجِــدْ شفّــنِي ما أجدْ
قام بي وقعد باطشٌ متّئدْ
كلما قلت قد قال لي أين قد
وانثنى غصن بان ذا مهزّ نظر عابثته يدان للصبــــا والقطر
ليس لي منك بد خذ فؤادي عن يد
لم تدع لي جلد غير أنّيَ أجهدْ
مكرع من شهد واشتياقيَ يشهدْ
ما لبنت الدنان[2] ولذاك الثغر أين محيّا الزمان من حميّا الخمر
بي هوىً مضمر ليت جهدي وفقهُ
كلّمـــــــا يظهر ففؤادي أفْقــــــهُ
ذلك المنظــــر لا يداوي عشقه
بأبي كيف كانْ فلكيٌّ دريّ راق حتى استبان عذره وعذري
هل إليك سبيلْ أوْ إلى أنْ أيأسا
ذبت إلاّ قليلْ عَبْرةً أو نفســا
ما عسى أن أقول ساء ظنّي بعسى
وانقضى كل شانْ وأنا أستشْـــري خالعا من عنان جزعي وصبـري
ما على من يلومْ لو تناهى عنّي
هل سوى حبّ ريمْ دينه التجنّـي[3]
قد رأيتكْ عِيانْ لس عليك سا تدري سا يطول الزمانْ وستنسى ذكري[4]
يتشكل الموشح من مكونين أساسيين هما القفل والبيت ، بالإضافة إلى الخرجة التي هي نهاية الموشح ، وإن كانت تنتمي إلى الأقفال:
القُــفـْـل: يبدأ به الموشح غالبا ، وهو أجزاء أو أشطر مؤلفة ( من جزئين أو أكثر) كما رأينا في قول التطيلي ( عنده تألفت من 4 أجزاء) :
ضاحك من جمان سافر عن بدر ضاق عنه الزمان وحواه صدري
أجزاء القفل أو أشطره يسمى كل واحد منها غُصْنًا ، فقول الشاعر مثلا : ضاحك من جمان يعدّ غصنا.
ويلزم أن يكون القفل متفقا مع بقية الأقفال في وزنها وقوافيها وعدد أجزائها أو أغصانها ، كما رأينا أيضا في الموشح الذي بين أيدينا.
آخر قفل في الموشح يسمى خرجةً ، وفيها بعض العامية أو بضع كلمات إسبانية، وقد رأينا في الموشح المثال بعض التعابير العامية.
يمكن أن يخلو الموشح من القفل الأول ، فينطلق دون قفل ، ويسمى هنا موشحا أقرع. أما الموشح الذي أخذناه فهو موشّح تام لأنه احتوى على القفل الأول.
البيت: هو المكون الثاني للموشح ، وهو الموجود بين الأقفال، في مثل قول الأعمى التطيلي:
آهِ ممّا أجِــدْ شفّــنِي ما أجدْ
قام بي وقعد باطشٌ متّئدْ
كلما قلت قد قال لي أين قد
والأبيات أجزاء مؤلفة مفردة أو مركبة يلزم في كل بيت منها أن يكون متفقا مع بقية أبيات الموشح في الوزن وعدد الأجزاء، لا في القوافي إذ يحسن أن تتغيّر.
والبيت إما بسيط أو مركّب، فإن تألف من أجزاء مفردة سمي بسيطا، وإن تألف كل جزء منه من فقرتين أو أكثر سمي مركّبا. والمثال الذي أخذناه البيت فيه مركّب لأن كل جزء فيه مكون من فقرتين : آه مما أجد شفني ما أجد
ومن أمثلة البيت البسيط ، قول ابن بقي الأندلسي في موشح له:
أيها الناس فؤادي شغِف
وهو في بغي لهوى لا ينصف
كم أداريه ودمعي لا يكـــــف
فهو بيت بسيط مكون من 03 أجزاء.
الخرجة : قد تكون فصيحة إذا كان الموشح موجها للمدح، أو باللغة العامية أو ممزوجة بعاميات أجنبية ولاسيما الإسبانية ، وهي آخر قفل في الموشح ، فضلوا فيها العامية لبث الهزل والظرف والخفة في الموشح. ومن صفاتها أن تكون على لسان ناطق بها : صبيان،أونساء ، أو سكارى أو حيوانات كالحمام أو على لسان المجردات كالغرام. ةيمهدون للخرجة بكلمة قال أو كلمة غنّى أو ما يقارب ذلك .. قال التطيلي في موشحه السابق الذكر:
أنا فيه أهيم وهو بي يغنّي:
ومثل قول الشاعر عبادة بن ماء السماء:
إن الحمام في أيكها تشدو:
قل هل عُلمْ أو هل عُهِدْ أو كان كالمعتصم والمعتضد ملِكانْ
[1] ( 485- 525 هـ ) هو أحمد بن عبد الله بن أبي هريرة، ينسب إلى تطيلة موطن أهله، وإلى إشبيلية ، حيث هاجروا وأقاموا، فيقال: التطيلي الإشبيلي، كان ضريرا فغلب ذلك على اسمه. قضى معظم حياته في ظل المرابطين فمدحهم، وكا أكثر مقامه بإشبيلية. له ديوان مطبوع حققه إحسان عباس فصدر في بيروت سنة 1963.
[2] كناية عن الخمر. وحميّا الخمر في نهاية هذا القفل تعني شدتها وحدّتها.
[3] دينه التجني: هنا بعنى ديدنه أي عادته، وليس الدين بالمعنى الظاهري للكلمة.
[4] يظهر أثر اللغة العامية في هذه الخرجة، في كلمة لسْ عليك ، وهي تعني لا عليك ، وكلمة سا تدري أي ستدري يوما، سا يطول الزمان أي سيطول الزمن أي الأيام تسير.