ما يزال عالم الأدب الجزائري مليئاً بالحكايات والأفكار والمغامرات والدراسات والكشوفات والتنقيبات والتقصيات، والأشعار والمقالات، مليئا بالألغاز والقصص القابعة بين الجدران وفي الشوارع وعلى الجبال والسهول وداخل فضاءات النفس الإنسانية المبدعة، ولعل الأدب الجزائري من بين الآداب التي قدمت نماذج عبقرية مهمة في تاريخ الفنون والمصنفات الأدبية والنقدية والإبداعية المختلفة، كان فاتحة للدخول إلى عوالم النصوص الإبداعية المتنوعة، ومجالا متسعا من الكتابات التي شكلت تحولات مهمة وقواعد ملهمة وخميرة حافلة بالنضوج، فكان الشعر وكانت الرواية والقصة والمسرحية والحكايات الشعبية وأسرار الأماكن المتعددة والدروب الشاقة والصاعدة الملهمة للكتاب والبادية لعين القارئ المبدع والمبتكر.

وعليه فالأدب الجزائري «أدب مرتبط بالبيئات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية التي تضغط على المنتج أو الأديب في لحظة إنتاجه للنص الأدبي وهذا ما أثر حتما في ميلاده ومضامينه»، فلم تكن السياقات التاريخية والاجتماعية وحتى الثقافية بعيدة عن إلهام المبدع في صياغة منتجه الإبداعي، هذا المنتج الذي تعددت خصائصه الفنية عبر مراحل مختلفة، لكل مرحلة سماتها الجمالية ومميزاتها الإبداعية، ينهل فيها الأدب من مشارب متنوعة ويفتح بذلك طرقا وأبابا جديدة ومتسعة شعرا ونثرا وخطابة ومقامة ومقالة وقصة ورواية، انطلاقا من أولى الفتوحات الإبداعية في رواية أبوليوس "الحمار الذهبي" التي كانت منطلقا فعليا للرواية في تاريخ الإنسانية، وصولا إلى للشاعر المتمكن (بكر بن حماد) الذي يعتبر الشاعر الجزائري والأديب الأول طوال عهد الرستميين، حيث كان أبدعهم لنسيج الشعر، وأعرقهم في استنطاق مكامن الحرف البليغ واتباعه لدلالات البعد الإبداعي العميق.

كما أن لدلالات الأدب الحديث أصولا ومرجعيات قامت على استدعاء لخصوصية التراث خاصة في الشعر العربي، فكان شعر الأمير عبد القادر قراءة أخرى في متن الإبداع وصياغة رفيعة للشخصية الجزائرية المعاصرة، «فهو المجاهد المكافح المغوار، وهو الفارس الذي لا يُشقُ له غبار، وهو الفقيه العلاّمة الموسوعي، البحر الزاخر في شتى العلوم والفنون، وهو المتصوف الشاعر، والشاعر المتصوف، الذي عُرف بتغريده في سماوات الشعر، وتحليقه في آفاقه الرحبة، وطرقه لمختلف الأغراض الشعرية»، وهذا ما يجعل هذه الشخصية محطة مهمة في تاريخ الأدب الجزائري، رفقة شخصيات أخرى في النثر والشعر كمحمد بن إبراهيم في مجال الكتابة الروائية، والبشير الإبراهيمي في كتابة المقال، وأحمد رضا حوحو، وعبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطار وكاتب ياسين ومحمد ديب في الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، وفي الشعر شخصيات مهمة كمفدي زكريا ، ومحمد العيد آل خليفة، وحديثا يمكن أن نصل إلى مرافئ رواية مختلفة خصوصا في كتابات أحلام مستغانمي، وواسيني الأعرج، ورشيد بوجدرة، وآسيا جبار، وعبد القادر علولة في المسرح، وفي الشعر نتلمس معالم وأجواء وحقول سليمان جوادي، وعثمان لوصيف، وعز الدين ميهوبي.