Topic outline

  • .

    جامعة الجلفة

    كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية

    قسم علم الإجتماع والديمغرافيا

    -دروس مقياس-

    "فلسفة التربية 2" 

    السنة الأولى ماستر علم الإجتماع التربية

    الدكتور. شداد عبد الرحمان.

    2022-2021

    • قائمة المراجع المستخدمة:

      مصادر المادة العلمية:

      -محاضرات في مساق "مدخل في العلوم التربوية والسلوكية"، الأستاذ.إياد علي الدجني، 2010.

      -مدخـل إلى علوم التربية، إعداد الأسـتاذيــن: كمـال عبـد اللــه، عبـد اللـه قـلــي.

      -الإتجاه الطبيعي الروسوي في فلسفة التربية الحديثة، أمال كريبع، مبروكة القوقي، 2016

      -فلسفة التربية الإسلامية "دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربوية المعاصرة"، ماجد عرسان الكيلاني، 1987.

      - مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها، علي أحمد مدكور، 2001.

      -الفكر التربوي عند بن سينا، محمود عبد اللطيف، 2009.

      • تقديم:

        تعد التربية من الموضوعات التي لاقت اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع وغيرهم، حيث تعد التربية أحد الركاز التي تقوم عليها المجتمعات إما قديما أو حديثا، مهما كانت طبيعة المجتمع أو الدولة أو نظام الحكم، حيث أن كلا منهم يعمل على تخريج الفرد الصالح لخدمة النظام السائد بما يتوافق والقيم التي يقوم عيها.

        لذلك نجد أن هاته الأنظمة بمختلف توجهاتها وأصنافها لابد أن ترتركز على فلسفة معينة يتم من خلالها بناء نظام تربوي وتعليمي يكون هو الأساس الذي يتم تلقينه من جيل إلى جيل، وذلك حسب ما يمكن أن يجعل من الفرد عنصرا فاعلا لذلك المجتمع أو تلك الدولة. 

        هنا نجد الإرتباط الشديد بين كل من الفلسفة والتربية ولا يكادان ينفصلان، حيث تعد فلسفة التربية تطبيق منهج ونظرة الفلسفة على التربية؛ بسبب دورها في تحديد الطريق الخاص بعملية التربيّة، كما تُمثّلُ فلسفة التربيّة الجهد المُستخدم في تنفيذ الأفكار الفلسفيّة في بيئة التربية، أو السعي إلى نشر نظرة الفلسفة العامة ضمن المكونات الخاصة بالتربية؛

        مع كل ما تقدم سنقوم ضمن هاته المحاضرات تِباعاً أن نتطرق إلى أهم الفلسفات التربوية التي ظهرت عبر التاريخ وضمن منظورات مختلفة حسب كل مدرسة أو مذهب أو فيلسوف.

        • المحاضرة 1: فلسفة التربية الإسلامية.

          التربية الإسلامية في بعدها الفلسفي:

          من أهم ما يميّز الفلسفة التربوية هو نظرتها للكون والإنسان والحياة وتلبيتها لجميع احتياجات الإنسان من دون الاقتصار على الجانب العقلي أو الجسدي أو الروحي فقد شملت جميع جوانب الحياة بجميع مراحل نمو الإنسان من المهد وحتى الوفاة.

          التربية في أي مجتمع هي تطبيق أمين للثقافة التي ارتضاها المجتمع لأفراده. فهي انعكاس للثقافة وترجمة لها، إذ لا يمكن أن تكون التربية مستقلة عن الفلسفة السائدة في المجتمع. وهذا قانون يطال أية تربية كانت، إذ من المسلّم به عند المختصين أن التربية ليست عملية محايدة أو موضوعية مستقلّة. ولا بدّ لكل تربية من أيديولوجية أو فلسفة تكون حاضنة لها وراسمة أبعادها. فالتربية القومية غير التربية الوطنية غير التربية الدينية. كما أن التربية في المجتمعات الشيوعية هي غيرها في المجتمعات الليبرالية وهكذا دواليك.

          والفلسفة الإسلامية هي تطبيق للتصوّر الإسلامي عن الله والكون والإنسان والوجود. وأما تطبيقاتها التربوية أو ما يمكن أن نُطلق عليه "الفلسفة التربوية الإسلامية" فيقصد بها تطبيق المنهج الإسلامي على التربية. فهي النشاط الفكري الإسلامي الذي يعمل على تنظيم العملية التربوية وتنسيقها وتوضيح القِيَم والأهداف التي تسعى لتحقيقها. ولهذا تستمد الفلسفة الإسلامية تصوّراتها من القرآن والسُّنة لحقيقة الإنسان وموقعه من الكون، وموقع كليهما من الخالق لهما. فهي تؤمن بأن الله واحد أحد، منه صدر كل شيء، وإليه يعود، وأنه خلق الكون وجعله غيباً وشهوداَ، وخلق الإنسان لعبادته، وجعله خليفة في الأرض لإعمارها وترقية الحياة على ظهرها، وفق منهجه وشريعته، وخلق الحياة دنيا وآخرة، وجعلهما متكاملتين، لا بديلتين ولا نقيضتين. (انظر: علي مدكور، مناهج التربية: أسسها وتطبيقاتها، ص 34).  وهي بهذا المعنى منهج ونظام للحياة، توجّه الإنسان والمجتمع في سلوكه وعلاقاته وارتباطاته، ونظمه ومؤسساته المختلفة.

          والفلسفة الإسلامية هي نظام يقوم بالتركيز على الكون والإنسان والحياة وما بينهم من علاقة تفاعل. والحياة في هذه الفلسفة ليست سوى معبر للحياة الأخرى بعد الوفاة. وتعمل الفلسفة التربوية الإسلامية على بقاء النوع البشري من خلال إحكام علاقات الإنسان بالخالق والكون والحياة والآخرة، ومن خلال تصوّرها الأشمل للحاجات الإنسانية الجسدية والمعنوية ثم تكامل هذه الحاجات المعنوية. (أنظر: المرجع السابق، ص 34)

          ومن أهم ما يميّز الفلسفة التربوية هو نظرتها للكون والإنسان والحياة وتلبيتها لجميع احتياجات الإنسان من دون الاقتصار على الجانب العقلي أو الجسدي أو الروحي فقد شملت جميع جوانب الحياة بجميع مراحل نمو الإنسان من المهد وحتى الوفاة.

          وتنبثق فلسفة التربية الإسلامية من عقيدة التوحيد الإسلامية، وهي تعمل على الوصول إلى غايتين أساسيتين هما: بقاء الإنسان ثم الارتقاء بهذا الإنسان إلى المستوى الذي يليق بمكانته بالوجود.

          ويتحقّق للإنسان الخلود ثم الرقيّ حين تتشكّل علاقاته بالخالق والكون والإنسان والحياة والآخرة على الشكل التالي (أنظر: ماجد عرسان الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1987، ص 77 وما بعدها)

          • العلاقة بين الإنسان وبين الخالق هي: علاقة عبودية.
          • العلاقة بين الإنسان وبين الكون هي: علاقة تسخير.
          • العلاقة بين الإنسان وبين الإنسان: علاقة عدل وإحسان.
          • العلاقة بين الإنسان وبين الحياة هي: علاقة ابتلاء (أي الامتحان أو الاختبار).
          • العلاقة بين الإنسان وبين الآخرة هي: علاقة مسؤولية وجزاء.

          كذلك حدّدت فلسفة التربية الإسلامية الوسائل المعرفية الموصِلة إلى تطوير الأدوات اللازمة لتحقيق الغايات. وتمركزت هذه الوسائل حول تضافر كل من الوحي والعقل والحواس للوصول إلى المعرفة الصحيحة وتحويلها إلى تطبيقات وممارسات بتأثير عوامل أربعة (أنظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 255 وما بعدها) هي:

          • الأول: عامل عقائدي هو تحديد الصلة القائمة بين الخالق المربي وبين الإنسان المخلوق.
          • الثاني: عامل اجتماعي وهو بلورة العلاقة وأنماط السلوك في الدائرة الإنسانية التي ينتمي إليها إنسان التربية الإسلامية وهي دائرة شملت جميع أفراد النوع الإنساني.
          • الثالث: عامل مكاني وهو أسلوب العيش على الرقعة المكانية وهي رقعة شملت الكرة الأرضية كلها والكون المحيط.

          الرابع: عامل زماني وهو مراعاة البُعد الزماني لعُمر الإنسان وهو بُعد يبدأ في الدنيا ويمتد إلى الآخرة عبر مستقبل لا يتناهى.

          ولما كان الإسلام هو المنهج الرباني المتكامل المواتي لفطرة الإنسان، والذي أنزله الله لصياغة الشخصية الإنسانية صياغة متزنة متكاملة، تحقق العدالة في المجتمع الإنساني، واستخدام قوى الطبيعة استخداماً متزناً لمصلحة الإنسان في جميع جوانب الحياة وجدنا أن التربية الإسلامية أصبحت ضرورة حتمية، وقضية إنسانية هدفها بناء الإنسان وتربيته والعناية به وتمكينه من التغلب على قوى الطيبعة وتكييفها بحيث تصبح ملائمة لحياته.

          عنى الباحثون في التربية الإسلامية بالحديث عن أهدافها على وجه العموم، دون تفرقة بين عصر وعصر، أو بين مفكر وآخر، وقد كان التعليم عند المسلمين يرمي إلى عدة جوانب منها :

          - الجانب الاجتماعي: ويهدف إلى نيل المكانة في المجتمع، إذ العلم شرف لصاحبه يرفع قدره بين الناس درجات ودرجات.

          - الجانب العقلي: والغرض منه دراسة العلم لذات العلم لما في ذلك من متعة عقلية ولذة روحية لا تقدر بغيرها من الملذات.

          - الجانب الديني: الغرض منه تعليم الناس آداب الشريعة والفقه في الدين والتأدب بآداب القرآن والسنة.

          - الجانب المادي أو النفعي والغرض منه كسب الرزق.

          • المحاضرة 2: نماذج من مفكري التربية المسلمين (القابسي).

            1/القابسي وآراؤوه التربوية:

            ولد سنة (324هـ_936م)- توفي سنة (403هـ_1012م)

            ولد أبو الحسين علي بن محمد القابسي في القيروان وتلقى علومه فيها، وارتحل على الحجاز، واقام في مصر فترة من الزمن حيث اخذ من احد علماء الاسكندرية ودرس على يد عدد كبير من شيوخ المغرب العربي. وقد اعترف له اهل عصره بالعلم والنزاهة والتقوى والقناعة، وتوفي في القيروان.

            أشهر مؤلفاته: كتاب(احوال المتعلمين واحكام المعلمين والمتعلمين).

            2/آراؤه التربوية:

            يعتبر القابسي مرجعا أصيلا للتربية الاسلامية، من حيث عنى بتربية الأطفال، باعتبار تربية الطفل تمثل القاعدة الاساسية في التربية الإسلامية، ولما كانت البيئة الاجتماعية في عصره بيئة دينية خالصة، فقد تأثرت اراؤه ببيئته وعلمه، فيرى أن الدين يهيأ الأطفال ويعدهم لحياة أفضل. وهو الأساس للتربية الاسلامية.

            وقد تميز القابسي بالتطرق لموضوعات وقضايا تربوية لم يسبقه أحد إليها ومازالت لوقتنا الحاضر محور اهتمام الأنظمة التربوية.

            -أهم أراء القابسي التربوية:

            غرض التربية: يرى القابسي ان الغرض من التربية هو اعداد الطفل ةتنشئته على تعاليم الدين الاسلامي ليكون انسانا صالحا في حياته واخرته فتتم عملية الاعداد بارسال الأطفال للكتاب حيث يتعلمون حفظ القران الكريم، ثم يتعلمون الكتابة والنحو واللغة العربية، ومن ثم يتعلمون الحساب والشعر واخبار العرب وغيرها من العلوم النافعة المتربطة بحياتهم.

            منهج التربية: ينقسم المنهج في نظر القابسي الى منهجين: هكا المنهج الاجباري ومن محاوره القران الكريم والنحو والقراءة والكتابة، والمنهج الاختياري ويشتمل الحساب والعربية والتعمق في النحو والعربية والشعر وايام العرب، ولا يقبل القابسي التهاون في تعليم القران الكريم، باعتباره الموجه والمصدر الرئيس لثقافة الامة وحياتها، ولا يرى مانعا من تعليم الناشئة العلم والصنعة التي تساعده على  الحياة الكريمة، وبذلك يمكن أن يجمع المتعلم بين الغرض الديني، وهو التفقه في الدين، والغرض الدنيوي وهو اكتساب العلم واتقان العلم.

            - إلزامية التعليم: لم يحدد القابسي سنا معينا للبدء بتعليم الطفل، لكنه ألزم الوالد في البحث عن مكان لتعليم ابنه، واعتبر (بيت المال) مسؤولا عن  تعليم من لا يستطيعون الالتحاق بالكتاب، ويعتبر هذا المبدأ الأول من نوعه باعتبار التربية حقا للطفل، يتحمل مسؤوليته كل من الوالد والمجتمع، وهو اتجاه معاصر تأخذ به بعض الدول المتقدمة في المجال التربوي.

            ديمقراطية التعليم: يرى القابسي ان التعليم حق للجميع دون استثناء، بل كان يرى ضرورة تعليم جميع ابناء المسلمين في مكان واحد، وان يتلقوا العلم عن معلم واحد، حرصا منه على توفير مستوى واحد من التعليم للجميع، ومعاملة واحدة لجميع الأطفال، كما ذهب الى ضرورة مكافاة المعلم بما يمكنه من التفرغ لتلاميذه تفرغا تاما يحول دون انشغاله باي أمر من الأمور المعيق للتدريس، ويعتبر هذا المفهوم تعبيرا عن مفهوم شمولي لديمقراطية التعليم من حيث تكافؤ فرصة للجميع ونوعيته ومستواه.

            الإختلاط بين الجنسين: يعتبر القابسي اول من تعرض للفصل بين الجنسين في التعليم من اجل توفير جو يسوده الاطمئنان انلفسي لدى المتعلمين، ذكورا وإناثا وذهب به الحرص على الأطفال إلى القول بضرورة مراعاة العمر الزمني للاطفال، وعدم الخلط بين الصغار والكبار من المتعلمين.

            برنامج التدريس: يعتبر القابسي اول من وضع البرنامج التدريسي المفصل للمتعلمين، حيث كان يهتم ببرنامج اليوم المدرسي الطويل حيث يمضي الأطفال في الكتبة فترة صباحية، ثم يعودون فترة مسائية واعتبر نهاية الأسبوع للمراجعة والتقويم بحيث يذهب الاطفال للراحة التامة يوم الجمعة ليعودوا على درجة من النشاط والاقبال على الدرس صباح السبت، اما توقيت المواد الدراسية فكان القران وعلومه يبدا في الصباح، ثم الكتابة في الضحى، وتدريس بقية العلوم بعد الظهر إلى آخر النهار.

            الحفظ والإستظهار: اهتم القابسي بالحفظ والاستظهار بالنسبة لتعليم القران الكريم، ولكنه اكد على اهمية اربط بين الحفظ والمعاني من جهة، وبين الميل للحفظ والفهم من جهة اخرى، فالقراءة في رايه هي التدبر والفهم، ومهارة الاستظهار هي ضط الشكل والإعراب، أما الكتابة فهي حسن الخط ووضوحه.

            أثر المتعلم وشخصيته في التعليم: يرى القابسي ان الطفل بطبيعته ميال للمحاكاة يتاثر بمن يخالطهم ينقل عنهم سلوكهم وتصرفاتهم، والمعلم هو اقرب الناس بعد الوالدين الى الطفل، ومن هنا جاءت أهمية دوره في التاثير في تكوين شخصية الطفل، وهذا يتطلب من المعلم أن يكون قدوة لتلاميذه في مظهره وحديثه، وعاداته وسلوكه، هذا فضلا عن اهمية معرفته بالقران الكريم التي تتصل بالفضيلة والحث على الخلق الجميل.

            العقاب: يرى القابسي أن العقاب ينبغي ان يبدا بالنصح، ثم عزل الطفل الذي يستمر في السلوك السلبي عن بقية رفاقه، ثم تهديده بنوع من العقاب البدني، ولا يكون الضرب الا عقوبة اخيرة عندما لا تفلح اساليب النصح والارشاد والعزل والتهديد.

            • المحاضرة 3: نماذج من مفكري التربية المسلمين (إبن سينا).

              1/إبن سينا وآراؤه التربوية:

              ولد سنة 370 هـ- 980م وتوفي سنة 468هـ.- 1037م

              هو بن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، ولد في قرية أفنشة الواقعة بالقرب من مدينة بخارى الواقعة في أوزباكستان.
              2/هدف التربية عند بن سينا:

              إن هدف التربية عند بن سينا هو: نمو الفرد نمواً كاملاً من جميع الجوانب، النمو الجسمي، والنمو العقلي، والنمو الخلقي، ثم إعداد هذا الفرد لكي يعيش في المجتمع ويشارك فيه بعمل أو حرفة يختارها وفق استعداده ومواهبه، فالتربية عند بن سينا لم تغفل الحديث عن النمو الجسمي وكل ما يتصل من رياضة بدنية، وطعام وشراب ونوم ونظافة، ولم تستهدف فقط النمو العقلي وجمع المعلومات، بل تناولت جميع الجوانب التي تتعلق بالإنسان في جميع مكوناته الجسمية والعقلية والخلقية، ولا يقتصر عمل التربية على خلق المواطن الكامل جسماً وعقلاً وخلقاً فقط، بل لابد أن تعده لمهنة أو عمل أو حرفة يشارك بها في عملية البناء الاجتماعي، لأن المجتمع في نظر بن سينا إنما يقوم على التعاون وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة وتبادل المنافع  والخدمات بين أفراده.

              2/بعض أفكار بن سينا التربوية:

              ذكر ابن سينا العديد من الأفكار التربوية نورد منها مايلي:

              ويرى ابن سينا أيضا أن يتعلم الطفل في الكتاب لا في البيت: " لأن انفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب لضجرهما، ... ولأن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وله انس ... وأدعى إلى التعلم والتخرج، فإنه يباهي الصبيان مرة ويغبطهم مرة، ويأنف عن القصور عن شأوهم مرة، ث أنهم يترافقون ويتعاوضون الزيارة ويتكارمون ويتعاوضون الحقوق، وكل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمساجلة والمحاكاة، وفي ذلك تهذيب لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم ".

              ويجدر الوقوف عند ما دعا إليه ابن سينا من مسايرة ميول الصبي, وتوجيهه إلى الصناعة أو المهنة التي تتوافق مع هذا الميول، ويقول :" ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية، لكن ما شاكل طبعه وناسبه، وأنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب، وتنقاد بالطلب المرام، دون المشاكلة والملائمة، إذن ما كان أحد غفلا الأدب وعاريا من صناعته، وإذن لأجمع الناس كلهم على اختيار أشرف وأرفع الصناعات" .

              ويقول أيضا :" ينبغي لمربي الصبي إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولا طبع الصبي، ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك ".

              ويطلب من المعلم أن يكون:" عاقلا، ذا دين، بصيرا برياضة الأخلاق، حاذقا بتخريج الصبيان، وقورا رزينا بعيدا عن الخفة والسخف، قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي ".

              (وعلى المؤدب أن يبحث له عن صناعة، فلا يجبره على العلم إذا كان غير ميّال إليه، ولا يتركه يسير  مع الهوس، إذ ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له، مواتية، لكن ما شاكل طبيعته، وناسبه، وأنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب دون المشاكلة والملاءمة، إذن ما كان أحد غفلاً من الأدب وعارياً من صناعته، وإذن لأجمع الناس على اختيار أشرف الصناعات)

              والحق أن ابن سينا كان فيلسوفاً، والفلاسفة بشكل عام يعتقدون أن الفكر اليوناني هو فكر الصفوة المثقفة وأن فضل الفيلسوف على غيره أمر مفروغ منه، إلا أن هدف التربية عنده لم يقتصر على إيجاد الفيلسوف وما كان لابن سينا أن يفعل ذلك، وهو يعيش في القرن الرابع الهجري، مع أن الفكر اليوناني هو للخاصة دون العامة، لذلك فقد جعل "تربية الفيلسوف" هدفاً من أهداف التربية عنده في المرحلة المتخصصة، يتجه إليها من يشاء وفق استعداده وميوله، هذا هو جوهر الفرق بين تربية ابن سينا والتربية عند الغزالي أو القابسي، في حين أن تربية الفيلسوف غير وارد عندهما، ولا معترف بها، نجد أن ابن سينا يسهب في حديثه عن من تلك العلوم وجدواه.

              بذا يمكننا القول إن هدف التربية عند ابن سينا هو خلق مواطن صالح، جسماً وعقلاً وخلقاً، وإعداد هذا المواطن لعمل أو حرفة سواء أكان عملاً نظرياً أم عملاً يدويا.

              وسواء أكان العمل النظري متصلاً بالعلوم النقلية أم العلوم العقلية التي يرى بضرورتها في حياة المجتمع، وبن سينا يعد الصناعة والحرف  ضرباً من التعليم يحتاج إلى الإعداد المهني والتدريب والتخصص فيقول : "التعليم والتعلم منه صناعي مثل تعلم النجارة والصياغة وإنما يحصل بالمواظبة على استعمال تلك الصناعة"

              3/دور التربية الاجتماعية في بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع:

              التربية الاجتماعية هي الأسلوب، وهي الأداة التي تضع الإنسان في بداية طريق النمو والاستفادة من الوسط الاجتماعي القائم لتحقيق الألفة بين أفراد المجتمع المبنية على دعائم الأخوة وحدها أساس يقوم عليها المجتمع ليصبح أفراده متعاونين متعاضدين ويقول تعالى: "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" سورة آل عمران: الآية 103.

              كما يقول تعالى :"لو أنفقْت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم إنه عزيز حكيم" سورةالأنفال : الآية  63.

              وقد تحققت هذه الألفة بأوسع معانيها زمن الرسول ص عندما حقق الألفة والمحبة والإخاء والمودة بين المهاجرين والأنصار، وهذا يمثل أقوى مظهر من مظاهر التربية الاجتماعية البناءة ذلك أن المهاجرين قوم تركوا في سبيل الله أموالهم وأراضيهم فجاؤوا إلى المدينة وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، والأنصار مستقرون في بيوتهم، وأموالهم بين أيديهم ليلتفت كل منهم إلى أخيه من المهاجرين، وليفتح له بيته، وليقتسم معه سراء الحياة وضراءها لم يفعل ذلك أحد من الأنصار وهو له كاره، بل كان يشعر بالسرور والارتياح، وهو ينشد رضا الله وكان كل منهم يتسابق إلى تقديم العون إلى أخيه الإنسان.

              ويرى ببن سينا أن إيجاد مجتمع واحد تتحقق فيه سعادة الأفراد على أكمل وجه لا يكون ذلك إلا إذا تعاون أفراده على الأمور التي تنال بها المساعدة، واختص كل منهم بالعمل الذي يحسنه، وبالوظيفة المهيأ لها بطبعه، وهذا ما أ راد الشيخ الرئيس تحقيقه ووضعه في أصوله الثابتة، وهو يؤكد ضرورة الإجتماع بغية التعاون والعمل على تحقيق الحاجات التي تفتقر إليها الجماعة، ويحقق فضيلة العدالة للوصول إلى المجتمع الفاضل.

              لقد تبنى ببن سينا مفهوم التعاون بين أفراد المجتمع في كل ما من شأنه أن يحقق السعادة، والإتقان في العلم، كما دعا إلى الانصراف الكلي إلى العمل وإخراجه على أحسن صورة، وأكمل أداء.

              والحق أن نزعة ابن سينا الإنسانية كانت نقية لا تشوبها شائبة، فقد أوتي من الخصال الرفيعة ما يصعب تحقيقه في عامة الناس، فهو سليم البنية، جيد الذهن، ثاقب الذكاء، حاضر البديهة، ماضي العزيمة، حصيف صادق، عادل نزيه، متجرد عن المادة مؤثر للذات والروح.

              بذا نبين أهمية العلاقة بين الفرد والمجتمع عند ابن سينا، ودور التربية الاجتماعية في إذكاء هذه العلاقة في مختلف جوانب الحياة والارتقاء بوحدة المجتمع وتماسكه وبنائه. 

              • المحاضرة 4: نماذج من مفكري التربية المسلمين (إبن خلدون).

                1/إبن خلدون وآراؤه التربوية:

                ولد بن خلدون بتونس سنة 732 هـ - 1332 م توفي بالقاهرة في 808 هـ - 1406 م.

                يعتبر بن خلدون من أئمة علماء العرب ومن أشهر علماء المسلمين الذين تعدت شهرتهم حدود بلادهم، درس العلم وحصله على أيدي علماء كثيرين، وإلى جانب اشتغاله بالعلم إشتغل بالسياسة، وخاض غمارها وجرت المصائب والمؤامرات والحروب، وكان لا يستقر في مكان واحد، فقد أمضى ما يقرب من ثلث حياته أربع وعشرين سنة في تونس، وثلثا آخر في المغرب والأندلس، وثلث ثالثة في الشام والحجاز ومصر.

                2/أقسام العلوم عند بن خلدون:

                قسم بن خلدون العلوم إلى قسمين:

                الأول: العلوم النقلية: وهي العلوم التي ينقلها الإنسان عمن وضعها، وكلها مستندة إلى الخبر من مصدره الشرعي ولا مجال للعقل فيها، إلا إلحاق الفروع بالأصول، ومن هذه العلوم، علم التفسير، علم القراءات، علوم الحديث، علم أصول الفقه، علم التوحيد، علم البيان، علم الأدب.

                الثاني: العلوم العقلية: وهي التي يهتدي إليها الإنسان بعقله وهي تشمل علم المنطق والعلم الطبيعي، والعلم الإلهي ( ما وراء الطبيعة ) وعلم النظر في المقادير (الرياضيات والفلك والهندسة).

                وقد رتب ابن خلدون العلوم بحسب أهميتها للمتعلم على النحو التالي:

                1-العلوم الدينية وهي العلوم المقصودة بالذات مثل القرآن الكريم والحديث الشريف.

                2-العلوم العقلية وهذه أيضاً علوم مقصودة مثل العلم الطبيعي.

                3-العلوم الآلية المساعدة للعلوم الشرعية مثل اللغة والنحو والبلاغة.

                4-العلوم الآلية المساعدة للعلوم العقلية مثل علم المنطق

                3/أهداف التربية عند ابن خلدون:

                يرى ابن خلدون أن للتربية أهدافاً هي:

                -إعطاء الفرصة للفكر لكي ينشط.

                -إعطاء الإنسان الفرصة لكي يحيى حياة طيبة في مجتمع راق متحضر.

                -إعطاء الإنسان الفرصة لكسب الرزق وتنمية الخصال الحميدة فيه ويعتبر أن الأساس في التعلّم القرآن الكريم.

                4/آراء ابن خلدون التربوية:

                تتعدد آراء ابن خلدون التربوية نذكر منها ما يلي:

                أ.أن كثرة التأليف في العلوم عائقة على التحصيل:

                ويقصد ابن خلدون هنا، كثرة المؤلفات والمصطلحات في العلم الواحد، بحيث يؤدي ذلك إلى نفور المتعلم من التعليم، وابن خلدون يهدف إلى التيسير علم المتعلم وبالخصوص في بداية عهد الطالب بالتعليم.

                ب.التدرج في تدريس العلوم للمتعلمين:

                يبدأ المعلم مع طلابه بالبسيط الذي يقبله عقله، ثم يتدرج معهم مستخدماً التكرار مع استعمال الأمثال الحسية، وبذلك يتم للمتعلم الحصول على العلم.،وان ابن خلدون قرر ثلاث قواعد عامة للمعلم وهي:

                -على المعلم أن لا يخلط مباحث الكتاب الواحد بكتاب آخر.

                -أن لا يطيل الفواصل بين درس وآخر.

                -أن لا يخلط على المتعلم علمين معاً.

                ج.عدم إشغال المتعلم بعلمين في وقت واحد:

                إن تعليم الطلاب علمين في وقت واحد، يشغل الطلاب ويعرضهم للفشل والإحباط، وذلك لأن عقل الإنسان محدود، وغير قادر على الإحاطة بأكثر من علم في وقت واحد.

                د.عدم الشدة على المتعلمين:

                انتقد ابن خلدون أسلوب العقاب الذي كان سائداً في عصره، وطلب من المعلمين استخدام الرحمة واللين مع الطلاب فقال: "ينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبد في التأديب، واعتبر أن مجاوزة الحد في العقاب له أضرار على الطلاب ويعمل على إفساد أخلاقه، وبذلك لا يتحقق الهدف من التعليم

                هـ.كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم تخل بالتعليم:

                يرى بن خلدون أن من العوامل التي تقف في طريق التعليم اختصار كتب العلم فقال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق في العلوم يولعون بها ويدونون منها مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن، وصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسراً في الفهم". قد انتقد ابن خلدون ذلك لأن بعض العلوم تحتاج إلى الإطالة والتكرار، لأن فيها مفاهيم ومعان لا يستطيع المتعلم فهمها بدون الإطالة والتكرار، ولأن اختصار العلوم يصيبها بالخلل وتصبح عسيرة على الفهم وخاصة لصغار المتعلمين، لعدم وجود الاستعداد والقدرة لفهم المختصرات.

                د.طرق التدريس:

                أجاز بن خلدون للمعلمين استخدام أكثر من طريقة واحدة في التدريس، فأجاز لهم استخدام الطريقة التي تناسب قدرات وميول وإمكانيات الطلاب لأن التعليم عنده صناعة والصناع يختلفون في طرق صناعتهم، ولكل صناعة طرق مختلفة ويحق للمعلم أن يستخدم كل الطرق أو بعضها لتحقيق الأهداف المرجوة، ومع أن ابن خلدون أباح استخدام الطرق التي تناسب المعلم إلا أنه يشجع على استخدام طريقة المناقشة  فالتعليم عند ابن خلدون يهدف إلى حصول المتعلم على ملكة العلم حيث يصبح على درجة عالية من الفهم وليس فقط حفظه دون فهم وتعمق، لذا انتقد ابن خلدون الطريقة القيروانية التي كانت في زمانه تركز على الحفظ بشكل كبير، ووصف الطلاب بأنهم يلتزمون الصمت والسكون التام دون مشاركة.

                • المحاضرة 5: الفلسفة المثالية والتربية.

                  1/الفلسفة المثالية :

                  يعتمد النموذج المثالي الذي يشكل مناهج التربية لدى المثاليين على رؤية أفلاطون من أن الأفكار أبدية وأزلية ونهائية، وهي لذلك في غاية الأهمية. وليس المقصود بالأفكار هنا -بالطبع- تلك الخواطر العقلية التي يترجمها العقل من الرموز اللفظية، ولكن أفلاطون يقصد بها في هذا المقام جوهر الأشياء والمثل العليا الموجودة في العالم العلوي، والتي يقاس بها كل شيء في هذا العالم المادي. إذا كانت الأشياء في هذا العالم المادي من وجهة النظر هذه تعرف عن طريق الحواس، فإنها قد صيغت على مثال سبق عند خلق الكون ونبعت فكرتها من خالقه. والعقل وحده هو الذي يستطيع أن يحكم عليها بأنها مطابقة للنماذج المثالية التي وضعت أزلا أم لا. وبهذا المعنى، فإن الأفكار أزلية لا تقبل التغير أو التطور. ومهما قيل من أن عناصر هذا العالم مستحدثة ومتغيرة تبعا للظروف والملابسات التي تظهر من آن لآخر، فإن الأفكار والأشكال المثالية التي صيغت على مثالها هذه العناصر الموجودة في عالمنا موجودة من الأزل وستظل إلى الأبد دون تغير أو تطور.

                  2/حقيقة المذهب المثالي :

                  "المذهب المثالي" من مذاهب التربية الغربية فهو ـ في حقيقته ـ صدى لفلسفة أفلاطون، وتعبير عن نظريته المسماة بـ "المثل"، ومؤدى هذه النظرية أن ثمة عالمين اثنين : عالماً حسياً يتألف من "الأجسام"، وعالماً معقولاً يتألف من المجردات التي هي "المُثُل". وبناء على ذلك قال الغربيون: إن الإنسان يعيش في عالمين : عالم مادي متغيّر، وعالم روحاني خالد، وهذا الأخير هو عالم المثل العليا التي تشكل الهدف الأسمى للتربية والحياة. وهكذا رأى الغربيون في الإنسان جانبيْن : جانباً روحياً سامياً، وجانباً جسدياً تحكمه النوازع الدنيا والشهوات، وهذان الجانبان كالخطين المتوازيين يتجاوران ولا يلتقيان، ويتناقضان ولا يتكاملان، وهو ما أدى إلى قيام سلطتين في بلاد الغرب: سلطة روحية تشرف عليها الكنيسة، وسلطة زمنية قوامها حكم الواقع مفصولاً عن الدين، وترتّب على ذلك الاعتقاد بأن الإنسان أوْلى بالدرس من العالم الخارجي، وأن العلوم الإنسانية أهم من العلوم الطبيعية.

                  ولا تغني عن المذهب المثالي دعـواه أنه إنما يريد ـ من خلال التربية ـ أن يحيط الطفل بالمثل العليا؛ لأنه لا يدري ما المثل العليا على وجه التحديد. يقول سير برسي نن : " نستطيع أن نحكم بأنه لا يمكن أن يكون هناك غرض عام للتربية ما دام هذا الغرض يحقق مُثُلاً عليا؛ لأن هذه المثل تتعدد بتعدد الأفراد ".

                  وهذا الاتجاه العقلي للفلسفة المثالية قد وضع العقل-بلا شك- في مرتبة ذات أهمية كبرى، بحيث لا يكون العقل شيئا آخر غير الروح مادام يشارك في طبيعة المطلق. وبالرغم من وجود الجسم والبيئة الاجتماعية والطبيعية إلا أنهما في النهاية يدخلان في دائرة العقل ويذوبان داخله. ولذلك فالطبيعة الإنسانية لا ينظر إليها على أنها جسم منفصل يستجيب لدوافع بيئية، ولكنه جوهر لا يتأثر بعامته إذا تأثر جزءه. ولهذا تنادي هذه النظرية بتربية الإنسان من جميع جوانبه حتى يصبح كلا مستقيما، ولكن يبقى العقل هو صاحب الاهتمام الأكبر في مناهج هذه النظرية.

                  إن الواقع بالنسبة للمثالي هو عالم العقل، والواقعية شيء خيالي أو روحي وليس ماديا، ويعتقد المثاليون أن الطبيعة تعتمد على العقل الشامل لله. وبناء على هذه النظرة، فالتعلم ليس ابتكارا وإبداعا- ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة والخير والمثل التي وضعت سلفا. وليست قيمة الأفكار مبنية على ما لها من أهمية في حياة التلاميذ أو ضرورة في إنجاز مشروعاتهم، أو في ترقية حياتهم، بل إن قيمة الأفكار في ذاتها، حيث إنها تصور الواقع الممثل للحقائق اللانهائية، ومن أجل ذلك فالأفكار جديرة بالتعلم. وهي تستحق أن يكون تعلمها هدفا في حد ذاته.

                  والمثالية –عموما- وثيقة الصلة بالدين. وتؤمن هذه النظرية بأهمية الحق والخير والجمال. ويهتم المثاليون بالرياضة البدنية، لا من أجل الجسم، فهم لا يهتمون بالمادة، وإنما من أجل العقل.

                  إن أصحاب هذا الاتجاه يهتمون بالمثل العليا بالدرجة الأولى.. فهم ينظمون تجارب الجنس البشري ويركزونها ليقدموها لقمة سائغة إلى الطفل.

                  وهذه الخبرة بحسب مروجي النظرية هذه هي نوعين منها ما يختص بالبيئة الطبيعية ومنها ما يختص بالإنسان أي العلوم والإنسانيات.

                  وتعتبر المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية، التي ارتبط ظهورها ارتباطا وثيقا بزعيمها المفكر اليوناني أفلاطون، وهي كما عرفها لالاند : " الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل وجود إلى الفكر بالمعنى الأعم لهذه الكلمة ". بمعنى آخر هي المذهب الذي يقول أن الأشياء الواقعية ليست شيئا آخر غير أفكارنا، وهي الفكرة التي نجدها عند أفلاطون في المثل العليا، إذ يرى أن أنفسنا كانت تسبح في هذا العالم، أين عرفت أسماء الأشياء بصورتها التامة، الكاملة، قبل نزولها إلى الأرض. وولوجها في الجسد أنساها أسماء الأشياء، فأصبحت تحاكي ما رأته وتعلمته في المثل العليا أو العالم الحقيقي، ومن أبرز أعلامها: أفلاطون.هيجل...الخ.

                  ولد أفلاطون في سنة 427 ق.م في جزيرة قريبة من شاطئ أثينا، واسمه في الأصل أرسطوقليس. ينحدر من أشراف أثينا ذوي المنزلة والثراء. تعلم القراءة والكتابة، حفظ شعر هوميروس، ومبادئ الحساب والهندسة والموسيقى. كان ذو ذكاء حاد، عميق الفكر، حسن الحديث، بارع النكتة، ومحبا للجمال. عاش حتى الثمانين من عمره، توفي سنة 347 ق.م.

                  لقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات :

                  - طبقة الحكام ويتميزون بالحكمة، ويسييرون شؤون الدولة.

                  - طبقة الجند، ويتميزون بالقوة، وتسهر على أمن الحكام.

                  - طبقة العبيد، وهي الطبقة الخادمة، التي تقوم على خدمة طبقة الحكام.

                  وعلى كل طبقة احترام الطبق الأعلى منها، فلا يجوز مثلا لطبقة العبيد التطلع إلى طبقة الجند أو الحكام، وكذا الحال بالنسبة لطبقة الحكام فلا يجوز للحاكم أن ينزل إلى طبقة الجند أو العبيد، فما خلق إلا ليكون حاكما، وليحكم الشعب وعليه وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ليقوم بالعمل المناسب.

                  3/التطبيقات التربوية للفلسلفة المثالية:

                  أ.المنهاج وطريقة التدريس:

                  يرى المثاليون أن المنهاج (المنهج) الذي يدرس للتلاميذ ينبغي أن يكون موضوعات ثابتة غير قابلة للتطور وتنقل من جيل إلى جيل. حيث تعمل على توسيع فهم الطفل للكون وللإنسان نفسه، فتنظيم قدرات الطفل وتنمية ذكائه يمكن أن تتحقق من دراسة الفنون الحرة والقراءة، وكذا الإطلاع على الكتب العظيمة التي أنتجتها عقول الحكماء والمفكرين التي يمكن أن تخلق الإنسان المثالي وتوسع فهمه للكون ولذاته.

                  ومن ثم يجب أن يوجه اهتمام أكبر إلى دراسة مواد معينة كالتاريخ والأدب والفلسفة تهتم بالمشاكل الدائمة للإنسان، وتعبر عن اعتقاداته وأفكاره على مر العصور التاريخية، وهي تعتبر كنزا للمعرفة والحكمة وتراثا معرفيا.

                  ولقد اهتمت المثالية بالمادة الدراسية أكثر من اهتمامها بالمتعلم، فهي لا تقيم وزنا إلا للمعرفة والحقيقة أما التلميذ فقد لا يكون له قيمة على الإطلاق، فمنهج المدرسة المثالية هو منهج مقفل يعتمد على المعرفة والكتاب ويتقيد بحدود لا يمكن تعديلها، حيث يبقى القديم على قدمه للحفاظ على المعرفة والتراث ونقله إلى عقول المتعلمين. ولا تؤمن المثالية بأهمية النشاطات الخارجة عن الكتاب في منهجها الدراسي لأن مثل هذه النشاطات لا تساهم في تدريب عقول التلاميذ وملئها بالحقائق، بل تهتم بجوانب أخرى ليست موضوع اهتمام المثالية.

                  أما النظام المدرسي، فقد أصبح المدرسون يواجهون مشكلة بحيث أن الجسم والعقل نوعان مختلفان، فإنهما يسلكان مسالك متعارضة تعوق بعضها البعض، فالطفل لا يستطيع أن يذهب إلى المدرسة بعقله فقط فلا بد أن يحمل معه جسمه.

                  إذن أصبح ينظر إلى التلميذ على أنه شيء أو بالأحرى آلة تتلقى المعارف بالطريق الإلقائية في سكون وهدوء، فإذا حاول أن يحرك جسمه قسى عليه المدرسون بالعقوبات البدنية المختلفة، وبذلك كان التلميذ المثالي هو الذي يجلس صامتا ساكنا، حتى يعمل عقله على استيعاب المعلومات. ومنه كان هدف التدريس ليس حمل التلميذ على معرفة مجموعة من المعلومات بقدر ما هو محفز له على اكتشاف معناها لنفسه، عن طريق خبراته الشخصية السابقة، بحيث يصبح لما يتعلمه معنى ومغزى.

                  2.المعلم :

                  المعلم في نظر المثالية ينبغي أن يكون فيلسوفا مفكرا كسقراط، وغيره من الفلاسفة، وقد ركزت المثالية على دور المعلم، وجعلته يحتل المركز الرئيسي في العملية التربوية، في حين نظرت إلى المتعلم نظرة سلبية، فالمعلم يجب أن يكون قدوة لتلاميذه بما يملكه من معارف وخبرات واسعة، تجعل الطلاب ينهلون منهله، بمعنى على المعلم أن يكون موسوعة يعمل على إيصالها إلى الطلبة، وأن يكون مخلصا جادا في عمله، والمعلم بفطنته وبصيرته يعمل على كشف استعدادات تلاميذه، وبذلك يعطيهم القدر المناسب من المعارف، وتقتصر عملية التعليم على التذكر والاسترجاع لذا يجب على المعلم في نظر أفلاطون تنمية هذه القدرة.

                  -الإنتقادات الموجهة إلى فلسفة التربية المثالية :

                  لقد غال أفلاطون في تربيته المثالية وطريقة التدريس إلى درجة يصعب تحقيقها على أرض الواقع، فمثلا تربية أفلاطون للأطفال على أساس الفضيلة حتى يصبحوا خيرين، تناسى أن في الإنسان بذرتين، بذرة الخير وبذرة الشر، ويستحيل أن نجد شخص خير محض، كما أن نظام الطبقات الذي فرضه أفلاطون على المجتمع فيه ظلم لفئة عن فئة.

                  كما فصل أفلاطون بين الجانب العقلي والجسمي، بل حتى أنه فصل الجانب العقلي وأعطاه الأهمية أكثر من اهتمامه بالجانب الجسمي، وكأننا نستطيع أن نتصور الإنسان بعقله دون جسده.

                  المثالية كفلسفة تربوية أكدت على:

                  - الجانب المعرفي وأهمية المعرفة بالنسبة للمتعلم.

                  - الاهتمام بالثقافة والحفاظ عليها.

                  - وضع المعلم في مرتبة سامية واعتباره أهم عنصر في العملية التربوية.

                  - التأكيد على أهمية الجوانب الخلقية والدينية في تنمية شخصية المتعلم .

                  غير أنها فشلت و قصرت في:

                  - فهم طبيعة المتعلم (النظر إليه على أنه عقل أو روح خالصة، الاهتمام بالمعرفة أو تنمية العقل فقط).

                  - اقتصار الأهداف التربوية على تدريب عقل الإنسان دون النظر إلى الجوانب التي تتصل بالنواحي الجسمية .

                   - النظر إلى التلميذ على أنه سلبي يتلقى المعلومات التي يلقيها عليه المعلم (آلة) وكذا استخدام العقوبات البدنية لا يتفق مع ما تذهب إليه الفلسفات الأخرى، فالموقف التعليمي موقف تفاعل و ليس موقف جامد ثابت فيه طرف ايجابي هو المعلم و آخر سلبي هو التلميذ.

                        - النظرة المثالية الغربية بما ترتب عليها من فصل بين الدين والحياة خاطئة ومدمرة، وهي ـ كما يقول (علي عزت بيجوفيتش) رئيس جمهورية البوسنة والهرسك في كتابه المعروف : (الإسلام بين الشرق والغرب) ـ هي المسؤولة عن إخفاق الأيديولوجيات الكبرى في العالم؛ فهذه النظرة هي التي شطرت العالم شطرين متصادمين بين مادية ملحدة، وكاثوليكية مغرقة في الأسرار، والصواب أنها "وحدة ثنائية القطب، تضم القضيتين المتصادمتين في العقل الغربي ألا وهما: الروح والمادة، السماوي والأرضي، الإنساني والحيواني، الدين والدنيا. وهذان المتناقضان يوجدان معاً وجود تفاعل وتزاوج وتكامل.. كما تتفاعل ذرات الأوكسجين مع ذرات الإيدروجين لتنتج الماء الذي يشرب منه الإنسان والحيوان والنبات".

                  وقد نبّه بيجوفيتش على أن طبيعة العقل الأوروبي (أحادي النظرة) كانت سبباً في عجزه عن فهم حقيقة الإسلام؛ ولذا أنكر الغربيون الإسلام لسببين متعارضين؛ فقد أنكره الماديون منهم بوصفه اتجاهاً يمينياً أي دين غيبيات، بينما أنكره المتدينون لأنهم رأوا فيه اتجاهاً يسارياً أي حركة اجتماعية سياسية.

                  • المحاضرة 6: الفلسفة الواقعية والتربية.

                    1/الفلسفة الواقعية:

                    تمثل الواقعية فلسفة جديدة ومقابلة للمثالية، فقد جاءت كرد فعل للآراء التي قدمتها الفلسفة المثالية ، فبعد ان كانت المثالية ترى ان العقل هو مصدر المعرفة وترسم صورة مثالية ونموذجية لعناصر المؤسسة التربوية ، ظهرت الفلسفة الواقعية لتبين ان العقل لا يعد مخزنا للحقائق بذاته ، وانما هي موجودة خارج الذهن وعلى الانسان ان يحصلها بنفسه ، كما شددت على ضرورة ان يكون التعامل في المؤسسة التربوية واقعيا وليس مثاليا.

                    يرى الواقعيون في التربية أن تكون الدراسة في المدرسة وما يكملها من نشاطات وخبرات وكسب مهارات شديدة الصلة بالمجتمع الخارجي الذي يعيش فيه التلاميذ، حتى لا يكون هناك انتقال مفاجئ للتلاميذ من مدرستهم إلى مجتمع حياتهم العامة. أما التربية التقليدية التي تعمد إلى اختزال المعلومات وحفظ المقررات وتجاهل النشاطات والمهارات فهي في نظرهم لا تعد تربية بالمعنى الصحيح.

                    2/المبادئ العامة لفلسفة التربية الواقعية :

                    - لا تؤمن بوجود قوى فطرية موروثة قبل الولادة, بل تؤكد على أن الانسان محكوم بتأثير البيئة الطبيعية والاجتماعية على الوراثة.
                    - تؤمن الواقعية بأن الفرد هو أساس الكيان الاجتماعي , فإن الحرية الفردية لا تتحقق إلا في حالة تمتع الفرد بجميع الامتيازات والحقوق الخاصة وهذا لا يكون إلا في حالة تقليص سلطة الحكومة على الأفراد.

                    - التربية عملية تدريب للإنسان على العيش بواسطة معايير خلقية مطلقة على أساس ما هو صحيح للإنسان بوجه عام.

                    - إن من أهم الأهداف التي تؤكدها هذه الفلسفة التربية الجسمية وتدريب الحواس والاهتمام بالعلوم الطبيعية والتجريب وتشجيع المدارس العلمية والمهنية بالأنشطة والممارسات داخل المؤسسات التعليمية والاهتمام بالفروق الفردية.

                    - تؤكد الواقعية على ضرورة أن تكون المادة الدراسية هي المحور المركزي في التربية وأن تسمح للمادة الدراسية للطالب بالوقوف على البنيان الفيزيائي والثقافي للعالم الذي يعيش فيه , وأن يكون محتوى المناهج يشمل العلوم الطبيعية بفروعها المختلفة من حيث المادة العلمية وأسلوبها في البحث.

                    - أن تكون طريقة التدريس ملائمة لشخصية المتعلم وإعداده للحياة وتؤدي إلى تكامل شخصيته.

                    - تسعى الواقعية إلى جعل الطالب شخصاً متسامحاً ومتوافقاً توافقاً حسناً وأن يكون منسجماً عقلياً وجسمياً مع البيئة المادية والثقافية.

                    - أن التربية بيد المعلم بوصفه ناقلاً للتراث الثقافي والمعلم هو الذي يحدد المعرفة في العملية التربوية فدور المعلم مساعدة الطلبة للوصول إلى الحقائق.

                    3/أهداف فلسفة التربية الواقعية :

                     - العمل على تنمية العقل وتدريبه بما يكفل له أن يكون عقلا منطقيا.

                     - العناية بتربية الجسم والحرص على الصحة.

                    4/التطبيقات التربوية للفلسفة الواقعية:

                    أ.التلميذ:
                    تهدف التربية عند الواقعيين إلى إتاحة الفرصة للتلميذ , لأن يغدو شخصاً متوازناً فكرياً وأن يكون في الوقت نفسه جيد التوافق مع بيئته المادية والاجتماعية. وتهدف التربية إلى تنمية الجوانب العقلية والبدنية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية في آن واحد.

                    ب.المنهج الدراسي:

                    رفض الواقعيون المنهج الدراسي المعقد الذي يميل إلى المعرفة المستمدة من الكتب, ويؤكدون المنهج الذي يركز على وقائع الحياة , وأهمية الموضوعات التي تقع في نطاق العلوم الطبيعية.

                    ج.المعلم:
                    ترى الفلسفة الواقعية أن مفتاح التربية بيد المعلم باعتباره ناقلا للتراث الثقافي وعليه يجب أن يكون متعاونا مع تلاميذه ويقدم لهم المساعدة ويعلمهم الاعتماد على النفس.يعرض المعلم المنهج العلمي بطريقة موضوعية بعيدا عن ذاتيته لكنه مندمجا معه ,وان تسوده الواقعية.

                    د.طرق التدريس:

                    تعتمد طرق التدريس الواقعية على النظرة الترابطية فيقوم المعلم بتقسيم موضوع درسه إلى عناصره الأساسية وتحديد المثيرات والاستجابات فلكل مثير استجابة معينه ومن ثم تقدم للمتعلمين بطريقه تجعلهم يستجيبون الاستجابة الصحيحة للمثير المحدد ويكرر أحداث المثير لكي تتبعه الاستجابة الصحيحة ويكافأ المتعلم كلما قام بالإستجابة الصحيحة مما يؤدي إلى تقوية الرابطة التي تؤدي إلى التعلم. أنها تنطلق من تعلم الأجزاء حتى يتم تعلم الكل متفقه مع النظرية التجزئية للمدرسة السلوكية وتفضل استخدام آلات التعليم.

                    -الإنتقادات الموجهة إلى فلسفة التربية الواقعية :

                     - لم تهتم التربية الواقعية بالتلميذ وميوله ورغباته , اعتقاداً منها أن الرغبات والميول ما هي إلا أمور أو نزعات طارئة وعارضة وهي أشياء متغيرة. لكن الحقائق والأساسيات العملية التي يحتويها المنهج هي أمور جوهرية لأنها ثابتة غير متغيرة.
                     - اعتمدت الثنائية إذ قسمت العالم على مادة وصورة,و أكدت على الجانب المادي اكثر من الجانب الروحي، وهدفت الواقعية إلى التكيف مع البيئة المادية اكثر من البيئة الروحية.

                     - إن هناك من الحقائق ما لا يمكن للعقل أن يصل إليها عن طريق أدواته المعروفة وبهذا يكون العقل قاصراً في تفسيرها. 

                    • المحاضرة 7: الفلسفة الطبيعية والتربية.

                      1/الفلسفة الطبيعية:

                      يُعدّ (روسو) رائد (المذهب الطبيعي) وواضع أصوله؛ ومن أصول ذلك المذهب أنّ الفرد هو شعار التربية، وأنّ التعبير عن الذات هو الهدف النهائي لها، وبنى الطبيعيون على هذا أنّ التربية القويمة لا تتحقق إلا بإطلاق الحرية التامة للأطفال.

                      ولد جون جاك روسو سنة 1712 في جنيف بسويسرا من أب فرنسي وأم سويسرية توفيت مباشرة بعد ولادة روسو، وقد قال روسو في هذا الشأن في كتابه "اعترافات" لقد كلفت أمي حياتها وكانت ولادتي هي سوء حظي في هذه الحياة".

                      كلّ من كان لديه صبرٌ لقراءة « إميل » بأكمله – وليس من خلال بعض الاستشهادات- يعلم أن هذا الكتاب يتحدث عن كلّ ما يهم الفلسفة في القرن الثامن عشر، وأن «إميل» ليس ما أعتيد على تسميته «كتاب في النظرية التربوية»، بالرغم من هذه السمعة الراسخة. تسعى هذه المقالة بتواضع كبير أن تلقي بعض الشكوك على أسس هذه السمعة.

                      لنلاحظ أن تصنيف «إميل» بين كتب النظريات التربوية كان متأخراً. فقد ذُكر، أثناء الثورة، ميرابو وتاليران Talleyrand وكوندورسه Condorcet و الأب غريغوار L'abbe Grégoire عدة مرات خلال المناقشات حول المدرسة، أما روسو فقلما دخل الجمعية الوطنية، وحين تدخل روبسبير بنفسه في المناقشات، لم يكن ذلك من أجل أن يشيد بنموذجه الذي قاده باكياً إلى البنتيون، لكن من أجل أن يقترح نصاً طُبع بعد وفاة صاحبه لبيلتيه دو سانفارجو Lepelletier de Saint Fargeau. أما الإشارات إلى روسو فقد اقتصرت على نصه المتعلق ب"بولونيا". أما المقولات التي تشيد بـ«كاتب إميل الخالد، والتي غالباً ما تذكر، فإنها لا تشير إلى روسو إلا كأثر ماض وليس كمصدر إلهام. ولم يجد إميل مكانته التربوية العظيمة إلا مع إنشاء المدرسة الجمهورية العلمانية الإجبارية.

                      2/إميل وكتب التربية :

                      من الجيد التذكر أن كل كتب النظريات التربوية ينبغي أن تحقق عدداً من المبادئ :

                      أ.- اقتراح أهداف (لماذا التربية، وفي أي هدف ؟).

                      ب.- اقتراح أسلوب (كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف، وأي ترتيب ينبغي أن يراعى ؟) 

                      ج.- دراسة الصعوبات واقتراح الحلول (ماذا ينبغي أن نفعل في حالة ما، كيف يمكن التصرف في حالة فشل ما ؟).

                      أولاً : تختلف الأهداف من نظرية تربوية إلى أخرى، فيما يتعلق بإميل، فإنه لا يقترح أي غاية، هناك مسألة «صنع إنسان» ليس مسيحيا أو مسلماً أو تاجراً أو فارساً: مجرد إنسان. إن كلّ فلسفة تربية تهدف إلى إعطاء الإنسان صفات نوعية (شريف، تقي، عالم، وطني) وليس ما تم «صنعه» من قبل. وحين يلح روسو أيضاً: «العيش هي المهنة التي أريد له أن يتعلمها» لا يوجد هنا أي انشغال بأي إشكالية في الفكر التربوي، ولكن إعلان طلاق يضع إميل خارج هذا الفكر.

                      ثانياً : عن الأساليب. فإن روسو، كما قيل، كان مع فصل الطفل عن عائلته، رفض السوط مثلما رفض الثواب، واستبعد فكرة الحديث بعدة لغات، ولا سيما اللاتينية، الخ. غير أن إميل يجيب عن هذه الأسئلة دون أن يطرحها بنفسه. إن إيجاد مثل هذه "الإجابات" مشروع، فمن الممكن دائماً تناول أفكار من نص ما لإغناء إشكاليات مختلفة.

                      هل يوجد في إميل أسلوب حقيقي؟ تكثر في الكتاب الثاني والثالث أمثلة قوية بحيث يمكن أخذها كأمثلة متعاقبة لتطبيقها. حكاية الجنائني روبرت: كيف يمكن تعليم طفل ذو ثمان سنوات لا يعرف القراءة والحساب مبادئ القانون التجاري والعقود القانونية. يجعله المشعوذ ذو صاحب البط الممغنط اكتشاف البوصلة، أما بطاقات الدعوة الصغيرة بالتأكيد ستكون أسلوباً قوياً لتعليم القراءة! أيمكن أن نغفر لهذه النبرة المستهزئة، أما هذه الاسكتشات غير قابلة للتطبيق حقيقة، ليس نتيجة غفلة أو أوهام الكاتب ولكن لأن مسألة تطبيقها لم تطرح، فإنها لا تشكل نماذج تربوية ولكن أدوات موجهة لاستعمال آخر.

                      «إن تفصيل القواعد ليس موضوعي. أعطوا الطفل هذه الرغبة (القراءة).. سيكون كلّ أسلوب مناسباً له... أأتكلم الآن عن الكتابة. لا، أشعر بالعار لأنني أتلهى بهذه الترهات . لا يهمني إن نجح في أو لم ينجح في اللغات القديمة، في الآداب الجميلة أو الشعر... لا يراد كلّ هذا العبث في تربيته.»

                      كتاب في نظرية التربية دون تفاصيل، أمثلته لا طائل منها، يعطي أسلوباً وحيداً للقراءة «رغبة» القراءة، يصف تعليم الكتابة بالترهات، والنجاح في البلاغة بالعبث، كل هذا سيدفع المربين إلى إدانة هذا الكتاب بالحرق. يعد روسو بتعليم الطفل « فن أن يكون جاهلاً »، بحيث أنه في عمر الثانية عشرة لا يعرف التمييز يده اليمنى من اليسرى، أن لا يكون له أي خيال في الخامسة عشرة، الخ. لا بد أن تُدهش العيون حين يعهد أحد الآباء ابنه لمثل هذا المربي!

                      ثالثاً : تفرض عقبات مثل العصيان والكسل والغفلة تصنيفات متنوعة وحلول مختلفة (تتراوح ما بين العقاب والثواب)، ويكون الهدف دائماً تربية الطفل بالرغم من طبيعته. يوفر إميل في حالات واقعية عن أطفال غير محتملين مغرورين. يتم حبس هذا الطفل في خزانة، يجبر على البقاء في السرير، يهان من قبل عابرين متواطئين، ينام في غرفة باردة سيكسر نوافذها، الخ. غير أن إميل، يريد، أساساً، «تربية سلبية» ضد الأخطار التي تهدد الطفل. لا تصدر هذه الأخطار عن الطفل، من طبعه أو من عمره، ولكن من تأثير الآخرين الذين يهددون «القلب الإنساني». ليست الصعوبة في تربية الطفل رغم طبيعته، ولكن الصعوبة هي الحفاظ على طبيعته رغم التربية. هنا أيضاً يكون إميل عكس ما تمثله نظرية تربوية : لا أهداف، لا أسلوب، لا علاج.

                      3/أفكاره التربوية :

                      كانت آراؤه تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة.

                      يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة، وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما يخرج من يدي الله يكون خيرا ويد الإنسان تفسده.

                      الفصل الأول لكتاب إميل (تحدث فيه عن تربية الطفل من الميلاد إلى خمس سنوات)

                      انتقد روسو التربية التقليدية في كتابه إميل بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة وتعجب كيف نقيد الطفل منذ ولادته بلفافة، ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد، ثم نقيده بعد مماته بكفن فيولد الإنسان ويعيش ويموت مقيدا.

                      التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية.

                      يركز روسو على بناء جسم الطفل بناء سليما بالغذاء والألعاب الرياضية.

                      يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة، وأن يردد ألفاظا لا يفهمها، إذ يرى أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير.

                      الفصل الثاني (من ستة سنوات إلى اثنى عشرة سنة)

                      يعتبرها روسو من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، لذا يترك الطفل يعيش في الطبيعة، يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن ملاحظاته، فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجودتها ودور الإنسان هو مساعدة الطفل على فهم دروس الطبيعة، دعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات، فيقول: "اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له ولا تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم كل شيء بنفسه." ويقول أيضا: "لا تقدم لتلميذك أي نوع من الدروس الكلامية، فعليه ألا يتلقى مثل هذه الدروس إلا من التجربة."

                      الفصل الثالث (يتناول فيه الدروس ما بين اثنى عشرة سنة حتى الخامسة عشرة سنة)

                      في هذه المرحلة يتعلم إميل ما هو عملي ومفيد له، لذا لابد من اختيار المواد بدقة وحذر، ويوصي روسو بتعلم العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفلك ثم الجغرافيا ولا يتعلمها الفتى من الكتب والخرائط بل من ملاحظة الطبيعة وعن طريق الأسفار، ورغم هذا ينصح بكتاب روبرسون كروزي   (Robinson Crusee)      فهو ينصح في الابتعاد عن الخطب الرنانة... تمثل هذه المرحلة النشأة العقلية عند الإنسان في الاستطلاع والقدرة على المناقشة والفهم والتحليل من أهم ما يميز هذه المرحلة، وتعلم حرفة يدوية أو مهنة منسجمة مع هذه المرحلة.

                      الفصل الرابع (تناول فيه الحديث عن تربية الشباب من الخامسة عشرة سنة إلى العشرين سنة)

                      وهو ما أسماه بالتربية الوجدانية والأخلاقية، ينصب الاهتمام على تنمية العواطف والأحاسيس والمشاعر وإيقاظ الضمير، و أن الأخلاق مكتوبة في أعماق كل إنسان بشكل طبيعي؛ ويعطي روسو قيمة كبيرة للضمير ويراه مبدأ الأساس للعدالة.

                      الفصل الخامس (من عشرين سنة إلى خمسة وعشرين سنة)

                      يتحدث فيه عن تربية الفتى والفتاة، في هذه يلتقي إميل ب "صوفي" التي تربت كما تربى إميل، مما جعلها أهلا للزواج منها لكنهما لا يتزوجا إلا بعد أن يقوم برحلة لمدة سنتين، ينتقلا خلالها في الدول ويتعرفا على أنظمتها الاجتماعية وعلى شعوبها وعاداتهم وتقاليدهم.

                      4/مبادئ التربية الطبيعية عند روسو:

                      - الإيمان ببراءة الطفل: وهو تأكيد لاعتقاده بخيرية الطبيعة البشرية، إنه يذكر أن الإنسان ابن الخطيئة.

                      - الإعلاء من شأن الطبيعة: فالطبيعة يتعلم منها الإنسان ما يحتاج، والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها.

                      - مبدأ الحرية : ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف المفاهيم والحقائق، على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من المأزق، وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ.

                      - مبدأ التربية السلبية: أي ألا نعلم الطفل شيئا لا يطلب تعلمه، فترك له الحرية في الحركة والاحتكاك واكتشاف الخبرة العملية والابتعاد عن الدروس اللفظية فيقول: "لا ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية، فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى تعليمه وتأديبه.

                      - مبدأ الطفل هو محور التربية: أي معاملة الطفل كطفل لا كراشد، وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية لا رغبات وطموحات الكبار.

                      إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم لا يتمثل في الإعداد للمستقبل حيث يقول روسو:" إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفالا قبل أن يصبحوا رجالا وعلى المربين أن لا يحملوا الطفل ما لا طاقة به، وإلا عاش تعيسا"، ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في ملاحظة نمو الطفل نموا طبيعيا وتهيئة الفرص والظروف الملائمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله.  أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل.. وتهيئة الظواهر لإدراكها وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا.

                      -الإنتقادات الموجهة إلى فلسفة التربية الطبيعية:

                      لقد وجهت الكثير من الانتقادات لفكر روسو التربوي من خلال مذهبه الطبيعي فمن خلال ماسبق يمكننا أن نحصي الكثير من هذه الانتقادات نذكرها في مايلي:

                      -إبعاد الطفل عن المجتمع وتركه في أحضان الطبيعة أمر غير  واقعي, لأن الطفل بحاجة إلى الآخرين حتى يدرك نفسه وينمي إحساسه من خلال إدراك الآخرين وأحاسيسهم.

                      -تقليل أهمية الكتب أمر لا يمكن أخذه بعين الاعتبار لان الكتاب أصبح وسيلة فاعلة لا غنى عنها في عملية التعلم.

                      -قام روسو بتقسيم مراحل نمو وتربية الطفل إلى أقسام منفصلة وجعل لكل مرحلة خصائصها ووسائل تعليمها ووضع الجانب الوجداني في المرحلة الأخيرة ولكن علماء النفس والتربية وجدوا أنه موجود مع الطفل في كل مراحل حياته

                      -قال روسو إن ميول الطفل وقدراته تظهر تلقائيا وذاتيا ولكن من المعروف إن كثيرا من الميول والقدرات ليست فطرية وإنما تكون نتيجة احتكاكه ببيئته والعالم الخارجي.

                      -آراؤه في تربية البنات تعد من أكثر الآراء تطرفا ولا يمكن الأخذ بها

                      ومن بين الذين عارضوا روسو من الفلاسفة الذين أتوا بعده أبرزهم الانتقادات كانت من برتراند راسل حيث انتقده في عدة مواقف نذكر منها:

                      اعتقاد روسو أن الأطفال أهل فضيلة حيث قال راسل في هذا:" لقد أعتقد روسو أن الأطفال أهل فضيلة بفطرتهم، وأنهم إنما يفسدون بمشاهدة رذائل من يكبرونهم سنا، ولقد نسب هذا الرأي إلى روسو وقد قيل عنه أنه غلطة من الناحية العلمية، ولعل رأيه كان نظريا، لكن من يقرأ كتاب إميل يجد أنه كان بحاجة إلى كثير من التربية الخلقية قبل أن يصير الفرد الفذ الذي كان تخريجه مقصودا من نظام روسو. والواقع أن الأطفال ليسوا أخيارا ولا أشرارا بالفطرة فهم يولدون وليس فيهم إلا بعض غرائز وانعكاسات، ومن هذا تنتج العادات بتأثير البيئة والوسط والعادات إما صحيحة وإما سقيمة وأيهما تكون يتوقف على حكمة الأمهات أو المربيات.

                      • المحاضرة 8: الفلسفة البرغماتية والتربية.

                        1/جذور الفلسفة البرغماتية:

                        تعود جذور الفلسفة البرغماتية إلي الفيلسوف اليوناني هيرقليتس ما بين ( 535 – 457 )ق م, ثم تطورت في العصر الحديث علي يد ثلاثة من أشهر زعمائها وهم شارلز بيرس, ووليم جيمس, وجون ديوي.

                        2/مفهوم الفلسفة البرغماتية وأهم أفكارها:

                        البرجماتية معناها العملية حيث تدعو هذه الفلسفة إلي العمل والبحث وسميت بالوظيفية الأداتية أيضا .

                        وترى أن الطبيعة الإنسانية مرنة ووظيفية وأن التغير هو أساس الحياة فليس هناك حقائق ثابتة وأن التعلم يكون بالعمل .

                        وأما نظرتها للعالم فهو عالم غير ثابت بل في حالة تغير وخلق مستمر ويخضع للتجربة والبحث العلمي .

                        وتنظر البرغماتية للقيم بأنها أيضاً متغيرة وتؤمن بعدم خلود المثل والقيم .

                        3/مفهوم التربية في الفلسفة البرغماتية:

                        - التربية ليست عملية بث المعرفة للمتعلم من اجل المعرفة وإنما لمساعدة الطفل على مواجهة احتياجات البيئة .

                        - والتربية هي نظرة إيجابية للطفل كونه كائنا اجتماعيا ايجابيا لا ينمو إلا بالاتصال مع الآخرين . ويعرف جون ديوي التربية بأنها ( عملية مستمرة لإعادة بناء الخبرة).

                        - ترفض البرغماتية أن تكون التربية عملية بث للمعرفة للطالب من أجل المعرفة إنما ترى أنها تساعد الطفل على مواجهة احتياجات البيئة البيولوجية الاجتماعية.

                        - ويرى البرغماتيون أن التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة، وأن واجب المدرسة كمؤسسة تربوية أن تستخدم مواقف الحياة في العملية التربوية، ويعرف جون ديوي التربية بأنها عملية مستمرة من إعداد بناء الخبرة بقصد توزيع محتواها الاجتماعي وتعميقه، وأن الفرد في الوقت نفسه يكتسب ضبطاً وتحكماً في الطرائق المتضمنة في العملية.

                        4/أهداف التربية في الفلسفة البرغماتية:

                        أ‌- إعداد الفرد إعدادا فكريا ًوعقلياً واجتماعياً للتكيف مع بيئته البيولوجية والاجتماعية والعمل على تطويرها.

                        ب‌- تمكن الإنسان من المشاركة في الوعي الاجتماعي للجنس البشري.

                        ج- مساعدة المتعلم على فهم العالم المعقد في مظاهره الفكرية والمادية من خلال تبسيط العلوم وتطهيرها من الشوائب والمعلومات غير المناسبة.

                        د- إحداث الانسجام والتوافق والاتزان في شخصية المتعلم مع بيئته.

                        هـ- يتعلم الفرد كيف يفكر وتزويده بالخبرات اللازمة والمهارات الملائمة علي حل المشكلات بما يحقق له النفع في حياته.

                        و- تحقيق استمرار النمو العقلي والجسدي والاجتماعي.

                        ز- إشراك المتعلم في تكوين الأهداف التي توجه نواحي نشاطه في عملية التعلم.

                        5/التطبيقات التربوية للفلسفة البرجماتية:

                        أولا)مفهوم الطالب:

                        أ‌- الطالب هو محور العملية التربوية وهدفها، ومن هنا يجب مراعاة ميوله واهتماماته وحاجاته.

                        ب‌- يجب أن يربى الطالب باعتباره كائنا إيجابيا مبدعا ومبتكرا، ومن هنا ينبغي تعليمه التعاون والتفاهم وكيف يكيف نفسه مع الآخرين، وكيف يحل مشكلاته.

                        ج- ضرورة العناية بطموحات الطالب وتطلعاته وتنمية حب الاستطلاع لديه وتمرينه على الذكاء.

                        د- ترفض الفلسفة البرغماتية استخدام العنف واستخدام الشدة مع الطالب ومهمة التدريس هي توجيه النشاط الذاتي الهادف له.

                        هـ- ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة ومراعاة ميولهم ودوافعهم وتدريبهم على الاعتماد على النفس. 

                        ثانيا)مفهوم المعلم:

                        أ‌- المعلم ميسرا للعملية التعليمية وليس مسيطرا عليها فهو متسامح ودود، يتمتع بعقل واسع ومتحمس لعمله.

                        ب‌- لا يسعى المعلم إلى حشو عقول الطلبة بالمعلومات بل يقدم لهم الخبرات التي تساعدهم في التعامل مع الحياة.

                        ج- لا يقوم المعلم بتدريس المواد بطريقة منهجية بل يتعامل مع الوحدات المتجانسة والخبرات المتشابهة التي تحقق فهما أفضل لطلبته.

                        د- يساعد المعلم في تنمية قدرات طلابه للقيام بتجارب مستقبلية ويقترح على طلابه المشكلات ويقودهم إلى حلها بالطرق العلمية.

                        ثالثا)مفهوم المنهاج:           

                        أ- يرى جون ديوي أن المنهاج ينبعي أن ينطلق من خبرات الطفل وليس على أساس تقسيم المنهج إلى مواد منفصلة، كما يرى أن تدريس المنهاج يجب أن يتم عن طريق ربطه بالحياة ومشكلاتها.

                        ب- يجب أن يتضمن المنهاج النشاطات والأعمال اليدوية حول عدد من المهن الاجتماعية السائدة كالطبخ والحياكة والحدادة... الخ.

                        ج- المنهاج في الفلسفة البرجماتية لا يهتم بالتراث الثقافي والاجتماعي في الماضي بقدر ما يركز على الحاضر والمستقبل.

                        د- يحاول المنهاج التوفيق بين حاجات الطفل وبين الخبرات اللازمة لفهم مشكلات الحياة.

                        رابعا)مفهـوم طرق التدريس:

                        أ‌- تعتمد طرق التدريس على حل المشكلات والتعلم بالاكتشاف الذي يحدث خلال التفاعل والنشاط وعلى المعلم فقط أن يهيئ البيئة الملائمة للنمو والتفاعل وحل المشكلات.

                        ب‌- التربية الصالحة تتحقق من خلال الخبرة الصالحة.

                        -الإنتقادات الموجهة إلى فلسفة التربية البرجماتية:

                        -تركز البرغماتية على المتعلم وتعده المحور الأساس في بناء المنهج وتنفيذه وترفض الاتجاهات التربوية التقليدية التي اتخذت المادة الدراسية محوراً لها في بناء المنهج وتنفيذه،  ولأن المتعلم محور العملية التعليمية وترفض البرغماتية التحديد السابق للمادة العلمية وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها، مما يجعلها تبتعد عن تنظيم العملية التربوية مواداً وفصولاً.

                        -تؤكد الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي والتعامل معه، وترى أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما يحقق فائدة عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد صادقاً وصحيحاً.

                        -أنها تؤكد النمو التلقائي للفرد بحكم العوامل الوراثية الحتمية والبيولوجية وتنظر إلى أهمية التراكم الكمي للخبرات الفردية في تكوين الشخصية. وعلى هذا الأساس تتعامل مع التربية بالانتقاء الاجتماعي والتوزيع وفقاً لقدرات الأفراد الطبيعية، ولا سيما الذكاء. وعليه لا يمكن بناء الشخصية المتكاملة بحكم إغفالها للتراث الحضاري والعوامل الاجتماعية والعوامل الأخرى تؤدي أثراً في بناء شخصية الإنسان وهذا يناقض منطق العلم، ويؤدي بالمتعلم إلى تشتت اتجاهاته.

                        -لا تتقيد التربية البرغماتية بمعايير روحية فليس في رأيها وجود سابق للقيم والمعايير الروحية، ولكنها تنشأ في أثناء القيام بالتجارب الناجحة، وتتولد في أثناء حل المشكلات المتنوعة. وترى أيضاً أن الخبرة الذاتية للفرد والنجاح الفردي هما الأساس للأخلاق، وليس تراكم التراث الثقافي للإنسانية، أو لمصلحة المجتمع وقيمته، فهي بذلك تؤكد التنافس، وتنمي الفردية والنجاح الفردي والمنفعة والبقاء للأقوى.

                        -ولأن النظرية البرغماتية تركز على الجانب العملي لعملية التعليم فإن نشاط المتعلم وفاعليته في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططها المتعلم وينفذها فهي بذلك تقدمه للمعرفة بدلاً من أن تقدم المعرفة له. وهذا سيؤدي إلى تحطيم التنظيم المنطقي للمادة العلمية،  فضلاً عن أنها لا تقدم للتلاميذ إلا المعلومات الجزئية والسطحية ذات الهدف النفعي مما يؤدي إلى ضعف المستوى العلمي للتلاميذ.

                        يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح والإستشارة وتنظيم ظروف الخبرة والإمكانات التي تساعد على تعلم الفرد. وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم وإمكاناته وإبداعاته لأنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية قدرة على بناء المتعلم وتعليمه.

                        -إن هذه النظرية ما هي إلا تعبير عن واقع المجتمع الأمريكي وتطوره الاقتصادي والاجتماعي في تطوره العلمي وتقدمه الصناعي، وهي محور القيم الحضارية والاجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح، ونمو الروح الفردية والنزعة العلمية والواقعية والنفعية معبرة عن ازدهار الرأسمالية وقوة البرجوازية.