محاضرات في  مقياس :

 

 

 

 

  دروس موجهة إلى طلبة  السنة الثالثة دراسات أدبية

      السداسي: الخامس         

 

 

 

 

 

السنة الجامعة : 2020/ 2021

 

مقدمة:

      الحمد ﷲ رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد الصادق الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته المنتجبين ومن والاهم إلى يوم الدين. و بعد؛

يسـرنا أن نضع بين يـدي زملائنا الكـرام طـلابنا الأعزاء هـذه المطبوعة التي جاءت وفق مفردات مقياس مناهج النقد الأدبي للسنة الثالثة دراسات أدبية.

       يشتمل هذا المطبوع الأكاديمي على مجموعة محاضرات، تعتبر عتبة رئيسة في الدخول إلى ميدان النقد الأدبي الرحب، وكذلك هي من المطالب التي ينبغي للباحث في مجال النقد الأدبي أن يعرفها ويتعلمها؛ لأنها تشكل مفاتيح لتحليل العمل الأدبي وفهمه وتذوقه.

   وقد حرصنا على أن تحقق هذه المطبوعة الأهداف التي وضعت من أجلها، من خلال تقديم المعلومة الصحيحة المناسبة، المستندة إلى الدليل الذي يصاحبه بيان للحكمة والتعليل؛ تعليماً للطالب وتمكيناً له؛ حتى يحسن التعامل مع مناهج النقد الادبي.

      إن أساس العمل النقدي هو تعلم مناهجه وأدوات هذه المناهج، لذا اقتصر عملنا في هذه المحاضرات إلى تقديم أطروحات المناهج النقدية الأدبية الحديثة والمعاصرة، بفروعها المختلفة سواء ما تعلق بالمناهج السياقية أو النسقية، وتتبع مختلف القراءات التي أطرتها، بغية الإحاطة بإشكالاتها وظروف ملابساتها، وتتبع مآثر مؤطريها من الغربيين، دون إهمال القراءات العربية التي استلهمت تلك المناهج، وظلت تحاورها نظريا وممارسة وتطبيقا.

إننا نأمل من طلبتنا الكرام حسن المطالعة لهذه المطبوعة؛ فذلك يؤذن بمزيد من الفهم والاستيعاب والله ولي التوفيق.

                                                                 ومن اﷲ التوفيق

 

 

المحاضرة الأولى:

                              المنهج/ النقد الأدبي:

مقدمة

       يعتبر النقد الأدبي من أهمّ المسائل التي ظلت تحاور الإبداع الأدبي، وتساهم في ازدهاره وتطوير معطياته الفنية وتوضيح مقاصده الفكرية وتمثُل جوانبه الثقافية، وكذا في بحث أطراف الظاهرة الأدبية والإحاطة بتنوع أشكالها ومعالجتها، وفهم خصائصها ومميزاتها.

      يعد النقد الأدبي فن في حد ذاته عميق الجذور، علم احتضن الإبداع الأدبي واختص بمدارسته في إطاريه العلمي والفني، وعبر مسيرة طويلة لازمه وظل يقويه ويقومه ويقيمه، يقول الجيلالي حلام: "ما فتئ كلّ إبداع سردي أو شعري يقابل بإبداع نقدي في مواكبة دائبة عبر توالي العصور وتعاقب الأجيال. وما ازدهر الأدب في عصر من العصور إلا وكان النقد رافداً له؛ تفسيراً أوتقييماً أو إبداعاً، وكلما قلتَ القراءة المبدعة خبت جذوة الإبداع وقاربت الأفول"[1]، فحيثما كانت حياة أدبية وفكرية كانت تقابلها جهود نقدية، حتى بتنا نرى ملازمة بيهما ملازمة الجسد لظله، وصار النقد يمثل حجر الزاوية في رهانات الإبداع الأدبي ومنجزاته وتطور أشكاله.

     تحمل كلمة النقد في دلالتها اللغوية معنى الفرز والتمييز والتفسير والتقييم، وفي دلالته الاصطلاحية الحكم وتقييم  جوهر الشيء أو تبين أصالته، وبالمعنى الواسع يتضمن الوصف والتحليل والتفسير والتقويم والتقييم للظاهرة الأدبية، وفي أساسه هو استعمال منظم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة في سبيل الحصول على بصيرة نافذة للأدب بمعرفة حقيقته وجوهر مادته وأشكالها. وبالأحرى هو عملية فكرية لا تنفصل عن الذوق في الاهتمام بالإبداع الأدبي، وهو أيضا إبداع ثاني بدرجة معينة في التعبير، يمتثل للعقل والمنهج في الإجراء والتطبيق والحكم، ويرمي إلى تحقيق غاية إنسانية مؤداها تيسير تلقي الفن الإبداعي وتوفير الأسس والآليات الإجرائية للتعامل معه.

     وفي سبيل الوصول للإبداع الأدبي من طريق النقد الأدبي وجب توفر التقنيات العلمية والمنهجية المحكمة التي تسهل معاينة ومعالجة الظاهرة الأدبية، لذلك ضربت مناهج العلوم الإنسانية بأكثر من سهم في ميدان الفن الأدبي وأثبتت نجاعتها في اقتحام مباني الظاهرة الأدبية وأشكالها وظروبها المختلفة، وقد كثرت هذه المناهج واختلفت باختلاف الفلسفات الفكرية لأصحابها "وقد تداولت على النقد الأدبي عبر مسيرته التطوّرية مناهج متعدّدة، بدأت القراءة التذوقية مروراً بالمناهج البلاغية والاجتماعية والنفسية في إطارها السياقي، إلى أن جاء التحوّل النسقي مع ظهور البنيوية وما بعد البنيوية كالسيميائية ونظرية التلقي والنصّانية والتقويضية والموضوعاتية والتداولية؛ فكانت أكثر المناهج تأثيراً في مسيرة النقد الأدبي هي تلك النظريات المنبثقة عن اللسانيات الحديثة في بحر القرن العشرين"[2]، موزعة ورهان النقد الأدبي قد نبت في تربة خصبة خلفها الخطاب المنهجي المستلهم من النظريات المعرفية الكبيرة، قد تبلورت أطروحات النقد الأدبي الحديث والمعاصر وتكاثرت واتضحت معالمها في ساحة النقد، وقد كيّف النقاد جملة من المناهج والنظريات العلمية واللغوية لمقاربة النصوص والخطابات المختلفة.

تعريف المنهج وعلاقته بالنقد الأدبي:

      يشكل الاهتمام والبحث في المكونات المفهومية والإجرائية للخطاب النقدي أساسا لكل مقاربة تسعى لاستكناه حقيقة القراءة الأدبية والنقدية، وأسئلة البحث والمنهج تتوالى وفق مسار يعمل على تشكيل الرؤية النقدية وفق معطيات تتوزعها اهتمامات الباحث الذي يهدف لمعرفة آلية تشكيل الإبداع ورصد آلياته، ومن ثم الامساك بجوانب الدلالة فيه، وكشف خباياه وتعرية المستور منه، وتوضيح مقاصده وتبريرها.

تعريف المنهج:

     لفظة منهج في اللغة تعني الطريق الواضح ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالي (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ) ( سورة المائدة آية 48)، وجاء في معجم لسان العرب في مادة نهج: ( والمنهاج : الطريق الواضح . و استنهج الطريق : صار نهجا . و في حديث العباس : لم يمت رسول الله – صلى الله عليه و سلم – حتى ترككم على طريق ناهجة أي واضحة بينة .. و فلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك نهجه . و النهج الطريق المستقيم).

والمنهج  اصطلاحا هو الطريق الذي يسلكه المعلم والمتعلم للوصول إلى الأهداف المنشودة، وبوصفه إطارا علميا يساعد على كشف جماليات النصوص وفهم مكوناته وأبعاده الدلالية هو"طريقة في البحث توصلنا إلى نتائج مضمونة أوشبه مضمونة في أقصر وقت ممكن، كما أنه وسيلة تحصن الباحث من أن يتيه في دروب ملتوية من التفكير النظري"[3]، هو أيضا عبارة عن سبيل واضحة الخطوات و المرامي تنطلق من مجموعة فرضيات وأهداف وتمر عبر سيرورة من الخطوات العلمية والإجرائية قصد الوصول إلى نتائج ملموسة و مضبوطة.

المنهج النقدي:

      إن مدلول " المنهج" يحمل من الدّلالات اللغوية ما تحيل على الخطة والهدف والطريق والسبيل، والمنهج هو تخطيط يخلق آفاقاً رحبـة لتحقيق البناء المنطقي للعلوم، ويساهم في وضع خطاطة التعليم، وهو إعادة إنتاج للمفاهيم وتأطيرها، وعلى حد تعريف يمنى العيد: "ليس المنهج قالبا جاهزا في حرفيته وتفاصيله المنهج مفهوم أو مجموعة مفاهيم يتطلّب مجرّد تبنّيها مقدرة شخصية وجهدا ثقافيا هاما؛ كما أن ممارسة هذه المفاهيم ليس مجرّد تطبيق، بل هو إعادة إنتاج لها قابلة للتبلور والتميّز وخاضعة في تبلورها وتميّزها لعلاقتها بالموقع الفكري الذي منه تمارس علاقتها بموضوعها وبالوضعية الثقافية والاجتماعية التي تشكل حقل ممارستها"[4]، فالمنهج مفهوم أو مفاهيم يستوجب ثقافة وقدرة على التعامل معها، والنّاقد الجيّد هو الذي يعيد إنتاج تلك المفاهيم، ولا يكتفي بتطبيقها وإنما يراعي أيضا حقلها الذي تشكّلت فيه فالمنهجية ليست بالاستظهار الجيّد وإنما بفهمها وتكييفها وتطبيقها ومراعاة وضعيتها التي انبنت فيها.

      ومنه فالمنهج في تعريفه هو مجموعة من المفاهيم والتصورات المتصلة والأدوات والخطوات الإجرائية التي تفضي إلى نتيجة ما، فإنّ الإشكالية تظهر عند صعوبة ترتيبها وتنسيقها بالشكل الّذي يجعلها تؤدّي إلى النتيجة المنشودة، وعليه يراد بالمنهج النقدي في مجال الأدب تلك الطريقة التي يسلكها الناقد في قراءة العمل الأدبي والفني قصدا استكناه دلالته وبنياته الجمالية والشكلية بمعنى" الطريقة التي يسير عليها دارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من موضوعات الأدب وقضاياه"[5]، فالمنهج بهذه الوجهة هو المفتاح الإجرائي الذي يساعدنا على كشف بواطن النصوص وحقائقها، لأنه ليس مجرد أداة منهجية فحسب، وإنما يختزل رؤية خاصة للعالم شارك في تفعيلها مجموعة الخلفيات السوسيوثقافية وغيرها التي أدت إلى ظهوره، وبالتالي فهو يساعدنا على رصد أبعاد النص الإبداعية.

      يقوم جوهر المنهج النقد الأدبي أولا على الكشف عن جوانب النضج الفني في الإنتاج الأدبي، وتمييزها عما سواها عن طريق الشرح والتعليل، ففن النقد يشترط التأثير بعد الإيصال، فهو إبداع بيد انه لا ينفصل عن غاية الإقناع. ولمّا كان "النّص عالم مهول من العناصر اللّغوية المتشابكة"[6]، يُطرح التساؤل التالي: هل من منهج لفهم النّص ونقده؟.

        ومن الملاحظ أن النقد خلال تجاربه الطويلة وتاريخه العميق برزت له عدة اتجاهات ومناهج مختلفة ومداخل عملية في تحليل العمل الفني وتحديد قيمته الفنية والجمالية وتقريبه إلى أذهان المتذوقين، فقد أفرز النقد الغربي الحديث نظريات ومناهج عدة بلورتها مفاهيم وتصورات أوصلت الإبداع والنقد إلى رؤى مختلفة من وضعية وتجريبية ونفسية.

       وقد تعددت المناهج النقدية التي اهتمت بقراءة النص الأدبي نتيجة تعدد الفلسفات التي تكمن وراء ظهورها، في سير أطوارها وأنماطها القرائية المختلفة، وتقتطف من مادتها، ما يصلح لأن يكون دالاً عليها في خصائصها ودقائقها. وإذا رمنا في مساربها وأغوارها بكيفية تخدم ما نبتغيه، من كشف لأدوات القراءة، وجب علينا أن نسلك مسلكا مطواعاً، يوقفنا على أهم معالم التحولات النقدية الحديثة ننطلق فيه من أبسط صور القراءة: ابتداء من التعليق العابر والملاحظة الانطباعية إلى التحليل المنهجي الصارم وذلك من خلال ثلاثة مستويات:

أ-مستوى الانطباع     :  أو العجز عن المواجهة.

ب-مستوى التردد      :  بين داخل النص وخارجه

جـ-مستوى التأصيل:  مواجهة النص.

وهي مستويات -فيما نعتقد- تتوزع مسار القراءة تباعاً، وتكشف عن عناصر التطور والتحول فتزداد عمقاً كلما تقدم بها الزمن[7].

ولقد تردد الدارسون أمام هذه المستويات من نشاط القراءة النقدية، وقد انصب جل اهتمامهم في رسم حدود مسلكين نقديين في معالجة الظاهرة الأدبية، وهما مستوى التردد ومستوى التأصيل، ويمكن القول إن المناهج النقدية العالمية الحديثة في مستوى التردد تسير في اتجاهين: اتجاه سياقي حيث تدرس النصوص الأدبية في ظروف نشأتها والسياقات الخارجية لها، والتأثيرات التي يتوقع للنص أن يؤثر فيما يحيط به، ويمكن أن يشمل هذا كل الدراسات النقدية التي لا تجعل النص الأدبي وحده مدار اهتمامها، أي أنها تتوسل بوسائل خارجية ليست من داخل النص نفسه (وقد اهـــتم هذا المنهج بالظاهرة الأدبـــية مركزا على عدة خصائص ترتبـــط ببيئة المؤلف وجـــنســه ووضعــه الاجتماعي)ويدخل في هذا المجال المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي والأسطوري.

       أما في مستوى التأصيل في مواجهة النص فإن الاتجاه النسقي وهو المنهج النصي ورد كرد فعل على سيادة المناهج السياقية في الساحة الأدبية لمدة طويلة من الزمن، حيث دعا رواده إلى دراسة النّص الأدبي انطلاقا من العلاقات الداخلية التي تحكمه، والقراءة النقدية النسقية هي الممارسة أو النشاط الإجرائي الذي يتوجه نحو النسق ومقاربة الأشكال الإبداعية بالأدوات الإجرائية المفاهيمية المتوجهة نحو الأنساق النصية التي تشكل مجموعة أبنية النص وبؤره الفنية والفكرية ومن بين هذه المناهج نجد البنيوية والتفكيكية والسيميائية والأسلوبية..

         ونجد النقد الأدبي قد وقف على عتبات منهج القراءة ونظريات التلقي والتأويل الهرمونطيقي وصولا إلى التماهي النقدي في مستوى النقد الثقافي والنقد التفاعلي، وما أفرزته تأملات وفلسفات ذهبت تحدد مدى النقد الأدبي وتُعين اتجاهاته وتبحث في علاقاته الجدلية والنظرية بأنواع المعارف الإنسانية الموازية له والمتعاصرة معه..

 

              

المحاضرة الثانية:

                               المنهج الانطباعي 

1- القراءة السياقة:

      إن انبثاق المناهج النقدية الحديثة قد كان سببه التراكمات الثقافية والتيارات الفكرية المختلفة التي عمل على إثرائها تقاطع العديد من المعارف والآداب العالمية لحضارات وشعوب متباينة، وما انبثق عنها من فلسفات مثالية وإسلامية ووجودية ومادية وذرائعية؛ وبقدر ما انتعشت تلك المناهج في الغرب، كان لها أثرها وتفاعلها في الدراسات النقدية العربية مثاقفة وممارسة وتطبيقا..

     ولعل مسار المناهج السياقية، وعمادها الإسقاطات السياقية والأحكام التذوقية والملابسات الخارجية في تحديد مقاصد النصّ ودلالته، وفيها يستعين الناقد في قراءاته للنصوص بالملابسات الاجتماعية والثقافية والنفسية ونحوها."يشكل السياق في كل قراءة أحالت على "خارج" حضورا يلون خلفيتها الفكرية وحيثياتها المعرفية"[8] حيث الاهتمام بالسياقات الزمنية للنصوص ومنتجيها بعيدًا عن الأحكام والمعايير التي ارتضاها المنهج العلمي التطبيقي والإجرائي. فالنصوص دوالٌ على خطابات تتزامن وإياها تأثيراً متبادلاً بين الانتاج والاستقبال فلا توجد نصوص مبتورة عن سياقات انتاجها ومُناخات حركيّتها وتفاعلها، هذه الحقيقة كانت الاقوى، وحال الأدب شبيهة بحال غيره من الظواهر الطبيعية والانسانية والاجتماعية في حاجته إلى حقول وميادين علمية تفسر إشكالاته وتصف طبيعة تكوينه وطرق إنتاجه.

2- المنهج الانطباعي ومرحلة التأسيس:

      الانطباعية مذهب أدبي فني، ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، وقد وردت في معجم لاروس الانطباعية بأنها " "مدرسة فنية تشكيلية ، ظهرت – تحديدا – بين 1874 و1886 ، من خلال ثمانية معارض بباريس ، وقد جسدت قطيعة الفن الحديث مع الأكاديمية الرسمية"[9]، أطلقت الانطباعية في البداية على مدرسة في التصوير ترى أن الرسام يجب أن يعبر في تجرد وبساطة عن الانطباع الذي ارتسم فيه حسيّاً، بصرف النظر عن كل المعايير العلمية، وأنها اتجاه فني عام يسعى إلى "تقييد الانطباعات الهاربة وحركية الظواهر بدلا من المنظر الثابت..."[10]. الانطباعية تقوم على ما يتركه الانطباع من أحاسيس ومشاعر لتكون انعكاسا لها، والانطباع الشخصي هو الأساس في التعبير الفني والأدبي، ذلك إلى أن أي عمل فني بحث لابد أن يمر بنفس الفنان أولاً، وعملية المرور هذه هي التي توحي بالانطباع أو التأثير الذي يدفع الفنان إلى التعبير عنه، والانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي.

ومن أهم شخصياتها:نجد أناتول فرانس 1844 – 1924م – الأديب الفرنسي، وهو يعد رائد الانطباع في الأدب، بعد أن انتقل المصطلح من الرسم إلى الأدب، ويرى أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء وهذا الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي. ويقول أنه " ليس من شك في أن الشعر والشاعر، لن يصيرا في يوم من الأيام موضوعا، يعالجه العلم البحث"[11]

أنطوان بروست: ويعد من أبرع من جسد الانطباعية الأدبية فهو حين يصف مشهداً أو ينقل أحاسيسه إزاء مشهد، تتجسد أمامنا لوحة انطباعية.

- نذكر من أقطاب هذه المدرسة الفنية التشكيلية : بيرث موريسو (B. Morisot) ، وإدوارد دوغاس (E. Dougas) ، وألفريد سيسلي (A. Sisley) ، وأوغست رونوار (A. Renoir) ، وكاميل بيسارو (C. Pissaro)...[12]

3- نشأة النقد الانطباعي:

     مهدت الأفكار الانطباعية للفن التشكيلي بدخول النقد الأدبي إلى أتون التجربة النقدية التأثيرية الانطباعية، فجاء "أرنست رينان" الذي صرح بأن الإبداع الفني ما هو إلا ذلك الذي يُمثل الجمال الخالد اللانهائي للطبيعة الإنسانية، وأن كل شيء، يثير الإعجاب والنقد. مما جعل "لومتر" يستفيد من هذه الأفكار القيمة لاستكمال منهجه النقدي الانطباعي وهو يرى أننا لا نحب المؤلفات الأدبية لأنها جيدة ، بل تبدو جيدة لأننا نحبها[13].

 

 

4- تعريف النقد الانطباعي:

     هو النقد الذي يعتمد على نزوعات سلوكية يحكمها الذوق الفطري، والاستحسان الشخصي الذي ينبع من ذاتية كل فرد، يمتد فيه الحماس والتعصب إلى طلب القيمة من الانطباع "يعتمد على الذوق الخاص القائم على التجربة الشخصية فيبتعد عن المنهج الموضوعي العلمي فهو نقد ذو طابع غير مقنع لأنه لا يهتم بالنصوص بل كل اهتمامه بأثرها على نفسه فمقياسه الشعور و الذوق"[14] ، وهو الذي يتأرجح بين الارتجال العبقري، وسلامة الذوق، "وأبسط صورة للحكم هي أن يعبر الناقد عن رضاه عن العمل الأدبي أو نفوره منه ، فيقول مثلا إنه جيد ، أو إنه رديء ، وقد يقول إنه حسن أو إنه قبيح "[15] فيقوم النقد الانطباعي على أسس واضحة هي الذوق وتغليب العاطفة والإحساس على العقل .

    5- رواد النقد الانطباعي الغربي :

     سانت بيف/Ch.A.Sainte -Breuve (1804-1896) الذي كان يكتب النقد بلغة الشعر! ، وأناطول فرانس / A. France (1844-1924) الذي اتخذ من النقد وسيلة لسرد مغامراته ، وجول لوماتر/ J. Lemaitre (1853-1914) وكذلك أندري جيد A. Gide (1869-1951) الذي جعل من العملية النقدية اعترافات ذاتية ، وتعبيرا عن الأفكار الخاصة؛ يتخذ من النصوص المدروسة داعيا لذلك ، وغوستاف لانسون / G. Lonson (1857-1934) الذي ظل – مع انتمائه التاريخي الواضح – مؤمنا بأن الانطباعية هي المنهج الوحيد الذي يمكننا من الإحساس بقوة المؤلفات وجمالها شريطة استخدامها بحذر شديد[16] .

   6- النقد الانطباعي العربي:

      عرف النقد الانطباعي عدة تسميات في النقد الأدبي العربي منها (المنهج التأثري أو الذاتي أو الذوقي أو الانفعالي...) ، وقد أجمعت جملة من الدراسات (كـ "دراسة الأدب العربي" لمصطفى ناصف ، و"المرايا المتجاورة" لجابر عصفور ، ...) على أن طه حسين (1889- 1973) هو زعيم النقد الانطباعي، وكذلك محمد مندور (1907-1965)الذي تظل "الانطباعية" الثابت النقدي الكبير في تحولاته المنهجية المختلفة (اللغوية ، التاريخية ، الإيديولوجية ، ...) ويرى مندور أن النقد ليس علما ، وما ينبغي أن يكون ، وأن قوام النقد ومرجعه كله إلى التذوق، وأن للذوق الشخصي الكلمة العليا في نقد الفنون ، وأن الذوق المقصود هو الذوق المدرب المصقول بطول الممارسات القرائية والتحليلية والفهمية ؛ أي "الذوق المعلل في حدود الممكن ، وإن كانت ثمة أشياء (لا تؤديها الصفة) .." [17] وهناك الكثير ممن تبنى الاتجاه الانطباعي في نقده للإبداع الأدبي.

      وإذا عدنا إلى البدايات الأولى للنقد العربي فأننا أول ما نقف عنده هو البداية البسيطة التي انطلق منها كانت تعول على الانطباعية والتأثيرية مثلما يعرف عن النابغة الذبياني في تقييمه للشعراء العصر الجاهلي في سوق عكاظ، وغيره ممن كان يتذوق الشعر العربي  القديم فهم يقدِمون على سماع النص أو الأثر ويطلقون عليه في بادئ الأمر حكما ذاتيا، يسبقه ذوق فني رفيع، يستند إلى الهبة الفنية اللدنية، والتجارب الشعورية الذاتية، وإلى الاطلاع الواسع على مأثور الأدب البحت، وقد كانت تتداخل فيه صورة العربي المنفعل المنجذب إلى القيم التي تشبع بها جراء تأثيرات بيئته المترامية الأطراف حيث التنافس على الكرم وجمال الطبيعة والصحراء ونخوته ونجدته ... وقوفه على الأطلال و إطالة نظرته النفسية الفطرية في الكائنات بمختلف أنواعها مما ألفه وتعايش معه في خيمته أو غامر إليه لصيده واقتناصه، إذا لم يكن للشاعر قوة فراسة ومهارة فنية على نظام القصيدة الجاهلية لا يمكن أن يصنف الشاعر مع فحول الشعراء حتى يتوفر شعره على هذه الشروط الذاتية يفرضها شاعر فحل من شعرائهم المرموقين قد ذاع صيته بينهم.

      فعندما يقف النابغة في عرض الخيمة و تضرب له الخيمة على رحابتها و يلتفّ حولها الشعراء من كل حدب وصوب يلقي الشاعر قصيدته بكل فخر ويليه الثاني ينافسه في إعجاب الحضور لا ينتظر منهم مالا أو عطاء بقدر ما ينتظر منهم كلمة أحسنت أو أجدت. ويقوم النابغة بتمجيد للشاعر المتمكن الذي ينحو منحى رمزيا أو رومانسيا بدليل إعجاب عفو الخاطر، لا منطلق لها، والأفكار النقدية التي ينسجها يتسابق إليها الحكم ذوقيا على أنغام شجية يعلوها الخيال الأثيري وهكذا...

 

 

7- الخصائص العامة للنقد الانطباعي:

 المنهج الانطباعي أو التأثري لم يختف قط ، بل ظل قائما مسايرا تطور الإبداع الأدبي في مراحله التاريخية الطويلة وقد تميز بخصائص نذكر منها:

- الفنان يحس أو يتأثر أولاً، ثم ينقل هذا الانطباع أو التأثير عن طريق التعبير. ولا يكترث للمعايرية، فطالما أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء، فإن على الأديب أن يضع هذه الحقيقة نصب عينيه، لأن الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي.

- كل معرفة لم يسبقها إحساس بها لا تجدي، الانطباعية تقول: (أنا أحس إذن أنا موجود) بدلاً من العقلانية التي تقول على لسان ديكارت: (أنا أفكر إذن أنا موجود).

المضمون هو المهم لا الشكل الفني عند الأديب الانطباعي في نقل انطباعه الذاتي للآخرين.

- الإفراط في استحسان النصوص أو استهجانها، على السواء، أي ما يسميه جابر عصفور بثنائية (الحب والكره) التي يتوسل بها الناقد الانطباعي جاعلا من حالاته المزاجية معيارا نقديا متقلبا ! .... الذوبان في النصوص المعجب بها والتماهي في أصحابها[18].

- من النقد الذي وجه للانطباعيين أنهم جروا وراء التسجيل الحرفي للانطباع ونسوا القيمة الجمالية التي تحتم وجود الشكل الفني في العمل الأدبي. وهكذا فقد أصبح النقد الأدبي والتذوق الفني مجرد تعبير عن الانفعالات الشخصية والأحاسيس الذاتية التي يثيرها العمل الأدبي في الناقد.....

وما يؤاخذ على الانطباعية أن هذه الأحكام في جوهرها تدبيجات وصفية وانطباعية تفيض بالذاتية والدونية، والذوق منها يقف خارج النص، ولا يحاوره ، وما كان له أن يحاوره وقد سيرته الذاكرة ، وقاده الافتعال ، وساقه التكلف ، لأنه لا يرقى إلى درجة الإرهاص الذي ينبئ بميلاد النقد[19]

     وهو نقد أخرجه صاحبه تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة أو الأهواء الشخصية المتحيزة، أو المزاج الفردي الخاص،لم يخرجه نتيجة تأمل ودراسة مدققة تعتمد على معايير وضوابط متفق عليها.

      ورغم هذا، فإن النقد التأثري أتبث قيمته من خلال كونه نظرية نقدية، أسهمت في الكشف، عن المتعة الفكرية في العمل الإبداعي، كما أنه يأتي في المرحلة الأولى للعملية النقدية، قبل النقد الموضوعي. فالقارئ يمر حتما، بانطباع أولي، عندما يتأثر بالموضوع، والأسلوب واللغة، وشخصية الكاتب...

 

 

 

المحاضرة الثالثة:

المنهج التاريخي

1- المنهج التاريخي النشأة والتأسيس:

      يعدّ المنهج التاريخي أول المناهج النقدية السياقية ظهوراً في العصر الحديث، ارتبط بالفكر الإنساني وتبلور هذا المنهج داخل المدارس الغربية العريقة كالرومانسية والواقعية وانبثق عنها ، إذ هي التي أبانت عن الوعي الإنساني بالزمن، وتصوره للتاريخ ، ووضوح فكرة التسلسل والتطور والارتقاء ،يقول كارلوني وفيللو :"نطبق على الآداب أساليب التاريخ العادية: تمييز الحقبات، وتحقيق نزعاتها، إظهار تسلسل الوقائع، وضع جدول لكل حقبة أو لكل لون أدبي في فترة معينة، جدول لا يتجاهل الصغار، كي نضع الكبار في سياق الكلام، ربط الوقائع الأدبية بحقائق التاريخ الأخرى. وباختصار تقديم الأدب في ديمومته واستمراره الحي، وجعلنا نشعر بمؤلفات الماضي القديم أو الحديث كأننا نعيش في زمن ظهورها، وإن كنا نفهمها أحسن فهم لأننا نعرف ما سيتبعها"[20]. هذا المنهج يشكِّل أهميةً كبيرةً في معرفة الأدب ومراحلِ تطورهِ، وفهم حقائقها وسر وجودها وخلودها.

    وهذا التصور التاريخي هو الذي عكس النظرة الكلاسيكية التي ظلت تؤمن بأن الأدب والابداع ما هو إلا محاكاة Imitation  للأقدمين ، وأن أدبهم يمثل النموذج الأرقى في مجال التطور التاريخي[21]. فالتاريخ يعبر في جوهره عن الذاكرة الإنسانية بمختلف نشاطاتها المادية والفكرية، ويدرس الإنسان بوصفه كائناً مرتبط بالزمان والمكان.

      إن النقد التاريخي هو منهج علميّ يدرس الأدب من حيثُ كونه ظاهرة مرت بمراحل عدّة تخضع للتغيرات الزمكانية في مظاهرها المختلفة ووظيفة تكوينها وأهمية عناصرها وأشكالها ومضامينها، وتكمن من وراء التحولات والتغيّرات الأدبية أسباب اجتماعية وبيئية، والقراءة التاريخية هي تلك الجهود الفكرية التي عرفها مطلع هذا القرن إلى منتصفه، والتي حاولت أن "تقص" رحلة الأدب من خلال تراكمات التاريخ، ضعفاً وقوة[22]، فالتحم البحث الأدبي بالبحث التاريخي، وفق شرائط المنهج العلمي، وتولد عن هذا التلاحم ميلاد "تاريخ الأدب"[23]

      إن الحضور المكثف للنقد التاريخي الذي اتخذ طابعاً منهجياً مؤسساً، وهو كما يقول عبد السلام المسدي:"سلسلة من المعادلات السببية:فالنص ثمرة صاحبه، والأديب صورة لثقافته والثقافة إفراز للبيئة، والبيئة جزء من التاريخ، فإذا النقد تأريخ للأديب من خلال بيئته"[24]، فقد ركزت القراءة التاريخية على تحقيق النصوص وتوثيقها باستحضار حياة المؤلف وجيله وبيئته.

      فاهتمت بشرح الظواهر الإبداعية، فعمدت إلى إبراز العوامل الجغرافية والدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية،كما سعت إلى دراسة الأطوار التي مر بها أي جنس من الأجناس الأدبية، ورصد الأقوال التي قيلت في عمل ما أو مبدعه للترجيح بينها، ومن ثم تعمد على المرجّح من الأقوال لمعرفة العصر والملابسات التاريخية المساهمة في إنتاج ذلك العمل فهذه القراءة "تبدأ بالتحريات ذات الطابع العلمي الواسع، والتي تشبه إلى حد بعيد كيفيات البحث في الظواهر التاريخية. وهي تحريات تفصيلية: تتلخص في جمع المستندات والطبعات المختلفة، والتحقق من صحة نسبة النصوص، وقراءة الحواشي، ورصد التغيرات الرئيسية"[25].

2- نظريات النقد التاريخي وروادها:

من أبرز النّقاد الذين تبنوُّا المنهج التأريخي في دراساتهم النقدية نجد : ( هيبوليت تين، سانت بيف، غوستاف لانسون، فردينان برونتيير..)

1- هيبوليت تين H.Taine"وهو يعتبر من المنظرين الأوائل للنقد التاريخي، فقد كان يعتبر الإنتاج الأدبي انعكاسا للمحيط العام والوسط الاجتماعي، وأخضعه لعوامل الجنس والبيئة واللحظة التاريخية التي كانت تشرط الطاقة التعبيرية المحورية التي يسميها"الملكة الأساسية Faculté maîtresse" وتقسيمه ورد على الشكل التالي:

أ- العرق أو الجنس، يتمثل في الخصائص الفطرية والوراثية المشتركة بين أفراد الأمة الواحدة المنحدرة من جنس معين

ب- البيئة أو المكان والوسط: بمعنى الفضاء الجغرافي وانعكاساته الاجتماعية في النص الأدبي

ج- الزمان والعصر: مجموعة الظروف السياسة والثقافية ومدى تأثيرها على النص[26]

2- وسانت بيف Sainte Beuve الذي كان يرسم شخصيات الأدباء انطلاقا من دراسة حياتهم، ويصنفهم إلى فصائل فكرية عقلية ونماذج نفسية وأخلاقية….

3- غوستاف لانسون G.Lanson الذي ظهر له كتاب بعنوان "منهج البحث في تاريخ الأدب" سنة 1901، حدد فيه خطوات المنهج التاريخي وجعلها بمثابة قوانين تحاور النص في إطاره الخارجي وهي:

أ‌-    قانون تلاحم الأدب بالحياة: الأدب مكمل للحياة

ب‌-                    قانون التأثيرات الأجنبية

ج- قانون تشكل الأنواع الأدبية

د- قانون تلاحم الأشكال الجمالية

هـ- قانون ظهور الأعمال الخالدة

و- قانون أثر المؤلف في الجمهور (المؤلف قوة منظمة)[27]. فلانسون قيد إجراءاته التأريخية الموضوعية بسلسلة من العمليات العلمية المتراوحة بين تحقيق النص وتوثيقه وتحليله وتقويمه وتصنيفه،كي تتكامل في نظره المعرفة الموضوعية التاريخية مع التأثرالشخصي والذوق الخاص،وتراعي خصوصيات المادة الأدبية موضوع الدرس.

3- النقد التاريخي العربي:

   تعد الدراسات التاريخية في النقد العربي من أقدم الدراسات وأعرقها نشأة وتداخلاً مع النقد الفني في كثير من القضايا، إذ نلفي كثيراً من الأحكام النقدية تعتمد في أسسها على التصورات التاريخية، في فن السيرة والمدونات،  ثم ما فعله ابن خلدون في قضية التحقيق والتدوين.

     استنت القراءة النقدية التاريخية العربية الحديثة لنفسها سنناً جديدة في منهجية الدرس التاريخي للأدب، فنشأت الحاجة إلى إعادة قراءة الموروث الأدبي العربي على ضوء ما يعرف "بتاريخ الأدب العربي" وقد عني بذلك الكثير من النقاد منهم طه حسين، وشوقي ضيف وجرجي زيدان وإيليا الحاوي، وأبو القاسم سعد الله وصالح خرفي... وغيرهم، وقد ساهمت الدرسات النقدية العربية بهذا المنهج بتحرير النصوص وتحقيقها والتأكد من صحة وسلامة نِسْبَتِها إلى أصحابها، وخلوها من التحريف، والزيادة والنقصان، وتحقيق تاريخ النّص وزمان تأليفه، والمرحلة التي ينتمي إليها.

4- المآخذ على المنهج التاريخي:

أوجه القصور والاعتراض، التي مني بها المنهج التأريخي في معالجته للآداب، ما يأتي:

1-إهمال النّص الأدبي من داخلهِ، من حيثُ لغته وأسلوبه، وخصائصه الفنيّة بالدرس والتحليل.

2- طغيان التاريخ على الأدب، وكأنَّه مادة تأريخية أكثر منها درساً أدبياً.

3- تجاهل الخصائص الفردية، والمواهب الشّخصية في العمل الأدبي، وإرجاع الإبداع إلى أسباب جبرية كالبيئة، والجنس، والعصر، ممّا يحقق إغفالاً لعبقريات الأدباء، ومواهبهم الفردية.

4- أصدر المنهج التأريخي كثيراً من الأحكام التعميمية والجازمة على عصور الأدب والأدباء، ومن ذلك القول بأنَّ: التدهور التأريخي يُخلّف أدباً يطغي فيه الحكم الذاتي على أحداث التاريخ وعصره، كما فعل طه حسين في كتابهِ (في الشعر الجاهلي) الذي بالغ فيه كثيراً ورفض الأدب الجاهلي جملةً وتفصيلاً معتمداً على هواجسه الذاتية والظَّنية، واستقرائه الناقص للمعلومات والتاريخ، مبتعداً عن جادة الصّواب والموضوعية العلميّة.

5- أهملَ المنهج التأريخي الكثير من الأدباء والعلماء الذين لم يكن لهم حضور سياسي

أو اجتماعي بارز، ووقف عند الشَّخصيات المشهورة فقط.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    المحاضرة الرابعة:         المنهج الاجتماعي

مقدمة:

     يعد المنهج الاجتماعي من المناهج النقدية السياقية الحديثة، وقد تولد هذا المنهج من المنهج التاريخي، بمعنى أن المنطلق التاريخي كان هو التأسيس الطبيعي للمنطلق الاجتماعي عبر محوري الزمان والمكان[28]، وهو منهج يربط بين الأدب والمجتمع بطبقاته المختلفة، فيكون الأدب ممثلاً للحياة على المستوى الجماعي لا الفردي؛ باعتبار أن المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية، فالقارئ حاضر في ذهن الأديب وهو وسيلته وغايته في آن واحد[29].

      اهتم المنهج الاجتماعي بالمرجع الخارجي وذلك بربط الأدب بالمجتمع مباشرة مع المادية الجدلية أوبطريقة غير مباشرة فبدأ التنكر للمثالية، من خلال إحلال الواقع محل المثال، وغدا الفن انعكاساً صادقاً للواقع الموضوعي، فهو لا يولد خارج الحياة، ولا يتنزل عليها، وإنما ينبع منها، فهو في جوهره حكم يصدره الفنان بعد تحليل الواقع المتحول باستمرار: "ولو أننا افترضنا أن هذه الفكرة ليست سوى نتيجة لنشاط عقله لما قتلنا الفن وحده. بل قتلنا أيضاً إمكانية الفن نفسها"[30] لقد أجبر الجدل الواقع بين المثل والواقع، الفلسفة المثالية على الاعتراف به كوجود[31].

       ويقول جورج لوكاتش عن المنهج الاجتماعي " إنه منهج بسيط جدا ، يتكون أولا و قبل أيّ شيء من دراسة الأسس الاجتماعية الواقعية بعناية "[32] فالأدب يصور لنا الحياة الاجتماعية في الفترة التاريخية التي كتب فيها، ويعطينا صورة واضحة عن وقائع اجتماعية محددة

1- المنهج الاجتماعي التأسيس والنظريات:

      مع ظهور النظريات الإيديولوجية الحديثة كالنظرية الاشتراكية والشيوعية سيظهر المنهج الإيديولوجي الاشتراكي والمنهج المادي الجدلي في الساحة النقدية الأدبية الحديثة، حيث ظلت تتساوق وما طرحته فلسفة هيجل ( 1770- 1831 ) التي ربطت بين الأنواع الأدبية والمجتمعات، وكانت الواقعية إفرازًا بينًا فيه، كما أن الماركسية تُداخِل فيما بين المنهجين التاريخي والاجتماعي. ومنه فالجذور الأولى للمنهج النقدي الاجتماعي ترجع إلى هيجل، إذ ربط بين ظهور الرواية والتغيرات الاجتماعية، مستنتجاً أن الانتقال من الملحمة إلى الرواية جاء نتيجة لصعود البرجوازية، وما تملكه من هواجس أخلاقية وتعليمية[33]

    مع بدايات القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بدراسة العلاقة بين الناحية الاجتماعية والأدب، فصدر آنذاك كتاب لمدام دوستال تحت عنوان "الأدب في علاقاته بالمؤسسات الاجتماعية" متناولاً تأثير الدين والعادات والقوانين في الأدب، وتأثير الأدب فيها[34] فقد تبنت مبدأ أن الأدب تعبير عن المجتمع[35]، لقد ظل الاهتمام بالمضامين قائماً لتحديد موقف المؤلف من الصراع الطبقي، ما دام المجتمع يشهد صراعاً طبقياً،  بوصف الفن شكلا من أشكال البنية الفكرية للمجتمع.

     قد كان للفكر المادي الماركسي أثر في تطور المنهج الاجتماعي، وإكسابه إطاراً منهجياً وشكلاً فكرياً ناضجاً، ومن المتقرر في الفلسفة الماركسية أن المجتمع يتكون من بنيتين: دنيا: يمثلها النتاج المادي المتجلي في البنية الاقتصادية، وعليا: تتمثل في النظم الثقافية والفكرية والسياسية المتولدة عن البنية الأساسية الأولى، وأن أي تغير في قوى الإنتاج المادية لابد أن يُحدث تغيراً في العلاقات والنظم الفكرية[36].

وقد عملت الماركسية مع الواقعية جنباً إلى جنب في تعميق الاتجاه الذي يدعو إلى التلازم بين التطور الاجتماعي والازدهار الأدبي؛ مما أسهم في ازدهار "علم الاجتماع" بتنوعاته المختلفة،  كان من بينها علم نشأ قبل منتصف القرن العشرين أطلق عليه: علم "اجتماع الأدب" أو "سوسيولوجيا الأدب"، وقد تأثر هذا العلم بالتطورات التي حدثت في الأدب من جانب، وما حدث في مناهج علم الاجتماع من جانب آخر[37].

2- اتجاهات المنهج الاجتماعي.

 أ- الاتجاه الأول: الكمي. يطلق عليه علم اجتماع الظواهر الأدبية، وهو تيار تجريبي يستفيد من التقنيات التحليلية في مناهج الدراسات الاجتماعية، مثل الإحصائيات والبيانات وتفسير الظواهر انطلاقاً من قاعدة يبنيها الدارس طبقاً لمناهج دقيقة ثم يستخلص منها المعلومات التي تهمه[38]ومن رواد هذه المدرسة "سكاربيه"، ناقد فرنسي له كتاب في علم اجتماع الأدب، وهو يدرس الأدب كظاهرة إنتاجية مرتبطة بقوانين السوق، ويمكن عن هذا دراسة الأعمال الأدبية من ناحية الكم[39].

      ويرى هذا الاتجاه أن الأدب جزء من الحركة الثقافية، وأن تحليل الأدب يقتضي تجميع أكبر عدد البيانات الدقيقة عن الأعمال الأدبية، فعندما نعمد إلى دراسة رواية ما؛ فإننا ندرس الإنتاج الروائي في فترة محددة، وبما أن الرواية جزء من الإنتاج السردي من قصة وقصة قصيرة وغيرها، فإننا نأخذ في التوصيف الكمي لهذا الإنتاج عدد القصص والروايات التي ظهرت في تلك البيئة، وعدد الطبعات التي صدرت منها، ودرجة انتشارها، والعوائق التي واجهتها، ولو أمكن أن نصل إلى عدد القراء، واستجاباتهم، وغيرها من الإحصائيات الكمية؛ حتى يمكن لنا أن ندرس  الظاهرة الأدبية كأنها جزء من الظاهرة الاقتصادية، لكنه اقتصاد الثقافة بمعنى أننا نستخدم فيها مصطلحات الإنتاج والتسويق والتوزيع، وكل ذلك نستخدمه لاستخلاص نتائج مهمة تكشف لنا عن حركة الأدب في المجتمع[40].

ب- الاتجاه الثاني: المدرسة الجدلية. نسبة إلى "هيجل" ثم ماركس من بعده ورأيهما في العلاقة بين البنى التحتية والبنى الفوقية في الإنتاج الأدبي والإنتاج الثقافي، وهذه العلاقة متبادلة ومتفاعلة مما يجعلها علاقة جدلية ([41]) .

وقد برز "جورج لوكاش" كمنظِّر لهذا الاتجاه عندما درس وحلل العلاقة بين الأدب والمجتمع باعتباره انعكاساً وتمثيلاً للحياة، وقدَّم دراسات ربط فيها بين نشأة الجنس الأدبي وازدهاره، وبين طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية لمجتمع ما تسمى بـ"سوسيولوجيا الأجناس الأدبية"، تناول فيها طبيعة ونشأة الرواية المقترنة بنشأة حركة الرأسمالية العالمية وصعود البرجوازية الغربية[42].

ثم جاء بعده "لوسيان جولدمان" الذي ارتكز على مبادئ لوكاش وطوّرها حتى تبنى اتجاهاً يطلق عليه "علم اجتماع الإبداع الأدبي"، حاول فيه الاقتراب من الجانب الكيفي على عكس اتجاه "سكاربيه" الكمي[43] . وقد اعتمد "غولدمان" على مجموعة من المبادئ العميقة والمتشابكة التي يمكن أن نوجزها في التالي:

  1. يرى "غولدمان" أن الأدب ليس إنتاجاً فردياً، ولا يعامل باعتباره تعبيراً عن وجهة نظر شخصية، بل هو تعبير عن الوعي الطبقي للفئات والمجتمعات المختلفة، بمعنى أن الأديب عندما يكتب فإنه يعبر عن وجهة نظر تتجسد فيها عمليات الوعي والضمير الجماعي، فجودة الأديب وإقبال القرَّاء على أدبه بسبب قوته في تجسيد المنظور الجماعي ووعيه الحقيقي بحاجات المجتمع، فيجد القارئ ذاته وأحلامه ووعيه بالأشياء، والعكس صحيح لمن يملكون وعياً مزيفاً[44].
  2. أن الأعمال الأدبية تتميز بأبنية دلالية كلية، وهي ما يفهم من العمل الأدبي في إجماله، وهي تختلف من عملٍ لآخر، فعندما نقرأ عملاً  ما فإننا ننمو إلى إقامة بنية دلالية كلية تتعدل باستمرار كلما عبرنا من جزء إلى آخر في العمل الإبداعي، فإذا انتهينا من القراءة نكون قد كوَّنا بنية دلالية كلية تتكون من المقابل المفهومي والمقابل الفكري للوعي والضمير الاجتماعيين المتبلورين لدى الأديب[45].

واعتماداً على ما سبق نجد بين العمل الأدبي ودلالته اتصالاً وتناظراً، ونقطة الاتصال بين البنية الدلالية والوعي الجماعي هي أهم الحلقات عند "جولدمان" والتي يطلق عليها مصطلح "رؤية العالم"، فكل عمل أدبي يتضمن رؤية للعالم، ليس العمل الأدبي المنفرد فحسب لكن الإنتاج الكلي للأديب[46].

انطلاقاً من هذا المنظور أسس "غولدمان" منهجه "التوليدي" أو "التكويني"، كما قام بإجراء عدد من الدراسات التي ترتبط بعلم اجتماع الأجناس الأدبية كما فعل "لوكاش"، فأصدر كتاباً بعنوان "من أجل تحليل سوسيولوجي للرواية" درس فيه نشأة الرواية الغربية وكيفية تحولاتها المختلفة في مراحلها المتعددة تعبيراً عن رؤية البرجوازية الغربية للعالم ([47]) .

ثم حدث تطور في مناهج النقد الأدبي مما أدى إلى نشوء علم جديد هو "علم اجتماع النص"، يعتمد على اللغة باعتبارها الوسيط الفعلي بين الأدب والحياة، فهي مركز التحليل النقدي في الأعمال الأدبية، فاتخاذ اللغة منطقة للبحث النقدي في علم اجتماع النص الأدبي هو الوسيلة لتفادي الهوة النوعية بين الظواهر المختلفة[48] .

4- المنهج الاجتماعي في النقد العربي.

    نجد في تراثنا النقدي القديم نقداً للمجتمع وسلوكياته ككتاب "البخلاء" للجاحظ، والحرص على الربط بين المعنى الشريف واللفظ الشريف الذي نجده عند بشر بن المعتمر، وبعض الملاحظات المنتشرة في كتب النقد القديم التي تحث على الربط بين المستوى التعبيري ومستوى المتلقين[49].

أما في النقد الحديث، فلم يكن لهذا المنهج رواد بارزون مقتنعون به، يربطون بين الإنتاج المادي والإنتاج الأدبي كما يوجد في روسيا، ولكننا نجد بعض الدعوات إلى الاهتمام بالاتجاه الاجتماعي في النقد الأدبي عند شبلي شميل، وسلامة موسى، وعمر الفاخوري، وقد اقترب هذا المنهج من المدرسة الجدلية عند محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنبس، ولوبس عوض، حتى كان تجليه في النقد الأيدلوجي عند محمد مندور[50] .

5- نقد المنهج الاجتماعي.

    للمنهج الاجتماعي جوانب تقصير عديدة نحاول إيجازها في التالي: وللمنهج الاجتماعي عيوب أبرزها إصرار أصحابه على صدور فن الأديب عن رؤى مجتمعه، وقصرهم جودة عمله الأدبي على مدى تصويره لمشاكل طبقته، وفي هذا سلب صريح لحرية الأدب والأديب

  1. إصرار أصحاب المنهج الاجتماعي على رؤية الأدب على أنه انعكاس للظروف الاجتماعية للأديب[51]، ونجد أن هذا الرأي صحيح إلى حدٍّ ما، فليس الأديب شيئاً منعزلاً عن مجتمعه، لكنه أيضاً يحتاج لأن يعبر عن أشياء أخرى مختلفة غير هموم مجتمعه.

2. سيطرت التوجهات المادية على كل شيء في هذا المنهج، فالبنية الدنيا المادية ـ في نظر الاتجاه الماركسي ـ تتحكم في البنية العليا التي يعتبر الأدب جزء منها، فتزول حرية الأديب لأنها مبنية على سيطرة المادة، ومن جانب آخر يغفل هذا المنهج جانب الغيبيات وأثرها الفاعل في توجيه الأدباء من خلال الخلوص لله سبحانه واستحضار خشيته في القول والفعل، وهو يتصل بالمرجعية الدينية كجزء من الحكم النقدي[52].

3. يهتم هذا المنهج بالأعمال النثرية كالقصص والمسرحيات، ويركز النقاد على شخصية البطل، وإظهار تفوقها على الواقع مما يؤدي إلى التزييف نتيجة الإفراط في التفاؤل، فتصوير البطل يجب أن يكون من خلال الواقع وتمثل الجوهر الحقيقي لواقع الحياة[53].

4. يغلب على أصحاب هذا الاتجاه إفراطهم في الاهتمام بمضمون العمل الأدبي على حساب الشكل، فجاء "علم اجتماع النص" كتعويض لهذا النقص حيث يهتم باللغة باعتبارها الوسيط بين الحياة والأدب، وهي أداة فهم المبدع وإبداعه[54].

 

 

المحاضرة الخامسة:            المنهج النفسي

توطئة:

     قد كان لعلم النفس الأثر البالغ في دفع الحركة النقدية الأدبية الحديثة، ودراسة القوانين التي تحكم الظاهرة الأدبية، وربط الأدب بالحالة النفسية للأديب، فظهر النقد النفسي الذي ظل يعول بالأدوات الإجرائية التي ستمدّها من النظريات النفسية، إذ مكنته من قراءة النص برؤية جديدة، وبناء أسس نقدية حداثية تعتمد على معايير علمية في التعامل مع الظواهر الأدبية.

     يهتم النقد النفسي بالنماذج النفسية القابلة للتحليل؛ ويرى التحليل النفسي أن الإبداع ليس إلا حالة خاصة تسيطر عليها الظروف النفسية التي كانت سببا في وجوده، ويعرف المنهج النقدي النفسي على أنه: «ذلك المنهج الذي يخضع النص الأدبي للبحوث النفسية، ويحاول الانتفاع من النظريات النفسية في تفسير الظواهر الأدبية، والكشف عن عللها وأسبابها ومنابعها الخفية وخيوطها الدقيقة، وما لها من أعماق وأبعاد وآثار ممتدة»[55]، فهذا المنهج يبحث عن سيكلوجية المبدع من خلال أثره الأدبي الذي تركه، والتحليل يكون في اتجاهات عديدة  فهي تارة تحلل أثراً معيناً من الآثار الأدبية ، لتستخرج من هذا التحليل بعض المعلومات عن سيكلوجية المؤلف، وهي تارة أخرى تتناول جملة آثار المؤلف وتستخرج منها نتائج عامة عن حالته النفسية ثم تطبق هذه النتائج العامة في توضيح آثار بعينها من آثاره[56]، ومنه فالمنهج النفسي يربط بين العمل الأدبي ونفسية صاحبه ودلالة هذا العمل على شخصية صاحبه.

1- النقد النفسي تأسيسه ونظرياته:

     تستند نظرية التحليل النفسي إلى أصول معرفية تؤسّسها نظرة فلسفية قديمة، إذ تشكلت معالم المنهج النفسي مع "أرسطو" بظهور تشريحاته النفسانية في مؤلفاته ، وخاصة في البويطيقا ، وتجلت بشكل بارز في نظرية "المحاكاة" التي ربط فيها وظيفة الفن بالتطهير "الكتارسيس" في صورة نفسية "الشفقة والخوف"([57])، لكن نظرة "أرسطو" الفلسفية لم تصبح اتجاها نقديا بل كانت نقطة ارتكاز ودعامة مسبقة للتحليل النفسي.

      استمد النقد النفسي الحديث معالمه من والأطروحات التي جاء بها سيغموند فرويد، وغوستاف يونغ وأدلر، ومدرسة الجشطالت النفسية. ومقياس الأدب عندهم أن جودة العمل أو رداءته لا تعلل بجماليته ولفتاته الذوقية والشعورية والخيال وجمال الأسلوب ولكنها تعلل بالقيم النفسية والتأثير النفسي رفي نفسية القارئ، ويدرسون الأدب في النماذج الأدبية ويحللونها بتعاملهم مع النماذج البشرية، كما أن الأديب واسع الخيال شديد الحساسية، يستجيب أوسع استجابة لمؤثرات خارجية وداخلية.

1- ركز فرويد على الدوافع الجنسية من بين الدوافع اللاواعية التي يراها تشكل العمل الإبداعي، من مثل عقدة أوديب وعقدة إلكترا. ويرى أن الفن والإبداع مجرد تعويض مقنع عن الكبت الجنسي، أو مجرد ضرب من ضروب التنفيس من اجل التواؤم مع العالم وتفادياً للمرض.كما قام بتشريح الشخصية الفكرية إلى مستويات ثلاثة يقوم على أساسها تفسير العمل الأدبي أوالفني وهي:

1الأنا( Ego ) : تساهم في تحديد العملية الشكلية                      .

2- الأنا العليا (Superego ) :مسؤولة عن التطلعات الروحية التي تطرح إيديولوجيات أو الأساس الفكري للعمل                               .

3- الطاقة الجنسية (Libido) : يستقي منها الفنان أو الأديب طاقته , رؤيته    الغامضة , ولا عقلانيته .                                      

4- تفسير الرؤية والرموز وهي تفسير فرويد لرموز اللاوعي التي يقوم بإرجاعها إلى الطاقة الجنسية، في عمليات التحليل النفسي للأحلام.

     انطلق فرويد من الإبداع، فركز في مسلمات المنهج النفسي في تفسير الإبداع الفني، معتمداً على عقدة "أوديب"، فكان النص الأدبي هو الأساس الأول في اكتشافه لنظرية اللاشعور من خلال دراسته لرواية "الإخوة كرامازوف" "لدوستويفسكي"، ومسرحية "هملت" "لشكسبير"، ثم في معاينته الفنون الجميلة من خلال معايشته للوحة الرسام "ليوناردو ديفنتشي" "الموناليزا"، فـ (( قد أخذ فرويد من شخصية في المسرحية الشعرية ... الاسم الذي أطلقه على مجموعة الطاقات التي تؤلف أسس نظريته النفسية، وتحتوي كتبه ... قدرا كبيراً من الفقرات التي تدرس الانفعالات ... وسلوك الشخصيات في القصص، كما لو كانوا أناساً حققيين يتعرضون للتحليل النفسي ))[58]

    القراءة النفسية في بعض دراساتها تجعل الغرض الأساسي لها في دراسة الإبداع استكشاف الجوانب الخفية للمبدع، فقد قام "فرويد" نفسه بتطبيق ما توصل إليه من الفن ، حيث ربط بين الفن والحلم، فالمبدع يبدع عوالم خيالية ، وعليه ورد تفسير الأحلام مرادفاً لتفسير الإبداع، حيث يرى فرويد الشعر كالحلم، تحقيق وهمي لرغبات مكبوته مختزنة في منطقة اللاشعور، والكبت العاطفي الجنسي يحاصر الشاعر ويسيطر عليه فيحولها إلى شعر، بحيث أن يحل الشاعر محل الغاية الجنسية الأولية غايات أخرى ليست جنسية ولكنها مرتبطة بالغاية الجنسية في نشأتها، وأوضح العبقرية التي يتميز بها المبدعون تلك العبقريات التي كانت تنسب إلى الإلهام أو إلى الجنون، يقول فرويد : (( الشعراء والروائيون يعرفون بين السماء والأرض كثيراً من الأشياء ما تزال حكمتنا المدرسية غير قادرة على الحلم بها . فهم في معرفة النفس أساتذتنا نحن البشر العاديين ؛ لأنهم يعّبون من ينابيع لم نجعلها بعد قابلة للإدراك علمياً ))[59]، وفقوة المخيلـة الشعرية قادرة على السيطرة على الـجماهير وجذبها وراءها إلى العالم الخيالي والمتخيل.

     قد أوجد فريد تصور نفسي مبني على أسس فكرية خاصة ، يمكن فهمه من خلال سياقه الذي نبت فيه ويمكن إيجاد مسوغات له في فكر منحرف جنسيا، فيرى أن "اللاشعور" أو "العقل الباطن"، فهو مستودع للرغبات والدوافع المكبوتة التي تتفاعل في الأعماق بشكل متواصل ولكن لا تطفو إلى مستوى الشعور إلا إذا توفرت لها الظروف المحفزة لظهورها، فالأدب والفن عنده ماهما إلا تعبير عن اللاوعي الفردي[60] ، فالعمل الفني والأدبي عند فرويد يتكون من محاولة إشباع رغبات أساسية، ولا تكون الرغبةُ رغبةً ما لم يحل بينها وبين الإشباع عائق ما: كالتحريم الديني والحظر الاجتماعي أو السياسي، ولهذا تكون الرغبة حبيسةً تستقر في اللاوعي من عقل الفنان أو الأديب، لكنها تجد لنفسها متنفساً من خلال صيغ محرفة وأقنعة من شأنها أن تخفي طبيعتها الحقيقية[61].

    وهذا ما دفع فرويد إلى القول بأن اللاشعور هو مصدر العملية الإبداعية، والأعمال الإبداعية هي ترجمة لمحتوى مستودع اللاشعور من الرغبات غير المشبعة (عادةً هي بقايا من الدوافع والغرائز الطفولية)، فيعبر عنها بطريقة تتواءم مع أعراف وقوانين المجتمع عن طريق آليات الدفاع من تكثيف وإزاحة ورمز[62]، فسمى بعض ظواهر العقد النفسية بأسماء شخصيات أدبية، مثل عقدة "أوديب"، وعقدة "الكترا" وغيرها، كما لجأ إلى تحليل بعض اللوحات الفنية التشكيلية، وبعض الأعمال الأدبية والشعرية للتدليل على نظرياته في التحليل النفسي[63].

      تطورت نظرية التحليل النفسي للإبداع مع تلاميذ "فريد" وسعوا في توسيع نظريته في التحليل النفسي، محاولين تطبيق آرائه، وتوظيفها في مقاربة النصوص الإبداعية وبحث سبل جديد بإضافات نوعية لنظرية شيخهم، وبخاصة مع يونغ وأدلر.

2- كارل يونغ عول على أفكار فريد ولكنه زاد عليها إذ نقل بحثه من اللاشعور الفردي إلى اللاشعور الجماعي، فالشخصية الإنسانية -في نظره -لا تقتصر على حدود تجربتها الفردية، بل تمتد لتستوعب التجربة الإنسانية للجماعة الموغلة في القدم، وأن هذه الشخصية تحتفظ في قرارتها بالنماذج والأنماط العليا التي تختمر في الثقافة الإنسانية عبر الأجيال المختلفة، وتنتقل على شكل رواسب نفسية موروثة عن تجارب الأسلاف، وتدخل هذه النماذج والأنماط في تركيب طريقة التخيل الإنساني، وطريقة الشعور، وفي منظومة القيم، والفاعلية النفسية الإنسانية[64]، إذا كان"يونغ"  يتفق مع  أستاذه "فرويد" في فكرة اللاشعور؛ لكن في الجانب الآخر رفض مغالاته في تفسير الإبداع الفني في ضوء العقد النفسية، وإيلائها الأهمية الكبرى في حياة الفنان والسلوك الإنساني عامة، فيونغ يرى أن الفنان أهم بكثير، بل ربما لا يمكن مقارنته بمريض الأعصاب، مما أتاح الفرصة لظهور تحليل نفسي جديد للأدب [65] . وذهب إلى أن شخصية الفنان عامة بدائية ضاربة في القدم, وأنها نتاج ووعاء يحتوي على تاريخ أسلافه, وتشكلت بفعل خبرات متراكمة ماضية(اللاشعور الجمعي).

حضت نظرية "يونغ" النفسية في اللاشعور الجمعي بدراسات مستفيضة نحو تقصي مظاهر النماذج العليا في الأدب والفن والأساطير، والصور الشعرية والأدبية التي يعكسها إبداع هؤلاء الأدباء والفنانين في أعمالهم، بواسطة تلك الرواسب المنحدرة إليهم من أسلافهم، ومحاولة فهمها وتفسيرها في ضوء معرفتها للنماذج الأسطورية والشعائرية للأمم والشعوب[66].

3- ظهر ألفرد أدلر مناقضا لمنهجي فرويد ويونغ، فهو يرى أن الشعر والفن مبعثه التعويض عن النقص وحب الظهور والسيطرة، فالفنان كائن شعوري يشعر بنقائصه ويشعر بأهدافه التي يحاول بلوغها، ومشاعر النقص أو الإحساس بعدم الكمال هي التي تدفعه للتغلب على نقصه. وقد رفض "أدلر" تفسير أستاذه "فرويد" للإبداع تعويضا مقنَّعا عن كبت جنسي يعاني منه المبدع، وضرباً من ضروب التنفيس في محاولة للتواؤم مع العالم وتفادياً للمرض، مع عدم رفضه لفكرة الدافع الغريزي للإبداع [67] ، وقد استحدث"أدلر" مدرسته النفسية القائمة على الرمزية وهي  تيار نفسي كانت له أهمية خاصة في تحليل الإبداع الأدبي، وهي مدرسة تقرن بين الأحلام والرموز بشكل باهر[68].

4-أما "شارل مورون" فقد ربط التجربة الأدبية بثلاثة دوائر متماوجة متداخلة تتفاعل فيما بينها أخذاً وعطاء وتشكل الدوائر الثلاثة في فكر "شارل مورون" مشروع النقد الواسع، وتتمثل في الوسط الاجتماعي والترايخ وشخصية المؤلف،وقد جاء مشروعه محملا بالجديد في التحليل النفسي لأنّه لا يُقدم إلاّ صورة واحدية الزاوية عن التجربة الأدبية التي تشمل الفرد وتتعداه إلى واقعه ولغته وتاريخه. ذلك ما جعل "مورون" يُصرّ على أن حالة الإبداع ليست دائماً لا واعية. بل هي واعية واقعة تحت مختلف "الرقابات" وكل استنتاج قائم على حصاد اللاوعي يمكن ردّه[69]

4- النقد النفسي في الدراسات العربية:

     تعلق النقاد العرب في العصر الحديث بالمنهج السيكولوجي الغربي ، وهضموه وتعمقوا في أسسه المعرفية ، ثم انتقلوا إلى تطبيقه على الإبداع الأدبي العربي؛ لذلك (( فإن تأثير التحليل النفسي على الأدب العربي الحديث كبير للغاية – حتى وإن أنكر من شاء له أن ينكر – واستطاع الكتاب الرومانسيون وأصحاب الكلاسيكية الجديدة أن يجدوا لدى "فرويد" و"يونغ" و"أدلر" وغيرهم مجالا لاهتماماتهم النقدية ))[70]

     كانت الانطلاقة مع "العقاد" الذي قام بتحليل نفسي في دراسة غوامض التجربة الفنية لدى أبي نواس وسعى في دراسته شخصية أبي نواس إلى تفسير نفسيته في ضوء العقدة المرضية المعروفة بـ"النرجسية"، وهاتين الدراستين تنطلقان من مقولات مدرسة التحليل النفسي الفرويدي[71] ، وكذلك أبن الرومي حياته وشعره، ثم تبعه في ذلك محمد النويهي في دراسة شخصية أبي نواس، الذي سعى إلى استنباط الخصائص النفسية ومظاهر السلوك المتجلية في أشعار أبي نواس، وقد انتهى إلى تفسير تعقيده بالاضطراب الجسماني المتصل بطبيعة تكوينه، نتيجة لإرهاف في حسه وتوتر في أعصابه، ولرابطة الأمومة الناشئة من تزوج أمه بغير أبيه عقب وفاته؛ مما قاده إلى ضروب من الشذوذ، أبرزها تعلقه بالخمرة وإحساسه نحوها إحساس الولد نحو أمه[72] .

      جاءت الكثير من الدراسات التي حاولت التعرض للظواهر الشعرية التي يمثلها جملة من الشعراء، ومن الظواهر الشعرية التي كانت حقلا للدراسات النفسية المقدمة الطللية في القصيدة الجاهلية عامة والمعلقات خاصة في مقاربتي "يوسف اليوسف" " مقالات في الشعر الجاهلي" و" بحوث في المعلقات" التي أثار من خلالها جملة من القضايا السيكولوجية مستفيداً في ذلك من علم النفس الحديث، وكذلك قراءة مصطفى ناصف لشعر المعلقات في كتابه "قراءة ثانية لشعرنا القديم".

وتتحدّد النظرة النفسية المتلفعة بثوب العلمية في النقد مع مصطفى سويف في كتابه "الأسس النفسية للإبداع" وقد استطاع أن يبين مقاصد المنهج النفسي في احتوائه وإسهامه في تفسير الأدب، إذ أنّ علم النفس عادة ما يكون دائم البحث عن العوامل التي تؤثر في إبداع الشاعر وعبقريته، كما أنّه يحاول الوصول إلى مصدر المادة الفنية التي يستمد منها الشاعر شعره، وعلم النفس بذلك يحاول الوصول إلى الخيط الذي يربط التجربة الأدبية بالمبدع والمتلقي فيكشف عن عوامل التأثر والتأثير بينهم[73]، وكذلك مع عز الدين إسماعيل في "التفسير النفسي للأدب"..

 

5- عيوب المنهج النفسي:

للمنهج النفسي في النقد الأدبي عيوب وجوانب تقصير، من أهمها:

  1. أن المنهج النفسي ينظر إلى العمل الأدبي بوصفه وثيقة نفسية؛ مما يؤدي إلى معاملة العمل الأدبي على اختلاف مستوياته معاملة واحدة، فالعمل الأدبي الرديء كالعمل الأدبي الجيد من حيث دلالتهما على مُنشئهما، فلم يعد أساس التفاضل توافرَ قيم جمالية وفنية في هذا العمل، ولا شك أن النتيجة التي تترتب على ذلك هي أن هذا المنهج سيكون تحليلاً نفسياً أكثر منه منهجاً نقدياً[74].
  2. يعتمد المنهج النفسي على كشوفات علم النفس وقوانينه العامة، وهي قوانين وكشوفات لم تزل في إطار الفروض العلمية، وأن من الخطأ الجسيم اتخاذها نتائج يقينية وتطبيقها على النصوص الأدبية تطبيقاً حرفياً، فليس نبوغ الفنان مظهراً من مظاهر مرضه العصابي[75] .

إذا كان العمل الإبداعي تحويل لطاقات المبدع  في صورة من صور التسامي بغية تحقيق التواؤم مع المجتمع، فإن دافع التعبير عن الذات  يمكن أن يكون شرطاً  من شروط إنتاج الفن، وربما كانت رغبة المبدع في كسب التأييد الاجتماعي أو سواها من الرغبات الدفينة الأخرى؛ هي البديل الآخر المقبول غير الدافع الجنسي، فليس من الصواب في شيء النظر إلى الفن والأدب على أنه محصلة لنفوس شاذة أو مجموعة من الأعراض المرضية[76].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السادسة:                   المنهج الأسطوري

 تمهيد:

     ظهرت المناهج النقدية السياقية وتبنّت آراءً ومنطلقات فلسفية ومعرفية ووظفتها في دراسة الأدب وهضمه، وقد كان المنهج الأسطوري في تفسير الأدب قديمه وحديثه واحداً من هذه الاتجاهات النقدية المتدافعة التي تضطرب فيها حركة التّجريب النّقدي.

1- تعريف المنهج الأسطوري :

      هو ذلك المنهج الذي يتخّذ من الأدوات الأسطورية والأنثروبولوجية والتاريخية والأثرية أداة في تفسير النّص الأدبي وفكّ أسراره، وفهم مراميه، وإدراك غايته ورسالته. ولكي نفهم دلالة مصطلح المنهج الأسطوري، لا بدّ أن نشير إلى معنى المنهج ومعنى الأسطورة."وأصول المنهج الأسطوري تعود إلى علم الأديان والأساطير والحفريات وعلم الآثار والتحليل النفسي، ومفهومه يرتبط بالتراث الإنساني القديم، وما تضمنته من نماذج وأنماط وطقوس وعادات ومعتقدات، وكلّ الموروثات الثقافية والفكرية والدينية، والمنهج الأسطوري يحاول من خلال النّص الكشف عن علاقة الإنسان بالكون، وما الأدب الجديد إلا صورة جديدة لهيئة قديمة موجودة في الأساطير التي انحدر منها الأدب سابقاً[77]، ويقول الدكتور وهب رومية في هذا المنهج «إنّه نقد من خارج النّص، فهو لا يدرس الشّعر بل يبحث عن مصدره الخارجي ومادّته الخام، ويزداد النّظر انحرافاً حين يرى مصدراً وحيداً لهذا الشّعر، وهو الأساطير الدينية، وهكذا تغيب أركان الظّاهرة الأدبية»[78].

2- نظريات المنهج الأسطوري:

إن مع ظهور علوم جديدة بدأت القراءات السياقية تعيد صياغة مفاهيمها وفق رؤية جديدة، وبتزايد فلسفات هذه المناهج بات من الضروري تفعيل ارتباطات كل ما خارج نصي في أقصى إمكاناته مم مهد لظهور المنهج الأسطوري وأثمرت نتائجه وُرصدت بعض أصول هذا المنهج وتكشفت ملامحه، وقد أغنيت أدواته.

ومن العلوم الإنسانية التي كان لها تأثير بالغ في بلورة مفاهيم نقدية جديدة أدت إلى بروز توجه جديد في مقاربة الأعمال الإبداعية من منطلق أسطوري، علم "الأنثروبولوجيا" بزعامة "فريز" و"كاسيرار" و"نورثروب فراي".

1- الأصول الأساسية للدراسات الأنثروبولوجية الحديثة في معالجة الإبداع ترجع لـ "سير جيمس فريزر" في كتاب "الغصن الذهبي" ، الذي سعى فيه جاهداً لتطبيق المنهج الأنثروبولوجي التطوري المقارن من خلال مقاربة الموروث الإنساني بعيداً عن الإطار الإقليمي، وذلك أخذاً بالمقولة الكبرى للطرح الأنثروبولوجي في وحدة الرواسب في الأشكال الثقافية الإنسانية، وبخاصة في الأسطورة التي تحكمها أنساقاً موحدة في الثقافة الإنسانية، فعمد فريزر في التأسيس لنظريته في السحر والدين - بوصفهما المحورين الأساسيين في كتابه الغصن الذهبي، فأقام طرحه على مقاربة الأسطورة في نسقها البنائي، بوصفها أنموذجاً أولياً عبر به الإنسان الأول عن علاقته بالكون، وأن الممارسة السحرية والدينية في شعائرها الأساسية وطقوسها هي البنى المركزية لجوهر الأسطورة عند الشعوب البدائية، ذلك (( أن ممارسة الطقوس المناسبة وإشغافها بالتعويذ والطلاسم الملائمة يؤديان بالضرورة وبغير استثناء إلى النتائج المرجوة...و لكن العادة أن الساحر لا يستعين بأي قوة أخرى أعلى منه ولا يطلب العون من أي كائن آخر لا يأمن تقلباته أو عناده... ومن هنا كان ذلك التأثير القوي الذي يمارسه السحر والدين كلاهما على العقل الإنساني؛ ومن هنا كانت تلك الاستثارة القوية التي يثيرها كل منهما لطلب المعرفة ))[79] ، المعرفة في أصولها الأولى ذات البعد "الميثيوديني".

2- ونورثروب فراي الذي يعد من النقاد الرواد الذين سعوا إلى إقامة منهج نقدي يعتمد في أصوله على نظرية الأنماط البدئية واللاشعور الجمعي، وقد تجلى ذلك في كتابه "تشريح النقد" الذي نشره سنة 1957، ففي هذا المؤلف يضع نورثروب فراي أسساً للقراءة الأسطورية التي تسعى إلى مقاربة الميثيوديني في الأعمال الإبداعية؛ إذ يرى أن (( الوشائج بين الأسطوري والأدبي المجرد تضيء عدة جوانب من التخييل، وبخاصة التخييل الأكثر شعبية وهو على درجة من الواقعية تجعله قابلاً للتصديق في حوادثه ))[80]، فواقعية الأعمال الإبداعية الكبرى لا تتحقق إلا بالتعالق بين ما هو ميثولوجي وما هو أدبي، والتخييل بفاعليته المطلقة هو العنصر الفعال في صنع العالم الميثيوديني داخل النص الأدبي، بل يجعل منه واقعاً أكثر جمالاً من الواقع المعيش.

     ويرى فراي أنّ هذه الصور الكونية موجودة في الأساطير التي انحدر منها الأدب سابقاً، وسيظلّ ينحدر منها أبد الدّهر، وعلى الناقد أن يقف بعيداً عن القصيدة، ويتأملها ليكشف منظومتها الأسطورية أو تصميمها الميثولوجي[81]. «إن الأدب وفقاً لنظرية فراي يصدر عن بنية أساس -نسق أو نظام- هي الميثة أي هي الأسطورة في حالتها الأولى قبل الانزياح أو التعديل أيام كانت شعائرها (وظائفها الطقوسية) بين الميثة والطبيعة، وانتهى إلى أنّ هناك أربع ميثات، لكلّ فصل من فصول السنة ميثة واحدة محددة، ومن هذه الميثات ينحدر الأدب أو يصدر»[82]

      ويرى فراي أيضا أنّ الفرق الوحيد بين الأسطورة والأدب هو الانزياح Displacement، "فالأدب هو أسطورة منزاحة عن الأسطورة الأوليّة، التي هي أساس، وهي البنية. وكلّ صورة في الأدب، مهما تراءت لنا جديدة، لا تعدو كونها تكراراً لصور مركزيّة، مع بعض الانزياح أحياناً، ومع مطابقة كاملة أحياناً أخرى»[83]

 3- يونغ في التحليل النفسي في نظرية اللاشعوري الجمعي، ويربط كثير من الباحثين بين المنهج الأسطوري ونظرية كارل بونج في التحليل النفسي. لقد طور يونج نظرية فرويد باكتشافه طبقة أخرى من اللاوعي تقع تحت طبقة اللاوعي الشخصي أو العقل الباطن التي اكتشفها فرويد، ورآها أشبه بقبو ضخم تختزن فيه الأخيلة المكبوتة، والمكبوحة التي تشكل العقد، وهذه الطبقة العميقة من اللاوعي التي اكتشفها يونج هي طبقة اللاوعي الجمعي التي تستعصي على التحليل الفرويدي؛ لأنّها منبتة الصلة بالكبت والعقد، ويشكل اللاوعي الجمعي جزءاً من الإرث الإنساني الذي يرثه كلّ إنسان، ومن هنا كان هذا النوع من اللاوعي عاماً وشاملاً ومتشابهاً ودائم الحضور في كلّ إنسان، وعن هذا الإنسان البدائي أو اللاوعي الجمعي تصدر الصّور المألوفة في الفن والأدب والأساطير والأحلام.

4- ليفي شتراوس أعاد عرض مشكلات علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ونظر إلى أساطير الشعوب على أنّها وحدة لا تختلف من حيث عناصرها الأساسية بين بلد في أقصى الغرب وبلد في أقصى الشرق، وبدلاً من افتراض مهد واحد للأساطير (مصر أو بابل أو الهند) كما افترض كثير من الأنثروبولوجيين قبله، أرجع تلك الوحدة إلى وحدة العقل البشري التي لا تظهر فقط عندما نقارن بين أساطير الشعوب البدائية، بل تظهر عندما نقارن بين ما يسمى بالعقلية البدائية والعقلية العلمية. فقد تجمعت لديهم كميات هائلة من المواد والموروثات المتصلة[84] بالعادات والتقاليد والمعتقدات والأنظمة والأفكار، تشبه فيها أكثر الشعوب بدائية أكثرها تحضراً، فدافع هذا الاكتشاف إلى الاعتقاد بوحدة النّسق الفكري الذي قامت الثقافة البشرية على أساسه وتطورت.

استفادت الكثير من الدراسات من نظريات فريزر، فقد عمل كاسيرار على إعطاء انطباع عام لمدى اقتراب الأسطورة بالإنسان ومدى انعكاسها في الفن الإبداعي خاصة، فهي في نظره (( الأسطورة من أقدم المؤثرات وأعظمها أثراً على الحضارة الإنسانية. وهي وثيقة الصلة بكل الأفعال الإنسانية الأخرى. فهي لا تنفصل عن اللغة والشعر والفن والفكر التاريخي في صورته القديمة ))[85]

3- النقد الأسطوري عند العرب:

     عرف النقاد العرب المناهج التي أفرزتها الحضارة العربية في مجال قراءة النص، لتكون بعداً استراتيجياً ونقدياً، ومنهجاً يتلاءم مع الذوق والثقافة، وإنتاج المعرفة، من خلال المنهج النصي، "والعناية بالنص الأدبي نفسه، باعتبار أن الجسد اللغوي للنص عند أنصار هذه المناهج هو المدخل الفيزيقي الوحيد لإدراك حقيقة النص إدراكاً علمياً، أو باعتبار النص وحدة بنيوية مستقلة عن المؤلف والقارئ، ومستقلة أيضاً عن البيئة الثقافية التي أنتج فيها"[86]، وقد تأثرت بالمنهج الأسطوري الغربي تنظيرا وتطبيقا، ومن بواكير الالتفاتات التي حاولت أن تؤسس للقراءة الأسطورية في النقد العربي الحديث تلك القراءة العربية الحديثة المبنية على الأصول النظرية للقراءة الأسطورية فوجدت فيها الأداة الإجرائية، والرؤية المعرفية التي تصلح لأن تقارب بها موروثنا الشعري القديم وبخاصة الجاهلي منه، فانبرت لتؤسس لهذا المنحى من القراءة في مقاربتها للشعر العربي القديم وبخاصة الجاهلي، فظهرت عدة مقاربات حاولت أن تطبق الكثير من النظريات الأنثروبولوجية على الشعر الجاهلي، وبخاصة نظرية يونغ في الأنماط البدئية والنماذج العليا، وتايلر في الأصول الأولى للثقافة، وجيمس فريزر في دراستة لعلاقة السحر بالدين، وأرنست كاسيرر في الأسطورة واللغة، كما استفادت من أطروحات نورثروب فراي في تشريحه للنقد.

ومصطفى ناصف في مقاربته "قراءة ثانية لشعرنا القديم" وهي الدراسة المتميزة التي أثارت عدة قضايا لها علاقة بالطرح الميثيوديني للشعر الجاهلي، كما لا ننسى محمد نجيب البهبيتي في "معلقة العرب الأولى".

مقاربة: نصرت عبد الرحمن في "الصورة الفنية في الشعر الجاهلي"، وعلي البطل في "الصورة في الشعر العربي"، ومصطفى عبد الوافي الشوري في"الشعر الجاهلي تفسير أسطوري"، وإبراهيم عبد الرحمن "الشعر الجاهلي قضاياه وظواهره الفنية"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السابعة:              النقد البنيوي

تمهيد:

      ظهر النقد النسقي منافيا للنقد السياقي، حيث انصبّ النقد هنا على دراسة النص بذاته، ويسعى إلى الكشف عن العلاقات التي تتحكم بها من غير أن تعير أهمية كبيرة للسياقات الخارجية، فإذا كانت القراءة السياقية يمّمت وجهها شطر "الخارج" تحاور حقوله المختلفة مستفيدة من معارفها، التي يعززها البحث الفلسفي، والتاريخي، والاجتماعي، والنفسي محاولة أن تُبقي باب التذوق والتأثر مفتوحاً على الداخل، حتى لا يُغيّبَ النّص كليّة في ركام الفرضيات والتصورات. فإن القراءة النسقية وكلت لنفسها مهمة الغوص في مجاهل عالم "مغلق" تقّر بوجوده واستقلاله، فتعطيه سمات الكائن الحي ذي الخصائص المميزة، والتي تجعل منه ذاتاً تنعم بالشرعية، والحياة، مولداً ونشأة، ومماتاً، يتحمل القارئ/ الناقد مسؤولية الإفصاح عن كنهها في كل مرحلة من مراحل حياة هذه "الذات"[87].

     إن النقد النسقي رغم النقلة الإبستيمولوجية التي أحدثها مع المعرفة في الرؤية والممارسة والتطبيق، إلا أنه لم يقض على السياق كلّية ولم يهمله، بل حوله من "غاية" إلى "وسيلة" وأضفى عليه قيمة أخرى تجعل منه مصدراً معرفياً لابد من ريادته حتى تستحكم عرى القراءة وتتمتّن: لتخدم "غاية" مطمورة في النّص على اعتبار أنّه الأصل دون أن تميّز سبل الاستفادة من الأول لفك مغاليق الثاني[88] ومن أهم المناهج النسقية التي تفرعت من الاتجاه اللغوي عامة والنصي خاصة نجد : المنهج الألسني والبنيوية والتفكيكية والسميائيات والأسلوبية.

1- البنيوية المفهوم والنشأة:

      ظهرت البنيوية اللسانية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين مع رائدها فرديناند دي سوسير ، من خلال كتابه ( محاضرات في اللسانيات العامة ) ، الذي نُشر في باريس عام 1916م، وكأن الهدف من الدرس اللسانيّ التعامل مع النص الادبي من الداخل ، وتجاوز الخارج المرجعيّ وعدّه نسقاً لغوياً في سكونه وثباته ، وقد حقق هذا المنهج نجاحه في الساحتين اللسانية والادبية حينما انكبّ عليه الدراسون بلهفة كبيرة ؛ للتسلّح به واستعماله منهجاً وتصوراً في التعامل مع الظواهر الأدبية والنصّية واللغويّة .

  وقد أصبح المنهج البنيويّ أقرب المناهج إلى الأدب ؛لأنه يجمع بين الإبداع وخاصيته الأولى وهي اللغة في بوتقة ثقافية واحدة .

      إن سيادة الروح العلمية في مناهج الدراسات الإنسانية كان لها أثر بالغ في حدس بعض العلماء ببعض العناصر الأساسية في التحليل البنائي للمعرفة والعلوم  والفكر، ومنه فالبنيوية تعد جزءا من تاريخ الفكر العالمي، هي منهج بحث يدرس العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنيات: العقلية، اللغوية، الاجتماعية، الثقافية...، وهي محاولة ممنهجة للكشف عن الأبنية العقلية الكلية العميقة أي "جملة من العناصر تربطها رابطة ما ، رابطة  هي عبارة عن خاصية مشتركة بين العناصر"[89]  كما تتجلى في أنظمة القرابة والأبنية الاجتماعية، ناهيك عن الأدب والفلسفة والرياضيات والأنماط النفسية اللاواعية، التي تحرّك السلوك الإنساني[90]، حيث أضحت البنيوية استجابة لرغبة منهجية جامحة امتدت إلى سائر العلوم[91]، فأصبح المنهج البنيوي أقرب المناهج إلى الأدب؛ لأنه يجمع بين الإبداع وخاصيته الأولى وهي اللغة في بوتقةٍ ثقافيةٍ واحدة، أي يقيس الأدب بآليات اللسانيات بقصدِ تحديدِ بُنيات الأثر الأدبي وإبراز قواعده وأبنيته الشكلية والخطابية.

2- نشأة النقد البنيوي:

      تدين البنيوية بابتداعها وظهورها إلى العالم السويسري فردينان دي سوسير 1857-1913 أستاذ اللسانيات بجامعة جنيف، ومدرسة الشكلانيين الروس، يقول حسين الواد"في منتصف هذا القرن نشأ المنهج الهيكلاني من انتشار مكاسب علم اللسان الحديث و التقائها بالتراث الشكلاني"[92]، ويقصد بذلك أن المدرسة البنيوية، أو المنهج البنيوي لم يظهر في الساحة النقدية الأدبية إلا في منتصف القرن العشرين إثر ذيوع صيت اللسانيات الحديث وتقاطعه مع الشكلانية.

       انطلقت البنيوية من حقلِ علم اللغة إلى حقل علم الأدب، وأول من أسس للمنهج البنيوي سوسير في محاضراته التي ألقاها عن ثنائية اللغة والكلام، ونظرية اللغة كنظام واللغة كاستعمال كلامًا أوكتابةً، وثنائية المحور التاريخي التطوري، والمحور التزامني الوصفي، إضافة إلى ثنائية علمي اللغة: الداخلي والخارجي، وقد قامت البنيوية على هذه الثنائيات اللغوية المتقابلة، وإن كان سوسير لم يعبِّر بلفظ (البنية) وإنما (نظام)؛ وقد استفاد سوسير من مبادئ المذهب التجريبي الذي تبنته الدراسات اللغوية.

         وقد كان لمدرسة الشكلانيين الروس يد في وضع لبنات المنهج البنيوي، فمهد أصحابها الطريق للحركة البنائية في النقد، فذهب الشكلانيون الروس إلى أن جوهر الظاهرة الأدبية لا يتلخص في علاقتها بمنشئها أو بيئتها بقدر ما يتلخص في كينونتها الموضوعية ، بوصفها بنية مستقلة، ولعل الأهم لدى الشكلانيين هو تقييم النص بوصفه نصاً لغويا، وأن قوام النص الأدبي وجوهره الأساس إنما يكمن في الكلمات وليس في الأفكار، فليس معنى النص أو مضمونه ولا مؤثراته الخارجية ما يمنح الأدب هويته ، وإنما صياغته وطريقة تركيبه ودور اللغة فيه هو ما يجعل من الأدب أدباً . يقول ياكبسون : " إنّ موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب وإنمـا (الأدبية ) Litterarite أي ما يجعل من عملٍ ما عملاً أدبياً"[93] وهذا هـو الذى قادهم إلى المناداة بـ " أدبية الأدب " مؤكدين أهمية بروز الشكل ليميزوا الأدب من سائر الأنظمة الاجتماعية والفكرية الأخرى .

       سعى الشكلانيون الروس إلى تأسيس نظرية جمالية ، وتطلعوا إلى خلق علم أدبي مستقل ينطلق من الخصائص الجوهرية للأدب والسمات الفنية له . ويؤكد بوريس إيخنباوم أحد أقطاب الاتجاه الشكلاني أن هدف الشكلانيين الروس كان الوعي النظري والتاريخي بالوقائع التى تخص الأدب بما هو كذلك ، وإرساء نظرية أدب تضــــع العمل الأدبي موضـــع اهتمامها الرئيس[94]، ولقـد طالبوا بمقاربة النص الأدبي مقاربة محايثة بوصفه بنية فنية مغلقة ومكتفية بذاتها، لا تحيل على وقائع خارجة عنها مما يتجاوز لغتها ويتصل بالذات المنتجة أو بسياق إنتاجها ، بل تحيل على اشتغالها الداخلي فقط .

       تأتي أعمال بروب في المقام الأول، إذ خصص كل أبحاثه لدراسة جنس أدبي شعبي هي الحكاية الخرافية أو حكايات الجن، وترجع أهمية هذه الأبحاث؛ إلى أنها ربما كانت الأولى لوضع قواعد عامة لقص الخرافي الجمعي.

   إن بحث بروب الذي تناول فيه كل جهده بالنقد سار بالتحليل الشكلي للقصص شوطًا كبيرًا، يُعد البداية الحقيقة لمرحلة جديدة من تاريخ "علم القص"، حيث وضع أسس المنهج البنيوي عندما كشف عن وجود نموذج فريد للبنية الحكائية الخرافية الروسـية، ويعد كتابه (مورفولوجية الحكاية الخرافية)، فقد حاول تبويب القصص الخرافي في دراسة مستفيضة لمائة قصة روسية وأوجد العناصر البنائية لها، ووجد أن الوظائف التي تقوم بها الشخصيات ثابتة بينما تتغير الشخصيات فقط، ومنه ووضع قوانين بنية الحكاية، وفي تحليله من البنيوي ينتقل من التحليل الأفقي ويتجه إلى التحليل الرأسي، جامعًا بين المتعارضات في شكل حزم دلالية، فمغامرة البطل مثلاً لا تبدأ في الحكاية إلا الشعور بنقص أو تهديد والنقص قد يكون ماديًا، وقد يتمثل كذلك في غياب أحد أفراد الأسرة، وسواء بدأت الحكاية بنقص أو تهديد فإنها لا تنتهي إلا بزوال أسباب النقص أو التهديد .

     ومن المؤسسين لمدرسة الشكلانيين (رومان جاكبسون)؛ الذي التحق بعد ذلك بمدرسة (براغ)، وقد عمد إلى رسم بياني كامل بيّن فيه عوامل التواصل الكلامي بتوزيع المرسل والمرسل إليه، الذين يعدهما من أهم عناصر التواصل الستة في الوظائف اللغوية، وقد كان السبّاق بلفظة (البنيوية) كمنهج نقدي. وقد حاول جاكبسون تجاوز نظرية سوسير اللسانية، يقول:" يجب استبدال أنموذج سوسير عن اللسان بوصفه نسقاً سكونياً، بتصور دينامي لشفرة متنوعة و (قابل للتحويل ) ، أي لشفرة قادرة على التكيف مع مختلف وظائف اللغة ومع شروط الزمان والمكان المتغيرة "[95] فهو كسر المسار الخطي الذي رسمته البنيوية اللسانية.

     وبعد مدرسة الشكلانيين وحلقة براغ أثبتت مدرسة (النقد الجديد) في أمريكا وإنجلترا، وتسميـة "النقـد الجديد" تعود إلى الناقد الأمريكي جون كرو رانســـوم الذي وسم كتابـه ســـنة 1941م ب: "  The new Criticism" والذي وقف فيه عند أعمال بعض معاصريه من النقاد الآنجلو - أمريكيين ، مثل : ريتشاردز ، وإمبسون ، وت .س. إليوت، وآيفور ونترز ، الذين دعوا إلى التركيز على النص الأدبي وضرورة عزل النص عمّا يؤثر فيه، وعدُّوا الأعمال الأدبية أشياء مجردة بعيدة عن العوامل الخارجية، تستند طروحات النقد الجديد بالتركيز على فنية الآثار الأدبية المتمثلة في الصياغة والبناء الفني، واعتبار العمل الأدبي تحفة ، ووحدة منسجمة ، وتأكيده على التأويل المحايث للنص ، وعزله النصّ عن كل ما هو خارجه . ولذا فقد فرّقوا بين التجربة الجمالية والفائدة العلمية ، وافترضوا أنّ العناصر المكوّنة لنصّ أدبي ما  ترتبط ، بعضها ببعض ، بكيفية خاصة [96]

     في حين نجد لفي شتراوس العالم الأنثروبولوجي قد جعل النموذج اللغوي مقوِّماً في دراسة الكليّات، واستفادة "ليفي شتروس" من الحقل الأنثروبولوجي، "هو الذي وسع مجال "البنية" وأخرجها من دائرة التصور المجرد المغلق على اعتبار التقاليد، والطقوس، والأساطير بنيات تشكل "كل" الجماعة، كظواهر تؤثث حياة الإنسان"[97]، وقد أخذ في معالجته الأساطير بمنهج شديد الشبه بذلك المنهج لبروب، ونشر كتابه عن (الانثربولوجيا البنائية). وقد صرح ليفي شتراوس بهذا التأثر الكبير بالشكلانيين الروس، يقول:" إنني أؤكد على أن البنيوية الحديثة ، ومن ضمنها اللسانيات البنيوية ، ما هي إلاّ امتداد للشكلانيين الروس"[98].

      بعد ذلك كان اهتمام علماء النفس بالشعور واللاشعور على أساس أنهما بنى لغوية، فنجد (جاك لاكان) يؤسس علم النفس البنيوي القائم على أن البنية الشاملة للغة هي بنية لا شعورية، وأن لا وجود لأية علاقة مباشرة بين النفس والتجربة .

       وكذلك الفرنسي (جان بياجيه)، الذي جعل للبنية ثلاث خصائص لا بد أن تتسم بها: هي الكلية؛ فتتكون البنية من عناصر داخلية خاضعة لقوانين النسق. والتحول؛ وهو سلسلة من التغيرات الباطنة تحدث داخل النسق. والتنظيم الذاتي؛ فتنظم البنية نفسها لتحفظ لها وحدتها، وتساهم في طول بقائها .

      أمّا ظهور البنيوية في أمريكا ، فقد تأَخر بعض الوقت بسبب استمرار شعبية وجودية (سارتير) وتشديدها على حرية الإنسان وأهمية الذات ، وهي افكار تتفق مع المنظومة الثقافية الامريكية بالدرجة الاولى ، ومن ثم كانت هذه الافكار ذات تأثير شديد على المثقف الامريكي [99] ؛ وربّما يعود ذلك الى اختلاف المزاجين الثقافيين الفرنسيّ والامريكيّ؛ إذ إن المسعى المصرفيّ الأمريكيّ ينطلق من تقاليد مختلفة ؛ فالأمريكيون يقلّلون من أهمية التأريخ وينظرون إلى المستقبل ، والفرنسيون إلى غيره ويحفظون الماضي[100].

     تعد البنيويّة منهجاً وصفياً يرى في العمل الأدبيَّ نصاً مغلقاً على نفسه، له نظامه الدّاخلي الذي يكسبُهُ وحدته . وهو نظام لا يكمن في ترتيب عناصر النّص ، وإنما يكمن في تلك الشبكة من العلاقات التي تنشأ بين كلماته وتنتظم بنيته، وتستند مفاهيــــم البنيوية في النقد الأدبي إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية في عملية الوصف والملاحظة والتحليل، وهي أساسية في تفكيك النص وتركيبه كالنسق والنظام والبنية، وبشكل عام تستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة والأدب: والداخل والعناصر والشبكة والعلاقات والثنائيات وفكرة المستويات وبنية التعارض والاختلاف والدال والمدلول والمحور التركيبي، والمحور الدلالي، والمجاورة والاستبدال، والتفاعل، والتقرير، والإيحاء والتمفصل، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي.. إلخ.

 

المحاضرة الثامنة:             اتجاهات البنيوية

                                أ- البنيوية الصورية

تقديم:

    انبثق عن البنيوية اتجاهات وتيارات بنيوية كثيرة، كالبنيوية الشكلانية، والبنيوية  التكوينية ، والبنيوية الآنثروبولوجية ، والنبيوية اللسانية، وغيرها من الاتجاهات التي ساهمت في رسم معالم فلسفية تزخر بالمعطى الشلاني البنيوي، ولعل من بين أشهر البنيويات التي لقت رواجا في الدرس النقدي نجد البنيوية الصورية والبنيوية التكوينية.

1-  البنيوية الشكلانية (الصورية):

     إن المدرسة الشكلانية ركزت في دراسة البنية بوصفها نظاماً مكتفياً بذاته،  ومتخذة من النموذج اللغوي نموذجاً مطلقاً وصالحاً للتعميم على سائر الأنشطة والمعارف، وقد تأسست ممارستها النقدية في الأدب مع رولان بارت، وتزفتيان تودوروف ، وجيرار جينيت ، ورومان ياكبسون[101] وهؤلاء نهضوا بتطوير مشروع النقد البنيوي الصوري .

      لقد صرح الشكلانيون بأنه يجب أن يكون للأدب موضوعه الخاص ولا يخضع للدراسات الخارجية، وقد حدد ياكبسون بشكل دقيق موضوع علم الأدب بقوله "موضوع علم الأدب ليس هو الأدب، ولكن هو الأدبية أي ما يجعل العمل الأدبي أدبيا"[102].فالباحث الأدبي يجب أن يهتم فقط بالبحث داخل المميزات العامة للمواد الأدبية، إذ أن الدراسة الصورية إذا هي تلك الدراسة التي تقوم بوصف العلاقات بين وحدات لسان معطى تخص وحدات في مستويات عدة: الملامح التمييزية، الفونيمات، المورفيمات، الألفاظ، الجمل ..فالنماذج الداخلية هي التي تعتمد على مشاهدة المنتَجات اللغوية في ذاتها، دون التعرض إلى تعيين أو تفسير الشروط المادية أو البيولوجية أو الاجتماعية أو غيرها التي ساهمت في ظهورها. لا يتعلق الأمر بدراسة "كيف" و"لماذا" ينتج حديثٌ ما، ولكن بتفسير "بم" و"كيف" يتشكل ذلك الحديث ؟ في هذا النوع من النماذج، يمثل مفهوم الاستحسان دورا كبيرا، لكن هذا المفهوم لا ينتمي إلى النموذج.

       يبدو أن أفضل منطلق لفهم البنيوية الشكلية يكمن في التصور السوسوري لمستوى اللغة- مستوى التعبير ومستوى المحتوى- باعتبار وجود المعنى مشروطا بوجود التعبير، وأن البنية الدلالية نوع من التوليف والتنظيم، وافتراض التوازي بين التعبير والمحتوى، ثم تقديم فكرة تقريبية عن نمط وجود الدلالة وتمفصلها. وأضحت فكرة البنيويِّين أنَّ (اللُّغَةَ نظامٌ تواصلي ينبغي على الباحثين أن يفحصوا بُنيَتَهُ) مِن المسلَّمات التي لا يمكن للِّسَانِيِّ أن يتَجَاوَزَها.

2- مرتكزات البنيوية الصورية:

أ- موت المؤلف:

    لقد كان الهدفُ من الدرسِ اللساني هو التعامل مع النص الأدبي من الداخل وتجاوز الخارج المرجعي واعتباره نسقًا لُغويًا في سكونهِ وثباتهِ، وقد حقق هذا المنهج نجاحه في الساحتين اللسانية والأدبية حينما انكب عليه الدارسون بلهفة كبيرة للتسلح به واستعماله منهجًا وتصورًا في التعامل مع الظواهر الأدبية والنصية واللغوية، البنيوية تقوم على التفكيك والتركيب، وتركز على النص في انغلاقه النسقي، وبهذا أعلنت البنيوية  موت المؤلف والمرجع، وأطاحت بمكانته في التحليل. وهكذا أقصت البنيوية بصفة عامة الإنسان والتاريخ باسم البنية، والنظام، واللغة، والنسق، والعلامات. وقد أثبت الأنتروبولوجيون أن الحكاية في المجتمعات الإثنوغرافية  لا يتكفل شخص بعينه بنقلها، بل يوجد رواة جماعيون.

      وتعتبر الشكلانية الروسية السباقة إلى إقصاء المؤلف وعزله، والبحث عن النظام والبنيات الثاوية وراء الاختلاف فوق السطح النصي. ومن أهم أسس هذه الشكلانية الإنشائية أنها أدت باستقلال علم الأدب عن العلوم الإنسانية الأخرى؛ لأن شعرية النص بعيدة في نظرها " كل البعد عن أن تحتل الدور فيها المباحث النفسية والاجتماعية وغيرها مما له علاقة بالمؤلف المبدع والقارئ المتلقي. وهكذا طردت الشكلانية من عالمها النقدي ومنهجها التحليلي المؤلف. فللقبض على شعرية النص لا مجال للاعتماد على حياة المؤلف ونفسيته وصدقه أو كذبه وإلهامه، ولا لدراسة بيئته وجنسه، ولا للذاتية وأحكام القيمة، ولا لتقمص الناقد بأحكامه المعيارية تحسينًا أو تقبيحًا دور شخصية الرقيب وصاحب السلطة الجمالية المتحكمة في المبدع والمتلقي، لأن نقدًا من هذا القبيل لا يمكنه أن يحلّ محل تحليل علمي موضوعي لفن اللغة ووصفها.

     وقد أعدمت اللسانيات والبنيوية المؤلف عندما ركزت على الدال والمدلول وأقصت المرجع وكل ما هو مادي خارجي عن المعطى اللغوي. وقد مكنت عملية تقويض المؤلف من أداة تحليلية ثمينة، وذلك عندما بينت أن عملية القول وإصدار العبارات عملية فارغة في محمولها، وأنها يمكن أن تؤدي دورها على أكمل وجه.

       ويعد رولان بارت من النقاد الذين أعلنوا إفلاس المؤلف، وخاض صراعًا ضد ريمون بيكار في كتابه (النقد والحقيقة) مدافعًا عن النقد الجديد الذي لا يؤمن بسلطة الكاتب، مادام التناص يتحكم في النصوص الإبداعية، ومادام البحث عن المؤلف بحثا عن الناقد وإغلاقًا لكتابة وإعطاء مدلول نهائي للنص . فالنص لا ينشأ عن " رصف كلمات تولد معنى وحيدًا، ... وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة وتتعارض، من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة: النص نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة. إن الكاتب لا يمكنه إلا أن يقلد فعلاً هو دومًا متقدم عليه، دون أن يكون ذلك الفعل أصليًا على الإطلاق".

    إن بارت كان يؤكد أن" ميلاد القارئ رهين بموت المؤلف" والبحث عن المؤلف هو قتل للنص واغتيال للذته، وتعدد دلالاته، وتحنيط قسري لوظيفته الجمالية. فعندما يبتعد المؤلف ويحتجب، فإن الزعم بالتنقيب عن " أسرار النص يغدو أمرًا غير ذي جدوى، ذلك بأن نسبة النص إلى مؤلف معناها إيقاف النص وحصره وإعطاؤه مدلولاً نهائيًا. إنها إغلاق الكتابة. وهذا التصور يلائم النقد أشد ملاءمة، إذ إن النقد يأخذ على عاتقه حينئذ الكشف عن المؤلف ( أوحوامله من مجتمع وتاريخ ونفس وحرية) من وراء العمل الأدبي. وبالعثور على المؤلف، يكون النص قد وجد تفسيره، والناقد ضالته. فلا غرابة إذن أن تكون سيادة المؤلف من الناحية التاريخية هي سيادة الناقد. كما لا غرابة أن يصبح النقد اليوم (حتى ولو كان جديدًا) موضع خلخلة مثل المؤلف. فالكتابة المتعددة لا تتطلب إلا الفرز والتوضيح، وليس فيها تنقيب عن الأسرار. إدراك حقيقة النص ومعرفة ومداراته الدلالية حاول "بارت" حصرها في الرسمة التالية:

أ- النص كتابةً.

    ب- النص تناصاً.

ج- النص إيحاءً.

 د- النص لذة[103]

ويقوم موت المؤلف عند بارت يسمح بإدراك النص في تناصه، ويفسح المجال لتموضع القارئ، إذ إن مولد القارئ يجب أن يدفع ثمنه انسحاب المؤلف.

ب- التحليل المحايث: والمقصود بالتحليل المحايث أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولاً عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر.

البنيوية حركة منهجية تحلل الظواهر اللغوية وفقا لمبادئ علم اللغة وتهتم بالبنى وما تحمله من ترابط داخلي بحثا عن نسق لغوي يربط بين تلك البنى و إبراز الفوارق والاختلافات بينها لإظهار صور من التضاد أو الثنائيات الناجمة عن تضاد ظاهر بين اللغة والكلام، فالنص عند أصحاب البنيوية يشكل هذا التضاد أي التنازع بين الكلام واللغة.

 

 

 

المحاضرة التاسعة:            اتجاهات البنيوية

                             ب-  البنيوية التكوينية

مقدمة:

        إن منطق التحليل الأدبي في النقد البنيوي التكويني يؤسس تصورات شمولية ترسم الأطر العامة للحقل الأدبي واستيعاب أنواع المعرفة المنوطة به، والتي يقبل عليها قصد تجليتها، "فتجدد المنهج البنيوي من خلال مبدأ "الشمولية" من كونه: "تحليلياً شمولياً في نفس الوقت، وهو يرفض أن يعالج العناصر التي يتكون منها "كُلٌّ" ماعلى أنها وحدات مستقلة. إذ أن البنية ليست مجرد مجموعة من العناصر المتآزرة ولكنها "كلٌّ" ينبغي اعتباره من وجهة نظر علاقاته الداخلية طبقاً للمبدأ المنطقي الذي يقضي بأولوية "الكل" على الأجزاء"[104]، فرفضت الخطابات الأدبية والعلمية والنقدية عشوائية التعامل مع النص الأدبي بإبعاد صاحبه، فاستردت المكانة التي أفلتت من" المؤلف" حتى يضمن للعمل الأدبي اتساقه وانسجامه ووحدته الدلالية والتأليفية والسياقية.

     إن البنيوية التكوينية " أو التوليديّة Genetic Structuralism فقد نشأت استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين وعلى رأسهم  لوسيان غولدمان L.Goldman  للتوفيق بين طروحات البنيوية ، في صيغتها الشكلانية ، وأسس الفكر الماركسي الجدلي الذي يركز على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموماً، وهو سعي لتجاوز مفهوم البنية المغلقة "جاء المنهج البنيوي التكويني ليرفد الدراسة النصية للأدب  بدراسة الوسط الاجتماعي الذي أبدعه"[105]

" ويستهدف لوسيان غولدمان من وراء بنيويته التكوينية رصد رؤى العالم من الأعمال الأدبية الجيدة عبر عمليتي الفهم والتفسير بعد تحديد البنى الدالة في شكل مقولات ذهنية وفلسفية. ويعد المبدع في  النص الأدبي فاعلاً جماعياً يعبر عن وعي طبقة اجتماعية ينتمي إليها، وهي تتصارع مع طبقة اجتماعية أخرى لها تصوراتها الخاصة للعالم. أي إن هذا الفاعل الجماعي يترجم آمال وتطلعات الطبقة الاجتماعية التي ترعرع في أحضانها، ويصيغ منظور هذه الطبقة أو رؤية العالم التي تعبر عنها بصيغة فنية وجمالية تتناظر مع الواقع"[106]. ويبقى الأمر الجوهري وراء المنهج البنيوي هو إعادة التركيب والبناء، بعد الكشف عن ميكانيزمات الحركة داخل النظام[107] مستمداً قوته من العناصر التالية:

أ-التحليل الشمولي.

ب-القيم الخلافية.

ج-التحليل المنبثق.

د-قاعدة المناسبة.

هـ-الامتداد عمقاً.[108]

       كان لمؤطري مدرسة النقد الجديد الدور الكبير في إعادة تصويب بوصلة اتجاه النقد البنيوي، وذلك لا يعني أن كتابات البنيويين قد أصبحت عقيمة، والنقد البنيوي من المنظور التكويني الجديد يَعُد العمل الأدبي كلا مكونا من عناصر مختلفة متكاملة فيما بينها على أساس مستويات متعددة تمضي في كلا الاتجاهين الأفقي والرأسي في نظام متعدد الجوانب متكامل الوظائف في النطاق الكلي الشامل فالنصُّ الأدبيُّ "بنيةٌ تتكونُ من عناصرَ، وهذه العناصرُ تخضعُ لقوانين تركيبيةٍ تتعدى دورَها من حيثُ هي روابطُ تراكميةٌ تشدُّ أجزاءَ الكيانِ الأدبيّ بعضَه إلى بعضٍ، فهي تُضفي على الكلِّ خصائصَ مغايرةً لخصائصِ العناصرِ التي يتألف منها البعض"[109]

4- البنيوية التكوينية ومرتكزاتها المنهجية :

أ- البنيـة الدلاليــة:

   أدخل غولدمان مفهوم البنية الدلالية ضمن كلية والعلاقة الداخلية بين العناصر، والانتقال من رؤية سكونية إلى رؤية دينامية، أي وحدة النشأة مع الوظيفة بحيث نكون أمام عملية تشكل للبنيات متكاملة مع عملية تفككها. إن مفهوم البنية الدلالية يشكل الأداة الرئيسية للبحث في أغلب الوقائع الماضية والحاضرة، مع ذلك فهنالك عدد من قطاعات الواقع التي يبدو أنها تقتصر على مفهوم البنية، من حيث أننا لا نستطيع فصل الجوهري عن العرضي ولا دمجها في بنيات أوسع[110]، فيما يتعلق بمقولة البنية يشير غولدمان إلى أنها ذات رنين سكوني، مما يجعلها غير دقيقة دقة صارمة، لذلك لأننا نصادف في الحياة الاجتماعية الواقعية بنيات قليلة بل بالأحرى نصادف عمليات لتشكل البنيات، عمليات يمكن وضعها في علاقة مع البنيات الذهنية الخاصة لا بأفراد بل بالمجموعات وبالطبقات.

  ويؤكد غولدمان أن البنيات الذهنية والوجدانية والبنيات السلوكية هي دوما بنيات تاريخية، يؤثر بعضها على بعض تأثيراً متبادلاً، وتتدامج ضمن بنيات تحتويها وتشملها. والنتيجة أنه لا يوجد أي سبب يدفع إلى التوقف في التحليل عند كتابة ما أو عند نتاج أو عند فردية المؤلف أو حتى عند الوعي الجماعي[111]. إذاً، فالبنية الدالة هي التي تسعفنا في إضاءة النص الأدبي وفهمه, كما تساعدنا فلسفيا وذهنيا على تحديد رؤية المبدع للعالم ضمن تصور جماعي ومقولاتي[112] فالعمل الأدبي الذي يقابل بنية فكرية لجماعة ما، بإمكانه أن يكون في بعض الحالات تماثلا دقيقا لتصور كلي شامل.

رؤيـــة العالـــم:

    طرح لوسيان غولدمان مقولة رؤية العالم بتصور فكري معرفي، يمتثل عنده في الكيفية التي يحس فيها وينظر فيها إلى واقع معين، أوالنسق الفكري الذي يسبق عملية تحقق النتاج: إن ما هو حاسم، ليس هو نوايا المؤلف بل الدلالة الموضوعية التي يكتسبها النتاج، بمعزل عن رغبة مبدعة وأحياناً ضد رغبته، ويرى غولدمان، في منظور مادي جدلي أن الأدب والفلسفة من حيث أنهما تعبيران عن رؤية للعالم- في مستويين مختلفين- فإن هذه الرؤية ليست واقعة فردية بل واقعة اجتماعية تنتمي إلى مجموعة أو إلى طبقة. وتبعاً لبرهنته، فإن أي رؤية للعالم تقوم على جوانب ثلاثة، كأنها جوانب مثلث متساوي الأضلاع. زاويته الأولى: هي الإنسان بكل ما يتصل به وما يعنيه، وزاويته الثانية: الطبيعة بكل ما فيها من عناصر ودلالات، وزاويته الثالثة: هي الله أو خالق الطبيعة والإنسان. ولكن هذه العناصر لا تقوم في عزلة، ولا تظل في حالة انفصال، فهناك العلاقات التي تصل بين زوايا المثلث، ابتداء من العلاقة بين الله والطبيعة التي هي من خلقه، والعلاقة بين الله والإنسان الذي قد يتمرد على خالقه الذي خلقه على هيئته، ومنحه من العقل ما يجعله قادرا على الفهم والتفسير والرفض في آن. وهناك الطبيعة في علاقتها بالإنسان أو علاقتها بخالقها. وأخيرا هناك الإنسان في علاقته بغيره من بني الإنسان.

فهناك نظر متناسقة ووحدوية حول مجموع واقع وفكر الأفراد[113] وهذه الرؤية للعالم محكومة هي الأخرى بالفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأفراد[114]

ب- الوعي القائم والوعي الممكن:  La conscience réelle et la conscience possible

    الوعي القائم هو الوعي الواقعي الموجود لدى الشخصية في الحاضر. وهو الوعي الموجود تجريبيا على مستوى السلب، ويميز "غولدمان" بين نمطين من الوعي : الوعي الواقع والوعي الممكن. والوعي الواقع هو وعي بسيط لا يتوفر صاحبه على إمكانية التأمل فيه، فيفكر بالسلوك أكثر مما يفكر بالذهن، أما الوعي الممكن لا يصله الفرد إلا عندما يستطيع التأمل بفضل ثقافته وخبرته في المعطيات الفكرية لجماعته،من أجل أن يبني بواسطتها مستوى متبلورا لمصالح الجماعة وأهدافها، آنذاك يرفع في ذاته الوعي الواقع إلى مستوى الوعي الممكن. وهذا الوعي هو أساس الوعي القائم الذي يعتبر نتيجة العديد من المعوقات والتحريفات التي تعيق تحقيق الوعي الممكن من جراء مختلف عناصر الواقع التجريبي.. ويعني هذا أن الوعي القائم هو " وعي آني لحظي وفعلي، من الممكن أن يعي مشاكله التي يعيشها، لكنه لايملك لنفسه حلولا في مواجهتها والعمل على تجاوزها"[115]

ج- الفهم والتفسير:

   يعتبر   الفهم مرحلة وصفية تفكيكية تقوم على الاستقراء والملاحظة، ويهدف إلى تحديد بنية دالة تشمل كلية النص، فيحيط بمجمله بدون إضافة أي شيء. إنه مسألة تتعلق بالتماسك الباطني للنص،و"غولدمان" يفترض أن نتناول النص حرفيا، كل النص ولاشيء سوى النص، وأن نبحث داخله عن بنية شاملة ذات دلالة[116] ، أي أن الفهم عملية تقتصر على النص الأدبي معزولا عن المؤشرات الخارجية التي لاشك أنها تلعب دورا تأثيريا فيه، وتتوجه أساسا إلى الكشف عن توضيح بنائه الداخلي أو بنيته الدالة.

     أما التفسير فمسألة تتعلق بالبحث في الذات الفردية أو الجماعية التي تمتلك البنية الذهنية المنتظمة للنتاج الأدبي بالنسبة إليها طابعا وظيفيا ... ذا دلالة[117]، فهو عملية ثانية تنظر إلى العمل الأدبي في مستوى آخر خارجي، فتربطه ببنية أوسع وأشمل.إلا أن ما سبق لا يعني دائما أن الفهم يستبد بالبنية الداخلية للنصوص، والتفسير يقتصر على ما هو خارجي عنها، ويشير "غولدمان" إلى أنه يستحيل فصل الفهم عن التفسير حين يتعلق الأمر بالليبيدو، سواء إبان فترة البحث أو بعد الانتهاء منها،لكن هذا الفصل يكون ممكنا في التحليل السوسيولوجي،فهما في نظره طريقتان ذهنيتان غير مختلفتين، بل إنهما طريقة واحدة، فالفهم  هو الكشف عن بنية دالة، أما التفسير فإنه يدرج تلك البنية في بنية شاملة مباشرة، ويكفي أن نأخذ البنية الشاملة موضوعا للدرس حتى يصبح فهما ما كان مجرد تفسير، وحتى يجد البحث التفسيري نفسه مرغما على الاستناد إلى بنية جديدة أكثر اتساعا"[118].

5- البنيوية في النقد العربي:

لم تنتشر البنيوية في العالم العربي كما كانت في الغرب تتوزع في كل المجالات، سواء العلوم الإنسانية، أم غيرها من البحتة. فقد تمركز هذا المنهج في النقد الأدبي دون غيره.

وقد بدأت في أواسط الستينيات حين نشر (محمود أمين) في مجلة (المصور) مطلِقاً على هذه المناهج: (الهيكلية)، وبعدها توقف الزحف حتى نهاية السبعينيات فقد نشر العديد من النقاد والأدباء العرب دراساتهم التي اتجهت اتجاهي البنيوية: الشكلاني، والتكويني، وإن كان للتكوينية النصيب الأكبر من الانتشار.

وهاهو ذا شكري عيّاد في مقالته (موقف من البنيوية) يوضح مدى تقبّل النقاد العرب لهذا المنهج حين يحاول وضع تصور للبنيوية بين مناهج النقد الأخرى معلِّلاً لولادتها، ومدى علاقتها بالمناهج الأخرى كالسميولوجية.

بينما هناك من يرى أن هذا الاستقبال قد توزّع لثلاثة مشارب مختلفة:

1- الترجمة من النظريات النقدية الغربية إلى اللغة العربية.

2- مراجعة الموروث العربي؛ للخروج بأوجه اتصال وتقابل بينه وبين ما لدى النقد الغربي.

3- التطبيق، وتناول النصوص العربية القديمة والحديثة، وإسقاط النظريات النقدية عليها.

وقد ظهرت المحاولات النقدية إلا أنها ظلت محدودة ومتواضعة، رغم تحفّزها وطموحها المتردّد للتوازي مع ما وصل إليه النقد الغربي.. هل هذا الجهد من أجل تحقيق معرفة بعلاقات النص، أم أنه مجرد مواكبة للتطور النقدي؟

وبعدها نجد مقالات د. الغذامي، قبل كتابه (الخطيئة والتكفير) يؤكد فيها أن لا ثمة ناقد بنيوي صرف؛ وإنما البنيوية كمنهج نقدي حاضرة في أغلب الممارسات النقدية. ولا يكتفي بهذا الجانب التنظيري، وإنما يحاول التطبيق على بعض النصوص الأدبية .

آراء بعضهم:

يرى د. المسدّي أن البنيوية تجرأت على النص وأزاحت ما كان يحيط به من هالة قدسية تعيق عن الرؤية الموضوعية المتأنية، إضافة إلى أن (موت المؤلف) كانت الفكرة الجانية عليها.

لـ د. سعد أبو الرضا لمحات:

1. أن النظرة المادية لواقع النص أو ما يتصل به تجعل الاتجاه البنيوي يتجاوز حدوده في تحليل النصوص المقدسة.

2. حينما يؤمن هذا الاتجاه بالواقع دون غيره في تحليل النص، فيتجاهل ما فوق الواقع والقيم الأخلاقية؛ فذلك –بلا شك- ينافي تحقيق التفاعل بين النص والمتلقي فضلا عن الإخلال بالاعتقاد الإسلامي.

3. الإيمان الأعمى والمطلق من أصحاب هذا المنهج بما يكتبون، يجعلهم رافضين لكل نقد أو ملحوظة؛ مما يمنع التواصل المثمر للرفع من قيمة النقد.

4. حرص البنيويين على عزل النص عن صاحبه (موت المؤلف) يمنع من معرفة ظروف هذا النص المساهمة في تحليله.

يقول شكري عيّاد إن هذا التناقض هو ديدن الحضارة، الساعية لتحويل كل عمل إنساني إلى نظام مجرد؛ لكن الأدب اصطدم بها، فهو –كما نعلم- يعبر عن حالة الإنسان الشعورية.

ويعتقد د. حمودة أن فشل البنيوية الحقيقي هو عجز المنهج عن تحقيق المعنى، وإن سلّم بنجاحه في تحليل اللغة إلا أنه ينفي كفاءته في تحليل النصوص .

6- مستويات التحليل البنيوي

ويقترح بعض البنيويون ترتيب هذه المستويات على النحو التالي:

1) المستوى الصوتي حيث تدرس فيه الحروف وتكويناتها الموسيقية من نبر وتنغيم .

2) المستوى الصرفي وتدرس فيه الوحدات الصرفية ووظيفتها في التكوين اللغوي والأدبي خاصة.

3) المستوى المعجمي، وتدرس فيه الكلمات لمعرفة خصائصها الحسية، والتجريدية، والحيوية، والمستوى الأسلوبي بها.

4) المستوى النحوي لدراسة تأليف وتركيب الجمل، وطرق تكوينها، وخصائصها الدلالية والجمالية.

5) مستوى القول لتحليل تراكيب الجمل الكبرى لمعرفة خصائصها الأساسية والثانوية .

6) المستوى الدلالي الذي يشغل بتحليل المعاني المباشرة والصور المتصلة بالأنظمة الخارجة عن حدود اللغة التي ترتبط بعلوم النفس والاجتماع وتمارس وظيفتها على درجات الأدب والشعر.

7) المستوى الرمزي الذي تقوم فيه المستويات بدور الدال الجديد الذي ينتج مدلولا أدبيا جديدا يقود بدوره إلى المعنى الثاني، أو ما يسمى باللغة داخل اللغة.

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة العاشرة          المنهج السميائي

مقدمة:

   ارتبطت السيميائية المعاصرة ارتباطا وثيقا بالنموذج اللساني البنيوي المعاصر الذي أرسى دعائمه اللغوي المشهور " السويسري دي سوسير"؛ إذ جعل من اللسانيات علما شاملا تستفيد منه المعارف الأخرى كالنقد الأدبي والأسلوبية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع .فقد وجدت السيميائية –بوصفها علما حديثا –في المبحث اللساني مرتكزا تقوم عليه ،وتستقي منه تقنيات وآليات ومفاهيم تحليلية .خاصة سيمياء الدلالة التي  تلجاإلى تطبيق الثنائيات السيميائية على موضوعات غير لغوية ولكنها ذات طبيعة اجتماعية كالألبسة والأطعمة والموروثات الثقافية ومن أهم هذه الثنائيات :اللسان والكلام ،الدال والمدلول ،المركب والنظام ،التقرير والإيحاء  

     وفي علاقة السيميائية باللسانيات :قولان :الأول هو رأي دي سوسير ويقول إن اللسانيات أخص من السيميائية لأن اللسانيات جزء من السيميائية عنده .والثاني هو رأي رولان بارت القاضي بأن السيميائية جزء من اللسانيات وفرع عنها .فدي سوسير يرى أن السيميائية هي الحقل الأوسع الذي يشمل –فيما يشمل –اللسانيات ,بينما يرى رولان بارت أن كثيرا من العلامات البصرية والأنساق غير اللفظية تستعين بالأنظمة اللغوية ،مما يجعل الأخيرة هي الأصل .               

إن دي سوسير كان يرى أن اللسان نسق من العلامات التي تعبر عن المعنى ،وهو ما يمكن أن يقارن بلغة ا لصم والبكم والطقوس الرمزية الأخرى دينية كانت أم ثقافية مادامت وسط المجتمع .

      وقد تزامن هذا التبشير مع ما كان يقوله عالم آخر هو بيرس (1839-1914) من أن النشاط البشري بمجمله نشاط سيميائي .وبطبيعة الحال فإن النشاط اللساني هو نشاط سيميائي لأنه جزء من النشاط البشري .يقول بيرس عن نفسه :" إنني وحسب علمي الرائد أو بالأحرى أول من ارتاد هذا الموضوع المتمثل في تفسير وكشف ما سميته السيميوطيقا أي نظرية الطبيعة الجوهرية والأصناف الأساسية لأي  سيميوزيس محتمل .إن هذه السيميوطيقا التي يطلق عليها في موضع آخر المنطق تعرض نفسها كنظرية للدلائل وهذا ما يربطها بمفهوم السيميوزيس

الذي يعد على نحو دقيق الخاصية المكونة للدلائل[119] "  

أما مارتينيه  فيعرفها قائلا :"السيميولوجيا :دراسة جميع السلوكيات والأنظمة التواصلية "

ونلحظ هنا بوضوح اختلاف العلماء في استعمال مصطلحين  يطلقان على هذا العلم    :السيميوطيقا ،والسيميولوجيا .وهذا الاختلاف البراجماتي لا ينفي القرب الشديد بين المصطلحين ،بل وترادفهما ."فالسيميولوجيا إذن مرادفة للسيميوطيقا ،وموضوعهما دراسة أنظمة العلامات أيا كان مصدرها لغويا أو سننيا أو مؤشريا " [120]   فلم تعد ثمة أسباب أو مبررات تجعل أحد المصطلحين يحظى بالسيادة دون الآخر . بينما يرى آخرون أنه يمكن تخصيص مصطلح السيميولوجيا بالتصور  النظري ،ومصطلح السيويوطيقا بالجانب الإجرائي التحليلي فتكون السيميولوجيا نظرية عامة والسيميوطيقا منهج تحليلي نقدي تطبيقي .ولهذا يستخدم المصطلح الثاني في عنونة المؤلفات التطبيقية وممن فعل ذلك غريماس ووموبسان وميشيل وكوكيه.

مبادئ السيميائية :

     تبحث السيميائية عن المعنى ،من خلال بنية الاختلاف ولغة الشكل والبنى الدالة .وهي لذلك لا تهتم بالنص ولا بمن قاله ،وإنما تحاول الإجابة عن تساؤل وحيد هو كيف قال النص ما قاله  ؟ [121] ومن أجل ذلك يفكك النص ويعاد تركيبه من جديد لتحدد ثوابته البنيوية  وهذا العمل يقوم على المبادئ التالية :

أ- التحليل المحايث الذي يبحث عما يكون الدلالة من شروط داخلية وإبعاد كل ما يعد خارجيا .أي البحث عن العلاقات الرابطة بين العناصر التي تنتج المعنى .

ب- التحليل البنيوي  لإدراك المعنى لا بد من وجود نظام من العلاقات تربط بين عناصر النص ،ولذا فإن الاهتمام يجب أن يوجه إلى ما كان داخلا في نظام الاختلاف الذي يسمى شكل المضمون وهو التحليل البنيوي .

ج- تحليل الخطاب : يعد الخطاب في مقدمة اهتمامات التحليل السيميائي الذي يهتم بالقدرة الخطابية وهي القدرة على بناء نظام لإنتاج الأقوال .على عكس اللسانيات البنيوية التي تهتم بالجملة [122]

5- مصطلحات المنهج السميائي: 

  تسود في هذا المجال العلمي الكثير من المصطلحات كالحكم السيميائي والشحنة السيميائية والنمو السيميائي وغيرها .ولكننا هنا نحصر حديثنا على أهمها :

أ‌-     العلامة   :

العلامة  هي  الاصطلاح  المركزي  في  السيميائية .  وتعنى  السيميائية  بالعلامة  على  مستويين  .  المستوى  الأول  وجودي ( أنطولوجي ) ،  و يعني  بماهية  العلامة  أي  بوجودها  وطبيعتها  وعلاقتها  بالموجودات  الأخرى  التي  تشبهها  والتي  تختلف  عنها  .  أما  المستوي  الثاني  فهو  مستوي  تداولي  ( براغماتي )  ،  يعنى  بفاعلية  العلامة  وبتوظيفها  في  الحياة  العملية.[123]ومن  منطلق  هذا  التقسيم  نجد  أن  السيميائية  اتجهت  اتجاهين  لا  يناقض  أحدهما  الآخر ،  الاتجاه  الأول  يحاول  تحديد  ماهية  العلامة  ودرس  مقوماتها ،  وقد  مهد  لهذا  المنحنى  تشارلز بيرس ،  أما  الاتجاه  الثاني  فيركز  علي  توظيف  العلامة  في  عملية  التواصل  ونقل  المعلومات ،  وقد  اعتمد  هذا  الاتجاه  علي  مقولات  فرديناند  ده  سويسر .

 

أ- 1- أبعاد العلامة السيميائية  :

أ- البعد النظمى  السياقي :  وهو  يدرس  الخصائص  الداخلية  في  منظومة  العلامات  دون  أن  ينظر  في  تفسيرها  أي  ينظر  في  بنية  العلامات  داخل  المنظومة .

ب- البعد  الدلالي :  يهتم  بالعلاقة  بين  العلامة  وبين  مدلولاتها  فهو  يدرس  محتوى  العلامات  والعلاقة  القائمة  بين  العلامة  وتفسيرها  وتأويلها  من  دون  النظر  إلي  من  يتداولها .

 ج- البعد   التداولي :  يدرس  الصلة  بين  العلامة  ومن  يتداولها  وتحدد  قيمة  هذه  العلامة  من  خلال  مصلحة  من  يتداولونها.[124]

    ونلحظ  هنا  أن  البعد  الدلالي  والسياقي  لهما  صلة  بمسائل  محددة  من  السيميائية ،  أما  البعد  التداولي  فله  علاقة  بدراسة  المسائل السيميائية  التي  تحتاجها  علوم  معينة  مثل  سيكلولوجيا  اللغة  (علم  النفس  اللغوي )  وعلم  النفس  الاجتماعي .  وفي المستوي  الثاني :نجد  أن  دي  سوسير  يعرف  العلامة  بأنها " اتحاد  لا  ينفصم  بين  دال  ومدلول   والدال تصور  سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصورا ذهنيا مفهوميا  هو  المدلول "[125].أي  هي  وحدة  ثنائية  المبني  لا  يمكن  فصل  طرفيها  أحدهما  عن  الاخر   . فالعلامة  عنده نتاج  لعملية  نفسية  .  ولكن  أكثر  من  طوّر  أفكار  دي  سويسر  يرون  أن  الدال  حقيقة  مادية محسوسة  لا  تقتصر  بالضرورة  علي  الأصوات . ويمكن  للمرء  أن  يختبرها  بالحواس .  وهذا  المحسوس  المادي  يستدعي  إلي  ذهن  الملتقي  حقيقة  أخري   محسوسة  هي    المدلول . فالعلامة دالها ومدلولها  حقيقة  مادية  محسوسة  تثير  في  العقل  صورة  ذهنية  ،  ولكن  هذه  الصورة  هي  صورة  ذهنية  لشيء موجود  في  الواقع  ، لكن  في رأيهم  ، أن  السيميائية  لاتهتم  بقضية  الحقيقة  والبطلان ،  أي  بمسألة  مطابقة  العلامة  للواقع .  إنما  تكمن  القيمة  السيميائية  في  العلاقة  القائمة  بين  الدال والمدلول  فقط  دون  تجاوزهما  إلي  الشيء  الذي  تشير  إليه  العلامة[126] فهذه  العلاقة  الثلاثية  تخرج  من السيميائية  الي  الدلالة .  وللعلاقة  عند  السوسيريين  خاصتان :  الأولي  هي  اعتباطية العلامة  أي  أن  العلاقة  بين  الدال  والمدلول  لا  تقوم  علي  علة  من  العلل  المنطقية  أو  الطبيعية .  والثانية : قيمة  العلامة  .وتنشأ  هذه  القيمة  عن  سببين  :  الأول  وظيفة  العلامة  والثانى :  أشكال  التشابه  والاختلاف   بينها  وبين  العلامات  الأخرى  ( وهي  قيمة  مرتبطة  بماهيتها )  فالعلاقة  بين  الدال  والمدلول  عندهم  ، هي  علاقة  اصطلاحية  وهي  حاصل  اتفاق  بين  المستعملين .  ويمكن  لهذا  الاتفاق  " أن  يكون  ضمنياً  أو  ظاهريا وإن بقى    مفهوماً  نسبياً  خاصة  عندما  يتعلق  الأمر  بالتواضع  (الاتفاق)  الضمني

أ- العلاقات  النظمية  السياقية .  وتنبع    قدرة  العلامات  علي  التآلف من  محور  ذي  بعد  واحد  يجعل  العلامات  ترتبط  بعضها  بالبعض  الآخر  في  متتالية  من  العلامات  تنتمي  إلي  السياق  نفسه .

ب- العلاقات  الاستبدالية :  وهي  تنبع  من  قدرة  العلامات  علي  تشكيل جداول  ترتبط  وحدات  كل  جدول  فيما  بينها  ويمكن  للواحدة  أن  تحل  محل  الأخرى  ؛  إذا  تبدل  السياق . 

وإذا  بحثنا عن رأي عالم آخر غير دي سوسير حول العلامة فإن باختين العالم الروسي يرى أن العلامة ذات بعد مادي واقعي _خلافا _لدي سوسير الذي رآها مجردة من أي واقع حسي أو مادي .ولم يكتف بذلك بل قال أن العلامة لا يمكن فصلها عن الايدولوجيا   ،ولا عزلها عن التواصل الاجتماعي ذي الأشكال المحسوسة كما لا يمكن عزل التواصل وأشكاله عن أسسه المادية[127]

مما يدل على أهمية هذا المصطلح  أ ن الكثيرين يسمون هذا العلم بعلم العلامات ومن هؤلاء بيرس الأمريكي الذي  يميز بين أنواع العلامات فيقول إنها ثلاثة أنواع  هي :

1- العلامة الأيقونية :   Iconic Sign  مثل الصور والرسوم البيانية ،والخرائط ،والنماذج والمجسمات .  وهي التي بينها وبين ما تدل عليه   محاكاة ،أي هي تحاكي ما تشير إليه .وقد تكون هذه المحاكاة عالية كما في الصور التلفزيونية .  أو منخفضة كما في اللوحات   السريالية   والأحلام وبعض مفردات اللغة التي تحاكي معانيها كأ سماء   الأصوات .

2- العلامة الإشارية  :  Indexical Sign وهي التي بينها وبين مدلولها تلازم مشهود مثل :دلالة الدخان على النار ،ودلالة آثار الحيوانات عليها ،وكذلك آثار المجرمين .

3- الرمز  أو العلامة الاصطلاحية   Symbolوهي ما اتفق عليه مجموعة من الناس بناء على اصطلاح معين  وليس بينها وبين ما تدل عليه أي محاكاة  مثل :إشارات المرور والعلامات الموسيقية وكذلك الكلمات المفردة في أي لغة .

وتقسم العلامات إلى : أ - طبيعية أي تنتجها الطبيعة كأصوات الرعد والحفيف والخرير وغيرها ،وكذلك حركات الأشجار والأمواج ومر السحاب ،وتشكيلات النجوم وأشكال القمر ،وروائح الزهور والنبات والحشرات ،وطعوم الموجودات الطبيعية كالفواكه وغيرها .وكذلك ما يتصل بحاسة اللمس مثل :حرارة الأجسام وملاستها وخشونتها .

     ب- صناعية وهي التي يصنعها الإنسان سواء كانت ذات طبيعة صوتية مثل :الأجراس والصفارات   ،أو حركية مثل :حركة عقارب الساعة ،أو شكلية كالأضواء الملونة ،أوشمية كالعطور ،أو ذوقية كالمشروبات والأطعمة ،أو لمسية كحرارة الأجهزة أو برودتها[128]، وهناك تصنيف آخر بني على البساطة والتركيب   ،فالعلامة البسيطة مثل إشارات المرور وإشارات التحية والإيجاب والرفض   .ومن   أهم العلامات المركبة اللغة الإنسانية لأن فيها أكثر من مستوى واحد ،بدء بالصوت فالكلمة فالتركيب النحوي    .

ب- الدلالة :

    مفهوم الدلالة مفهوم مركزي ينتظم حوله  النشاط السيميائي في مجمله .وهي الناتج الصافي للمادة وهي وجهها المتحقق أو هي سيرورة انتاج المعنى .ويرى آخرون أن السيميائية لا تبحث عن دلالات جاهزة أو سابقة على الممارسة ، بل هي "بحث في شروط الإنتاج والتداول والاستهلاك . لأن ما "يستهوي النشاط السيميائي ليس المعنى المجرد والمعطى لأنه مرحلة سابقة على الإنتاج بل هو المعنى من حيث هو تحققات متنوعة ميزتها التمنع والاستعصاء على الضبط " [129]

وقد نظر العلماء العرب إلى دلالة اللفظ في سياقين مختلفين :السياق اللغوي ،والسياق التداولي . وذلك قبل أن تظهر مقولات السيميائيين والتداوليين المعاصرين بقرون عديدة ،يقول عبد القاهر الجرجاني :"وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها فوائد حتى تراها مكررة في موضع ،ولها في كل موضع من تلك المواضع شأن مفرد ،وشرف منفرد ،...ومن خصائصها التي تذكر وهي عنوان مناقبها ،أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ حتى تخرج من الصدفة الدرر ،وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر ." [130]

فاللفظة كما نرى لا تستقر على دلالة  واحدة ،بل تتغير دلالتها بتغير موقعها من نسق الجملة .وكذلك فرق الأصوليون بين الدلالة الحقيقية والدلالة المجازية للغة .يقول الإمام الشوكاني : و"الحاصل أن الألفاظ قوالب المعاني المستفادة منها ،فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا ،وتارة من جهته تلويحا .فالأول المنطوق ،والثاني المفهوم"[131] والمنطوق يتعلق بالحقيقة والمعنى الواضح الذي لا يحتاج إلى تدبر لصراحته ونفيه لأي تأويل ،والمفهوم يفتح المجال أمام النشاط التأويلي .  وقد كانت الدلالة هي المصطلح  كثير الاستعمال في الدراسات الألسنية والنقدية .فظهرت ما يسمى: سيميولوجيا الدلالة ولها عدة أشكال :اتجاه بارت الذي يحاول تطبيق اللغة على الأنساق غير اللغوية .واتجاه باريس ومن رموزه ميشيل أريفي وكلود كوكيه وكريماس . واتجاه  المادية عند جوليا كريستيفا .واتجاه الأشكال الرمزية عند مولينو وغيره [132]

    6- السيمياء  واللسانيات العربية المعاصرة  :

من بين المؤلفات التي تبنت المقاربات السميائية وتعمقت في مكنوناتها وأصولها ومباحثها، نجد:

عبد المالك مرتاض: التحليل السميائي للخطاب الشعري قراءة في قصيدة شناشيل بنت الجلبي لمحمود درويش.

أحمد يوسف تحليل الخطاب من اللسانيات إلى السيميائيات

شرشار عبد القادر مستويات التحليل السيميائي في مقارنة النص السردي

محمد سالم سعد من التداولية إلى السيميائية ... أسس ومعطيات 

 

 

 

 

 

المحاضرة الحادية عشر:           الأسلوبيّة  

 

    

1- مصطلح الأسلوبية:

      ثم مشكل المصطلح إذا أن التردد بين عد الأسلوبية منهجاً نقدياً أم أنها أوسع من ذلك بسبب تعدد ميادينها وتداخلها مع حقول أخرى كثيرة كالنقد الأدبي ، وعلم البلاغة، واللسانيات ، وعلم النص ، حتى أن الأسلوبية نفسها غدت أسلوبيات ، وهو المصطلح الذي يؤثره سعد مصلوح حيث جعله مقابلاً للمصطلح الإنجليزي Linguistic Stylistics وقيده بوصف " اللسانية " مؤكداً المنطلق اللساني في شرح العلاقة بين البلاغة العربية وهذا الفرع من فروع الدراسة اللسانية المعاصرة[133].

       والاحتراز الأخير هو وجود نوع من التداخل بين مصطلحي (الأسلوب) و(الأسلوبية) وعلى الرغم من ذلك التوضيح الذي قدّمه الدكتور أحمد درويش حول المصطلحين وبدايتهما التاريخية وتحديده للعلاقة الرأسية والأفقية بين المصطلحين[134] إلا أن الإشكالية تبقى قائمة بين هذا التداخل وبخاصة طول الفترة الزمنية التي قطعها المصطلح الأول "الأسلوب"، في مقابل حداثة المصطلح الثاني "الأسلوبية " .

 2-  تعريف الأسلوبية:

       لعل تقاطع مجموعة المفاهيم والمناهج والنظريات النقدية قد شجعت الأسلوبية بتطوير التحليل الداخلي والتزامني ، وعززت الاهتمام المخصص لجماليات الكتابة ، وأضافت الترابط بين الشكل والمضمون ، ودخلت إلى أفكار البنية[135] ، كما سعت إلى مقاربة النص مقاربة محايثة ، واعترفت اعترافاً أساسياً بالمقام والشفرة المرجعية ، فهي تقع في موقع وسط بين المناهج الداخلية التي أغلقت نفسها على النص ، واتجاهات ما بعد البنيوية . ولقد قطعت الأسلوبية أشواطاً كثيرة في تحليل الخطاب الأدبي من أسلوبية لسانية ، إلى أسلوبية وصفية إلى أسلوبية تكوينية  إلى أسلوبية إحصائية ، إلى أسلوبية بنيوية ، كاسرة بذلك انغلاق البنيوية ، ومشرّعة أبواب التحليل والتأويل . كما قطعت أشواطاً أخرى في تعريفاتها: فقد عرّف الأسلوب بأنه إضافة أو زيادة بمعنى أنه يعني التحسين والتجميل. وعرف بأنه اختيار من إمكانات اللغة المتعددة ، سواء أكان اختياراً واعياً مقصوداً أم اختياراً لا واعياً تتطلبه شرائط الابداع وتجلياته ، وعرف الأسلوب أيضاً بأنه انحراف Deviation  عن المعيار أو انزياح عنه .

    ويعرّف معجم أكسفورد الكبير الأسلوب بأنه " طريقة التعبير المميزة لكاتب معين ( أو لخطيب أو متحدث ) أو لجماعة أدبية أو حقبة أدبية من حيث الوضوح والفاعلية والجمال وما إلى ذلك " . وبهذا المعنى فإن الأسلوب وجد منذ وجدت الكتابة ، فكل خطاب يتوفر على ملمح من ملامح الأسلوب ،  أومحاولة تمييز هذا الخطاب اللغوي من غيره من أساليب الكلام ، يشكل بداية لتأسيس نظرية أسلوبية أو خطوة نحو الدرس الأسلوبي . ومن هنا نرى أن الدرس الأسلوبي ليس جديداً، وإنما هو نشاط مارسته جميع المعارف التى اتخذت من الخطاب ميداناً لها ، وتجلت ملامحه في الدراسات الأدبية والبلاغية والنقدية والشروح الشعرية ، وإن تكن هذه التجارب لم تتمكن من تأسيس الأسلوبية علماً مستقلاً[136]

     ويرجع أحمد درويش مصطلح الأسلوب Style إلى القرن الخامس عشر على حين يرجع مصطلح الأسلوبية Stylistique إلى بداية القرن العشرين مستنداً إلى المعاجم التاريخية الفرنسية . ويرى أنه كان يقصد بالأسلوب النظام والقواعد العامة مثل " أسلوب المعيشة " أو " الأسلوب الموسيقي " أو "الأسلوب البلاغي " ... الخ ، أما المصطلح الثاني " الأسلوبية " فقد اقتصر على مقول الدراسات الأدبية واحتد مع جورج مونان إلى الفنون الجميلة عامة ([137])

       ويعتقد بعض دارسي الأسلوبية أنها تعد تطوّراً للفكر الشكلاني ، وعلى الرغم من أن أهمية الأسلوبية تقتصر على أنها إحدى الأدوات التى يمكن أن يستخدمها النقاد في الحكم على الأعمال الأدبية ، فإن بعض النقاد العرب يعتقدون أن الأسلوبية منهج نقدي جديد يستهدف إلغاء البلاغة القديمة وإحلال بلاغة جديدة مكانها تقوم دعائمها على الجمالية والوظيفية[138]

     لقد كان نقد العمل الأدبي والحكم على نوعيته يقومان أساساً على تقديرات وأحكام ذات طبيعة أسلوبية - لغوية . فالتحليل الأدبي كان يتضمن على الدوام ملاحظات حول أصالة الكاتب في استعمال المفردات والجمل والصور وغيرها من العناصر اللغوية والبيانية . وهذا يعني أن دراسة الأسلوب كانت تمثل دائرة أوسع وأشمل من تلك التي تغطيها كلمة " الأسلوبية"[139].

       ارتبط مصطلح الأسلوب فترة بمصطلح البلاغة حيث ساعد على تصنيف القواعد المعيارية التى تحملها البلاغة إلى الفكر الأدبي والعالمي ، منذ عهد الحضارة الإغريقية ، وبخاصة كتابات أرسطو  Aristotle. ثم ما لبثت أن اكتسبت كلمة " الأسلوب " شهرة التقسيم الثلاثي الذى استقر عليه بلاغيّو العصور الوسطى ، حين ذهبوا إلى وجود ثلاثة ألوان من الأساليب ، هي : البسيط ، والمتوسط ، والسامي ، وهي ألوان يمثلها عندهم ثلاثة نماذج كبرى في إنتاج الشاعر الروماني " فرجيل " vergil  [140] 

 

 

3- نشأة الأسلوبية:

       ويُعتقد أن الأسلوبية انطلقت من رحم البلاغة بأصولها الأرسطية القديمة ولهذا نجد من يصرّح بالقول : " في البدء كانت البلاغة " ولاينسى أن يشير إلى أبوية المؤسس الأول أرسطو Aristotle[141] ولعل جورج بوفون ( 1707 - 1788 ) في " مقال في الأسلوب " ، قد أحدث هزّة قوية لبعض مفاهيم الأسلوب ولبعض  قواعده المعيارية وخلاصتة أن الأسلوب هو الرجل ، رابطاً قيم الأسلوب الجمالية بخلايا التفكير الحية والمتغيرة من شخص إلى شخص ، وليس بقوالب التزيين الجامدة التي يستعيرها المفكرون عادة من المبدعين دون إدراك حقيقي لقيمها[142]

      ويتضح أن كلمة أسلوبية ظهرت خلال القرن التاسع عشر وبدأت تتأصل مصطلحاً في السنوات الأولى من القرن العشرين، حيث تلقت دفعة قوية على أثر ازدهار علم اللغة الحديث على يد " فرديناند دي سوسير " ( 1855 - 1913م ) . وقد انبـرى أحد تلامذة دي سوسير وهو شارل بالي ( 1865-1947م ) ، لدراسة الأسلوب بالطرق العلمية اللغوية فعمل على إرساء قواعد الأسلوب من خلال بنيوية اللغة مستفيداً من طروحات دي سوسير، وعليه يشير بعض مؤرخي الأسلوبية إلى أن بالي هو من أصّل علم الأسلوب عام 1902م وأسس قواعده ، حين نشر كتابه الأول " بحث في علم الأسلوب الفرنسي " ، ثم أتبعه بعدّة دراسات أخرى نظرية وتطبيقية ، ومن هنا نعت بالي بأنه المؤسس الأول للأسلوبية . وقد عرّف الأسلوبية بأنها : " العلم الذي يدرس وقائع التعبير اللغوي من ناحية محتواها العاطفي أي التعبير عن واقع الحساسية الشعورية من خلال اللغة وواقع اللغة عبر هذه الحساسية " [143]

       ويتلخص تعريف بالي للأسلوبية بأنها " دراسة العناصر المؤثرة في اللغة ، وتلك العناصر التى تبرز بوصفها  عوناً ضرورياً للمعاني الجاهزة ". بيد أن بالي حدّد ميدان الأسلوبية بدراسة اللغة مستبعداً اللغة الأدبية من ميدان عمله الأسلوبي باعتبار الأخيرة ثمرة الجهد الإرادي بقصد جمالي ، مقتصراً على تناول وقائع تعبير لغة خاصة في حالة محدودة من تاريخ هذه اللغة ، فهى أسلوبية للغة وليست للكلام Parole  . ولعل هذا التوجّه فجّر معارضة بعض اللغويين الذين قبلوا من حيث المبدأ مفهوم الأسلوبية ، ولكنهم رفضوا إهمال اللغة الأدبية وأولوها مكانة بارزة ومن هؤلاء (ماروزو ) الذى أدرك أزمة الدراسة الأسلوبية وهى تتذبذب بين موضوعية اللسانيات ونسبية الاستقراءات وجفاف المستخلصات ، فطالب بحق الأسلوبية في شرعية الوجود ضمن أفنان الشجرة اللسانية العامة ، تاركاً الباب مفتوحاً أمام دراسة اللغة الأدبية[144].

     وتلقت الأسلوبية دفعة قوية أنعشتها مع تطور علم اللسانيات والأبحاث التى انبثقت عنها . وهدف الأسلوبية ، كما يفهم حديثا ، هو دراسة الأدبية في مكوناتها الكلامية والشكلية . وهذا التعريف يحدّد بشكل منهجي وموضوعي مادتين اثنتين تتناولهما الدراسة الأسلوبية هما: مادة الأدب ، أي النصوص الأدبية حيث يتم النظر إلى نصوص مكتوبة تنتمي طبيعتها الخاصة إلى الوظيفة الشعرية في المعنى التي أصّل لها ياكبسون ونظرللنص الأدبي في هذا الصدد بوصفه خطاباً يتم إنتاجه وتلقيه، أما المادة الأخرى فإنها ترتبط بوسائل البحث المستعملة : إنها تقتضي العمل حصراً على دراسة التحديدات اللغوية للأدبية دراسة منظمة وفي جميع الاتجاهات وهكذا تظهر الأسلوبية على مفترق "علوم اللغـة" و"علوم الأدب"[145]

    ويعتقد أن الأسلوبية ولدت من رحم البلاغة ولهذا يتكرر القول: " في البدء كانت البلاغة " ، ودائماً نعود إلى الأب المؤسس أرسطو Aristotle ، وينبغي الوقوف عند ثلاث محطات من البلاغة : أولهـا وأقدمها بلاغـة أرسطـو التى ترتبط بالمحاجـة Argumentation ، والتطبيق الملائم لها هو فن الخطابة - الفصاحة - الذي يهدف إلى الإثبات والاقناع بواسطة الخطاب .

     ولعل هذه النزعة البلاغية المعيارية توجهت قواعدها التقنينية نحو الوضوح والتوازن والمعقول . وهذا المعقول ليس إلا شعوراً جمالياً - ثقافياً ، أي أنه ذوق . وهذا الذوق الذي وضع تحت اسم مخـــادع هـــو " العقل " هيمن على كل آيديولوجية عصر الأنوار ، وهيمن حتى ، بفعل الاستمرارية في المدارس الدينية ثم العلمانية ، على النظرية الكامنة في كل تعليم اللغة الفرنسية إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويبقى بعد ذلك أن الطابع المميز للبلاغة – قياساً إلى الأسلوبية – هو درجة التجريد والتنظيم التقني ، وهو تجريد ينبني على التجريب والخبرة بالوقائع ، باعتباره نوعاً من التعميم العلمي يختلف عن التعميمات المنطقية القبلية والأحكام القيمية المسبقة . ([146])

    ولعلم تراكيب الجمل دور في التطور المذهل الذي حققته ثورة اللسانيات الوضعية واللسانيات السوسيرية ومجموع اللسانيات البنيوية في دراسة اللغة أحدثت انقطاعاً عن التقليد البلاغي ، رغم أنها بقيت ، ظاهرياً ، داخل الميدان الذي يُدعى إجمالياً باسم الأسلوبية . ويقوم علم تراكيب الجمل على دراسة أشكال الجملة الخاصة للغة معينة ، هادفاً إلى وضع لائحة بهذه الأشكال تكون على أشد ما يمكن من الكمال ، ومن ثم يهدف في مرحلة ثانية ، إلى تصنيفها كلها وفق مواقف التواصل أو وفق مستويات تتخطى النوع الأدبي، وخاصة ذلك الذي يتمثل في إعادة التركيز الكامل والمعلن على اللغة غير الأدبية، بالنسبة للحالة التى أضحى عليها التقليد البلاغي ، أى الإلحاح على وقائع لغوية واسعة ، غير فنية وغير فردية ، وكذلك طريقة غير تقييمية بتاتاً[147]

6- الأسلوبية في النقد العربي الحديث :

     مثلما تعدد الاتجاهات الأسلوبية في الغرب، في أن اللغة هي المحدّد الأول والأخير للظاهرة الأسلوبية، فقد تنوعت كذلك أساليب النظر واتجاهات البحث لدى الأسلوبيين العرب، وهذا أمرٌ طبيعي جدّاً لارتباطه بتعدّد منابعهم الثقافية واختلاف تصوراتهم المعرفية والفكرية والجمالية، ولعله من الصعب رسم بانوراما شاملة لتلك الاتجاهات، وربما أمكن الإشارة السريعة إلى أن بعض الأسلوبيين العرب عدَّ الأسلوبية اتجاهاً بذاته يمثل بديلاً للبلاغة العربية ، واعتبرها منهجاً مناسباً للتعامل مع النصوص الأدبية وتقويم جمالية النص وتقدير ملامحه الوظيفية[148] .

     ولا تخلو دعوة بعض الأسلوبيين العرب إلى تأصيل واضح ومستوعب للأسلوبيات اللسانية منطلقين من تجديد البلاغة العربية ، مؤكدين متانة الصلة واستحكامها بين البلاغة والأسلوبية ، لاعتقاد بعضهم أن الأخيرة وليدة البلاغة ووريثها الشرعي ، ومدركين في الآن نفسه كونهما فرعين معرفيين ينتظمان في مسارين تاريخيين مختلفين ، وهذا ما عبر عنه المسدى في قوله : " الألسنية امتداد للبلاغة ونفي لها نفس الوقت "[149]، وقد تراوح هذا الجهد التأصيلي لدى عدد من الأسلوبيين العرب من مثل شكري محمد عياد، وحمادي صمودفي " التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوّره" ، ومحمد الهادي الطرابلسي" خصائص الأسلوب في الشوقيات" ، وسعد مصلوح " في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية آفاق جديدة "، ومحمد عبد المطلب وغيرهم.

        ولعل هذه الجهود التأصيلية التي تزامنت معها أو أعقبتها ممارسات تطبيقية أشرنا في حواشي هذه الدراسة إلى أبرز أعلامها ، تشكل المشروع التحديثي الذي سعى الأسلوبيون العرب إلى إرسائه . وعلى الرغم مما وجه للدراسات الأسلوبية العربية من نقود تتمثل في محدودية نتائج بعض دراساتهم واضطراب رؤية بعض دارسيها ، أو افتقارهم إلى المنهج الصارم وعدم التزام روح البحث الرصين ، واتسام بعض دراساتهم بالغموض الشديد والتعقيد المبالغ فيه ، فإن الدارس المنصف لا ينكر قيمة ما أتاحوه للدرس الأسلوبي من التعريف بالأسس المنهجية التي بنيت عليها الأسلوبية ، والإشارة إلى اعتمادها التحليل العلمي الموضوعي ، وتيسيرها الأدوات المنهجية التي غدت ركناً معرفيا مهما للممارسة التطبيقية . ولعل تلك الدراسات التطبيقية لهؤلاء النقاد والأسلوبيين تكون شاهداً على ما أضافوه من جديد للنقد العربي الحديث .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثانية عشر:      النقد الثقافي

مقدمة:

     يعد النقد الثقافي نشاطا معرفيا معاصرا، أفرزته تيارات النقد لمابعد الحداثة كردة فعل على المناهج النسقية وعلى رأسها البنيوية اللسانية، التي علمنت مقولاتها النقدية الظاهرة الأدبية، و بالغت في تسييج النصّ الأدبي وعزلـه عن محيطه وسياقاته الخارجية؛ فأهملت بذلك اعتبارات الذات والمتلقي والسياقات المتعددة في نقده، بدعوى؛ أنّ لا أدبية للنصّ خارج حدود نسقه اللغوي أوجانبه الشكلي الجمالي.

     ومن ثمّ؛ فإنّ مهمة النقد الثقافي هي"الانتقال بالممارسة النقدية من نقد النصوص والعناية بجمالياتها الأسلوبية والبنائية إلى نقد الأنساق المطمورة فيها، أي نقد محمولاتها الثقافية وكشف ومصادرة أنساقها المتخفية... وبذلك، فقد طرح النقد الثقافي مشروعا بديلا لمشروع النقد الأدبي؛ إذ تنبـــــذ أطروحاتـــه المعايير البلاغيــة الجماليــــة التي احتـكم إليها نقد النصّ الأدبي ردحــــا من الزمن؛ وتهدف مساعي النــــاقد الثقافي من وراء مقولاتـــه إلى تحرير الخطاب من مبـــدأ الخضوع والتأسيس لفكرة " نقد ثقافة المركز و مواجهة هيمنة النسق"، متوسلا بإستراتجيـة تفكيكيــة تنزع إلى التقويض و التشظي لتسليط الضوء على المهمّش في الثقافتين الوطنيـة والإنسانيـة و ردّ الاعتبار إلى القيم غير الجمالية، الكامنة في أحشاء الخطاب الأدبي"

      و لئن كانت نشأة هذا التوجه النقدي، غربية؛ حيث ظهرت الإرهاصات الأولى للنقد الثقافي خلال القرن الثامن عشر بأوربا، أمّا الإعلان الرسمي عنه، فقد  كان في ثمانينيات القرن العشرين (1985م) بالولايات المتحــدة الأمريكيــة من قبل الناقد الأمريكي "فنسنت ليتش"، الذي دعـــــا إلى مشروع نقدي يحرر النقد المعاصر من نفق النقد الشكلاني، و يمكّن النقاد من تناول مختلف أوجه الثقافة لاسيما التي أهملها النقد الأدبي"...فإنّ النقد العربي المعاصر لم يكن هو الآخـــر بمنأى عن وهج هذا التوجه الجديد ويعدّ الناقد السعودي"عبد الله الغذامي"صاحب السبق في استقدام النقد الثقافي إلى فضاء النقد العربي المعاصر، ثم انتقلت عدواه بعد ذلك إلى ثلة من النقّاد العرب الذين اشتغلوا عليه، تنظيرا و تطبيقا.

2- قراءة في مرجعيات و إشكالات النقد الثقافي :

    ظهرت متغيرات ثقافية منذ مطلع القرن العشرين كانت سبباً في ظهور الظاهراتية أو الفينومينولوجيا والتي كما يبدو وجد فيها الألمان توسيعاً لمفهوم الذاتية الرومانسية وتطويراً له وتجاوزاً للانساق الثقافية التي تخضع الذات للموضوع، ، فتشكل نسق ثقافي يؤكد حضور الذات في صياغة وتشكيل العالم الخارجي وفق رؤيتها ،  فالمعرفة " الحقيقية للعالم لا تأتي بمحاولة تحليل الأشياء كما هي خارج الذات (نومينا Noumena) وإنما بتحليل الذات نفسها، وهي تقوم بالتعرف على العالم، أي بتحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحولت إلى ظواهر (فينومينا Phenomena)، ذلك أن الوعي لا يكون مستقلاً، وإنما هو دائماً وعي بشيء ما»([150]).

وفي ظل هذا النسق الثقافي تغيرت النظرة  إلى علم التاريخ، فلم يعد وضعياً كما هو الحال عند علماء التاريخ الأوربيين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ولم يعد حتمياً كما كان لدى الماركسية ،وإنما أصبح الفرد يسهم في صناعة التاريخ ،من خلال تفاعله مع تلك الاحداث ،فلا وجود للتاريخ دون وعي الكائن أو تلقيه للأحداث وفق ثقافته الراهنة.

هذا الوعي بدور الذات الفردية في صياغة العالم الخارجي كان له تأثير في نظرية الأدب، ومناهج النقد الأدبي، والأدب المقارن، وتبلور هذا الأثر في ما يسمى بنظرية التلقي التي تجاوزت المناهج التاريخية أو الخارجية التي تركز على دراسة الأدب من الخارج، وتجاوزت كذلك الشكلانية وما جاء بعدها من مناهج تتعامل مع النص على أنه نتاج مغلق ومعزول عن خارجه، فقد اتجه أصحاب هذا النسق  إلى التركيز على المتلقي؛ لأنه في رأيهم يسهم من خلال قراءته في إبداع أو خلق النص الأدبي، ففهم النص الأدبي يتعدد بتعدد ثقافة قرائه، ولا معنى لوجود النص الأدبي إذا لم يصل إلى متلقٍ، وهذا شيء طبيعي في ظل نسق ثقافي لا يعترف بالظواهر والنصوص إلا من خلال الذات الواعية، ومن هنا يصبح للمتلقي دور مهم في الإبداع الأدبي.

إذا كان التّطور الثقافي نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي  كما يقول هربرت سبنسر[151]، والثقافة نتاج مجتمعات مفارقة للتشكيل البدائي الذي يكون أقرب إلى التأثر بالعالم الطبيعي، وهي تتطور مع تطور المجتمعات الساعية نحو مزيد من الرقي[152]. و إذا كان الناقد الإنجليزي رايموند وليامز قد وضع أولى التّصورات المنهجية فيما يتعلق بالدرس الثقافي من خلال كتابه «الثقافة والمجتمع »1958 حيث أسهم في تحويل وجهة المقاربة النقدية من مقاربة لغوية إلى مقاربة تتوسل تحديد المواقف والأنساق الثقافية التي تتخلل تلك النصوص باختلاف تمظهراتها.

- النقد الثقافي و نظريات النقد الأدبي

- تلقي النقاد العرب للنقد الثقافي (التحصيل و التأصيل)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع:

1- برند شبلنر ، علم اللغة والدراسات الأدبية ودراسة الأسلوب ، ترجمة محمود جاد الرب ، الرياض ، الدار الفنية للنشر والتوزيع، 1984م .

2- بيير جيرو، الأسلوب والأسلوبية ، ترجمة منذر عياشي،بيروت، مركز الإنماء القومي،د.ت

3- جورج مولينيه ، تاريخ الأسلوبية ، تعريب عز الدين العامري وعبد المنعم الشنتوف ، الفكر العربي ، 1986 ، العددان 85-86 .

4- حمادي حمود ، التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس ، منشورات الجامعة التونسية ، 1981م .

5-   سعد مصلوح ، الأسلوب دراسة لغوية إحصائية ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1984م

6-   سعد مصلوح ، في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية آفاق جديدة ، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، 2003م .

7- شفيع السيد ، الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1986م 

8- صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة،العدد164،الكويت، 1992م.

9- صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985م

10-       نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس ، ترجمة إبراهيم الخطيب ، لشركة المغربية للناشرين المتحدين، و شبكة الأبحاث العربية بيروت،دط، 1982

11-       إلمار هولنشتاين ، رومان ياكبسن والبنيوية الظاهراتية ، ترجمة عبد الجليل الازدي ، مطبعة النجاح ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1999.

12-       إلرود إبش وآخرون، نظرية الأدب في القرن العشرين، نر: محمد العمري، إفريقيا الشرق، 1996

13-       الزواوي بغورة ، البنيوية منهج أم محتوى ، عالم الفكر ، م30 ، إبريل / يونيو ، 2002

14-       عمر أوكان: النص. أو مغامرة الكتابة لدى بارت، افريقيا الشرق الدار البيضاء. المغرب، 1991

15-       محمد عزام،  فضاء النص الروائي، (مقارنة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان)

16-       جميل حمداوي، مدخل إلى البنيوية التكوينية، مقال على شبكة الانترنت، موقع منبر الوطن.

17-       ينظر، صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر

18-       إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ط1، 2003

19-       سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1985

20-        ينظر، لوسيان غولدمان وآخرون، البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، مؤسسة الأبحاث العربية، ط2، بيروت، لبنان، 1986م

21-       صالح سليمان عبد العظيم: سوسيولوجيا الرواية السياسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1998،

22-       غولدمان لوسيان - المنهجية في علم الاجتماع الأدبي ، ت . مصطفى المسناوي ،ط 3 الدار البيضاء س 1984

23-       عبد الرزّاق حسين، في النّص الجاهلي قراءة تحليلية، (ط 1)، مؤسسة المختار للنشر، القاهرة، 1998.

24-       وهب أحمد روميّة ، شعرنا القديم والنّقد الجديد، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ط1، 1996

25-       سير جيمس فريزر: الغصن الذهبي دراسة في السحر والدين ، تر: أحمد أبوزيد

26-       نور ثروب فراي: تشريح النقد - تر: محي الدين صبحي.

27-       عبد الفتاح محمد احمد - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي، ط1، دار المنهل، بيروت، 1987

28-       وهب أحمد روميّة - شعرنا القديم والنقد الجديد.

29-       شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1997

30-       عبدالفتاح محمد أحمد - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي.

31-       إرنست كاسيرر: الدولة والأسطورة - تر: أحمد حمدي محمود - مراجعة أحمد خاكي .

32-       عبد الرحيم الكردي: قراءة النص، مقدمة تاريخية، مكتبة الآداب، القاهرة، 2006

33-         يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي،جسور للنشر والتوزيع، الجزائر،ط3، 2007.

34-       حميد آدم ثويني، منهج النقد الأدبي عند العرب، دار الصفا للنشر والتوزيع،عمان،ط1، 2004.

35-       ميجان الرويلي وسعد البازغي، دليل الناقد الأدبي ، المركز الثقافي العربي ، ط2 ، الدر البيضاء 2000،

36-       عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، دار الفكر العربي، ط 6 ، 1976.

37-       مصطفى الشليح، الحياة الأدبية في سلا ، دار المعرفة / المؤسسة / السلطة في الثقافة المغربية بسلا، 2012

38-       حلام الجيلالي، المناهج النقدية المعاصرة، 2004،

39-       يمنى العيد في معرفة النص، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983،

40-       على جواد الطاهر، منهج البحث الأدبي، مكتبة النهضة، العراق، ط 1972.

41-       عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير، من البنيوية إلى التشريحية.

42-       حبيب مونسي، القراءة والحداثة (مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية)، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000

 

 

المراجع الأجنبية:

43-     5-Petit larousse Illustré 1984 , librairie larousse, paris, 1980.

44-     6-France Anatole. «la vie litteraire»première série, Paris, C. Lévy, 1888. Dpf

45-       TODOROV TZVETAN, THEORIE DE LA LITTERATURE, TEXTES DES FORMALISTES RUSSES, 1965

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس المحاضرات:

-      فهرس الموضوعات....................................................1

-      مقدمة.................................................................2

-      المنهج / النقد الأدبي..................................................3

-      المنهج الانطباعي....................................................10

-      المنهج التاريخي.....................................................18

-      المنهج الاجتماعي...................................................24

-      المنهج النفسي.......................................................32

-      المنهج الأسطوري....................................................43

-      المنهج البنيوي.......................................................50

-      اتجاهات البنيوية : أ- البنيوية الصورية.............................58

-      اتجاهات البنيوية: ب- البنيوية التكوينية.............................63

-      المنهج السيميائي....................................................73

-      الأسلوبية............................................................83

-      النسق الثقافي........................................................92

-      قائمة المصادر والمراجع......................................................97

-      الفهرس:...........................................................101



[1] - حلام الجيلالي، المناهج النقدية المعاصرة من البنوية إلى النظمية.

[2] - حلام الجيلالي، المناهج النقدية المعاصرة من البنوية إلى النظمية

[3] - ينظر: حلام الجيلالي، المناهج النقدية المعاصرة، 2004، ص02.

[4] - يمنى العيد في معرفة النص، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983،

[5] -  على جواد الطاهر، منهج البحث الأدبي، مكتبة النهضة، العراق، ط(2) ،1972.

[6] - ينظر: عبد الله محمد الغذامي، الخطيئة والتكفير، من البنيوية إلى التشريحية، ص14.

[7]-ينظر:حبيب مونسي،القراءة والحداثة (مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية)،من منشورات اتحاد الكتاب العرب،2000، ص06.

[8] - مونسي حبيب، القراءة والحداثة، ص44.

[9] - Petit larousse Illustré 1984 , librairie larousse, paris, 1980,p 515نقلا عن يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص 08     

[10] -Ibid. p515.

[11] - France Anatole. «la vie litteraire»première série, Paris, C. Lévy, 1888, p17. dpf

[12] - ينظر، يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص 08

[13] - يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص09

[14] - حميد آدم ثويني، منهج النقد الأدبي عند العرب، دار الصفا للنشر والتوزيع ، عمان، ط1 2004، ص19.

[15] - عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، دار الفكر العربي، ط 6 ، 1976، ص  108.

[16] - يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص09

[17] - ينظر، يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص09، 10

[18] - ينظر، يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي، ص14.

[19] - مصطفى الشليح، الحياة الأدبية في سلا، المعرفة / المؤسسة / السلطة في الثقافة المغربية بسلا 2012، ص273.

[20] - كارلوني وفيللو: تطور النقد الأدبي في العصر الحديث. جورج سعيد دار مكتبة الحياة (د. ت) بيروت ص:78.

2- انظر : صلاح فضل ، مناهج النقد المعاصر ، القاهرة ، دار الآفاق العربية ، 1997م ، ط1 ، ص 24-26 .

[22] - مونسي حبيب، القراءة والحداثة، ص44.

[23] - ينظر، مونسي حبيب، القراءة والحداثة، ص45.

[24] - عبد السلام المسدي، في آليات النقد الأدبي، دار الجنوب، تونس، 1994، ص79.

[25] - مونسي حبيب، القراءة والحداثة، ص45.

[26] - ينظر، يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص16.

[27] - نقلا عن حبيب مونسي، القراءة والحداثة، ص46.

[28]  انظر: مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1417هـ: 44، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة ـ رؤية إسلامية، سعد أبو الرضا، (ب.ط)، 1425هـ: 62.

[29]  انظر: انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه، صالح هويدي، منشورات جامعة السابع من إبريل، ط1، 1426هـ: 95، وانظر: مناهج النقد المعاصر: 44-45.

[30] - بلنسكي: الممارسة النقدية ت فؤاد مرعي دار الحداثة ط 1982 بيروت ص23.

[31] - حبيب مونسي ، القراءة والحداثة، ص57.

[32] - أنريك أندرسون أمبرت : مناهج النقد الأدبي، ترجمة الطاهر مكي، دار المعرفة الجامعية، السويس ، 2004 . ص 103.

[33] - ينظر :  الملحمة والرواية ( دراسة الرواية ، مسائل في المنهجية) : ميخائيل باختين: د. جمال شحيد: بيروت : ط1 : 1982 : ص9 (من مقدمة المترجم)

[34] - ينظر، روبيرا سكاربيت، سوسيولوجيا الأدب، تر:آمال أنطوان عرموني، منشورات عويدات، بيروت ،ط1 1978،ص8.

[35]-  انظر: النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 94.

[36] -  انظر: انظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 95.

[37] - انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 47.

[38]- انظر: مناهج النقد المعاصر: 48.

 [39] - انظر: مناهج النقد المعاصر: 49.

[40]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 48-49.

[41]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 55.

[42]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 55.

 [43]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 56. وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 70.

 [44]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 56-57.

 [45]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 58.

[46]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 58، وانظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 71.

[47]  انظر: مناهج النقد المعاصر: 58.

[48] انظر: مناهج النقد المعاصر: 61.

[49] انظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 73.

[50]  انظر: سعد أو الرضا، النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة رؤية إسلامية،: 73.

[51] صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث ـ قضاياه ومناهجه: 97.

 [52]  انظر: سعد أبوالرضا، النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: رؤية إسلامية، (ب.ط)/ 1425، ص74.

 [53]  انظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 75.

 ([54])  انظر: النقد الأدبي الحديث ـ أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 74.

[55]- عبد الجواد المحمص المنهج النفسي في النقد، دراسة تطبيقية على شعر أبو الوفا (مقال) مجلة الحرس الوطني، تصدر عن رئاسة الحرس الوطني السعودي، العدد 155،  ص80.

[56] - ينظر. أحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، بيــروت : دار النهضة العربية، 1981، ص 247 .

[57]- انظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه، منشورات السابع من إبريل، ط1، 1426: 80.

[58] - برنار دي فوتو: عالم القصة ، تر: محمد مصطفى هدارة - ص:33.34.

[59] - لوي كابانس، النقد والعلوم الإنسانية، تر:فهد عكام، دار الفكر المعاصر، ط1، 1982، مصر ص 29 .

[60]  انظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 64- 65.

[61] انظر: الرويلي والبازعي ، دليل الناقد الأدبي: 333.

 [62]- ينظر: صلاح فضل، مناهج النقد المعاصر: 67.

 [63]  ينظر: مناهج النقد المعاصر: 66.

 [64] - ينظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 84.

 [65]  - ينظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 85.

[66] - ينظر: المرجع السابق: 85.

[67] - ينظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 86.

[68] - ينظر: المرجع السابق: 74.

[69] - ينظر: أحمد حيدوش: م. س. ص:26.

[70] - أحمد كمال زكي - النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته - ص 250.

[71] - ينظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه 87-88,

[72] - ينظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 87.

[73] - حيدوش أحمد، الاتجاه النفسي في النقد الحديث، ، رسالة ماجستير على الآلة الطابعة، ص12، ص17.

[74] - ينظر: صالح هويدي، النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 92.

[75] - ينظر: المرجع السابق: 92.

[76] - ينظر: المرجع السابق: 93.

[77] - عبد الرزّاق حسين ، في النّص الجاهلي قراءة تحليلية، (ط 1)، مؤسسة المختار للنشر، القاهرة، 1998، ص 29.

[78] - وهب أحمد روميّة – شعرنا القديم والنّقد الجديد، (ط1)، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1996، ص 127.

[79] - سير جيمس فريزر: الغصن الذهبي دراسة في السحر والدين - تر: أحمد أبو زيد - 1/114.215.

[80] - نور ثروب فراي: تشريح النقد - تر: محي الدين صبحي - ص:202.

[81] - ينظر : عبد الفتاح محمد احمد - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي، ط1، دار المنهل، بيروت، 1987، ص 34.

[82] - وهب أحمد روميّة - شعرنا القديم والنقد الجديد، ، ص 34.

[83]-شكري عزيز ماضي، من إشكاليات النقد العربي الجديد، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997، ص90.

[84] - ينظر ، عبدالفتاح محمد أحمد - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي، ص38 - 54

[85] - إرنست كاسيرر: الدولة والأسطورة - تر: أحمد حمدي محمود - مراجعة أحمد خاكي - ص:41.

[86] - عبد الرحيم الكردي: قراءة النص، مقدمة تاريخية، مكتبة الآداب، القاهرة، 2006، ص5

[87] - ينظر، حبيب مونسي، القراءة والحداثة، ص 119.

[88] - ينظر، المرجع السابق، ص 123.

3  - الزواوي بغورة ، المنهج البنيوي ، ص19 .

[90] - ينظر : أديث كيرزويل، عصر البنيوية من ليفي شتروس إلى فوكو ، ص 12.

[91]  - ينظر: عبدالله إبراهيم وآخرون ، معرفة الآخر ، ص10.

[92] - حسين الواد،  قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، ص 45

 

[93] Encyclopedia of contemporar Literary Theory, P.53.

[94] -  نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس ، ترجمة إبراهيم الخطيب ، لشركة المغربية للناشرين المتحدين، و شبكة الأبحاث العربيةبيروت،دط، 1982، ص31 .

[95] - إلمار هولنشتاين ، رومان ياكبسن والبنيوية الظاهراتية ، ترجمة عبد الجليل الازدي ، مطبعة النجاح ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1999، ص125.

[96] - إلرود إبش وآخرون ، نظرية الأدب في القرن العشرين ، نرجمة محمد العمري ، إفريقيا الشرق ، 1996م ، ص33-34 .

[97] - حبيب مونسي ، القراءة والحداثة، ص140

1-   ينظر : الزواوي بغورة ، البنيوية منهج أم محتوى ، عالم الفكر ، م30 ، إبريل / يونيو ، 2002 ، ص 44 – 45  .

[99]- ينظر : المرايا المحدّبة:162.

[100]- ينظر : عصر البنيوية :259.

[101]- ينظر : الرويلي والبازعي ، دليل الناقد الأدبي ، ص 37 ، وصالح هويدي ، السابق ، ص 111 ، وصلاح فضل ، مناهج النقد المعاصر ، دار الآفاق العربية،  1997م ، ص ص 83 – 84 .

[102] - TODOROV TZVETAN, THEORIE DE LA LITTERATURE, TEXTES DES FORMALISTES RUSSES, 1965, p. 35

[103] - عمر أوكان: النص. أو مغامرة الكتابة لدى بارت، افريقيا الشرق الدار البيضاء. المغرب، 1991، ص.23

[104] - ينظر، حبيب مونسي، القراءة والحداثة، ص144.

[105] - محمد عزام،  فضاء النص الروائي، (مقارنة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان) ص 43.

[106] - جميل حمداوي، مدخل إلى البنيوية التكوينية، مقال على شبكة الانترنت، موقع منبر الوطن.

[107] - ينظر ، مونسي حبيب، القراءة والحداثة، ص45.

[108] - ينظر، صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، ص:194-204

[109] - إبراهيم محمود خليل، النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ط1، 2003م، ص 95.

[110] - ينظر، سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية، دار الكتاب اللبناني، 1985، بيروت، ط1، ص53.

[111] - ينظر، لوسيان غولدمان وآخرون، البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، مؤسسة الأبحاث العربية، ط2، بيروت، لبنان، 1986م، ص47.

[112] - جميل حمداوي، مدخل إلى البنيوية التكوينية، مقال على شبكة الانترنت، موقع منبر الوطن.

[113] - لوسيان غولدمان وآخرون، البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، مؤسسة الأبحاث العربية، ط2، بيروت، لبنان، 1986م، ص48.

[114] -  ( الرويلي والبازعي  ، دليل الناقد الأدبي ، ص 43 ) .

[115] - صالح سليمان عبد العظيم: سوسيولوجيا الرواية السياسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1998،ص57.

[116] - غولدمان لوسيان - المنهجية في علم الاجتماع الأدبي ، ت . مصطفى المسناوي ،ط 3 الدار البيضاء س 1984، ص: 15.

[117] - غولدمان لوسيان - المنهجية في علم الاجتماع الأدبي، ص: 14.

[118] - غولدمان لوسيان - المنهجية في علم الاجتماع الأدبي، ص: 17.

[119] - فيردناند دي سوسير ، محاضرات في علم اللسان العام ، ترجمة عبدالقادر قنيني ط 1 ، 1987م ، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء ، ص 88.

[120] - جميل حمداوي : مدخل إلى المنهج السيميائي ، مجلة عالم الفكر

[121] - جميل حمداوي ، مدخل إلى المنهج السيميائي ،مجلة عالم المعرفة 

[122] - محمد السرغيني – محاضرات في السيميولوجيا ، دار الثقافة الدار البيضاء ، ط 1 ، 1987م ص 55.

[123] - الدكتور رضوان قضماني ،السيميولوجيا والسيموتيك ،مقال منشور على الموقع            :www.jamalya.com

[124] -  بشير كاوربريت ، مناهج النقد الأدبي المعاصر ص136.

[125] - عبدالله الغذامي  – تشريح النص ، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت لبنان ط1، 1987م ص12.

 

[126] - فرديناند دي سوسير ، مبادئ اللسانيات الحديثة وعلم العلامات؛المكتبة الأكاديمية 2000 .ص

[127] - . ميشال أريفيه وجون كلود جيرو ، السيميائية أصولها وقواعداها ترجمة رشيد بن           مالك ، مراجعة وتقديم ، عزالدين المناصرة ص27

[128] - انظر عبدالله إبراهيم وآخرون : في معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية  الحديثة ، ص 78

[129] -  سعيد بنكراد – معجم السيميائيات. ص12.

[130] - عبدالقاهر الجرجاني ، أسرار البلاغة ، المنار ، الطبعة الثانية ، 137هـ ص 33.

[131] - . محمد بن علي الشوكاني : إرشاد الفحول ص 178

[132] - جميل حمداوي ، سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة

[133]  - ينظر:  سعد مصلوح ، في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية آفاق جديدة ، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، 2003 ، ص21 .

[134]  -  ينظر : أحمد درويش ، دراسة الأسلوب بين المعاصرة والتراث ، القاهرة ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، 1998م ، ص 16 – 20 .

1- وائل بركات، مفهومات في بنية النص ، دمشق ، دار معد للطباعة والنشر والتوزيع ، 1996م ، ص67 .

[136] - نور الدين السد ، الأسلوبية في النقد العربي الحديث ، ص4 .

2- أحمد درويش ، السابق ، ص16 .

2- ينظر : يوسف نور عوض ، نظرية النقد الأدبي الحديث ، القاهرة ، دار أمين ، 1994م ، ص18 .

1 -  أحمد درويش ، السابق ، ص 20 .

[140] - محمد عبد المنعم خفاجي ، الأسلوبية والبيان العربي ، ص12 / وأحمد درويش ، الأسلوب والأسلوبية ، ص61 .

[141] - جورج مونيه ، تاريخ الأسلوبية ، ص 140 ، والأسلوبية ترجمة بسام بركة ، ص37 .

1-  أحمد درويش ، السابق ، ص 18 .

1- صلاح فضل ، السابق ، ص15 .

2- سليمان العطار ، الأسلوبية علم وتاريخ ، ص ص133-134 .

2- مولينيه ، نفسه ، ص34 .

1- يُنظر : صلاح فضل ، بلاغة الخطاب وعلم النص ، ص179 .

1- مولينيه ، الأسلوبية ، ص ص 50-59 .

1 -   ينظر: علي سبيل المثال : محمد عزام ، الأسلوبية منهجا نقدياً ، دمشق ، مذارة الثقافة 1989 .

2- ينظر : عبد السلام المسدي ، الأسلوبية والأسلوب ، ص48 .

[150]-  ميجان الرويلي وسعد البازغي دليل الناقد الأدبي ، ، المركز الثقافي العربي ، ط2 ، الدر البيضاء 2000، ص94.

[151] - ديفيد إنغليز، جين هيوسون، مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، ترجمة لما نصير،الدوحة، المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات2013، ص35 .

[152] - المرجع السابق ، لصفحة نفسها.