مخطط الموضوع

  • مقـدمـة:

       يأتي التعرض لاقتصاديات الإعلام كضرورة ملحة بسبب الميزانية والتكاليف المادية المرتفعة التي أصبحت تتطلب رؤوس أموال ضخمة من أجل الإنتاج الإعلامي ولأن العمل فيه أصبح يهيكل في مؤسسات ضمن قواعد وشروط ترتكز على الجانب الاقتصادي كعنصر من بين أهم ما يجب توفيره وتحولت المؤسسات الإعلامية بمختلف وسائلها وتقنياتها إلى قوى مهمة في صناعة الاقتصاد العالمي وفي الجهة المقابلة مكنت من الهيمنة الإيديولوجية وساهمت في تجسيدها وتكريسها أكثر، ومن أجل ذلك أدرجنا العناصر التالية:

    1- الفرق بين الإعلام والاتصال.

    2- عوامل ظهور اقتصاديات الإعلام.

    3- تعريف اقتصاديات الإعلام.

    4- خصوصية المؤسسة الإعلامية.

    5- تمويل الإعلام.

    6- النموذج الأمريكي.

    7- شروط نجاح البرامج الإعلامية.

    8- نظريات الإعلام.

    أ‌-    نظرية السلطة.

    ب‌-  نظرية الحرية.

    ت‌- نظرية الاشتراكية.

    ث‌- نظرية المسئولية الاجتماعية.

    • المحاضرة 01: الفرق بين الإعلام والاتصال وعوامل ظهور اقتصاديات الإعلام

      الفرق بين الإعلام والاتصال:

      كثيرا ما يتم تداول المصطلحين دون التمييز بينها وكأنهما يحملان نفس المفهوم بسبب التشابه في الشكل وهذا ما أحدث تداخلا كبيرا أثناء استعمالهما، في حين أن الاتصال هو عملية نقل الأفكار والمعلومات والآراء داخل مجتمع معين وله طابع اجتماعي، بينما الإعلام له طابع إخباري وهو المنتج الإعلامي من أنباء ومعلومات وأراء وأفكار ومضامين من خلال وسائل الاتصال المتاحة وتتم العملية الإعلامية بتجميع المعلومات وتحريرها بهدف نشرها وتوزيعها ضمن وسيلة "آلية" معينة، ويعتبر بذلك الإعلام جزء من الاتصال وعملياته المتعددة والمفتوحة، كما أن الاتصال عملية مستمرة باستمرارية الإنسان وعلاقاته على خلاف الإعلام الذي يخضع لعمليات تهيئة وتحرير وفرز... وغيرها من العمليات التي تسبق تفعيلها والعمل على تعديلها وفق شروط وظروف معينة بالإضافة إلى مراعاة عنصر الزمن ومعطياته، والملاحظ أنه كلما تقدمت الدراسات في مجال الاتصال والإعلام كلما تم الفصل بينهما على خلاف الدراسات القديمة التي كانت تجد صعوبة في الفصل بينهما.

      جاء تعريف ويلبر شرام مفرقا بين المصطلحين في قوله أن الاتصال يعني عملية تبادل الأفكار والمعلومات من فرد إلى فرد آخر أو جماعة فمادته المعلومات والأفكار وأدواته اللغة والكلمات، أما الإعلام يعني نشر هذه الأفكار. من خلال ما قدمه ويلبر شرام يمكن القول أنه إذا لم يحدث اتصال لا يحدث إعلام.

      عوامل ظهور اقتصاديات الإعلام:

         مع ظهور المطبعة عام 1457م مع غوتنبرغ والهاتف مع الكسندر غراهام بيل والتلغراف الكهربائي مع صامويل مورس والتصوير الفوتوغرافي سنة 1816م من قبل نيسيغور نسيبس والآلة الكاتبة سنة 1843م والجهاز اللاسلكي والراديو مع هنريش هرتز(1857-1894) والتلفزيون...وغيرها من الوسائل والتقنيات الخاصة بالإعلام والاتصال زادت أهمية الإعلام ودوره وأصبح محط اهتمام مختلف الأطراف، بما يتمتع به من خصائص حيث أصبح صناعة متكاملة في عصرنا الحاضر مثل الصناعات الأخرى ويعتبر الخبر والمعلومة فيه حجر الزاوية وكيفما تم تناول هذه الأخبار فإنها تصب في الإطار الإعلامي، وبسبب قدرة وسائل الاتصال على التأثير في حركة المجتمع بما تمتلكه من إمكانيات تقنية ونفوذ واسع أكسبها سلطة لها دورها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ولا يمكن بأي حال إنكار الدور الريادي التي تمتلكه وسائل الاتصال والإعلام حيث تدرجت إلى المراتب الأولى بعد تجارة الأسلحة والمنتوجات الكيماوية، ولعل هذا التصدر يلزمنا متابعة مخرجات ومدخلات هذه المؤسسة والتي كان سببها جملة من العوامل هي كالتالي:

      - جميع المشتغلين والمنتمين لقطاعات الإعلام عبر مختلف وسائله عبارة عن أفراد أو مؤسسات خرجوا من حالتهم الطبيعية إلى حالة مدنية وتخصصوا في المجال ببذل جهد في هذا الإطار لتصبح مهنة يسعون مقابلها تحقيق مكتسبات مادية تكفل متطلبات عيشهم.

      - خروج حرفية مهنة الصحافة إلى سيطرة متطلبات ذات طابع اقتصادي أصبحت تفرض خصائصها.

      أهمية دور وسائل الإعلام والاتصال وارتباطها بجميع مجالات الحياة مقابل تطور آلياتها الذي زاد من هذا الارتباط.

      - نشأة المدن الكبرى والنمو السكاني الكبير زاد من أهمية الإعلام.

      - العولمة الاقتصادية جعلت من المعلومات ووسائلها وإنتاجها عبارة عن رأس مال يستثمر فيه ويخضع لقانون الاقتصاد والعمل على تحقيق أرباح أمام المعطيات التي جعلت منه سلعة تحقق أرباحا.

      - العولمة الثقافية وتداعياتها أقحمت الإعلام ووسائله في تجاذبها بسبب كونه من أبرز آليات الثقافة في كل المجتمعات، والتسارع نحو الإنتاج المعرفي والتحكم فيه بامتلاك التكنولوجيا وتقنياتها.

      - سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات وارتباط مصالح القطاعات مع بعضها البعض وتوسع مساحات الإعلام الدولي ومساحة سلطته من أجل توظيفها.

      • المحاضرة 2: تعريف اقتصاديات الإعلام وخصوصية المؤسسة الإعلامية.

        تعريف اقتصاديات الإعلام:

        سنعتمد التعريفات التي تهتم باقتصاديات الإعلام من حيث كونه فرع من فروع الاقتصاد التطبيقي الذي يدرس الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ومحتويات وسائل الإعلام، وعليه فالمقصود بالإنتاج هو عملية تنظيم العمل في البرنامج، والتنسيق بين العناصر الفنية المشاركة في التنفيذ وتسهيل كل المعوقات والصعوبات في حدود الميزانية المقررة، ويدخل ضمن هذا المفهوم، كل النفقات المادية والفنية والتقنية والبشرية، ويعرفه روبرت جي بيكارد " أنه دراسة الكيفية التي تقوم المؤسسات الإعلامية بتلبية حاجات ورغبات الجمهور المعلوماتية والترفيهية بما يتوفر لديها من موارد تساعد في ذلك".

        تتفاوت الإمكانيات لاقتصاديات الإعلام حسب طبيعة الوسائل ووفق ما يتوفر لها من موارد وبيئة عمل، كما أن عملية التوزيع تعتبر أهم حلقة في العملية حيث تكمن أهميتها في قدرة القائم بالاتصال على توصيل المادة الإعلامية للجمهور ويدخل ضمن ذلك توصيل الصحف للقارئ عن طريق استخدام الوسائل التي تتمثل في السيارات والطائرات وأي وسلة نقل تتكفل بالمهمة بالإضافة إلى الإذاعات والقنوات التلفزيونية ببثها الأثيري وموجاتها وتردداتها المختلفة، التي تعتمد توظيف الأقمار الصناعية في البث التلفزيوني والعمل على تحقيق اشتراكات عبر توفير خدمات الانترنت، كما تأتي عملية الاستهلاك كواحدة من أهم محطات اقتصاديات الإعلام وهي مرتبطة بمدى قبول الجمهور لمحتوى وسائل الإعلام وشكل الرسائل المقدمة، وهذا يتطلب جهدا كبيرا يختلف باختلاف طبيعة الوسائل، ومن أجل الوصول بالجمهور إلى تقبل المحتوى الذي تعرضه مختلف وسائل الاتصال لابد من بذل الكثير من الاجتهادات التي تسهر على تحقيق هذا الهدف، إذ لابد من مراعاة المادة المعروضة في محتواها وفي شكلها، وهما عنصرين مهمين في تكوين المادة ويعتبران أساسا لها، ويتم السعي إلى جذب اهتمام الجمهور من خلال العمل على تحقيق رغباته بأقل التكاليف والمجهود، وهنا يأتي دور المتخصصين "الكادر البشري" الذين بإمكانهم توفير مثل هذه المعطيات.

        خصوصية المؤسسة الإعلامية:

        تشترك المؤسسات الإعلامية عموما في جملة من المميزات التي تختلف درجتها من مؤسسة إلى أخرى حيث أصبح الإعلام في مجمله عبارة عن سلعة أو أداة لسلعة ما، وله ما يميزه من الخصوصيات والتي نختصرها في ما يلي:

        - تتوفر على رأسمال يحتوي على المقر والتجهيزات التقنية والمورد البشري.

        - منتوج وسائل الإعلام يتم تسويقها ضمن قوالب ثقافية في أغلب الأحيان.

        - تتبنى مؤسسات الإعلام إيديولوجية معينة.

        - نجاحها مرهون بقانون العرض والطلب.

        - منذ 1895 مع الإخوة لوميار اتضح التوجه التجاري في مؤسسات الإعلام من خلال الدراسات والنتائج الربحية للمؤسسات.

        - الاهتمام بتوفر خصوصيات ومعايير معينة يتسم بها العاملين وكل القائمين داخل هذه المؤسسة الإعلامية من شانها تحقيق نتائج ومكاسب أفضل في إطار المنافسة الاقتصادية مع ما تعرضه المؤسسات الإعلامية الأخرى.

        - تكييف الجانب الثقافي وتوظيفه مع الجانب الاقتصادي هو مسعى كل مؤسسات الإعلام، حيث لا يمكن الترويج لأفكار متناقضة مع واقع وقيم المجتمعات كي لا يتم رفض ما هو معروض.

        - أصبح التنافس بين المؤسسات الإعلامية غير مرتبط فقط بالمنتج الإعلامي في جانبه (المادي، أو المعنوي) بل تحول إلى منافسة اقتصادية من حيث المكاسب المحققة في ميزانية المؤسسة.

        - خضوع المنتج الإعلامي لتعاملات اقتصادية من ترويج وتوزيع وصلاحية المادة وتلفها وشروط زمانية ومكانية تعطيها القيمة أو تتلفها كلها معطيات ترسخ من جعلها تقترن بالاقتصاد وتخضع لشروطه.

        - أصبحت المؤسسات الإعلامية عبارة عن مشاريع تستثمر رؤوس أموال ضخمة تحتمل الربح كما تحتمل الخسارة.

        • المحاضرة 03: تمويل الإعلام وشروط نجاح البرامج الإعلامية.

             بما أن الإعلام في جانبه الاقتصادي عبارة عن مؤسسات له ميزانيته فإنه يتطلب مصادر مالية تدعمه وأبرزها:

          1-   الإعلان : وهو عبارة عن الجهود الجماعية أو الفردية التي يدفع لها مقابل عند عرض الأفكار أو السلع أو الخدمات ويفصح فيها عن شخصية المعلن، ويهدف إلى إحداث تأثير في الاتجاهات والسلوكات.

          2-   مبيعات البرامج : تقوم بعض وسائل الاتصال ببيع برامجها بشرط أن تكون قدرتها المهنية والمادية والتقنية التنافسية كفيلة أن تستقطب الجمهور وتحقق أرباحا.

          3-   رعاية المؤسسات: تتم هذه الرعاية عند وجود مصالح مشتركة بين المؤسسة الراعية والبرنامج حيث أن  بعض المؤسسات تقوم برعاية البرامج بتقديم قيمة مالية تغطي نفقاته والغرض من هذه العملية هو الإعلان عن سلع أو خدمات تقدمها تلك المؤسسات وتوسيع معدلات استهلاكها لتحقيق مكاسب أكثر، دون إغفال السلطة الأيديولوجية التي تفرضها المؤسسة الراعية.

          4-   دعم الحكومة أو القطاع الخاص: ويأتي هذا الدعم بصفة مالية مباشرة أو بصفة غير مباشرة متمثلة في التسهيلات والمساعدات المتاحة من أجل تحقيق مصالح معينة .

          النموذج الأمريكي:

              عرض النموذج الأمريكي يأتي بسبب ما يمثله من قوة اقتصادية وإيديولوجية عالمية تحتل مقدمة شركات ومؤسسات الإنتاج الإعلامي العالمي ووصلت في مداها إلى التصدير التكنولوجي وحتى الإيديولوجي، ومن مقومات نجاح الإعلام الأمريكي في بعده الثقافي والمادي "الاقتصادي" جملة من العوامل جعلته قطبا رائدا حيث يقوم على ثالوث مهم وهو الإعلام والإعلان والاقتصاد كل جزء مرتبط بنجاح الآخر واستطاعوا تحقيق معادلة دخلت ضمن ميزانية الاقتصاد الأمريكي ومكاسبه، ونظرا للمكاسب المحققة والتي تسعى مختلف الجهات إلى الحفاظ عليه وعلى نتائجه أصبحت كل الأهداف والاستراتيجيات تعمل من أجل استمرارية العملية وتشكل الشراكات بين مختلف المؤسسات الاقتصادية والإعلامية معادلة ناجحة في عالم الاقتصاد باسم الممول أو الراعي مثل ما هو الحال بين شبكة CNN وشركة مايكروسوفت وشركة تايم وورنر، وهذا الترابط يسهم في تمويل الشبكات التلفزيونية من خلال الإعلان ورعاية البرامج الذي يحقق أرباحا لكلا الطرفين، وقد ساهم هذا النجاح في التأثير على إيديولوجية الإعلام التي أصبحت هي الأخرى رهينة الأرقام والجداول الاقتصادية.

          الشبكات التلفزيونية الأمريكية قائمة على توفير التمويل الكافي الذي له صور متعددة مثل الإعلان ورعاية البرامج والدعم المباشر وغير المباشر وفق مبدأ دعه يعمل اتركه يمر، وتشير معدلات الإعلان العالية التي تظهر على شاشات التلفزيون إلى حجم تدفق التمويل الذي تتلقاه تلك الشبكات العملاقة التي ترتبط بها.

            يتميز الإعلام الأمريكي بالتناغم الموجود بين الشبكة الإعلامية والعمليات الإعلانية أين تخضع لبرمجة مدروسة دراسة دقيقة ومنسقة وتصل إلى استقطاب الجماهير من خلال البرامج الأكثر شعبية والتي تلبي رغباتهم وأذواقهم كما تعمل على تحقيق معدلات متابعة مرتفعة تأتي وفق دراسات واستطلاعات ميدانية جادة تمهد للبرامج.

            لقد مكن الاتساع الهائل لسوق الإعلان في الإعلام الأمريكي من فرض سيطرته على السوق العالمية الحرة ومختلف المعاملات التجارية وأصبح يحقق مكسبا جعل منه جزءًا من الصناعة الاقتصادية المرتبطة أساسا بالإعلام ومختلف وسائله ورسخت الرِّيَادة الإعلامية والإعلانية فكرة الرِّيادة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية.

          شروط نجاح البرامج الإعلامية:

             لكي يتمكن الإعلام من تحقيق المكاسب المسطرة التي تشمل المنتج الإعلامي من جهة والأرباح الاقتصادية من جهة أخرى عليه أن يتميز بمجموعة من الشروط وهي كالتالي:

          1-   أن يكون محتوى البرامج أو المادة الإعلامية عموما واضحة الأهداف ومتوجهة إلى جمهور معين منسجمة معه وتحقق طموحه ورغباته.

          2-   أن تكون المادة الإعلامية المعروضة تستعمل الألفاظ والعبارات والصور...وغيرها من المؤثرات التي تخدم الموضوع ولا تتعارض مع الجمهور المستهدف كما يجب أن تعبر تماما على الفكرة المدروسة كي تؤثر على المتلقي.

          3-   أن يتم اختيار التقنية المناسبة لكل جمهور ولكل هدف وموضوع تخدمه والتركيز على ايجابيات التقنية المستخدمة لتوظيفها بأحسن كيفياتها.

          4-   أن تكون المادة الإعلامية المعروضة حديثة شكلا ومضمونا وأداءً لمواكبة العصر وتطوراته وموازاة التقدم التكنولوجي وآلياته بما لا يتعارض مع قدرات المشاهد الفكرية والمادية.

          5-   أن تضمن المادة الإعلامية تمويلا ماديا يجعلها تواصل إنتاجها وتحقق أهدافها وفق ظروف تسمح بذلك.

          6-   أن يتم اختيار طاقم من العمال المتمكن من تخصصه والذين بإمكانهم العمل في مختلف الظروف والـتأقلم معها يملكون طاقة الإبداع.

          • المحاضرة 04: نظريات الإعلام.

            نظريات الإعلام:

            1-   نظرية السلطة:

               نظرية السلطة تعتبر نظرية قديمة تمتد قبل عصر النهضة لأنه وجد في مرحلة الإعلام الشفهي ومرحلة الإعلام الخطي، وقد تعود إلى العهد اليوناني مع أفلاطون الذي رأي بضرورة سيادة الحكام لبناء الجمهورية، ثم جاء ميكيافيلي بنظريته التي ساندت سلطة الحكام وبررت كل ما يقومون به لصالح الدولة وما على المحكومين سوى الامتثال والخضوع لها، وليس بعيدا عما قدمه ميكيافيلي قدم توماس هوبز دراساته عن الدولة وعلاقتها بالفرد والمجتمع وأحقية الدولة في ممارسة سلطتها على الشعب من أجل الحفاظ على النظام، وكذلك هيغل عندما اعتبر أن الدولة هي الروح الأخلاقية وهي أساسه وليس الأفراد إلا جزء منها في فلسفته المثالية التي سعى من خلالها أن ينتج نظاما سياسيا سلطويا للحكام، وقد استندت نظرية السلطة على فكرة الحق الإلهي وتقديسها كأحد أهم المقومات ويربط البعض هذه الفكرة بما جاء به لويس 14 في عبارته الشهيرة "أن الدولة هي أنا". ويمكن تلخيص خصائص النظرية في النقاط التالية :

            -         وجود ارتباط وثيق بين السلطة في المجتمع ودور الإعلام في تثبيت دورها وتدعيم شرعيتها ليصبح الإعلام وسيلة دعاية أكثر منه إعلاما يخدم مصالح الدولة وتوجهاتها.

            -         سيادة إعلام السلطة يدفع في المقابل ظهور إعلام مناوئ غير أن سياسة الدولة تحاول تقييده وتكميمه مما يولد سلطة للإعلام الجديد وفي المقابل تحاول الدولة الحد من تأثيره فتنمو حدة الصراع بينهما وتظهر استعمالات وتوجهات جديدة.

            -         تعدد السلطات في المجتمع هو تعدد لتوجهات الإعلام وسلطاته مما يولد تيارات متعددة داخل المجتمع الواحد تجعل من الصعب التركيز على مصدر واحد للسلطة.

            -         خاصية التعددية السياسية والتطور التكنولوجي تمنح وسائل الإعلام استقلالية أكبر عن السلطة في حين أنها تجعلها تكتسب سلطتها ومساحتها الخاصة.

                استمرت استعمالات الأفكار السلطوية وتم توظيفها في المجال السياسي والاقتصادي مما جعلها مقرونة بأنظمة الحكم الاستبدادية التي تقيد من الحريات وتحول الأمر إلى المؤسسات الإعلامية فخضع تمويلها وإنتاجها إلى هذه السياسات لتصبح مقيدة وتابعة للجهة الحاكمة بل أنها تعتبر آلية يوظفها النظام بما يتناسب واستراتيجياته.

              ومن أهم الانتقادات الموجهة السلطوية نذكر:

            -         سيطرة الحكام على وسائل الإعلام جعلها مجرد خادم لمصالح الحاكم وسياسته دون المحكوم "الجمهور".

            -         النظر إلى عامة الشعب أنه غير مؤهل على اتخاذ القرارات السياسية والدولة هي التي  تنوب عنه في ذلك.

            -         سيطرة الحكام على وسائل الإعلام بحجة تنفيذ أنشطة الحكومة وعدم إعطاء الفرصة للبقية  للمشاركة في تسيير شؤون المجتمع.

            -         احتكار السلطة للوسائل الإعلامية كوسيلة لتغطية عجزها وضعفها في إدارة الشؤون العامة وتبرير أخطائها وهفواتها.

            -         احتكار المعرفة والفكر من قبل الحكام ومستشاريهم دون باقي أفراد المجتمع من أجل الحفاظ على سلطتها.

            -         الرقابة المشددة على الإنتاج المعرفي ونوعيته وتوزيعه من قبل السلطة الحاكمة مما جعله مقيدا بما هو مسموح من طرفها فقط.

             2-   نظرية الحرية:

               على نقيض نظرية السلطة ظهرت مبادئ نظرية الحرية ما بين القرنين 17م و19م ومن أبرز مفكريها الانجليزي جون ميرتون الذي كتب عام 1664 "حرية النشر بأي واسطة ومن قبل أي شخص مهما كان اتجاهه الفكري حق من الحقوق الطبيعية لجميع البشر ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر"، أما جون لوك قدم سنة 1665 بيان هاجم فيه تقييد حرية الصحافة واضطر البرلمان في ذلك الوقت إلى إلغاء قانونه الذي كان يفرض الرقابة الوقائية على الصحف.

               اهتمت نظرية الحرية بموضوع حرية الصحافة وحرية الكتابة وحرية الفكر، وقد برز هذا الاتجاه بداية في انجلترا " للفرد الحق في أن يبيع أو يشتري ما يشاء من السوق وكما له الحق في أن يعطي الناس الأفكار ويستلهمها منهم"، وقد جاءت جملة من المعطيات التي دعمت هذا التيار وساندت ما يطرحه من اعتبارات جديدة نسبيا عما كان سائدا حينها نختصرها في جملة الأسباب التالية: تعتبر هذه الحقبة فترة تغيرات مهمة عرفتها الإنسانية ساهمت في ظهور فئات جديدة لها أدوار ووظائف جديدة حملت معها كعطيات مطالب جديدة مست النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني على اعتبار سيادته في تلك الحقبة وما قبلها، كما أن التطور التكنولوجي ونشر المعرفة وتطور الوعي وانتشاره في المجتمعات كلها عوامل دفعت بالمجتمعات إلى البحث عن تغييرات بإمكانها تحقيق ظروف حياة أفضل وطبعا جاءت الحرية أول هذه المطالب، كما كانت أرضية خصبة لظهور النظام الرأسمالي ومقوماته.

               حدد المفكر السويدي دينيس ماكويل عناصر نظرية الحرية في ما يلي:

            -         يجب أن يتحرر النشر من أية رقابة مسبقة.

            -         فتح مجال النشر والتوزيع.

            -         الحد من عقوبات التي تعيق النشر.

            -         يجب ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الإلزام للصحفيين.

            -         تنويع أهداف الإعلام وفتح مجالاتها بما يخدم المجتمع والمؤسسات وفتح مجال الشراكة مع الدولة في مختلف ميادينها.

            -         عدم التشهير والتحريض الذي يوتر العلاقات الاجتماعية والدولية على جميع المستويات.

            ومن أهم الانتقادات الموجهة لنظرية الحرية مايلي:

               حاولت هذه النظرية تحقيق حرية الأفراد في المعلومة وفي استعمالها مما جعلنا نتساءل عن حدود هذه الحرية التي سعت للحد من التدخل الحكومي وتفويض السلطة اتجاه الإعلام للقضاء كهيئة مراقبة مع ضمانات قانونية تحافظ على مساحة الحرية غير أن هذا لم يمنع من توجيه جملة من الانتقادات جاءت بما يلي:

            -         تَحوَّل الإعلام إلى مؤسسات دعاية أكثر من أي وظيفة أخرى وأتضح الأمر خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.

            -         مساحة الحريات الإعلامية تجاوزت حدود القيم الأخلاقية واخترقتها بل ورأت فيها عائقا أحيانا كثيرة.

            -         التعدي على خصوصية الأفراد وحياتهم باسم حرية الصحافة.

            -         تحول الصحافة إلى تكتلات اقتصادية عملاقة ومؤسسات تخدم مصالح الأفراد ومصالح اتجاهات معينة.

            -         أصبحت وسائل الإعلام خاضعة لأصحاب النفوذ المادية وأتاحت لهم التدخل في المجال السياسي.

            -         التحول إلى إنتاج مواد إعلامية ساقطة ودون قيمة علمية أو معرفية من أجل تحقيق مكاسب مادية فقط.

            -         التعامل مع الجمهور على أنه سوق أو مستهلك.

            -         الاهتمام بشكل المواد المنتجة أكثر من محتوياتها من أجل تسويقها والاستثمار فيها ماديا وهذا ما يجعلنا نقول أن وسائل الإعلام تحولت عن مسارها لتصبح مجرد آليات تخضع لمتطلبات السوق (العرض والطلب).

            • المحاضرة 05: نظريات الإعلام (تابع).

              3- النظرية الاشتراكية:

                 ساهمت الظروف السياسية والاجتماعية في اعتماد الصحافة بتركيز جهودها بإبراز الصراع الطبقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومخلفاته خدمة للاتجاه الاشتراكي وتوسع مجال اهتمامها ليشمل الدين والتربية والتعليم والثقافة وكل ما من شأنه المساهمة في دعم النظام الاشتراكي من أجل نشر قيمه وترسيخها ويعتبر كارل ماركس الأب الروحي لها متأثرا بفلسفة هيغل الجدلية، وفي سنة 1917م أصدر لينين أول قانون للصحافة تطبيقا لمبادئ الاشتراكية وتم إغلاق جميع صحف المعارضة وجاء في أحد البنود أن إعادة الحرية الكاملة للصحافة تطبق بتأسيس النظام الجديد وهذه الحرية تمارس في إطار المسئولية أمام القانون بموجب التشريع الأكثر أقدمية، كما صدر قانون ثاني للصحافة في نفس السنة جاء فيه ما يلي " حكومة العمال والفلاحين تقصد بحرية الصحافة تحرير الصحافة من هيمنة رأس المال وجاء فيه كذلك أمر بتحويل المطابع ومصانع الورق إلى ملكية الدولة" كوضع مؤقت، وفي سنة 1918م عمَّ القانون كل المطابع والمنشورات والراديو، وفي سنة 1922 تم تأسيس هيئة رقابية مشرفة على عمليات الإنتاج، لتصبح الصحافة والإعلام عموما وسيلة تتحكم فيها القوى السياسية معتمدة على مبدأ طبقية الصحافة أين يؤكد المنظرون الاشتراكيون على الدور الطبقي للصحافة بسبب توجيهها لخدمة الطبقات السائدة في المجتمع خاصة الطبقة العامة "المتوسطة"، كما اعتبر مفكرو الاشتراكية أن الصحافة تعتبر أداة للتنظيم السياسي بالتأكيد على دورها الوظيفي باتجاه الحزب الحاكم واعتبارها أداة للتنظيم الجماعي وليس فقط وسيلة دعائية.

                 الملاحظ أن النظرية الاشتراكية تمكنت من اعتبار الوسائل الإعلامية والصحافية عبارة عن وسائل اتصال جماهيري ضمن مبدأ الملكية العامة ولها دور في تكوين وبناء النظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي وإنتاجه بمتابعة ومراقبة السياسة الحاكمة، تتميز تطبيقات النظرية الاشتراكية أن الإعلام تابع للدولة وخاضع للرقابة ولا يوجد ملكية إعلامية للخواص ويشرف أعضاء الحزب الحاكم على المؤسسات الإعلامية الذي يؤدي مهام أعمال سياسية واقتصادية تابعة للحكومة، ولا يحق للإعلام نقد أهداف واستراتيجيات سياسة الدولة، ويعتمد الإعلام منهج الكشف السياسي للوقائع والمواقف للوصول إلى الدلالات والمعاني الحقيقية كما يعتمد نشر الشعارات وجعله هدفا جماعيا يعمل الجميع من أجل تحقيقه ثم الانتقال بعدها إلى هدف ثاني من خلال شعار جديد كخطوة لاحقة والعمل على تحقيقها وهكذا دواليك تستمر العلمية.

                 ومن أهم الانتقادات الموجهة للنظرية الاشتراكية ما يلي:

              -         غياب حرية التعبير والتعددية التي أصبحت مرهونة بالدولة وتوجهاتها.

              -         الإعلام أصبح وسيلة دعاية من أجل خدمة مصالح الدولة فقط.

              -         تحديد انتشار نوع المعارف والمعلومات الخارجية بفرض الرقابة والمتابعة وبذلك غلق الحدود المعرفية على الجماهير.

              -         تحديد انتشار نوع المعارف والمعلومات الداخلية والخارجية بفرض الرقابة والمتابعة عبارة عن استخفاف بالجمهور وعدم تقديره حق قدره من أجل الوصول إلى نمذجة الجماهير وفق قوالب معينة وهذا ما يعتبر انتهاكا لخصوصية الأفراد وإمكانياتهم المعرفية.

              -         لم يعمل منظرو النظرية الاشتراكية بسبب قوانينها وظروفها على نقدها ومتابعتها وتجديدها مما جعلها نظرية جامدة تقليدية محدودة الانتشار والـتأثير.

              -         تحولت النظرية الاشتراكية إلى عائق أمام التطور والتقدم التكنولوجي، كما أنها اتصفت بالضعف والتخلف أمام انجازات التقدم التكنولوجي وأمام طموح الشعوب وتطلعاتهم.

              4 – نظرية المسئولية الاجتماعية:

                 وهي نظرية أكثر حداثة عن سابقاتها برزت في الولايات المتحدة الأمريكية في كتابات هو كينغ ولجنة حرية الصحافة في بريطانيا حيث نشأت هذه النظرية معتمدة على جذور الرأسمالية وتركز دعائمها بتكريس مبادئ الديمقراطية والاهتمام بالشأن الاجتماعي بكل أبعاده محاولة الاستفادة من نقائص النظام الرأسمالي وتجاوزه وجعلت من الرأي العام الرقيب على الإنتاج الإعلامي، كما تسعى للموازنة بين كل من الحرية والمسئولية وساهم التطور التكنولوجي والمعرفي المحقق في وسائل الاتصال بظهور نظرية المسئولية الاجتماعية التي تسعى إلى الاهتمام بالفرد وبالمجتمع دون التركيز على طرف دون الآخر فهي واجب ومسئولية الجميع وبحثت في شأن الإنتاج والتوزيع والاحتكار، وفي سنة 1942 تكونت لجنة من اثنا عشر عضوا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت رئاسة رئيس جامعة شيكاغو هتشنز  للنظر في كل هذه النقاط وأصدرت تقريرها سنة 1947 جاء فيه أن فرص الصحافة غير متكافئة واستعملوا في تقريرهم مصطلح المسئولية الاجتماعية وأن صناعة الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية تتم في القطاع الخاص شرط أن تخضع لتوصيات الحكومة وتم توضيح وظائفها المتمثلة في اعتماد تقارير يومية تعكس مجريات الأحداث وفتح مجال النقد، وأن تعكس وسائل الإعلام صورة المجتمع على اختلافه وتنوعه أي فتح مجال التعددية، وتواصلت الدراسات والأبحاث في الموضوع لضبط القوانين والصيغ عبر مختلف الجامعات الغربية الأوروبية على غرار السويد والمملكة المتحدة.

                 يعطي دينيس ماكويل لنظرية المسئولية الاجتماعية المبادئ التالية:

              -         التزام وسائل الإعلام والصحافة بمهام معينة تخدم المجتمع كهدف أول.

              -         تأخذ وسائل الإعلام بمبادرات لتنظيم نفسها كهيئة مراقبة.

              -         احترام مبدأ التعددية في الرأي وفي المجتمع لفتح مجال تكافؤ الفرص.

              -         احترام المعايير المهنية من دقة وأمانة وصدق وموضوعية وجودة ونشر مع المعلومات.

              -         الاهتمام بمعايير الجودة في تأدية وسائل الإعلام والصحافة وظائفها.

              -         على وسائل الإعلام والصحافة تجنب كل ما من شأنه نشر الفتن والتعصب واحترام خصوصية الأقليات.

                 ورغم ما سعت إليه نظرية المسئولية الاجتماعية من أهداف تحاول من خلالها تحقيق مبدأ الحرية والمسئولية إلاّ أنه وجه لها مجموعة من الانتقادات وهي:

              -         أعضاء اللجنة لحرية الصحافة التي أصدرت تقريرها غير متخصصين في مجال الصحافة واستعملوا مفاهيم ومصطلحات غير دقيقة.

              -         يرى البعض أن هذه النظرية لا تعطي الصحافة حريتها بقدر ما مكنت الحكومة من استعمالها وتحقيق أهدافها بصيغة مختلفة.

              -         عجزت نظرية المسئولية الاجتماعية عن الاهتمام بالقيم الأخلاقية في المجتمعات مما أنتج الصحافة الصفراء والأفلام الإباحية وغيرها باسم الحرية والتعددية.

              -         آليات التنظيم الذاتي كأجهزة رقابة بناء على ما جاءت به نظرية المسئولية الاجتماعية تحولت إلى أجهزة تابعة للمؤسسة وأصبحت حلولا لتغطية ما يتم إنتاجه لأنها تابعة للمؤسسة وتسعى لنجاحها قبل أي اعتبار آخر، حيث يصعب استصدار قرارات هيئة ناقدة للمؤسسة من عمق المؤسسة ذاتها.