مخطط الموضوع

  • سوسيولوجيا الاخفاق المدرسي

    تعريف ظاهرة التعثر الدراسي

    التعريف الأول:   يمكن تعريف التعثر الدراسي بأولئك التلاميذ الذين يكون تحصيلهم الدراسي أقل من مستوى أقرانهم أو يكون مستواهم الدراسي أقل من نسبة ذكائهم.

    التعريف الثاني:   ينطلق هذا التعريف من كون التعثر الدراسي متعدد الأسباب، و أن المؤشر الذي يمكن أن يحدد لنا التعثر الدراسي هو التكرار و الرسوب  و يعتبر هذا التعريف من أبسط التعاريف للتعثر الدراسي.

    التعريف الثالث: ينطلق هذا التعريف من كون المنهاج مكون من مجموعة من الأهداف و الكفايات و أن وظيفة المدرسة تكمن في مساعدة المتعلمين على بلوغ تلك الأهداف مع مراعاة استعداداتهم و قدراتهم. أما التلاميذ الذين يعجزون عن تحقيق تلك الأهداف المسطرة فإنهم يعتبرون متخلفين دراسيا.

    مفهوم التسرب الدراسي

    التسرب هو الانقطاع النهائي عن المدرسة لسبب من الأسباب قبل نهاية السنة الأخيرة من المرحلة التعليمية التي سجل فيها التلميذ، و إذا أخدنا بعين الاعتبار بنية التعليم في أغلب الدول العربية، فإن التسرب في المرحلة الابتدائية مثلا هو انقطاع التلميذ عن الدراسة قبل إتمام السنوات الست للتعليم الابتدائي.

    و يختلف التسرب عن التعثر الدراسي في كون التلميذ المتسرب قد انقطع نهائيا عن الدراسة في حين أن المتعثر دراسيا مازال يتابع دراسته. و تكمن العلاقة بين التسرب و التعثر الدراسيين في كون الأول يأتي نتيجة للثاني.

    تعريف الفشل الدراسي

    لتعثر الدراسي حالة مؤقتة تكاد تكون عادية تصيب معظم التلاميذ، كما ينبغي التمييز بين الفشل و التعثر الدراسي ( أو ما يسمى بصعوبات التعلم خاصة النوع البسيط منها)،وهناك ستة عناصر أساسية في تعريف الفشل الدراسي  :

    أولا - من المعلوم أن السنوات الدراسية في جميع مراحل التعليم ، إما أن تنتهي بامتحان تقويمي نهائي ، أو تقسم السنة الواحدة إلى عدة فصول ( والفصل الواحد إلى اختبارات جزئية - فترية) ، ينتهي كل واحد منها بامتحان دوري ( فصلي) ، و عادة ما يتم اللجوء إلى الأسلوبين معا لتقويم التلاميذ ، كما هو الحال في العديد من الأنظمة التعليمية و منها نظام التعليم في سلطنة عمان . كما تختم في العادة أسلاك التعليم بامتحانات عامة و مقننة ( الاختبارات الموحدة ) تغطي مجموع المؤسسات التعليمية الرسمية و غير الرسمية في جميع الأقاليم ، مثل الاختبار الموحد الذي يتوج مرحلة التعليم الثانوي( امتحان الثانوية العامة أو البكالوريا ).

    ثانيا - الرسوب و يعني الإخفاق في اجتياز امتحان من الامتحانات و عدم التفوق فيها . و الرسوب لغويا هو السقوط و الانحطاط إلى أسفل ، فعندما نقول رسب التلميذ في الامتحان ، يعني ذلك أنه سقط إلى أسفل الدرجات ( العلامات ) المستعملة للضبط في جميع الامتحانات . على أن الرسوب قد يكون جزئيا أو كليا ، فإما أن يرسب التلميذ في مادة دراسية أو أكثر أو في امتحان جزئي ، دون أن يؤثر ذلك في معدله العام و الذي يحكم بواسطته عادة ، على ما إذا كان التلميذ قد نجح أم لا . أو أن يرسب في أغلب المواد ( المقررات) و في أغلب الامتحانات الجزئية و بالتالي لا يبلغ مجموع درجاته المعدل العام و في هذه الحالة يكون الرسوب كليا .

     ثالثا - يكون من نتائج الرسوب التكرار ، أي إعادة نفس الصف من طرف التلميذ لتحصيل نفس المستوى الذي حاول تحصيله بالفعل في السنة المنصرمة ، فيتخلف بالتالي هذا التلميذ دراسيا عن زملائه من الناجحين ، كما يتخلف عن المستوى التحصيلي الذي كان سيستفيد منه لولا رسوبه أولا و تكراره كنتيجة لذلك . و هكذا نرى مدى الارتباط الوثيق بين الرسوب و التخلف الدراسي ، و نحن نستعملهما هنا في نفس المعنى كما نستعملهما للدلالة على مفهوم آخر و هو الفشل الدراسي .

    رابعا - إن الرسوب قد ترافقه مشاعر نفسية و كذا مواقف اجتماعية سلبية ، و في هذه الحالة نستعمل كلمة فشل للتعبير عنه . إن مشاعر الحزن و القلق التي ترافق التلميذ الراسب و في المقابل مشاعر الفرح و الرضا التي تقترن عادة بالنجاح، تجعل من الرسوب حالة نفسية ــ اجتماعية خاصة ، هي حالة الفشل . ثم إن الرسوب كثيرا ما تستتبعه مواقف اجتماعية كالسخرية مثلا ، فيكون الرسوب عقابا معنويا قد يتبعه عقاب بدني، على "تهاون " التلميذ و خروجه عن قيمة اجتماعية ( أو معيار اجتماعي ) مهمة و هي النجاح و التفوق و واضح إذن ما يترتب عن الرسوب الدراسي من آثار نفسية و اجتماعية سيئة .

     خامسا- كما ينبغي التمييز بين الفشل و التعثر الدراسي ( أو ما يسمى بصعوبات التعلم خاصة النوع البسيط منها)، على أساس أن التعثر الدراسي حالة مؤقتة تكاد تكون عادية تصيب معظم التلاميذ إن لم نقل كلهم ، و تعني أنه أثناء التحصيل يجد التلميذ في مادة معينة و في موضوع ما ، صعوبة فهم و استيعاب ( مسألة أو فكرة أو معلومة) لسبب من الأسباب ، لكن و بمجهود إضافي ذاتي أو بتدخل من المدرس أو في إطار حصص الدعم أو بفضل جلسات الاستذكار و المراجعة في البيت ، يتدارك التلميذ المسألة و يواكب مجددا و يلحق بزملائه . لكن التعثر يمكن أن يتحول إلى رسوب و فشل إذا تكرر و تعمم و استوطن و إذا لم يتم تدارك الأمر في الوقت المناسب.

    سادسا- العنصر السادس في تعريف الفشل الدراسي ، يكمن في ضرورة التمييز بين التخلف (الفشل) الدراسي والتخلف العقلي . فإذا كنا لا نميز بين الفشل الدراسي والتخلف الدراسي ، على أساس أن هذا الأخير هو نتيجة من نتائج الرسوب والفشل ، فإننا نميز بينه وبين التخلف العقلي .ذلك أن التخلف الدراسي " هو تخلف أو انخفاض مستوى التحصيل لدى بعض التلاميذ عن المستوى المتوقع في اختبارات التحصيل ، أو عن مستوى أقرانهم العاديين الذين هم في مثل أعمارهم ومستوى فرقهم الدراسية" ؛ في حين أن التخلف العقلي هو حالة تأخر أو توقف أو عدم اكتمال النمو العقلي ، يولد بها الفرد أو تحدث في سن مبكرة ، نتيجة لعوامل وراثية أو مرضية أو بيئية ، تؤثر في الجهاز العصبي للفرد (خاصة الدماغ)، مما يؤدي إلى نقص الذكاء ، وتتضح آثارها في ضعف مستوى أداء الفرد في المجالات التي ترتبط بالنضج والتعليم والتوافق النفسي".

    • مظاهر وأسباب الإخفاق المدرسي

      1 ـ التسرب المدرسي:

      تعريف التسرب:

      ü                       التسرب هو الانقطاع عن المدرسة قبل إتمامها لأي سبب (باستثناء الوفاة) وعدم الالتحاق بأي مدرسة أخرى.
      إن الانقطاع المبكر عن الدراسة معضلة، وتشير ظاهرة التسرب المدرسي بمفهومها اللغوي إلى الامتناع والرفض والعزوف عن الدراسة في وقت ما يزال فيه التلميذ له الحق في متابعة تعليمه، ومن جهة أخرى العزوف الكلي أو عدم الالتحاق بالمؤسسة التعليمية لأسباب ذاتية أو موضوعية مرتبطة بالمستهدف/ التلميذ أو بمحيطه رغم إلحاح الإدارة على جلبه لإكمال تعليمه ومواكبة برامج وزارة التربية والتعليم ، ولا نقصد هنا بالانقطاع المبكر ذلك الفعل الجماعي أو الفردي الذي تعاني منه العديد من المؤسسات التعليمية والذي تكون الغاية منه الهروب المبكر من المدرسة وفي غير وقت قانوني ، فإن ظاهرة الانقطاع المبكر اشتدت واستفحلت مما يفرض طرح مجموعة من الأسئلة المشروعة: فهل الانقطاع ناتج عن ضعف الرغبة في التعلم؟

      ü                       .وإننا لا نقصد بالانقطاع المبكر الفشل الدراسي ((Echec scolaire) فكما هو معلوم فقد عرف موضوع الفشل الدراسي عدة تعريفات وتسميات نذكر منها: ـ التخلف الدراسي ـ المتخلف دراسيا ـ التخلف الناتج عن الانقطاع النهائي عن المدرسة لسبب من الأسباب، قبل نهاية السنة الأخيرة من المرحلة التعليمية التي سجل فيها التلميذ".

      ü                       والانقطاع الدراسي (Abondon scolaire) هو توقف متابعة الدراسة من طرف المتعلم، وقد يكون هذا التوقف قبل نهاية مرحلة من مراحل التعليم، وللتسرب أو الانقطاع الدراسي عدة أسباب وعوامل منها: ـ الانقطاع عن رغبة وطواعية أو الانقطاع لظروف أسرية أو الانقطاع بقرار من المؤسسة وسنركز بالأساس على نزعة التغيب المدرسي (Absentéisme scolaire) وهو ميل إلى التغيب الإرادي عن المدرسة والذي يرجع لأسباب اجتماعية أو نفسية أو إدارية

       

      الوقوف على أسباب هذه الظاهرة

      أسباب التسرب :هناك عوامل كثيرة تتسبب في انقطاع الطالب عن المدرسة وبعض هذه الأسباب متـداخلة إذ إنـه لا يمكن أن نجـزم بأن هـذا الطالب ترك المدرســة لسبب بعينه دون الأسباب أو المؤثرات الأخرى التي ساهمـت فـي انقطاعـه عــن المدرسـة.
      وقد ركــزت معظـم البحوث والدراسات خلال السنوات الماضية على الأسباب التاليــة : -


      أولاًالمنهج الدراسي:


      1- طول المنهج.
      2- كثرة المواد المقررة وصعوبتها.
      3- عدم ارتباط المنهج ببيئة الطالب.
      4- عدم تلبية احتياجات الطلاب ومراعاة ميولهم الشخصية.
      ثانياُ: طرق التدريس:


      1- عدم استعمال الوسائل التعليمية التي تجذب الطلاب.
      2- اقتصار بعض المعلمين على طريقة تدريس واحدة تفتقر لعنصر التشويق.
      3- يعتمد بعض المعلمين على طرق تدريس مملة لا تجذب الطلاب.
      4- عدم التزام بعض المعلمين بالخطة الدراسية.

      ثالثاً: المعلم:
      1- قلة خبرة بعض المعلمين.
      2- عدم مراعاة الفروق الفردية للطالب من قبل بعض المعلمين.
      3- عدم قدرة بعض المعلمين على فهم مشاكل الطلاب التعليمية والتعامل معها
      بطريقة صحيحة.
      4- استعمال الشدة على الطلاب من قبل بعض المعلمين مما يسبب بنفيرهم من
      الدراسة.

      رابعاً: الطالب الثانوى:
      1- بعض الطلاب قدراتهم محدودة.
      2- البعض من الطلاب ليس عنده الاستعداد للتعلم.
      3- عدم المبالاة بأعمال المدرسة وأنظمتها.
      4- الانشغال بأعمال أخرى خارج المدرسة.
      5- الرسوب المتكرر للطالب.
      6- كثرة المغريات في هذا العصر والتي تشد الطالب وتجذبه إليها.
      خامساً: المرشد الطلابي:
      1- عدم المتابعة الدقيقة من المرشد الطلابي.
      2- القصور في العمل الإرشادي والتوجيه.
      3- ضعف التنسيق بين المرشد الطلابي وإدارة المدرسة والمنزل.
      4- ضعف إعداد وتأهيل بعض المرشدين الطلابيين.


      وهناك جملة من الأسباب الأخرى لظاهرة التسرب المدرسي يمكن تقسيمها إلى أسباب داخلية ,أسباب خارجية .
      من الأسباب الداخلية :-


      ـ الجو المدرسي: أن الضعف في إدارة المدرسة قد يؤدي إلى استهتار الطالب ولعبه وعدم اهتمامه بمتابعة دروسه, كما أن رفاق السوء لهم تأثير واضح على سلوك الطالب داخل المدرسة مما يفوت عليه كثيرا من الدروس بالمدرسة, ويؤدي بالتالي إلى فشله. ناهيك عن ذاتية التعلم في الطالب نفسه, وضعف المدرس علميا وثقافيا وأخلاقيا, وعدم ملائمة المنهج والامتحانات وازدحام الصفوف , كل هذه العوامل تساعد على التسرب.

      2ـ نقص المعلومات: إن كثيرا من الأسر تمتنع عن تقديم معلومات دقيقة حول حالة الطالب وتصرفاته, مما يؤدي إلى ضعف تحصيله الدراسي وتكرار الرسوب ثم التسرب في النهاية.


      3ـ تعدد الزوجات: أن زواج الأب لأكثر من واحدة أحياناً يخلق خلافات عائلية, تؤدي إلى تفكك أسري والى عدم الاستقرار لدى الطالب, نتيجة تعاطف الأب مع البيت الأول أو البيت الثاني أو البيت الثالث, فيصبح الطالب مشتت الأفكار شارد الذهن, مما يؤدي إلى تسربه.

      ـ الطلاق: إن الطلاق له أثره السيئ والخطير في بنية المجتمع, وفي تشتيت الأبناء, وتشردهم النفسي بين الأبوين, و المنعكسات الخطيرة لهذا التشرد تؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي ثم التسرب.


      5ـ التقليد: إن ظاهرة التقليد خطيرة جداً, فكثير من الطلاب تركوا المقاعد الدراسية نتيجة الإهمال واللامبالاة, وانخرطوا في العمل دون وعي, مما أدى على المدى البعيد إلى تحريض زملائهم على التسرب من المدرسة ثم العمل معهم.

      6- الزواج من أجنبيات: تترتب على الزواج من أجنبيات آثار اجتماعية وثقافية مختلفة, منها تأثير ثقافة الأم على الطالب وتأثر الطالب بلغة الأم واعتماد لغتها في التحدث سواء في المنزل أو المدرسة أو الشارع, مما أفقده روح التعليم ومن ثم التسرب.


      الأسباب الخارجية لظاهرة التسرب:

      أما الأسباب التي تنتج عن عوامل خارجية, فيمكن اختصارها فيما يلي:


      1 ـ التقدم في المواصلات والاتصالات: إن هذا التقدم بلا شك يؤثر على نقل الثقافات من قريب أو بعيد, وبالتالي تشكل خطراً على النسق الثقافي والاجتماعي والقيمي في البلاد. فعلى سبيل المثال لا الحصر نظام (الإنترنت) يتم استخدامه من جانب الشباب بصورة خاطئة وخاصة المعلومات التي تشرد ذهن الطالب, مما يكون لديه روح نبذ وكره التعليم ثم التسرب.
      2- القنوات الفضائية: شهد مطلع التسعينات تزايداً في القنوات الفضائية التلفزيونية الدولية العابرة للحدود عبر الفضاء, وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد, وعلى هذا يشكل وصول هذه القنوات حدثاً اجتماعياً كبيراً قاد إلى تأثيرات واسعة النطاق على الأصعدة السياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية. وكان التسرب نتيجة تلك التأثيرات. تلك كانت بعض الأسباب الداخلية والخارجية التي أثرت وفرضت على شباب الدولة تسربهم من الدراسة, وخاصة في المرحلة الإعدادية.

      الآثار المترتبة والناجمة من ظاهرة التسرب المدرسي
      هناك العديد من الآثار السلبية التي تترتب على التسرب الدراسي, سواء بالنسبة للطالب المتسرب نفسه, أو بالنسبة إلى المجتمع ككل ومن هذه الآثار:
      1 ـ إن الطالب المتسرب أصبح ظاهرة بحكم الملاحظة في المرحلتين الأساسية أو الثانوية
      2 ـ إن الطالب المتسرب في هذه المرحلة هو شبه أمي وغالباً يكون نجاحه في الدور الثاني أو متكرر الرسوب, إذ إن تفكيره قد انصب على العمل, وبالذات العمل العسكري مثل الشرطة والجيش اللذين سرعان ما يهرب منهما.
      3 ـ إن أغلبية الطلبة المتسربين, يبقون بدون علم مدة طويلة, فيصبحون عبئا كبيراً على أسرهم وأقربائهم وأصدقائهم والمجتمع.
      4 ـ يفقد الطالب المتسرب كثيراً من الأمور مثل المستوى الصحي والعقلي والبدني.
      5ـ يتكون لدى الطالب المتسرب شعور عدم الانتماء وخاصة لوطنه, نتيجة الفشل المتكرر.
      6ـ يظل الطالب المتسرب على بعد تام من القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
      7ـ شعور الطالب المتسرب دائما بالقلق والانطواء والنقص والعجز والعزلة نتيجة الحرمان من أمور كثيرة.
      8ـ الشعور دائما بالتشاؤم من الحياة والارتياب في معظم أوقاتها.
      9ـ شعور الطالب المتسرب دائما بتزاحم الأفكار المزعجة والتردد الشاذ والتشكك.
      10ـ يتعرض الطالب المتسرب لكثير من الأمراض وخاصة فقر الدم. ولا بد من وضع برامج علاجية للحد من هذه المشكلة التي تهدد المجتمع في اعز ثرواته, الثروة البشرية,و لابد من اتخاذ إجراءات عملية, ووضع خطط منهجية لتلافي هذه المشكلة والوصول إلى حلول شافية لها.

      تحديد الآثار الناجمة عن هذه الظاهرة
      يعد التسرب المدرسي شكلاً من الإهدار وعائقاً أمام تحقيق النظام التعليمي لأهدافه وخاصة في البلدان النامية. وتبرز آثار تسرب الطلبة في زيادة كلفة التعليم من الناحية الاقتصادية نتيجة لانخفاض القدرات والقوى البشرية المدربة في سوق العمل التي تعتمد عليها الدولة في تغطية تكاليف ما تنفقه من أموال على قطاع التعليم وبذلك يصبح هناك عجزاً في القوى البشرية المدربة بالإضافة إلى العجز المادي.·

      • الرسوب المدرسي

        -1 تعريف الرسوب :

         1- الرسوب لغة : هو  السقوط  والغوص الى الأسفل

        2- الرسوب اصطلاحا : هو إخفاق التلميذ في  تحقيق النتائج للانتقال والارتقاء إلى المستوى  الأعلى ويبقى  في نفس المستوى مرة أخرى .

        وعرف أيضا بأنه  : سنة يقضيها  التلميذ في نفس القسم ويؤدي نفس العمل الذي أداه في السنة الماضية بالمدرسة .

        وعرف (Kendal) المعيدين أو الراسبين بأنهم: الطلاب الذين يبقون في الصف الدراسي أكثر من سنة.

        أسباب الرسوب :

        لا يمكن لنا أن نحصي أسباب الرسوب وأن نحصرها لأنها متعددة ومتشعبة وإن كان بعضها متشابها و مشتركا بين فئات التلاميذ في خطوطها العريضة إلا أن الكثير منها يختلف من تلميذ لآخر نظرا لاختلاف العوامل والظروف .

        والأسباب التي سنذكرها قد تنطبق كلها على حالة معينة نظرا لارتباطها وتفاعلها وقد ينطبق بعضها فقط على هذه الحالة  .

        وإذا علمنا أن أسباب التخلف والضعف في التحصيل الدراسي لا تخلو أن تكون وراثية أو راجعة للبيئة التي يعيش  فيها الطفل فإن أهمية دراسة مشكلات الطفولة  أساسا ترتبط بالتحصيل المدرسي ثم بتأثيرها على المدى البعيد بحياة  التلميذ مستقبلا ، ولهذا كان من الضروري أن يكون المعلم على دراية  واسعة بها حتى  يتسنى له  التعامل معها والتخفيف من آثارها .

        ويمكن تصنيفها الى العوامل التالية :

        v    عوامل ذاتية : ( ذهنية ، نفسية ، صحية )

        v    -عوامل أسرية : (ثقافية ، اقتصادية ، تعاملية ) 

        v    عوامل اجتماعية ( الحي،الشارع ...)

        v    عوامل  مدرسية

        هذه العوامل تكون سببا في ضعف التحصيل الدراسي لدى بعض التلاميذ خاصة السلوك المعارض أو التخلف  وهذا أكثر من السلوك الشاذ صعوبة في العلاج لأن  الطفل الصعب يتميز بكثرة الحركة والتقلب السريع ويصعب عليه الانسجام مع نظام المدرسة والاندماج في الدراسة فهو يحمل درجة عالية من المقاومة والنفور ، ميال الى ارتكاب المخالفات وعصيانه الأوامر والمشاكسة وحتى العراك والخصام وتجاهل طلبات المعلم والتغافل عن تنفيذ الواجبات  المنزلية وإهمالها....

        سبل علاج هذه الحالة :

        من الخطأ أن يلجأ المعلم الى وسائل الزجر والتوبيخ والتعنيف والعقاب وردعه عن ارتكاب مثل هذا السلوك لأن مثل هذه الأساليب في الغالب لاتأتي بالنتيجة المرجوة منها ، بل على العكس فهي تثبت المشكل وتعمقه باعتبار  أن مراقبة مثل هذا السلوك والانتباه إليه دون سواه ، وتتبع الحركات النابية هو في حد ذاته دعم لسلوكه (لأنه استطاع أن يلفت انتباه المعلم وينشغل به )، ومع أن العلاج ليس بالأمر إلهيين لكنه ممكن فالمعلم هنا أمام حالة  مرضية وأول خطوة يتخذها الطبيب  هي الكشف عن المريض ثم تشخيص دائه والتعرف على أسبابه لوصف العلاج المناسب وعلاج المعلم في هذه  الحالة هو الاحتكاك بالتلميذ والتقرب إليه أكثر وذلك عن طريق الملاطفة والليونة والمعاملة الحسنة والتنسيق مع أولياء أمره من أجل متابعته ومساعدته حتى يدرك أن المعلم يعمل لصالحه ويسعى جاهدا من أجل ضمان  نجاحه وتفوقه الدراسي فيجد التلميذ ما يؤنسه وبالتالي يسترجع ثقته بنفسه ويسهل التعامل معه .

        التلميذ المتخلف :

        ماهي مقاييس التلميذ المتخلف  ؟ وكيف يعرف  التلميذ بأنه متخلفا ؟

        يرى (back. ward) ( أن التلميذ المتخلف هو المقصر تقصيرا ملحوظا في تحصيله الدراسي بالنسبة للمستوى المنتظر  من طفل سوي في مثل عمره )

        أما (Burt) فيقول : ( إني أطلق كلمة  متخلف بمعناها الاصطلاحي على أولئك الذين لا  يستطيعون وهم في منتصف السنة الدراسية أن  يقوموا بالعمل المطلوب من الصف العملي الذي دونهم مباشرة )

        والتخلف الدراسي يكون على شكلين أساسيين :

        1-             التخلف العام  : هو الضعف الظاهر لدى التلميذ في جميع المواد الدراسية .

          2 -  التخلف الخاص : هو الضعف الظاهر لدى التلميذ في مادة أوعدد قليل من المواد فقط ويعود الضعف الدراسي إلى عوامل متعددة تتفاوت في قوتها وتأثيرها بين فئات المتخلفين دراسيا ومنها :

        1-2- أسباب الرسوب :

        1-2-أ – الأسباب الذاتية :

        التخلف العقلي ،ضعف الجهاز العصبي ،ضعف أو عجز في أجهزة  الكلام والنطق ،الخوف ، عدم الثقة بالنفس ....... لاشك أن ضعف قدرات التلميذ العقلية هي  القاعدة الأولى في التخلف الدراسي وأن  الترابط الكبير بين الضعف والذكاء والتخلف الدراسي يظهر في حالات التخلف العام لكن  مثل هذا الترابط قد يكون بالنسبة للمتخلف الخاص والنقص العقلي يعتبر أساسيا في مشكل النطق والكلام لوجود علاقة سلبية بين الضعف العقلي والتأخر في الكلام وتكون مشكلة النطق والكلام سببا في الخوف وعدم الثقة لأن الطفل في هذه الحالة لا يتجرأ أن يسأل الزيادة من الفهم أو التوضيح لعدم ثقته من ناحية ولخوفه من انتقاد زملائه له وسخريتهم من كلامه من ناحية أخرى.

        والخوف قد يكون لدى الطفل قبل دخوله المدرسة لأخذه صورة مرعبة ومريعة ووهمية عن  المدرس والمدرسة مسبقا بسبب تمويه الأسرة وتهديده بها.

        والخوف وعدم الثقة بالنفس قد يتولدان بسبب المغالاة في صد الطفل وقهره والوقوف في طريق تحقيق رغباته وإشباع حاجاته ، ولخوفه من العقاب أو الانتقاد الشديد الذي يكبت مشاعره مما يجعله مترددا بليدا غير واثق في نفسه 

        وهذا الكبت يولد له القلق نتيجة الصراع بين رغباته وعدم إشباعها مما يكون له تأثير سيء على جهازه العصبي يؤدي الى توتره المستمر كما أن بعض الأمراض يكون لها أثرها السيء على السمع والنطق ولاشك أنه اتضح لنا مدى ترابط وتكامل هذه العوامل الذاتية ببعضها .

        -2-ب- الأسباب العائلية:

        إن حال الأسرة المتدني والتي  تعاني من الفقر والعوز يجعلها عاجزة عن إشباع رغبات طفلها ،بل عاجزة عن تلبية أبسط رغباته كتوفير مستلزمات الدراسة ومتطلبات التحصيل ،وفي هذه الحالة لا يمكن للتلميذ أن يحقق أي تحسن أو أن يحرز أي تقدم ،اللهم إلا في  حالات قليلة جدا وأنى يكون له  ذلك وهو لا يملك أدنى أداة كالقلم أو الكراسة  أو الكتاب وإذا تصورنا حالته النفسية وهو شعوره بالغبن والإهانة والدونية إضافة إلى الاحتياج ويكون وقع التأثير أكثر  وأعمق إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيرا والمسكن ضيقا ، وغير مناسب وملائم للدراسة والتحصيل ، والأدهى والأمر إذا كان المسكن منعدما مما  يجبر الأسرة على الكراء أو التنقل بين الأهل والأقارب .

           وعلى العكس من هذا فإن تدليل  الطفل الزائد والخضوع لكل مطالبه بدون توجيه أو رقابة ، والقيام بالأعمال والواجبات المدرسية نيابة عنه ، أنانيا إتكاليا غير قادر على القيام  بوظائفه بنفسه.

        • التفرقة والتمييز بين  الأبناء وعدم المساواة بينهم مؤداه الكره والبغضاء بين الإخوة مع السخط والتمرد والخروج عن الطاعة .
        • عدم  استقرار الوالدين على  أسلوب معين من المعاملة " أي التذبذب بين التساهل في العقاب أو القسوة الزائدة  "كل مثل هذه العوامل والمعاملات لها تأثير سلبي على التحصيل المدرسي  للطفل.

         1-2- - الأسباب المدرسية :

        إن العوامل المدرسية قد تكون لها علاقة بسابقتها وقد تظهر عوامل أخرى جديدة في المدرسة وتعود أساسا إلى المعاملة في هذه المؤسسة التربوية :

        • فالمعلم الذي لا يعلم شيئا عن سيكولوجية التلاميذ ولا  يحسن معاملتهم ولا يساعدهم على حل مشاكلهم والخروج منها من  شأنه أن يزهد التلاميذ في الدراسة والتعليم ويعزفون عنهما .
        • كما أن  المعلم الذي يستعمل التمييز والتفرقة بين التلاميذ ولا يجازيهم حسب أعمالهم وجهودهم بسبب الحقد والكراهية في أوساط التلاميذ مما يجعل المهمشين منهم يشعرون بالإهمال والإقصاء ويركنون إلى الجمود والخمول لأنهم لم يجدوا الدعم والعناية.
        • وهناك عوامل تتعلق بالبرامج وكثافتها والمناهج وكيفيتها والامتحانات وصياغاتها ومضامينها والتقويم وأسسه والتقييم وأساليبه ودقته كل هذه العوامل تؤثر سلبيا على تحصيل التلميذ الدراسي ومردوده العلمي إذا لم تراعى فيها القدرات العقلية والنفسية والجسمية للتلاميذ ،وتعبر عن وجدانهم وتتماشى مع عواطفهم ومشاعرهم .
        • وقد تكون المدرسة  بعيدة عن  مقر مسكن التلميذ مما يتعبه ويرهقه وكذلك صعوبة  التنقل إليها مما يؤثر كل ذلك على تحصيله الدراسي ،وحتى المبنى المدرسي قد لا يكون لائقا ولا  تتوفر فيه أوصاف المبنى الحديث  للمدرسة المعاصرة التي  توافق وتتلاءم مع نفسيات التلاميذ.
        • وحتى توزيع التلاميذ في القسم من حيث الذكاء والاجتهاد تجعل المعلم في غالب الأحيان والأوقات يتعامل مع الفئات الذكية والأكثر نشاطا ، ويهمل الفئة الباقية مما  يسبب لها القلق وعدم الشعور بالذات ، وعدم الاطمئنان فتلجأ إلى الانزواء والركون لأن الجو غير مناسب لها وكذلك الأمر  بالنسبة لاختلاف السن والجسم ، فالتلميذ الأكبر سنا وجثة والكامل النمو ،عادة ما يعبر عن  نفسه ويلقى اهتمام المعلم  على عكس زميله الأقل  سنا والأضعف جسما الذي لا  يملك الفرص عن التعبير عن نفسه ، وتكوين علاقة اجتماعية سليمة لشعوره بالنقص .

        1-2-د- الأسباب الاجتماعية :

        كما يقال المرء ابن بيئته فإذا كان  التلميذ يعيش في بيئة اجتماعية سيئة فلا شك أنها تؤثر تأثيرا سلبيا على مستواه الدراسي ،وكذلك جماعة رفاق السوء والأطفال المتشردين والأشقياء المهملين في حيه  أو في الشارع مثلا أو في أماكن اللهو واللعب فإنه يسلك سلوكهم وتنقل العدوى إليه .

        • كما أن نظرة التلميذ الدونية للمدرسة والتعليم بسبب ذهاب هيبتهما ومكانتهما التربوية  والعلمية لانتقاد المجتمع لها وتقزيم دورها في  مجالات الحياة .
        • كذلك الحال بالنسبة للتقليل من قيمة وشأن  المعلمين بصفة خاصة ،وإهدار كرامتهم وحقوقهم ، وطبقة المثقفين ذوي المستويات العالية والشهادات الرفيعة بصفة عامة ، وحالة التهميش والإقصاء والبطالة  التي يعانون منها
        • كل هذه الأسباب وغيرها من العوامل والمعاملات لها تأثيرها  السلبي على التحصيل الدراسي للطفل وتجعله لا يبالي بالعلم والتعليم ولا  يحترم المدرسة  والمعلم .
        • الهدر التربوي

          يتمثل الهدر التربوي في عجز النظام التعليمي عن الاحتفاظ بكافة الطلبة الذين يلتحقون به واستيعابهم لإتمام دراستهم من جهة(التسرب)، وعجزه عن إيصال عدد كبير منهم إلى المستويات التعليمية المرجوة لهم ضمن المدة المحددة(الرسوب). والانتقال بيسر بين صفوف المرحلة التعليمية التي التحقوا بها. إن طرق قياس الهدر التربوي تختلف بحسب طبيعة كل دراسة. ويرتبط  بالهدر التربوي عدة مفاهيم من مثل: -

          أ-الكفاءة التعليمية يقصد بها الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل جهد ومال في أسرع وقت، أي الحصول على أكبر قدر من المخرجات التعليمية باستخدام أدنى حد من المدخلات. ويمكن تحديد معنى آخر هو، نسبة المخرجات إلى المدخلات". وعرّف كومبز الكفاية التعليمية على أنها الفوائد النهائية القصوى التي يحصل عليها التلاميذ والمجتمع من الاستثمارات التعليمية المبكرة". وللكفاءة أربعة جوانب هي: كفاءة داخلية، وكفاءة خارجية، وكفاءة كمية، وكفاءة نوعية. ويمكن الاشارة إلى أن الكفاءة التعليمية تتحقق بتخريج أكبر قدر من المخرجات باستخدام أقل قدر من المدخلات. ويكون الاهدار التربوي أقل ما يمكن حينما تكون معدلات الكفاءة التعليمية أكبر ما يمكن ، وما يحقق ذلك هو عندما تكون نسب الرسوب والتسرب قريبة من الصفر أو تكاد تكون معدومة.

          ب- الرسوب والتسرب: هناك علاقة ارتباطيه بين الهدر التربوي والرسوب والتسرب. والرسوب يعني (الإعادة) وعدم ترفيع الطالب للمرحلة التالية. أما التسرب فهو ترك المدرسة قبل مرور فترة الدراسة المقررة.


          أسباب الهدر التربوي:

          أ‌-        الرسوب: ترجع ظاهرة الرسوب إلى عدة عوامل ، من أهمها: ضعف التوجيه التعليمي للطلبة، وقصور نظام الامتحانات حيث يُركز على قياس قدرة الطلبة على الحفظ أكثر من قدرتهم على الفهم والاستيعاب ، كذلك افتقار بعض المناهج إلى عنصر التشويق ، وندرة استخدام طرق التدريس الحديثة، وضعف بعض الطلبة في الدراسة والتحصيل ، وضعف الصلة بين الأسرة والمدرسة، واستخدام معلمين غير مؤهلين لمسؤولية التدريس. 

          ب-التسرب: إن أسباب التسرب معقدة ومترابطة فهي قد ترجع إلى النظام التربوي ، أو لظروف اجتماعية واقتصادية ومناخ تعليمي سيء ومؤثرات أخرى مثل أسباب ترجع إلى التلميذ نفسه أو إلى أولياء الأمور، أو البيئة المحيطة والمجتمع. ويمكن ادراجها في أربعة أسباب هي:

          أسباب تربوية ومن أهم أسبابها ما يأتي:

          • ضعف الصلة بين عناصر المنهج وحاجات البيئات التي فيها المدرسة،
          •  ضعف كفاية المعلم،
          •  الاعتماد على أساليب التقويم القائمة على الامتحانات التقليدية،
          • قصور الامكانات التربوية من مبان وتجهيزات وفرص للنشاط الرياضي.

          أسباب ثقافية واجتماعية- وأسباب اقتصادية وأسباب طارئـــة مثل الحروب والتهجــير. عوامل الرسوب والتسرب في البيئة ترجع لأسباب تتعلق بالطالب، المدرسة، الأسرة، والمجتمع ،وهى كما يلي:

          اولاً: أسباب شخصية تتعلق بالطالب وهى:

           

          • سوء الحالة الصحية.
          • صعوبة استيعاب بعض المواد الدراسية.
          • الغياب المتكرر.
          • الانشغال أغلب الوقت في اللعب مع الرفاق على حساب المذاكرة.
          • انخفاض مستوى الطموح لدى الطلبة.
          • عدم شعور الطالب أو الطالبة بالأمن والاستقرار في المنزل.
          • رغبة الطالب وخاصة في المرحلة الثانوية في الكسب والاستقلال المادي المبكر.

           

          ثانياً: أسباب مدرسية:

          ازدحام الخطة الدراسية وكثرة المقررات المدرسية وعدم ملائمة بعضها لاحتياجات البيئة ومتطلباتها ولميول بعض الطلاب.

          • عدم مراعاة الفروق الفردية في المناهج المدرسية.
          • كثرة عدد الطلاب في الفصل الواحد.
          • قصور في طرق وأساليب التدريس وفي استخدام التقنيات التربوية.
          • عدم مرونة نظام وأساليب الامتحانات.
          • نقص كفاية بعض المدرسين، وضعف شخصية بعض المدرسين.
          • ضعف العلاقة بين المدرسة والبيت.
          • نقص التوجيه والارشاد في المدرسة وعدم الاهتمام الفعلي بمواظبة الطلاب.

           

          ثالثاً: أسباب أسرية:

           

          • عدم شعور بعض أولياء الأمور بالمسؤولية لمستقبل أبنائهم، (وبخاصة البنات).
          • تفكك الأسرة (نتيجة الطلاق، تعدد الزوجات..) والمشاجرات المستمرة بين الأبوين.
          • المشاجرة بين الأخوة والأخوات.
          • ضعف المستوى الثقافي للأسرة.
          • انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة.
          • طموح بعض أولياء الأمور الزائد عن قدرات أبنائهم.
          • رغبة بعض آباء طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية في الزواج المبكر لأبنائهم وبناتهم.

           

          رابعاً:أسباب اجتماعية:

           

          • اتجاهات بعض أفراد المجتمع السلبي نحو أهمية التعليم.
          • قصور الأجهزة الإعلامية في التوعية بأهمية التعليم وخاصة بالنسبة للفتيات.
          • ·                      ارتفاع مستوى المعيشة وحصول الطلبة على ما يريدون امتلاكه مما يقلل من فائدة التعليم وقيمته.
          • دراسة ظاهرة التعثر المدرسي

            سباب الظاهرة

            أسـبـاب ذاتــيــة

            و هي التي لها علاقة بالتلميذ نفسه، كضعف الذكاء أو ضعف الصحة الجسمية،  بما في ذلك قصر في الحواس أو التعرض لبعض الأمراض المؤقتة أو المزمنة إضافة إلى علاقة التعثر الدراسي بالصحة النفسية للتلميذ، و قد سبق أن تحدثنا عن الأسباب الذاتية في معرض حديثنا عن صعوبات التعلم.

            عدم ملاءمة المناهج الدراسية: يتفق جل الفاعلين في الحقل التربوي من أساتذة و مؤطرين تربويين و مربين على أن المناهج الدراسية بشكلها الحالي لا تمت للواقع بصلة و لا تحترم الفروق الفردية بين المتعلمين و كذلك الفروق الاجتماعية و السوسيوثقافية كالاختلاف بين تلاميذ الوسط القروي و تلاميذ الوسط الحضري ، مما يكرس ظاهرة التعثر الدراسي و يزيد من حدتها. كما أن كثرة المواد الدراسية و عدم ملاءمة المدة الزمنية المخصصة لها مع حيز الإنجاز الواقعي يرغم المدرس على المرور على هذه المواد مرور الكرام حرصا على التنظيم الزمني، مما يضيع على المتعلمين فرصة التعلم، خصوصا منهم الذين يشكون من ضعف في التحصيل. وعند دراسة تقييم الأساتذة للمواد التي تعرف صعوبة في التعلم نجد إجماعا حول اللغات الأجنبية، حيث أن جل المستجوبين أجمعوا على النقاط التالية

            ü                       صعوبة النطق باللغة الأجنبية لاختلافها عن اللغة الأم.

            ü                       ضعف الوقت المخصص للمادة و كثرة المواد الفرعية المكونة لها.

            ü                       اتسام المادة بالتجريد مما يتناقض مع خصائص المرحلة العمرية لتلاميذ الابتدائي.

            ü                       انعدام الوسائل الديداكتيكية الكفيلة بتدليل الصعوبات كالأشرطة السمعية البصرية و الصور المناسبة للمناهج الجديدة.

            الأســبــاب الأســـريـــة :

            ý                      أميون الابوين أي لم يسبق لهم أن تلقوا تعليما من قبل، باستثناء دروس محو الأمية التي لم ترق بعد للمستوى الذي يؤهلهم لتتبع أبنائهم؛.

            ý                      الأكبر سنا لا يلتحقون بالمستوى الثانوي الإعدادي حيث تنقطع الفتيات عن الدراسة لبعد الإعدادية (المرحلة المتوسطة) أو لانعدام الجدوى من متابعة الدراسة في نظر بعض الآباء، حيث أن تعلم القراءة و الكتابة كاف في نظرهم .

             أما بالنسبة للذكور :

            ý                      فإن عدم القدرة على مواكبة المستوى الدراسي بالإعدادي .

            ý                      و ضعف الحالة المادية للأسرة و الرغبة في ولوج سوق الشغل مبكرا تجاوبا مع المتغيرات السيكولوجية الأولى في شخصية المراهق، تبقى من أهم الأسباب التي تعرقل إتمامهم للدراسة الإعدادية.

             ينضاف إلى هذه الأسباب التي ذكرناها:

            ý                      انعدام التتبع الأسري حيث أن علاقته بالدراسة تنقطع بمجرد انتهاء الحصة الدراسية لتستأنف عند ولوجه للفصل الدراسي في الحصة الموالية؛

            ý                      وترجع أسباب هذه الظاهرة المرضية إلى أمية الآباء و تساهل الأمهات مع الأبناء في ظل الغياب الطويل للآباء و الذي يدوم شهورا متعددة بحكم طبيعة عملهم .

            علاقة التعثر الدراسي بنظام التقويم

            إن النظام الحالي للتقويم يظلم التلميذ أكثر مما ينصفه و الحقيقة أن الامتحانات في أغلب أنظمة التعليم العربية تتخذ صيغة مباراة وليس  صيغة التقويم الحقيقي حيث يفرض عدد المقاعد المتوفرة بالمستوى المقبل تطبيق نظام الكوطا في تحديد عدد الناجحين وكذا في تحديد معدل النجاح الذي يكون في بعض الأحيان أقل من المتوسط. و أمام هذا الواقع الذي لا يخدم مصلحة المجتمع، يبقى التساؤل مشروعا حول مستقبل هذا المتعلم الذي التحق بالمستوى الأعلى في ظل هذه الشروط التي تغذي التعثر الدراسي.

            علاقة الظاهرة بالمدرسين

            أثبتت استطلاعات الرأي أن جل المدرسين لم يختاروا مهنة التدريس عن اقتناع و حب ممارسة، و إنما لكونها أقصر الطرق إلى التوظيف، و لعدم وجود خيارات أخرى. إن هذه الدراسة تجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول مستقبل مجتمع وضع أمانة تعليم و تربية أبنائه على عاتق أناس تقلدوا هذه المسؤولية هربا من شبح البطالة. و إذا أضفنا لهذا الخلل البنيوي في التوجيه حقيقة الظروف الصعبة للممارسة وانعدام الحوافز المادية و المعنوية و المكانة الاجتماعية للمدرسين التي ما فتئت تنحط يوما بعد يوم… تتضح لدينا الرؤية حول أسباب ظاهرة التعثر الدراسي و الهدر المدرسي التي وصلت لنسب مخيفة في الوطن العربي.

            أسباب أخرى

            إضافة إلى المعيقات السابقة التي تعاني منها مدارسنا، نذكر العوامل التالية :

            • ظاهرة الإكتضاض بالوسط الحضري، حيث يصل عدد التلاميذ ببعض الفصول إلى 50 تلميذا.
            • انتشار الأقسام المشتركة في الوسط القروي (المغرب مثلا) وما لهذه الظاهرة من أثر سلبي على تحصيل المتعلمين.
            • قلة الوسائل التعليمية وعدم ملاءمة المتوفر منها للمناهج الجديدة.
            • عدم مواكبة المدارس للتطور التكنولوجي المستمر للمحيط، وعدم استفادتها من التقنيات الحديثة في التدريس في غياب الربط بالكهرباء و الإنترنيت في الأوساط القروية، بل و حتى الحضرية أحيانا.
            • انعدام التكوين المستمر للمدرسين وتدبدب المدرسين بين مختلف الطرائق و البيداغوجيات.
            • عدم استقرار المدرسين بالعالم القروي  و بعد عملهم عن مقر سكناهم و قلة المواصلات مما يؤثر سلبا على مردوديتهم.
            • بعد المدرسة عن البيت بالنسبة للتلاميذ وعدم فعالية نظام الإطعام المدرسي.

             

            • سوسيولوجيا الفشل الدراسي

              ý      الفشل المدرسي هو نتاج عوامل ذاتية ترتبط بالفرد وبنيته النفسية وعدم قدرته على التفاعل مع ما تقدمه المدرسة؟

              ý      أم هو نتاج عملية معقدة يصعب الحسم في أمر علتها ويصعب إرجاعها إلى عوامل محددة، بما هي ظاهرة إنسانية؟

              ý      وما هي المقاربات الكفيلة بالوقوف على بعض جوانب الظاهرة؟ وكيف يشكل فهم الفشل الدراسي محطة مركزية في فهم الفشل الاجتماعي والمهني؟

              تلك بعض الأسئلة التي سنحاول مقاربتها اعتماداً على تصور تمهيدي، قوامه أن الفشل الدراسي باعتباره ظاهرة تربوية إنسانية معقدة، لا يمكن القبض على جميع جوانبها في غياب مقاربة تكاملية، تأخذ بعين الاعتبار مختلف التخصصات، لأن أي مقاربة أحادية البعد لا يمكن إلا أن تحكم على نفسها بالقصور.

               


              المقاربات السوسيولوجية حول الاخلاق المدرسي:

              دشن كتاب الورثة لصاحبيه بورديو وباسرون مرحلة جديدة في الأبحاث المتعلقة بالأنظمة التعليمية، فلقد أعاد النظر في المقاربات السائدة آنذاك، والمرتكزة على فهم النظام التربوي من الخارج، حيث أصبحت إشكاليات المدرسة من قبيل عدم تكافؤ الفرص، ومحتوى البرامج، واللغة المستعملة، والعلاقات التربوية، إشكاليات داخلية، وأصبحت بالتالي الأسئلة من مثل ما الميكانيزمات المتحكمة في عدم تكافؤ الفرص وغيرها تجد لها أجوبة في دراسة الميكانيزمات الداخلية للنظام التربوي في أبعاده العلائقية.


              1. أطروحة إعادة الإنتاج

              تعمل المدرسة حسب بورديو و باسرون وفق تقسيم المجتمع إلى طبقات، وهي بذلك تكرس وتعيد وتحافظ على الوضع القائم الذي أنتجها، يقول:  "كل فعل بيداغوجي هو موضوعياً عنف رمزي، ومنذ البداية أي قبل ولوجهم(الأطفال) المدرسة غير متساويين أمام المدرسة والثقافة؛ أي غير متساويين في الرأسمال الرمزي، باعتباره تلك المهارات اللغوية والقيمية التي تسهل عملية التلاؤم والتواصل التربوي". ويؤدي هذا الوضع إلى إعادة الإنتاج من خلال سعي المدرسة إلى الحفاظ على وظيفتها في إعادة إنتاج المعايير الثقافية واللغوية، وهي حسب بورديو دائماً معايير الطبقة السائدة، إنها أقرب إلى لغة المسيطرين.

               ومن أجل توضيح ذلك، عمد بورديو إلى نحت معجم مفاهيمي جديد يمكن تلخيصه إلى جانب الرأسمال الرمزي في الايتوسوالأبيتوس؛ ويعني الأول ذلك النظام القمعي المستبطن بعمق، الذي يشتغل لصالح الطبقات المسيطرة، ما يفرز الأبيتوس كتهيؤ ذهني واستعداد داخلي لدى الأفراد لقبول السيطرة، وهو ما يسعى النظام التربوي إلى ضمانه من خلال تعسف ثقافي يعيشه طفل الطبقات الدنيا، حسب بورديو، بفعل ما تفرضه ثقافة المدرسة من عزلة، فيما يستفيد طفل المسيطرين من الاستمرارية والتكامل بين ثقافته وثقافة المدرسة، ما يسهل للثاني عملية التوافق، ويحرم طفل الطبقات الدنيا من ذلك ليحكم عليه بالاغتراب والانفصال عن ما تقدمه المدرسة من منتوج. كما يؤدي في الوقت نفسه إلى اغترابهم عن الطبيعة وعن ذواتهم، وذلك بفعل اشتغال النظام التربوي خارج الإطار المرجعي الثقافي لطفل الطبقات الدنيا، فيصبح ما تروجه المدرسة شيئاً خارجياً عن الطفل، وليس جزءاً من طبيعته، ما يولد لديه شعوراً بالبؤس وعدم الرضا والفشل المسبق. فطفل الطبقة الدنيا يعيش قطيعة وتناقضاً بين ثقافته وثقافة المدرسة، ومن ثمة فإن توافقه يغدو، حسب (perrenoud)، معقداً ما دام التوافق مشروطاً بعمليتي الانحلال من الثقاف (déculturation)، ثم ثانياً بعملية المثاقفة .(acculturation).

              تحصر أطروحة بورديو الأهداف الضمنية للمدرسة في خدمة الطبقة المسيطرة، ومن ثمة فإن النجاح المدرسي يكون من نصيب هذه الأخيرة، في حين أن الفشل الدراسي الناتج عن انعدام التكامل بين المدرسة والطبقة الدنيا يكون من نصيب أبنائه.

               

              2اتجاه العائق السوسيوثقافي

              يعتبر الوسط الأسري عاملاً أساسياً ومسؤولاً عن التوافق الدراسي للطفل، ويقوم هذا الاتجاه على اعتبار أساسه: إن الوسط الأسري المنخفض وسط جاف ومحبط ولا يساعد على النمو، وبالتالي يؤدي إلى معوقات، في حين أن المنحدرين من أوساط محظوظة يستفيدون من هذا العامل، ويعزو هذا الاتجاه اللامساواة والفشل الدراسي إلى أسباب خارجية عن المؤسسة المدرسية.

              يقول بيرنو: "نعرف جيداً أن كل المتعلمين ينحدرون من ثقافة هي ثقافة أسرهم وأحيائهم، ومجموعات الانتماء وكذا الطبقات الاجتماعية، إنهم كل حسب انتمائهم، ورثة، غير أن السوق المدرسي (le marché scolaire) يجعل من بعض الإرث يزن ذهباً، في حين يشكل إرث آخر عملة رخيصة. إن الأطفال الذين نموا بين الكتب وفي خضم نقاشات ثقافية لا يحسون بالاغتراب عندما يلجون المدرسة، وهم ليسوا مغتربين، إلا من الأشكال الخاصة للفعل التربوي، وللعلاقات التربوية. أما أولئك الذين ترعرعوا في مساحات جرداء وأمام تلفزيون تفصلهم عنه مسافات، فإنه عليهم قطع مسافات طويلة ما دام لا شيء يتحدث إليهم لا الأشياء ولا الأشخاص ولا الأنشطة".

              يلتقي إذن بيرنو مع بورديو في اعتبار الثقافة المكتسبة في الوسط الأسري محدداً لتوافق الطفل مع محيطه المدرسي الجديد أو عدم توافقه، كما أن الثقافة المدرسية تحدد نوع المكانة الاجتماعية التي يشغلها الفرد، ما يفرز نوعاً من العلاقة المتبادلة بين المدرسة والولوج إلى عالم الشغل. وفي هذا الصدد، يقول ميشيل لوبرو: "إن المستوى الاجتماعي للآباء يحدد بدوره المستوى المدرسي والثقافي للأبناء، وهذا الأخير يحدد بدوره المستوى الاجتماعي لهؤلاء أنفسهم: إن الثعبان يعض ذيله".


              3. اتجاه الاختلاف أو الثقافوية النسبية:

              إن اختلاف الإرث الثقافي بين الفئات الاجتماعية لا يعني أن ما يوجد في الثقافة الشعبية هو عائق، بل إن المدرسة لا تقبله ولا تتعامل معه مفضلة إرث الطبقات الوسطى.

              وقد أوضح بيرتلو بـ"أن العائق الثقافي ليس سوى الوجه الآخر لما يسميه بورديو بالإرث الثقافي، لكن كيف تؤثر ثقافة المدرسة النخبوية في إنتاج الفشل الدراسي؟".

              يعرف علماء الاجتماع ثقافة النخبة باعتبارها "ثقافة الأشخاص الأكثر تعلماً، إنها ثقافة تنبع من أمهات الكتب التي تؤسس في الأطفال التقليد الثقافي للطبقات الراقية، من قبيل زيارة المسارح، والتردد على المكتبات، وغيرها من الأنشطة".

                    إن الثقافة بهذا المعنى فعالية إنسانية لا تنفصل عن شروط إنتاجها، ومن ثمة فإن النخبة ليست سوى ثقافة ضمن ثقافات أخرى، وهو ما يطرح إشكالاً معقداً بخصوص إمكانية وضع حدود فاصلة بين الثقافات. إن الأمر صار صعباً على خلاف الماضي، فقد كان بالإمكان وضع حدود فاصلة بين الثقافات، وبالتالي تحديد هذه الثقافة بكونها زراعية أو عمالية أو بدوية، أما الآن، فإن وسائل الإعلام أحرقت الأوراق وأنهت الحدود الفاصلة".


              4. اتجاه النموذج النسقي التركيبي

              إذا كانت مقاربة إعادة الإنتاج بمختلف تياراتها عمدت إلى دراسة المدرسة باعتبارها علبة سوداء حسب تعبير (Foquin) التي من خلالها تتم إعادة الإنتاج الاجتماعي واستمرارية الثقافة المسيطرة، فإن منظري الحراك الاجتماعي اقتصروا على دراسة المدرسة من الخارج، محاولين الحد من حماس الخطاب الأيديولوجي والسياسي الذي ساد خلال السبعينيات و الثمانينيات.

              و هكذا يصبح الفشل الدراسي وعدم تكافؤ الفرص الاجتماعية "نتيجة مجموعة معقدة من المحددات التي لا يمكن تصورها منعزلة بعضها عن البعض، وإنما يجب التعامل معها كمجموعة تشكل نسقاً".

              يقدم رايمون بودون نموذجاً لهذه المقاربة، حيث انطلق من معطيات عديدة حصرها في شكل من البناء العلائقي يتمتع بدرجة مقبولة من العمومية ويستجيب لمعايير التكميم والبساطة، وبنى عليها نموذجاً مركباً للعمل على صيغة فرضيات بسيطة على الشكل التالي: المنشأ العائلي, ومستوى الدراسة، والوضع الاجتماعي.

              وانطلاقاً من علاقة العناصر الثلاثة، قدم نموذجاً لمسارات التمدرس، والتراتبية الاجتماعية، فعدم تكافؤ الفرص، حسب بودون، تنجم بالضرورة عن التقاء نسقين: نسق المواقع الاجتماعية ونسق المسارات الدراسية، ليخلص إلى أن اللامساواة إذا كانت ناتجة عن التراتبية الاجتماعية والهرمية المدرسية، فإن تركيبهما يزيد ويضاعف من اللامساواة، كما أن تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية لا يقضي على اللامساواة الاجتماعية.

              و لمعرفة أثر المجتمع التراتبي على تكافؤ الفرص، فإن بودون يقدم نموذج أفراد مختلفين في مواقعهم، حيث يعتبر أن موقعهم يجبرهم على القيام باختبارات وقرارات متباينة في مختلف مراحل التوجيه المدرسي، لنحصل من جهة على إنتاج بصورة مبنية، ومن جهة أخرى على ظاهرة إضافية لا استمرار الأفراد في موقعهم. وتبعاً لنفس النموذج التفسيري النسقي المبني على عدد من الظواهر الإحصائية (منافذ الشغل, الدراسة, والمواقع، والمعطيات السوسيولوجية) المولدة لعدم تكافؤ الفرص، يدرج بودون تلك العلاقة القائمة بين الهيمنة وبنية الجدارة والاستحقاق في الحراك الاجتماعي؛ أي أن كفاءات الأفراد ناتجة عن منشئهم الاجتماعي المرتفع، في حين أن بنية الاستحقاق تعني أن مستوى الدراسة هو الذي يحدد الموقع الاجتماعي للأفراد.


              5. المقاربة الايكو- نسقية


              أ- عوامل الفشل الدراسي:

              يحاول ميشل لوبرو تفنيد أطروحة بورديو التي تجعل من الثقافة المدرسية انتماءً صرفاً للطبقة المسيطرة، ويحاول في الوقت ذاته تبرير الأشكال من منطلق جديد، واعتماداً على مصوغات ايكولوجية؛ أي بفعل التقاء الأفراد مع الواقع الذي ينتج فيه بالضرورة من خلال مواقعهم، وهذه اللقاءات تفرز وقائع نفسية. مواقع وانجذابات وتنافرات تشكل مجتمعة تضديات اجتماعية.

              وتبعاً لهذه المقاربة، يحدد لوبرو الفشل الدراسي على الشكل التالي: "إن كل فشل مهما كان صاحبه ومهما كان نوعه، يمثل بالضرورة مساساً بصورة الشخص ذاته، غير أن الفشل الدراسي يميل إلى مضاعفة الخسائر، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن الفشل مساس بالأنوية الفردية للبالغ، وتزداد خطورة الموقف عندما يتعلق الأمر بأطفال يوجدون في طور انبناء الشخصية؛ أي في وضعية اللاتوازن من وجهة نظر نفسية". ويمضي ميشيل لوبرو في تحديد عوامل الفشل الدراسي تبعاً للوسط الايكولوجي للطفل، وهي:


              1 ـ المحيط العام: ويمكن أن يكون من طبيعة مكانية (جغرافيا) أو زمانياً (تاريخياً)، حيث أصبح من الثابت علمياً أن نوع التجمع السكاني للفرد يؤثر بالضرورة على تطوراته واتجاهاته.

              2 ـ  المحيط الخاص: إنه الفضاء المباشر الذي يتموقع فيه الطفل، ويمكن الحديث هنا عن الوسط بأشكاله المختلفة: الأسرة، المدرسة، الوسط المادي والفيزيقي.

              3 ـ تأثير الأفراد: باعتبار سلوكاتهم ومواقفهم أثناء نسج علاقاتهم. إن شخصية الآباء خارج فعل ممارسة التربية تبقى حاسمة، إنها محدد مهم في تطور شخصية الطفل.


              ب- الثقافة الفرعية

              تقوم الفكرة الأساسية لهذا العامل على وجود ثقافة ضمنية من طبيعة شمولية تقف في وجه الثقافة المكتوبة التي تروجها المدرسة، إنها لا تناقض فقط الثقافة المدرسية المكتوبة، ولكن فعل المقاومة يبقى متبادلاً.

              و تحيل أطروحة مقاومة الثقافة الفرعية للثقافة المدرسية على النظرية الوظيفية كما نشأت وتطورت مع بارسونز وميرتون وصولاً إلى ماسغرايف، فقد حصر هذا الأخير وظيفة النظام التربوي في: الوظيفة المحافظة، الوظيفة التجديدية، الوظيفة السياسية، وظيفة الانتقاء الاجتماعي، الوظيفة الاقتصادية.

              غير أن ما يهمنا هنا هو تلك الوظائف المرتبطة بالتجديد والانتقاء، وهي الوظائف التي عبرها يتم تمرير الثقافة، غير أن ماسغرايف، وعلى الرغم من إدراجه ضمن التيار الوظيفي، فإنه يطرح تساؤلاً خاصاً مفاده: هل ينقل النظام التربوي ثقافة واحدة أم ثقافات؟ وكيف تنتج الثقافة؟ هل من المجتمع، أم من التاريخ، أم من الدين، أم من عمليات التفاعل بين الأفراد الذين يجدون أنفسهم مضطرين للدخول في مختلف أشكال الصراع أو التوافق؟ هل يكتسب الإنسان القيم والعادات والتقاليد من مؤسسة المدرسة أم أنه ينتجها؟ وحين إنتاجها، هل يكتفي بنسخها أم يضيف عليها ويعدلها؟ وهل تأتي الثقافة فقط من المدرسة أم من القيم والعادات السائدة؟

              تحيل هذه الأسئلة على إشكاليات شغلت الكثير من الباحثين، وأثارت على امتداد تاريخ الفلسفة والعلوم الإنسانية ردود فعل مختلفة.

              إن عملية تكوين الثقافة؛ سواء في شقها النظامي الذي تسهر عليه المؤسسات الرسمية، أم في شقها الشعبي الذي ينبثق من تفاعل الأفراد مع محيطهم، تندرج ضمن ما يمكن تسميته تفاعل الأفراد مع بيئتهم واستجاباتهم للحاجات المتجددة.
              الثقافة والمجتمع والتاريخ والمدرسة ومؤسسات الإعلام ووسائل الاتصال عناوين بارزة لعلاقة جدلية تندرج فيها عمليات تكوين الشخصية الإنسانية في إطار علاقة شرطية، لا تشكل فيها ثقافة المدرسة سوى لحظة، وعلى الرغم من فاعليتها، فإنها تبقى مجرد لحظة من لحظات التكوين الثقافي.


              ج- مقاومة المدرسة

              في مواجهتهم للمدرسة وإجباريتها، يختلف رد فعل الفئات الاجتماعية، حيث تتبنى الطبقات العليا مواقف تمكنها من الاستفادة من وضعيتها، في حين تعمد الطبقات الدنيا إلى مقاومة شديدة. ولتحليل هذه الوضعية، يستعير ميشيل لوبرو مفاهيم علم النفس الاجتماعي، معتبراً بأنه "إذا اعتبرنا الطبقة الشغيلة التي تسمى كذلك يدوية تتوفر على ثقافة فرعية داخل الثقافة الكلية للمجتمع، فإن كونها يدوية يجعلها تطور بعض السلوكات والقيم والأحاسيس الفنية والإيجابية، لكنها بالمقابل تحاول الانغلاق كغيرها من الثقافات الأخرى".

              إن الميكانيزم السيكواجتماعي المفسر لذلك سهل الفهم حسب لوبرو: "كل شيء سيكون على أحسن ما يرام إذا اكتفى أفراد ثقافة معينة بتطوير الأنشطة ومواجهة المشاكل المرتبطة بهذه الثقافة، لكن للأسف! يقول لوبرو، فإن الإنسان مطالب بمواجهة المشاكل التي تخص الإنسانية جمعاء".

              المدرسة بلغة بورديو حقل وميدان للعب، يخضع لميزان القوى، حيث المهيمنون يسعون باستمرار إلى احتكار التفوق، والمهيمن عليهم يستسلمون ويرضخون بنوع من العفوية دون أن يعني ذلك نسيان حقيقة الوضع القائم على وجود مهيمنين.
              التفكير إذن في المدرسة باعتبارها حقلاً يعني على الصعيدين النظري والتطبيقي اعتبارها فضاء لمختلف أنماط الإنتاج الفكري ومعطيات البنية الاجتماعية بكل أبعادها الاقتصادية والثقافية والبيئية. وفي هذا السياق، شكلت أطروحات بيير بورديو مع جون كلود باسرون تشريحاً جديداً للأنظمة التربوية من خلال تبيان أهمية الموروث الثقافي والوضع المادي للطلاب في تحديد نسب النجاح وانتشار عدم تكافؤ الفرص، فعلى الرغم من كل الشعارات التي يمكن رفعها حول ديمقراطية المدرسة، وضمان التعليم للجميع، فإن ميكانيزمات النظام التربوي تفضي إلى تشجيع الاستعدادات المسبقة لدى أبناء المدرسة والمنسجمة مع توجهاتها. وفي هذا السياق، أفادت بحوث ميدانية أجراها الثنائي بورديو وباسرون أن حظوظ أبناء الأطر العالية في فرنسا في ولوج الجامعة، تفوق ثمانين مرة أبناء الفلاحين والأجراء والعمال.


              د- انغلاق الوسط

              إن العوامل الرئيسية للفشل الدراسي -يقول لوبرو- تتمثل في انغلاق الوسط، والتي تصادفنا أينما ذهبنا في مجتمع كمجتمعنا تهيمن فيه الثقافة المكتوبة، وبالتالي فإن أي محاولة للوقوف ضدها يؤدي إلى الإقصاء والتهميش.

              إن الأسرة ضحية هذه الشروط ذات السمة الايكولوجية. تعيد إنتاج هذه الظروف نفسها التي تؤثر بدورها على أطفالهم، فيضطر الأطفال إلى تبني قيم مماثلة لقيم الآباء، بالتالي سيقومون باختيارات مماثلة، كذلك لقيم أبائهم، الأمر الذي سيجعلهم يندمجون في النسيج الاجتماعي بالكيفية نفسها.

              غير أن هذه النتيجة -يقول لوبرو- ليست حتمية، حيث يمكن للأطفال الوقوع تحت تأثيرات أخرى توجههم بطريقة مخالفة. إن الأطفال لا يرثون الوضع الاجتماعي لآبائهم، ولا ثقافتهم، إنهم يتعرضون فقط للشروط نفسها التي تجعلهم يقومون بالاختيارات نفسها، ونظرياً يمكنهم القيام باختيار آخر إذا كانوا يتوفرون على قيم أخرى في حدود هامش الحركة التي يوفرها المجتمع. ومع ذلك، فإن التأثير على الأطفال يتم داخل البيت ومع الأم أو الأب، حيث يبدو الانغلاق أكثر وضوحاً.

              والحاصل أن الفشل الدراسي ظاهرة إنسانية لا يمكن لأي مقاربة أحادية البعد أن تدعي لنفسها القدرة على الإحاطة بجوانبها كافة، وإذا كانت هذه الورقة قد ركزت على البعد الثقافي للظاهرة، فإنها تبقى محكومة بالقصور. صحيح أن البعد الثقافي كما تقاربه مختلف النظريات الصراعية يبقى مهماً إلا أنه ليس سوى معطى ضمن معطيات أخرى، والإلمام بها يقتضي مقاربة تكاملية تستعير عتادها النظري التطبيقي من مختلف التخصصات.