مدخل عام
عمل الإنسان منذ وجوده على أن يتشارك مع بني جنسه من أجل أن يجعل حياته أكثر يسر وراحة؛ فقد كانت هذه الحياة مستمرة في التجدد والتغير، لذلك تأتي أهمية دراسة التغير في نفس درجة دراسة المجتمع نفسه، وهذه الأهمية الكبيرة للتغير الاجتماعي نلحظها في تتبعنا للموضوعات المتناولة في حقول العلوم الاجتماعية، إذ أن فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية يمر حتما بتفسير تغيرها من شكل لآخر أو من مرحلة لأخرى، ومن أجل ذلك جاءت محاور مقرر التغير الاجتماعي على النحو التالي:
1/ مفهوم التغير الاجتماعي.
مفاهيم مشابهة للتغير الاجتماعي: (التقدم، التطور، التحول، النمو، التنمية ...)
2/ عوامل التغير الاجتماعي.
أ- العوامل الفيزيقية.
ب- العوامل الديموغرافية.
ت- العوامل الاقتصادية.
ث- العوامل التكنولوجية.
ج- العوامل السياسية
ح- العوامل الفكرية والإيديولوجية.
3/ نظريات التغير الاجتماعي
أ- النظريات الحتمية.
ب- النظريات البنائية الوظيفية.
ت- نظرية الصراع.
ث- النظريات التطورية.
ج- النظرية التفاعلية.
4/ معوقات التغير الاجتماعي.
5/ أنماط التغير الاجتماعي (التطور، الانتشار، التمثل الثقافي، التحديث، التحضر...)
6/ مجالات التغير الاجتماعى (الأسرة، السكان، التعليم، الاقتصاد...)
إن الاهتمام بالتغيرات التي طرأت على المجتمعات قديم قدم التفكير الاجتماعي, فقد تناول فلاسفة الغرب والشرق في الجزء الاجتماعي من تفكيرهم التطورات والتحولات الاجتماعية, كما استمر الاهتمام بالكثير من القضايا التي تخص التغير الاجتماعي في عصر التنوير حتى وأنه لم يكن بالمفهوم الحالي, إن عملية التغير عملية مستمرة وشاملة فكل شيء يتغير ويتبدل ولا يبقى شيء على حاله، وعلى حد تعبير الفيلسوف اليوناني هيروقليطس فإن المرء لا يضع رجله في النهر مرتين لأن النهر يتغير بجريان الماء فيه بين وضع الرجل في المرة الأولى والثانية. إلا أننا في كثير من الأحيان ورغم إيماننا بأن التغير يمس كل الأشياء من حولنا نصف الكثير منها بالثبات والاستقرار([1]).
فالتغير الذي شهدته المجتمعات عبر التاريخ لم يقتصر على جانب دون الآخر؛ بل شمل كامل البناء الاجتماعي من علاقات ونظم وتعدى إلى أنماط الحياة المختلفة من حيث القيم والسلوك والعادات والتقاليد بالإضافة إلى كل العناصر الثقافية المادية والمعنوية الأخرى, ولأن عالم اليوم عالم التغيرات المتسارعة؛ عالم انهارت فيه القيم التقليدية وزالت فيه الثوابت بحجة حقوق الإنسان وحرياته وتحت وطأة تكنولوجيا الاتصال الحديثة المتواصلة, أصبحت قضية التغير من أهم القضايا التي استرعت اهتمام الكثير من العلماء والباحثين.
ولكن هذا التغير لم يكن بنفس الوتيرة والشكل والحجم في كل المجتمعات؛ إذ أن هناك مجتمعات بقيت على الهامش تتفرج على ما يحدث دون المساهمة الفعالة في ذلك, ولكي نكون أكثر دقة في التعبير فهذه المجتمعات تعاني من بطئ عملية التغير لتمسكها بثقافة محلية تقليدية تقف حائلا دون التقدم نحو الأمام؛ كما يؤكد الكثير من علماء الاجتماع على غرار أصحاب نظرية التحديث الوظيفية, مما أدى إلى حدوث فرق كبير في التطور الحضاري بينها وبين مجتمعات العالم المتقدم, إن اتساع الهوة بين مجتمعات الدول النامية والدول المتقدمة ومحاولة مجتمعات الدول النامية اللحاق بركب الدول المتطورة وتجاوز التخلف الذي تعيش فيه, أدى إلى ظهور مدارس واتجاهات قائمة بذاتها لتفسير واقع التخلف والتنمية في العالم الثالث.
أ/ تعريف التغير الاجتماعي:
لقد شكل موضوع التغير الاجتماعي جزء كبير من تراث علم الاجتماع في الفترة الحديثة والمعاصرة, ووضعت العديد من النظريات السوسيولوجية لتفسيره وتتبعه عبر مراحل مختلفة. والملاحظ أن هناك اختلاف كبير بين هذه النظريات حول تعريف التغير الاجتماعي تصل أحيانا إلى حد التضاد، ولم يكن الاختلاف حول طبيعة التغير بل كذلك حول العوامل المسببة له ونتائجه. ومرجع ذلك إلى ارتباط تلك النظريات والتفسيرات بالمعرفة الإمبريقية المتغيرة من مجتمع إلى آخر, أو أحيانا لأن هذه النظريات ترتبط في كثير من الأحيان بأيديولوجية الباحث وادعائه بأنها معرفة علمية محضة. كل هذه العوامل كانت السبب الرئيسي في إعاقة تفسير ظاهرة التغير الاجتماعي بالشكل اللازم؛ لذلك من الصعوبة بما كان وضع تعريف دقيق لظاهرة التغير الاجتماعي وذلك لتعقدها ولاختلاف مرجعيات أصحاب تعريفات التغير([2]).
في معجم العلوم الاجتماعية يعرف التغير الاجتماعي بأنه كل تبدل في بناء أو وظائف التنظيم الاجتماعي خلال فترة زمنية معينة, ويشمل ذلك كل تغير يقع في الناحية الاجتماعية كتركيب السكان من حيث السن, الجنس, النشاط، علاقاته الاجتماعية؛... أو في الناحية الثقافية - القيم والمعايير - التي تحدد وتؤثر في سلوكهم وأدوارهم في التنظيم الاجتماعي الذي ينتمون إليه([3]).
إن أول ظهور لمصطلح التغير الاجتماعي كان في الربع الأخير من القرن الثامن عشر في كتاب ثروة الأمم لآدم سميث ولكن دون أن يقصد به المفهوم المتداول الآن، ويرجع الفضل في انتشار هذا المصطلح للعالم الأمريكي أوجبرن الذي وضع كتاب سنة 1922 يحمل عنوان التغير الاجتماعي, والذي استطاع فيه أن يخلص عملية التغير الاجتماعي من كل ما لصق بها من صفات أطلقها كل من أهتم قبله بهذا الموضوع؛ إذ يؤكد أن عملية التغير الاجتماعي عملية يمكن أن تتجه إلى التقدم أو التأخر، كما تشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية, السياسية, الاقتصادية والثقافية. أي أن أوجبرن بهذا المصطلح استطاع أن يفسر كل تبدل في الحياة الاجتماعية دون أي تقييم([4]). ومن أهم الافتراضات التي طرحها في تفسير التغير الاجتماعي والثقافي فرض التخلف الثقافي, وملخصه أن الإنسان يتراكم لديه تراث ثقافي مادي والتغير الذي يحصل فيها يسبق التغير الذي يحدث في الثقافة اللامادية, وبالتالي فعدم مواكبة وتأقلم هذه الأخيرة مع الثقافة المادية يعني سوء التكيف وبالتالي التخلف الثقافي([5]).
اتفق مع تعريف أوجبرن البعض وعارضه آخرون، ولهذا ومنذ ظهور هذا المفهوم أول مرة والعلماء يقدمون تعريفات وتحليلات متعددة ومختلفة له. ويرجع تعدد التعريفات إلى تعدّد وجهات نظر العلماء، وتعقّد الظاهرة نفسها، بحيث سمحت لهؤلاء العلماء أن يركزوا اهتماماتهم إلى بعض أبعاد الظاهرة حسب اهتماماتهم.
فأنطوني سميث يرى في كتابه المميز عن التغير الاجتماعي أن دراسة ظاهرة التغير سواء كانت اجتماعية أو تاريخية تعتبر ظاهرة واسعة وكبيرة، ويذهب كل من جيرث ومليز إلى أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد، وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية، وقواعد الضبط الاجتماعي في مدة زمنية معينة, كما يتفق "جنزبرج" مع هذا الطرح، حيث يرى بأن التغير الاجتماعي هو كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الكلّ والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي، ولذلك فإن الأفراد يمارسون أدواراً اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن, إن التغير الاجتماعي وفق هذا النحو يصيب البناء الاجتماعي، ويأخذ فقط التغيرات التي تطرأ على سلوكيات الدور الاجتماعي للأفراد دونها تغيرات([6]).
أمّا روس فبدا له أن التغير الاجتماعي، ما هو إلا التعديلات التي تحدث في المعاني والقِيم، التي تنشر في المجتمع، أو بين بعض جماعاته الفرعية, ويعرفه ديفيز على أنه مجموعة الاختلافات التي تحدث داخل التنظيم الاجتماعي والتي تظهر على كل البناءات والنظم التي تحدث في المجتمع. أما العالم "بوتومور" فيعرف التغير الاجتماعي على أنه تغير يحدث في البناء الاجتماعي متضمنا التغيرات في حجم المجتمع أو في النظم الاجتماعية خاصة أو العلاقات بين هذه النظم، الذي يمكن أن يكون جزء من التغير الثقافي. في حين يذهب فرنسيس ألين إلى أن التغير الاجتماعي يتضمن تغيرات في أسلوب الأداء الوظيفي لهذه الأنساق خلال فترة زمنية معينة([7]).
ويمكن أن نلخص ما سبق في أن التغير الاجتماعي هو كل تحول يقع في مجتمع من المجتمعات في فترة زمنية محددة، ويصيب تركيبه أو بنيانه الطبقي أو نظمه الاجتماعية أو القيم أو المعايير السائدة أو أنماط السلوك أو نوع العلاقات السائدة، وقد يكون التغير ماديا يستهدف تغير الجوانب المادية والتكنولوجية والاقتصادية، وقد يكون التغير معنويا يستهدف تغير اتجاهات الناس وقيمهم وعاداتهم وسلوكهم([8]).
([1]) أنتوني جيدانز, علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص 105
([2]) حنان محمد عبد المجيد، التغير الاجتماعي في الفكر الإسلامي الحديث دراسة تحليلية نقدية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى، 2011, ص30-32